الثلاثاء، 28 فبراير 2023

نظرات فى خطبة تأملات حول معنى البركة

نظرات فى خطبة تأملات حول معنى البركة
الخطيب صالح بن حميد وقد استهلها كالعادة بمقدمة تقليدية كالخطب ألأخرى ثم طالب الحاضرين ونفسه بتقوى الله والبعد عن عما فى الدنيا من سهل المتاع مستخدما السجع فقال :
"أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتَّقوا الله رحمكم الله، ولا يغرنَّكم سهلُ الدنيا، فبعد السهلِ حُزون، والفرِحُ فيها محزون، والحُزن فيها غير مَأمون، ما ضحِكت فيها نفوس إلا وبَكَت عيون، هي داء المَنون، من ركَن إليها فهو المغبون، لم يهتمَّ بالخلاص إلا أهلُ التقى والإخلاص، أيّامهم بالصلاح زاهرة، وأعينُهم في الدُّجى ساهرة، في نفوس طاهرة، وقلوبٍ بخشية الله عامرة، يعملون للدنيا والآخرة."
والخطأ هو اليعد عن سهب الدنيا لأن المطلوب هو اتباع كلام الله فى متاع الدنيا بأخذ طيباتها والبعد محرماتها كما قال تعالى :
"قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
ثم تحدث عن وجوب تأمل المسلم فى نعم الحالية والتى بعضها لم يعطها للأجيال السابقة فقال :
"أيّها المسلمون، حقٌّ على كلِّ مسلم ومتبصِّرٍ أن يقفَ موقفَ تأمُّل وتدبّر ونظرٍ وتفكّر، لقد فتح الله على أهلِ هذا العصر ما فتح من نِعَم لا تحصى، لم يعرِفها السابقون، ولم ينعَم بها الأسلاف، في العلم والتعليم والإعلام والتواصُل والطبّ والعلاج، في الكسبِ والاحتراف والمالِ والاقتصاد والنّقل والمواصلاتِ والتجارَةِ والصناعة والزراعةِ واللباس والزينةِ، في كلِّ ميادين الحياة وشؤونها، تطوّرٌ عظيم واسع، غيَّر ظروفَ الناسِ وأحوالهم، مكَّن الله لهم في الأرض ما لم يمكِّن لمن قبلهم، فتح الله الأسواقَ والأرزاق وتبادُلَ المنافع بين أهل الدنيا وأرجاءِ المعمورة"
وهذا الحديث عن التقدم العلمى الحالى عن العصور السابقة هو كلام خاطىء فقد أعطى الله بعض القدماء تقدما لم يبلغ الناس فى عصر الرسول(ص) نفسه عشره فقال :
"وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما أتيناهم"
وتحدث الله عن أن قوة بعض الأمم فى العصور السابقة تغلبت على العصر الحديث الذى كان عصر النبى (ص) فقال :
"أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها"
وتحدث الرجل عن أن التقدم التقنى الحالى لم تتولد عنه البركة وطمأنينة وأمان وإنما تولد عنه سيئات كثيرة فقال :
"إنَّ المسلمَ ذا القلب الحيِّ والعاقلَ المتبصِّر ممن يلقي السمعَ وهو شهيد ليتساءَل: أين البرَكة؟! أين الطّمأنينةُ؟! أين الحياةُ الطيِّبة الموعود عليها في مثل قوله سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]؟!
العلومُ والمختَرَعات والمكتشَفَات والمنجَزَات والمصنوعَاتُ والمنتجَات مهما امتدَّ رواقها واتَّسع ميدانها هل تحقِّق بذاتها الطّمأنينَة؟! وهل تجلب سعادة؟! وهل يتنزَّل بها برَكة؟! العصرُ عصرُ عِلم وعصر سرعَة وعصر تِقنيّة، ولكن هل هو عصر فضيلةٍ؟! هل هو عصر طمأنينة؟! هل هو عصر بركة؟!
كم من أمّةٍ قويّة غنيّة، ولكنها تعيش في شِقوَةٍ، مهدَّدَة في أمنها، تخشَى تقطُّع أوصالها، يسدوها قلَقٌ، يهدِّدها انحلال، قوّةٌ في خوف، ومَتاع بلا رضا، ووَفرةٌ من غير صلاح، وحاضِر نضِر ومستقبَل مظلِم، بل لعلَّه ابتلاء يعقبُه نكال"
وتساءل عن معنى البركة ثم أجاب فقال :
أيّها الإخوة الأحِبّة، كلُّ هذه التأمّلات تدعو إلى التساؤل: ما هي البركةُ؟ وأين البركة؟ وأين الحياةُ الطيّبة والعيشة الهنيّة؟ حيث يقول الله عزّ وجلّ في محكم تنزيله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96].
عبادَ الله، البركة هي النّماء والزِّيادة والسعادة والكثرةُ في كلِّ خير، وبرَكاتُ ربِّنا كثرةُ خيره وإحسانِه إلى خلقه وسَعَة رحمته والبركةُ فيوض الخيرِ الإلَهيّ وثبوته ودوامُه، قال أهل العلم: ولما كان فضل الله لا يُحصَى ولا يحصَر ويأتي للإنسان من حيث لا يحسّ ولا يحتسِب قيل لكلِّ ما يشاهَد منه زيادةٌ غير محسوسَةٍ: هو مبارك وفيه بركة.
فالخير كلُّه من الله وإليه وبيدَيه، فربّنا سبحانه له كلُّ كمال، ومنه كلُّ خير، وله الحمد كلّه، وله الثناء كله، تبارك اسمُه، وتباركت أوصافُه، وتبارك فِعاله، وتبارَكت ذاته، فالبركة كلُّها منه وبيَدِه، لا يتعاظَمُه شيءٌ سُئلَه، ولا تنقصُ خزائنُه على كثرةِ عطائه وجزيلِ نَوَاله، أكُفُّ جميع العالم إليه ممتدَّة تطلُبُه وتسأله، يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرحمن:29]، يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، ويمينه ملأى، لا يفيضُها نفَقة، سحّاءَ الليل والنهار، عطاؤُه وخيرُه مبذول في الدنيا للأبرارِ والفجار، فللَّهِ الحمد أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا على خيرِه الجزيل وفضله العميمِ وبركاته الدائمة ونِعَمه الوافرة الظاهرةِ والباطنة، فتبارك سبحانَه بدوامِ جودِه وكثرة خَيره ومجدِه وعُلوِّ عظمَته وجلالِ قدسه.
الخيراتُ والنِّعم في الدنيا والآخرة في القديمِ والحديث كلُّها من فضله في وجودِها وثبوتها ودوامِها وكثرتها وبركتها، فالله الحمد والمنة"
إذا البركة عند الرجل هى استمرارية الخير فى الوجود وهى من الله ثم تحدث عن بعض البركات فى حياتنا فقال :
"وربُّنا سبحانه وضَع البركةَ في كثيرٍ من مخلوقاته، فالماء طَهورٌ مبارك، وفي السّحورِ بَركة، وبيت الله مبارَك، وطيبَةُ الطيِّبة مباركة، والمسجد الأقصَى باركَه الله وبارك ما حولَه، والقرآن أنزله ربُّنا كتابًا مباركًا في ليلةٍ مباركة، فكلُّ ما دلَّ الدليل على أنه مبارَك فقد وضَعَ الله فيه البرَكة، وهو سببُها، ففيهَا الخير والنمَاء والزيادة.
والمبارَك من الناس ـ كما يقول ابن القيّم ـ هو الذي يُنتَفَع به حيث حلَّ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ [مريم:31].
بركاتٌ يضَعها الله في الأشياءِ والأنفس والأموال والبنين والأهلِين والأحوال والأزمنةِ والأمكنة والعلومِ والمعارف والمشاعِرِ والأعمال. بركاتٌ في طيِّبات الحياةِ، وبركاتٌ تنَمِّي الحياة وترفَعُها، وليست وفرةً مع شِقوةٍ وكثرةً مع تردٍّ وانحلال."
إذا البركة تكون فى كل شىء بمعنى أنه نافع لمجموع الناس وأما السبيل إلى الحصول على البركة فهو الإيمان والتقوى وهى العمل الصالح وفى هذا قال :
"أيها المسلمون، أمّا سبيل تحصيلِ البركةِ وحصولها فالإيمانُ والتقوى والصلاحُ والعَدل والرّحمة والإحسان، ولقد قيل لآدم أبي البشَر من أوّل هبوطه إلى هذه الدنيا: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:123، 124]، وقال عن أبي البَشَر الثاني نوحٍ عليه السلام: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ [هود:48]. الإيمانُ والتَّقوى واتّباعُ الهدَى هو الطريق إلى بركاتِ السماء والأرض واستدرارِ الأرزاق والخيرات، وعدٌ من الله حق، ومن أوفى بعده من الله؟!"
وتحدث عن أن الغرض من الشرع هو السعادتين فى الدنيا والآخرة فقال :
"عبادَ الله، الدينُ بعقائدِه وشرائعِه يقتضِي سعادةَ الدنيا قبل الآخرةِ مِن أوَّل نشأةِ البشريّة، من عهدِ آدم ونوح وإبراهيمَ وموسى وعيسَى ومحمّد عليهم الصلوات والسلام إلى أن يرِثَ الله الأرضَ ومن عليها، وأهلُ الإيمان يتلقَّونَ هذا بقلبٍ مؤمِن مصدِّق مسلِّم، لا يتردَّدون في ذلك لحظة، ولا يشكّون في وقوع مدلولِه طَرفَة.
الإيمان والتقوَى والصلاح والهدى قوَةٌ دافِعة دافِقَة تنطلِق لعمارةِ الأرض وبنائها وابتغاءِ خَيراتها وبركاتها في رقِيِّ الحياة ونمائها وتطوُّرها، في دفعِ الفساد والفِتنة، في مسيرةٍ صالحة منتِجة، تحوطها عنايةُ الله ومددُه وبركاته، ويعمُّها خيرُه وتوفيقُه وعنايَتُه. بالصّلاح والهدَى يفتح الله بركاتِ السّماء والأرض، ويأكل الناس من فوقِهم ومن تحت أرجلهم، في فَيضٍ غامِر ومَدَد لا ينقطع."
وتحدث عن أن المسلم لابد له أن يعمل لآخرته لأنه لو عمل لدنياه وحدها لكفر فقال :
"إنَّ المؤمنَ بالله واليوم الآخرِ لا يخاطر بدنياه ليربَح آخرتَه، كلا، إنّه بإيمانه يربَح الحياتين ويفوز بالحُسنَيَينِ، مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134]، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30]، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]."
وأعاد الحديث عن وجوب تأمل المسلم فى بركة الإسلام فقال :
"حريٌّ بالمؤمنِ أن ينظرَ ويتأمَّل في الآثار المباركةِ للدين والطاعات في حياةِ المسلم، بل في حياة الإنسانيّة كلِّها. العبادات والطاعاتُ وحُسن الخلق والتعامُل وسائلُ تزكيةٍ لنفس المؤمن وترقية لروحِه وتهذيب سلوكِه، تثمِر الخيرَ والبركة، وتورِث الطمأنينةَ والسّكينة."
وتحدث عن جزئية البركة فى البيع والشراء فقال:
"تأمَّلوا هذا الحديثَ العظيم في شأن المتبايِعَين، يقول (ص):
((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتمَا محِقَت بركةُ بيعِهما)) حديث صحيح رواه الإمام مسلم من حديث حكيمٍ بن حزام.
يصدُق البائع في سِلعته وصفاتِ المبيع ومِقدار الثمن، ويصدق المشتري في الوفاءِ وسَلامة الثّمن، ويدلُّ الحديث على أن الدنيا لا يتِمّ حصولها إلاّ بالعمل الصالح، وشُؤمُ المعاصي يذهَب بخيرَيِ الدنيا والآخرة.
ويظهَر ذلك ويتأكَّد ـ أيها المسلمون ـ في الحديث الصحيح الآخر في قولِه : ((الحلِف منفقةٌ للسلعة ممحقَة للكَسب)) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة."
وطالب الرجل المسلمين أن يقارنوا بركة البيع الحلال بمحق الله للربا فقال :
"وقارِنوا ذلك ـ رحمكم الله ـ واربطوه بما يمحَق الله من الربا ويزيد في الصدقات كما قال سبحانه: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39]، وفي قولهِ سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276]، قال مقاتل: "ما كان من رِبا وإن زاد حتى يغبَط صاحبه فإنَّ الله يمحَقه"، وفي حديثٍ حسَن مرفوع: ((إنَّ الربا وإن كثُر فإنَّ عاقبتَه إلى قِلّ))"
وبنى الرجل على ذلك أن الحرام يؤدى لفناء مال صاحبه فى النهاية فقال :
"إنَّ كلَّ هذه المخالفات والمعاصِي تمحَق البركة في المعاملاتِ وإن بدَت في عدَدِها وكمّيّتها زائدةً متكاثرة، فمَحقُ البركة يفضي إلى اضمِحلال العدَد وقِلَّة النّفع وتلاشي الفائدة، ناهيكم ثم ناهيكم باضمحلال الأجرِ في الآخرة"
والخطأ فى هذا الكلام أن المال الحرام نفعه قد يستمر لعقود بعد موت صاحبه فشركات الخمور والتدخين موجودة بنفس الأسماء منذ أكثر من قرن ومع هذا لم يفنى مال من سار فى تاريخ الحرام وهاهى مؤسسات الإعلام المفسدة لأخلاق الناس مستمرة فى الوجود رغم تأسيسها من قرن ومستمرة فى إنتاج الأفلام والمسلسلات المفسدة
إذا البركة ليست استمرارية نفع المال لفرد أو أسرة وإنما البركة هى نفع الناس منفعة مطمئنة لا تجعل هناك قلق وخوف وغير هذا من المشكلات
وتحدث عن آثار البركة فى المجتمع المسلم فقال :
"عباد الله، إنَّ معيشةَ التّقي والصلاح والطاعةِ والعبادة تورِث الصّحّةَ البدنيّة والنفسيّة، وتثمر الراحة المادية والبدنيّة، وتنتِج البركة والطمأنينةَ، وتحفَظ لصاحبها في عاجلِ أمرِه وآجله ذخائرَ من الخير لا تكون لغيره، مَن كانتِ الدنيا همَّه فرَّق الله عليه شمله، وجعل فقرَه بين عينيه، ولم يأتِه من الدّنيا إلا ما كتِب له، ومن كانت الآخرة همَّه جمع الله عليه أمرَه، وجعل غِناه في قلبه، وأتَته الدنيا وهي راغمة.
إنَّ الشواهد متكاثِرةٌ على ما للإيمانِ والصلاحِ من آثارٍ وبركات في النّفس وفي الحياة، في الزمان والمكان، في الأهلِ والدّار. ولا ريبَ أنَّ مسلَكَ التّقى يفتح على الإنسان أبوابَ الرّضا والقناعة والبركةِ والسعادة، فالقاعِدةُ المقرَّرة التي لا تتخلَّف: إنَّ الدينَ الحقّ والإيمان الصحيح والعمل الصالح سَببٌ لسعادة الدنيا وبركاتها، وأهلُ الإيمان حين يفتَح الله عليهم من بركاتِه ونِعَمه يكون أثرُه فيهم من الشّكرِ لله والرّضَا عنه والاغتِباط بفضله وصَرف النعم في سبيلِه ورضاه وفي طريقِ الخير لا في الشرّ وفي الصلاح لا في الفساد، ويكون جزاؤُهم زيادةَ النّعم وبركاتها، أمانٌ في النفوس وطمأنينةٌ في القلوب ونفعٌ في الممتلَكات وحسنُ ثوابِ الآخرة، فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38].
ومِن سنَنِ الله في عباده أنَّ الأمانَ جزاء الإيمان، وأنَّ الخوفَ جزاءُ الكفران، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]."
وتحدث عن طمأنينة المجتمع المسلم الحقيقى فقال :
وبعد: فلا ريبَ أنَّ حياة الإيمان والفضيلةِ هي البركةُ والاستقرار والسّكينة. الإيمانُ الراسخ يشرِق على القلوبِ سناه، ويخُطُّ في أعماقِ النفوس مجراه، إيمانٌ عميق وعقيدَة راسخة تتَّسِع للروح والمادّةِ والحقِّ والعِزَّة والعِلم والدين والدّنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم:6-8]."
وتحدث فى الخطبة الثانية عن الإرهابيين وأنهم يدمرون المجتمع بأفعالهم فى كل الأمور فقال :
"أما بعد: أيّها المسلِمون، ومِن مِواقفِ التأمّل والتدبُّر في هذا العصر في علومِه ومعارفه وإيمانيّاته وانحرافِه ما طبِعَ فيه على قلوبِ بعضِ الأغرار الصِّغار أُغيلِمَة الضلال والزيغ ممَّن ينتمون إلى الإسلام وأهل الإسلام وديارِ الإسلام، يعيشون حياةَ الاضطراب والحَيرة والتبرُّم والقلَق والتشرّد والهروب والإرهاب، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125].
فئةٌ ضالّة، سُفهاء الأحلام، حدَثاء الأسنان، قليلو البِضاعة في العلم، أهلَكوا أنفسَهم، وأفسدوا في ديارهم، ومكَّنوا لأعداء الدّين، وروَّعوا الآمنين، وفتَحوا التمكينَ للمتربِّصين ومن في قلوبهم مرَض. وَيحَهم، هل يريدون جرَّ الأمّة إلى ويلاتٍ تحلِق الدينَ وتزعزِع الأمنَ وتشيع الفوضَى وتحبِط النّفوس وتعطِّل مشاريعَ الخير ومسيرةَ الإصلاح وعِزَّة الدين؟! هل يريدون أن يذلَّ الأحرار وتُدَنَّس الحرائر ويخرج الناسُ من ديارهم؟! هل يريدون أن يكثُرَ القتل والهرجُ وتضطرِبَ الأحوال وتنتَهَك الحرُمات وتتفرَّق الناس في الولاءاتِ وتتعدَّد في المرجعيّات حتى يغبِطَ الأحياءُ الأمواتَ كما هو واقعٌ ـ مع الأسف ـ في بعض الدِّيار التي عمَّتها الفوضى وافترسَها الأعداء؟! يريدون إثارةَ فِتن وقودُها الناس والأموال والثمراتُ، ونِتاجها نَقصُ الدّين ونَشر الخوف والجوعِ والفرقة، ولكن لن يكونَ ذلك بإذن الله وحولِه وقوّته، فأهلُ العلم والإيمان ورجالاتُ المجتمع وقادَة الأمّة لن تسمحَ لحفنةٍ من الشّاذّين أن تمليَ عليها تغييرَ مسارِها أو التشكيك في مبادئها ومسلَّماتها في دينِها وعقيدتها أو التفريط في منجَزاتها ومكتسَباتها ووحدتها، وهذا جلِيٌّ ـ ولله الحمد ـ وظاهر في هذه الوقفةِ الحازمة الصادِقة التي وقَفتهَا الأمّة بقيادتها وبكلِّ فئاتها ضدَّ هذا التطرُّف المشين والانحراف المفسِد والعمل الإجراميّ الظالم الآثم"
والخطأ هنا هو أن الإرهاب والإرهابيين وجودهم محرم مع أن الله أمر بالإرهاب فقال :
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم"
فالإرهاب وهو إعداد القوى لتخويف العدو مطلوب وأما ما يتحدث عنه صالح فهو ما سماه الله الحرب على الدين أى على الله وهى الاعتداء على نفوس وأموال الناس وأعراضهم وبيوتهم
ومن الخطأ الفاحش أن نسير خلف الساسة مغيرين كلام الله فيجب أن تختفى كلمة الإرهاب كجريمة من المجتمع ويحل محلها كلمة الاعتداء أى الحرب على المسلمين أو غيرهم
وتحدث عن وجوب استنكار أعمال الاعتداء التى ذكرها واقفين خلف الحكام فقال :
"وقَفَت الأمّة خلفَ قيادتها وولاةِ أمرِها تستنكِر هذا العملَ وتدينه، ولا تقبَل فيه أيَّ مسوِّغ أو مبرِّر، وتتعاوَن في كشف أصحابه وفَضح مخطَّطاتهم والدّلالة على مخابِئِهم والبراءة منهم ومن أفعالهم، فكلُّنا بإذنِ الله وعونِه وتأييده حرّاسٌ للعقيدةِ حُماة للدّيار غَيارى على الدين والحرمات.
ويأتي في مقدّمة هؤلاء الحراس إخواننا وأبناؤنا رجال الأمن، أهل الشجاعة والإقدام، وأصحاب الإنجازات البطولية والمواقف الحازمة والتعامل القويّ والحكيم، في إخلاص وتفانٍ وإتقان وكفاءة؛ لأنهم مطمئنون أنهم على الحق والهدى، من عاش منهم عاش سعيدًا، ومن مات منهم مات شهيدًا، ففي سبيل الله ما يعملون، ومن أجل حماية الديار ما يفعلون، يفقهون معنى قول الله عز وجل: وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، فالقتال من أجل الأوطانِ والديار هو قتال في سبيل الله.
رجال الأمن بأعمالهم وبطولاتهم ويقظتهم وشجاعتهم وحكمتهم ـ بإذن الله ـ تبقى هذه البلاد عزيزةً محفوظة، رافعة لمنار الدين وراية الإسلام، إنهم مصدر القوة والاعتزاز، بل هم ـ بإذن الله ـ صمام الأمان في حماية دار الإسلام مهدِ مقدَّسات المسلمين، إنهم بفضل الله وتوفيقه وعونه حماة الدين وحماة الديار وحماة مهبط الوحي، وسيظلّون تاجَ الرؤوس ومصدرَ طمأنينة النفوس، فأحسن الله إليهم، وبارك في أعمالهم، وآتاهم الله ثوابَ الدنيا وحسنَ ثواب الآخرة، والله يحبّ المحسنين"
وبالقطع هذا الكلام يتناسى أن مجتمعاتنا الحالية لا تحكم بما أنزل الله وأن ما يحدث هو حرب بين من فى السلطة وحرب بين من يريدون السلطة أيضا وأن الكثير مما يحدث سببه قيام السلطات ومن يحميها بجرائم أدت إلى وجود الطرف الأخر وهاهى السعودية تعتبر أن دعاتها ووعاظها السابقين مثل صالح هم إرهابيين وتقوم يإعدامهم وسجنهم وهو كلام لا يعقله أحد فكيف رعت السلطات السابقة هؤلاء وأعطتهم الأموال والمناصب والقنوات ثم تعود السلطة الحالية إلى اعتبارهم إرهابيين لأنهم لم يستجيبوا لمتطلبات السلطة الحالية :
إنها لعبة الدعاة والسلطان 

الاثنين، 27 فبراير 2023

نقد كتاب الرد العلمي على منكري التصنيف

نقد كتاب الرد العلمي على منكري التصنيف
المؤلف عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم والكتاب يدور حول نسبة الناس إلى جماعات سنى وشيعى وإباضى ومعتزلى وقدرى ومرجىء وهو يعتبر أن كل من لم ينتسب إلى السنة فهو بدعى وهو ما نسميه فى عصرنا التكفير وفى هذا قال ابن برجس:
"التصنيف :
هل هو حق أم باطل وهل يصح التصنيف بالظن أم لا يصح ؟
وجواب هذه المسألة أن يقال إن التصنيف الذي هو نسبة الشخص الذي تلبس ببدعة إلى بدعته ونحو ذلك كنسبة الكذاب إلى كذبه وهكذا كل ما يتعلق بمسائل الجرح والتعديل.
نقول إن هذا التصنيف حق ودين يدان به، ولهذا أجمع أهل السنة على صحة نسبة من عرف ببدعة إلى بدعته، فمن عرف بالقدر قيل هو قدري، ومن عرف ببدعة الخوارج قيل خارجي، ومن عرف بالإرجاء قيل هو مرجئ، ومن عرف بالرفض قيل رافضي، ومن عرف بالتمشعر قيل أشعري، وهكذا معتزلي وصوفي وهلما جرا، وأصل هذا أن النبي (ص)أخبر أن أمته ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، ففيه دلالة على وجود الفرق ولا يتصور وجود الفرق إلا بوجود من يقوم بمعتقداتها من الناس، وإذا كان الأمر كذلك فكل من دان بمعتقد أحد هذه الفرق نسب إليه لا محالة.
وقد ذكر النبي (ص)مثالا لهذه الفرق وهم القدرية في قوله (ص): القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم .

والقدرية واحدهم قدري، فالنبي (ص)نسب أشخاصا من أمته سيأتون من بعده إلى القدر فصنفهم بالبدعة التي وقعوا فيها وهي إنكار القدر، مثالا آخر لتلك الفرق جاء على لسان رسول الله (ص)الخوارج واحدهم خارجي ، وقد أشار إليهم النبي (ص)في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر وهو (ص) لم يسميهم بالخوارج ولكن الصحابة ورد عنهم تسميتهم بذلك وتنزيل الأحاديث التي جاءت في الخوارج على الخوارج الذين وجدوا بعد النبي (ص)والأحاديث كثيرة منها ما جاء في المسند والسنن أن النبي (ص)قال: "سيكون في أمتي اختلافا وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأوون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم" قالوا: يا رسول الله ما سيماهم، قال: "التحليق". حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد واللالكائي وغيرهم وهو في السنن أيضا.
وقد أخرج مسلم وغيره عن بسر بن عمرو قال سألت سهل بن حنيف هل سمعت رسول الله (ص)يذكر الخوارج، فقال: سمعته وأشار بيده نحو المشرق قوم يقرأوون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والحديث كما أنه في مسلم أيضا هو في البخاري وفي مسند الإمام أحمد.

وامتدادا لهذا المأثور جاءت أقوال السلف وأفعالهم في هذا الباب واضحة، فهم يثبتون هذه الفرق وينسبونها إلى بدعتها التي خرجت بها عن موجب الكتاب والسنة، ومن عرف بها من آحاد الناس نسبوه إليها وكل هذا منقول عنهم ومثبت في دواوين السنة لا يخفى على أهل العلم ولو كتب المرء في ذلك مجلدا كبيرا لما أحاط ببعض ذلك، وكتب السير والتراجم والمؤلفات الموصوفة بالسنة فيها شىء كثير من هذا الباب، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جاء في صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني وفيه أنه لقي ابن عمر فقال له إنه قد ظهر أناس من قبلنا يقرأوون القرآن ويتعلمون العلم ، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، فقال ابن عمر: (إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم براء مني)، وأولئك إشارة إلى الأشخاص الذين دانوا بالقدر أي دانوا بإنكار القدر فنسبوا إلى القدرية، وقد جاء عن أبي أمامة أنه تأول قول الله سبحانه وتعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا" تأولها في الخوارج، وكذلك جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد روي في ذلك أحاديث مرفوعة الى النبي (ص)وإن كان لا يثبت منها شيء، وقد جاء أيضا عن أبي أمامة في تأويل قول الله سبحانه وتعالى: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " أنها في الخوارج.
وفوق هذا أن السلف ينسبون من تلبس بهذه البدعة ونحوها إليها، فنافع ابن الأزرق أحد رؤوس الخوارج كما هو معلوم وقد نسبه السلف إلي هذه البدعة ، بل قد كان اسمه في زمن من الأزمان عندهم علم أو علما على الخوارج ، فقد كانت طائفة من الخوارج تدعى بالأزارقة ، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد أن عبد الله بن أبي أوفى قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة ، حدثنا رسول الله (ص)أنهم كلاب النار، فقال الراوي عنه قلت له: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها، قال: بلى الخوارج كلها.
والأزارقة قد قتلوا في زمن عبد الله بن الزبير ورؤوس الخوارج وأمراؤهم الذين قاتلهم علي بن أبي طالب معروفون عند السلف ينسبون بأعيانهم إلى هذه البدعة ، كعبد الله بن وهب، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أبي أوفى، وعبد الله بن صخبرة السلمي وغيرهم، ومثل هؤلاء أيضا السلسلة المشينة الجهم بن صفوان عن الجعد بن درهم عن أبان بن سمعان عن طالوت ابن الأعصم اليهودي فقد عرف أهل السنة خبث هذه السلسلة وحذروا منها ونسبوا كل من عرف بهذه الملة إلى مشيعها ومفشيها الجهم بن صفوان فقالوا جهمي وهكذا الحال في معبد الجهني وغيلان الدمشقي القائلين بالقدر وفي واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أهل الأعتزال فكل هؤلاء وغيرهم كثير صنفهم السلف رضي الله عنهم وذكروا أسمائهم منسوبة إلى بدعهم دون نكير بينهم .
وأنت إذا أخذت جانبا آخر من هذا الباب وجدت كتب الجرح والتعديل مليئة بنسبة من دون أولئك إليهم ما داموا مشتركين معهم في نحلتهم ووجهتم وبصرف النظر عن ثبوت ذلك في حق من نسب إليه هذا الأمر أو عدم ثبوت ذلك ."

وكب هذا الكلام يعتمد على رواية كاذبة لم يقلها الرسول(ص) لأنها تنسب إليه العلم بالغيب الممثل فى انقسام الناس إلى بضع وسبعين فرقة وفى وجود الخوارج والقدرية والمرجئة وغيرهم وهو ما يتناقض أنه لا يعلم شىء من الغيب كما قال تعالى على لسانه:
" ولا أعلم الغيب "
كما أن الأمة لا تنقسم ولا يقال عليها أمتى لأنها أمة المسلمين كما قال تعالى :"
"وأن هذه أمتكم أمة واحدة"

والغريب فى كلام القوم هو :
ان التصنيف الذى اخترعوه ليس له وجود فى كتاب الله فلا يوجد فى كتاب الله ولا حتى فى الروايات السنية ما يسمى بأهل السنة والجماعة ولا حتى تسمية الشيعة
ومن ثم فهذا التقسيم والتسمية إذا اعتبرنا كتاب الله بدعة هى الأخرى لأنها تقوم على غير أساس حتى من الروايات السنية ومن ثم يكون من يسمى نفسه سنى مبتدع لأن التسمية لم ترد فى أى نص عن الرسول(ص) أو عن الصحابة
الله قسم الناس لمؤمنين وكفار أى مسلمين ومجرمين فقال مثلا :
" "فمنكم كافر ومنكم مؤمن"
وقال :
"أفنجعل المسلمين كالمجرمين"
إذا كل كلام ابن برجس خارج عن دين الله سواء عند من يقرون بالقرآن وحده أو حتى عند دراسى الحديث
فلا وجود لذلك التصنيف
وقال :
"المقصد أن أهل السنة فعلوا ذلك فإن ثبت فقد حصل المقصود وإن لم يثبت برء من نسب إليه ذلك.
أقول هذا لأن بعض من نسبوا إلى ذلك الأمر قد لا يثبت عنهم نسبتهم إلى تلك البدع وهذا كما قيل في الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب فقد قال عنه ابن حبان كان حريزي المذهب يعني أنه يرى رأي حريز بن عثمان الذي رمي بالنصب وقال ابن عيينة في إسماعيل بن سميع كان بيهسيا، وقال فيه ابن القطان كان صفريا وبهيتيا نسبة إلى أحد رؤوس الخوارج ينسب إليه طائفة منهم والبهيتية طائفة من الصفرية اتباع زياد بن الأصفر من الخوارج وهكذا يقول أحمد في سيف بن سليمان قدري وهلما جرا، تجد من هذا الكلام شيئا كثيرا في كتب السلف.
فثبت بجميع ما ذكر أن التصنيف حق أجمعت عليه الأمة فلا ينكره عاقل وكما أن أهل البدع ينسبون إلى بدعهم ليعرفوا فيحذروا فهكذا أهل الحق ينسبون إليه لا إلى غيره فليس لهم ألقاب تنم عن الخروج عن مقتضى الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، وهذا معنى قول الإمام مالك : (أهل السنة ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي) ذكره عنه ابن عبد البر في الانتقاء وسئل عن السنة فقال: (هي ما لا اسم له غير السنة وتلا قول الله سبحانه وتعالى: " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" ."

وكلام الرجل على اجماع الأمة هو من ضمن مخالفة القرآن فالأمة قد تجمع على الضلالة وهو الخطأ كما أجمع الرسول(ص) والمؤمنين عبى براءة احدهم واتهام كافر بجريمة حتى نزل الوحى بتبرئة الكافر ناهيا النبى(ص) والمؤمنين عن الدفاع وهو الجدال عن المجرم فى قوله تعالى :
"ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
وقد أجمع اخوة يوسف(ص) على ضلالة وهى التخلص من يوسف(ص) وفى اجماعهم الضال قال تعالى :
"فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون"
ومن ثم اجماع الناس لا يفيد حكما فى كتاب الله لأن الحكم لله وليس للناس كما قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
ولو كان الأمر كما يدعى ابن برجس وأمثاله أنه من قال أنى سنى سيدخل الجنة لوجب أن يدخل الجنة من قال أنى مسلم فليس الإسلام وهو الفرقة الناجية بقول يقوله أى واحد ومن ثم وعظ الله من يقولون ذلك القول فقال :
"ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا"
ثم ذكر ابن برجس قول ابن القيم فقال :
"يقول ابن القيم عندما ساق هذه الجملة عن الإمام مالك في كتابه مدارج السالكين : (يعني أن أهل السنة ليس لهم اسما ينسبون إليه سواها)، ويقول الثقة الثبت مالك بن مغول : (إذا تسمى الرجل بغير الإسلام والسنة فألحقه بأي دين شئت)، ويقول أيضا ميمون بن مهران : (إياكم وكل اسم يسمى بغير الإسلام)، ذكر هذين الأثرين ابن بطه في الإبانة الصغرى.
وكل هذه الآثار مأخوذة من الكتاب والسنة وما عليه الصحابة ، الله تعالى في كتابه سمانا مسلمين ولذا جاء في حديث الحارث الأشعري في مسند الإمام أحمد "فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل"، وقد جاءت لهم تسميات في الشرع المطهر هي مرادفة لتسميتهم بالمسلمين كأهل السنة الذي دل عليه المقابلة بين البدعة والسنة في قول صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة"، ولذا يقول الإمام البربهاري : (اعلم أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام ولا يقوم أحدهما إلى بالآخر).
وكذلك يسمون بأهل السنة والجماعة لقول النبي (ص)عن الفرقة الناجية : "وهي الجماعة" أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ويسمون الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وكل هذه الأسماء قد قام الدليل عليها.
خلاصة القول أن التسمية إن كانت مطابقة للمسمى فذلك المراد، وإن لم تكن فإنها لا تفيد شيئا، فما قيمة التسمية بأهل السنة والجماعة بطائفة الأشاعرة ، لا شيء، وهكذا غير الأشاعرة إذا تسموا باسم أهل السنة والجماعة ولم يلتزموا عقائد وأصول أهل السنة والجماعة فهم ليسوا أهل سنة وجماعة ، وإن تسموا بهذا الاسم وإن تزينوا به .
والضابط في أهل السنة كما يقول عبد الرحمن السعدي : هو أن أهل السنة المحضة هم السالمون من البدع الذين تمسكوا بما كان عليه النبي (ص)وبما عليه أصحابه في الأصول كلها أصول التوحيد والرسالة والقدر ومسائل الإيمان، وغيرها
وغيرهم من خوارج ومعتزلة وجهمية وقدرية ورافضة ومرجئة ومن تفرع عنهم كلهم من أهل البدع الاعتقادية ( ذكر هذا الضابط في فتاويه ).

وقبله قرر هذا الأمر الإمام البربهاري بكلام أدق حيث يقول في شرح السنة يقول : (ولا يحل لرجل مسلم أن يقول فلان صاحب سنة حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها).
فمن أثبت في القدر اعتقاد أهل السنة والجماعة ولم يثبته في الأسماء والصفات، أو أثبت الأسماء والصفات ولم يكن على عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الإيمان ومرتكب الكبيرة ونحو ذلك فكيف يسمى من أهل السنة والجماعة ؟؟؟.
إذن فمن كان على الصفات التي ذكرها عبد الرحمن السعدي والبربهاري نسبناه إلى أهل السنة وصنفناه مع أهلها وهكذا كان عمل السلف الصالح
فظهر بهذا الموجز واستبان مشروعية نسبة الناس إلى عقائدهم، فمن كان من أهل السنة فهو سني ومن كان من أهل البدع والأهواء فهو منهم . أشعريا كان أو معتزليا أو مرجئيا أو خارجيا أو رافضيا وهكذا .
إذا تبين هذا، فإن هذا الباب باب قد طرقه أهل العلم عمليا ونظريا في قديم الزمان وفي حديثه، ولعلنا قد قدمنا من العملي ما يتضح به المقصود ."

وكل هذا الكلام من ابن برجس وأمثاله فى القديم والحديث ليس مستند إلى كتاب الله ولا حتى إلى الروايات فكما سبق القول لا توجد تسمية أهل السنة لا فى القرآن ولا فى الروايات ومن ثم فكل من قال أنه من أهل السنة والجماعة مبتدع مثله مثل أى مبتدع أخر
فالتسمية فى كتاب الله هى المؤمنين والمسلمين ومنها المتقين والصابرين والشاكرين وغيرها ومن ثم لا توجد تسمية واحدة
ومن ثم لا يوجد سنة ولا شيعة ولا إباضية ولا قدرية ولا غيرهم فى الوحى وإنما التسمية مسلمين أو كفار
وأما حكاية وصف أهل الجرح والتعديل للرجال بأوصاف قدرى ومعتزلى وغيره فى قول ابن برجس التالى :
"أما النظري فأهل الاختصاص ، أهل الجرح والتعديل قد اعتنوا به وأوسعوه بحثا فبينوا حكمه في الشرع وذكروا قواعده ، فتصنيف الناس ونسبتهم إلى عقائدهم ونحلهم وصفاتهم من حيث الحكم ومن حيث القواعد، ليس علما مخترعا وليس علما جديدا بل هو علم الجرح والتعديل الذي لا ينقطع من هذه الأمة ما بقي الليل والنهار .
فمن رام أن يطفئ نور هذا الفن ، لخاطر حزبه أو خوفا على محبوبيه المجروحين فقد ضل وأضل وشقي وأشقى "

فالرد عليه إذا إبراهيم (ص) كافر لأنه قال " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله"
فالرجل معتزلى
وحتى الرسل والمؤمنون مرجئة لأنهم يرجون الله كما قال تعالى :
" أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته"
وحتى
ومن ثم لا يجب أن نأخذ كلام أيا كان حتى أنا بالتصديق طالما لا يوجد عليه دليل من القرآن
ومن ثم تصنيف الناس يكون حسب كلام الله مؤمن وكافر أو مسلم وكافر وليس معتزلى وقدرى ومرجىء وسنى وشيعى وما شاكل ذلك
وتحدث عن كون التصنيف حماية لدين الله فقال :
"فتصنيف الناس بحق وبصيرة حراسة لدين الله سبحانه وتعالى، وهو جند من جنود الله سبحانه وتعالى ينفي عن دين الله جل وعلا تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيغ المبتدعين ومكر الخوارج المارقين وسائر الفرق المنشقة عن صفوف أمة الصادق الأمين (ص).
فالتصنيف رقابة تترصد ومنظار يتطلع إلى كل محدث فيرجمه بشهاب ثاقب لا تقوم له قائمة بعده، حيث يتضح أمره ويظهر عوره ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ، وما ظننا يوما من الأيام أن معاول أهل الأهواء المتثلمة وعصيهم المتشققة ستصل إلى هذا المبلغ البعيد الشأو فيضربوا بها حرس الدين وجنده ويعتدوا على باب من أعظم أبواب العلم وهو باب الجرح والتعديل باب التصنيف؛ ليزيلوه من هذه الأمة خوفا على ،أسيادهم ،وبنائهم "

وبالقطع التصنيف لا يحمى الدين لأن الدين محمى بواسطة الله كما قال تعالى:
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وتحدث الرجل عن التصنيف وهو جاهل بما فى كتب من ينسبهم إلى السنة فقال :
"[فالتصنيف ]من معاول أهل السنة والجماعة التي بحمد الله جل وعلا لم تفتر ولن تفتر في إخماد بدع أهل البدع والأهواء وفي كشف شبههم وبيان بدعهم حتى يحذروا وحتى تعرفهم الأمة فتكون يدا واحدة على ضربهم ونبذهم والقضاء عليهم .
والعجب أن يخرج أناس ينتسبون إلى السنة ، [يجعلون] التصنيف لهم جائز على كل الوجوه وعلى ما يشاءون ويختارون، أما غيرهم فهو في حقهم من الموبقات السبع !!!، فهم يصنفون من شاؤوا بهواهم ولا يرضون تصنيف آخرين من أهل البدع لمجرد هواهم أيضا .
أما إذا صنف أهل الحق أحد أسيادهم ومتبوعيهم بحق وبرهان غضبوا غضبا وسكروا أبواب التصنيف وأبواب الجرح والتعديل في وجوههم !!!!.
فخذ على ذلك مثالا يضحك ويبكي ، الكل منا يعرف الصابوني وأنه أشعري المعتقد ولما أخرج تفسيره الصفوة وانتشر في الأقطار تصدى له كثير من أهل العلم وفقهم الله تعالى وبينوا عواره وكشفوا مخبآته وحذروا الناس من اقتناء هذا التفسير ومن التعويل عليه لما هو منطوي عليه من تأويل أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته .

فلما جاء السيد قطب وسلطت أضواء أهل الحق على تفسيره فأخرجوا ما عنده من تأويل لأسماء الله تعالى وصفاته، ومن تخبيط في أبواب المعتقد كلها، وذكروا ما تفوه به في حق بعض الصحابة ، وذكروا أيضا ما تلفظ به لسانه وكتبه قلمه من سوء الأدب مع بعض أنبياء الله جل وعلا ، لما ذكروا ذلك ثار ثائرت بعض القوم فشنعوا وجدعوا وقالوا إن كتبه نافعه طيبة ويجب قراءتها .
فقلي بربك أيها المنصف فما الفرق بينه وبين الصابوني الذي فعل به ذلك الرجل ما فعل( !!)
ما هو الفرق عند أهل العلم والإيمان ، أنا أقول إن الصابوني أحسن حالا بمئات المرات من مثل سيد قطب ، فالصابوني يتكلم بطريقة أهل العلم الذين سبقوا ، كالصاوي والنسفي والجلالين ونحوهم .
أما هذا فهو قد جاء بأسلوب مخترع مبتدع في تفسير كتاب الله جل وعلا لم تكن عليه الأمة من قبل، وأسلوبه وطريقته مشوبة بالأفكار الضالة التي كان يعتنقها والتي كانت بعيدة عن الإسلام بعدا كاملا .
ولكن الكلام لم يفرق بين هذا وذاك ، وما هو السر ؟ !!
إلا لأجل أن هذا هو قائد الطريقة وهو شيخ الطريقة ؛ فلذا حرمته حرمة تفوق كل حرمة، فينسب كل الناس إلى البدع والتمشعر والاعتزال والجهمية ونحو ذلك، أما هذا فقفوا قد حرم الكلام عليه، وقد سيج بسياج من حديد فلا يخلص أحد إليه .
وهذا تناقض مشين ولعب بقواعد الدين، فالواجب الإنصاف والتخلي عن الأغراض والأهواء والمطامع والنزعات الحزبية العرقية في مثل هذا الباب العظيم، فالمسلم الصادق العالم المحق هو الذي يمشي على وتيرة واحدة ولا يتلون في دين الله سبحانه وتعالى .
إذن فهذا العلم علم الجرح والتعديل يجب الرجوع فيه إلى أهله ، السالمين من الهوى المتجردين في أحكامهم، أهل الغيرة على دين الله سبحانه وتعالى، لا يرجع فيه إلى أصحاب الحظوظ النفسية والتقلبات والتلون في دين الله سبحانه وتعالى.

ولأجل استيفاء حق هذا الموضوع أو استيفاء بعض حقوقه فأنا اختصر على إيراد كلام للعلامة السخاوي ذكره في كتابه فتح المغيث وهذا الكلام يتناول أربعة عناصر .
العنصر الأول: أهمية علم الجرح والتعديل، ومعرفة الثقات من الضعفاء .
والثاني: التحذير من إعمال الهوى وحظوظ النفس في هذا الباب الخطير .
والثالث: كون الأمة بحاجة ماسة إلى هذا العلم، وبيان الأدلة من الكتاب و السنة عليه.
الرابع: رد الشبه ، أو رد بعض الشبه التي ترد على هذا الباب .
مثل قول بعضهم إن الأمة في هذه الأزمنة المتأخرة لا تحتاج إلى تصنيف الناس وتعديلهم وتجريحهم؛ لأن هذا إنما يحتاج إليه في علم رواية الحديث والآن لا حاجة إلى ذلك إذ لا رواة يوجدون في هذه الأيام!!! ، ولو وجدوا أيضا قبل هذه الأيام لم يكن هناك فائدة من الكلام عليهم؛ لأن الدواوين قد دونت وقد تكلم في رجالها بما فيه الكفاية. فمثل هذه الشبه سوف يكشفها في كتابه الآنف الذكر فتح المغيث، وهو قد أيضا توسع في ذلك في كتابه ( الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ) فمن شاء فليرجع إليه ونحن الآن نقرأ إن شاء الله ما تيسر من كلامه أو مقتطفات من كلامه .
يقول وهو يشرح ألفية العراقي يقول : ( واحذر أيها المتصدي لذلك الجرح والتعديل المقتفي فيه أثر من تقدم من غرض أو هوى يحملك كلا منهما على التحامل والانحراف وترك الإنصاف أو الإطراء والافتراء؛ فذلك شر الأمور التي تدخل على القائم بذلك الآفة منها والمتقدمون سالمون منه غالبا منزهون عنه لوفور ديانتهم، بخلاف المتأخرين فإنه ربما يقع ذلك في تواريخهم وهو مجانب لأهل الدين وطرائقهم ، فالجرح والتعديل خطر لأنك إن عدلت بغير تثبت كنت كالمثبت حكما ليس بثابت فيخشى عليك أن تدخل في زمرة من روى حديثا وهو يظن أنه كذب، وإن جرحت بغير تحرز أقدمت على الطعن في مسلم برىء من ذلك ووسمته بميسم سوء يبقى عليه عاره أبدا) .

يقول: ومع كون الجرح والتعديل خطرا فلا بد منه ـ هذا أيضا مبحث آخر مهم وهو تعين هذا الفن على جماعة من الأمة ـ ومع كون الجرح والتعديل خطرا فلا بد منه نصح في الدين لله ورسوله ولكتابه وللمؤمنين حق واجب يثاب متعاطية إذا قصد به ذلك سواء كانت النصيحة خاصة أو عامة وهذا منه لقول الإمام أحمد وهذا منه –يعني من العراقي يعني هذا التقرير ـ وهذا منه لقول الإمام أحمد لأبي تراب النخشبي حين عذله عن ذلك بقوله لا تغتب الناس قال أحمد: (ويحك هذه نصيحة وليست غيبة)، وقد قال الله تعالى : ( وقل الحق من ربكم) ، وأوجب الله الكشف والتبيين عن خبر الفاسق بقوله: ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) .
وقال النبي (ص)في الجرح: "بئس أخو العشيرة"، وفي التعديل "إن عبد الله رجل صالح" إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في الطرفين، ولذا استثنوا هذا من الغيبة المحرمة وأجمع المسلمون على جوازه بل عد من الواجبات للحاجة إليه وممن صرح بذلك النووي والعز بن عبد السلام ولفظه في قواعده القدح في الرواة واجب لما فيه من إثبات الشرع ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم والتحليل وغيرهما من الأحكام ، وكذلك كل خبر يجوز الشرع الاعتماد عليه والرجوع إليه وجرح الشهود واجب عند الحكام عند المصلحة لحفظ الحقوق من الدماء والأموال والأعراض والأبضاع و الإنساب وسائر الحقوق، وتكلم في الرجال كما قال الذهبي جماعة من الصحابة ثم من التابعين ...
إلى أن قال بعد أن سرد أسماء المتكلمين في الرجال ـ قال: (ولقد أحسن الإمام يحيى بن سعيد القطان في جوابه لأبي بكر بن خلاد حين قال له: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصمائك عند الله يوم القيامة، قال: لأن يكونوا -أي: المتروكون - خصماء لي أحب إلي من كون خصمي المصطفى (ص)إذ لم أذب -أي: أمنع الكذب عن حديثه وشريعته ـ

ثم قال السخاوي: فإن قيل ـ وهذه شبهة لا بد من الإنتباه لها ـ فإن قيل قد شغف جماعة من المتأخرين القائمين بالتأريخ وما أشبه كالذهبي ثم شيخنا ـ يعني ابن حجر ـ بذكر المعايب ولو لم يكن المعاب من أهل الرواية وذلك غيبة محضة ولذا تعقب ابن دقيق العيد ابن السمعاني في ذكره بعض الشعراء وقدح فيه بقوله:
إذا لم يضطر إلى القدح فيه لرواية لم يجز، ونحوه قول ابن المرابط قد دونت الأخبار وما بقي للتجريح فائدة بل انقطعت من رأس الأربعمائة، ودندن هو وغيره ممن لم يتدبر مقاله لعيب المحدثين بذلك .
قلت: ـ هذا الآن الرد على هذه الشبهة وعلى من قالها ـ قلت: الملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة ولا انحصار لها في الرواية ـ العلة في ذلك كونها نصيحة والحكم يدور مع علته ـ قلت: الملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة ولا انحصار لها في الرواية فقد ذكروا من الأماكن التي يجوز فيها ذكر المرء بما يكره ولا يعد ذلك غيبة بل هو نصيحة واجبة، أن تكون للمذكور ولاية لا يقوم بها على وجهها إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا أو مغفلا أو نحو ذلك، فيذكر ليزال بغيره ممن يصلح، أو يكون مبتدعا أو فاسقا ـ يعني المذكور في الطعن أو يكون المذكور بما يسميه أولئك غيبة ـ أو يكون مبتدعا أو فاسقا ويرى من يتردد إليه للعلم ويخاف عليه عود الضرر من قبله ببيان حاله، ويلتحق بذلك المتساهل بالفتوى، أو التصنيف أو الأحكام أو الشهادات أو النقل أو المتساهل في ذكر العلماء أو في الرشاء والإرتشاء إما بتعاطيه له، أو بإقراره عليه مع قدرته على منعه، وأكل أموال الناس بالحيل والافتراء أو الغاصب لكتب العلم من أربابها أو … بحيث تصير ملكا أو غير ذلك من المحرمات، فكل ذلك جائز أو واجب ذكره ليحذر ضرره، وكذا يجب ذكر المتجاهل بشىء مما ذكر ونحوه من باب أولى.

قال شيخنا -يعني ابن حجر-: ويتأكد الذكر لكل هذا في حق المحدث هذا بيان لمن يقوم بهذا الأمر فليس كل أحد يتصدى لهذا الباب ويقوم به وإنما هو للمحدثين لأهل العلم بألفاظ الجرح والتعديل وبالقواعد التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله تعالى وثنوها في هذا الباب ونحو ذلك ، فهو لا يجوز إلا لمن توفرت فيه الشروط التي نص عليها أهل العلم في القائمين بالجرح والتعديل ، ويتأكد الذكر لكل هذا في حق المحدث لأن أصل وضع فنه بيان الجرح والتعديل فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق أو المتصف بشيء مما ذكر ـ يعني ببدعة أو نحو ذلك ـ مما ذكر فهو ـ انتبه هنا أحد ثلاثة رجال يكون ـ يقول : الحافظ فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق أو المتصف بشيء مما ذكر فهو جاهل أو ملبس أو مشارك له في صفته فيخشى أن يسري إليه الوصف .
انتهى ما أردنا نقله في هذا المقام ولعل به يكتفى عن الإطالة والتوسع في ذكر من يحق له الجرح والتعديل وما شابه ذلك من المباحث التي قد تطول في مثل هذه الخلاصة."

وكل هذا الحديث يدل على أن الرجل يجهل أن كل واحد من كبار علماء السنة متهم بالخروج على السنة من خلال مسألة أو أكثر فابن تيمية واحد من أكابر أهل السنة متهم بأنه قال فى الذات الإلهية ما يخالف مذهب أهل السنة فهل هو الأخر مبتدع
وحتى ابن حجر قيل أنه أشعرى مع أن للأشعرية ينتسبون للسنة ولكن بعض السنة ينفون عن الأشعرية النسبة وقد ألفوا كتاب البدور السافرة فى نفى انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة ؟
وما كتب رد أهل السنة على بعضهم البعض فى بعض المسائل إلا دليل على أنه لا يوجد اتفاق على السنة على كل المذهب
وأهل السنة أيا كانوا ومثلهم الشيعة وغيرهم كل فريق داخله اختلافات بين العلماء الكبار وحتى الصغار فيه ومن ثم لا يوجد مذهب متفق عليه تماما بين الجميع
والغريب أن ابن برجس يقول بالتصنيف على الظن فى قوله :
"الشق الثاني من السؤال : وهو هل يصنف بالظن ؟ .
فنقول : إن الظن الذي هو الشك في اللغة ليس كله مذموما كما أنه ليس ممدوحا كله، فمنه ما هو مذموم ومنه ما هو ممدوح، يقول الله سبحانه وتعالى: ( إن بعض الظن إثم ) وقد سمى الله سبحانه وتعالى الظن علما في مواضع من كتابه كما في قوله سبحانه وتعالى: ( فإن علمتموهن مؤمنات) ، وكما في قوله جل وعلا ( وما شهدنا إلا بما علمنا) ، أما قول الله جل وعلا: ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا) فإن المراد هنا الظن الذي يعارض العلم وهو ظن المشركين أن شركهم صحيح بدليل قوله ( لا يغني من الحق شيئا ) وهذا يدل على أنه ظن غير الحق ، فخرج بذلك أنه حيث يذم الظن فيراد به الشك المساوي دون الغالب الراجح.

وليعلم أن أكثر أحكام الشريعة العملية مبنية على الظن الغالب الراجح ، يعرف ذلك أهل العلم وطلابه، بل أكثر قواعد الشرع مبينة على ذلك كما في قاعدة المصالح والمفاسد فإنها مبنية على الظنون ، وقد عرف أهل العلم أن الظن المعتبر ثلاث مراتب ظن في أدنى المراتب وظن في أعلاها وظن متوسط ، كما قرر ذلك العز بن عبد السلام ، وفائدة هذا التقسيم هو الرجوع عند الاختلاف إلى أعلى الظنون دون متوسطاتها وأدناها وإذا تعارض المتوسط مع الأدنى قدم المتوسط وهكذا .
إذا تبين هذا فإننا نقول ماذا يراد بالتصنيف بالظن ؟؟
إن كان الشك المساوي فلا يصح ذلك وعليه ينزه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".
وإن كان الظن المعتبر في الشرع وهو الغالب الراجح فهذا يصنف به ولا ريب عند أهل العلم رحمهم الله تعالى، ولذلك لو تأملت طريقة السلف في باب الجرح والتعديل والكلام في أهل البدع تراهم يعتبرون الظن .
فمثلا بعضهم يقول : من أخفى علينا أو عنا بدعته لم تخفى علينا ألفته ، يعني أننا نعرفه من خلال من يجالس وإن لم يظهر البدعة في أقواله وأفعاله .
وقد قال يحيى بن سعيد القطان : لما قدم سفيان الثوري البصرة وكان الربيع بن صبيح له قدر عند الناس وله حظوة ومنزلة فجعل الثوري يسأل عن أمره ويستفسر عن حاله فقال: " ما مذهبه؟ " قالوا : " مذهبه السنة " قال : " من بطانته ؟ " قالوا : "أهل القدر" قال : " هو قدري " وقد علق ابن بطة على هذا الأثر بقوله : رحمة الله على سفيان الثوري : " لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان قال الله جل وعلا: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم " ."

ومع هذا الكلام عن أن الظن لا يعمل به طبقا للقرآن والروايات إلا أن ابن برجس يعترف أن أقوال العلماء فى التصنيف مبنية على الظن كلها فى قوله:
"وليعلم طالب العلم أن أكثر تصنيف أهل العلم في قديم الزمن وحديثه إنما هو بالظن المعتبر، أما التصنيف باليقين فهو نادر جدا في الأمة .
والتصنيف بالظن كالتصنيف بالشهادة فإذا شهد عدلان على رجل بأنه من أهل الأهواء والبدع حكم عليه بذلك ، والتصنيف بالقرائن ونحو ذلك من الأمور التي هي مبناها على الظن كما هو في أكثر أحكام الشريعة الإسلامية"

هذا الاعتراف هو اتهام صريح لعلماء السنة وغيرهم بأنهم كلهم مكذبون لكلام الله فهم يحكمون بالظن ولا أدرى كيف يقوم سنى باتهام أهله بأنهم كلهم مكذبون للقرآن والروايات فى العمل بالظن رغم النهى عنه ؟

الأحد، 26 فبراير 2023

نظرات فى مناظرة الشيخ محمد الإشتهاري مع بعضهم في إيمان أبي طالب

نظرات فى مناظرة الشيخ محمد الإشتهاري مع بعضهم في إيمان أبي طالب
من الموضوعات التى اخترعها الكفار وشغلوا بها أهل المذاهب أعمام الرسول (ص)خاتم النبيين والغريب أن النص القرآنى يدل على أنه لا يوجد للرجل سوى عم واحد كما قال تعالى :
" وبنات عمك"
بينما الروايات تقول أنهم تسعة وأن والده (ص) كان عاشرهم ومن ثم نشأت الأساطير:
أسطورة العم أسد الله حمزة
أسطورة العم الحنون المربى أبو طالب
أسطورة العم الأصغر العباس
وبسبب تلك الأساطير أنشأ الكفار ما يسمى بكتب مصارع الطالبيين من خلال تاريخ مزور بين الطالبيين وبين بنى أمية الذين لا وجود لهم كدولة ومعارك لأنهم خرافة من خرافات الكفار
وأما أسطورة العباس فقامت عليها دولة تاريخية فى الكتب تسمى بدولة العباسيين
وبناء على ذلك تعارك الشيعة والسنة فى تلك المواضيع وبدلا من أن يحتكموا لكتاب الله فى أنه لا يوجد أعمام للرسول(ص) سوى عم واحد قد يكون هو أبو لهب الذى قال الله فيه:
" تبت يدا أبى لهب وتب "

ومن ثم تنتهى الأساطير التى يصدقها الفريقين ويقيمون على أساسها المعارك الحربية والكلامية ومن ثم يجب عليهم أن يحتكموا لكتاب الله بدلا من ذلك قامت المناظرات فى الموضوع وهو إيمان أبو طالب أو موته على الكفر ومنها المناظرة التالية:
"قال أحد أبناء أهل السنة في شأن إيمان أبي طالب الأب الكريم لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب : اختلفت الروايات في كتبنا الرئيسية حول إيمان أبي طالب ، فطائفة من الروايات وردت في تعظيمه ومدحه، وطائفة اُخرى وردت في ذمه والطعن به.
فقلت: اتفق علماء الشيعة، تبعاً لائمّتهم المعصومين والذين هم عترة النبي (ص) على أن أبا طالب كان شخصاً لائقاً مؤمناً ومجاهداً في سبيل الله.
ـ فقال : إذا كان كذلك، فلماذا وردت روايات كثيرة في عدم إيمانه؟
ـ فقلت ـ: ذنب أبي طالب هو انّه والد علي بن أبي طالب ، فقد بذل الاَعداء الحاقدون على ابنه الوصي ، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان مبالغ طائلة من بيت مال المسلمين، لعناصر باعوا دينهم بدنياهم وضمائرهم لأهوائهم، لافتعال الاَحاديث والروايات المجهولة الكاذبة لتشويه شخصية الاِمام علي حتى وصل بهم الحد إلى أنّهم نقلوا عن أبي هريرة أنه قال: «إنّه يشهد بالله أنّ علياً أحدث بعد الرسول فاستوجب لعن الملائكة والناس أجمعين»
فمع وجود هؤلاء الاَراذل في عصر معاوية والخلفاء الاَخرين من بني اُمية، فمن الطبيعي أن تظهر روايات مفتعلة كثيرة في شرك أبي طالب حتى بذلوا الكثير من الجهود والطاقات في ذمه، ولم يبذلوا واحداً من ألف منها في أبي سفيان الذي كان يمثل رأس الشرك، ويمتلك طينة خبيثة، وصفحات سوداء في التأريخ.
فعليه، نشأت جذور تهمة الشرك لاَبي طالب من دافع سياسي استغلها معاوية لمصالحه الشخصية. فقال ـ: نقرأ في الآية 26 من سورة الاَنعام قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينئون عنه) قال بعض المفسرين: إن المراد من الآية المباركة: «إن طائفة من الناس كانوا يدافعون عن النبي (ص) وفي نفس الوقت يرفضون الاِيمان به ويبتعدون عنه»، فهذه الآية نزلت في شأن أبي طالب لأنّه دافع عن النبي (ص) في مقابل المشركين، مع تحاشيه عن الاِيمان به.
ـ فقلت ـ: أولاً، أن معنى الآية مخالف لما قلتم تماماً.
ثانياً: لو سلّمنا لقولكم، فما هو الدليل على ان المراد منها أو شمولها لاَبي طالب؟!
ـ فقال ـ: حجتنا هي رواية سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس، أنه قال: «هذه الآية، نزلت في شأن أبي طالب إذ منع الناس عن التعرض للرسول الاَكرم (ص) مع عدم اتباعه له (ص)»
ـ فقلت ـ: أضطر في جوابكم أن أشير إلى أمور:
1 ـ أن معنى الآية ليس كما فسرتم، بل مع الاَخذ بنظر الاِعتبار ما قبل الآية وما بعدها، فقد نزلت في شأن الكفار المعاندين، ظاهر معنى الآية هكذا، «أن الكفار كانوا ينهون الناس عن اتباع الرسول (ص) في حين أنّهم كانوا يعرضون عنه»
ولم تتطرق الآية إلى مسألة الدفاع عن النبي (ص)
2 ـ جملة «ينئون» بمعنى الابتعاد، والحال كان أبو طالب من أقرب الناس إلى النبي (ص) ولم يبتعد عنه طرفة عين.
3 ـ أما رواية سفيان الثوري التي نقلها ابن عباس وأنه قال أن الآية نازلة في شأن أبي طالب مخدوشة من عدة جهات:
أ ـ إن سفيان الثوري من الكذابين وغير الموثقين بإقرار الكبار من علماء أهل السنة نقل عن «ابن المبارك» أن سفيان كان يدلس، أي كان يظهر الحق باطلاً، والباطل حقّا زوراً وبهتاناً، والراوي الاَخر لهذه الرواية هو «حبيب بن أبي ثابت» الذي كان يدلس أيضاً، طبقاً لقول إبن حيان إضافة إلى أن هذه الرواية مرسلة، بمعنى أن سلسلة الرواة بين حبيب وابن عباس محذوفة غير متصلة.
ب ـ كان ابن عباس من الشخصيات المرموقة والمعروفة التي تعتقد بإيمان أبي طالب فكيف يمكن أن ينقل مثل هذه الرواية؟! عندئذ يمكن أن نفسر الآية بهذا النحو: «إن الكفار كان يمنعون الناس من اتباع النبي (ص) وهم أيضاً كانوا يبتعدون عنه».
ج ـ الرواية المذكورة تقول: أنّ هذه الآية نزلت في شأن أبي طالب فحسب، مع أن كلمة «ينهون» و «ينئون» جاءت بصيغة الجمع.
فطبقاً لتفسير البعض، إن الآية المذكورة تشمل أعمام النبي (ص) حيث كانوا عشرة منهم مؤمنين، وهم الحمزة والعباس وأبو طالب، فلا يشملهم مراد الآية المذكورة.
وبعبارة أوضح: كان النبي (ص) يبتعد عن المشركين أمثال: أبي لهب الذي كان أحد أعمامه (ص)، وأمّا أبو طالب فكان يرتبط بالنبي (ص) بصلة وثيقة إلى آخر لحظة من حياته الشريفة، وسمى (ص) سنة وفاته «عام الحزن» وقال في تشييع جثمانه الطاهر: «وا أبتاه، واحزناه عليك كنتُ عندك بمنزلة العين من الحدقة، والروَّح من الجسد» فهل من الاِنصاف أن يقال في حق النبي (ص) أنه كان يمدح ويعظم المشرك، ويظهر الحزن لوفاته، مع أن كثيراً من الآيات القرآنية تذم المشركين وتأمر بالاِعراض عنهم؟!"
المناظرة كلها بنيت على روايات عند الفريقين وكلها روايات آحاد لا تثبت شيئا فلا إيمان أبو طالب سيزيد الإسلام قوة ولا كفره سيزيد الإسلام نقصا فهى مسألة لا علاقة لها بالوحى حتى لو كانت موجودة تاريخيا والقوم الذين يتلاعبون بأهل المذاهب يستغلونهم للحصول على أموالهم وحكمهم بتلك العداوات التى لا أصل لها من خلال إقامة الحروب بشتى أنواعها 

السبت، 25 فبراير 2023

نظرات فى علم الاجتماع الإداري

نظرات فى علم الاجتماع الإداري
المؤلف جميل حمداوي وهذا العلم المزعوم يقوم مقام ما أنزله الله من نصوص فى تنظيم مؤسسات الدولة وكيفية تسييرها وقد تخلى حكام بلادنا منذ القديم عن حكم الله واجتمعوا على التراتيب البشرية سواء كانت من اختراعهم أو اختراعه غيرهم وهو وضع كل الدول الحالية فى العالم والتى تخلت تماما عن دين الله
فى مقدمته تحدث حمداوى عن كون هذا العلم فره من فروه علم الاجتماع العام وهو علم بشرى الغرض منه أن يحل محل الله كمشرع ومنظم وفى هذا قال :
"المقدمة:
يعد علم الاجتماع الإداري فرعا من فروع علم الاجتماع العام ويدرس الأنظمة الإدارية التي ترتكز عليها الدولة أو الحكومة أو السلطة التنفيذية أو الوظيفة العمومية في أداء خدماتها ومشاريعها وإنجازاتها وممارسة سلطتها المرفقية وإصدار القرارات الخاصة بكل واقعة إدارية على حدة "
وحاول تعريف العلم فقال :
المطلب الأول: مفهوم علم الاجتماع الإداري
يقصد بعلم الاجتماع الإداري دراسة الإدارة العمومية في ضوء رؤية سوسيولوجية بالتركيز على بنية الإدارة واختصاصاتها ووظائفها ودورها في المجتمع من جهة أولى ودراسة الموظفين في علاقتهم بالإدارة والمجتمع من جهة ثانية ودراسة السلطة والقوة الإدارية من جهة ثالثة ويعني هذا أن علم الاجتماع الإداري يهتم بالوظيفة العمومية والقرارات السياسية والإدارية "
وبألفاظ أخرى تنظيم مؤسسات الدولة وتحديد مهام موظفيها وكيفية سير العمل فيها
وتعرض لمنهجية هذا العلم فذكر اختلاف المنهجيات فقال :
"المطلب الثاني: منهجية علم الاجتماع الإداري
يعتمد علم الاجتماع الإداري على ملاحظة الظواهر الإدارية التي لها طابع اجتماعي أو لها علاقة بالمجتمع من حيث التأثير والتأثر وبعد ذلك تأتي عملية جميع المعطيات والبيانات والوقائع حول الظاهرة الإدارية وتصنيفها ونمذجتها وفق حقائق ومؤشرات ومنهجيات معينة ...من هنا يمكن اتباع منهجية كمية قائمة على الإحصاء والرياضيات أو منهجية كيفية قائمة على المقابلة ودراسة الحالة ودراسة المضمون والمعايشة والملاحظة الميدانية المباشرة
ومن ناحية أخرى يمكن الاستعانة بالخطوات المنهجية المعروفة في علم الاجتماع مثل: الفهم الداخلي للظاهرة ..ثم تفسيرها تفسيرا سببيا أو عليا بإرجاعها إلى عوامل داخلية أو خارجية ثم تأويلها تأويلا ذاتيا أو مرجعيا أو إيديولوجيا
وعليه يتخذ علم الاجتماع الإداري طابعا نظريا أو طابعا تطبيقيا فيما يتعلق بالظواهر المتعلقة بأخذ القرار السياسي في مجال الإدارة ودراسة حياة الوظيفة العمومية"
ومن ثم لا يوجد منهج محدد فى بيان الطواهر الادارية لأن الهدف ليس واضحا فى ظل التشريع البشرى وأما الهدف فى التشريع الإلحى فهو تحقيق العدالة
وتحدث عن نظريات علم الاجتماع الإداري فقال :
"المطلب الثالث: تصورات نظرية حول علم الاجتماع الإداري
ثمة مجموعة من التصورات السوسيولوجية حول الإدارة يمكن التوقف عند بعضها على النحو التالي:
الفرع الأول: ألكسيس توكفيل والإدارة الديمقراطية
يعد الفرنسي ألكسيس توكفيل (1805 - 1859 م) رائدا من رواد سوسيولوجيا الإدارة حسب رايمون بودون ورايمون آرون وغوي روشي وأكثر من هذا فهو كاتب ومؤرخ ورجل سياسية وفيلسوف سياسي وقد اهتم بتحليل الثورة الفرنسية ودراسة الديمقراطية الأمريكية والتركيز على تطور الديمقراطيات الغربية بصفة عامة وعليه يشيد توكفيل بالنموذج الديمقراطي الأمريكي القائم على الحرية والمساواة والاقتصاد الليبرالي الحر؛ نظرا لوجود ظروف جغرافية وبشرية جيدة وقوانين مناسبة وملائمة للحياة الفردية والجماعية وعقلية اجتماعية ودينية متميزة علاوة على وجود إدارة مؤسساتية فيدرالية أساسها اللامركزية واللاتركيز وقد نتج عن هذا وجود إدارات محلية فرعية في كل ولاية تعنى بالشؤون المحلية للمواطنين في أحسن الظروف الممكنة
كما يتميز الدستور بفصل السلط (التنفيذية والتشريعية والقضائية) والحد من سلطات الرئيس وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد والإدارة ووجود أحزاب سياسية حرة تتناوب على السلطة بطريقة ديمقراطية مدافعة عن إيديولوجيا براجماتية تخدم مصالح الشعب أو الأغلبية وثمة احترام كبير للقوانين الفيدرالية والولائية والمحلية ويعني هذا حرية الإدارة واحترام قوانين الوظيفة العمومية وتشريعاتها
ومن جهة أخرى يرى توكفيل أن الديمقراطية الفرنسية دون مستوى الديمقراطية الأمريكية لغياب الحريات الخاصة والعامة وانعدام المساواة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ووجود إدارة مركزية محافظة لا تساير المجتمع الديمقراطي الذي كان في فترة توكفيل ينبني على قيم البورجوازية وبناء المصانع وتشغيل العمال ويعني هذا غياب القوانين التي تنسجم مع النهج الليبرالي الديمقراطي المجتمعي الذي نهجته البورجوازية الفرنسية على الرغم من مواطن ضعفها ويعني هذا وجود إدارة محافظة ومجتمع بورجوازي متقدم إذا هناك مفارقة صارخة وحادة وشائكة على المستوى الإداري
وبناء على ما سبق أشاد ألكسيس توكفيل بالإدارة الديمقراطية الأمريكية القائمة على الحرية والمساواة والعدالة والإنصاف وتطبيق اللامركزية واحترام الدستور والقوانين والفصل بين السلط والإيمان بحرية الإعلام والحد من شطط السلطة الإدارية وحق المواطن أو الموظف في مقاضاتها في حالة المخالفة أو استعمال العنف الرمزي لذلك تعتبر الديمقراطية الأمريكية أفضل نموذج يمثل الديمقراطية الحقيقية في العالم في تلك الفترة التي يتحدث فيها توكفيل والسبب في ذلك أنها في خدمة جميع المواطنين بدون استثناء فضلا عن كونها مرتبطة بالحرية ارتباطا وثيقا مع غياب لكل الحواجز والعراقيل الإدارية والبيروقراطية الجامدة؛ مما جعل المجتمع الأمريكي يتغير ويتحرك بسرعة فضلا عن سعي الدولة دائما إلى تحسين مستوى معيشة السكان بشكل جيد
وعلى الرغم من ذلك انتقد توكفيل النظام الأمريكي بشكل موضوعي فحصر سلبياته في المبالغة في الفردانية التي قد تسبب مشاكل خطيرة تهدد توازن المجتمع وتماسكه وانسجامه ثم المبالغة في الحرية التي قد تدفع الفرد إلى انتهاك القيم والقواعد والاخلاق بدون حسيب ولا رقيب لذا لابد من وضع القواعد الرادعة التي تتحكم في توجيه الحياة الاجتماعية والالتزام بالتنظيم الاجتماعي ناهيك عن كون هذه الديمقراطية الأمريكية التمثيلية خاضعة للنخب السياسية والعسكرية والاقتصادية زد على ذلك أن الأغلبية هي التي تتحكم في القرار السياسي أو الإداري وتسيير قواعد الدولة الديمقراطية بمعنى أن الرأي العام هو الذي يوجه الحياة السياسية والإدارية الأمريكية
وعلى العموم تعود أسباب نجاح الديمقراطية الأمريكية - حسب توكفيل - إلى العوامل الجغرافية الملائمة (سعة الأرض وامتدادها وتنوع ولاياتها ومنظماتها) والعوامل الثقافية (دولة جمهورية ديمقراطية تؤمن بالحرية الدينية والسياسية والاقتصادية) والعوامل المؤسساتية (أهمية الإدارة اللامركزية في اتخاذ القرار ووجود الإدارة الفيدرالية)
وقد تمثل توكفيل على الصعيد المنهجي آليات البحث الميداني والاستعانة بالمقابلة الحية والمباشرة وملاحظة الظواهر الإدارية والسياسية والمجتمعية والاقتصادية ملاحظة علمية منظمة ومحددة بدقة ساعد على ذلك الأسفار والرحلات والزيارات التي قام بها توكفيل إلى الولايات المتحدة علاوة على توظيف تقنية المعايشة المباشرة ومشاركة المواطنين الأمريكيين في حياتهم الإدارية والمجتمعية وتوثيق ذلك في كتبه التي خصصها للنظام الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اعتمد توكفيل أيضا على الدراسة المقارنة بين النظامين الفرنسي والأمريكي وتمثل المنهج الفردي لفهم أفعال المجموعات انطلاقا من أفعال الفرد بتفسيرها وتأويلها مجتمعيا
وإذا كان توكفيل قد قارب الظواهر السياسية والإدارية دون أن يكون على وعي تام بالسوسيولوجيا الإدارية أو السياسية إلا أنه قدم لنا - فعلا- دراسات سوسيولوجية لمجموعة من القضايا الإدارية والسياسية والمجتمعية مثل: المواطنة والديمقراطية والحريات الفردية والجماعية والمجتمع المدني والمساواة والإدارة "
وما ذكره حمداوى عن علم توكفيل والديمقراطية الغربية إنما هو من قبيل الخبل الذى أشاعوه فى المجتمعات فكل الديمقراطيات تقوم على نسف المساواة " إنما المؤمنون اخوة" أو بألفاظ القوم فى الدساتير المواطنون سواء فى الحقوق والواجبات
تقوم النظرية على إسناد الحكم لمجموعة معينة من الشعب هى فى النهاية من تملك المال أو السلاح وهى نفس النظرية التى قامت عليها كل المجتمعات الكافرة من بداية البشرية الملأ أو النخبة أو الصفوة أو الساد والأكابر فى مقابل العبيد والضعاف والشعب والعامة وهو ما يتعارض مع أن الحكم فى الإسلام جماعى كما قال :
" وأمرهم شورى بينهم "
أى وحكمهم مشترك بينهم
وقال " وجعلكم ملوكا"
أى حكاما مع بعضكم البعض
وتحدث عن النظرية الثانية التى قادها ماكس فيبر فقال :
"الفرع الثاني: ماكس فيبر والإدارة البيروقراطية
يعد الفيلسوف الألماني ماكس فيبر من مؤسسي علم الإدارة الحديثة وقد تحدث كثيرا عن مجموعة من المفاهيم الإدارية والتنظيمية مثل: السلطة والشرعية والبيروقراطية والهرمية الإدارية ومبدأ الكفاءة ومن ثم فقد أدلى بتصورات مهمة حول التنظيم والمنظمات وبذلك " قدم فيبر أول تفسير منهجي لنشأة المنظمات الحديثة فهو يعتبرها سبيلا لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سلع بأسلوب مستقر ومستمر عبر الزمان والمكان وأكد فيبر أن نمو المنظمات يعتمد على السيطرة على المعلومات وشدد على الأهمية المركزية للكتابة في هذه العملية: فالمنظمة في رأيه تحتاج إلى تدوين القواعد والقوانين التي تستهدي بها لأداء عملها مثلما تحتاج إلى ملفات تختزل فيها ذاكرتها ورأى فيبر أن المنظمات تتميز بطبيعتها بنظام تراتبي ومراتبي في الوقت نفسه مع تركز السلطة في مستوياته العليا"
تعني كلمة البيروقراطية المكتب أو الموظفين الجالسين إلى مكاتبهم لتأدية خدمات عامة ولقد ظهرت البيروقراطية في القرن السابع عشر لتدل على المكاتب الحكومية وقد استعمل المصطلح من قبل الكاتب الفرنسي ديغورنيه سنة 1745 م الذي جمع بين مقطعين هما: بيرو الذي يعني المكتب وكراتيا الذي يعني الحكم وبعد ذلك أطلقت البيروقراطية على كل مرافق الدولة من مدارس ومستشفيات وجامعات ومؤسسات رسمية كما تدل كلمة البيروقراطية على القوة والسلطة والنفوذ والسيادة وقد ظهرت البيروقراطية لتنظيم العمل وتسهيله والتحكم فيه برمجة وتخطيطا وتدبيرا وتوجيها وقيادة وإشرافا وتقويما والبيروقراطية نتاج للرأسمالية والعقلانية والحداثة الغربية ونتاج لتقسيم العمل وتنظيمه إداريا
ويمكن الحديث عن مواقف ثلاثة إزاء البيروقراطية:
(موقف سلبي: مفاده أن البيروقراطية تنظيم إداري روتيني ومعقد وبطيء في أداء الخدمات العامة؛ مما دفع بلزاك إلى القول بأن البيروقراطية هي" السلطة الكبرى التي يمارسها الأقزام"
(موقف إيجابي: ينظر إلى البيروقراطية نظرة متميزة على أساس أنها طريقة في تنظيم العمل وتدبيره وفق خطة عقلانية هادفة ومن ثم فهي نموذج للحرص والدقة والكفاءة والفعالية الإدارية مادام هناك احتكام إلى التعليمات والأوامر والإجراءات التنظيمية الصارمة
(موقف وسط واعتدال: ويمثله ماكس فيبر إذ ذكر للبيروقراطية إيجابياتها وسلبياتها في الوقت نفسه ويتخوف أن تحيد البيروقراطية عن أهدافها الحقيقية فتصبح أسلوبا لممارسة القوة والتسلط والرقابة
و اليوم ينظر كثير من الناس إلى البيروقراطية نظرة سلبية؛ لأنها تحيل على البطء والروتين والفساد الإداري وتعقيد الإجراءات الشكلية والمساطر الإدارية في حين يعتبرها ماكس فيبر أساس العقلانية والتقدم والازدهار الرأسمالي الحديث ..وعليه فقد وضع فيبر نموذجا " يحدد مفهوما مثاليا للبيرقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره وقد أصبح هذا النظام من أكثر الأنظمة الإدارية الشائعة بعد الثورة الصناعية فكان لابد من وجود نظام إداري يستطيع التعامل مع التوسع الهائل في الإنتاج الصناعي وما نجم عنه من تضخيم في المؤسسات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية وما رافق ذلك من تعقيد في الحياة البشرية وتبين أنه من الصعوبة بمكان أن يستطيع شخص واحد القيام بأعمال متعددة ومعقدة في آن واحد وهذا كان من المبررات التي دفعت فيبر إلى البحث عن تنظيم إداري قادر على ضبط ومراقبة المهمات الصناعية المختلفة فقام بتحديد المهام والأدوار والصلاحيات لكل شخص ضمن نظام هرمي بحيث يكون الفرد ضمن هذا التنظيم تابعا لرئيس واحد ويتبعه في الوقت نفسه مجموعة من المرؤوسين وحدد فيبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة"
ومن ثم تقوم البيروقراطية على العلاقات السلطوية واحترام مجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية والتنظيمية التي تتحكم في العمل ومراعاة السلم الإداري والأخذ بالتراتبية الإدارية الهرمية (الهيرارشية) من الرئيس إلى المرؤوس أو من القمة إلى القاعدة (البنية الطويلة أو السطحية) أو من المركز إلى غير المركز والاحتكام إلى الخبرة والكفاءة والاستحقاق دون اللجوء إلى العلاقات الإنسانية والشخصية أضف إلى ذلك الأخذ بالمستويات الإدارية (العليا والوسطى والدنيا) واحترام التسلسل الإداري وهذا كله من أجل خدمة المصلحة العامة وتجويد المنتج وتحسين الأداء وتنظيمه كما وكيفا ..وعليه يعد ماكس فيبر رائد الأسلوب البيروقراطي الحديث حيث ربطه بالسلطة العقلانية الشرعية المنظمة من جهة و الهيرارشية الهرمية من القمة إلى القاعدة من جهة أخرى؛ لما لها من فوائد عملية في رفع الإنتاج والمردودية الكمية والكيفية وتحقيق الفاعلية واحترام اللوائح القانونية والتنظيمية غير الخاضعة لمزاج الرئيس أو المدبر الإداري علاوة على وحدة الأمر ونطاق الإشراف ومبدأ التدرج الهرمي "
وذكر حمداوى أن النظام البيروقراطى ليس من اختراع فيبر بل هو اختراع بشرى قديم فنثل الحديث الآتى:
"ولا يعني هذا أن البيروقراطية مفهوم حديث العهد بل عرفته الشعوب القديمة كذلك وفي هذا الصدد يقول أنتوني جيدنز:" يعتقد فيبر أن بعض أنواع التنظيم البيروقراطي قد نشأت وتطورت في الحضارات التقليدية القديمة فالمسؤول البيروقراطي في الصين القديمة هو الذي كان يتولى مسؤولية إدارة شؤون الحكومة غير أن البيروقراطية لم تتطور وتكتمل إلا في العصور الحديثة باعتبارها تشكل المحور الرئيسي لترشيد وعقلنة المجتمع وقد ترك هذا الترشيد وتلك العقلنة آثارهما في جميع جوانب الحياة بما فيها العلوم والتربية والحكم وبدلا من أن يعتمد الناس على المعتقدات والعادات التقليدية التي درجوا عليها فقد بدأ الناس في العصور الحديثة يتخذون قرارات عقلانية تستهدف تحقيق أهداف وأغراض واضحة وراحوا يختارون السبل الأكثر كفاءة للوصول إلى نتائج محددة لأنشطتهم
لم يكن ثمة مناص في نظر فيبر من انتشار البيروقراطية في المجتمعات الحديثة فالسلطة البيروقراطية هي الأسلوب الوحيد للتعامل مع المتطلبات الإدارية والأنساق الاجتماعية ..ولتحديد البيروقراطية بشكل دقيق التجأ ماكس فيبر إلى رسم نموذج مثالي مجرد يحدد مواصفات البيروقراطية الأساسية والجوهرية ويستجلي سماتها ومكوناتها الشكلية في النقط التالية:
(توزيع السلطة في شكل تراتبية هرمية ومراتب واضحة ويعني هذا أن الإدارة عبارة عن شجرة بمجموعة من الفروع والمكاتب والرتب ومن ثم فهناك سلطة عليا تقوم بمهمة إصدار القرارات والأوامر من القمة العليا إلى القاعدة الدنيا وتكون تلك الأوامر عبارة عن مهام وأداءات ينبغي تنفيذها من قبل الذين يوجدون في الرتب الدنيا أو المكاتب الفرعية وبتعبير آخر هناك سلطة مركزية تصدر الأحكام والقرارات والأوامر والنواهي وتوزع الأعمال والمهام على المرؤوسين لتنفيذها بشكل تراتبي وهرمي
(خضوع الإدارة البيروقراطية للقوانين المكتوبة والتعليمات على جميع المستويات والأصعدة بمعنى أن الإدارة تلتزم وتتقيد بمجموعة من التشريعات والقوانين الداخلية أو الخارجية على مستوى التدبير والتسيير والقيادة والإشراف؛ مما يجعل هذه الإدارة تشتغل برتابة وروتين وبطء ويستلزم هذا نوعا من المرونة في التسيير والقيادة وإصدار القرارات المناسبة
(يعمل الموظفون في إطار البيروقراطية بدوام كامل مع تقاض أجر وتعويضات عن العمل ويعني هذا أن الموظف مرتبط بأوقات عمل محددة قانويا ثم يحصل على أجر مقابل ذلك العمل ويتحدد الأجر أو التعويضات حسب الأقدمية أو الكفاءة أوالاستحقاق
(الفصل التام بين عمل المسؤول وحياته خارجيا ويعني هذا أن المسؤول البيروقراطي يفصل بين العمل وحياته الشخصية فلا ينبغي أن يخلط بينهما
(إن الموظفين في التنظيمات البيروقراطية لايملكون الموارد المادية والمالية المتاحة بل يجدونها عند الدولة أو عند مالكي وسائل الإنتاج ويعني هذا أن" نمو البيرقراطية على ما يرى فيبر تفصل بين العاملين من جهة والسيطرة على وسائل الإنتاج ففي المجتمعات التقليدية يسيطر المزارعون والصناع في العادة على عمليات الإنتاج ويمتلكون الأدوات التي يستخدمونها أما في التنظيمات البيروقراطية فإن المواطنين لا يمتلكون المكاتب التي يعملون فيها ولا ما يستخدمونه من معدات وتجهيزات"
ومن هنا فالبيروقراطية أساس الحداثة المتقدمة وأساس الدولة المنظمة الراشدة التي تؤمن بالعقلانية ...بيد أن النظرية البيروقراطية قد تحد من الطاقات الإبداعية الموجودة لدى الموظفين وتجعلهم مثل روبوتات آلية تتحكم فيهم علاقات ميكانيكية من الأعلى نحو الأسفل كما أن العلاقات التي تجمع بين أعضاء التنظيم هي علاقات رسمية وإدارية أكثر مما هي علاقات إنسانية ويعني هذا أن أسلوب البيروقراطية لايراعي الجوانب النفسية والإنسانية لدى الموظف كما تغيب روح المبادرة في هذا التصور الإداري فمن الأفضل تطبيق المقاربة التشاركية وتحفيز الموظف ماديا ومعنويا ثم ترقيته على أساس المبادرة والقدرات الكفائية ومراعاة العلاقات الإنسانية التي تتحكم في العمل الإداري ويمكن أن ينتج عن تعدد المكاتب واللجان الإدارية تعقيد في المساطر الإدارية وتباطؤ في تنفيذها في حين تطالب الإدارة بالمرونة واليسر لمنافسة الإدارات الأخرى ولاسيما الإدارة ذات التوجه الخصوصي وفي هذا الصدد يقول أنتوني غيدنز:" إن فيبر في تحليله للبيروقراطية قد أولى اهتمامه الرئيسي للعلاقات الرسمية التي تحددها القواعد والأنظمة الداخلية في المؤسسة غير أنه لم يتحدث عن الروابط الشخصية والعلاقات التي تدور في نطاق ضيق بين الجماعات في جميع المنظمات ...
ومن جهة أخرى يرى روبرت ميرتون أن البيروقراطية أسلوب إداري رتيب ومعيق للتطور والمنافسة والتقدم في العمل على أساس أن هذا الأسلوب يلحق الضرر بالمؤسسة عاجلا أو آجلا وفي هذا يقول أنتوتي غيدنز:" ووضع عالم الاجتماع الأمريكي روبرت ميرتون دراسة موسعة عن النموذج المثال الذي طرحه فيبر عن المنظمة البيروقراطية وبين هذا الباحث وهو من كبار الباحثين في المدرسة الوظيفية أن البيروقراطية تنطوي على كثير من جوانب القصور والعناصر التي قد تفضي إلى إلحاق الضرر حتى في نشاط المؤسسة نفسها ومن مآخذ ميرتون على البيروقراطية أن موظفيها البيروقراطيين يدربون على الالتزام المتشدد بالقواعد والإجراءات المكتوبة التي لا تترك لهم مجالا للمرونة في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات أو السعي إلى حلول وإجابات مبتكرة لمعالجة القضايا والمشكلات ...
ويرى مشيل فوكو أن البيروقراطية تعني السيطرة على الزمان والمكان وبالتالي فهي أداة لمراقبة الأجساد والتنصت عليها بمختلف الوسائل والأجهزة ولا يتعلق هذا بالدول المستبدة فحسب بل يتعدى ذلك إلى الدول الديمقراطية ككندا مثلا ويرى فوكو الإدارة رمزا للقوة والسلطة والتراتبية الاجتماعية" فالمكاتب والرتب التي وصفها فيبر بصورة مجردة تتخذ هنا أشكالا معمارية بل إن المباني التي تضم الشركات الكبرى تنظم بصورة عامة تنظيما عموديا تكون فيه الطوابق العلوية مخصصة لذوي السلطة والقوة الأعلى في المنظمة وكلما اقترب مكتب الموظف من قمة المبنى ازدادت دلائل اقترابه من عملها ولاسيما في الحالات التي يعتمد فيها النسق التنظيمي على العلاقات غير الرسمية إن القرب الفيزيقي ييسر التفاعل والتواصل ين الجماعات الأولية بينما يؤدي البعد المادي إلى استقطاب المجموعات ووضع خطوط فاصلة بين " هم" و" نحن" كما يؤدي إلى التباعد بين دوائر المؤسسة وأقسامها لا تستطيع المنظمات أن تعمل بكفاءة إذا كانت أنشطة العاملين فيها متداخلة على نحو عشوائي ففي الشركات التجارية كما أوضح فيبر تتوقع من الناس أن يعملوا ساعات منتظمة كما ينبغي التنسيق بين الأنشطة من الوجهتين الزمانية والمكانية وذلك ما يتحقق إلى حد بعيد عن طريق التقسيم المادي لأماكن العمل من جهة وتنظيم الجداول الزمنية لأداء المهمات ومن شأن ذلك كما يرى فوكو توزيع الأجسام؛ أي الناس بطريقة تجتمع فيها الكفاءة والفعالية وبغير هذه الترتيبات تدخل الأنشطة الإنسانية حالة من الفوضى المطبقة إن ترتيبات الغرف والقاعات والفضاءات المفتوحة في المبنى الذي تشغله المنظمة تعطينا مؤشرات أساسية عن الأسلوب الذي يعمل به نظام السلطة والقوة "
وإذا كان الأسلوب البيروقراطي يتسم بالاستخدام السيء لمعيار التخصص؛ والاستخدام السيء للإجراءات الروتينية؛ والاستخدام الخاطئ للتسلسل الرئاسي؛ والاستخدام الحرفي للأنظمة والالتزام الجامد باللوائح والتعليمات فإن البيروقراطية الفيبيرية تتميز بمجموعة من المواصفات والمقومات الأساسية مثل: العقلانية والعمل الهادف والتخصص والتراتبية والتسلسل الإداري والمراقبة والكفاءة والتحفيز وتنظيم العمل واتباع الرسميات والتأثير القانوني ووحدة السلطة والقرار (وحدة الأمر) والسلطة المركزية ونطاق الإشراف ومبدأ التدرج الهرمي
وعليه يعد ماكس فيبر من أهم ممثلي المدرسة الكلاسيكية في مجال التدبير وخاصة ذلك الاتجاه الذي ركز على السلطة في مجال الإدارة والاقتصاد وتبيان أشكال تنظيمها إلى جانب ميشيل كروزيي بيد أن ماكس فيبر تميز بتقسيم السلطة إلى أنواع ثلاثة: السلطة الكاريزمية التي تعود إلى شخصية المسؤول الآسرة التي تجعل الآخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا؛ والسلطة التقليدية القائمة على الأعراف والتقاليد والوراثة؛ والسلطة الوظيفية الرسمية (البيروقراطية)"
ومن الحديث الكثير فى وصغ البيروقراطية ومعايبها ومميزاتها نجد أنها تتعارض مع التشريع الإلهى فمثلا من حق الجندى أن يخالف قائده أو أن يخالف المرءوس رئيسه إن رأى مصلحة أعظم للمسلمين وهو ما يظهر من خلال ترك الهدهد لمكانه وذهابه للاستطلاع فى أرض العدو ومجيئه بمعلومات هامة وفى هذا قال تعالى:
"وتفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لا أذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين"
كما يظهر من خلال مخالفة هارون(ص) لأمر موسى(ص) كما قال تعالى :
"قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمرى قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى"
ومن ثم لا وجود لما يسمى بالتسلسل الهرمى ولا التسلسل الوظيفى حسب نظرية البيروقراطية فالكل محكوم بالشرع يعود إليه فمن حق المرءوسين عقاب رئيسهم بابلاغ القضاء عنه إذا خالف الشرع بالاحتكام لكتاب الله كما قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول"
أو بعقابه إذا فسد القضاء كما قال تعالى :
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وتعرض لنظرية روشى فقال :
"الفرع الثالث: غوي روشي والإدارة المعاصرة
يعد الباحث الكندي غوي روشي من أهم علماء الاجتماع الذين تعاملوا مع الظواهر الإدارية ووقائعها في ضوء مقترب سوسيولوجي بتقديم مجموعة من الملاحظات العلمية والتجريبية حول وظائف الإدارة العمومية والبيروقراطية الإدارية ومشاكل تطبيق السلطة السياسية
وقد بين الباحث أن الإدارة في الدولة المعاصرة لها حياة مجتمعية وقضائية داخلية متميزة ذات طابع بيروقراطي هرمي أو هيرارشي وينتج عن ذلك صراعات سياسية وإدارية لها علاقة وثيقة بالسلطة والنفوذ من جهة وأخذ القرارات السياسية والإدارية من جهة أخرى..
وثمة كتابات غربية أخرى اهتمت بشكل من الأشكال بالإدارة العمومية تحمل في طياتها مضامين إدارية سوسيولوجية وهي كتابات بيتا شريف وكتابات ميشيل كروزيي ورالف ميليباند وإيزرا سليمان وجون بورتر وروبرت بريستوس وباتريس جاران وإدوارد كلوتيي ودانييل لاتوش وغيرها من الكتابات المهمة التي ركزت على البيروقراطية الإدارية والنخبة الإدارية والخدمات الإدارية والإدارة في المجتمع الرأسمالي
وعليه فقد توقف غوي روشي عند التدبير الإداري وتبيان دور الموظفين في ذلك وذكر ما ينتظره المواطنون من هؤلاء الموظفين الإداريين على الرغم من كون هؤلاء الإداريين لا يملكون الحق في كثير من الأحيان في استصدار القرارات الإدارية والسياسية لذا يطرح هذا الواقع قضايا من نوع تخليق الإدارة والجودة والإتقان والكفاءة والمعاملة الحسنة مع المواطنين وخدمة المصلحة العامة بدل تحقيق المصالح الشخصية والتحكم الجيد في ميزانية الإدارة وترشيد مواردها المادية والمالية
ويلاحظ كذلك أن الإدارة العمومية قد تتكون من موظفين متخصصين في مجال الإدارة وموظفين غير متخصصين في هذا المجال ونخبة سياسية منتخبة تشرف على تسيير الإدارة وتدبيرها
وهناك إشكالية أخرى في مجال التسيير الإداري فهناك تسير إداري محلي وجهوي ومركزي بمعنى أن ثمة علاقة بين الموظف الإداري والحكومة التنفيذية تتم إما في إطار السياسة المركزية وإما في إطار السياسة اللامركزية أو سياسة اللاتركيز
ويلاحظ غوي روشي أن الإدارة ليست خاضعة دائما للتنظيم العقلاني كما يرى ماكس فيبر بل قد تتضمن بعض الملامح من المجتمع الإقطاعي ولاسيما في المجتمعات غير الديمقراطية ويلاحظ كذلك أن علاقة الموظف الأدنى بالموظف الأعلى خاضعة لعلاقة الهيمنة والخضوع والتبعية بمعنى أن المدير أو الموظف الكبير يتحكم في الموظف الصغير ومن ثم يؤثر نجاح الرئيس أو فشله في وضعية الموظف الصغير سلبا أو إيجابيا
أضف إلى ذلك أن كثيرا من الموظفين لا يستطيعون أن يصلوا إلى مناصب عليا أو مناصب القوة والنفوذ والقرارات السياسية والإدارية على الرغم من امتلاكهم للشهادات والدبلومات العالية وتوفرهم على الكفاءات العليا باستثناء الذين يتقربون من رؤسائهم بالولاء والحسب والنسب والمصاهرة والخضوع الأعمى فما يمكن أن يصلوا إليه سوى الظفر بالمناصب المتوسطة أو القريبة من المناصب العليا ويعني هذا كله غياب الديمقراطية الحقيقية في الإدارة العمومية وخضوعها للهيرارشية الإقطاعية والمزاجية والسياسية والحزبية
ويرى جيري جاكوب أن النموذج الويبري أو النمط المثالي للبيروقراطية عند ماكس ويبر مجرد نموذج خيالي ورمزي أما في الواقع الإداري فالبيروقراطية المثالية تتحول إلى فيودالية إقطاعية خاضعة للأهواء والولاءات والأمزجة والمصالح الشخصية والضغوطات السياسية والحزبية والنقابية ليس إلا
والدليل على فيودالية الإدارة تقسيمها إلى إدارات مركزية وغير مركزية من جهة أولى ووجود الدواوين والمفتشيات والكتابات العامة والمديريات والأقسام والمصالح والمكاتب
من جهة ثانية وتنظيم الإدارة الترابية إلى إدارة مركزية وجهوية ومحلية من جهة ثالثة وتقسيم الإدارة المحلية إلى مقاطعات حضرية وقروية من جهة رابعة
وينتج عن هذا التقسيم الإداري والتوزيع السياسي صراعات داخلية وخارجية وتضارب للمنافع والمصالح واختلاف المنطلقات السياسية والإيديولوجية ويعني هذا وجود صراعات ترابية وإدارية وتدبيرية داخلية وخارجية ومن ثم يقوم كل وزير بإدخال تغييرات جزئية أو كلية على إدارته ويطبق سياسات معينة وفق رؤيته الحزبية أو السياسية أو الإدارية وقد يتجاوز هذا الصراع إدارة الوظيفة العمومية إلى إدارات حكومية أخرى فقد يتدخل الوزير الأول في إدارة وزير الوظيفة العمومية فيفرض عليه مجموعة من القرارات لتنفيذها إداريا
وعليه تخضع الإدارة لمنطق الصراع والتنافس والاختلاف والتفاوت الهيرارشي وقد يكون الصراع بين الموظفين الإداريين أنفسهم أفقيا وعموديا أو قد يكون بين الموظفين ورؤساء الإدارة أو بين الموظفين والوزارة المعنية وقد يكون الصراع بين النظامين الإداريين: البيروقراطي العقلاني والإقطاعي الروتيني وقد يكون الصراع إيجابيا ومثمرا لصالح الإدارة وقد يكون الصراع سلبيا يعيق تقدم الإدارة وتطورها
أما فيما يخص السلطة الإدارية يلاحظ أن الدول الليبرالية المتقدمة لا تعطي للإدارة الحرية التامة لتقوم بكل شيء فسلطتها مقننة بقوانين وتشريعات قضائية ودستورية بل يمكن محاسبة هذه الإدارة ومحاكمتها قضائيا في المحاكم الإدارية أي: لا يمكن للدولة أو الإدارة العمومية أن توظف سلطتها بشكل غير مسؤول وإلا اعتبر ذلك شططا أو سوء استخدام للقوة الإدارية ومن هنا يمكن للموظف أن يرفع دعوى ضد إدارته أو إدارة أخرى لمقاضاتها بهدف إلغاء قرار إداري أو حذفه أو تعديله أو إرجائه أو تغيير وضعيته المادية أو المالية أو المعنوية؛ وخاصة إذا كانت تلك الدولة ديمقراطية تؤمن بحقوق الإنسان الخاصة والعامة
أما الدولة الاشتراكية فالإدارة العامة هي التي تتحكم في الوظيفة العمومية ومرافقها من جهة وتتحكم أيضا في مصير الموظفين من جهة أخرى كما هو حال الإدارة في الاتحاد السوفياتي سابقا والصين الاشتراكية وكمبوديا والفيتنام ومن ثم تتحول الإدارة الاشتراكية - حسب لوي ألتوسير وبولانتزاس إلى وسيلة إيديولوجية لاستيلاب الناس وتخديرهم وتكليسهم إلى جانب الآليات الأخرى مثل: التعليم والإعلام والدين والتربية والجيش
ومن ناحية أخرى يرى غوي روشي أن للدولة المعاصرة حدودا داخلية وخارجية تتحكم فيها على الصعيد الإداري لا يمكن تخطيها أو تجاوزها أو إهمالها مثل: الضغوط الخارجية وضغوط المعارضة وضغوط الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والنخب بمختلف أطيافها
ويبدو أن الدولة الليبرالية المعاصرة تعرف جدلا صاخبا على مستوى الإداري والسياسي وتعرف أيضا صراعا حادا حول السلطة والنفوذ والمنافع والمصالح باختلاف الرؤى الحزبية والإيديولوجية ومن ثم تميل الإدارة المعاصرة إلى ترشيد النفقات والاحتكام إلى جودة الخدمات والإتقان في العمل والتسريع في تنفيذ الأعمال والمأموريات الإدارية والتحكم في المصاريف والتقليل من الموارد البشرية والتكيف مع الظروف الإدارية والتأقلم معها حسب الإمكانيات المتاحة وهذا ما يسمى أيضا بالحكامة الجيدة
ومن هنا تقوم الإدارة بوضع برامج تنموية مستدامة وخوصصة بعض مرافقها وتفويضها إلى مكاتب وشركات خاصة وتسطير مشاريع هادفة في مجالات مختلفة ومتنوعة: التعليم والصحة والسكن والاقتصاد والإدارة والرياضة والسياحة والثقافة والبحث عن الكفاءات والموارد المادية والمالية والمعنوية والاقتصاد في النفقات والدخول في شراكات داخلية وخارجية وتحفيز الموظفين ماديا وماليا ومعنويا وخدمة المواطنين بشكل إيجابي بتوظيف المستجدات التقنية والرقمية ولن يتحقق هذا - فعلا- إلا بالمقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة والمقاربة الإبداعية
ومن جهة أخرى يمكن الحديث ضمن سياق الدول والحكومات المعاصرة عن إدارتين متناقضتين: إدارة محافظة تكره التغيير والتجديد والإبداع وتحتكم إلى القواعد البيروقراطية الفيودالية؛ وإدارة مبدعة تؤمن بالابتكار والتجديد والإبداع والتطوير وتأخذ بالمقاربة البيروقراطية العقلانية والمنظمة"
ومما سبق من القول نجد أن القوم جعلوا كل النظريات أو الأنظمة تصب فى شىء واحد وهو :
انتهاء كل الأنظمة إلى وجود قادة وأتباع أى أكابر وأصاغر أى ناس يشرعون وينفذون وناس تطبق عليهم التشريعات يستوى فى ذبك ما يسمونه دول الحرية ودول الاشتراكية أو الشيوعية فبدلا من أغنياء الحرية يوجد أعضاء الحزب الشيوعى أو الاشتراكى
وهو النظام الذى جاء من أجل هدمه الرسل (ص) فعندما يكون هناك رئيس ومرءوس أو كبير وصغير أو تابع ومتبوع فالكفر متواجد وحقوق العباد تكون منهوبة بواسطة التشريعات البشرية
وفى نهاية البحث أشار حمداوى إلى تعدد أنواع الإدارات فقال :
"وفي الأخير يمكن الحديث عن أنواع عدة من الإدارة المعاصرة كالإدارة الحكومية (الإدارة الوزارية) والإدارة البرلمانية والإدارة الحزبية والإدارة النقابية والإدارة المركزية والإدارة الجهوية والإدارة الإقليمية والإدارة الحضرية والإدارة القروية والإدارة الجماعاتية "
ومن ثم فالكل ما زال يحور ويدور فى فلك واحد وهو النظام الكافر القائم على وجود صفوة أو نخبة تحكم وشعب أو عامة هم من تحكمهم الصفوة والتى تسمى بأسماء مختلفة فهم الأشراف الذى لا يطبق عليهم القانون بينما الضعاف هم من يطبق عليهم وتلك النظريات والأبحاث كفتنا إياها الأمثال الشعبية التى لخصت تلك السياسات فى أقوال مثل :
يا بخت من كان النقيب خاله
الذى له ظهر لا يضرب على بطنه

الجمعة، 24 فبراير 2023

نظرات فى خطبة أهمية الأمثال في القرآن

نظرات فى خطبة أهمية الأمثال في القرآن
استهل الخطيب الحطبة بالهدف من ضرب الأمثال وهو عقل الأمور فقال: "عباد الله:
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه فيه كل شيء يحتاجه الناس، ما فرط فيه من شيء، فيه الإيمان والتوحيد، والحلال والحرام، والقصص والأمثال، والعبر والعظات، أنزله نورا وبركة، وهدى للناس، أنزله تبيانا لكل شيء، جاء فيه موعظة من ربنا وشفاء، ومما أنزل الله في كتابه "الأمثال"، ضربها لعلنا نعقل، قصها لعلنا نتعظ، أوردها لعلنا نتذكر، ومن هذه الأمثال العظيمة في القرآن، ولا يعقلها إلا العالمون"
وضرب الباحث مثلا بجهل واحد من القدامى لمعنى مثل فقال:
" وكان بعض السلف إذا لم يعرف معنى مثل في القرآن بكى، فقيل: ما يبكيك، قال: لست بعالم، وقد قال الله:
" وما يعقلها إلا العالمون "عن هذه الأمثال، فاتني العلم."
وذكر مثل عمن يتبع كلام الله ثم يكفر فقال :
"مثل من يعمل بطاعة الله، ثم ينحرف
يقول ربنا سبحانه:
"أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون "
إذا المسألة تحتاج إلى تفكير، فلنتفكر يا عباد الله، ولن تتبين الآيات إلا بالتفكر، أيود أحدكم: أيحب أي واحد منا، الكلام موجه للجميع، لي ولك وله، أيود أحدكم بهذا الاستفهام الذي فيه تلطف أيود أحدكم أن تكون له جنة، بستان عظيم ملتف الأشجار، ما هي أنواع الشجر التي فيه؟
من نخيل وأعناب، وهذه من أجود الثمار، وأرقاها، وأعلاها، وأغلاها، وأنفعها، هذه التي يكون منها القوت، والغذاء، والدواء، وتؤكل رطبة ويابسة، وتدخر، وتجتنى من الثمر، وهي أنواع منوعة، وألوان وأشكال، وهي فاكهة وغذاء في وقت واحد، يتفكه بالرطب، ويتغذى بالتمر، يتفكه بالعنب ويتغذى بالزبيب، هذه الأشجار من الأنواع التي تنفع باستمرار في ثمرها، في خوصها، في ليفها، في جريدها، في سعفها، ويصنع من ثمرها أنواع من الأطعمة، أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار فلا يحتاج إلى مؤنة في سقيها، ولا إلى كلفة في استخراج مائها، ولا إلى جهد في إجرائه بين أشجارها؛ لأن الأنهار تجري من خلالها، تجري من تحتها الأنهار، لم يتعب في استخراج الماء، لم يتعب في السقي، جنة نفيسة، ليس فقط في وجود أرقى الثمار، النخيل والأعناب، ولا فقط في جريان الماء خلال أشجارها، ولكن أيضا له فيها من كل الثمرات، الثمرات الأخرى، أنواع منوعة غير النخيل والأعناب، وله فيها من كل الثمرات، كل الثمرات، كل الأشجار، كل الأنواع على ما يشتهي يأكل يبيع البستان يغطيه ويغطي نفقاته ونفقات أهله، ويفيض ويزيد، البستان هذا مصدر رزقه، ومصدر عيشه، ومصدر ادخاره فيما يأكل، وفيما يبيع، يكفيه ويغطيه وزيادة، وعلى ما يحب ويشتهي من كل الثمرات هذه الجنة، وهذا البستان نفيس للغاية في التنوع، في السهولة، حتى المنظر الجذاب الأخاذ الجميل للنخيل والأعناب والثمرات الأخرى، هذا وضع البستان.
فما وضع الرجل؟ وما هي حالته الاجتماعية؟
قال الله تعالى: وأصابه الكبر تقدمت به السن، لان ما اشتد، واشتد ما لان، تقدمت به السن، ووهن العظم، واشتعل الرأس شيبا، أصابه الكبر في ضعفه ووهنه، فلم يعد قادرا على الكسب كما كان في شبابه، والإنسان في آخر العمر يحتاج إلى مصدر سهل للرزق، يحتاج إلى شيء يدر عليه من غير تعب وجهد لأنه قد أصابه الكبر، فكيف يكون البستان بالنسبة إليه في الحاجة، وسد الحاجات، لقد تعلق قلبه بهذا البستان من جهتين: من جهة نفاسة البستان، ومن جهة تقدم سنه، ويشيب الإنسان وتشب معه خصلتان: حب المال، وحب طول العمر.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: كلما تقدمت السن بالإنسان يشيب يضعف إلا خصلتان لا تشيبان ولا تضعفان: الحرص على المال، والرغبة في طول العمر، إذا اشتد حرصه على المال، لكبر سنه وحاجته أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: كلما تقدمت السن بالإنسان يشيب يضعف إلا خصلتان لا تشيبان ولا تضعفان: الحرص على المال، والرغبة في طول العمر، إذا اشتد حرصه على المال، لكبر سنه وحاجته
، وكذلك نفاسة هذا البستان وجودته، ليس هذا فقط، بل وله ذرية ضعفاء، أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء، صغار، عجزه، زمنى، مطلقات، نساء لا يقوين على العمل، له ذرية ضعفاء لو مات صاروا أيتاما مثلا، ذرية ضعفاء غير قادرين على الكسب، فهو يريد البستان له ولهم، وهذا مصدر العيش لهم من بعده، ومما يطمئنه نفسيا على ذريته، كل واحد فينا لو كان عنده ذرية وأولاد وتقدمت به السن، يخشى عليهم من بعده، ويتمنى أن يترك لهم مصدرا دارا كxxxx ومزرعة ونحوها، ليأكلوا ويعيشوا منها، أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فازداد الأمر في الحرص قوة وفي التعلق شدة بهذا البستان، صار الأمل فيه كل الأمل، وبينما هو كذلك في هذه الحاجة وهذا التعلق وهذا الانجذاب وشدة الحرص، حصلت مفاجأة بل مصيبة وكارثة كبرى، بل فجيعة عظيمة وداهية دهياء ما هي؟
فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، الإعصار: عمود الريح والزوبعة الشديدة، الإعصار أشد من الريح، كما قال في المثل "إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا "، عمود بين السماء والأرض بشدة، وينتقل مدمرا مخربا، إعصار لا يأتي على شيء إلا جعله دمارا، وليس هذا فقط، بل فيه نار، إعصار دمار نار على هذا البستان، إعصار فيه نار فاحترقت، قلعت، واخربت، وما بقي لا يصلح أن يتخذ شيئا؛ لأن النار قد أحرقته حتى الحطام لم يعد مفيدا، إعصار فيه نار فاحترقت فكيف تكون الخيبة، وكيف يكون انهيار الآمال وكيف يكون وقع المصيبة، كيف تكون حالته النفسية، هنا قال الله: كذلك الآن يضرب الله الآيات للناس، يضرب الأمثال يقول: لعلكم تتفكرون، ليست القضية فقط أن يذكر لنا مأساة تنتهي بهذه النهاية المفجعة، دون أن يكون هناك وراء هذا شيء، فما هو الشيء يا عباد الله؟ ما هو؟
هذا مثل ضربه الله لشيء ليست فقط قصة مؤلمة وخيبة أمل مدوية، لكن وراء القصة هذه معنى عظيم، لابد أن يكون هناك مراد كبير من وراء إيراد هذه القصة وهذا المثل، فما هو؟"
الخطيب هنا صال وجال فى المعانى ولكنه لم يفسر سبب ضرب المثل حتى قال :
"هذا مجال تفكر الذي يريده الله منك يا عبد الله، هذا مجال التدبر الذي يريده الله منك يا عبد الله فكر وتدبر، هذا المثل ضربه لأي شيء؟
عمر رضي الله عنه كان جالسا مع أصحابه، وفيه ابن عباس ذلك الشاب الصغير، فسأل عمر عن الآية، قالوا: الله أعلم، قال: قولوا نعلم أو لا نعلم، قال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال: تكلم يا ابن أخي، قال: هو مثل ضربه الله لشيء، ضربه الله لعمل، قال: ما هو، قال: لعمل، فأخبره عمر رضي الله عنه أن هذا مثل ضربه الله لرجل كان يعمل بطاعة الله مدة من الزمن، ثم انتكس، وانحرف، وانجرف، وعمل بمعصية الله، سيئات أذهبت الحسنات، وأحبطت ما سبق، وانهار كل شيء، قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لهذا المنتكس الذي كان يعمل بالحسنات ثم انتكس فصار يعمل بالسيئات فأحبطت الحسنات، ذهبت الحسنات، الحسنات كانت مونقة موردة يانعة أنواع وأشكال من الحسنات، مزهرة جميلة ذات طعم، لكن إعصار الانتكاس والنكوص على العقبين والردة وعمل السيئات بعد الحسنات والتغيير والتبديل والرجوع أذهبها أحبطها أتلفها، وهذا مثال أيضا للمرائي، يعمل حسنات فيما يظهر للناس، أو يبدأ مخلصا، ثم يدخل في الرياء، فيغير على حسناته بإعصار الرياء، فيمحوها، أو إنسان صاحب صدقات لكن يمن في الصدقة ويؤذي، فيهب إعصار المن والأذى على حسنات صدقاته، فيتلفها ويذهبها، فإذا جاء يوم القيامة" وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا "
أيود أحدكم أن تكون له حسنات ثم ينتكس فيعمل بالسيئات، فيذهب ما سبق، أيود أحدكم أن تكون له صدقات فلا يزال يغير على حسنات صدقاته بالرياء والمن والأذى، حتى لا يبقي منها شيئا، فإذا جاء يوم القيامة أحوج ما يكون إليها وقد قربت الجنة والنار، وجمع المؤمنون والكفار والبررة والفجار، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين، وحاصرت الملائكة بأطواقها الثقلين من الجن والأنس، وضع الكتاب والميزان، وجاء وهو يرى ما أمامه من نار تلظى، يسمعون لها زفيرا وشهيقا، الآن أشد الحاجة أشد الحاجة إلى الحسنات، حسنات تنجيه، ومن النار تقيه وفي الجنة تدخله، لكن لا شيء هباء منثورا، فيقول لنا: " أيها العباد أثبتوا على الطاعة، يا أيها المسلمون استمروا على الدين لا تغيروا، لا تبدلوا، لا تنتكسوا، لا تنكسوا على العقبين، لا ترتدوا، اعملوا أعمالا خالصة له حتى تلقوها عنده، وهو كريم يضاعف لمن أخلص له."
هذا التفسير المنقول عن عمر وابن عباس لا يمت للآية بصلة فالآية لا يوجد فيها ما يدل على إسلام صاحب الجنة ثم كفره
وأما معنى الآية :
"أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"
فهو:
أيحب أحدكم أن تصبح ملكه حديقة من نخل وعنب تسير فيها المجارى له فيها من كل المنافع وبلغه العجز وله أولاد واهنين فمسها مطر فيه برق فهلكت كذلك يوضح الله لكم الأحكام لعلكم تفهمون
يسأل الله المؤمنين أيود أى أيحب أحدكم أن تكون له جنة أى حديقة من النخل والعنب تجرى من تحتها الأنهار والمراد تسير فى أرضها مجارى الماء وسميت من تحتها لأن المجارى أسفل الأرض وهذه الجنة تعطيه كل الثمرات أى المنافع وبعد ذلك أصابه الكبر أى بلغه سن الشيخوخة وله ذرية ضعاف أى أولاد صغار ثم حدث أن أصاب أى نزل على الحديقة إعصار فيه نار والمراد مطر فيه برق فاحترقت أى فهلكت الحديقة فلم يعد لديه شىء يحميه من ذل الحاجة هو وأولاده
والغرض من السؤال هو تحذير المؤمنين من عدم العمل للمستقبل فهذا الرجل لم يعمل لمستقبله ومستقبل أولاده وهذا يعنى أنه يطالبهم أن يقدموا الخير لنفسهم ولأولادهم فى الأخرة حتى لا يذلوا ولا يهانوا ،ويبين الله لنا أنه كذلك أى بذكر حكم الله يبين أى يوضح الآيات وهى أحكام الوحى والسبب لعلهم يتفكرون أى يفهمون فيطيعون حكم الله."
ومن ثم فالآية تتحدث عن كافر لم يعمل حساب نفسه ولا حساب أولاده فى المستقبل حتى أتى الاحتراق وهو تشبيه الموت أو القيامة قلم يقدر على رد العقاب عن نفسه
والمثال الثانى الحور بعد الكور فقال فيه:
"مثال الحور بعد الكور
عباد الله:
هذه قضية الثبات على الدين، وعدم التغيير والتبديل، هذه قضية التمسك بالدين وعدم الضلالة بعد الهداية، هذه قضية الاستعاذة من الحور بعد الكور، الذي كان عليه - عليه الصلاة والسلام - يقوله في دعائه: "والحور النقص والكور الزيادة"، هذه قضية خطيرة جدا، كم من الناس اليوم يضلون، يسافر الخارج ينحرف، يدخل في سن المراهقة ينتكس، يكون مستقيما فيتعرف على امرأة فتزله في النار، يقرأ رواية من الروايات، يشاهد فلما من الأفلام، يدخل على موقع من المواقع، ما بالنا اليوم نجد في بعض المسلمين إلحادا وانتكاسا، لماذا؟
فتزل قدما بعد ثبوتها، واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتناحفظ القرآن، فهم الآيات، آتيناه: أعطيناه، وهبناه، يسر لنا له، آتيناه آياتنا، ما ينقصه علم، لكن ما الذي حصل بعد الإيتاء وبعد النعمة العظيمة، آتيناه آياتنا فانسلخ منها، أرأيتم انسلاخ الحية من جلدها، أرأيتم ذلك الخروج الكلي، آتيناه آياتنا فانسلخ منها، ما ترك آية أو آيتين أو سور، أو بعض الأحكام، انسلاخ، والآن بعض المسلمين يتنصر، أو يكفر انسلاخ، فانسلخ: تعبير قرآني مدهش، فانسلخ منها، ترك كلي، فإذا انسلخ منها هل سيتركه الشيطان بمفرده؟ لا، أول ما يقرر لما غووا أغويناهم، وإلا الله ما يغوي بدون إرادة الشر من العبد، الله لا يكافئ من آتاه آياته، يؤتي رجل آياته ثم يضله، لا هو، "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم "، ولذلك انسلخ منها فاتبعه الشيطان، وتأمل في كلمة: "اتبعه" ما يترك الشيطان أبدا مثل هذه الفرائس، اتبعه، اتبعه، حذو القذة بالقذه، واتبعه في اللغة: "يعني لحقه فأدركه وليس مجرد سار وراءه، وفرعون وجنوده، قال الله: فأتبعوهم يعني: لحقوهم وأدركوهم، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، في فرق بين عصى ربه وغوى، وبين الغاويين، هذا غاوي لنفسه ليس غوى مرة، أو غوى جزئيا، لا فكان من الغاوين، اسم فاعل: الغاويين، غوى غاوي غواية، أثيمة، أليمة، مصيبة، ولو شئنا لرفعناه بها، يعني: بالآيات، فالقرآن يرفع، والانتكاس هذا والضلال يهبط بالإنسان، ولو شئنا لرفعناه بها في الدنيا وفي الآخرة، القرآن يرفع في الدنيا وفي الآخرة، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه هو الذي أراد ذلك، الله يريد العلو، هذا يريد السفول، الله يريد الارتفاع، هذا يريد النزول، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله هنا، هنا لابد أن تنفتح الأسماع والأبصار والبصائر والعقول والقلوب؛ لأن فيه ضرب مثل، لأن الله يضرب مثلا، فمثله كمثل الكلب أخس الحيوانات، وأحطها، وأنذلها، وأشدها حرصا وهلعا، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث "
وبالقطع الكلب ليس أخس الحيوانات ولا يجوز وصف حيوان أيا كان بالخسة أو أيا من الصفات البشرية لأنه مسلم كما قال تعالى :
" وله أسلم من فى السموات والأرض "
ومثل المنسلخ هو مثل فيمن كفر بعد إسلامه
ثم وصف الكلب فقال :
"الكلب من صفاته:
أنه يلهث إذا جاع، ويلهث إذا شبع، ويلهث إذا عطش، ويلهث إذا ارتوى، ويلهث إذا مرض، ويلهث إذا صح، في جميع الحالات يلهث، إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، لزوم الحالة السيئة لهذا الإنسان، خلاص مثله كمثل الكلب، في الخسة في أحط الأحوال سيئ، إنسان سيئ في كل الحالات لا يرجى منه خير أبدا، لا في صحة، ولا في مرض، ولا في غنى، ولا في فقر، ولا في مجيء، ولا في إتيان، لا إذا أتيته ولا إذا تركته ما في
فائدة، إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، هذا مثل آخر يصب باتجاه المثل الأول، الانتكاس والرجوع إلى الضلالة بعد الهداية، وإلى الزلل بعد الثبات، إلى البدعة بعد السنة، وإلى الكفر بعد الإسلام، وإلى الشرك بعد التوحيد، وهكذا ما عاد العلم له أثر، ولا الآيات لها أثر"
وعودة الخطيب لوصف الكلب بالخسة هو خطأ فاحش فصفات الكلب مباحة فى شريعته
وأما تفسير آيات المنسلخ والكلب فهى :
"واتل عليهم نبأ الذى أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين"
طلب الله من نبيه(ص)أن يتلو نبأ والمراد أن يقص قصة الذى أتيناه آياتنا أى الذى أعطيناه أحكامنا فانسلخ منها أى كفر بها مصداق لقوله بسورة مريم"الذى كفر بآياتنا"والمراد عصى الأحكام وفسره الله بأنه اتبعه الشيطان أى أضلته الشهوة مصداق لقوله بسورة النساء"الذين يتبعون الشهوات"فكان من الغاوين أى الكافرين مصداق لقوله بسورة ص"وكان من الكافرين"
"ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون"
وهنا بين الله لنبيه(ص)أنه لو شاء لرفع الرجل بها والمراد لو أراد لرحم الرجل بطاعته لحكم الله ولكنه أخلد إلى الأرض أى تمسك بمتاع الدنيا وفسر هذا بأنه اتبع هواه أى أطاع شهوته مصداق لقوله بسورة النساء"الذين يتبعون الشهوات"فمثله كمثل الكلب والمراد شبهه كشبه الكلب إن تحمل عليه يلهث والمراد إن تضربه يتنفس بصوت والكافر لو ضربه الله بالأذى لا يترك كفره كالكلب لا يترك اللهاث عند ضربه وإن تتركه يلهث والمراد وإن تدعه سليما ينهج أى يتنفس بصوت والكافر لو تركه الله بلا أذى فى خيره لتمسك بكفره كتمسك الكلب بلهاثه ،ويبين لنا أن ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا أى شبه الذين كفروا بأحكام الله ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقصص القصص والمراد أن يبلغ الأحكام للناس والسبب لعلهم يتفكرون أى يفهمون فيطيعون الوحى
"ساء مثلا القوم الذين كفروا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون"
وهنا يبين الله لنبيه(ص)أن مثل وهو جزاء القوم الذين كفروا بآياتنا والمراد الناس الذين كذبوا بأحكام الله ساء أى قبح وهو النار وفسر هذا بأنهم أنفسهم كانوا يظلمون أى يهلكون مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن يهلكون إلا أنفسهم"والمراد يبخسون أنفسهم حقها وهو الجنة .والخطاب للنبى(ص)
وهذا هو التفسير الصحيح
ثم قال الخطيب
كان واحد من المسلمين في غزوة من الغزوات أتوا على حصن للروم فحاصروه، فاستعصى عليهم، وطال الحصار أياما، فبرزت فتاة من الروم النصارى متزينة لشاب من هؤلاء، فأغوته، فأؤخذ بجمالها وجعلت تشير إليه ومن بعيد، فراسلها كيف الطريق إليك، قالت: أن تتنصر فأواعدك مكانا فأدخلك، فأشار لها بالإيجاب، ففتحت له فدخل فلم يفجأ المسلمين، إلا صاحبهم معها من فوق، فنادوه حاولوا ذكروه وعظوه لا فائدة، هو الضلال يحدث والزيغ إذا أراد الله في لحظات ينتكس الإنسان فلما يئسوا ذهبوا، فمروا عليه بعد سنة على الحصن، فوجدوه فأشاروا إليه، وكان هذا حافظا، كان يحفظ القرآن، قالوا له: يا فلان، ما فعلت صلاتك، ما فعل صيامك، ما فعل قرآنك، فقال لهم: نسيته كله إلا آية واحدة:
" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "
وهذا حكاية من الحكايات التى لا يمكن تصديقها لأن صوت المسلمين لن يصل لأسوار المدينة العالية