الخميس، 31 أكتوبر 2019

نقد كتاب آية الولاية


نقد كتاب آية الولاية
تأليف علي الحسيني الميلاني
موضوع الكتاب كما قال المؤلف هو :
"قال الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) هذه الآية المباركة تسمّى في الكتب بـ «آية الولاية»، استدلّ بها الإماميّة على إمامة أمير المؤمنين "
وقد قسم الميلانى البحث لجهات نذكرها واحدة وراء الأخرى وهى :
"الجهة الأولى:
في شأن نزول هذه الآية المباركة أجمعت الطائفة الإماميّة، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة، بأنّ الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين بخاتمه على السائل، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الإماميّة إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل، كما ذكرنا من قبل، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة، من المحدّثين والمفسّرين، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة، ليكون حجّة عليه ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة، نذكر في الجهة الأولى أسماء بعض من روى هذه القضيّة، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين، في خصوص تصدّقه في حال الركوع بخاتمه على الفقير، على السائل، لتتمّ الحجّة حينئذ على من يرى حجيّة كتبه، على من يرى اعتبار رواياته، على من يلتزم بلوازم مذهبه، فحينئذ تتمّ الجهة الأولى، ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين
قول المفسّرين
1 ـ يعترف القاضي الايجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين، فالقاضي الايجي المتوفّى سنة 756 هـ يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين
2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الإجماع: الشريف الجرجاني المتوفّى سنة 816 هـ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الآن بين أيدينا
3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في شأن علي سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة 793 هـ، في كتابه شرح المقاصد ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام، ومن شاء فليرجع إلى كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم، وفي أوساطهم العلميّة، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب
4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين، في هذه القضيّة الخاصّة: علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال، وعمّا يحتجبه كلّ من الطرفين على مدّعاه، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة
إذن، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة"

هنا الميلانى يقول بوجود إجماع من مفسرى أهل السنة على نزول الآية فى على وحده وهو كلام يخالف ما جاء فى كتب التفسير عند أهل السنة ونذكر هنا بعض منها ففى تفسير الطبرى قال:
" 12207- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" لقول عبادةَ:"أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم" هنا نزلت الآية فى عبادة لن الصامت وفى نفس التفسير نزلت فى حمبع المؤمنين ومنهم على فى الرواية التالية:
" 12210- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه"وأما تفسير ابن كثير فقال فى نزولها فى اليهود الذين أسلموا وكل المؤمنين وهو قوله:
" قال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سُوَيْد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب- قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله " قال جابر بن عبد الله قال عبد الله ابن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" والذين " عام في جميع المؤمنين."
وأما تفسير القرطبى ففيه نفى حفيد على فى روايته أن تكون فى على دون بقية المؤمنين فقال :
"وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " هل هو علي بن أبي طالب ؟ فقال: علي من المؤمنين، يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين. { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا }
وأما تفسير البغوى فقال فى نزولها فى عبادة مرة وفى عبد الله بن سلام ومن اسلموا من اليهود وهو قوله:
"روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من اليهود، وقال: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فنزل فيهم من قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء"، إلى قوله: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء" وعلى هذا التأويل أراد بقوله: { وَهُمْ رَاكِعُونَ }
وزعم الميلانى أن المقرين بهذا الإجماع فى كتبهم كثرة فقال :
" والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم في علم الكلام، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم
قول المحدّثين فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم:
1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني، صاحب كتاب المصنّف، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح
2 ـ الحافظ عبد بن حميد، صاحب كتاب المسند
3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الاندلسي، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة
4 ـ الحافظ النسائي، صاحب الصحيح، روى هذا الحديث في صحيحه
5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور
6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات
7 ـ الحافظ أبو الشيخ الأصفهاني
8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي
9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني
10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني
11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي
12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي
13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي
14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي
15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة
16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي، صاحب كتاب كنز العمّال
هؤلاء جماعة من أعلام الأئمّة في القرون المختلفة، يروون هذا الحديث في كتبهم "

وبغد ان ذكر الإجماع ناقض نفسه بذكر أن الغالبية وهذا يعنى عدم وجود إجماع ذكروا هذا فنقل عن الألوسى:
"يقول الألوسي صاحب التفسير المسمّى بروح المعاني: غالب الإخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها، وغالب المحدّثين والإخباريين ينصّون على هذا، ويقولون بنزول الآية في علي ويروون هذا الحديث وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم، منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر /ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الأخبار، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الأسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم، لانّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه، هذا الاعتراف له قيمته العلميّة وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والأسانيد، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم
منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الأشج، عن الفضل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل قال: تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) إلى آخرها
فإذن، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الألوسي، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الأعلام، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده"

يزعم الميلانى أن ابن كثير اعترف بصحة أسانيد روايات نزول الآية فى على وهو كلام غير صحيح فالرجل لم يذكر ذلك وذكر فى أسانيد تلك الرواية قول مضاد وهو أنه لم يصح منها شىء وهو قوله فى تفسير الآية :
"ثم رواه ابن مردويه، من حديث علي بن أبي طالب نفسه، وعمار بن ياسر، وأبي رافع. وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجاله"
وزعم الميلانى أنه حقق بعض الأسانيد فى كتب أهل السنة فى سبب نزول الآية فوجدها روايات صحيحة فقال :
"كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم وقد اشتهر هذا الخبر وثبت، بحيث يروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الألوسي البغدادي صاحب روح المعاني ـ يقول في شعر له:
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً زكاةً فدتك النفس يا خيرَ راكعِ
فأنزل فيك الله خيرَ ولاية وأثبتها أثنى كتاب الشرايع
إذن، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الإشكال، ولا مجال لان تكذّب هذه القضيّة أو تضعّف روايات هذه القضيّة "

والرجل هنا لم يحقق شىء فلو عاد لتفسير ابن كثير لوحد فى تفسير الآية التالى:
"وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية: نزلت في علي بن أبي طالب عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به.
ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } الآية الضحاك لم يلق ابن عباس.
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي -وهو متروك-عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟" قال: نعم. قال: "من؟" قال: ذلك الرجل القائم. قال: "على أي حال أعطاكه؟" قال: وهو راكع، قال: "وذلك علي بن أبي طالب". قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }وهذا إسناد لا يفرح به"
فهنا ثلاث أسانيد وروايات أعلها ابن كثير
الغريب أن الميلانى فى كتابه إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر لم يرتضى بتفسير أهل السنة بنزول آية وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى فى أبى بكر فقال:
"قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَد عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَة تُجْزَى) هذه آية قرآنية، وكما ذكرنا في مباحثنا حول الآيات المستدل بها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ دلالة الآية على إمامة علي تتوقّف على ثبوت نزولها في علي وبدليل معتبر، وإلاّ فالآية من القرآن، وليس فيها اسم علي ولا اسم غير علي قوله تعالى: (سَيُجَنَّبُهَا الاَْتْقَى) يتوقّف الاستدلال به على مقدمات، حتّى تتمّ دلالة الآية على إمامة أبي بكر "
وكما قال فى أبى بكر نقول فى على ليس فى الآية اسم على ولا غيره كما أن الروايات كما قال فى تلك الآية انقسمت ما بين روايات أبو بكر وقصة أبو الدحداح والنخلة وهو قوله فى الكتاب السابق:
"والحال أنّهم مختلفون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنّ الآية عامّة للمؤمنين ولا اختصاص لها بأحد منهم
القول الثاني: إنّ الآية نازلة في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة، راجعوا الدر المنثور في التفسير بالمأثور، يذكر لكم هذه القصة في ذيل هذه الآية ، وإنّ الآية بناء على هذا القول نازلة بتلك القصة ولا علاقة لها بأبي بكر القول الثالث: إنّ الآية نازلة في أبي بكر فالقول بنزول الآية المباركة في أبي بكر أحد الأقوال الثلاثة عندهم"

فهنا انقسمت الروايات فى على وعبادة وعبد الله بن سلام
ورغم قوله بإجماع مفسرى أهل السنة فى نزول آية فى على إلا استغرب قول ابن تيمية المكذب لهذا فقال :
"مع ابن تيمية:
وإذا بلغ الأمر إلى هذه المرحلة، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الاستدلال، نصّ عبارته هكذا، يقول هذا الرجل:
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن ويضيف هذا الرجل: وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع، وأنّ جمهور الاُمّة لم تسمع هذا الخبر "

ويعود الرجل للتكلم عن الإجماع المزعوم رغم قوله أن ابن تيمية خرقه فيقول:
" فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم فالقاضي الايجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـوهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه، ويقول هذا الرجل: إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى، وعلي لم يتصدّق بخاتمه، وأجمع أهل العلم في الحديث"
وهو ينقض كلامه عندما يقول أن مخالفى الاجماع اثنين أو ثلاثة فيقول :
"أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الإجماع يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله، فإذا رأى نفسه هذا الرأي، ورأى اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم على ما يراه هو، وكأنّ الإجماع في كيسه، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس"
وكلامه يخالف ما نقلناه من تفاسير أهل السنة الأربعة سابقا ويخالف ما ورد فى الكتب المذكورة فى قوله:
"وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي وعلى كلّ حال، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا، في تفاسيرهم وتفاسيرنا، في كتبهم في الحديث وكتبنا
مثلاً: لو أنّكم تراجعون من التفاسير: تفسير الثعلبي وهو مخطوط، تفسير الطبري،وأسباب النزول للواحدي، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير البغوي، وتفسير النسفي، وتفسير القرطبي، وتفسير أبي السعود، وتفسير الشوكاني، وتفسير ابن كثير، وتفسير الألوسي، والدر المنثور للسيوطي لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر، بعضهم يروي بالسند، وبعضهم يرسل الخبر ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الاُمّة وعلى كلّ حال، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند، ومن ناحية شأن النزول، وحينئذ ينتهي بحثنا عن الجهة الأولى، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع "

ففى تفسير الفخر الرازى :
"ولنا في هذه الآية مقامات :
المقام الأول : أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض ، وتقرير مذهبهم أن الذين أقرنا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين ، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي عليه السلام فنقول : ( لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق ) بدليل قوله { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم } إلى آخر الآية وكلمة [ من ] في معرض الشرط للعموم ، فهي تدل على أن كل من صار مرتداً عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم ، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم ، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبداً منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم ، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف ."
وتفسير الثعالبى يقول أن الآية عامة فى قوله:
وقوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ . . . } الآية : «إنما» في هذه الآية حاصرةٌ ، وقرأ ابن مسعود : «إنَّمَا مَوْلاَكُمُ اللَّهُ» ، والزكاةُ هنا : لفظٌ عامٌّ للزكاةِ المفروضةِ ، والتطوُّعِ بالصدَقَةِ ، ولكلِّ أفعالِ البِرِّ ، إذ هي مُنَمِّيَةٌ للحسنات ، مطَهِّرة للمَرْءِ مِنْ دَنَسِ السيِّئات ، ثم وصفهم سبحانه بتَكْثير الركُوعِ ، وخُصَّ بالذكْر؛ لكونه مِنْ أعظم أركان الصلاة ، وهي هيئَةُ تواضعٍ ، فعبَّر عن جميعِ الصلاَةِ؛ كما قال سبحانه : { والركع السجود } [ الحج : 26 ] هذا هو الصحيحُ . ، وهو تأويل الجمهورِ ، ولكن اتفق مع ذلك أنَّ عليَّ بْنَ أبي طالِبٍ ( رضي اللَّه عنه ) أعطى خاتَمَهُ ، وهو راكعٌ قال السُّدِّيُّ : وإن اتفَقَ ذلك لعليٍّ ، فالآية عامَّة في جميعِ المؤمنين .
ثم أخبر تعالى : أنَّ مَنْ يتولَّى اللَّه ورسولَهُ والمؤمنين ، فإنه غالبٌ كُلَّ مَنْ ناوأه ، وجاءَتِ العبارةُ عامَّة في أنَّ حِزْبَ اللَّه هم الغالِبُون"
وتفسير الدر المنثور يقول أن الآية فى عبادة وعبارته هى:
قوله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [ المائدة : 55 ] يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون } [ المائدة : 81 ] .
وأخرج ابن مردويه من طريق عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده عن عبادة بن الصامت قال : فيّ نزلت هذه الآية حين أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبرأت إليه من حلف اليهود ، وظاهرت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال « جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبَيِّ : يا أبا حباب ، أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة ، . . فهو لك دونه . قال : إذن أقبل . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى أن بلغ إلى قوله { والله يعصمك من الناس } »
ونكتفى بهذه النقول لعدم الإطالة فمعظم الكتب التى ذكرها إن لم يكن كلها تجعل الآية عامة أو تخصص عبادة وقومه

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الجرائم المعفاة من القانون

الجرائم المعفاة من القانون
فى عالمنا المجنون يوجد تصريح لفريق من الناس بارتكاب جرائم دون أن يتم عقابهم عليها
هذا الفريق هو ما يسمى الدبلوماسيين فأى دبلوماسى يرتكب جريمة على أرض الدولة التى يعمل فيها لا يمكن القبض عليه ولا عقابه إلا بعد أن تأذن دولته بذلك وهو أمر شبه مستحيل لأن الدول تستخدم هؤلاء فى أمور مخالفة للقانون كالتجسس وتهريب المخدرات والأسلحة ومن ثم فكل دولة لا تفرط فى دبلوماسييها إلا إذا كان قد خانها وتريد التخلص منه
هذا الكلام هو جزء من القانون الدولى المسمى اتفاقية فيينا وكل ما تستطيعه الدولة التى تم ارتكاب الجريمة فيها هى طرد الدبلوماسى من أراضيها وقد تابعنا فى أيام الحرب الباردة حالات بالعشرات من طرد الدبلوماسيين بعد اتهامهم بتهمة التجسس وما زال هذا العرف جاريا فقبل سنة أو اثنين قامت روسيا وبريطانيا بطرد بعض الدبلوماسيين
بالقطع الدولة العادلة فى المستقبل عندما تقوم لم تكون تابعة لهذا الجنون فلا يوجد سفارات ولا قنصليات ثابتة فيها لأى دولة من يريد التواصل والتعاون يأتى فى رحلة قصيرة وبعد ساعات أو يوم يعود لبلده منها
والأحكام فى الإسلام تسرى على كل الجرائم لا فارق بين سياسى متواصل معنا ولا بين فرد من أفراد الدولة كما قال تعالى :
"كل نفس بما كسبت رهينة"
فكل إنسان يعاقب أو يثاب على فعله لا فرق بين مسلم ومعاهد ولا بين مسلم ومسلم

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

نقد كتاب الأرائج المسكية في تفضيل البضعة الزكية2

واستدل الرجل بالتالى:
"ومنها: قوله تبارك وتعالى في آية المودّة: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) وقد روى الجمهور أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال (ص): عليٌّ وفاطمة وابناهما ومنها: قوله عزّ من قائل في آيات الأبرار: (إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً* عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً) إلى آخر السورة، وقد أجمعنا على نزولها في عليٍ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ورواه الواحدي في «البسيط» والثعلبي في تفسيره وأبو المؤيَّد موفّق بن أحمد في كتاب «الفضائل» وغير واحد من الحفظة وأهل الضبط عن ابن عبّاس رضي الله عنه، وفيها من الدلالة على فضل هؤلاء عليهم السلام ما لا يخفى، وقد أبان سيّدنا الإمام شرف الدين العاملي رضي الله عنه طرفاً من ذلك في «الكلمة الغرّاء» فمن شاء فليرجع إليها وليقف على كلمة الفصل فيها، والله الموفّق وأمّا السُنّة الثابتة في تفضيلها فهي كثيرة لا تحصى، ووفيرة لا تستقصى، فلنورد منها هنا طرفاً ممّا ظفرنا به، والله المستعان
أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عائشة، أنّ النبيّ (ص) قال:
يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ـ أو: سيّدة نساء هذه الأمّة ـ؟!

وأخرج الحاكم في «المستدرك»وصحّحه، عنها، أنّ النبيّ (ص) قال ـ وهو في مرضه الذي توفّي فيه ـ: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، وسيّدة نساء هذه الأمّة، وسيّدة نساء المؤمنين؟!
وأخرج الترمذي في (سننه) عن حذيفة، أنّه (ص) قال: إنّ هذا مَلَك لم ينزل الأرض قطّ قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يسلّم علَيَّ ويبشّرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة
وعن عمران بن حصين، أنّ النبيّ (ص) قال لفاطمة عليها السلام: يا بُنيّة،أما ترضين أنّكِ سيّدة نساء العالمين؟! قالت: يا أبتِ فأين مريم ابنة عمران؟ قال: تلك سيّدة نساء عالَمها، وأنتِ سيّدة نساء عالَمك، أما والله زوَّجتكِ سيّداً في الدنيا والآخرة وعن جابر بن سمرة، أنّ النبيّ (ص) قال: أما إنّها ـ يعني فاطمة ـ سيّدة النساء يوم القيامة وأخرج الحاكم في «المستدرك» عن عائشة، قالت لفاطمة بنت رسول الله (ص): ألا أُبشِّرك أنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: سيّدات نساء أهل الجنّة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وخديجة بنت خويلد، وآسية
وأخرج الحاكم والطبراني والخطيب أنّه (ص) قال لفاطمة عليها السلام: أما ترضين أنّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً، فإنّكِ سيّدة نساء أُمّتي كما سادت مريم قومها الحديث وأخرج أحمد في مسنده والحاكم في «المستدرك» وصحّحه، عن ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: خطّ رسول الله (ص) أربعة خطوط، ثمّ قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم الحديث

وأخرج أحمد والترمذي والحاكم عن أنس، أنّ النبيّ (ص) قال: حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية بنت مزاحم وعن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله (ص): كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ مريم، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد (ص)
وعن أنس، قال: قال رسول الله (ص): إنّ الله اصطفى على نساء العالمين أربعة: آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد (ص) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد (ص)
وروى الحارث بن أبي أُسامة في مسنده، عن عروة بن الزبير، مرسلاً: خديجة خير نساء عالَمها، ومريم خير نساء عالَمها، وفاطمة خير نساء عالَمها وأخرج البخاري عن المسور بن مخرمة، أنّ رسول الله (ص) قال: فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني

قال المناوي: استدلّ به السهيلي على أنّ من سبّها كفر، لأنه يغضبه (ص)، وأنّها أفضل من الشيخين وأخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ (ص) قال: فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم بنت عمران
قال في «فيض القدير» : فعُلِم أنّها أفضل من عائشة لكونها بضعة منه (ص)، وخالف فيه بعضهم قال السبكي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل ثمّ خديجة ثمّ عائشة، ولم يَخْفَ عنّا الخلاف في ذلك، ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل قال المناوي: قال الشيخ شهاب الدين بن حجر الهيتمي: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحقّقون، وممّن تبعه عليه الحافظ أبو الفضل بن حجر، فقال في موضع: هي مقدَّمة علي غيرها مِن نساء عصرها، ومَن بعدهنّ مطلقاً وأخرج ابن جرير الطبري عن فاطمة عليها السلام، قالت: قال لي رسول الله (ص): أنتِ سيّدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم البتول"

أكثر الرجل من النقول على سيادة النساء والرجال فى الجنة وهى نقول لم يقلها النبى(ص) لكونها تخالف القرآن فالجنة ليس فيها سادة وعبيد لأن معنى وجود السيادة والعبودية بين البشر فى الجنة هو وجود الظلم وهو اتهام مباشر لله تعالى عن ذلك بالظلم
القول بتلك السيادة والعبودية يخالف كونه الكل عبيد أى عباد كما قال تعالى " فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى" ويخالف أن كل الخلق عبيد رسلا وغير رسل كما قال تعالى ""إن كل من فى السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا"
كما يخالف كون المؤمنين والمؤمنات اخوة كما قال تعالى "اخوانا على سرر متقابلين"
فالاخوة تنافى العبودية
زد على هذا أن الجنة ليس فيه كهول وشباب حسب الروايات التى تقول أن الكل يهود فى سن واحدة هى الثالثة والثلاثين كما فى الرواية التالية:
عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ جردًا، مُردًا، بيضاء، جعادًا، مكحلين، أبناء ثلاثٍ وثلاثين، على خلق آدم, طوله ستون ذراعًا في عرض سبع أذرعٍ))؛ رواه أحمدُ والترمذيُّ من حديث معاذٍ
كما ينافى أمر السيادة والعبودية كون النساء فى الحنة أتراب أى زميلات متساويات كما قال تعالى "إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا"

ويصر الشيرازى على أفضلية فاطمة حتى على أمها رغم وجود روايات تقول بأفضلية خديجة وروايات تقول بأفضلية فاطمة فيقول:
"تنبيه:

إعلم أنّ (إلاّ) في الحديثين ليست للاستثناء، بل هي عاطفة بمنزلة (الواو) في التشريك في اللفظ والمعنى، كما في قوله تعالى: (لئلاّ يكون للناس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم) وقوله تعالى: (لا يخاف لديّ المرسلون * إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء) أي: ولا الّذين ظلموا، ولا مَن ظلم، وهو مذهب الأخفش والفرّاء وأبي عبيدة، كما حكاه ابن هشام في (المغني) وهذه الأحاديث صريحة في تفضيل الصدّيقة الطاهرة على عائشة في الدنيا والآخرة، مع أنّك ترى أنّه لم يجرِ لاَُمّ المؤمنين ذِكرٌ في شيء من هذه الأحاديث، فضلاً عن تفضيلها بل الحقّ الذي ندين الله به أنّ البضعة الشريفة أفضل النساء على الإطلاق، حتّى أُمّها رضي الله عنها، وعليه انعقد إجماع أهل الحقّ قاطبةً وقد ذكر الحافظ العسقلاني في «فتح الباري»أنّ حديث ابن عبّاس رضي الله عنه: قال رسول الله (ص): «أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون» يقتضي أفضليّة خديجة على غيرها
وكذا ما أخرجه البخاري عن عليٍ قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: «خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة»وقال الشهاب القسطلاني في «إرشاد الساري» : روى النسائي من حديث داود بن أبي الفرات، عن عليّ بن أحمد السكّري، عن عكرمة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن النبيّ (ص)، قال: أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد (ص)

قال: وداود بن أبي الفرات وعليّ بن أحمد ثقتان، فالحديث صحيح، وهو صريح في أنّ فاطمة وأُمّها أفضل نساء أهل الجنّة
قلت:
وقد مرّ في الأحاديث ما يدلّ على تفضيل فاطمة على أُمّها، وكذا ما رواه البخاري في صحيحه : «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»، فانحصرت الأفضلية المطلقة على النساء بفاطمة الزهراء عليها آلاف التحيّة والثناء
وأمّا ما روي عن ابن عبّاس مرفوعاً: سيّدة نساء العالمين ـ وفي رواية: سيّدة نساء أهل الجنّة ـ مريم ثمّ فاطمة ثمّ خديجة ثمّ آسية، فقد قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : إنّ هذا الحديث ليس بثابت، وأصله عند أبي داود والحاكم بغير صيغة ترتيب وكذا ما روي عنه مرفوعاً: سيّدة نساء أهل الجنّة بعد مريم بنت عمران؛ فاطمة بنت محمّد وخديجة وآسية امرأة فرعون فإنّ الأدلّة الأخرى التي هي أكثر عدداً وأصحّ سنداً وأصرح دلالةً من هذا الحديث ونحوه توجب الإعراض عمّا يُستشعر منه تفضيل العذراء على الزهراء عليهما السلام كما أفاده في «الكلمة الغرّاء»
هذا، وقد صرّح جمع من الأئمّة الأعلام ومشايخ الإسلام بتفضيل بضعة النبيّ (ص) على عائشة ومَن سواها"

وكما قلنا لا حل لتناقض كل الروايات سوى رفضها جميعا لتناقض أولا مع بعضها ولتناقضها مع القرآن ومن قال بصحة بعضها دون بعض مخطىء فلا يوجد سند فيها خالى من أى متكلم فيه
وبصر الشيرازى على أن يدخلنا فى متاهة أخرى وهى أفضلية فاطمة على الخلفاء الأربعة فيقول:
"فلا بأس أن نسرد هنا طرفاً ممّا وقفنا عليه من كلامهم في ذلك، لينجلي لك الحقّ وضوحاً، ويزداد أهل الباطل فضوحاً قال الإمام مالك بن أنس الأصبحي ـ إمام دار الهجرة ـ: لا أُفضّل أحداً على بضعة رسول الله (ص) وقال العلقمي: فاطمة وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب، لِما فيهما من البضعة الشريفةوذكر علم الدين العراقي: أنّ فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بالاتّفاق وقال ابن قيّم الجوزيّة: إنْ أُريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يطّلع عليه إلاّ هو، فإنّ عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإنْ أُريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وإنْ أُريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فها غير أخواتها، وإنْ أُريد شرف السيادة فقد ثبت النصّ لفاطمة وحدها وقال ابن حجر: قد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضليّة خديجة وفاطمة على غيرهما قلت:
وقد تقدّم آنفاً كلام له في تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومَن بعدهنّ، فراجع ثمّة إن شئت وقال السيوطي ـ في جواب من سأله عن عائشة وفاطمة أيّهما أفضل؟ ـ: فيه ثلاثة مذاهب، أصحّها أنّ فاطمة أفضل وقال ابن داود: فاطمة بضعة النبيّ (ص) فلا نعدل بها أحداً
وقد مرّ عليك قول الاِمام تقي الدين السبكي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل ثمّ خديجة ثمّ عائشة، ولم يَخْفَ عنّا الخلاف في ذلك، ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وقال المناوي في «إتحاف السائل»: أمّا نساء هذه الأمّة فلا ريب في تفضيلها عليهنّ مطلقاً، بل صرّح غير واحد أنّها وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحابة حتّى الخلفاء الأربعة"

وبالقطع كل هذا جنون المراد منه شغل المسلمين عن الأعمال الصالحة فكل هؤلاء موتى وميتات ولن يفيدنا فى شىء لأن نفضل واحد على أخر والمسألة التى أدخلنا الشيرازى فيها نص قرآنى قاطع يقضى أن كل الرجال المسلمين أفضل من كل النساء المسلمات وهو قوله تعالى "الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"
ويكرر الشيرازى كلامه حوله أفضلية فاطمة بما سماه البضعية فيقول :
"وقال الشيخ العلاّمة أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي البغدادي: الذي أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء المتقدّمات والمتأخّرات، من حيث إنّها بضعة رسول الله (ص)، بل ومن حيثيّات أُخر أيضاً، إذ البضعية من روح الوجود وسيّد كلّ موجود، لا أراها تُقابَل بشيء
* (وأين الثريّا من يد المتناول) *
قال: ومن هنا يُعلم تفضيلها على عائشة؛ ثمّ قال ـ بعد كلام له في المسألة ـ: وبعد هذا كلّه، الذي يدور في خَلَدي أنّ أفضل النساء فاطمة ثمّ أُمّها ثمّ عائشة، بل لو قال قائل: إنّ سائر بنات النبيّ (ص) أفضل من عائشة لا أرى عليه بأساً، وعندي بين مريم وفاطمة توقّف، نظراً للأفضلية المطلقة، وأمّا بالنظر إلى الحيثية فقد علمتَ ما أميل إليه
قلت:
ينبغي التوقّف في ذلك، فقد حكى المناوي في «فيض القدير» عن السيوطي أنّه قال في حديث «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»: فيه دلالة على فضلها على مريم سيّما إنْ قلنا بالأصحّ من أنّها غير نبيّة
وقد تُقَرَّر أفضليّة الزهراء على العذراء عليهما السلام بأنّ قوله (ص) لفاطمة إنّها سيّدة نساء أهل الجنّة، أي من هذه الأمّة المحمّديّة، وقد ثبتت أفضلية هذه الأمّة على غيرها، فتكون فاطمة ـ على هذا ـ أفضل من مريم وآسية، والله تعالى أعلم وقال الآلوسي أيضاً في موضع من «روح المعاني» : لا أقول بأنّ عائشة أفضل من بضعته (ص) الكريمة فاطمة الزهراء ، والوجه لا يخفى وقال في موضع آخر منه : إنّ فاطمة من حيث البضعية لا يعدلها أحد وممّن صرّح بأفضليّتها على نساء الدنيا حتّى مريم تقي الدين المقريزي وبدر الدين الزركشي والشيخ العلاّمة أحمد بن زيني بن دحلان مفتي الشافعية بالحرمين الشريفين، وهو اختيار الحافظ السيوطي في كتابيه: «شرح النقاية» و «شرح جمع الجوامع» ـ كما في السيرة الدحلانية ـ
هذا كلّه مضافاً إلى ما حُكي من انعقاد الإجماع على أفضلية فاطمة ـ كما حكاه الحافظ ابن حجر في (الفتح) ـ
وأمّا عائشة بنت أبي بكر، فلم يرد نصٌّ بتفضيلها على بضعة الرسول فاطمة الزهراء البتول كما أشار إلى ذلك عليّ بن عثمان الأوشي الحنفي في
«بدء الأمالي» حيث قال:
وللصدّيقة الرجحان فاعلم *** على الزهراء في بعض الخلال
قال القاري في «ضوء المعالي»: اعلم أنّ المصنّف أراد أنّه لم يرد نصٌّ بتفضيل عائشة على فاطمة، وإنّما ورد رجحانها عليها من جهة كثرة الرواية والدراية "

والبضعية ليست سبب للتفضيل للتالى :
1-وجود ثلاث بنات أخريات بضعيات والقول بتفضيل إحداهما على الأخرى هو ضرب من الخبل فالأب واحد والأم واحدة والكل مسلمات وإن قلنا أن الصغر سبب الأفضلية فالكبر مماثل للصغر وإن قلنا الإنجاب فالكبرى كالصغرى أنجبت وإحدى الأخريين انجلت وإن قلنا زواج الأقارب فعثمان ابن ابنة عمة النبى (ص) كعلى ابن عمه ومن ثم فلا يوجد سبب للتفضيل
2- أن البضعية لم تمنع من دخول ابن نوح(ص) النار
3- أن حكاية تفضيل بعض الناس على بعض يعارض قوله تعالى "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"فالنبى(ص) لن يزكى أحد حتى ولو كان ابنته لأن تلك الأفضلية معلومة لله وحده ومن ثم فكل أحاديث الفضائل والمناقب لم يقل منها النبى(ص) حديثا واحدا
وما زال الشيرازى مصرا على رأيه فيكرر النقول ويقول ما يظن أنه أدلة فيقول:
"قلت:
هذا مع كونه اجتهاداً في مقابل النصّ الصحيح الصريح، فإنّه سيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى نعم، ذهب أبو حنيفة ـ صاحب المذهب ـ إلى القول بتفضيل عائشة حيث قال: عائشة أفضل نساء المؤمنين
لكن مرّ عن الأكمل أنّه نقل عن أبي حنيفة أنّ أفضليّتها بعد خديجة، وقد قرّرنا لك آنفاً أنّ فاطمة الزهراء أفضل نساء العالمين على الاِطلاق، حتّى أُمّها خديجة وقال محمّد بن سليمان الحلبي في «نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي»: إنّ عائشة أفضل نساء العالمين مطلقاً، وأحبّ النساء إلى النبيّ (ص)، وأعلمهنّ بالسُنّة واعلم أنّ عمدة ما عندهم في ذلك وجوه زائفة وحجج داحضة، ذكرها الشهاب الآلوسي الحنفي وأجاب عنها، وهي ثلاثة:
أوّلها: قوله (ص): «خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء» وفي لفظ:
«خذوا شطر دينكم عن الحميراء»والجواب: أنّ حديث «خذوا شطر دينكم» قال فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تخريج ابن الحاجب: لا أعرف له إسناداً، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلاّ في «النهاية» لابن الأثير، ذكره في مادّة ح م ر، ولم يذكر من خرّجه
وقال السخاوي: ورأيته أيضاً في كتاب «الفردوس» لكن بغير لفظه، وذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضاً، ولفظه «خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء» وبيّض له صاحب «مسند الفردوس» فلم يخرّج له إسناداً، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنّه سأل الحافظَين المزّي والذهبي عنه فلم يعرفاه وقال السيوطي: لم أقف عليه
وأمّا الحديث الآخر، فعلى تقدير ثبوته فإنّ قصارى ما فيه إثبات أنّها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدِين، وهذا لا يدلّ على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته ، ولعلمه (ص) أنّها لا تبقى بعده زمناً معتدّاً به يمكن أخذ الدِين منها فيه، لم يقل فيها ذلك، ولو علم لربّما قال: خذو كلّ دينكم عن الزهراء، وعدم هذا القول في حقّ من دلّ العقل والنقل على علمه لا يدلّ على مفضوليّته، وإلاّ لكانت عائشة أفضل من أبيها، لأنه لم يُرْوَ عنه إلاّ قليل لقلّة لبثه وكثرة غائلته بعد رسول الله (ص)على أنّ قوله (ص): «إنّي تركت فيكم الثقلين، كتاب الله تعالى وعترتي، لا يفترقان حتّى يَرِدا علَيَّ الحوض» يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة ـ كما لا يخفى ـ كيف لا؟! وفاطمة سيّدة تلك العترة
كلام الآلوسي وقد ظهر لك بهذا وجه النظر فيما تقدّم من كلام ابن القيّم، حيث قال: إنْ أُريد بالتفضيل كثرة العلم فعائشة لا محالة؛ مضافاً إلى تعقّب الحافظ ابن حجر له ـ كما سلف ـ فتنبّه
ثانيها: قوله (ص) ـ في ما أخرجه الشيخان وأحمد، عن أنس وأبي موسى، عن النبيّ (ص)، أنّه قال ـ: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
تقريب الاستدلال: أنّ الثريد أفضل طعام العرب، وأنّه مركّب من الخبز واللحم، فهو جامع بين الغذاء واللذّة وسهولة التناول وغير ذلك، فضرب (ص) لعائشة المثل به ليُعلم أنّها أُعطيت حسن الخلق والخلق والحديث وحلاوة المنطق وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل، إلى غير ذلك
وفيه:
أوّلاً: أنّ هذا الحديث ظاهر الوضع، بيّن الاختلاق والحزازة، إذ لا يحسن نسبة هذا التشبيه الواهي إلى من أُوتي جوامع الكلم وكان أفصح من نطق بالضاد (ص)وكيف لا يجزم بكذبه وبطلانه من عرف طريقة النبيّ (ص) في لطف كلامه وحسن بيانه وبديع تشبيهاته؟! وأين هو من قوله (ص): «فاطمة سيّدة نساء العالمين»؟! ـ كما قال العلاّمة ابن المظفّر في «دلائل الصدق»وثانياً: أنّه على تقدير تسليمه لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة ـ كما صرّح به شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في موضعين من «شرح البخاري

وثالثاً: أنّ أفضليّتها ـ على تقدير تسليمها ـ مقيّدة بنساء النبيّ (ص) حتّى لا يدخل فيها مثل فاطمة ، جمعاً بين هذا الحديث وحديث: «أفضل نساء أهل الجنّة خديجة وفاطمة» ـ كما أشار إليه ابن حبّان ـ وقد قضينا الوَطَر فيما سلف من الكلام على ذلك وقال المناوي في شرح هذا الحديث في «فيض القدير» : (على النساء) أي على نساء رسول الله (ص) الّذين في زمانها، ومن أطلق نساءَه ورد عليه خديجة، وهي أفضل من عائشة على الصواب، لتصريح المصطفى (ص) بأنّه لم يُرزق خيراً من خديجة، ولخبر ابن أبي شيبة: «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة بعد مريم وآسية وخديجة» فإذا فضلت فاطمةَ فعائشة أَوْلى، ومن قَيّد بنساء زمنها ورد عليه فاطمة، وفي شأنها قال أبوها ما سمعت قال: وقد قال جمع من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفى (ص) أحداً، قال البعض: وبه يُعلم أنّ بقيّة أولاده كفاطمة ثمّ رأيت أنّ ابن أبي الحديد المعتزلي قد ذكر في «شرح نهج البلاغة»: أنّ أصحابه يحملون لفظة (النساء) في هذا الخبر على زوجاته (ص)، لاَنّ فاطمة عندهم أفضل منها ـ يعني عائشة ـ لقوله (ص): «إنّها سيّدة نساء العالمين»
ورابعاً: أنّ هذا الحديث معارَض بما يدلّ على أفضلية غير عائشة عليها، فقد أخرج ابن جرير، عن عمّار بن سعد، أنّه قال: قال لي رسول الله (ص): «فضلت خديجة على نساء أُمّتي كما فضلت مريم على نساء العالمين» بل هذا الحديث أظهر في الأفضلية وأكمل في المدح عند من انجاب عن عين بصيرته عين التعصّب والتعسّف ـ كما قال الآلوسي ـ
وقال أيضاً: أشكل ما في هذا الباب حديث الثريد، ولعلّ كثرة الأخبار الناطقة بخلافه تهوّن تأويله، وتأويل واحد لِكثير أهون من تأويل كثيرٍ لواحد
ثالثها: أنّ عائشة يوم القيامة في الجنّة مع زوجها (ص) وفاطمة يومئذٍ مع زوجها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وفرق عظيم بين مقام النبيّ (ص) ومقام ابن عمّه ، وهو قول أبي محمّد ابن حزم، وفساده ظاهر ـ كما قال ابن حجر ـ وقال الشيخ تقي الدين السبكي: هو قول ساقط مردود وأنت تعلم أنّ هذا الدليل يستدعي أن تكون سائر زوجات النبيّ (ص) أفضل من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، لاَنّ مقامهم ـ بلا ريب ـ ليس كمقام صاحب المقام المحمود (ص)، فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية لزم ذلك قطعاً، ولا قائل به ـ كما أفاده الشهاب الآلوسي

على أنّ ذلك معارَض بما أخرجه الاِمام أحمد عن عبد الرحمن الأزرق، عن عليٍ عليه السلام، قال: دخل علَيَّ رسول الله (ص) وأنا نائم على المنامة، فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبيّ (ص) إلى شاة لنا بكيء فحلبها فدرّت، فجاءه الحسن فنحّاه النبيّ (ص)، فقالت فاطمة: يا رسول الله، كأنّ أخاه أحبّهما إليك، قال: لا، ولكنّه استسقى قبله، ثمّ قال: إنّي وإيّاكِ وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة
هذا، وإنّ من تصفّح أحوال عائشة وتتبّع سيرتها أذعن بأنّها لا ينبغي أن تكون طرف تفضيل، فضلاً عن الخوض في تفاضلها مع الحوراء الإنسيّة، التي جوهرتها من شجرة قدسيّة وهل يكون الفضل جزافاً؟! وقد خالفت أمر الله في كتابه بقرارها في بيتها، وخرجت على إمام زمانها الذي جعل (ص) حربه حربه ،وجاهرت بعداوته وقد قال فيه النبيّ (ص): عادى الله من عادى عليّاً واستمرّت على بغضه، وقد جعل الرسول (ص) بغضه أمارة النفاق، حيث قال: «لا يحبّ عليّاً منافق، ولا يبغضه مؤمن»

وكيف تكون أفضل النساء؟! وقد ضرب الله سبحانه مثلها ومثل صاحبتها في كتابه المجيد بقوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للّذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) "
مما سبق نجد الشيرازى يصدق كما يهوى ويكذب ما يكره فالرجل يصدق حديث ترك اثنين مع أنه فيه علامة وضع ظاهرة وهى الحوض الواحد فالأحواض فى الجنة ولكل مسلم عينان أى حوضين وليس للنبى(ص)وحده وفى هذا قال تعالى" ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان" وحديث الترك فيه روايات عديدة الكثير منها ليس فيه العترة وليس فيه الحوض كما أن الروايات الوارد فيها ذكر الحوض عديدة ومتناقضة

الاثنين، 28 أكتوبر 2019

نقد كتاب الأرائج المسكية في تفضيل البضعة الزكية

نقد كتاب الأرائج المسكية في تفضيل البضعة الزكية عليها أفضل صلاة وأفضل تحية
الكتاب من تأليف حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي وسبب تأليفه كما قال :

"فلمّا اتّفق لي الوقوف على كلام الشيخ الفاضل أبي فراس محمّد بدر الدين النعساني الحلبي في المفاضلة بين النساء، فإذا هو قد ركب متن عمياء، وخَبَط خَبْط عشواء في ليلة ظلماء، وخالف صريح السنن وأقوال العلماء، اختلج بالبال، إفراد المسألة بنبذة من المقال، تكون وافية بالمقصود"
وما قاله النعسانى وحفز الشيرازى للرد عليه هو :
"أنّ الرجل ادّعى أنّ نساء النبيّ (ص) أفضل النساء جملةً حاشا اللواتي خصّهنّ الله تعالى بالاِيحاء، وأنّ أفضل نسائه (ص) عائشة فهنا دعويان ينبغي التكلّم عليهما، وبيان الحقّ فيهما"
وككثير من المسائل الخلافية بين السنة والشيعة نجد المسألة لا أصل لها فى الوحى فالله تعالى لم يتعرض لتلك المسألة فى كتابه العزيز وهى من الأفضل سواء بين الرجال أو النساء وجعل الحكم فى الرسل (ص) فى تلك المسألة هى قوله على لسان المسلمين :
"لا نفرق بين أحد من رسله"
والمسألة الوحيدة التى ذكرت فى الوحى هى اصطفاء مريم على نساء العالمين فى قوله تعالى على لسان جبريل(ص) :
"إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"
والمراد أن الله اختارها من نساء الناس لتكون آية أى معجزة وهى أنها تنجب بدون زواج أو زنى أى بدون وجود رجل فهو اصطفاء من نوع خاص وهو اختيار من الله لها
ولم يقل الله أنها الأفضل أو الأحسن وإنما المختارة لتأدية مهمة ما
وعندما اختلفت اليهود والنصارى فى إبراهيم (ص)وأولاده وأولاد أولاده طلب الله منهم أن يكفوا عن إدعاءاتهم لكونهم لا يعلمون وعليهم ألا يشغلوا بالهم بهؤلاء الموتى لأنهم لن يأخذوا من حسابهم ثوابا أو عقابا شىء فقال:
" أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمونتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
ومن ثم فالمتشاجرون على عائشة وخديجة وفاطمة وسواهم لن ينالوا ثوابا منهن بسبب اعتقادهم فيهم
ما يجهله القوم ممن يفضلون هذا أو ذاك او هذه أو تلك هو أن الدين ليس أشخاص نعظمهم وإنما الدين هو تعظيم الله وحده وهذا هو معنى لا إله إلا الله فمن يحاولون تعظيم أى شخص وينسبون ذلك لدين الله يخترعون إلها أو آلهة سوى الله
والآن نتناول ما قاله الشيرازى:
"المسألة الأولى: هل نساء النبي أفضل النساء
فقد ذكر في تعليقه على «الدرّ النضيد من مجموعة الحفيد»: أنّ الذي تشهد له الأدلّة من القرآن والسُنّة أنّ نساء النبيّ (ص) أفضل النساء جملةً حاشا اللواتي خصّهنّ الله تعالى بالاِيحاء، كأُمّ موسى وأُمّ عيسى، قال الله تعالى: (يا نساء النبيّ لستنّ كأحدٍ من النساء إنِ اتّقيتنّ) فهذا ظاهرٌ في أنّهنّ أفضل من غيرهنّ
قال: ولا يعارضه قوله : «خير نسائها فاطمة بنت محمّد» فإنّه لم يقل: خير النساء فاطمة، وإنّما قال: خير نسائها، فخصّ ولم يعمّ، والله تعالى في تفضيل نساء نبيّه عمّ ولم يخصّ، فلا يجوز أن يُستثنى منه إلاّ من استثناه نصٌّ ظاهر، فصحّ أنّه إنّما فضّل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه، فاتّفقت الآية مع الحديث"

ولا يخفى على الحاذق اللبيب مواقع النظر في هذا الكلام، فلنبيّنها، وبالله تعالى الاستعانة والاعتصام
الأوّل:
دعواه اختصاص بعض النساء بالإيحاء:
وقد قلّد في ذلك جماعةً من المتقدّمين كالأشعري، حيث نقل عنه أنّ في النساء عدّة نبيّات! وحصرهنّ ابن حزم في ستّ: حوّاء وسارة وهاجر وأُمّ موسى وآسية ومريم ونقله القرطبي في (التمهيد) عن أكثر الفقهاء ـ ولم يذكر سارة ولا هاجر ـ وقال: الصحيح أنّ مريم نبيّة! وتعقّبه القاضي عياض بأنّ الجمهور على خلافه وذكر النووي في «الأذكار»عن إمام الحرمين أنّه نقل الإجماع على أنّ مريم ليست نبيّة، ونسبه في «شرح المهذّب» لجماعة وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبيّة ولا في الجنّ وقال السبكي الكبير: اختُلِف في هذه المسألة، ولم يصحّ عندي في ذلك شيء وقال الحافظ السيوطي: الأصحّ أنّها ـ يعني مريم ـ غير نبيّة
وقال العلاّمة ابن قاسم في «الآيات البيّنات»: زَعْمُ نبوّتها ـ يعني مريم ـ كزعم نبوّة غيرها من النساء، كهاجر وسارة، غير صحيح لاشتراط الذكورة في النبوّة على الصحيح، خلافاً للأشعري وفي تفسير الآلوسي : أنّ مريم لا نبوّة لها على المشهور
قلت:
وقد حكى جماعة كالبيضاوي وأبي حيّان والكرماني والنووي الإجماعَ على عدم نبوّة النساء هذا، مع أنّ معنى الإيحاء في مثل قوله تعالى: (وأوحينا إلى أُمّ موسى أن أرضعيه) الآية الإلهام والقذف في القلب كما هو كذلك في تكليمه عزّ سلطانه بعضَ خلقه ـ غير الأنبياء والرسل ـ كقوله تعالى: (وأوحى ربّك إلى النحل) وقوله سبحانه: (بأنّ ربّك أوحى لها) فليس كلّ إيحاء وحي نبوّة، والله تعالى أعلم"

الشيرازى أدخلنا فى رده فى متاهة لم يذكرها النعسانى فى كلامه وهى وجود نبيات فالرجل قال فقط النساء التى أوحى الله لهن ولم يذكر كونهن نبيات بسبب هذا الوحى ومن قم فلا قيمة لكلامه ولا يوجد داعى لتلك النقول التى نقلها
وقال الشيرازى فى رده الثانى:
"الثاني:
احتجاجه على أفضليّة نساء النبيّ (ص) بقوله عزّ من قائل: (يا نساء النبيّ لستنّ كأحدٍ من النساء إنِ اتّقيتنّ) وقد سبقه السبكي إلى ذلك ، وزعم الرافعي أنّ أزواج النبيّ (ص) أفضل نساء هذه الأمّة
وهو مدخول بأنّ غاية ما تدلّ عليه الآية تفضيل نسائه (ص) على نساء غيره، لا تفضيل كلّ واحدة منهنّ على كلّ واحدة من آحاد النساء
ـ كما اختاره الزمخشري وغيره، ومع ذلك فلا دليل على دخول الزهراء في المفضَّل عليهنَّ مضافاً إلى أنّ ما ذهب إليه السبكي هنا مخالف لِما اشتهر عنه من تفضيل سيّدة نساء العالمين على أُمّهات المؤمنين ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـاللّهمّ إلاّ أن يريد تفضيلهنّ بعد استثناء الصدّيقة الطاهرة ، كاستثنائه مَن قيل إنّها نبيّة كمريم عليها السلام
ثمّ لا يخفى عليك أنّه يلزم على هذا القول أن تكون كلّ واحدة من نساء النبي (ص) أفضل من فاطمة ، مع أنّه ليس كذلك ـ كما عرفت ويأتي ـ

وأُجيب عنه: بأنّه لا مانع من التزامه، إلاّ أنّه يلتزم كون الأفضلية من حيث أُمومة المؤمنين والزوجيّة لرسول الله (ص)، لا من سائر الحيثيّات الأخر، بل هي من بعض الحيثيّات، كحيثية البضعيّة أفضل من كلّ من الخلفاء الأربعة ، وهو كما ترى إذ ليس لاَُمومة المؤمنين وزوجيّة النبيّ (ص) والاتّصال به ـ من حيث هي ـ كرامة عند الله تعالى، وإنّما الفضل لهنّ في الاتّقاء كما دلّ عليه قوله تعالى: (إن اتّقيتنّ) وهو شرط لنفي المثلية وفضلهنّ على النساء، وجوابه محذوف دلّ عليه المذكور، والاتّقاء بمعناه المعروف في لسان الشرع، والمفعول محذوف أي: إن اتّقيتنّ مخالفة حكم الله تعالى ورضا رسوله (ص)، والمراد إن دمتنّ على اتّقاء ذلك، ومثله شائع، أو هو على ظاهره ـ كما قال الشهاب الآلوسي ـ
ونظير ذلك صحبة النبيّ (ص)، فإنّها من حيث هي ليست كرامة تستوجب التفضيل، وإنّما تكون كذلك إذا اقترنت بالاِيمان والتقوى كما قال عزّ من قائل: (محمّدٌ رسول الله والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً ـ إلى قوله تعالى: ـ وعد الله الّذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجراً عظيماً) ، على أنّ ظاهر قوله عزّ وجلّ: (عسى ربّه إنْ طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ) على حاله فتندفع تلك الدعوى "

وقول النعسانى خطأ فالآية لا تدل على خيرية نساء النبى(ص) على النساء كما أن فاطمة لا علاقة لها بالآيات فعدم وجود أحد من النساء مثلهن يعنى أن النساء فى عهد النبى (ص) وما بعده لا يمكن أن ينلن شرف أمومة المؤمنين وزوجية النبى(ص) فهذه هى المثلية المنعدمة فى نساء الناس وقد كرر الشيرازى خطأ النعسانى فى كلامه عن البضعية فالبضعية طبقا للتاريخ لا تقتصر على فاطمة وتشمل معها ثلاث غيرها ومن ثم فالبضعية شركة بين الأربع
ويتناول المؤلف كون خديجة أفضل من عائشة وغيرها فيقول:
"ثمّ لو سلّمنا بأفضليّة أُمّهات المؤمنين على سائر النساء، فإنّا نقطع بأنّ عائشة لم تكن أفضلهنّ، بل أُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد فضلاهنّ
أمّا الأوّل: فلاَنّ الله تبارك وتعالى قد أمر نساء نبيّه (ص) بأوامر فقال عزّ وجلّ: (وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) الآية
فهل كان من قول المعروف قولها لرسول الله (ص) ـ فيما جرى بينهما من كلام ـ: تكلّم أنت ولا تقل إلاّ حقّاً ؟!وقالت له (ص) مرّةً في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنّك رسول الله؟
وأخرج أحمد وأبو داود عن النعمان بن بشير، قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبيّ (ص) فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله (ص)، فأذن له فدخل فقال: يا ابنة أُمّ رومان ـ وتناولها ـ: أترفعين صوتك على رسول الله (ص) ؟! قال: فحال النبيّ (ص) بينه وبينها الحديثوقد بلغ بها الحال أن أغاظت الحليم غيظاً، حتّى قال (ص) لاَبي بكر: يا أبا بكر، ألا تعذرني من عائشة؟! أم هل كان من قول المعروف قولها ـ لمّا استفزّت حميّة الناس، وألّبتهم على قتل عثمان ـ: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً ؟!
وما عساك أن تقول في قولها ـ لمّا إليها قتل عليٍ ـ:
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى *** كما قرّ عيناً بالاِياب المسافرُ
وسألت عن قاتله فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يَكُ نائياً فلقد نعاه *** غلامٌ ليس في فيه الترابُ
فقالت زينب بنت أبي سلمة: ألِعَليٍ تقولين هذا؟! فقالت: إنّي أنسى، فإذا نسيت فذكّروني!!
وهل كان من امتثال أمر الله تعالى بقرارها في بيتها خروجها ـ دون صواحبها من أُمّهات المؤمنين ـ بذلك العسكر الجرّار؟!
أم كيف رأت بيت ابن ضبّة بيتها الذي أمر الله أن تقرّ فيه؟!
بل ما أشدّ انتهائها بنهي الله إيّاها عن التبرّج، إذ حسبت قيادتها لتلك الجيوش سُرداقاً ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرّج الجاهلية الأولى ويفرّغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله!!
أم كان من طاعة الله ورسوله بغيها وخروجها على إمام زمانها وسفكها دماء المسلمين، في وقعة الجمل؟! وركوبها البغل وتأجيجها نار الفتنة يوم دفن سيّد شباب أهل الجنّة أبي محمّد الحسن الزكي ؟!
إلى غير ذلك ممّا لا تحيط به الطروس والمزابر، ولا تفي بحقّه الدروس والمنابر وكان ما كان ممّا لست أذكره وقد تبيّن بهذا أنّ عائشة لم تدخل في جملة نساء النبيّ (ص) اللواتي هنّ أفضل من غيرهنّ، لعدم وفائها بالشرط، أعني الاتّقاء هذا، مع أنّا نعرف لاَُمّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنّ قدرهنّ وفضلهنّ ومكانتهنّ من رسول الله (ص) حتّى وقع الاتّفاق على طهارة عائشة ممّا رُميت به، وأنّ مَن قذفها بما برّأها الله تعالى منه فقد كفر بالله العظيم
وأمّا قولنا: إنّ أُمّ المؤمنين خديجة أفضل الأزواج الطاهرات، فقد حُكي عن الجاحظ في كتاب «الاِنصاف» أنّه أنكر غاية الاِنكار على من يساوي عائشة بخديجة أو يفضّلها عليها وقال القاري في «مرقاة المفاتيح» : قال الأكمل: روي عن أبي حنيفة أنّ عائشة بعد خديجة أفضل نساء العالمين "

والرجل هنا كى يستدل على ما يهوى يرمى عائشة بالنواقص والخروج على الإسلام وهو قول لا يستقيم مع تسمية كل نساء النبى(ص) أمهات المؤمنين فى قوله تعالى " "النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" ولو كانت إحداهن كافرة لجاز لها الزواج بعده ولكن تحريمهن على غيره بعد موته يعنى استمرار إيمانهم وإسلامهم كما قال تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما"
ويستمر المؤلف فى كلامه مستدلا بروايات أهل السنة فيقول:
"قلت:
وهو ظاهر كلام السهيلي في «الروض الأنُف»، بل هو مذهب جمهور المحقّقين، كالاِمام تقيّ الدين السبكي والشيخ الاِمام جلال الدين البلقيني وشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم من أكابر أهل العلم والحديث
واحتجّوا لذلك بما أخرجه البخاري في صحيحه عن عليٍ قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة
قال القاضي أبو بكر بن العربي: خديجة أفضل نساء الأمّة مطلقاً لهذا الحديث ،، وقال أيضاً: لا خلاف في أنّ خديجة أفضل من عائشة
وقال الحافظ ابن حجر: دلّ هذا الحديث على أنّ مريم أفضل من آسية، وأنّ خديجة أفضل نساء هذه الأمّة وقال أيضا: استدلّ بهذا الحديث على أنّ خديجة أفضل من عائشة واحتجّوا أيضاً بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ من ربّها ومنّي، وبشِّرها ببيت في الجنّة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب واستدلّ بهذه القصّة أبو بكر ابن داود على أنّ خديجة أفضل من عائشة، لاَنّ عائشة سلَّم عليها جبريل من قبل نفسه وخديجة أبلغها السلام من ربّها وأخرج البزّار والطبراني، عن عمّار بن ياسر رضي الله عنهما، مرفوعاً: لقد فضلت خديجة على نساء أُمّتي كما فضلت مريم على نساء العالمين"

الاستدلالات هنا على كون خديجة أفضل نساء الجنة ومن ثم أفضل من عائشة ينقض حجج المؤلف فى كون فاطمة أفضل النساء قاطبة فإما أن خديجة هى أفضل النساء وإما فاطمة فلا يجوز أن يكون الفضل متساويا فى اثنتين أو حتى اثنين والغرب هو أنه ينقل رواية مضادة لكون الأفضل مريم وخديجة فيجعلهن أربع فى الرواية التالية:
"قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر في «شرح البخاري» : حديث حسن الاِسناد وأخرج الحاكم في «المستدرك» ـ وصحّحه على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي ـ عن عائشة، عن النبيّ (ص)، قال: سيّدات نساء أهل الجنّة أربع: مريم وفاطمة وخديجة وآسية
قال المناوي في «فيض القدير»: قال جمعٌ: هذا نصٌّ صريح في تفضيل خديجة على عائشة وغيرها من زوجاته (ص)، لا يحتمل التأويل
وقال أيضاً : خديجة أفضل أُمّهات المؤمنين، قال الحافظ العراقي: على الصحيح المختار، وذكر نحوه ابن العماد وسبقهما السبكي "

ونلاحظ الجنون وهو تسمية تلك النساء سيدات أهل الجنة وهل فى الجنة سادة وعبيد ؟
لو ظلت تلك التسميات فما هو الفارق بين ظلم الدنيا وظلم الآخرة؟
إن الجنة الكل فيها اخوة واخوات كما قال تعالى "اخوانا على سرر مقابلين" وقد نفى الله أن يكون بين المؤمنين والمؤمنات سيادة حيث جعل الكل اخوة فقال "إنما المؤمنون إخوة"
ويستمر المؤلف فى نقله عن كتب أهل السنة نقولا تثبت أفضلية خديجة على عائشة فيقول:
"وقال ابن حجر في (الفتح) : ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ـ أي على عائشة ـ ما أخرجه أبو داود والنسائي وصحّحه الحاكم من حديث ابن عبّاس، رفعه: أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد وعند النسائي بإسناد صحيح عن ابن عبّاس: «أفضل نساء أهل الجنّة خديجة وفاطمة ومريم وآسية» وعند الترمذي بإسناد صحيح عن أنس: «حسبك من نساء العالمين» فذكرهنّ هذا، وقد ذهبت جماعة قليلة ـ ممّن سبق الرجل ـ إلى تفضيل عائشة على خديجة أُمّ المؤمنين وأرضاها، محتجّين بما لا ينجع، وقد تصدّى الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في «شرح البخاري» لتزييف حجّتهم ودحضها
وحسبك دليلاً على نفي تفضيل عائشة ما رووه عنها أنّها قالت: كان
رسول الله (ص) لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيّام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً! فقد أبدلك الله خيراً منها؛ فغضب حتّى اهتزّ مقدم شعره من الغضب ثمّ قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها الحديث
بل قد روي عنها ما هو صريح في تفضيل غيرها عليها، قالت عائشة ذِ: ما رأيت امرأة قطّ خيراً في الدين من زينب ـ يعني بنت جحش زوج رسول الله (ص) ـ وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم أمانة وصدقة

وأخرج الترمذي من طريق كنانة ـ مولى أُمّ المؤمنين صفيّة ـ أنّها حدّثته، قالت: دخل علَيَّ رسول الله (ص) وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام فذكرتُ له ذلك، فقال: ألا قلتِ: وكيف تكونانِ خيراً منّي وزوجي محمّد وأبي هارون وعمّي موسى؟! وكان بلغها أنّهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله (ص) منها، نحن أزواجه وبنات عمّه على أن خديجة أوّل الناس إسلاماً وتصديقاً برسول الله (ص) على الإطلاق، وأنّى لعائشة مثل هذه الخصيصة، بل نزل القرآن فيها وفي صاحبتها مخاطباً لهما بقوله: (إنْ تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإنْ تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربّه إنْ طلّقكنّ أنْ يبدله أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيّبات وأبكاراً)
فما يقول مخالفونا في ذلك؟! وفي ما أتمّه الله عليهما من الحجّة البالغة بالمثل العظيم الذي ضربه لهما بقول جلّ ثناؤه: (ضرب الله مثلاً للّذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) ؟!
أَوَ لَسنا معذورين بعد هذا ـ يا أُولي الألباب ـ في تفضيل البضعة الطاهرة الزكيّة، وسائر أُمّهات المؤمنين أجمعين على عائشة وحفصة؟ولا إخالك ترتاب في ذلك من بعد الموازنة بين حال الفريقين بميزان الحقّ ومعيار الاِنصاف"

والرد على الشيرازى هنا ماذا يثبت أن تلك الآيات فى عائشة وحفصة فالزوجتين فى الآيات بلا اسم ومن ثم فلا قيمة لكلام الرواة ولا كلام الكتب طالما لم يحدد الله أسماء
ثم تناول الرجل الرد على النعسانى فى كون فاطمة تالية لأمهات المؤمنين فى الفضل فقال :
"الثالث:
زعمه التعميم في تفضيل نساء النبيّ (ص) بالنسبة إلى سائر النساء، وتخصيص فاطمة الزهراء بالتفضيل على نساء المؤمنين بعد أُمّهاتهم، لقوله (ص): خير نسائها فاطمة بنت محمّد وفيه أوّلاً: أنّا ذكرنا آنفاً أنّه لا يلزم من تفضيل نسائه (ص) على غيرهنّ تفضيلهنّ على بضعة الرسول فاطمة الزهراء البتول ، وسيأتي مزيد بسط له إن شاء الله تعالى
وثانياً: أنّ دعوى التعميم في تفضيل الأزواج والتخصيص في تفضيل
البضعة الشريفة، بتوهّم أنّ المراد من قوله (ص): «خير نسائها» خصوص نساء الأرض في عصرها ـ كما استظهره النووى مدفوعة، بأنّه على هذا التقدير أيضاً تثبت أفضليّتها على جميع أُمّهات المؤمنين خلا أُمّها خديجة ـ كما لا يخفى ـ، مضافاً إلى أنّ ظاهر مَن فضّلهنّ إنّما فضّلهنّ على مَن دون فاطمة عليها السلام، ويفصح عن ذلك ما حُكي عن شيخ الإسلام ابن حجر أنّه قال: يدلّ لتفضيل بناته (ص) على زوجاته خبر أبي يعلى عن عمر مرفوعاً: «تَزَوَّجَ حفصةَ خيرٌ من عثمان، وتزوّج عثمانُ خيراً من حفصة» وقال الشهاب الآلوسي : لو قال قائل: إنّ سائر بنات النبيّ (ص) أفضل من عائشة لا أرى عليه بأساً ويردّ دعوى التخصيص أيضاً قول الحافظ العسقلاني في (الفتح) : أقوى ما استدلّ به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومَن بعدهنّ خبر: «إنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين إلاّ مريم» وأنّها رُزئت بالنبيّ (ص) دون غيرها من بناته، فإنّهنّ متن في حياته فكنّ في صحيفته، ومات (ص) في حياتها فكان في صحيفتها قال: وكنت أقول ذلك استنباطاً إلى أن وجدته منصوصاً في تفسير الطبري فظهر أنّ ما صحّحه الرجل في آخر كلامه غير صحيح، ولم يحصل التوفيق بما تمحّله؛ لاَنّك قد عرفت أنّ التفضيل في الآية مقصور على أُمّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ، وليست الآية ناظرة إلى مَن خرج عنها تخصّصاً كالزهراء عليها السلام، إذ إنّها غير مسوقة لبيان فضل نسائه (ص) على آحاد النساء من هذه الأمّة وغيرها ـ كما مرّ ـوأمّا الحديث فقد تقدّم أنّه على التعميم أدلّ، فلا تعارض بين الآية والحديث حتّى يلتمس للتوفيق بينهما وجه وأمّا قوله: «فإنّه لم يقل خير النساء فاطمة» فساقط مردود لِما أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم ـ من حديث طويل ـ عن عائشة، أنّه (ص) قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين؛ أو: سيّدة نساء هذه الأمّة
وفي لفظ آخر: ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين
والجمع المضاف يفيد العموم والاستغراق ـ كما تقرّر في الأصول ـ، ولا عهدَ هنا، فهو في قوّة «خير النساء فاطمة» فأيّ نصّ أصحّ وأصرح من هذا في تفضيلها على الإطلاق؟!فأين تذهبون؟! وأنّى تؤفكون؟! (إنّه لقول رسول كريم* ذي قوّة عند ذي العرش مكين* مطاع ثَمّ أمين* وما صاحبكم بمجنون) هذا تمام الكلام في أُولى الدعويين"

الغريب فى الفقرة السابقة أن الرجل يصدق المتناقضات فخديجة كما نقل سيدة نساء الجنة ومن ثم لا يمكن أن تكون فاطمة سيدة نساء الجنة أو العالمين فإما أن يصدق بواحدة منهن كونها سيدة واحدة وكما قلنا الجنة لا سيادة فيها لأحد لأن السيادة والعبودية هى فى الدنيا حيث ظلم الناس بينما الكل فى القيامة عبيد لله كما قال"إن كل من فى السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" ففاطمة عبدة بنت عبد وخديحة عبدة زوجة عبد فكلنا عبيد
وبعد ذلك تعرض لما سماه المسألة الثانية فقال :

"المسألة الثانية: في تفضيل بين عائشة وبين خديجة وفاطمة عليهما السلام فقد ذهب فيها إلى القول بتفضيل عائشة على خديجة واستدلّ لذلك بما روي عن أنس بن مالك، أنّه قيل: يا رسول الله، من أحبّ الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها

قال النعساني: وروي هذا من طريق عمرو بن العاص، والنبيّ (ص) لا ينطق عن الهوى، فلولا أنّ الله أوحى بذلك إليه لم يقع ذلك منه، وهذا يدلّ على أنّ عائشة أفضل النساء
قلت:
قد سلف الكلام في التفضيل بين أُمّ المؤمنين خديجة وعائشة بنت أبي بكر، وعرفت الحقّ فيه، فإذن لا يُعبأ بقوله نعم، حكى شيخ الإسلام ابن حجر عن ابن القيِّم أنّه قال: إنْ أُريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يُطَّلع عليه، فإنّ عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإنْ أُريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وتعقّبه بأنّ ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإنّ لخديجة ما يقابله، وهي أنّها أوّل من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجّه التامّ، فلها مثل أجر من جاء بعدها، ولا يقدّر قدر ذلك إلاّ الله فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّه ليس لعائشة ما تفضل به على خديجة إلاّ ما يدّعى من حديث الثريد، وسيأتي إن شاء الله البحث فيه بما ليس عليه من مزيد وأمّا ما احتجّ به من الحديث على تفضيل عائشة على سائر النساء، فغير صالحٍ للاحتجاج، وذلك من وجوه ثلاثة:
الأوّل: أنّ حديث أنس لم يروه عنه إلاّ حُميد بن أبي حُميد الطويل، وكان يدلِّس عن أنسقال أبو بكر البرديجي: حديث حُميد لا يُحتجّ منه إلاّ بما قال: «حدّثنا أنس»
قلت:
وقد عنعن في حديثه هذا ولم يصرّح بالتحديث وأمّا حديث عمرو بن العاص، فقد أخرجه الشيخان والترمذي ، عن خالد بن مهران الحذّاء، عن أبي عثمان النهدي، عنه؛ لكنّه منقطع قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب «العلل» عن أبيه: لم يَسمع خالد الحذّاء من أبي عثمان النهدي شيئاً وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يُحتجّ به

الثاني: أنّه معارِض لقوله (ص): «أحبّ أهلي إليّ فاطمة» أخرجه
الترمذي والحاكم وصحّحه، وكذا الطبراني والديلمي وغيرهم عن أُسامة بن زيد، ورمز السيوطي في «الجامع الصغير» لصحّته
قال المناوي في «فيض القدير»: حبّه إيّاها ـ يعني فاطمة ـ كانت أحبّيّة مطلقة، وأمّا غيرها فعلى معنى (مِنْ) ، وحبّه لها كان جبّلّيّاً ودينيّاً، لِما لها من جموم المناقب والفضائل وأخرج الترمذي والحاكم، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كان أحبّ النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة عليها السلام، ومن الرجال عليّ وروى جُميع بن عمير التيمي أنّ عائشة سُئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله (ص) ؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها والأحاديث في ذلك كثيرة، والسنن شهيرة وفيرة، فلا غرو لو ادُّعي الوضع والاختلاق في حديث أنس وعمرو بن العاص، إذ لا تكاد تجد منقبة من مناقب الآل إلاّ وافتعل النواصب في حقّ أوليائهم ما ينقاضها ويعارضها، فكيف تسنّى له أن يسند ذلك إلى إيحاء الله تعالى به لنبيّه (ص)"

الرجل هنا يفرق بين الأحاديث التى يصدقها أهل السنة وبدلا من أن يقول أن تلك الروايات متناقضة وأنها لا تصح فلا يمكن أن يقول النبى(ص) كلاما متناقضا لأن هذا يعنى كونه يتعمد الكذب وهو ما لا يمكن تصديقه فيه(ص)
وما ذكره من عيوب فى أسانيد الروايات لا يشمل الحديث فى عائشة وإنما يشمل كل الروايات التى تفضل أحد على أحد ثم قال المؤلف فى رده:
"الثالث:
أنّ الكلام في الأفضليّة لا في المحبّة، ولا يلزم من أكثرية المحبّة تحقّق الأفضليّة، إذ محبّة الأولاد وبعض الأقارب أمر جبلّيّ مع العلم القطعي بأنّ غيرهم قد يوجد أفضل منهم هذا، مع تنصيص عائشة على أفضلية فاطمة الزهراء في ما أخرجه الطبراني بترجمة إبراهيم بن هاشم من «المعجم الأوسط» عن عائشة، قالت: ما رأيت قطّ أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها قال ابن حجر في «الاِصابة» : صحيح على شرط الشيخين وهو كافٍ في تفضيل فاطمة الزهراء على عائشة، فبطل قول النعساني: إنّ عائشة أفضل النساء، ومع ذلك فقد ثبت تفضيلها بالكتاب العزيز ونصوص السُنّة المطهَّرة وأقوال العلماء فمن آيات الكتاب الدالّة على تفضيلها بلا ارتياب قوله عزّ اسمه في آية المباهلة: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نبتهل فنجعلْ لعنة الله على الكاذبين) وقد أجمع أهل القِبلة على أنّ النبيّ (ص) لم يدع للمباهلة من النساء سوى البضعة الزهراء، وأُمّهات المؤمنين كنّ حينئذٍ في حجراته (ص)، فلم يدع واحدة منهنّ ـ ولا عائشة ـ وهنّ بمرأىً منه ومسمع وأنت تعلم أنّ مباهلته (ص) بعليٍ وفاطمة والحسنين عليهم السلام،والتماسه منهم التأمين على دعائه، بمجرّده فضل عظيم، وانتخابه إيّاهم لهذه المهمّة العظيمة، واختصاصهم بهذا الشأن الكبير وإيثارهم فيه على من سواهم من أهل السوابق، فضل على فضل، لم يسبقهم إليه سابق، ولن يلحقهم فيه لاحق، ونزول القرآن العزيز آمراً بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث، يزيد فضل المباهلة ظهوراً، ويضيف إلى شرف اختصاصهم بها شرفاً، وإلى نوره نوراً ـ كما قال الاِمام شرف الدين العاملي وقال؛: إنّ اختصاص الزهراء من النساء والمرتضى من الأنفس ـ مع عدم الاكتفاء بأحد السبطين من الأبناء ـ دليل على ما ذكرناه من تفضيلهم عليهم السلام، لاَنّ عليّاً وفاطمة لمّا لم يكن لهما نظير في الأنفس والنساء كان وجودهما مغنياً عن وجود مَن سواهما، بخلاف كلٍّ من السبطين، فإنّ وجود أحدهما لا يغني عن وجود الآخر لتكافُئهما، ولذا دعاهما (ص) جميعاً، ولو دعا أحدهما دون صنوه كان ترجيحاً بلا مرجّح، وهذا ينافي الحكمة والعدل نعم، لو كان ثمّة من الأبناء من يساويهما لدعاه معهما، كما أنّه لو كان لعليٍ نظير من الأنفس أو لفاطمة من النساء لَما حاباهما، عملاً بقاعدة الحكمة والعدل والمساواة ومنها: قوله جلّ وعلا في آية التطهير: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) وقد علم كلّ منصف أنّ هذه الآية البيّنة إنّما نزلت في الخمسة أصحاب الكساء، ومنهم فاطمة سيّدة النساء، وكفاك هذا برهاناً على أنّهم أفضل من أقلّته الأرض يومئذٍ ومن أظلّته السماء"

استدلال الرجل هنا استدلال خاطىء فى المباهلة فالرجل طبقا للروايات التى يصدق ما يهوى منها ويكذب ما يكرهه منها أخذ ابنته وولديها وهو كلام تكذبه الآية حيث تقول أبناءنا وأبناءكم وهذا يعنى أنه لم يختر فاطمة لأنها من بناته وليس من أبناءه وهم ذكور وولديها ليسوا من أبناءه لانعدام أولاده الذكور كما قال تعالى "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" كما أن كلمة النساء تطلق على الزوجات دون البنات كما فى قوله "إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"

الأحد، 27 أكتوبر 2019

نقد كتاب اجتهاد عمر في آيات الخمر

نقد كتاب اجتهاد عمر في آيات الخمر
الكتاب من تأليف عبد الحسين الأميني ومن إصدارات مركز الأبحاث العقائدية برعاية السيستانى
الكتاب موضوعه هو اتهام مبطن لعمر بحب شرب الخمر وتحايله على الشرع لشربه حتى يوم استشهاده وأما العنوان اجتهاد فليس دالا على اجتهاد حقيقى
الكتاب قائم على نقل روايات من كتب أهل السنة لإثبات تلك الاتهامات التى سماها الرجل اجتهادا فى عنوان الكتاب
بالقطع كل الروايات القائلة بأن أمر الخمر لم يتضح وضوح الشمس فى أيام النبى(ص)تخالف القرآن فى أنه بين كل شىء بحيث لا يمكن لأحد أن يؤل أى معنى على غير بيان الله وفى هذا قال تعالى :
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
كما تخالف أن النبى(ص) بين للمسلمين كل حكم بيانا شافيا بالوحى الثانى وهو الذكر أى شرح أى تفسير القرآن المنزل عليه كما قال تعالى : "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
ومن ثم لو اعتبرنا ما استنتجه الكاتب من تلك الروايات صحيح من كون عمر محب للخمر ظل يشربها ويسميها بغير اسمها حتى يوم قتله لكان معنى هذا هو :
أن يكون النبى(ص) لم يبلغ الوحى كاملا
أن يكون النبى (ص)محابيا منحازا لعمر حميه حيث تركه يشرب الخمر حوالى عشرين سنة وهو ما يعنى خيانته لله وهو أمر غير ممكن مع غفران الله له ذنوبه ورضاه عنه
أن يكون على بن أبى طالب خائنا هو الأخر لأن لم ينكر على عمر حوالى الثلاثين سنة شربه الخمر والأدهى أنه زوجه ابنته رغم علمه بفسقه وفجوره
أن يكون الصحابة كلهم خونة سواء كانوا موالين الشيعة أو غير موالين لأن تركوا عمر يشرب الخمر طوال فترة حياته بينهم ولم ينكر عليه أحد
والآن لتناول الروايات:
1 - قال الزمخشري في ربيع الأبرار في باب اللهو واللذات والقصف واللعب وشهاب الدين الأبشيهي في " المستطرف " 2 ص 291: قد أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات: الأولى قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس الآية فكان من المسلمين من شارب ومن تارك إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها حتى شربها عمر رضي الله عنه فأخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر * من الشيزى المكلل بالسنام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيى * وكيف حياة أصداء وهام؟
أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي؟
ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام؟
فقل لله: يمنعني شرابي * وقل لله: يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده فضربه به فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا ورواه الطبري في تفسيره 2 ص 203 بتغيير في أبياته غير أن فيه مكان عمر في الموضع الأول (رجل)

2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة: يسألونك عن الخمر والميسر قال فدعي عمر فقرأت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء:
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرأت عليه فقال: اللهم بين لنا بيانا شافيا فنزلت: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر و الميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون قال عمر: انتهينا، انتهينا
أخرجه أبو داود في سننه 2 ص 128، وأحمد في المسند 2 ص 53، والنسائي في السنن 8 ص 287، والطبري في تاريخه 7 ص 22، والبيهقي في سننه 8 ص 285، والجصاص في أحكام القرآن 2 ص 245، والحاكم في المستدرك 2 ص 278، وصححه وأقره الذهبي في تلخيصه، والقرطبي في تفسيره 5 ص 200، وابن كثير في تفسيره 1 ص 255، 500، و ج 2 ص 92 نقلا عن أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه وعلي بن المديني وقال: قال علي بن المديني: إسناد صالح صحيح وذكر تصحيح الترمذي وقرره
ويوجد في تيسير الوصول 1 ص 124، وتفسير الخازن 1 ص 513، وتفسير الرازي 3 ص 458، وفتح الباري 8 ص 225، والدر المنثور 1 ص 252 نقلا عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبي داود، والترمذي، والنسائي وأبي يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي، والضياء المقدسي في المختارة"

نلاحظ الخبل فى الرواية وهو أن تحريم الخمر نزل فى أول جملة فى الرواية " لما نزل تحريم الخمر" ومع هذا طلب عمر فى الرواية بيانا شافيا فى الجملة التالية لما سبق " قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"

3 - عن سعيد بن جبير: كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا فكانوا يشربونها أول الإسلام حتى نزلت: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير و منافع للناس قالوا: نشربها للمنفعة لا للإثم فشربها رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ:قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقالوا: نشربها في غير حين الصلاة فقال عمر: اللهم أنزل علينا في الخمر بيانا شافيا فنزلت: إنما يريد الشيطان الآية فقال عمر انتهينا انتهينا تفسير القرطبي 5 ص 200"
هذه الرواية من الممكن أن تكون صحيحة المعنى فالرجل كان يطلب البيان الشافى وهو التحريم وتحريمها قبل الصلاة ليس تحريما شافيا أى تاما وأما الرواية التالية فتناقضها فى كونه طلب البيان الشافى مرتين وليس مرة فى الرواية التالية:
4 - عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر
فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فكأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال: اللهم بين لنا في الخمر فنزلت: ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس
الآية فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر فتلاها عليه فكأنها لم توافق من عمر الذي أراد فقال: اللهم بين لنا في الخمر فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه حتى انتهى إلى قوله: فهل أنتم منتهون فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر فتلاها عليه فقال عمر: انتهينا يا رب
أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 ص 143 وصححه هو والذهبي في تلخيصه، والترمذي في صحيحه 2 ص 176 من طريق عمرو بن شرحبيل، وذكره الآلوسي في " روح المعاني " 7 ص 15 طبع المنيرية"

ويناقض المرة والمرتين أنهم ثلاثة لأنه قال انتهينا فى الرابعة فى الرواية التالية:
"وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي حديثا فيه: ثم نزلت الرابعة التي في المائدة فقال عمر بن الخطاب: انتهينا يا ربنا"
5 - وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس شربها قوم لقوله: منافع للناس وتركها قوم لقوله: إثم كبير منهم عثمان بن مظعون حتى نزلت الآية التي في النساء لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فتركها قوم وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل حتى نزلت الآية التي في المائدة: إنما الخمر والميسر الآية، قال عمر: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام؟ بعدا وسحقا فتركها الناس وأخرج الطبري عن سعيد بن جبير ما يقرب منه وفي آخره: حتى نزلت: إنما الخمر والميسر الآية، فقال عمر: ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر"
الجنون هنا القول "وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل " والجنون هو أن الصلاة فى النهار فقط بينما الليل لا صلاة فيه ومن ثم فعلامة كون الحديث منكر موضوع موجودة
وقد دافع الأمينى عن غمر فقال :
"هذا افتراء على ذلك الصحابي العظيم وقد نص أئمة التاريخ والحديث على إنه ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي راجع الاستيعاب 2: 482، والدر المنثور 2: 315"
والغريب أن الأمينى قال أن غرضه هو تعريفنا جهل الخليفة عمر بحظر الخمر من الآيات السابقة على آية المائدة فى قوله:

" لم نرم بسرد هذه الأحاديث إثبات شرب الخمر على الخليفة أيام الجاهلية إذ الإسلام يجب ما قبله، وليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين - سورة المائدة - بل الغاية المتوخاة إيقاف القارئ على مبلغ علم الخليفة بالكتاب، وحد عرفانه مغازي آيات الله وإنه لم يكن يعرف الحظر من قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير وقد نزل بيانا للنهي عنها، وعرفته الصحابة منه وقالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا يكون بيان شاف في مقام الإعراب عن الخطر والحظر أولى منها ولا سيما بملاحظة أمثال قوله تعالى: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي من الآيات الواردة في الإثم فقد حرمت بكل صراحة الإثم الذي هتفت الآية الأولى بوجوده في الخمر، والإثم: الذنب، والآثم والأثيم الفاجر وقد يطلق على نفس الخمرة كقول الشاعر:
نشرب الإثم بالصواع جهارا * وترى المسك بيننا مستعارا
وقول الآخر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي * كذاك الإثم تذهب بالعقول
وليست منافع الخمر إلا أثمانها قبيل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة وقد نص على هذا كما في تفسير الطبري 2 ص 202
وقال الجصاص في أحكام القرآن 1 ص 380: هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، لو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية، وذلك لقوله: " قل فيهما إثم كبير " والإثم كله محرم بقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم فأخبر أن الإثم محرم ولم يقتصر على إخباره بأن فيها إثما حتى وصفه بأنه كبير تأكيدا لحظرها وقوله: منافع للناس لا دلالة فيه على إباحتها لأن المراد منافع الدنيا
وإن في سائر المحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها، فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها لا سيما وقد أكد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية " وإثمهما أكبر من نفعهما " يعني إن ما يستحق بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما فإن قيل: ليس في قوله تعالى " فيهما إثم كبير " دلالة على تحريم القليل منها لأن مراد الآية ما يلحق من المآثم بالسكر وترك الصلاة والمواثبة والقتال فإذا حصل المأثم بهذه الأمور فقد وفينا ظاهر الآية مقتضاها من التحريم ولا دلالة فيه على تحريم القليل منها قيل له: معلوم إن في مضمون قوله: فيهما إثم كبير ضمير شربها لأن جسم الخمر هو فعل الله تعالى ولا مأثم فيها وإنما المأثم مستحق بأفعالنا فيها، فإذا كان الشرب مضمرا كان تقديره في شربها وفعل الميسر إثم كبير فيتناول ذلك شرب القليل منها والكثير كما لو حرمت الخمر لكان معقولا إن المراد به شربها والانتفاع بها فيقتضي ذلك تحريم قليلها كثيرها "

وهو يكرر حكاية جهل عمر فيذكر الروايات التالية:
"فهذه كلها عزبت عن الخليفة وكان يتطلب البيان الشافي بعد هذه الآية وآية النساء بقوله: اللهم بين لنا بيانا شافيا وما انتهى عنها إلا بعد لأي من عمر الدهر بعد نزول قوله تعالى: فهل أنتم منتهون قال القرطبي في تفسيره 6 ص 292: لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زايد على معنى انتهوا قال: انتهينا وقال ابن جزي الكلبي في تفسيره 1 ص 187: فيه توقيف يتضمن الزجر والوعيد و لذلك قال عمر لما نزلت: انتهينا انتهينا"
وهو كلام قد يصدق على أى صاحبى غير مقيم مع النبى(ص) والمؤمنين فى المدينة ولكنه صاحبى مقرب النبى(ص) متزوج من ابنته حسب التاريخ ومن ثم سيكون عالما بتحريم الخمر منذ سورة البقرة ثم يذكر الأمينى ناقلا عن بعض التفاسير أقوال فى أية المائدة فيقول:
"وقال الزمخشري في الكشاف 1 ص 433: من أبلغ ما ينهى به كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟
"وقال البيضاوي في تفسيره 1 ص 357: في قوله (فهل أنتم منتهون) إيذانا بأن الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وإن الأعذار قد انقطعت"
والأمينى يناقض ما ذكره سابقا من كون عمر لم يشرب الخمر فى الجاهلية فى قوله "هذا افتراء على ذلك الصحابي العظيم وقد نص أئمة التاريخ والحديث على إنه ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي راجع الاستيعاب 2: 482، والدر المنثور 2: 315"
بقوله أنه كان مدمنا لها فيذكر العديد من الروايات فى قوله:

"وما كان ذلك التأويل من الخليفة وطلب البيان بعد البيان، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعيد إلا لحبه لها وكونه أشرب الناس في الجاهلية كما ينم عنه قوله فيما أخرجه ابن هشام في سيرته 1 ص 368: كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومي فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها الحديث
وفيما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10 ص 214 عن عبد الله بن عمر من قول والده في أيام خلافته: إني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية وإنها ليست كالزنا "

وبالقطع من غرضه الدفاع عن الرجل لا يمكن أن يذكر القول ونقيضه إلا وكان غرضه هو العيب فى الرجل وهو يصر على أن عمر لم يقتنع بتحريم الخمر حتى نزلت آية المائدة فقال :
"ومن هنا خص الخليفة بالدعوة وقراءة النبي الأعظم عليه الآيات النازلة في الخمر وكان ممن يأولها ولم ينتهي عنها إلى أن نزل الزجر والوعيد بآية المائدة وهي آخر سورة نزلت من القرآن ومنها ما نزل في حجة الوداع وفي الدر المنثور 2 ص 252 عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته ويروى: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (تفسير القرطبي 6 ص 31)"
والأمينى لا يدافع عن عمر وإنما الغرض هو إظهار جهل الرجل حتى بعد وفاة النبى (ص) فهو وأبو بكر لا يعلمان أن الخمر من أعظم الكبائر ويروى فى ذلك الروايات قائلا:
"وبعد هذه كلها لم يكن الخليفة يعلم أن شرب الخمر من أعظم الكبائر كما تعرب عنه صحيحة الحاكم عن سالم بن عبد الله قال: إن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم فأرسلوني إلى عبد الله بن عمر وأسأله فأخبرني إن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك ووثبوا جميعا حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وإنه لما شربه لم يمتنع من شيئ أراده منه مستدرك الحاكم 4 ص 147، الترغيب والترهيب 3 ص 105، الدر المنثور 2 ص 323"
وهو أمر لا يمكن أن يكون صادقا لأن الحاكم لابد أن يكون عالما بالشريعة كما قال تعالى "وزاده بصطة فى العلم والجسم"ولا يمكن أن يختار المسلمون حليفة حاهل بأمر يعبمه حتى عامة الناس وهو حرنة شرب الخمر
والامينى يصر على كون عمر كافر لإصراره على شرب الخمر حتى بعد نزول المائدة وبعد وفاة النبى(ص) وحتى يوم استشهاده فيذكر الروايات التالية:
"ولاعتياده بها منذ مدة غير قصيرة إلى نزول آية المائدة في حجة الوداع طفق يشرب النبيذ الشديد بعد نزول ذلك الوعيد، وبعد قوله: انتهينا انتهينا وكان يقول:
إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء وقال: إني رجل معجار البطن أو مسعار البطن وأشرب هذا النبيذ الشديد فيسهل بطني أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال 3 ص 109وقال: لا يقطع لحوم هذه الإبل في بطوننا إلا النبيذ الشديد(جامع مسانيد أبي حنيفة 2 ص 190، 215)

م - وكان يشرب النبيذ الشديد إلى آخر نفس لفظه قال عمرو بن ميمون: شهدت عمر حين طعن أتي بنبيذ شديد فشربه (طب 6 ص 156)
وكان حدة شرابه وشدته بحيث لو شرب غيره منه لسكر وكان يقيم عليه الحد غير أن الخليفة كان لم يتأثر منه لاعتياده أو كان يكسره ويشربه قال الشعبي:شرب أعرابي من أداوة عمر فأغشي فحده عمر: ثم قال: وإنما: حده للسكر لا للشرب(العقد الفريد 3 ص 416)وفي لفظ الجصاص في أحكام القرآن 2 ص 565: إن أعرابيا شرب من شراب عمر فجلده عمر الحد فقال الأعرابي: إنما شربت من شرابك فدعا عمر شرابه فكسره بالماء ثم شرب منه وقال: من رابه شرابه شئ فليكسره بالماء ثم قال الجصاص: ورواه إبراهيم النخعي عن عمر نحوه وقال فيه: إنه شرب منه بعد ما ضرب الأعرابي وفي جامع مسانيد أبي حنيفة 2 ص 192 قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه وكان يحب الشراب الشديد وعن ابن جريج: إن رجلا عب في شراب نبذ لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه وعن أبي رافع: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء أخرجه النسائي في سننه 8 ص 326 وعده مما احتج به من أباح شرب المسكر
م - وأخرج القاضي أبو يوسف في كتاب الآثار 226 من طريق أبي حنيفة عن إبراهيم أبي عمران الكوفي التابعي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ رجلا سكرانا فأراد أن يجعل له مخرجا فأبى إلا ذهاب عقل، فقال: احبسوه فإذا صحا فاضربوه ثم أخذ فضل إداوته فذاقه فقال: اوه هذا عمل بالرجال العمل ثم صب فيه ماء فكسره فشرب وسقى أصحابه وقال: هكذا اصنعوا بشرابكم إذا غلبكم شيطانه)"

ولو كان الأمينى يدافع عن عمر ما ذكر كل تلك الروايات ولا عمل جاهدا على جمعها لأنه لا يناقش ضعفها أو نكارتها وهذا شأن من يريد أن يشيع عن شخص ما شىء ما خاطىء فيترك الروايات الكثيرة والتى تجعل العامة يظنون بالرجل ظن السوء
وبعد هذا يذكر الأمينى دفاعا عن عمر أن روايات جلده الرجل الذى شرب من شرابه لا تصح من عدة وجوه وهو أمر لم يفعله فى روايات شربه من أجل لحوم الإبل وشرب يوم وفاته فقال :
"ومن العجيب حد من شرب من أداوة عمر فسكر لأنه إن كان لا يعلم أن ما في الأداوة مسكر وشرب فلا حد عليه كما أخرجه أبو عمر في " العلم " 2 ص 86 ومر ص 174 عن الخليفة نفسه من قوله: ما الحد إلا من علمه وإن كان ذلك فإن له في شرابه أسوة بالخليفة، والفرق بينهما بأنه أسكره ولم يكن يسكر الخليفة لاعتياده به تافه، فكأن المدار عند الخليفة في حلية الأشربة والحد عليها على الاسكار وعدمه بالإضافة إلى شخص كل شارب وينبأ عنه قوله: الخمر ما خامر العقل والحد و الحرمة مطلقان لكل مسكر وإن قورنت صفة الاسكار بمانع من خصوصيات الأمزجة أو لقلة في الشرب فالصفة صلتها بالمشروب فحسب لا الشارب ويدل على ذلك أحاديث جمة صحيحة تدل على أن القليل الذي لا يسكر مما يسكر كثيرة حرام مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره أخرجه الدارمي في سننه 2 ص 113، والنسائي في سننه 8 ص 301، والبيهقي
في سننه 8 ص 296
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم من طريق جابر وابن عمر وابن عمرو: ما أسكر كثيرة فقليله حرام أخرجه أبو داود في سننه 2 ص 129، وأحمد في مسنده 2 ص 167، ج 3 ص 343
والترمذي في صحيحه 1 ص 342، وابن ماجة في سننه 2 ص 332، والنسائي في سننه 8 ص 300، والبيهقي في سننه 8 ص 296، والبغوي في مصابيح السنة 2 ص 67، والخطيب في تاريخ بغداد 3 ص 327وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام وفي لفظ آخر: ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام أخرجه أبو داود في سننه 2 ص 130، والترمذي في صحيحه 1 ص 342، والبيهقي في سننه 8 ص 296، والبغوي في مصابيح السنة 2 ص 67، والخطيب البغدادي في تاريخه 6 ص 229، وابن الأثير في جامع الأصول كما في التيسير 2 ص 173
وعن سعد: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره أخرجه النسائي في سننه 8 ص 301
وقال السندي في شرح سنن النسائي: أي ما يحصل السكر بشرب كثيرة فهو حرام قليله وكثيره وإن كان قليله غير مسكر وبه أخذ الجمهور وعليه الاعتماد عند علمائنا الحنفية والاعتماد على القول بأن المحرم هو الشربة المسكرة وما كان قبلها فحلال قد رده المحقوق كما رده المصنف رحمه الله تعالى وفي تفسير الطبري 2 ص 104 عن قتادة: جاء تحريم الخمر في آية سورة المائدة ، قليلها وكثيرها ما أسكر منها وما لم يسكر وأخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور 2 ص 316
أخرج أبو حنيفة بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: حرمت الخمر لعينها القليل منها والكثير، والمسكر من كل شراب
م - ورواه الخطيب في تاريخه 3 ص 190 عن ابن عباس ولفظه، حرمت الخمرة بعينها، قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب)"

ويعود الأمينى إلى عيبه فى عمر بذكر روايات تحليله للطلاء فيقول:
"وإنما أحل عمر الطلاء حين طبخ وذهب ثلثاه ولما قدم الشام شكوا له وباء الأرض إلى أن قالوا: هل لك أن تجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأمرهم عمر أن يشربوه وكتب إلى عماله أن يرزقوا الناس الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه
وقال محمود بن لبيد الأنصاري: إن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر: اشربوا هذا العسل قالوا: لا يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ قال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله: اللهم! إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم أخرجه إمام المالكية مالك في الموطأ 2 ص 180"

والغريب أنه لا يناقش تلك الروايات التى تذكر أن سبب تحليله الطلاء وباء الأرض وثقلها وهو يذكر روايات عن صحابة أخرين تدين تحليل عمر فيذكر الروايات التالية:
"في جامع تحريم الخمر فحج أبو مسلم الخولاني فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها فجعل يخبرها فقالت: كيف تصبرون على بردها؟ فقال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم يقال له: الطلاء فقالت: صدق الله وبلغ حبي سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها - وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم، ويمنون بدينهم على ربهم و يتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع نهج البلاغة 2: 65)وسئل ابن عباس عن الطلاء فقال: وما طلاؤكم هذا إذ سألتموني؟ فبينوا لي الذي تسألوني عنه قالوا: هو العنب يعصر ثم يطبخ ثم يجعل في الدنان قال: وما الدنان؟قالوا: أدنان مقيرة قال: مزفته؟ قالوا: نعم قال: أيسكر؟ قالوا: إذا أكثر منه أسكر قال: فكل مسكر حرام
وقبل هذه كلها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتنب كل مسكر ينش قليله وكثيره أخرجه النسائي في سننه 8 ص 324، وحكاه عنه ابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 172
هذه آراء من شتى النواحي في باب الأشربة تخص بالخليفة لا تساعده فيها البرهنة الشرعية من الكتاب والسنة بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون"