الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

تفسير سورة الحشر

سورة الحشر
سميت بهذا الاسم لقوله "لأول الحشر".
"بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض وهو العزيز الحكيم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد أطاع الرب الذى فى السموات والذى فى الأرض عدا الكفار وهو الناصر القاضى،يبين الله للمؤمنين أن اسم الله الرحمن الرحيم أى أن حكم الرب النافع المفيد هو أن ما أى الذى فى السموات وما أى والذى فى الأرض عدا من كفر فحق عليه العذاب مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله يسجد لله من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب "فالكل عدا من كفر سبح لله أى أطاع حكم الله أى أسلم أى سجد مصداق لقوله بسورة النحل"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض "والله هو العزيز الحكيم والمراد والرب هو الناصر لمطيعيه القاضى بالحق .
"هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار"المعنى هو الذى طرد الذين كذبوا من أصحاب الوحى من مساكنهم لأسبق الجمع،ما اعتقدتم أن يطردوا واعتقدوا أنهم حاميتهم قلاعهم من الرب فأعطاهم الرب من حيث لم يظنوا أى رمى فى نفوسهم الخوف يدمرون مساكنهم بأنفسهم وبقوة المصدقين فاتعظوا يا أهل العقول،يبين الله للمؤمنين أن الله هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم والمراد هو الذى أنزل أى طرد الذين كذبوا حكم الله من أصحاب الوحى السابق من صياصيهم وهى قلاعهم مصداق لقوله بسورة الأحزاب"وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم "لأول الحشر والمراد فى أسبق الجمع وهى أول مرة يتم جمعهم لطردهم من البلاد فى عهد النبى(ص)،ما ظننتم أن يخرجوا والمراد ما اعتقدتم أن يطردوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله والمراد واعتقدوا أنهم حاميتهم قلاعهم من أذى الله فكانت النتيجة أن أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا والمراد أن جاءهم أذى الرب من حيث لم يتوقعوا وهو خوف نفوسهم وفسر الله هذا بأنه قذف فى قلوبهم الرعب والمراد أدخل فى نفوسهم الخوف من قوة المؤمنين فقاموا يخربون بيوتهم بأيديهم والمراد يدمرون قلاعهم بأنفسهم لحرمان المؤمنين من التمتع بها وبأيدى وهى قوة المؤمنين وهم المصدقين بحكمه ويطلب الله فيقول فاعتبروا يا أولى الأبصار والمراد فاتعظوا بما حدث لهم يا "أولى الألباب "كما قال بسورة آل عمران .
"ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب "المعنى ولولا أن فرض الرب عليهم الإنتقال لعاقبهم فى الأولى ولهم فى القيامة عقاب النار ذلك بأنهم عادوا الرب ونبيه (ص)ومن يعادى الله فإن الرب عظيم العذاب،يبين الله للمؤمنين أن لولا أن كتب الله عليهم الجلاء والمراد وبسبب أن الله فرض عليهم الإنتقال من المدينة إلى بلاد أخرى لحدث التالى لعذبهم فى الدنيا أى لعاقبهم أى لذلهم فى الأولى ولهم فى الآخرة عذاب النار ولهم فى القيامة "عذاب عظيم "كما قال بسورة النور ذلك وهو العذاب سببه أنهم شاقوا الله ورسوله (ص)والمراد خالفوا حكم الله المنزل على نبيه (ص)ومن يشاق الله والمراد ومن يخالف حكم الله فإن الله شديد العقاب أى عظيم العذاب مصداق لقوله بسورة البقرة "وأن الله شديد العذاب "والخطاب وما قبله وما قبله وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين"المعنى ما بترتم من نبات أو دعوتموه على جذوره فبأمر الرب وليذل الكافرين،يبين الله للمؤمنين أن ما قطعوا من لينة والمراد ما دمروا من شجرة أو تركوها قائمة على أصولها والمراد أو دعوها باقية على جذورها فبإذن الله أى فكل منهما بحكم الله وهذا يعنى أن الحرب تبيح للمجاهد حرية التصرف فى النبات بتدميره إن كان سيمكن العدو منه أو تركه إن كان سينفعه فى حربه والله يخزى الفاسقين والمراد والله يذل أى يعاقب الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "وأن الله مخزى الكافرين ".
"وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير "المعنى وما أعطى الرب لنبيه (ص)منهم فما حاربتم عليه بقوة ولا بأس ولكن ينصر أنبيائه على من يريد والله لكل أمر يريده فاعل،يبين الله للمؤمنين أن ما أفاء الله على رسوله منهم والمراد أن ما وهب الله نبيه (ص)من أملاك الكفار بلا حرب بإنسحابهم وتركهم لتلك الأملاك فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب والمراد فما بذلتم فيه من قوة أى بأس ولكن يسلط رسله على من يشاء والمراد ولكن الله يجعل خوف أذى أنبيائه(ص)فى قلب من يريد من الكفار فيتركون أملاكهم والله على كل شىء قدير والمراد والرب لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد "من الأمور.
والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون "المعنى للعاجزين المنتقلين الذين طردوا من مساكنهم وأملاكهم يريدون رحمة من الرب أى ثوابا ويطيعون الرب ونبيه (ص)أولئك هم العادلون،يبين الله للمؤمنين أن الأموال فى تلك المرة من الفىء هى للفقراء المهاجرين وهم العاجزين عن العمل المنتقلين للمدينة الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم والمراد الذين جردوا من مساكنهم وأملاكهم وهم يبتغون فضلا أى رضوان من الله والمراد يريدون أى يرجون رحمة أى ثوابا من الله مصداق لقوله بسورة البقرة "يرجون رحمة من الله"وهم ينصرون الله ورسوله (ص)والمراد وهم يطيعون حكم الرب المنزل على نبيه (ص)مصداق لقوله بسورة التوبة "ويطيعون الله ورسوله "أولئك هم الصادقون أى العادلون أى "أولئك المؤمنون حقا "كما قال بسورة الأنفال .
"والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون "المعنى والذين نزلوا البلد والتصديق من قبلهم يوادون من انتقل إليهم ولا يلقون فى نفوسهم شىء مما أعطوا ويفضلون على أنفسهم ولو كان بهم حاجة ومن يمنع كفر نفسه فأولئك هم الفائزون،يبين الله أن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم والمراد أن الذين سكنوا المدينة وسبقوا فى التصديق من قبل المهاجرين يحبون من هاجر إليهم والمراد يوادون من انتقل لبلدهم من المهاجرين وهذا يعنى أنهم يكرمونهم ولا يجدون فى أنفسهم حاجة مما أوتوا والمراد ولا يلقون فى أنفسهم كراهية للمهاجرين بسبب ما أعطوا من المال وهو يؤثرون على أنفسهم والمراد وهم يفضلون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أى حتى لو كان بهم حاجة ضرورية للمال،ويبين أن من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والمراد من يمنع كفر نفسه فأولئك هم الفائزون برحمة الله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم "المعنى والذين أتوا من بعدهم يدعون إلهنا اعفو عنا وعن إخوتنا الذين سارعوا للتصديق ولا تضع فى نفوسنا كراهية للذين صدقوا إلهنا إنك نافع مفيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين جاءوا من بعدهم والمراد أن الذين أسلموا من بعد المهاجرين والأنصار قالوا :ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان والمراد خالقنا ارحمنا وإخواننا الذين سارعوا للتصديق وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله أن يترك عقابهم وعقاب المؤمنين السابقين على ذنوبهم فيرحمهم بهذا ،ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا والمراد ولا تضع فى صدورنا بغض للذين صدقوا بحكم الله وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله أن يزيل من أنفسهم أى كراهية للمؤمنين فى المستقبل ،ربنا إنك رءوف رحيم والمراد إلهنا إنك نافع مفيد للمؤمنين .
"ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون "المعنى ألم تعرف بالذين تذبذبوا يقولون لأصحابهم الذين كذبوا من أصحاب الوحى :لئن طردتم لنذهبن معكم ولا نتبع فيكم حكم أحد دوما ولئن حوربتم لنؤيدنكم والرب يعرف أنهم لمفترون ،يسأل الله نبيه (ص) ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب والمراد ألم تدرى بالذين ترددوا بين الكفر والإسلام يقولون لأصحابهم الذين كذبوا بحكم الله من أهل الوحى السابق :لئن أخرجتم لنخرجن معكم والمراد لئن طردكم المسلمون من دياركم لنذهبن معكم إلى أى مكان تريدون ولا نطيع فيكم أحد أبدا والمراد ولا ننفذ فيكم حكم أحد دائما وهذا يعنى أنهم سيذهبون مهاجرين مع الكفار إن طردهم المسلمين ولن ينفذوا أمر الرسول (ص)فيهم ،ولئن قوتلتم لننصرنكم والمراد وإن حوربتم لنؤيدنكم وهذا يعنى أنهم سيحاربون المسلمين إن حارب المسلمون الكفار،والغرض من السؤال إخباره بنية المنافقين السيئة ويبين له أنه يشهد أنهم لكاذبون والمراد أنه يعلم أن المنافقين مفترون يقولون الكذب والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون "المعنى لئن طردوا لا يذهبون معهم ولئن حوربوا لا يؤيدونهم ولئن أيدوهم ليعطون الظهور ثم لا يساعدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن أهل الكتاب إن أخرجوا أى طردوا من مساكنهم على يد المسلمين فالمنافقين لا يخرجون معهم أى لا يسافرون معهم تاركين مساكنهم وإن قوتلوا لا ينصرونهم والمراد وإن حوربوا لا يعاونوهم على حرب الناس لهم وإن نصروهم ليولن الأدبار والمراد وإن عاونوهم فى الحرب ليعطون الظهور والمراد ليهربون من ميدان المعركة وهذا يعنى أنهم لا ينصرونهم فى الحرب ولو نصروهم فسيكون هذا لمدة قليلة جدا ثم يهربون تاركين إياهم للعدو وهم لا ينصرون أى لا يعاونون أحدا والخطاب للنبى(ص).
"لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون "المعنى لأنتم أعظم قوة فى نفوسهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفهمون،يبين الله للمؤمنين أنهم أشد رهبة فى صدورهم من الله والمراد أنهم أكبر أذى فى نفوسهم من الله وهذا يعنى أن الكفار يعتقدون أن أذى المؤمنين أعظم من أذى الله ولذا فهم يخافون منهم أكثر من خوفهم من الله وذلك أى السبب أنهم قوم لا يفقهون أى "قوم لا يعقلون"كما قال بنفس السورة والمراد أنهم ناس لا يفهمون الحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون "المعنى لا يحاربونكم كلهم إلا فى قلاع واقية أى من خلف حواجز ،أذاهم بينهم عظيم ،تظنهم متحدين ونفوسهم مختلفة ذلك بأنهم ناس لا يفهمون ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار من أهل الكتاب وهم اليهود لا يقاتلونهم جميعا إلا فى قرى محصنة والمراد لا يحاربونهم كلهم إلا وهم وراء قلاع مشيدة لحمايتهم وفسر هذا بأنه من وراء جدر أى من خلف حواجز واقية من الأذى،وبأسهم بينهم شديد والمراد وأذاهم لبعضهم البعض كبير إذا اختلفوا فيما بينهم،ويبين للنبى (ص)أنه يحسبهم جميعا والمراد أنه يظنهم كلهم متحدين ولكن فى الحقيقة قلوبهم شتى أى نفوسهم مختلفة الأغراض وذلك وهو السبب هو أنهم قوم لا يعقلون والمراد أنهم ناس لا يفقهون أى لا يطيعون حكم الله والخطاب حتى شديد للمؤمنين وما بعده للنبى (ص)وما بعده له وما بعده
"كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم "المعنى كشبه الذين سبقوهم واقعا صلوا عقاب كفرهم ولهم عقاب مهين ،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود كمثل الذين من قبلهم قريبا والمراد أن عقابهم كعقاب الذين سبقوهم واقعا بهم وقد ذاقوا وبال أمرهم والمراد وقد صلوا عقاب كفرهم فى الدنيا ولهم عذاب أليم أى ولهم عقاب شديد مصداق لقوله بسورة النور"ولهم عذاب شديد "فى الآخرة .
"كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين " المعنى كشبه الهوى لما قال للفرد كذب فلما كذب قال إنى معتزل لك إنى أخشى الرب خالق الكل فكان جزاءهما أنهما فى جهنم مقيمين فيها وذلك عقاب الكافرين،يبين الله أن شبه المنافقين واليهود كمثل الشيطان وهو الهوى أى الشهوات إذ قال للإنسان والمراد لما قال للفرد وهو صاحبه :اكفر أى كذب حكم الله ويشبه هذا قول المنافقين" لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم "فلما كفر أى كذب الإنسان قال الهوى :إنى برىء منك أى إنى معتزل لك وهذا شبه ترك المنافقين لليهود لما حوربوا وطردوا دون نصر ،إنى أخاف الله رب العالمين والمراد إنى أخشى الرب خالق الجميع ،فكان عاقبتهما وهو جزاءهما أنهما فى النار خالدين فيها والمراد أنهما فى جهنم مقيمين فيها وهذا يعنى دخول المنافقين واليهود النار وذلك جزاء الظالمين أى والنار عقاب الكافرين مصداق لقوله بسورة البقرة "جزاء الكافرين".
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"المعنى يا أيها الذين صدقوا أطيعوا الرب ولتعلم نفس الذى عملت للمستقبل واتبعوا الرب إن الرب عليم بالذى تفعلون ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول :اتقوا الله أى "أطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد والمراد ولتعرف نفس الذى عملت للحصول على جنة القيامة واتقوا الله أى اتبعوا حكم الله إن الله خبير بما تعملون والمراد إن الرب عليم بالذى تفعلون مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما تفعلون"والخطاب للمؤمنين.
"ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون "المعنى ولا تصبحوا كالذين عصوا الله فأتركهم ذواتهم أولئك هم الكافرون،يطلب الله من المؤمنين ألا يكونوا كالذين نسوا الله والمراد ألا يصبحوا كالذين خالفوا حكم الله فأنساهم أنفسهم والمراد فأتركهم العمل لنفع أنفسهم أولئك هم الفاسقون أى الكافرون أى الظالمون والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون "المعنى لا يتساوى سكان الجحيم وسكان الحديقة،سكان الحديقة هم المفلحون،يبين الله للمؤمنين أن أصحاب النار وهم سكان الجحيم لا يستوون أى لا يجازون نفس جزاء أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة لأن أصحاب الجنة وهى الحديقة هم الفائزون أى المفلحون أى المرحومون .
"لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون "المعنى لو أوحينا هذا الكتاب إلى جبل لعلمته متبعا مطيعا من خوف الرب وتلك الأحكام نبينها للخلق لعلهم يفقهون،يبين الله لنبيه (ص)أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل والمراد لو ألقى هذا الوحى إلى جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله والمراد لعرفته مطيعا متبعا من خوف عذاب الله ويبين له أن تلك الأمثال وهى الأحكام أى الآيات نضربها للناس أى نبينها للخلق لعلهم يتفكرون أى يطيعون الأحكام مصداق لقوله بسورة البقرة "كذلك يبين الله آياته للناس "والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم "المعنى هو الرب الذى لا رب إلا هو عارف الخفى والعلن هو النافع المفيد الذى لا رب إلا هو الحاكم المسبح له الخير المصدق المسيطر الناصر المنتقم العظيم تعالى الرب عما يعبدون هو الرب المنشىء الخالق المشكل له الأحكام النافعة يطيعه من فى السموات والأرض وهو الناصر القاضى ،يبين الله لرسوله (ص) أن الله الذى لا إله أى لا رب إلا هو عالم الغيب والشهادة والمراد عارف الخفى وهو السر والعلن وهو المعروف لبعض الخلق هو الرحمن الرحيم أى النافع المفيد للخلق الملك أى الحاكم المتصرف فى الكون القدوس أى المسبح له من الخلق السلام أى الخير وهو صاحب النفع ،المؤمن وهو المصدق لكلامه وخلقه الصادقين ،والمهيمن وهو المسيطر على الكون العزيز وهو الناصر لمطيعيه الجبار وهو الباطش أى المنتقم من عدوه المتكبر وهو صاحب الكبرياء وهى العظمة الخالق وهو المنشىء البارىء وهو الخالق المصور وهو المشكل للخلق،ويبين له أن سبحان الله عما يشركون أى تعالى الرب عن الذى يعبدون أى يصفون مصداق لقوله بسورة الأنعام "وتعالى عما يصفون" ويبين له أن له الأسماء الحسنى وهى الأحكام النافعة للخلق إذا أطاعوها وهو يسبح له أى يطيع حكمه أى يسجد أى يسلم له من فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة النحل "لله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض "وهو العزيز أى الناصر لحكمه الحكيم أى القاضى بالحق

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

تفسير سورة المجادلة

سورة المجادلة
سميت بهذا الاسم لذكر التى تجادل فيها بقوله"التى تجادلك فى زوجها ".
"بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد قد علم الرب حديث التى تحاجك فى بعلها وتدعو الرب والرب يعلم محاجتكما إن الرب خبير عليم،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أنه قد سمع قول التى تجادلك فى زوجها والمراد قد عرف كلام التى تحاجك أى تناقشك فى أمر بعلها المسمى الظهار وهى تشتكى إلى الله والمراد وهى تدعو الرب طالبة حكمه فى الظهار وفسر الله سماع الجدال بأنه يسمع تحاوركما والمراد أنه يعلم تجادلكما وهو حواركما فى الظهار والله سميع بصير عليم خبير مصداق لقوله بسورة النساء"إن الله كان عليما خبيرا "والخطاب للنبى(ص).
"الذين يظاهرون منكم من نساءهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور "المعنى الذين يتباعدون منكم من زوجاتكم ما هن والداتهم إن والداتهم إلا اللائى أنجبنهم وإنهم ليزعمون كذبا فى الحديث أى افتراء إن الرب نافع مفيد ،يبين الله للمؤمنين أن الذين يظاهرون منهم من نساءهم وهم الذين يتباعدون منهم عن زوجاتهم والمراد الذين يحرمون زوجاتهم كالمحرمات عليهم وهن الأمهات ليست زوجاتهم أمهاتهم أى والداتهم وإنما أمهاتهم وهن والداتهم هن اللائى ولدنهم أى أنجبنهن من البطون وقولهم وهو تحريم الزوجات كالأمهات أو غيرهن هو منكر من القول أى كذب من الحديث وفسره بأنه زور أى باطل وهذا يعنى أن قولهم لا يثبت ما قالوه ما دام باطلا ويبين لهم أن الله عفو غفور أى نافع مفيد لهم إن تابوا من ذنب الظهار والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"والذين يظاهرون من نساءهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم "المعنى والذين يحرمون زوجاتهم ثم يرجعون لما زعموا فعتق عبد من قبل أن يتجامعا ذلكم تنصحون به والرب بالذى تفعلون عليم فمن لم يلق فامتناع شهرين متتالين من قبل أن يتجامعا فمن لم يقدر فتأكيل ستين محتاجا ذلك لتصدقوا بالرب ونبيه(ص)وتلك أحكام الرب وللمكذبين عقاب مهين،يبين الله للمؤمنين أن الذين يظاهرون من نساءهم وهم الذين يحرمون زوجاتهم مثل تحريم أمهاتهم عليهم ثم يعودون لما قالوا والمراد ثم يرجعون للذى يزعمون أى يفترون وهو التحريم عليهم التالى تحرير رقبة والمراد عتق عبد أو أمة على أن يكون العتق قبل أن يتماسا أى يتجامعا أى قبل أن ينيك الرجل زوجته ذلكم توعظون به والمراد أن الحكم السابق ينصحون به ويبين لهم أن الله بما يعملون خبير والمراد أن الرب بالذى يفعلون عليم مصداق لقوله بسورة النور"والله عليم بما يفعلون"فى السر والعلن وإذا لم يجد أى لم يلق مالا لعتق الرقبة فعليه التالى صيام شهرين متتالين أى الإمتناع عن الطعام والشراب والجماع فى نهارات شهرين متتاليين من قبل أن يتماسا أى يتجامعا والمراد من قبل أن ينيك الرجل زوجته والذى لا يستطيع أى لا يقدر على الصيام عليه إطعام ستين مسكينا أى تأكيل ستين محتاجا والسبب فى إنزال الحكم هو أن يؤمنوا بالله ورسوله والمراد أن يصدقوا بحكم الرب المنزل على نبيه (ص)وتلك حدود الله والمراد وتلك أحكام الرب وللكافرين عذاب أليم والمراد وللمكذبين بحكم الله عقاب شديد مصداق لقوله بسورة الإنسان"والظالمين أعد لهم عذابا أليما".
"إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شىء شهيد"المعنى إن الذين يخالفون الرب ونبيه (ص)هزموا كما هزم الذين سبقوهم وقد أوحينا أحكام واضحات وللمكذبين عقاب أليم يوم يحييهم الرب كلهم فيخبرهم بالذى صنعوا سجله الرب وأغفلوه والرب على كل أمر رقيب،يبين الله أن الذين يحادون أى "ومن يشاقق الله ورسوله"(ص)كما قال بسورة الأنفال وهم الذين يخالفون حكم الله المنزل على نبيه (ص)كبتوا أى هزموا كما كبت أى كما هزم أى عوقب الذين كفروا من قبلهم ،وقد أنزلنا آيات بينات والمراد وقد أوحينا أحكام مفهومات وللكافرين عذاب مهين والمراد وللمكذبين بالآيات عقاب أليم مصداق لقوله بسورة المجادلة "عذاب أليم"يوم يبعثهم الله جميعا والمراد يوم يحشرهم أى يحييهم الرب كلهم مصداق لقوله بسورة سبأ"ويوم يحشرهم جميعا"فينبئهم بما عملوا والمراد فيبين لهم الذى صنعوه يوم القيامة مصداق لقوله بسورة النحل"وليبينن لكم يوم القيامة "أحصاه الله ونسوه والمراد كتبه أى سجله الله فى كتبهم وترك الكفار ذكره والله على كل شىء شهيد والمراد والله على كل أمر رقيب مصداق لقوله بسورة النساء"وكان الله على كل شىء رقيبا" والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم "المعنى ألم تعلم أن الرب يعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض ما يكون من حديث ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أقل من ذلك و لا أكثر إلا هو عالم بهم أين ما وجدوا ثم يبين لهم الذى صنعوا يوم البعث إن الرب بكل أمر خبير،يسأل الله نبيه (ص)ألم تر أن الله يعلم والمراد هل لم تدرى أن الرب يعرف ما أى الذى فى السموات وما أى والذى فى الأرض ؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن الله يعرف كل أمور الكون،ويبين له أن ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم والمراد ما يحدث من كلام خافت بين ثلاثة إلا هو عالم بهم ولا خمسة إلا هو سادسهم أى عالم بهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر والمراد ولا أقل عددا من ثلاثة ولا أكبر من خمسة إلا هو معهم أى عالم بهم أين ما كانوا والمراد فى أى مكان وجدوا فيه ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة والمراد ثم يبين لهم الذى فعلوا فى يوم البعث مصداق لقوله بسورة النحل"وليبينن لكم يوم القيامة "إن الله بكل شىء عليم والمراد إن الرب بكل أمر محيط خبير مصداق لقوله بسورة فصلت "ألا إنه بكل شىء عليم ".
"ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون فى أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير "المعنى ألم تعلم بالذين زجروا عن الحديث ثم يرجعون لما زجروا عنه ويتهامسون بالجرم أى الإعتداء أى مخالفة النبى (ص)وإذا أتوك قالوا لك ما لم يقله لك الله ويقولون فى قلوبهم لولا يعاقبنا الله بما نتكلم عقابهم النار يدخلونها فساء المقام ، يسأل الله نبيه (ص) ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودوا لما قالوا والمراد هل لم تدرى بالذين منعوا من الحديث الخافت ثم يرجعون لما منعوا منه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول والمراد ويتحدثون بالباطل أى الظلم أى مخالفة حكم النبى (ص)؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن المنافقين يتحدثون حديثا خافتا عن الإثم وهو العدوان وهو عصيان حكم النبى (ص)وهو ما حرمه الله من النجوى،ويبين له أنهم إذا جاءوه حيوه بما لم يحييه به الله والمراد إذا قابلوه قالوا له الذى لم يبيحه الله وهو دعاء محرم عليهم بدلا من دعاء الخير له مثل السلام عليك أو صباح الخير وهم يقولون فى أنفسهم وهى قلوبهم لولا يعذبنا أى هل يعاقبنا الله بما نقول أى بالذى نتحدث به من الباطل ؟وهم يعرفون أنه يعاقبهم فحسبهم جهنم أى مأواهم النار يصلونها والمراد يدخلونها فبئس المصير والمراد فقبح أى فساء المستقر وهو المقام والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذى إليه تحشرون "المعنى يا أيها الذين صدقوا إذا تحدثتم فلا تتحدثوا بالكفر أى الباطل أى مخالفة حكم النبى (ص)وتحدثوا بالمعروف أى العدل وأطيعوا الرب الذى إلى جزاءه تعودون،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول :إذا تناجيتم والمراد إذا تحدثتم حديثا خافتا فلا تتناجوا بالإثم أى العدوان أى الظلم أى معصية أى مخالفة حكم الله المنزل على الرسول (ص)وتناجوا بالبر والتقوى والمراد وتحدثوا بالعدل أى الطيب من القول وهذا يعنى أن النجوى مباحة إذا كانت لعمل حق،وقوله واتقوا الله أى "أطيعوا الله "كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله الذى إليه تحشرون أى إلى جزاء أى ثواب الله تعودون أى تقلبون مصداق لقوله بسورة العنكبوت"وإليه تقلبون" والخطاب للمؤمنين.
"إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون"المعنى إنما الحديث من الهوى ليخيف الذين صدقوا وليس بمؤذيهم أذى إلا بحكم الرب وبحكم الرب فليحتمى المحتمون،يبين الله للنبى (ص)أن النجوى من الشيطان والمراد أن الحديث الخافت الباطل من الهوى هوى المنافقين والسبب فيه أن يحزن الذين آمنوا والمراد أن يخاف الذين صدقوا من أذى المنافقين وهو أى النجوى ليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله والمراد ليس بمصيبهم بأذى إلا بإرادة الله وهذا يعنى أن الحديث لا يمكن تحقق أذاه إلا إذا أراد الله أن يصيب به المؤمنين وعلى الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الرب فليحتمى المصدقون بحكم الله من أى أذى والخطاب للنبى(ص) .
"يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير "المعنى يا أيها الذين صدقوا إذا قيل لكم أوسعوا فى المقاعد فأوسعوا يوسع الرب لكم وإذا قيل لكم قوموا فقوموا يعطى الرب الذين صدقوا منكم أى الذين أعطوا الوحى حسنات والرب بما تفعلون عليم ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول:إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس والمراد إذا قال لكم صاحب المجلس أوسعوا المقاعد لبعضكم فافسحوا يفسح الله لكم والمراد فأوسعوا المقاعد يوسع الله عليكم فى الحسنات فحسنة توسيع المجلس بعشر أمثالها ،وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا والمراد وإذا قال لكم رئيس المجلس قوموا أى انصرفوا من المجلس فانصرفوا وهذا يعنى أن صاحب المكان له أن يأمر الجالسين بالتوسع فيه أو الإنصراف عنه،ويبين لهم أنه يرفع الذين آمنوا وقد فسرهم بأنهم الذين أوتوا العلم درجات والمراد أنه يعطى الذين صدقوا حكمه أى الذين أعطوا الوحى عطايا هى حسنة الدنيا وحسنة الآخرة والله بما تعملون خبير والمراد والله بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة النور"والله عليم بما تفعلون"وسيحاسبكم عليه والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده .ذى أ
"يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا إذا حدثتم النبى (ص)فأعطوا قبل حديثكم نفقة ذلك أفضل لكم أى أزكى فإن لم تلقوا فإن الرب عفو نافع ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول :إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة والمراد إذا نويتم تحديث النبى (ص)حديثا خافتا فأعطوا قبل حديثكم معه نفقة وهذا يعنى أن من أراد تكليم الرسول(ص)عليه أن يدفع مبلغ من المال للفقراء وغيرهم ممن يحتاجون ذلك والمراد دفع المال قبل الحديث خير لكم أى أطهر والمراد أنفع لكم فى الثواب فإن لم يجد والمراد فإن لم يلق المؤمن مالا لدفع الصدقة فالله غفور رحيم أى عفو نافع يسمح بتكليمه دون دفع مال من الفقير والمحتاج .
"أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون"المعنى أخفتم أن تدفعوا قبل حديثكم نفقات فإذا لم تدفعوا وغفر الرب لكم فأطيعوا الدين أى اتبعوا الحق أى اتبعوا الرب ونبيه (ص)والرب عليم بالذى تفعلون،يخاطب الله المؤمنين فيقول :أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات والمراد هل خفتم أن تدفعوا قبل حديثكم مع النبى (ص)نفقات ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم خافوا على أموالهم فلم يكلموا الرسول (ص)بسبب طلب دفع الصدقة وهى المال وقال فإذا لم تفعلوا أى فإذا لم تدفعوا وتاب الله عليكم والمراد ونسخ الله لكم هذا الحكم والمراد وطلب الله منكم عدم العمل بهذا الحكم فأقيموا الصلاة أى فأطيعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسره بقوله أتوا الزكاة أى أطيعوا الحق وفسره بقوله أطيعوا الله ورسوله والمراد واتبعوا حكم المنزل على نبيه (ص)والله خبير بما تعملون والمراد والرب عليم بالذى يصنعون أى يفعلون مصداق لقوله بسورة النور "والله عليم بما يفعلون ".
"ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون "المعنى ألم تعرف بالذين ناصروا ناسا سخط الرب عليهم ما هم منكم ولا هم منهم ويقسمون على الباطل وهم يعرفون ذلك،يسأل الله نبيه (ص)ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم والمراد ألم تدرى بالذين ناصروا ناسا لعنهم الله؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن المنافقين ناصروا أهل الكتاب الذين سخط الله عليهم أى عاقبهم،ويبين له أن المنافقين ما هم من المسلمين ولا هم من الكافرين وإنما مذبذبين بين الإثنين وهم يحلفون على الكذب والمراد وهم يقسمون على الباطل وهو أنهم من المسلمين وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة "يحلفون بالله إنهم لمنكم"وهم يعلمون أى يعرفون كذبهم فى قولهم ويعرفون عقوبته والخطاب للنبى(ص).
"أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون "المعنى جهز الرب لهم عقابا أليما إنهم قبح الذى كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أعد لهم عذابا شديدا والمراد جهز لهم عقابا مهينا مصداق لقوله بسورة الأحزاب "وأعد لهم عذابا مهينا "هو الدرك الأسفل من النار والسبب أنهم ساء ما كانوا يعملون أى أنهم قبح الذى كانوا يصنعون فى الدنيا والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "المعنى جعلوا حلفاناتهم وقاية فردوا عن دين الرب فلهم عقاب أليم،لن تمنع عنهم أملاكهم ولا عيالهم من الرب عقابا أولئك أهل جهنم هم فيها مقيمون،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة والمراد جعلوا حلفاناتهم بالله مانع لعقاب المؤمنين لهم فصدوا عن سبيل الله والمراد فضلوا عن دين الرب والمراد فكذبوا بحكم الله فلهم عذاب مهين أى لهم"عذاب شديد"كما قال بسورة الشورى ولن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا والمراد ولن تمنع عنهم أملاكهم وهى أرحامهم ولا عيالهم من الرب عذابا لهم والمراد لن تنفعهم بشىء مصداق لقوله بسورة الممتحنة "لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة"أولئك أصحاب النار والمراد أهل الجحيم مصداق لقوله بسورة الحج"أولئك أصحاب الجحيم" هم فيها خالدون أى مقيمون أى ماكثون لا يخرجون .
"يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شىء ألا إنهم هم الكاذبون "المعنى يوم يحييهم الرب كلهم فيقسمون له كما يقسمون لكم ويظنون أنهم على الحق ألا إنهم هم الكافرون،يبين الله لنبيه (ص) وللمؤمنين أن يوم يبعثهم أى يحييهم والمراد يحشرهم الله جميعا أى كلهم مصداق لقوله بسورة سبأ"ويوم يحشرهم جميعا "فيحلفون له كما يحلفون لكم والمراد فيقسم المنافقون لله "والله ربنا ما كنا مشركين"كما قال بسورة الأنعام على لسانهم كما يقسمون لكم وهذا يعنى أنهم يريدون خداع الله فى الآخرة وهم يحسبون أنهم على شىء والمراد ويعتقدون أنهم على الحق الذى هو دين الله ويبين أنهم هم الكاذبون أى المفترون أى الكافرون بالحق مصداق لقوله بسورة المائدة "فأولئك هم الكافرون"والخطاب للنبى(ص)والمؤمنين .
"استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون "المعنى سيطر عليهم الهوى فأتركهم طاعة الرب أولئك جمع الهوى ألا إن جمع الهوى هم المعذبون،يبين الله لنبيه (ص)أن الشيطان وهو الهوى أى الشهوة استحوذ عليهم أى سيطر على أنفسهم سيطرة تامة فأنساهم ذكر الله أى فأتركهم طاعة حكم الله أولئك حزب الشيطان والمراد أولئك طائعوا أى متبعوا الهوى أى الشهوات ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون والمراد ألا إن طائعوا الشهوات هم المعذبون فى النار مصداق لقوله بسورة مريم "واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا "أى نارا والخطاب وما بعده للنبى (ص)وللمؤمنين.
"إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز "المعنى إن الذين يعادون الرب ونبيه (ص)أولئك فى المعذبين حكم الرب لأنتصرن أنا ومبعوثى إن الرب متين غالب ،يبين الله لنبيه (ص) وللمؤمنين أن الذين يحادون أى يشاقون أى يخالفون حكم الله المنزل على رسوله (ص) أولئك فى الأذلين والمراد من المعذبين المعاقبين أشد العقاب مصداق لقوله بسورة الأنفال "ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب"كتب الله لأغلبن أنا ورسلى والمراد حكم الله لأنتصرن أنا وأنبيائى (ص)مصداق لقوله بسورة الصافات"ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون"إن الله قوى عزيز والمراد إن الرب منتصر غالب
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون "المعنى لا تلق ناسا يصدقون بحكم الله ويوم القيامة يناصرون من خالف حكم الرب ونبيه(ص)ولو كانوا آباءهم أو أولادهم أو إخوانهم أو أهلهم أولئك وضع الله فى نفوسهم التصديق ونصرهم بنفع منه ويسكنهم حدائق تسير من أسفلها العيون مقيمين فيها قبل الله منهم وقبلوا منه أولئك طائعوا الرب ألا إن طائعوا الرب هم الفائزون،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر والمراد لا يعرف ناسا يصدقون بحكم الرب ويوم البعث يوادون من حاد الله ورسوله والمراد يحبون أى يناصرون أى يحالفون من خالف حكم الله المنزل على نبيه (ص)حتى ولو كان هؤلاء الناس آباءهم أو أبناءهم وهم أولادهم أو إخوانهم أو عشيرتهم وهم زوجاتهم فهم يعادون أفراد عائلاتهم لو كانوا مخالفين لحكم الله أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان والمراد أولئك أسكن الله فى نفوسهم التصديق لحكمه وأيدهم بروح منه والمراد ونصرهم بنصر أى بجند من عنده مصداق لقوله بسورة الأنفال "وأيدكم بنصر منه"ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها والمراد ويسكنهم حدائق تتحرك من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة مقيمين فيها رضى الله عنهم والمراد قبل الرب منهم أحسن عملهم وهو دينهم الإسلام مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"وقوله بسورة الأحقاف "أولئك نتقبل عنهم أحسن ما عملوا "ورضوا عنه والمراد وفرحوا بثوابه أى وقبلوا أجر إسلامهم أولئك حزب الله والمراد أولئك متبعوا دين الله ألا إن حزب الله هم المفلحون والمراد ألا إن متبعوا دين الله هم المرحومون أى الفائزون بالجنة والخطاب للنبى(ص)

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

تفسير سورة الحديد

سورة الحديد
سميت بهذا الاسم فى قوله "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد".
"بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحى ويميت وهو على كل شىء قدير "المعنى بحكم الرب النافع المفيد أطاع الله الذى فى السموات والأرض إلا من كفر وهو الناصر القاضى له حكم السموات والأرض يخلق ويتوفى وهو لكل أمر يريده فاعل،يبين الله أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب النافع المفيد هو أن سبح أى أطاع حكم الله أى سجد لله ما أى الذى فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة النحل"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض"إلا من حق عليهم العذاب وهم الكفار مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب" والله هو العزيز أى الناصر لمسبحيه الحكيم أى القاضى بالحق ،له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة آل عمران يحى ويميت والمراد يخلق الخلق ويتوفى الخلق وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"والخطاب وما بعده للناس على لسان النبى(ص).
"هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم "المعنى هو السابق والباقى والمبين والمخفى وهو بكل أمر خبير،يبين الله للناس أن الله هو الأول والمراد السابق فى الوجود وهو الأخر أى الباقى أى الحى الذى لا يموت وهو الظاهر أى المعلن للأشياء وهو الباطن أى المخفى للأشياء وهو بكل شىء عليم والمراد وهو بكل أمر خبير محيط مصداق لقوله بسورة فصلت"أنه بكل شىء محيط".
"هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير"المعنى هو الذى أنشأ السموات والأرض فى ستة أيام وأوحى إلى الكون يعرف الذى يدخل فى الأرض وما ينبت منها وما يسقط من السماء وما يصعد إليها وهو عالم بكم أين ما وجدتم والرب بالذى تفعلون عليم ،يبين الله على لسان النبى (ص)للناس أن الله هو الذى خلق أى أنشأ والمراد"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام فى ستة أيام والمراد فى مدة قدرها ستة أيام إلهية أى ستة آلاف سنة بحساب البشر ثم استوى على العرش أى أوحى إلى الكون والمراد قال للمخلوقات أنا ملك الخلق وهو يعلم ما يلج فى الأرض وهو ما يدخل فى جوف الأرض وما يخرج منها والمراد وما يصعد من الأرض وما ينزل وهو ما يسقط من السماء وما يعرج فيها والمراد وما يصعد إلى جوفها من أشياء وهو معكم أين ما كنتم والمراد وهو عالم بكم أينما وجدتم والله بما تعملون بصير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة النور"والله عليم بما يفعلون "والخطاب وما بعده للكفار على لسان النبى(ص)
"له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل وهو عليم بذات الصدور "المعنى له حكم السموات والأرض وإلى الرب تعود المخلوقات يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهو خبير بنية النفوس،يبين الله للناس أن الله له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض"كما قال بسورة آل عمران وإلى الله ترجع الأمور والمراد وإلى جزاء الرب تصير أى تدخل المخلوقات مصداق لقوله بسورة الشورى"ألا إلى الله تصير الأمور"يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل والمراد "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل "كما قال بسورة الزمر والمراد يزيل بظلام الليل تدريحيا بعض نور النهار ويزيل بنور النهار تدريجيا بعض ظلام الليل وهو عليم بذات الصدور والمراد وهو خبير بنية وهو ما فى النفوس مصداق لقوله بسورة الإسراء"وربكم أعلم بما فى نفوسكم ".
"آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير "المعنى صدقوا بالرب ونبيه (ص)واعملوا بما جعلكم حاكمين به فالذين صدقوا وأطاعوا لهم ثواب عظيم ،يخاطب الله الناس فيقول :آمنوا بالله ورسوله والمراد صدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)وهو الكتاب مصداق لقوله بسورة النساء"آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى أنزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه والمراد واعملوا بالذى جعلكم حاكمين به وهو الكتاب ،فالذين آمنوا منكم والمراد فالذين صدقوا بكتاب الله وأنفقوا أى وعملوا بحكم الله لهم أجر كبير أى ثواب كريم مصداق لقوله بنفس السورة "وله أجر كريم "وهو الجنة.
"وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين "المعنى وما لكم لا تصدقون بالرب والنبى (ص)يناديكم لتصدقوا بإلهكم وقد فرض حكمكم إن كنتم مصدقين ،يسأل الله الناس وما لكم لا تؤمنون بالله والمراد ما الذى يجعلكم لا تصدقون بحكم الرب والرسول وهو النبى (ص)يدعوكم أى يناديكم لتؤمنوا بربكم أى لتصدقوا بحكم إلهكم وقد أخذ ميثاقكم أى وقد فرض حكمكم وهو الإسلام عليكم إن كنتم مؤمنين أى مصدقين بحكم الله ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب الإيمان بحكم الله والعمل به والخطاب للناس وما قبله وما بعده.
"هو الذى ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم "المعنى هو الذى يوحى إلى مملوكه أحكام واضحات ليبعدكم من الضلالات إلى الهدى وإن الرب لكم لنافع مفيد،يبين الله للناس أن الله هو الذى ينزل على عبده آيات بينات والمراد الذى يلقى إلى مملوكه محمد(ص)أحكام مفهومات ليخرجكم من الظلمات إلى النور والمراد ليبعدكم عن العقوبات إلى الرحمة وإن الله بكم لرءوف رحيم والمراد وإن الرب لكم لنافع مفيد إن أسلمتم .
"وما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير "المعنى وما لكم ألا تعملوا لنصر دين الله ولله ملك السموات والأرض لا يتساوى منكم من عمل من قبل النصر وجاهد أولئك أكبر سلطة من الذين عملوا من بعد وجاهدوا وكلا أخبر الرب الجنة والرب بالذى تفعلون عليم ،يسأل الله المؤمنين ما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله والمراد ما لكم ألا تعملوا لنصر دين الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب نصر الإسلام بالمال ويبين لهم أن لله ميراث أى حكم أى "ملك السموات والأرض "كما قال بنفس السورة ،ويبين للمؤمنين أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل وهو الذى عمل أى صرف ماله وجهده من قبل النصر فى مكة وجاهد العدو لا يستوى أى لا يتساوى مع من أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا وهم من عملوا للإسلام بعد نصر مكة وجاهدوا العدو ويبين أن الأوائل وهو المنفقون المجاهدون قبل الفتح أعظم درجة أى أكبر سلطة وهذا يعنى أن رؤساء المؤمنين كانوا يختارون من بين المسلمين المقاتلين قبل فتح مكة فقط وأما من بعدهم فلم يكن لهم نصيب فى الرئاسة وهى القيادة بسبب تأخر إسلامهم وكلا وعد الله الحسنى والمراد وكلا الفريقين أخبر الرب بدخول الجنة والله بما تعملون خبير والمراد والرب بالذى تفعلون عليم وسيحاسب عليه مصداق لقوله بسورة النور"والله بما تفعلون عليم".
"من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم"المعنى من ذا الذى يطيع الرب طاعة طيبة فيزيد ثوابها له أى له ثواب كبير ،يسأل الله من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا والمراد من ذا الذى يتبع حكم الله اتباعا مخلصا فيضاعفه له أى فيديم ثوابه له وفسر هذا بأنه له أجر كريم أى ثواب كبير والغرض من السؤال إخبار الناس بوجوب قرض وهو طاعة حكم الله للحصول على الأجر الكريم والخطاب وما قبله للمؤمنين .
"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم" المعنى يوم تشهد المصدقين والمصدقات يظهر حسنهم أمامهم أى فى أيمانهم فرحتكم الآن حدائق تتحرك من أسفلها العيون مقيمين فيها ذلك النصر المبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الأجر الكبير للمقرض يكون يوم يرى المؤمنين والمؤمنات والمراد يوم يشاهد المصدقين والمصدقات بحكم الله يسعى نورهم بين أيديهم والمراد يوجد كتاب أعمالهم فى أيديهم وفسرها بأنها أيمانهم وهى أيديهم اليمنى مصداق لقوله بسورة الحاقة"فأما من أوتى كتابه بيمينه"ويقال لهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد فرحتكم الآن حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أى "ماكثين فيها "كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فى الجنة ذلك أى دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور "المعنى يوم يقول المذبذبون والمذبذبات بين الكفر والإسلام للذين صدقوا ترقبونا نأخذ من عملكم قيل عودوا خلفكم فاطلبوا عملا فحجز بينهم بسياج له باب خفيه فيه المتاع وواضحه من أمامه العقاب يدعونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم أسقطتم أنفسكم أى ترقبتم أى كذبتم أى خدعتكم الأقوال حتى أتى عذاب الرب وخدعكم فى الرب الخادع ،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقون والمنافقات وهم المترددون والمترددات بين الإسلام والكفر يقولون يوم القيامة للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله :انظروا نقتبس من نوركم أى أقيموا مكانكم حتى نستعير من عملكم الصالح حتى ندخل معكم الجنة فيقال لأهل النفاق:ارجعوا وراءكم والمراد عودوا لدنياكم فالتمسوا نورا والمراد فخذوا عملا صالحا من هناك،وضرب بينهم بسور له باب والمراد وفصل بين الفريقين بسياج له مدخل وهذا المدخل باطنه فيه الرحمة والمراد وجهه الخفى عن المنافقين فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والمراد وأمامه من قبله العقاب والمراد وجانبه الواضح للمنافقين فى أرضه العقاب والمنافقين ينادونهم أى يدعون المؤمنين فيقولون:ألم نكن معكم والمراد ألم نؤمن معكم فى الدنيا؟فيجيب المؤمنون :بلى ولكنكم فتنتم أى أضللتم أنفسكم أى تربصتم أى انتظرتم أى كفرتم أى ارتبتم أى كذبتم بالحق أى غرتكم الأمانى والمراد خدعتكم الوساوس حتى جاء أمر الله والمراد حتى أتى عذاب الله أى غركم بالله الغرور أى خدعكم فى الله الخادع وهو الهوى الضال وهذا كله يعنى أنهم أبعدوا أنفسهم عن الحق ولذا استحقوا العذاب والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص)
"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير "المعنى فالآن لا يقبل منكم مال ولا من الذين كذبوا مقامكم جهنم هى ناصركم وساء المقام ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمنين يقولون لأهل النفاق:فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا والمراد لا يقبل منكم مال أى عدل ولا من الذين كذبوا حكم الله مقابل الإخراج من النار مصداق لقوله بسورة البقرة "ولا يؤخذ منها عدل" ،مأواكم النار أى مقامكم جهنم هى مولاكم أى حسبكم أى ناصرتكم وهو قول ساخر منهم مصداق لقوله بسورة المجادلة "حسبهم جهنم"وبئس المصير أى وساء المقام أى المهاد مصداق لقوله بسورة آل عمران"وبئس المهاد".
"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "المعنى ألم يحن للذين صدقوا أن تخضع نفوسهم لحكم الله أى ما أوحى من العدل ولا يصبحوا كالذين أعطوا الوحى من قبل فبعد عليهم الموعد فتحجرت نفوسهم وكثير منهم كافرون ،يسأل الله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله والمراد ألم يجب على الذين صدقوا حكم الله أن تطمئن نفوسهم بطاعة حكم الله وفسر الله الذكر بأنه ما نزل من الحق وهو ما أوحى من العدل وفسر هذا بألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب والمراد ألا يصبحوا كالذين أعطوا الوحى من قبل فطال عليهم الأمد والمراد فبعد عليهم الموعد وهذا يعنى أنهم استحالوا ميقات القيامة فقست قلوبهم أى فكفرت نفوسهم ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب خشوع قلوبهم لذكر الله ويبين الله للمؤمنين أن كثير منهم فاسقون والمراد أن كثير من أهل الكتاب كافرون بحكم الله مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم كافرون "والخطاب للمؤمنين.
"اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون "المعنى اعرفوا أن الرب يبعث الأرض بعد جدبها قد فصلنا لكم الأحكام لعلكم تطيعون ،يطلب الله من المؤمنين أن يعلموا أى يعرفوا أن الله يحيى الأرض بعد موتها والمراد أن الرب يعيد الحياة للأرض بعد جدبها ،وقد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون والمراد قد فصلنا لكم الأحكام لعلكم تعلمون أى تطيعون الأحكام مصداق لقوله بسورة الأنعام"قد فصلنا الآيات لعلكم تعلمون "والخطاب للناس.
"إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم "المعنى إن المؤمنين والمؤمنات وأطاعوا الرب طاعة جميلة يزاد لهم أى لهم ثواب كبير ،يبين الله لنبيه(ص) أن المصدقين والمصدقات وهم المؤمنين والمؤمنات بحكم الله وأقرضوا الله قرضا حسنا والمراد واتبعوا حكم الرب اتباعا أمينا يضاعف لهم أى يزاد لهم الثواب وفسر هذا بأن لهم أجر كريم والمراد ثواب كبير والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى والذين صدقوا بالرب ومبعوثيه أولئك هم العادلون أى الحكام لدى إلههم لهم ثوابهم أى رحمتهم والذين جحدوا أى كفروا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين آمنوا بالله ورسله وهم الذين صدقوا بحكم الرب المنزل على أنبيائه (ص)أولئك هم الصديقون أى العادلون قى قولهم وفسرهم بأنهم الشهداء أى الحاكمون على الناس بالعدل مصداق لقوله بسورة البقرة "لتكونوا شهداء على الناس"،وعند ربهم لهم أجرهم والمراد ولدى خالقهم ثوابهم وفسره بأنه نورهم أى أجرهم وهو الجنة،والذين كفروا أى كذبوا أى جحدوا بآياتنا وهى أحكامنا أولئك أصحاب الجحيم أى سكان النار .
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"المعنى اعرفوا أنما المعيشة الأولى عندكم عبث أى تمتع أى لذة وتباهى بينكم وتعاظم فى الأملاك والعيال كشبه مطر أحب الكاذبون نباته ثم يقوى فتشهده قويا ثم يكون هشيما وفى القيامة عقاب عظيم ورحمة من الرب أى قبول وما المعيشة الأولى إلا لذة الخداع ،يطلب الله من الناس أن يعلموا والمراد أن يعرفوا أن قول أديانهم الباطلة على لسانهم أنما الحياة الدنيا لعب أى لهو أى زينة والمراد أن المعيشة الأولى عبث أى انشغال أى متاع وفسر هذا بأنه تفاخر بينهم أى تكابر بينهم فى الأشياء وفسر هذا بأنه تكاثر فى الأموال والأولاد والمراد تزايد فى الأملاك والعيال وهذا يعنى أن أديان الباطل تطالبهم باشباع شهواتهم من متاع الدنيا ،ويبين لنبيه (ص)أن مثل الدنيا كمثل أى كشبه غيث أعجب الكفار نباته والمراد كشبه مطر أحب المكذبون لله زرعه الذى نبت بعد نزوله ثم يهيج أى ثم ينمو أى يكبر فتراه مصفرا والمراد ثم تشاهده ناضجا وبعد ذلك يكون حطاما أى مدمرا وهذا يعنى أن متاع الدنيا يشبه النبات الذى يكون له نفع وقت قصير هو وقت قوته وبعد ذلك يزول،ويبين له أن فى الآخرة وهى القيامة عذاب شديد أى عقاب عظيم للكفار مصداق لقوله بسورة البقرة "ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"ومغفرة من الله أى رضوان والمراد ورحمة من الرب أى جنة للمؤمنين ،ويبين أن الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى هى متاع الغرور والمراد نفع الخداع وهى لذة المكر للكافر والخطاب حتى الأولاد هو قول للكفار لبعضهم والخطاب كله للنبى(ص)
"سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "المعنى سارعوا إلى رحمة من إلهكم أى جنات وسعها كوسع السموات والأرض جهزت للذين صدقوا بالرب وأنبيائه (ص)تلك رحمة من الله يدخلها من يريد والرب صاحب الرحمة الكبرى ،يطلب الله من الناس التالى أن يسابقوا إلى مغفرة من ربهم والمراد أن يسارعوا إلى نيل رحمة من خالقهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم"وفسر المغفرة بأنها جنة أى حديقة عرضها السماء والأرض والمراد مساحتها هى نفس مساحة السموات والأرض ،أعدت للذين آمنوا بالله ورسله (ص)والمراد جهزت الجنة للذين صدقوا بحكم الله المنزل على أنبيائه(ص)وهم المتقين مصداق لقوله بسورة آل عمران"أعدت للمتقين"،ذلك وهو دخول الجنة هو فضل الله أى رحمة أى أجر الرب مصداق لقوله بسورة الفتح"فسيؤتيه أجرا عظيما"يؤتيه من يشاء والمراد يعطيه من يريد وهو المتقى والله ذو الفضل العظيم والمراد والرب صاحب الرحمة الواسعة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ربكم ذو رحمة واسعة"والخطاب للناس وما بعده.
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد"المعنى ما حدث من حدث فى الأرض ولا فى ذواتكم إلا فى سجل من قبل أن نخلقها إن ذلك على الرب هين لكى لا تحزنوا على ما سبقكم ولا تسروا بما أعطاكم والرب لا يرحم كل متباهى منان الذين يكفرون ويوصون الخلق بالكفر ومن يكفر فإن الرب هو الرازق الشاكر،يبين الله للناس أن ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسهم إلا فى كتاب والمراد أن ما حدث من حادث فى الأرض ولا فى ذواتهم إلا هو مسجل فى سجل هو الكتاب الشامل من قبل أن نبرأه والمراد من قبل أن نخلقه فى وقته المحدد وهذا يعنى علمه بكل شىء قبل حدوثه وذلك وهو العلم على الله يسير أى هين أى سهل مصداق لقوله بسورة مريم"هو على هين "وقد ذكر الله ما سبق لكيلا يأسوا على ما فاتهم والمراد حتى لا يحزنوا على الذى حدث لهم من الأذى ولا يفرحوا بما أتاهم والمراد ولا يسروا بالذى أعطاهم من الخير ويبين لهم أن الله لا يحب كل مختال فخور والمراد لا يثيب أى لا يرحم كل متباهى منان أى كافر ظالم وهم الذين يبخلون أى يمنعون الخير وهو الحق ويأمرون الناس بالبخل والمراد ويوصون الخلق بالمنكر مصداق لقوله بسورة التوبة "يأمرون بالمنكر"ومن يتول والمراد ومن يكفر فإن الله هو الغنى الحميد أى الرزاق الشاكر لمن يطيعه مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين ".
"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزيز "المعنى لقد بعثنا مبعوثينا بالآيات وأوحينا لهم الحكم أى العدل ليعمل الخلق بالعدل وخلقنا الحديد فيه قوة عظيمة وفوائد للخلق وليعرف الرب من يطيعه ومبعوثيه بالخفاء إن الرب متين غالب ،يبين الله أنه أرسل رسله بالبينات والمراد بعث أنبيائه بالآيات وهى المعجزات الدالة على صدقهم مصداق لقوله بسورة البقرة"فبعث الله النبيين"وأنزلنا معهم الكتاب والميزان والمراد وأوحينا لهم الحكم أى العدل ليقوم الناس بالقسط والمراد ليعمل الخلق بالعدل وقد أنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس والمراد ولقد خلقنا معدن الحديد فيه قوة عظيمة وفوائد كثيرة للخلق والسبب فى إرسال الرسل بالكتاب هو أن يعلم الله من ينصره ورسله بالغيب والمراد أن يعرف الرب من يطيعه أى يطيع مبعوثيه خوفا من عذابه فى الخفاء والذى لا يراه ممن يعصاه والله قوى عزيز والمراد والله ناصر غالب على أمره والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون "المعنى ولقد بعثنا نوحا(ص)وإبراهيم (ص)ووضعنا فى شيعتهما الحكم أى الوحى فمنهم راشد وكثير منهم كافرون ،يبين الله أنه أرسل أى بعث كل من نوح(ص)وإبراهيم (ص)وجعل فى ذريتهما النبوة وهى الكتاب والمراد وأبلغ شيعتهما وهم المؤمنين الحكم وهو العدل الممثل فى الوحى المنزل فمن الشيعة مهتد أى مسلم مؤمن ومنهم كثير فاسقون ومنهم كثير كافرون مصداق لقوله بسورة التغابن"فمنكم كافر ومنكم مؤمن".
"ثم قفينا على آثارهم برسلنا بعيسى ابن مريم وأتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون "المعنى ثم أتبعنا على خطاهم بمبعوثينا بعيسى ولد مريم(ص)وأوحينا لهم الإنجيل ووضعنا فى نفوس الذين أطاعوه نفع أى فائدة أى خوفانية اخترعوها ما فرضناها عليهم إلا طلب ثواب الله فما حفظوها واجب حفظها فأعطينا الذين صدقوا منهم ثوابهم وعديد منهم كافرون ،يبين الله أنه قفى على آثار والمراد أنه أرسل على خطا وهو دين نوح(ص)وإبراهيم (ص)برسله وهم مبعوثيه الذى منهم عيسى ابن مريم (ص)الذى أتاه الإنجيل والمراد الذى أوحى له الإنجيل وجعل فى قلوب الذين اتبعوه رأفة أى رحمة والمراد ووضع فى نفوس الذين أطاعوا حكمه نفع أى فائدة ورهبانية ابتدعوها والمراد وخوفانية زائدة اخترعوا أحكامها من عند أنفسهم بحيث لا تخالف حكم الله ما كتبناها عليهم والمراد ما فرضنا طاعتها عليهم وهم اخترعوها ابتغاء رضوان الله والمراد طلبا لثواب الله وهو الجنة فما رعوها حق رعايتها والمراد فما حافظوا عليها واجب حفظها ويبين أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم والمراد أنه أعطى الذين صدقوا منهم ثوابهم وكثير منهم فاسقون والمراد كافرون مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم كافرون"والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله اعبدوا الله أى صدقوا بنبيه(ص)يعطكم حسنتين من فضله ويجعل لكم حكما تحكمون به ويرحمكم والرب نافع مفيد ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول اتقوا الله أى "اعبدوا الله "كما قال بسورة النساء والمراد أطيعوا حكم الله وفسره بقوله آمنوا برسوله أى صدقوا بحكم الله المنزل على نبيه (ص)يؤتكم كفلين من رحمته أى يعطكم حسنتين من فضله حسنة الدنيا وهى النور أى حكم الأرض وحسنة الآخرة وهى الدنيا مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا أتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة "وفسر الكفلين فقال ويجعل لكم نورا تمشون به والمراد ويعطى لكم حكما تحكمون به الأرض وهو حسنة الدنيا ويغفر لكم أى ويرحمكم فى الآخرة والله غفور رحيم والمراد والرب نافع مفيد للمؤمنين والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شىء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "المعنى لكى لا يعرف أصحاب الوحى ألا يملكون من بعض من رحمة الرب وأن الرحمة بحكم الرب يعطيها من يريد والرب صاحب الرحمة الواسعة ،يبين الله للمؤمنين أن إعطاء المؤمنين رحمته هو لئلا أى لكى لا يعلم أهل الكتاب والمراد لكى لا يعرف أصحاب الوحى السابق ألا يقدرون على شىء من فضل الله والمراد أنهم لا يملكون من جزء من رحمة الله وأن الفضل وهو الرحمة بيد الله أى بأمر وهو حكم الله يؤتيه من يشاء والمراد يعطى الرحمة من يريد وهم المؤمنين والله ذو الفضل العظيم والمراد والرب صاحب الرحمة الواسعة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ربكم ذو رحمة واسعة "

الأحد، 28 أكتوبر 2018

تفسير سورة الواقعة

سورة الواقعة
سميت بهذا الاسم لذكر الواقعة بقوله"إذا وقعت الواقعة ".
"بسم الله الرحمن الرحيم إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا "المعنى بحكم الرب النافع المفيد إذا حدثت القيامة ليس بحدوثها كافر مذلة معزة إذا هزت الأرض هزا هزا ونسفت الرواسى نسفا فكانت غبارا منتشرا ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن إذا وقعت الواقعة أى "أزفت الأزفة"كما قال بسورة النجم والمراد إذا حدثت القيامة ليس لوقعتها كاذبة والمراد ليس بحدوثها مكذب وهذا يعنى أن الفرد إذا رأى حدوث القيامة لا يستطيع إنكارها وهى خافضة أى مذلة للكفار رافعة أى معزة للمسلمين ،وإذا رجت الأرض رجا رجا والمراد إذا زلزلت الأرض زلزلة زلزلة مصداق لقوله بسورة الزلزلة"إذا زلزلت الأرض زلزالها"وبست الجبال بسا والمراد ونسفت الرواسى نسفا فكانت هباء منبثا والمراد فكانت غبارا منتشرا مصداق لقوله بسورة طه "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا"يحدث الحساب بعد هذه الأحداث والخطاب وما بعده للناس مؤمنين وكفار.
"وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخرين "المعنى وكنتم فرقا ثلاثة فسكان اليمين هم ملاك الجنة وسكان الشمال هم أهل النار والمسارعون الأعلون أولئك الدانون فى حدائق المتاع قليل من السابقين وقليل من المتأخرين ،يبين الله لنبيه(ص) أنهم فى يوم القيامة ثلاثة فرق هى أصحاب الميمنة وهم سكان الجنة وهم أصحاب الميمنة وهم ملاك الجنة وأصحاب المشئمة وهم سكان الشمال وهم أصحاب المشئمة والمراد أهل النار والمقربون المقربون وهم السابقون إلى الخيرات هم المقربون أى الأعلون فى جنات النعيم أى فى حدائق المتاع وهم ثلة من الأولين أى قليل من السابقين زمنيا وقليل من الأخرين أى قليل من المتأخرين فى الزمن والجنة مقسمة لطبقتين أى درجتين درجة للمجاهدين وهم المقربون ودرجة للقاعدين وهم أصحاب اليمين مصداق لقوله بسورة النساء"فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة ".
"على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما سلاما سلاما "المعنى على فرش مرفوعة راقدين عليها متلاقين يدور عليهم غلمان مقيمون بكئوس وأباريق وكوب من خمر لا ينتهون عنها ولا ينقطعون وفاكهة مما يختارون ولحم طير مما يحبون وقاصرات الطرف كأشباه اللؤلؤ المخفى ثواب بما كانوا يحسنون لا يعلمون فيها باطلا ولا زورا إلا قولهم خيرا خيرا ،يبين الله لنبيه(ص)أن المقربين فى الجنة على أسرة موضونة أى على فرش مرفوعة عن الأرض أى مصفوفة مصداق لقوله بسورة الغاشية "فيها سرر مرفوعة"وهم متكئين عليها متقابلين والمراد راقدين على الفرش متلاقين ويطوف عليهم ولدان مخلدون والمراد ويدور عليهم غلمان مقيمون فى الجنة بأكواب أى كئوس أى أباريق أى كأس أى كوب من معين وهو الخمر اللذة مصداق لقوله بسورة الطور"يطوف عليهم غلمان لهم" وهم لا يصدعون عنها ولا ينزفون والمراد لا ينتهون عن شربها أى لا ينقطعون عن تناولها ،ويدورون عليهم بفاكهة مما يتخيرون أى من الذى يشتهون ويدورون عليهم بلحم طير مما يشتهون أى من الذى يحبون ،ولهم فى الجنة حور عين أى غضيضات البصر والمراد نساء جميلات كأمثال اللؤلؤ المكنون والمراد كأشباه الدر المخفى وهذا يعنى أن جمالهن موجود فى الخيام التى تخفيهن عن أعين غير صاحبهم وكل هذا جزاء بما كانوا يعملون والمراد ثواب بالذى كانوا يحسنون فى الدنيا ،وهم لا يسمعون فى الجنة إلا قيلا سلاما سلاما والمراد وهم لا يعرفون فى الجنة حديثا إلا حديث خير خير وهذا يعنى أن الكلام فى الجنة كله طيب ليس فيه لغو أى تأثيم والمراد باطل أى كذب أى زور .كوابأ
"وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين فى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الأخرين "المعنى وسكان الجنة هم سكان السعد فى نبق مقطع وموز مرصوص وظل دائم وماء متتالى وفاكهة دائمة لا مبتورة أى ليست محرمة وسرر مصفوفة إنا خلقناهن خلقا فجعلناهن عذراوات حسان متساويات لأهل الجنة جماعة من السابقين وجماعة من المتأخرين ،يبين الله لنبيه(ص)أن أصحاب اليمين وهم سكان الدرجة الثانية فى الجنة هم أصحاب اليمين أى أهل السعادة يقيمون فى سدر مخضود أى فى أكل للنبق المقطوع شوكه حيث لا ينبت فى شجره شوك كما فى الدنيا والطلح المنضود وهو الموز المرصوص الثمار وهم تحت ظل ممدود أى خيال مبسوط وهم فى شرب لماء مسكوب أى ماء مصبوب باستمرار وهم فى أكل لفاكهة كثيرة أى فاكهة متنوعة لا مقطوعة وفسرها بأنها لا ممنوعة أى ليست محرمة عليهم أى لا أحد يقدر على إمساكها عنهم وهم فى اتكاء على فرش مرفوعة أى على أسرة عالية عن الأرض والله أنشأ الحور إنشاء والمراد إن الله خلق الجميلات خلقا فجعلهن أبكارا عربا أترابا والمراد عذراوات حسان متساويات فى الحسن وقد خلقهن الله لأصحاب اليمين وهم أهل السعادة والذين هم ثلة من الأولين أى قليل من السابقين زمنيا وثلة من الأخرين والمراد وقليل من المتأخرين زمنيا .
"وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال فى سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم "المعنى وأهل الشؤم هم سكان النار فى نيران وغساق وخيال من شرر لا واقى ولا مانع إنهم كانوا قبل ذلك متمتعين وكانوا يعزمون على الكفر المستمر ،يبين الله لنبيه(ص) أن أصحاب الشمال وهم سكان المشئمة وهى النار هم أصحاب الشمال أى أهل الألم كما قال بالسورة "وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة "وهم يسكنون فى سموم أى نيران،وحميم وهو غساق أى سائل الشرب والغسل وهو سائل حارق ،ظل من يحموم لا بارد ولا كريم والمراد خيال من شرر لا مغنى أى لا مانع من اللهب مصداق لقوله بسورة المرسلات"انطلقوا إلى ظل ذى ثلاث شعب لا ظليل ولا يغنى من اللهب"وهذا يعنى أن الظل يصب عليهم النار من فوقهم فلا يمنع عنهم لهب،والسبب فى معيشتهم هذه أنهم كانوا قبل ذلك مترفين والمراد أنهم كانوا قبل الآخرة فى الدنيا متمتعين بمتاعها وكانوا يصرون على الحنث العظيم والمراد وكانوا يثبتون على الكفر المستمر وهذا يعنى موتهم على الكفر .
"وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والأخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم "المعنى وكانوا يقولون هل إذا توفينا وكنا فتاتا وعظاما هل إنا لأحياء أو آباؤنا السابقون؟قل إن السابقين والمتأخرين لمحشورون إلى موعد يوم معروف لله ،يبين الله لنبيه (ص)أن أهل الشمال كانوا يقولون فى الدنيا :أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون والمراد هل إذا هلكنا وكنا غبارا وعظاما مفتتة هل إنا عائدون للحياة مرة أخرى أو آباؤنا السابقون؟وهذا يعنى أنهم يكذبون بالبعث ،ويطلب الله من نبيه (ص) أن يقول للكفار:إن الأولين وهم السابقين فى الزمن والأخرين وهم المتأخرين فى الزمن لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم والمراد لمبعوثون فى موعد يوم معروف لله وحده والخطاب للنبى(ص) .
"ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لأكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين "المعنى ثم إنكم أيها الظالمون الكافرون لطاعمون من ثمر من ضريع فمعبئون منها الأجواف فمسقون عليه من الغساق فمسقون سقى العطاش هذا مقامهم يوم الحساب ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار :ثم إنكم أيها الضالون المكذبون أى الظالمون الكافرون بحكم الله لأكلون من شجر من زقوم والمراد لطاعمون من ثمر من شجر الضريع مصداق لقوله بسورة الغاشية "ليس لهم طعام إلا من ضريع"فمالئون منها البطون والمراد فمعبئون أى فمكملون منها الأجواف فشاربون عليه من الحميم والمراد فمسقون عليه من الغساق وهذا يعنى أنهم متناولون بسبب أكل الزقوم عصير من الغساق الحارق فشاربون شرب الهيم والمراد فمسقون سقى العطاش وهذا يعنى أنهم يشربون شرب الإبل العطشانة لأن الزقوم يجعلهم يعطشون رغم أن الغساق حارق لهم ،هذا نزلهم يوم الدين والمراد هذا جزاءهم يوم الحساب والخطاب للكفار على لسان النبى(ص) حتى هذا فهى له ولنا
"نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون"المعنى نحن أنشأناكم فلولا تؤمنون أعلمتم الذى تقذفون أأنتم تنشئونه أم نحن المنشئون نحن فرضنا عليكم الوفاة وما نحن بممنوعين أن نخلق غيركم فيما لا تعرفون ولقد عرفتم الخلقة السابقة فلولا تفهمون،يبين الله للناس التالى :نحن خلقناكم فلولا تصدقون والمراد نحن أبدعناكم فلولا تشكرون مصداق لقوله بسورة الواقعة "فلولا تشكرون"وهذا يعنى أن الله خلقهم ليصدقوه أى يشكروه أى يعبدوه،أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون والمراد أتعرفون ما تقذفون فى الجماع هل أنتم تنشئونه" أم نحن المنشئون "كما قال بنفس السورة؟ والغرض من السؤال إخبار الناس أن المنى الذى ينخلق منه الإنسان الله هو خالقه وليس الإنسان الذى لا يقدر على خلقه مهما فعل ،نحن قدرنا بينكم الموت والمراد نحن أوجبنا عليكم الوفاة مصداق لقوله بسورة آل عمران "كل نفس ذائقة الموت "وما نحن بمسبوقين والمراد وما نحن بعاجزين على أن نبدل أمثالكم والمراد وما نحن بعاجزين عن أن نخلق غيركم وهذا يعنى أن الله قادر على خلق غيرهم ،وننشئكم فيما لا تعلمون والمراد ونخلقكم فى الذى لا تعرفون ،وهذا يعنى أنه يحييهم فى الذى يجهلون وهو القيامة التى يكذبون بها ،ولقد علمتم النشأة الأولى والمراد ولقد عرفتم الحياة السابقة فلولا تذكرون أى فلولا تعقلون والغرض من القول هو إخبارهم أنهم عرفوا مما خلقهم الله فى الدنيا والواجب عليهم هو الذكر وهو طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للناس.
"أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون"المعنى أفعلمتم الذى تفلحون أأنتم تنمونه أم نحن المنمون ؟لو نريد لجعلناه مدمرا فاستمررتم تقولون إنا لمثقلون بل نحن ممنوعون ،يسأل الله الناس أفرأيتم ما تحرثون والمراد أعرفتم الذى تضعون فى التراب أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون والمراد هل تنبتونه أم نحن المنبتون؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن ما يضعونه فى التراب من بذور وأنوية للنباتات لا يقدرون على إنباته أى خلقه وإخراجه والله وحده هو المنبت المخرج له ،لو نشاء لجعلناه حطاما والمراد لو نريد لجعلنا النبات مدمرا فظلتم تفكهون والمراد فاستمررتم تقولون بعد تدميره :إنا لمغرمون أى لمثقلون أى لمتعبون بل نحن ممنوعون والمراد إنما نحن جائعون .
"أفرأيتم الماء الذى تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون "المعنى أعلمتم الماء الذى تسقون هل أنتم أسقطتموه من السحاب أم نحن المسقطون ؟لو نريد خلقناه مالحا فلولا تطيعون،يسأل الله الناس أفرأيتم الماء الذى تشربون والمراد أعرفتم المياه التى تسقون أى تروون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون والمراد هل أنتم أسقطتموه من السحاب أم نحن المسقطون؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن الماء الذى يتناولونه لم ينزلوه من السحاب وإنما الله هو الذى أنزله من السحاب،لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون والمراد لو نريد حولناه مالحا فلولا تعقلون،وهو يبين لهم أنه لو أراد لحول الماء العذب لماء مالح ولكنه لم يرد والواجب عليهم هو شكر الله وهو طاعة حكم الله .
"أفرأيتم النار التى تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاع للمقوين "المعنى أعلمتم الوقود الذى تشعلون أأنتم خلقتم أصلها أم نحن الخالقون؟نحن خلقناها عبرة ونفعا للمستخدمين،يسأل الله الناس أفرأيتم النار التى تورون والمراد أعرفتم الوقود الذى توقدون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون والمراد هل أنتم خلقتم أصلها "أم نحن الخالقون"كما قال بنفس السورة ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن الله هو الذى خلق شجرة النار وهى مواد الوقود الذى يشعلونه على مختلف أنواعه وليس هم ،نحن جعلناها تذكرة ومتاع للمقوين والمراد نحن خلقناها آية أى برهان على قدرة الله ونفع للمستخدمين لها والخطاب وما قبله للناس.
"فسبح باسم ربك العظيم "المعنى فاعمل بوحى إلهك الكبير ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسبح باسم ربه العظيم والمراد أن يعمل بحمد أى بحكم خالقه الكبير مصداق لقوله بسورة الحجر"فسبح بحمد ربك"والخطاب للنبى(ص).
"فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين "المعنى أحلف بمواضع الكواكب وإنه لحلف لو تعرفون كبير إنه لكتاب عظيم فى سجل محفوظ لا يلمسه سوى المزكون إلقاء من إله الخلق،يقسم الله فيقول فلا أقسم بمواقع النجوم والمراد أحلف بمواضع المصابيح فى السماء ويبين أنه قسم لو يعلمون عظيم والمراد أنه حلف لو يعرفون كبير وهو يحلف على التالى إن الوحى هو قرآن كريم فى كتاب مكنون والمراد كتاب مجيد فى لوح محفوظ مصداق لقوله بسورة البروج"بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ "لا يمسه إلا المطهرون والمراد لا يلمسه سوى المزكون والمراد يمسك بصحف القرآن فى اللوح المحفوظ فى الكعبة الحقيقية المسلمون الطاهرون حقا ولا يقدر على ذلك كافر وهو تنزيل من رب العالمين والمراد وهو وحى من خالق الكل والخطاب للناس وما بعده.
"أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون "المعنى أفبهذا القرآن أنتم مكذبون أى تقررون أن منفعتكم أنكم تكفرون ،يسأل الله الناس أفبهذا الحديث أنتم مدهنون والمراد هل بهذا القرآن أنتم كافرون أى تجعلون رزقكم أنكم تكذبون أى تحكمون أن نفعكم أن تكفرون ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بكفرهم بالحديث وهو القرآن الذى قرروا أن رزقهم وهو منفعتهم أى مصلحتهم هى التكذيب به .
"فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين "المعنى فلولا إذا وصلت الحنجرة وأنتم عند ذلك تبصرون ونحن أدنى إليه منكم ولكن لا تشعرون فلولا إن كنتم مذنبين تعيدونها إن كنتم عادلين،يبين الله للناس أن النفس إذا بلغت الحلقوم وهو الحنجرة أى التراقى مصداق لقوله بسورة القيامة"كلا إذا بلغت التراقى"وأنتم حينئذ تنظرون والمراد وأنتم وقت هذا ترون الميت ونحن أقرب إليه منكم والمراد ونحن أعلم به منكم مصداق لقوله بسورة ق"ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"ولكن لا تبصرون أى لا ترون هذا فلولا إذا كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين والمراد فلولا إن كنتم غير مذنبين تعيدونها إن كنتم عادلين فى قولكم ،والغرض من القول إخبار الناس أنهم يرون موت الواحد منهم وهم لا يقدرون على إعادته للحياة مرة أخرى والخطاب للناس .
"فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين "المعنى فأما إن كان من السابقين فرحمة أى نفع حديقة متاع وأما إن كان من سكان السعادة فخير لك من سكان السعادة ،يبين الله للنبى(ص) أن الميت إن كان من المقربين وهم السابقين أى المجاهدين فله روح أى ريحان أى رحمة أى جنة نعيم أى حديقة متاع وأما إن كان من أصحاب اليمين وهم سكان الدرجة الثانية من الجنة فسلام لك من أصحاب اليمين والمراد فخير لك من أهل السعادة فى الجنة والخطاب للنبى(ص)وما بعده وما بعده.
"وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم "المعنى وأما إن كان من الكافرين الظالمين فمقام من عذاب أى ذوق نار ،يبين الله لنبيه (ص)أن الميت إن كان من المكذبين أى الضالين وهم الكافرين الظالمين فنزل من حميم أى فمكان من نار أى تصلية جحيم أى ذوق عذاب
"إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم "المعنى إن هذا لهو صدق البعث فاعمل بحكم إلهك الكبير،يبين الله لنبيه (ص)أن هذا وهو الثواب والعقاب هو حق اليقين أى حكم البعث وهى الحياة الأخرى ويطلب منه أن يسبح باسم ربه العظيم والمراد أن يعمل بحكم وهو حمد خالقه الكبير مصداق لقوله بسورة الحجر"فسبح بحمد ربك"

السبت، 27 أكتوبر 2018

تفسير سورة الرحمن

سورة الرحمن
سميت بهذا الاسم لذكر الرحمن فيها بقوله "الرحمن علم القرآن".
"بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان "المعنى بحكم الرب النافع المفيد النافع عرف الكتاب أبدع الفرد عرفه الكلام،يبين الله للجن والإنس أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب النافع المفيد هو أن الرحمن علم القرآن والمراد أن النافع أنزل الكتاب وهو الوحى مصداق لقوله بسورة الإنسان"إنا نحن نزلنا القرآن تنزيلا"وخلق الإنسان والمراد وأنشأ آدم (ص)فعلمه البيان أى فعرفه الكلام وهو الأسماء مصداق لقوله بسورة البقرة"وعلم آدم الأسماء كلها "والخطاب فى كل السورة للجن والإنس.
"الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا فى الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"المعنى الشمس والقمر بتقدير والنجم والشجر يطيعان والسماء علاها وشرع العدل ألا تكفروا بالعدل أى أطيعوا الحكم بالعدل أى لا تخالفوا العدل،يبين الله للجن والإنس أن الشمس والقمر بحسبان والمراد يجريان بتقدير معين بحيث لا يلحق أحدهم بالأخر وخلق النجم وهو الكواكب فى السماء والشجر وهو النبات فى الأرض يسجدان أى يطيعان حكم الله وخلق السماء فرفعها أى فعلاها عن الأرض ووضع الميزان أى وشرع قانون الرفع ويطلب الله من الناس ألا يطغوا فى الميزان والمراد ألا يكذبوا بالعدل ويفسر هذا بأن يقيموا الوزن بالقسط والمراد أن يطيعوا العدل بالإخلاص وهو تصديقه وفسره بألا يخسروا الميزان أى ألا يخالفوا الحكم وهو العدل .
"والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى والأرض خلقها للناس فيها فاكهة والنخل ذات الثمار والحب صاحب الورق والريحان فبأى آيات إلهكما تكفران ،يبين الله للجن والإنس أن الأرض وضعها للأنام والمراد خلقها للناس مصداق لقوله بسورة البقرة"هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا "وهذا يعنى عدم صلاحية أى مكان غير الأرض لمعيشة الناس وفيها فاكهة وهى نباتات يختلف البشر فى تصنيفها والنخل ذات الأكمام والمراد صاحبة الطلع وهو ثمار البلح والحب ذو العصف والمراد ومحاصيل الحبوب صاحبة الورق المغلف للحبوب والريحان وهو الزرع صاحب الرائحة ويسألهما الله فبأى آلاء ربكما تكذبان أى فبأى آيات خالقكما تكفران ؟والغرض من السؤال هو إخبار الجن والإنس بواجبهم وهو عدم الكفر بأى شىء من آيات الله ولن نكرر تفسير السؤال مرة أخرى فى السورة .
"خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأى ألاء ربكما تكذبان "المعنى أبدع البشر من طين كالخزف وأبدع الجان من بقايا من نار فبأى آيات إلهكما تكفران ؟يبين الله للناس أنه خلق أى أنشأ الإنسان وهو آدم (ص)من صلصال أى طين وهو يشبه الفخار وهو الخزف أى الطين المشوى مصداق لقوله بسورة ص"إنى خالق بشرا من طين "وخلق الجان والمراد وأنشأ الجان وهو أبو الجن من مارج من نار والمراد من بقايا من وقود والمراد من التراب المتخلف عن النار .
"رب المشرقين ورب المغربين فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى خالق المنيرين وخالق المغيبين فبأى آيات إلهكما تكفران؟ يبين الله للناس أن الله رب المشرقين أى خالق المنيرين ورب المغربين وهم المظلمين وهما نصفى الكرة الأرضية فالنصف الأول يكون مشرقا والنصف الثانى يكون مظلما ثم يتبادلان المواقع ومن ثم فهما مشرقان ومغربان فى نفس الوقت
"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأى آلاء ربكما تكذبان وله الجوار المنشئات فى البحر كالأعلام فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى ماء النهرين يتقابلان بينهما حاجز لا يطغيان فبأى آيات إلهكما تكفران؟وله السائرات المبنيات فى الماء كالرايات فبأى آيات إلهكما تكفران ،يبين الله للناس أن مرج البحرين يلتقيان والمراد أن ماء البحرين العذب والمالح يتقابلان بينهما برزخ لا يبغيان والمراد بينهما حاجز لا يجعلهما يختلطان وإنما كل واحد منهما واقف عند مكان التقابل مصداق لقوله بسورة النمل"وجعل بين البحرين حاجزا"،والله له الجوار المنشئات فى البحر كالأعلام والمراد والله يملك السفن السائرات المبنيات فى الماء وهن يشبهن الرايات المهتزة بفعل الهواء .
"كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى كل من فوقها ميت ويظل جزاء إلهك صاحب العظمة أى الكبرياء فبأى آيات إلهكما تكفران،يبين الله لنبيه (ص)أن كل من عليها فان والمراد أن كل نفس فوق الأرض ميتة مصداق لقوله بسورة آل عمران"كل نفس ذائقة الموت "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام والمراد ويظل جزاء الله وهو الجنة والنار موجودا بدليل قوله تعالى فى سورة ص "هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد "والله هو صاحب العظمة أى الكبرياء.
"يسئله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى يطالبه من فى السموات والأرض كل وقت هو فى حكم فبأى آيات إلهكما تكفران ؟يبين الله للناس أن من فى السموات والأرض يسألون الله والمراد يدعون الله طالبين منه ما يريدون وهو كل يوم فى شأن والمراد والله كل وقت هو فى إصدار للأوامر وهى الأحكام فى الخلق
"يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان مبين فبأى آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى يا أفراد الجن والبشر إن قدرتم أن تخرجوا من أبواب السموات والأرض فاخرجوا لا تخرجون إلا بقوة عظمى فبأى آيات إلهكما تكفران يبعث لكما قطع من نار ونحاس فلا تغلبان فبأى آيات إلهكما تجحدان؟ ،يخاطب الله الناس فيقول:يا معشر أى يا أفراد الجن والإنس:إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض والمراد إن قدرتم أن تخرجوا من طبقات السموات والأرض وهذا يعنى أن يخرجوا من طبقة إلى طبقة أعلى أو أسفل من طبقات السموات السبع أو طبقات الأرض السبع فهم لا يخرجون من الكون ، فانفذوا أى فاخرجوا ،لا تنفذون إلا بسلطان مبين والمراد لا تخرجون إلا باختراع عظيم وهذا يعنى أن يخترعوا آلة عظيمة للسفر وفى حاله النفاذ يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس والمراد يبعث عليكم قطع من نار ونحاس تدمركم فلا تنتصران أى فلا تهربان والمراد فلا تقدران على الهرب منى وهذا يعنى أن كل صعود للسماء أو نزول للأرض مقضى عليه فلا أحد ينجو من الهلاك فيهما.
"فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى فإذا انفتحت السماء فكانت وردة كالطلاء فبأى آيات إلهكما تكفران ؟يبين الله للناس أن السماء إذا انشقت أى تفتحت فى يوم القيامة أبوابا مصداق لقوله بسورة النبأ"وفتحت السماء فكانت أبوابا"فكانت وردة كالدهان والمراد فأصبحت متفتحة مثل الدهان وهو الطلاء الذى كله خروم .
"فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى فيومذاك لا يستخبر عن خطيئة إنس ولا جان فبأى آيات إلهكما تجحدان ؟يبين الله للناس أن يوم القيامة لا يسئل عن ذنبه والمراد لا يستفهم عن جريمته إنس ولا جان فكل واحد يعرف جريمته .
"يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والأقدام فبأى آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى يعاقب الكافرون بسيئاتهم فيمسك بالرءوس والأرجل فبأى آيات إلهكما تكفران ؟هذه النار التى يكفر بها المكذبون يدورون بينها وبين غساق مؤلم فبأى مخلوقات خالقكما تجحدان؟يبين الله للناس أن فى يوم القيامة يعرف المجرمون بسيماهم والمراد يعذب الكافرون بذنوبهم فيؤخذ بالنواصى والأقدام والمراد فيمسك بالرءوس والأرجل والمراد فيربطون من رقابهم وأرجلهم ويقال للمسلمين هذه جهنم أى النار التى يكذب بها المجرمون والمراد التى يكفر بها الكافرون يطوفون بينها وبين حميم آن والمراد يدورون فى النار وفى الغساق المحرق لهم .
"ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى ولمن خشى عذاب خالقه حديقتان فبأى آيات إلهكما تجحدان صاحبتا أشجار فبأى آيات خالقكما تكفران فيهما نهران يتحركان فبأى آيات إلهكما تجحدان فيهما من كل متاع نوعان فبأى آيات خالقكما تكفران؟يبين الله للناس أن لمن خاف مقام ربه جنتان والمراد لمن خشى عذاب خالقه حديقتان فى الآخرة وهما ذواتا أفنان والمراد صاحبتا أشجار والمراد فيهم نباتات كبيرة وفيهما عينان تجريان والمراد نهران يتحركان صاحبا أشربة لذيذة وفيهما من كل فاكهة أى نوع للمتاع زوجان أى صنفان متشابه وغير متشابه.
"متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأى آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى راقدين على أسرة حشاياها من حرير وثمر الحديقتين قريب فبأى آيات إلهكما تجحدان فيهن غضيضات البصر لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان فبأى آيات خالقكما تكفران كأنهن الياقوت والمرجان فبأى آيات ربكما تكفران ،يبين الله للناس أن المسلمين متكئين على فرش بطائنها من استبرق والمراد راقدين على أسرة حشاياها وهى المراتب والمخدات من حرير له بريق وجنى الجنتين دان والمراد وثمر وهو قطوف الأشجار ذليل أى قريب مصداق لقوله بسورة الإنسان"وذللت قطوفها تذليلا"وفى الحدائق قاصرات الطرف وهن غضيضات البصر لم يطمثهن أى لم يجامعهن إنس من قبلهم ولا جان وهذا يعنى أن هذه النساء ليست نساء الدنيا على حالتهن فى الدنيا وإنما هن نساء الدنيا مع خلقهن من جديد عربا أترابا وهن يشبهن الياقوت والمرجان فى تعدد أشكالهن وألوانهن .
"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى هل ثواب الصلاح إلا الجنة فبأى آيات إلهكما تكفران ؟يسأل الله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان والمراد هل ثواب الإسلام سوى الجنة ؟والغرض من السؤال إخبار الناس أن جزاء الإسلام هو الجنة.
"ومن دونهما جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأى ألاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاحتان فبأى ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأى ألاء ربكما تكذبان حور مقصورات فى الخيام فبأى آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأى آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقرى حسان فبأى آلاء ربكما تكذبان "المعنى ومن بعدهما حديقتان فبأى آيات خالقكما تجحدان خضراوان فبأى آيات إلهكما تكفران فيهما نهران معطيان فبأى آيات خالقكما تجحدان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأى آيات إلهكما تكفران فيهن منافع جميلات فبأى آيات إلهكما تجحدان حسان مقيمات فى البيوت فبأى آيات إلهكما تجحدان لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان فبأى آيات خالقكما تكفران مستريحين على أسرة حرير ونمارق جميلة فبأى آيات إلهكما تجحدان؟يبين الله للناس أن من دون الجنتين جنتان والمراد أن من بعد الحديقتين حديقتان أقل درجة منهما مدهامتان وهما خضراوان اللون فيهما عينان نضاحتان والمراد نهران متحركان بالأشربة اللذيذة وفيهما فاكهة أى نباتات مشتهاة وثمار نخل ورمان وفيهن خيرات حسان والمراد وفيهن نساء جميلات حور مقصورات فى الخيام والمراد غضيضات الطرف مقيمات فى البيوت وهى قصور الجنة لم يطمثهن أى لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان وهم متكئين على رفرف خضر والمراد وهم راقدين على فرش من حرير أخضر اللون وعلى عبقرى حسان والمراد وعلى وسائد جميلات الشكل
"تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام "المعنى دام حكم إلهك صاحب العظمة أى الكبرياء،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الرب وهو حكم الله وهو الجنة والنار قد تبارك أى دام أى بقى موجودا والله هو ذو الجلال أى الإكرام والمراد صاحب العظمة وهى الكبرياء

الجمعة، 26 أكتوبر 2018

تفسير سورة القمر


سورة القمر
سميت بهذا الاسم لذكر القمر بقوله "وانشق القمر "
"بسم الله الرحمن الرحيم اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغنى النذر"المعنى بحكم الرب النافع المفيد وقعت الواقعة وانفلق القمر وإن يعلموا حكما يتولوا ويقولوا خداع دائم أى كفروا أى أطاعوا شهواتهم وكل حكم دائم ولقد أتاهم من الأخبار ما فيه نهى قول واصل فما تمنع الأخبار ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن الساعة اقتربت والمراد أن القيامة وقعت مصداق لقوله بسورة الواقعة "وقعت الواقعة"وانشق القمر والمراد وانفلق القمر فى يوم القيامة ،ويبين له أن الكفار إن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر والمراد إن يعلموا حكما يكفروا ويقولوا مكر دائم والمراد لا يؤمنوا به مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها " وفسر الله تعرضوا بقوله كفروا أى كذبوا الحكم وفسرها بأنهم اتبعوا أهواءهم والمراد أطاعوا شهواتهم مصداق لقوله بسورة النساء"واتبعوا الشهوات"وهى الظنون الباطلة وكل أمر مستقر والمراد وكل حكم أى نبأ دائم مصداق لقوله بسورة الأنعام"لكل نبأ مستقر"ويبين له أنهم جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر والمراد أتاهم من الأخبار ما فيه مبعد عن الباطل وهى حكمة بالغة أى قول أى وحى واصل لهم وما تغن النذر والمراد وما تمنع الأخبار من الكفر إذا لم يعمل الإنسان بها والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)
"فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شىء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر"المعنى فأعرض عنهم يوم ينادى النافخ إلى أمر غريب مذلولة أنفسهم يطلعون من القبور أحياء كأنهم جراد منثور مستجيبين للمنادى يقول المكذبون هذا يوم صعب ،يبين الله لنبيه (ص)أن يتول عنهم والمراد أن يعرض عنهم والمراد أن يتركهم يوم يدع الداع إلى شىء نكر والمراد يوم ينفخ النافخ فى الصور أى يوم ينقر الناقر فى الناقور مصداق لقوله بسورة المدثر"فإذا نقر فى الناقور"وهو يناديهم إلى أمر غريب لهم وهو البعث ويكونون خشع الأبصار والمراد ذليلى النفوس ساعتها يخرجون من الأجداث سراعا والمراد يقومون من القبور أحياء كأنهم جراد منتشر والمراد وهم يشبهون فى كثرتهم الجراد المنثور وهم مهطعين إلى الداع والمراد وهم مستجيبين إلى نداء المنادى يقول الكافرون وهم المكذبون بحكم الله :هذا يوم عسر أى شديد أى صعب أى غير يسير .
"كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجرى بأعيينا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابى ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "المعنى كفرت قبلهم ناس نوح(ص)فكفروا بمملوكنا وقالوا سفيه وانتهى فنادى إلهه أنى مهزوم فأيد فشققنا منافذ السحاب بماء نازل وفتحنا الأرض أنهارا فتقابل الماء على حكم قد حسب وأركبناه على صاحبة ألواح وحديد تسير برعايتنا ثواب لمن كان كذب ولقد تركناها عظة فهل من متعظ فكيف كان عقابى أى عذابى ؟ولقد وضحنا القرآن للطاعة فهل من مطيع ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن قبل الكفار فى عهدك كذبت قوم نوح والمراد كفر شعب نوح(ص)فكذبوا عبدنا أى كفروا بمملوكنا نوح(ص)وقالوا عنه مجنون أى سفيه وازدجر أى امتنع عن قولك لنا،فدعا ربه والمراد فنادى خالقه فقال أنى مغلوب فانتصر والمراد أنى مقهور فأيدنى بقدرتك ،فاستجاب الله له ففتح أبواب السماء بماء منهمر والمراد والمراد فشق منافذ السحاب بماء ساقط وفجر الأرض عيونا والمراد وأفاض الأرض أنهارا وهذا يعنى أن الماء سقط من السحاب وجعل أنهار الأرض تفيض فالتقى الماء على أمر قد قدر والمراد فتقابل الماء النازل بالماء الصاعد على حكم قد قضى من الله وحملناه على ذات ألواح ودسر والمراد وأركبناه فى صاحبة ألواح وحديد وهى السفينة وهى تجرى بأعين الله والمراد وهى تتحرك فى المياه بعناية وهى قدرة الله جزاء لمن كان كفر والمراد ثواب أى نجاة لمن كذب من الكفار وهو نوح(ص)ومن معه وقد تركناها آية والمراد ولقد جعلنا قوم نوح(ص)عظة للقادمين بعدهم فهل من مدكر أى فهل من متعظ بما حدث لهم ،ويسأل فكيف كان عذابى ونذر والمراد فكيف كان عقابى أى عذابى ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن عذابه شديد ويبين أنه قد يسر القرآن والمراد قد بين الحكم للذكر وهو الطاعة فهل من مدكر أى فهل من مطيع للقرآن ؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس أن واجبهم نحو القرآن هو طاعته والخطاب وما بعده من القصص للنبى(ص) ومنه للناس.
"كذبت عاد فكيف كان عذابى ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابى ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "المعنى كفرت عاد فكيف كان عقابى أى عذابى ؟إنا بعثنا عليهم ريحا مهلكة فى يوم أذى دائم تقلع البشر كأنهم جذور نخل مقلوب فكيف كان عقابى أى عذابى ؟ولقد بينا الكتاب للطاعة لها من مطيع؟يبين الله لنبيه (ص)أن عاد كذبت أى كفرت بحكم الله ويسأل فكيف كان عذابى أى نذر والمراد كيف كان عقابى أى عذابى؟والغرض من السؤال بيان شدة عقابه للكفار ،وعقابى إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر والمراد إنا بعثنا لهم هواء مؤذيا فى أيام أذى دائم وهذا يعنى أنهم هلكوا بالريح الصرصر وهى تنزع الناس أى تقلع الناس والمراد تحرك البشر كأنهم أعجاز نخل منقعر والمراد كأنهم جذور نخل مقلوب وهذا يعنى أنهم راقدين بلا حراك على الأرض رقدة النخل المقلوب وكرر الله سؤاله السابق ،وكرر القول ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر والمراد ولقد بينا آيات الكتاب للطاعة مصداق لقوله بسورة الحديد"قد بينا الآيات "فهل من مدكر أى مطيع ؟والغرض من السؤال هو تعريف الناس أن واجبهم نحو القرآن هو طاعة أحكامه .
"كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفى ضلال وسعر أألقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابى ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"المعنى كفرت ثمود بالآيات فقالوا أإنسانا منا واحدا نطيعه إنا إذا لفى كفر أى خسار ،أأوحى له الوحى من بيننا؟بل هو مفترى شرير ،سيعرفون مستقبلا من هو المفترى الشرير،إنا خالقوا الناقة بلاء لهم فانتظرهم وأطع وأخبرهم أن الماء شركة بينهم كل شراب حاضر فدعوا صديقهم فأخذ فقتل فكيف كان عقابى أى عذابى؟إنا بعثنا عليهم عقوبة واحدة فكانوا كحطام الزرع ولقد بينا الكتاب للطاعة فهل من مطيع؟يبين الله لنبيه (ص)أن ثمود كذبت بالنذر والمراد كفرت بالآيات المعطاة للرسل (ص)فقالوا :أبشرا منا واحدا نتبعه والمراد أإنسانا واحدا منا نطيعه؟وهذا يعنى أنهم لن يطيعوا الرسول لأنهم إذا لفى ضلال أى سعر والمراد كفر أى خسار وهذا يعنى أنهم يعتبرون طاعتهم للرسول خسارة لهم ،أألقى عليه الذكر من بيننا والمراد هل أوحى له الوحى من وسطنا؟وهذا يعنى تكذيبهم بعث الله للرسول لأنه ليس معقولا عندهم أن يختاره الله من وسطهم ،بل هو كذاب أشر والمراد إنما هو مفترى مجرم وهذا يعنى أنهم يتهمونه بالكذب على الله وأنه مجرم عتيد ،ويرد الله عليهم فى وحيه لصالح (ص)قائلا :سيعلمون غدا من الكذاب الأشر والمراد سيعرفون فى المستقبل من المفترى المجرم عند نزول العذاب عليهم ،إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم والمراد إنا خالقوا الناقة اختبار لهم وهذا يعنى أنه أرسل لهم معجزة هى الناقة ،فارتقبهم أى فانتظر ما يفعلون بها واصطبر أى وأطع حكمى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم والمراد وأخبرهم أن ماء البلد شركة بينهم وبين الناقة لها يوم ولهم يوم كل شرب محتضر أى كل موعد شراب لهم ولها معلوم فكانت النتيجة أن نادوا صاحبهم والمراد دعوا صديقهم فتعاطى فعقر والمراد أخذ عدة القتل فذبح الناقة فكيف كان عذابى أى نذر والمراد فكيف كان عقابى أى عذابى؟والغرض من السؤال بيان شدة عقابه للكفار ،إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة والمراد إنا بعثنا عليهم طاغية أى رجفة أى زلزلة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر والمراد فأصبحوا شبه حطام الزرع وهذا يعنى أن أجسامهم تكسرت كتكسر النبات المحطم ،ويبين أنه يسر القرآن للذكر فهل من مدكر والمراد أنه بين الوحى للطاعة من قبل الناس فهل من مطيع والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب طاعة القرآن.
"كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزى من شكر ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابى ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابى ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "المعنى كفر شعب لوط(ص)بالآيات إنا بعثنا عليهم حجارة إلا أهل لوط(ص)أنقذناهم بليل رحمة من لدينا هكذا نثيب من أطاع ولقد أخبرهم بعذابنا فكذبوا بالعذاب ولقد حاوروه عن زواره فأعمينا أبصارهم فإعلموا عقابى أى عذابى ولقد نزل بهم نهارا عقاب مستمر فادخلوا نارى أى عقابى ولقد بينا الكتاب للطاعة فهل من مطيع ؟يبين الله لنبيه (ص)أن قوم وهم شعب لوط(ص)كذبوا بالنذر والمراد كفروا بالآيات المرسلة لهم من الله ،إنا أرسلنا عليهم حاصبا والمراد إنا أمطرنا عليهم حجارة مصداق لقوله بسورة الحجر"وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل"إلا آل لوط وهم أسرة لوط(ص)عدا زوجته نجيناهم بسحر والمراد أنقذناهم بليل مصداق لقوله بسورة الحجر"فأسر بأهلك بقطع من الليل"نعمة من عندنا والمراد رحمة من لدينا كذلك نجزى من شكر أى بتلك الطريقة وهى الإنجاء نثيب من أطاع حكمنا وهو من أحسن مصداق لقوله بسورة المرسلات"كذلك نجزى المحسنين"،ويبين له أن لوط(ص)أنذرهم بطشة الله والمراد أخبرهم بعقاب الله فتماروا بالنذر والمراد فكذبوا بالعقوبات ولقد راودوه عن ضيفه والمراد ولقد حدثوه عن الزنى بزواره وهذا يعنى أنهم طالبوه بأن يجامعوا الضيوف فكانت العقوبة أن طمسنا أعينهم والمراد أن أعمينا أبصارهم وهذا يعنى أن الله أعمى عيونهم قبل العذاب المهلك لهم وقيل لهم ذوقوا عذابى ونذر والمراد فاعلموا عقابى أى عذابى ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر والمراد ولقد أصابهم نهارا عقاب عظيم وهذا يعنى أن العقاب المهلك أصابهم وقت النهار وقيل لهم ذوقوا عذابى ونذر والمراد ادخلوا نارى أى عقابى،ويبين له أنه يسر القرآن للذكر فهل من مدكر والمراد أنه بين الوحى للطاعة فهل من مطيع والغرض من السؤال إخبار الكل بوجوب طاعة القرآن من الناس .
"ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر "المعنى ولقد أتى قوم فرعون الآيات كفروا ببراهيننا جميعها فدمرناهم تدمير منتصر فاعل ، يبين الله لنبيه (ص)أنه جاء آل فرعون النذر والمراد أنه أتت قوم فرعون الآيات وهى آيات الوحى وآيات الإعجاز فكانت النتيجة أن كذبوا بآياتنا كلها والمراد كفروا بعلاماتنا الدالة على وجوب طاعة حكمنا جميعها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر والمراد فأهلكناهم إهلاك منتقم فاعل للهلاك .
"أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة فى الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر "المعنى أمكذبيكم أحسن من أولئكم ؟أم لكم عهد فى الوحى؟هل يزعمون نحن كل غالب ؟سيقهر القوم ويعطون الظهر ،يسأل الله الناس :أكفاركم خير من أولئكم والمراد هل مكذبى القرآن منكم أقوى من الكفار السابق ذكرهم فى السورة ؟والغرض من القول إخبارهم أن الكفار السابقين أقوى منهم ومن قدر عليهم يقدر على كفاركم ،ويسأل أم لكم براءة فى الزبر والمراد هل لكم عهد فى الكتاب؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار بأن الله لم يعطهم عهد بعدم عقابهم فى الوحى ،ويسأل أم يقولون نحن جميع منتصر أى هل نحن كل غالب ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم مهزومون ولذا يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر والمراد سيقهر الكفار ويعطون الظهر والمراد يهربون من المعركة وهذا إخبار للمسلمين بانتصارهم على الكفار مستقبلا والخطاب للكفار من النبى(ص).
"بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر إن المجرمين فى ضلال وسعر يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر "المعنى إن النار مقامهم والنار أعظم أى أكبر إن الكافرين فى عذاب أى نار يوم يجرون فى النار من أعناقهم اعلموا ألم النار،يبين الله أن الساعة موعدهم والمراد أن جهنم مقام الكفار كلهم مصداق لقوله بسورة الحجر"إن جهنم لموعدهم أجمعين"والساعة أدهى أى أمر والمراد والنار أعظم أى أكبر ،إن المجرمين فى ضلال أى سعر والمراد إن الكافرين فى العذاب أى جهنم مصداق لقوله بسورة الزخرف"إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون"يوم يسحبون فى النار على وجوههم والمراد يوم يشدون فى جهنم من أعناقهم التى مربوط بها الأغلال وهى السلاسل مصداق لقوله بسورة غافر"إذا الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون "ويقال لهم ذوقوا مس سقر والمراد اعلموا ألم الحريق مصداق لقوله بسورة آل عمران"ذوقوا عذاب الحريق "والخطاب للنبى(ص).
"إنا كل شىء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر"المعنى إنا كل مخلوق أبدعناه بحساب وما حكمنا إلا واحدة كلمح بالنظر،يبين الله للناس أن كل شىء خلقه بقدر والمراد أن كل مخلوق أبدعه بحساب أى بحدود معينة فى كل جزء فيه مكانا وزمانا ،ويبين أن أمره وهو حكمه بحدوث القيامة ليس إلا واحدة كلمح بالبصر والمراد ليس سوى كلمة واحدة يصدرها وتشبه فى سرعتها نظرة سريعة بالعين .
"ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر وكل شىء فعلوه فى الزبر وكل صغير وكبير مستطر "المعنى ولقد دمرنا أشباهكم فهل من متعظ وكل أمر صنعوه فى الكتاب وكل قليل وكثير مكتوب ،يبين الله للناس أنه أهلك أشياعهم والمراد دمر أشباههم وهم الكفار السابقين ويسأل فهل من مدكر أى هل من معتبر بما حدث لهم ؟والغرض من السؤال أن يعتبروا بما حدث للكفار من هلاك،ويبين لهم أن كل شىء فعلوه فى الزبر والمراد أن كل أمر عملوه فى الدنيا مكتوب فى الكتاب وكل صغير وكبير مستطر والمراد أن كل قليل وكثير مسجل فى الكتاب والخطاب وما بعده للناس.
"إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر"المعنى إن المطيعين فى حدائق وعيون فى مقام حق عند مالك قادر ،يبين الله للناس أن المتقين وهم المطيعين لحكم الله فى جنات وهى حدائق الجنة ونهر أى عيون ذات أشربة لذيذة مصداق لقوله بسورة الذاريات"إن المتقين فى جنات وعيون"وهم فى مقعد صدق والمراد قدم صدق والمراد مقام عادل عند مليك مقتدر أى من حاكم فاعل لما يريد
.

الخميس، 25 أكتوبر 2018

تفسير سورة النجم

سورة النجم
سميت بهذا الاسم لذكر النجم بقوله "والنجم إذا هوى".
"بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى "المعنى بحكم الرب النافع المفيد والكوكب إذا غاب ما كفر صديقكم أى ما جن وما يتكلم من الشهوة إنه هو إلا إلقاء يلقى عرفه عظيم القدرات صاحب عزة فقعد وهو بالجهة العليا ثم اقترب فنزل فكان قدر شبرين أى أقرب فألقى إلى مملوكه ما ألقى ما خالف القلب ما شاهد أفتجادلونه فيما يشاهد؟يقسم الله للناس بالنجم إذا هوى والمراد بالمصباح وهو الكوكب إذا غاب عن السماء نهارا على أن اسم الله الرحمن الرحيم أى على أن حكم الرب النافع المفيد هو أن صاحبهم وهو صديقهم محمد(ص)ما ضل وفسره بقوله ما غوى أى ما كفر أى ما كذب فى أن القرآن وحى الله وعلى أنه لا ينطق عن الهوى أى لا يتكلم القرآن من عند نفسه وهى شهوته وإنما القرآن وحى يوحى أى إلقاء يلقى له علمه شديد القوى والمراد ألقاه له عظيم القدرات وهو ذو مرة أى" ذى قوة "كما قال بسورة التكوير والمراد صاحب عزة وهو قد استوى وهو بالأفق الأعلى والمراد وقد قعد أى استقر وهو فى الجهة الفوقية وهى الجو ثم دنا فتدلى والمراد وقد اقترب من محمد(ص) فهبط إلى موضع محمد(ص)فكان قاب قوسين أو أدنى والمراد فكان على قدر شبرين من محمد أى أقرب والمراد أنه اقترب منه لدرجة أن المسافة بينهما كانت قدر شبرين فقط فأوحى إلى عبده ما أوحى والمراد فألقى الله على لسان جبريل (ص)إلى مملوكه محمد(ص)الذى قال وهو هنا يحكى لهم عن أول مرة لنزول الوحى ،ويبين لهم أن الفؤاد ما كذب ما رأى والمراد أن عقل محمد(ص) ما كفر بما عرف من الوحى ويسألهم أفتمارونه على ما يرى والمراد أفتجادلونه فيما يعرف ؟ والغرض من السؤال إخبارهم بالإمتناع عن تكذيب محمد (ص)فيما يقول والخطاب للناس فى عهد النبى(ص)
"ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى "المعنى ولقد شاهده مرة أخرى لدى سور الجنة بعدها حديقة المسكن حيث يغطى السور ما يغطى ما انحرف النظر أى ما ضل لقد شاهد من براهين خالقه العظمى ،يبين الله للناس أن محمد(ص)رآه نزلة أخرى والمراد أن محمد(ص)شاهد جبريل(ص)مرة ثانية عند سدرة المنتهى والمراد لدى سور الجنة وهو المكان الذى توجد فيه أسوار الجنة فى السموات التى عندها جنة المأوى والمراد التى بعدها أى بعد الأسوار حديقة المقام إذ يغشى السدرة ما يغشى والمراد إذ يدخل من بوابات السور الذى يدخل وهو المسلم ،ويبين لهم أن ما زاغ البصر وفسره بأنه ما طغى والمراد ما انحرف النظر أى ما انخدع وإنما هى رؤية حقيقية ويبين لهم أنه رأى من آيات ربه الكبرى والمراد لقد شاهد من مخلوقات خالقه العظمى وذلك فى رحلة المعراج والخطاب كسابقه للناس فى عهد النبى(ص).
"أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى "المعنى أعرفتم اللات والعزى ومناة الثالثة التالية ألكم الولد وله البنت تلك إذا تفرقة ظالمة ؟يسأل النبى (ص)الكفار أفرأيتم والمراد أعلمتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أى التالية للإثنين وهم بعض آلهتهم ألكم الذكر وهو الولد وله الأنثى ولله البنت ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن نسبة آلهتهم البنات المزعومات لله هو قسمة ضيزى أى توزيعة ظالمة أى باطلة لا أساس لها لأن الله ليس له أولاد بنات أو بنين .
"إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى النفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى "المعنى إن هى إلا أحكام اخترعتموها أنتم وآباؤكم ما أوحى الرب بها من وحى ،إن يطيعون إلا الكذب أى ما تشتهى النفوس ولقد أتاهم من إلههم الحق ،يقول النبى (ص)للناس بطلب من الله :إن هى أى أحكام أديانهم إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان والمراد أن هى إلا أحكام افتريتموها أنتم وآباؤكم ما أوحى الرب فيها من وحى يبيح طاعتها وهذا يعنى أن كل الأديان الباطلة ليست سوى من تأليف الناس سواء سموها أديان أو دساتير أو تقاليد أو غير ذلك ،ويبين الله لنبيه (ص)أن الكفار يتبعون الظن أى يطيعون الباطل وفسره بأنه ما تهوى الأنفس أى ما تشتهى الأنفس مصداق لقوله بسورة النساء "يتبعون الشهوات"ولقد جاءهم من ربهم الهدى والمراد ولقد بلغهم من خالقهم الحق ممثل فى كتاب الله مصداق لقوله بسورة البقرة "ولما جاءهم كتاب من عند الله"والخطاب وما قبله حتى سلطان من النبى(ص)للكفار وما بعده له من الله.
"أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى "المعنى هل للفرد ما طلب فلله القيامة والدنيا ،يسأل الله أم للإنسان ما تمنى والمراد هل للكافر الذى يريد وهو الحسنى أى الجنة إن كان هناك آخرة كما يقول والغرض من السؤال إخباره أن الله لن يدخله الحسنى لأن لله الآخرة وهى القيامة والأولى وهى الدنيا يحكم فيهما بالعدل والخطاب للنبى(ص) .
"وكم من ملك فى السموات لا تغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى "المعنى وكم من ملاك فى السموات لا يفيد كلامهم مخلوقا إلا من بعد أن يسمح الرب لمن يريد أى يقبل ،يبين الله لنبيه (ص)والمؤمنين أن هناك الكثير من الملائكة فى السموات التى هى مكان معيشتهم حيث لا يتواجدون فى الأرض لا تغنى شفاعتهم شيئا والمراد لا ينفع كلامهم مخلوقا إلا من بعد أن يأذن أى يسمح الله لمن يشاء أى لمن يريد الله أى يرضى أى يقبل بكلامه وهذا يعنى أن الشفاعة وهى الكلام يوم القيامة لا يحدث إلا بعد إذن الله للملائكة والغرض من القول هو إخبار الناس الذين يدعون عبادتهم الملائكة أنها لن تفيدهم بشىء فى القيامة والخطاب للنبى(ص).
"إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم بذلك من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا "المعنى إن الذين لا يصدقون بالقيامة ليدعون الملائكة دعاء البنت وما لهم فى ذلك من وحى ،إن يطيعون إلا الهوى وإن الهوى لا يغير من الصدق حكما ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين لا يصدقون بحدوث القيامة يسمون الملائكة تسمية الأنثى والمراد يدعون الملائكة دعاء البنت وهذا يعنى أنهم حكموا فى دينهم أنهم بنات وما لهم بذلك من علم والمراد وليس لهم فى قولهم هذا من وحى يصدقهم فى قولهم وهم يتبعون الظن أى يطيعون الكذب الذى ألفوه وآباؤهم والظن لا يغنى من الحق شيئا والمراد والكذب لا يغير من الصدق حكما وهذا يعنى أن الصدق باقى لا يحرف ولا يبدل بسبب الكذب .
"فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى "المعنى فتولى عن من أعرض عن طاعتنا ولم يحب إلا المعيشة الأولى تلك غايتهم من المعرفة إن إلهك هو أعرف بمن بعد عن دينه وهو أعرف بمن رشد ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يعرض عن من تولى عن ذكره والمراد أن يدع معاملة من أعرض عن طاعة حكم الله وهو الذى لم يرد إلا الحياة الدنيا وهو الذى لم يحب سوى متاع المعيشة الأولى وذلك وهو حب الدنيا هو مبلغهم من العلم والمراد حب متاع الدنيا غايتهم أى هدفهم من المعرفة بمخلوقاتها ويبين له أن ربه أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أدرى بمن بعد عن دينه الموصل لجنته وهو أعرف بمن اهتدى أى أدرى بمن أطاع فوصل لجنته والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولله ما فى السموات وما فى الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " المعنى ولله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض ليعاقب الذين أجرموا بما كفروا ويثيب الذين أصلحوا بالجنة الذين يتركون أفعال الكفر أى الذنوب أما الذنوب المستغفرة فإن إلهك عظيم العفو هو أدرى بكم حين خلقكم من الطين وحين أنتم أجنة فى أرحام والداتكم فلا تشكروا ذواتكم هو أدرى بمن أطاع حكمه ،يبين الله للناس على لسان النبى(ص) أن الله له ملك ما أى الذى فى السموات وما أى الذى فى الأرض وما دام هو المالك فهو الحاكم الذى يجزى الذين أساءوا بما عملوا والمراد يعذب الذين كفروا بما صنعوا فى الدنيا من كفر ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى والمراد ويثيب الذين أسلموا فى الدنيا بالجنة والمسلمين هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والمراد الذين يتركون أفعال الكفر الذى فسره بأنه الفواحش وهى الذنوب وأما اللمم وهى الذنوب التى ارتكبوها واستغفروا الله لها فالله واسع المغفرة أى عظيم العفو والمراد تارك عقابهم عليها وهو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض والمراد هو أعرف بكم أيها الناس عندما خلقكم من طين الأرض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم وهو أعرف بكم وقت أنتم صغار فى أرحام والداتكم ويطلب من الناس ألا يزكوا أنفسهم أى ألا يمدحوا أى ألا يشكروا ذواتهم والسبب هو أنه أعلم بمن اتقى والمراد أنه أعرف بمن أطاع حكمه وهو يستحق المدح وهو الشكر على هذا .
"أفرأيت الذى تولى وأعطى قليلا وأكدى أعنده علم الغيب فهو يرى أم لم ينبأ بما فى صحف موسى وإبراهيم الذى وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وأن إلى ربك المنتهى وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى وأن عليه النشأة الأخرى وأنه هو أغنى وأقنى وأنه هو رب الشعرى "المعنى أعلمت بالذى كفر ومنح قليلا ومنع ؟ألديه معرفة الخفاء فهو يعلم؟هل لم يخبر بالذى فى كتب موسى (ص)وإبراهيم (ص)الذى أطاع ألا تتحمل نفس جزاء أخرى وأن ليس للفرد إلا ما عمل وأن عمله سوف يشهد ثم يدخله الجزاء العادل وأن إلى إلهك الرجعى وأنه هو أفرح وأحزن وأنه هو أهلك وخلق وأنه أنشأ الفردين الرجل والمرأة من منى إذا يقذف وإن عليه الحياة الثانية وأنه هو أكثر وقلل وأنه خالق الشعرى ،يسأل الله نبيه (ص)أفرأيت الذى تولى وأعطى قليلا وأكدى والمراد أعرفت بالذى كذب ووهب قليلا ثم منع ؟والغرض إخباره بالكافر الذى كفر وأعطى قليلا من المال ثم منع ماله عن الناس ،ويسأل أعنده علم الغيب فهو يرى والمراد ألديه معرفة السر فهو يعلم به؟ والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن الكافر لا يعلم الغيب ويسأل أم لم ينبأ بما فى صحف موسى (ص)وإبراهيم (ص) الذى وفى والمراد هل لم يخبر بالذى فى كتب موسى (ص)وإبراهيم (ص)الذى عدل ؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)أن هذا الكافر عرف بالذى فى صحف إبراهيم (ص)وموسى (ص)ولكنه كفر بها وما فى الصحف هو ألا تزر وازرة وزر أخرى والمراد ألا تتحمل نفس جزاء نفس أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى والمراد وأن ليس للفرد إلا جزاء ما عمل فى الدنيا إن خيرا فخير وإن شرا فشر وأن سعيه سوف يرى والمراد وأن عمل الفرد سوف يعلم أى يشاهد من قبله ومن قبل غيره فى الآخرة فى كتابه المنشور ثم يجزاه الجزاء الأوفى والمراد ثم يدخله المقام العادل وهو المناسب لعمله ويبين الله لنبيه (ص)أن إلى ربك المنتهى والمراد إن إلى جزاء الرب الوصول أى الرجعى فى القيامة والله هو أضحك أى أفرح الخلق وأبكى أى وأحزن الخلق وأنه أمات أى أهلك الخلق وأحيا أى وخلق الخلق أول مرة وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى والمراد وأنه أبدع الفردين الرجل والمرأة من نطفة إذا تمنى أى من جزء يسير من منى يقذف أى يوضع فى رحم المرأة وأن عليه النشأة الأخرى والمراد وأن فرض على الله الخلق الثانى أى إعادة الحياة للأموات وأنه هو أغنى أى أكثر الرزق لمن أراد وأكدى أى وقلل الرزق لمن أراد وأنه رب الشعرى والمراد وأنه خالق النجم المسمى الشعرى والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"أنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى فبأى آلاء ربك تتمارى هذا نذير من النذر الأولى "المعنى وأنه أباد عاد السابقة وثمود فما ترك وشعب نوح(ص)من قبل إنهم كانوا أجرم أى أكفر والمؤتفكة أكفر فأصابها الذى أصاب فبأى آيات إلهك تكذب هذا خبر من القرون السابقة،يبين الله لنبيه (ص)أنه أهلك والمراد دمر كل من عاد الأولى وهى قبيلة عاد السابق ذكرها فى الوحى وثمود وقوم وهم شعب نوح(ص)والمؤتفكة وهم قوم لوط (ص)والسبب أنهم كانوا أظلم وفسرها بأنهم أطغى وفسرها بأنهم أهوى أى أكفر أى أجرم وقد غشاها ما غشى والمراد وقد أصاب كل منهم الذى أصاب من أنواع الهلاك ،ويسأل الله الإنسان فبأى آلاء ربك تتمارى والمراد فبأى آيات خالقك تكذب؟والغرض من السؤال هو ألا يكذب الفرد بأى آية من آيات الله ويبين له أن هذا نذير من النذر الأولى والمراد أن هذا خبر أى عبرة من القرون السابقة يجب أن يعتبر بها .
"أزفت الأزفة ليس لها من دون الله كاشفة أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا "المعنى قضيت القيامة ليس لها من سوى الله مانع أفمن هذا الوحى تستغربون أى تسخرون ولا تؤمنون وأنتم مخالفون ؟فأطيعوا الرب أى اتبعوا حكمه ،يبين الله للناس أن الأزفة أزفت والمراد أن القيامة وقعت مصداق لقوله بسورة الواقعة "وقعت الواقعة "ليس لها من دون الله كاشفة والمراد ليس لها من غير الرب مانع وهذا يعنى أن لا أحد يقدر على منع وقوعها ،ويسأل الله الكفار:أفمن هذا الحديث وهو القرآن تعجبون وفسرها تضحكون والمراد تكذبون وفسرها بأنهم لا يبكون أى لا يؤمنون به وأنتم سامدون أى عاصون للقرآن ؟والغرض من السؤال إخبارهم أن تكذيب القرآن وعصيان أحكامه محرم عليهم ويطلب منهم أن يسجدوا لله والمراد أن يطيعوا حكم الله وفسره بقوله اعبدوا أى اتبعوا حكمى .