الخميس، 31 مارس 2022

قراءة فى كتاب الإجابة المختصرة في التنبيه على حفظ المتون المختصرة

قراءة فى كتاب الإجابة المختصرة في التنبيه على حفظ المتون المختصرة
المؤلف سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان وهو عبارة عن سؤال لطالب علم طلب من معلمه أن يكتب له أهم الكتب التى ينبغى لطالب العلم أن يقرأها ويحفظها وقد أجاب العلوان طلب طالبه فقال :
" أما بعد:.
فهذه الرسالة المختصرة جواب سؤال كتبه بعض طلبة العلم يقول فيه: (ما هي المتون في شتى الفنون التي تنصح طالب العلم أن يحفظها ويتقنها؟ وأرجو ذكر المتون بالتدرج الذي يتناسب مع الطالب المبتدئ ويفيد الطالب المنتهي).
ولما كان هذا السؤال مهماً ونافعاً والإجابة عليه مفيدة ولها أثرها على الفكره والكتاب.
ولا سيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفوضوية في العلم وتوجهت همم المبتدئين للتصنيف والنقد وتذبذبوا قبل أن يتحصرموا وتصدروا للتدريس والفتوى قبل أن يصدروا وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بالفالي
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ... ببيتٍ قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزلها ... ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
فلهذه وغيره رسمت في هذه بالإجابة طريقة الطلب للعود بالفوضويين المتعالمين إلى اليقظة العلمية الصحيحة والأخذ بحجزهم عن الوقوع في عتبة القول على الله بلا علم"
وكما هى عادة الفقهاء يقرون مقولة باطلة وهى أن العلم لا يؤخذ من الكتب فقط وإنما لابد له معه من المعلمين فيقول :
ولثلةٍ تطمح في الرقي وأخذ العلم من مظانه والبدء بالتدرج في أساسيات العلم على أيدي العلماء العاملين والفقهاء المجتهدين المعنيين بضبط قواعد الحلال والحرام فالعلم لا يؤخذ عن الكتب دون التلقي عن هؤلاء. وقد حرم العلم من دخل فيه بلا عالم يرشده وقد قيل (من دخل في العلم وحده خرج وحده).وهذا حق فمن خاض في بحار العلم بلا أستاذ عالم وفقيه خريت خرج منه بلا علم ولا تحصيل بل اكتسب التعالم وقلة الأدب والتطاول على الأئمة فإياك أن تكون من هؤلاء المتضلعين بالجهل فتهلك الحرث والنسل وتبيح الفروج المحرمة وتحرم الفروج المباحة."
والعلم يؤخذ من أى مصدر له كالكتب والمعلمين والتجربة والخطأ والتفكير وتلك المقولة الباطلة لو كانت صحيحة فالرسل(ص) معظمهم لم يتعلموا على أيدى معلمين فإبراهيم(ص) خرج على قومه الكفار معلمين وسواهم وكذب علمهم من خلال تفكيره فى خلق الله حتى وصل للوحدانية ولم يكن هذا من خلال الكتب ولا من خلال المعلمين وإنما هى القلب السليم الذى يفكر
واستهل العلوان إجابته بوجوب حفظ القرآن وتعلمه فقال :
"وقد ذكرت في هذه الإجابة جملة من المحفوظات في مختلف العلوم وجهدت ألا أذكر شيئاً يقف عقبة وحاجزاً عن نيل العلم وتحصيله وضبطه وحفظه والله سبحانه وتعالى هو الموفق والمعين.
فأقول ومن الله استمد العون والصواب الأولى في حق طالب العلم تقديم تعلم القرآن وحفظه فإن ذلك أفضلُ ما أُتي العبد فالقرأن شفيع يوم القيامة ودليل إلى الجنة وأهله هم أهل الله وخاصته.
وقد جاءت الأخبار الصحاح في فضل قارئ القرآن ومعلمه ففي صحيح البخاري من طريق أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان عن النبي (ص)قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
وفي صحيح الإمام مسلم من طريق عامر بن واثلة أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل - وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم(ص)قد قال: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " "
وهذا الحديث لا يصح مع صحة معنى أن العلم بالوحى يرفع صاحبه لمناصب الولاية كما قال تعالى"وزاده بصطة فى العلم والجسم"
والسبب فى عدم صحته هو أن المناصب لا تولى من قبل حكام وإنما تكون بالشورى كما قال سبحانه:
" وأمرهم شورى بينهم"
ثم قال :
"وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه فالعلم كله في القرآن.
وحفظ القليل من القرآن مع التدبر والتفكر والعمل به خير من حفظ الكثير بغير تدبر ولا تفهم ولا عمل.
وقوله، (ص)فيما تقدم: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " هذا إذا عمل بمحكمه وآمن بمتشابهه، وأحل حلاله وحرم حرامه، أما إذا ضيع أوامره وارتكب نواهيه فليس له حظ مما دل عليه الحديث، وقد روى ابن حبان بسند حسن من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي، (ص)قال: " القرآن شافع مشفع وما حل مصدق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ""
والحديث لا يصح فالقرآن لا يشفع لأحد لأن الشفعاء هم الملائكة والرسل كما قال تعالى"ولا يشفعون إلا لمن ارتضى"
ثم قال :
فإن حفظ القرآن كله فقد نال أفضل الأعمال وأسنى المقامات، فإن عسر عليه حفظ القرآن كله فليحفظ ما يقدر عليه بعد حفظ الواجب، وليحرص كل الحرص على حفظ ما يمكن حفظه، وليكن اعتناؤه بالسور التي جاءت فيها فضائل كالبقرة وآل عمران. وقد جاء فيهما خبر عظيم، ففي صحيح الإمام مسلم من طريق معاوية بن سلاّم عن زيد أنه سمع أبا سلاّم يقول حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله، (ص)يقول: " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة "
والحديث لا يصح للتناقض بين قراءة القرآن كله وبين قراءة سورتين منه فالمطلوب حسب القرآن قراءته حسب ما يتيسر وليس سور محددة منه كما قال قال تعالى:
"فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
وهذا الحديث عن كون سورتين شفيعتان تحاجان عن حافظهما تعارض الحديث السابق الذى يعتبر القرآن ككل شافع واحد بقوله "القرآن شافع مشفع"
ويناقض الحديث القرآن فى مجىء الإنسان وحده ليس مع شىء فى قوله تعالى "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" بينما الرواية تقول بمجىء السور كأنهم سحب أو فرق طير
ثم قال :
"وحفظ ما يجب من القرآن و الواجب الفاتحة واختلف فيما زاد - مقدم على طلب العلم، وطلبُ علم ما يجب على المسلم عيناً مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن وقد سئل أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية أيما طلب القرآن أو العلم أفضل؟
فأجاب: أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً كعلم ما أمر الله به وما نهى الله عنه فهو مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن فإن طلب العلم الأول واجب وطلب الثاني مستحب، والواجب مقدم على المستحب.وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً، وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضاً مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم؛ حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم من الكلام أو الجدال والخلاف أو الفروع النادرة أو التقليد الذي لا يحتاج إليه أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله.
فلا بد في مثل هذه المسألة من التفصيل، والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين، والله سبحانه أعلم "
وإجابة ابن تيمية تتغافل عن أن العلم بالحلال والحرام متعلق بالعلوم المختلفة فمثلا البيع والشراء متعلق بضرورة تعلم علم الحساب ومثلا تعلم القرآن نفسه متعلق بتعلم القراءة والكتابة قبله ومثلا تعلم الصلاة من القرآن متعلق بتعلم الطفل علم النظافة من خلال التدرب على التطهر من البول والبراز وكنس مكان الصلاة والوضوء أو الاستحمام وتسريح الشعر ونظافة الملابس ومن ثم أخذ الله الأطفال بتعلم الأمور بالتدريج فلا يمكن ان نسقى الرضيع القرآن وإنما نعلمه بالتدريج القعود والوقوف والمشى وكيف يتبول ويتبرز ونعلمه نطق الكلمات ومعانيها حتى يقدر على فهم القرآن عندما يتم تعليمه مثلا بالتدريج
وذكر العلوان الاشتغال بالعلوم الأهم فقال :
"فإذا فرغ من حفظ القرآن أو حفظ ما تيسر فيشتغل بالعلوم الشرعية مبتدئاً بالأهم فالأهم، فالعلم كثير والعمر قصير فليأخذ المسلم من العلم أنفعه، وقد قال بعضهم:
ما أكثر العلم وما أوسعه! ... ... من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالباً ... ... محاولاً فالتمس أنفعه
وقال ابن معطي في مقدمة ألفيته:
وبَعدُ فالعلمُ جليلُ القدْرِ ... ... وفي قليلهِ نفاذُ العُمْرِ
فابدأ بما هو الأَهمُ فالأهم ... ... فالحازمُ البادي فيما يُستتم
فإنَّ مَنْ يُتقن بعضَ الفنِ ... ... يُضْطَرُ للباقي ولا يَستغْني "
ورغم أن هذه النصيحة مهمة فى مجال التعلم إلا أن الرجل أبى إلا أن يخلط ألأمور فطلب من طالب العلم تعلم العقيدة الصحيحة أولا عن طريق كتب مذهبه الوهابى فقال :
"ويقدم أصول المسائل التي يحتاج إليها في عباداته وتتكرر على غيرها مما لا يتكرر ولا يحتاج إليى أدائه فيشرع بحفظ كتاب الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب فقد بين فيه - ما يجب تعلمه على كل مسلم ومسلمة من أصول العلم ومهمات المسائل، فلا يسع مسلماً جهل ما في هذا الكتاب، ثم يشرع بحفظ كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ففيه بيان لجميع أنواع التوحيد، وأكثر أبوابه في توحيد الإلهية؛ لأنه الأصل الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب.
ويطالع بعض شروحه كتيسير العزيز الحميد للشيخ العلامة سليمان بن عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكتاب فتح المجيد للشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ويحفظ العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ففيها بيان لمعتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات. والإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به من المسائل، وبعد ذلك الإيمان بالقدر وما يتعلق به. ثم بين حقيقة الإيمان وحكم أصحاب الكبائر ومعتقد أهل السنة في أصحاب رسول الله، (ص)ثم بين بعد ذلك معتقد أهل السنة في كرامات الأولياء، ثم ختم العقيدة في بعض صفات أهل السنة والجماعة. فلا ينبغي لطالب علم إهمال حفظها عن ظهر قلب، ولها شرح مفيد اسمه التنبيهات السنية للشيخ عبدالعزيز الرشيد فيحسن النظر فيه للاستفادة منه.ويجعل الطالب لنفسه حظاً من دارسة كتب أئمة الإسلام في العقيدة ككتاب (الرد على الجهمية للدارمي، و (السنة) لعبدالله ابن الإمام أحمد، (وشرح أصول إعتقاد أهل السنة) للالكائي، و (الإبانة) لابن بطة، وكتاب (التوحيد) لابن خزيمة و (الشريعة) للآجري، و (رسالة السجزي) إلى أهل زبيد، و (الحجة في بيان المحجة) للإمام أبي القاسم الأصبهاني، وكتب شيخ الإسلام وتلميذه العلامة ابن القيم ففيهما فوائد عذاب مع الوضوح وحسن السياق في كلامهما، فرحمهما الله رحمة واسعة. وهذا في علم التوحيد والعقيدة."
وهذا الكلام يكون مع الطلاب الكبار وأما فى مرحلة الطفولة والبلوغ فلا يمكن للطفل أن يفهم الكثير من المسائل التى تتعلق بالألوهية على وجه الخصوص ومن ثم فالأهم كما بين الله أن يتعلم أحكام التعامل فى الطفولة كالاستئذان وعدم سب أو شتم الناس أو ضربهم لأن تعلم العقيدة غير مفيدة فى مرحلة الطفولة والمراهقة لعدم الرشد الذى يتم الوصول له بعد البلوغ الجسمى بسنوات
ثم ذكر العلوان الكتب التى ينبغى لطالب العلم دراستها فى التفسير والحديث وسواهم من العلوم فقال :
طوأما في علم التفسير: فيحفظ أولاً مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - ويطالع في دقائق التفسير لشيخ الإسلام، ويكثر من القراءة والنظر في تفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، ومعاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس، وأضواء البيان للشنقيطي، وغيرها من تفاسير أهل السنة، وهذه التفاسير لا تخلو من بيان علم القراءات والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وما يحتاج إليه المفسر من اللغة والنحو والتصريف، وهذه علوم لا يستغني عنها المفسر فلا ينبغي لطالب علم أن يهملها ويدع تعلمها.
وأما في الحديث فيبدأ بالأربعين النووية وتتمتها للحافظ ابن رجب ثم يحفظ عمدة الأحكام للإمام عبدالغني المقدسي مع مطالعة كتاب (إحكام الأحكام) شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، و (تيسير العلام للشيخ البسام، ويحفظ بلوغ المرام للحافظ ابن حجر فإنه كتاب نافع وفائدته لطالب العلم كبيرة، ويقرأ شرحه سبل السلام ففيه فوائد فقهية مفيدة، ومؤلفه الصنعاني على منهج أهل الحديث في اتباع الدليل وهذا الواجب على جميع الخلق.وأهل الحديث هم أولياء بالله وحزبه وأنصار دينه وأهل طاعته وهم الطائفة المنصورة أهل السنة. والجماعة، وقد دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم - بالنضارة فقال: " نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه الترمذي من طريق شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود يحدث عن أبيه به وسنده حسن.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله -: (إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأنما، رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جزاهم الله خيراً حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل).
كلُ العلومِ سوى القُرآنِ مشغلةُ ... ُ إلا الحديثَ وعلمَ الفقهِ في الدينِ
العلمُ ما كان فيه قال حدَّثنا وما سوى ذاك وَسْوَاسُ الشياطينِ
وإذا مَنّ الله على عبده بموهبة الحفظ والفهم فلا تقف همته على حفظ ودراسة ما تقدم.
فأقبح شيء في طالب العلم قدرته على بلوغ أسنى المقامات وأكمل الحالات فيتخلف عن ذلك.
قال المتنبي:
عجبتُ لمن له قدُّ وحَدُّ ... ... ... وينبو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ
ومَن يجدُ الطريقَ إلى المعالي ... ... فلا يَذرُ المطيَّ بِلاَ سَنَامِ
ولم أَرَ في عُيوبِ الناس شيئاً كنقصِ القَادرينَ على التَمامِ فأرى بعد حفظ الكتب المتقدمة البدأ بحفظ الصحيحين والسنن الأربعة بأسانيدها إلا أن يعسر ذلك عليه فيجردها من الأسانيد، فإن شق عليه حفظها كلها فيحفظ بعضها مقدماً الأهم فالأهم، فالبخاري أولى من مسلم، ومسلم أولى من كتب السنن والمسانيد. ولا يقتصر الطالب على علم الرواية دون الدراية فالتفقه في معاني الحديث نصف العلم كما قاله علي بن المديني فيما رواه عنه الخطيب وعليه بالحرص التام في معرفة الصحيح من الضعيف والتمييز بينهما، و هذا يحتاج إلى طول زمن وملازمة أهل المعرفة والتحقيق من العلماء. والأولى قبل ذلك أن يحفظ الطالب أحد المصطلحات الحديثية المختصرة كي تعينه على فهم قواعد المحدثين."
وبالطبع نصيحة العلوان بدراسة تلك الكتب وغيرها هى نصيحة غير مفيدة على الإطلاق لأنها تشتت طالب العلم تماما بين آراء الفقهاء والمفسرين والمحدثين فلا تكاد توجد مسألة لم يختلفوا فيها
ومن ثم فالمسلم يدرس كتابا واحدا فقط هو القرآن فمنه المبدأ وإليه المنتهى فدراسة كل تلك الكتب البشرية تشتت الفرد
ثم أكمل العلوان أسماء الكتب التى ينصح طالب العلم دراستها فقال :
"وأحسن المتون في هذا الباب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر فمع اختصاره ففيه فوائد ولا غنى لطالب العلم عن دراسة الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، ومعرفة علوم الحديث للحاكم، واختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، والموقظة للذهبي، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر. رحم الله الجميع.
وأما في علم الفقه : فيحفظ الدرر البهية في المسائل الفقهية، وهو متن فقهي للعلامة الشوكاني صاحب نيل الأوطار. ويطالع شرح هذا المتن لكل من الشوكاني، وابنه، وصديق خان في كتابه المفيد الروضة الندية.ن قوي على حفظ آداب المشي بجزئيه لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - فلا بأس. ولا بأس أيضاً بحفظ زاد المستقنع أو عمدة الفقه في الفقه الحنبلي، أومتن أبي شجاع في الفقه الشافعي، أو أحد المتون الفقهية في المذاهب الأخرى إذا خلا الطالب من التعصب المذهبي وتجرد من رقه، إنما قصده حفظ أصول المسائل والتفريع عليها وتصورها في الذهن، وما وافق الدليل قبله وما خالفه رده.
وأما إذا كانت همة الطالب حفظ المتون الفقهية المجردة عن الدليل للتمذهب ومعرفة قيل وقال والعمل بذلك فلا نرى ذلك وننهى من يفعله، لأن الله تعالى لم يتعبدنا بقيل وقال ولا أقوال الرجال، إنما تعبدنا بالكتاب والسنة فهما مصدر التشريع فمن جاءنا بقول يوافقهما قبل قوله ولزم العمل به ومن جاءنا يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم رد عليه قوله وإن كان القائل معظماً في نفوسنا، فلم يكتب الله العصمة لأحد من البشر غير أنبيائه ورسله.وأما في الفرائض: فيحفظ الرحبية وهو نظم مفيد سهل الفهم كثير الفائدة، وناظمه أبو عبدالله بن محمد بن علي الرحبي ويطالع حاشية ابن قاسم على الرحبية، وينظر في شرح سبط المارديني على الرحبية، وحاشية البقري على شرح المارديني وإن شاء حفظ المنظومة البرهانية في علم الفرائض، وهي منظومة مفيدة أيضاً ولها شرح مفيد اسمه وسيلة الراغبين وبغية المستفيدين للشيخ محمد ابن علي بن سلوم .
وأما في علم أصول الفقه: - وهو علم مهم لا يستغني عنه المجتهد ولا يحتاج إليه المقلد - فيحفظ متن الورقات لعبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهذا المتن مع صغر حجمه إلا أن مؤلفه قد ألم بمعظم مهمات أبواب أصول الفقه، فقد ذكر أقسام الكلام والأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والأفعال والنسخ، والإجماع والقياس وغير ذلك من الفصول المفيدة التي يحتاج إليها طالب العلم.
وما لم يذكره المؤلف يمكن طلبه في حفظ بعض أبيات مراقي السعود وهو نظم في أصول الفقه فيه فوائد جليلة ولكن ناظمه أدخل فيه بعض المسائل الكلامية فيحسن حذفها وحفظ ما فيه فائدة من هذا النظم، وقد انتقيت من هذا النظم أبياتاً فليراجع هذا المنتقى ففيه المهمات، ويحسن النظر في الكوكب المنير وشرحه المسمى شرح الكوكب المنير ومطالعة المذكرة للشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان.وأما في النحو: وهو علم مهم معين على فهم القرآن والسنة فلا يسع طالب علم جهله، وقد كان ابن عمر يضرب ولده على اللحن . وقال الشعبي: النحو في العلم كالملح في الطعام. فأحسن ما يبدأ بحفظه متن الآجرومية فإنه أسهل المتون النحوية المختصرة مع مطالعة شرح الشيخ الكفراوي وحاشية الشيخ عبدالرحمن بن القاسم.
فإذا أتقن متن الآجرومية فالأولى التدرج منه إلى حفظ قطر الندى وبل الصدى للإمام أبي محمد بن هشام الأنصاري - رحمه الله - أو المقدمة الأزهرية للشيخ خالد الأزهري، فإذا حفظ هذين المتنين أو أحدهما، فالأولى الشروع في حفظ ألفية ابن مالك - رحمه الله - فإنها مغنية عن كثير من المتون النثرية والنظمية.
وهناك شروحات كثيرة للألفية منها: شرح المكودي، وشرح البهجة المرضية للسيوطي، ومؤلفا هذين الكتابين قد اعتنيا بشرح ألفاظ الألفية وبيان محتواها بشكل موجز. وهناك شروحات أضافت معلومات جديدة على ما تحتويه الألفية كشرح ابن عقيل وهو شرح متوسط ليس بالطويل ولا بالقصير، وهناك حاشية عليه مفيدة للخضري، وهناك شروح موسعة على الألفية كشرح الأشموني وعليه حاشية الصبان وشرح المرادي"
وللأسف الشديد فإن معظم تلك الكتب تشتت طالب العلم ولا تفيده خاصة أن علوم النحو واللغة ليس منها فائدة لمخالفتها القرآن فى قواعدها ومعانيها فى الغالب وكذلك كتب الفقه المذهبية التى تجعل فى بعض المسائل عشرات الآراء ولم يقل الله أن ندرس تلك الكتب بل قال شىء واحد وهو دراسة كتابه وهى لا تتم من خلال دراسة تلك الكتب لأنها لو كانت كتبا صحيحة لاتفقت كلها على مراد الله ولكن كل منها يدعى أو يزعم أن صاحب التفسير أو الرأى الصحيح خفا]ها سيصدق طالب العلم وهو يرى أن علماء المذهب الواحد فضلا عن علماء المذاهب الأخرى متفرقين
ثم نصح العلوان طالب العلم بالنصائح المعتادة مطالبا إيباه بالجد والاجتهاد فقال :
"وهذا آخر جواب السائل في بيان المتون التي ننصح طالب العلم بحفظها وإتقانها والاعتناء بها، ولا يحسن في حق طالب العلم الاشتغال عن حفظ وضبط المتون بالمطولات، وقد قيل: (من لم يتقن الأصول حرم الوصول).ونوصي طالب العلم بالجد والاجتهاد في طلب العلم والصبر والمثابرة عليه وتعهد المحفوظات بالمراجعة فمن تعهدها أمسكها، وفي إمساكها العلم الكثير، وفي إهمال وترك مراجعتها إهمال لأصل عظيم من أسباب حفظ العلم، وقد قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد على قوله، صلى الله عليه وسلم:" إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان، لأن علمهم كان ذلك. الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة، وخير العلوم ما ضبط أصله واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه).
ونوصي طالب العلم بالجد في تفهم المعاني والحرص على الحفظ وعدم الملل والسآمة من ذلك، فإن الحفظ رأس المال، وقد قال بعضهم (حرف في فؤادي ولا ألف في كتابي)، وقال آخر: (ليس العلم ما حواه القمطر إنما العلم ما حواه الصدر)
وقال آخر شعراً:
العلم ويحك ما في الصدر تجمعه ... ... حفظاً وفهماً وإتقاناً فداك أبي
وقد أحسن بعضهم حيث يقول:
اصبر ولا تضجر من مطلب ... ... فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بتكراره ... ... في الصخرة الصماء قد أثرا"
ونصح العلوان الطالب بمصاحبة العلماء فقال :
وعلى طالب العلم ملازمة العلماء العاملين، والاستفادة من علومهم، والصبر على ما يبدر منهم إن بدر وقد أحسن الإمام الشافعي حيث يقول:
اصبر على مر الجفا من معلم
ومن لم يذق مر التعلم ساعة
ومن فاته التعليم وقت شبابه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى
فإن رسوب العلم في نفراته
تجرع ذل الجهل طول حياته
فكبر عليه أربعاً لوفاته
إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على العمل بالعلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر. وقد وصف الله اليهود بالمغضوب عليهم، لأن معهم علماً لم يعملوا به فليحذر المسلم أن يتشبه بهم:
وقد قال سفيان بن عيينة (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى)."
والخطأ فى الكلام هو وصف اليهود فقط بالمغضوب عليهم مع أن الله غضب على كل الكفار كما قال سبحانه:
"ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
وحذر الطالب من طلب العلم لهدف دنيوى فقال:
"وليحذر طالب العلم الداء الدفين الذي وقع فيه كثير من أبناء هذا الزمن من طلب العلم للدنيا وحطامها، فقد جاء الخبر عن سيد البشر: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وفي سنده فليح بن سليمان مختلف فيه ورجح الدار قطني إرساله . وله شاهد عند الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ: " من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليبتوأ مقعده من النار " وفيه نظر"
والجنون فى الحديث هو أمر الكاذب أن يتبوء مقعده من النار وقطعا الكاذب لن يذهب بنفسه النار حتى يدخلها وإنما تسوقه الملائكة فتدخله بالقوة كمما قال تعالى :
" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"
ثم قال :
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعت رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع "
والحديث باطل فالمجاهد فى المسلمين هو الأعلى درجة وليس من لا يؤذن له وهو من يتولى المناصب قبل غيره كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وأما الشفاعة فى الإسلام فلا وجود لها فى الدنيا فى الأحكام سواء لمجاهد أو غيره
ونقل عن ابم القيم كلاما فى طلب أغراض الدنيا فقال :
"قال العلامة ابن القيم (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه، لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشهوات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق ولا سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة، ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته، وقال لي مخرج بالتوبة.
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }
وقال تعالى فيهم أيضاً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
وطريق النجاة والسلامة من ذلك إخلاص العمل لله في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات، قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلآَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }
والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله تعالى وأريد به وجهه كما في صحيح الإمام مسلم من طريق العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "
وفي صحيح مسلم أيضاً من طريق سليمان بن يسار قال تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ، حدثنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قبيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن، ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار "
والكلام هنا عن أن طلب الحق لشىء دنيوى باطل هو كلام ليس كله صحيحا فلو كان المطلوب مثلا عدم كلام الناس فلماذا أباح الله التصدق فى العلن فقال :
"الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم"
فهناك أمور يعلم الله أن النفس تواقة لها ولو كان مطلوبا ألا يقول الناس لكانت الأحكام المطلوب تنفيذها كلها فى السر ولكن هذا غير ممكن فصلاة الجماعة يوم الجمعة تؤدى علنا ومثلا من يدفعون الزكاة لابد أن يكونوا معروفين للعاملين عليها وإلا كيف سيدفعونها ؟

الأربعاء، 30 مارس 2022

نقد كتاب الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها تبرعا أو بيعا

نقد كتاب الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها تبرعا أو بيعا
المؤلف أمين محمد سلام البطوش وهو يدور حول قطع أعضاء الأحياء لعلاج المرضى بها بيعا أو تبرعا وفى مقدمته تحدث عن الاختلاف فى حكم ذلك فقال :
"إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان وكرمه على خلقه ورباه على عينه ..فلما تقدم الإنسان في العلوم ومن بينها علم الطب والجراحة اختلف الناس في استقطاع الأعضاء وزرعها بين مبيح ومانع وما كان لشيء أن يجد أو يستجد إلا وله حكم في كتاب الله تعالى لقوله عز وجل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} نتيجة لذلك فإن هذا البحث يقدم محاولة لبيان ما في هذا الأمر من حكم شرعي"
وقد استهل الكتاب بأدلة حرمة جسم الإنسان فقال :
"المبحث الأول: أدلة حرمة جسم الإنسان:
إن الله تعالى لما خلق الإنسان خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وطرد إبليس من أجله لعصيانه أن يسجد لآدم وأسكن آدم الجنة وعلمه الأسماء كلها وجعله خليفته في الأرض فإن كان الإنسان لربه مطيعا مخبتا كان أفضل من الملائكة وإن عصاه كان أدنى من البهائم كل هذا دليل على التكريم فهل تراه يسلمه ويذله ويخزيه ما دام يسير طبقا لخط السير الذي رسمه له ربه كلا وحاشا أن يكون ذلك فها هو سبحانه يقول في حقه: {ولقد كرمنا بني آدم} ويخلقه في أحسن صورة: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} وتتجلى فيه عظمته سبحانه فيقول: {فتبارك الله أحسن الخالقين} "
والخطأ هو تفضيل الإنسان على الملائكة فلا يوجد نص من الوحى يقول بذلك لكونهما من النوعين المخيرين الإنس والجن فالملائكة هو الفصيل المصطفى من الجن كرسل البشر كما قال تعالى :
"الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس"
وتحدث عن أدلة حرمة الإنسان فقال :
"من أجل ذلك فقد تولاه ربه وأوصى باحترامه في شرائعه وحرم قتله بغير حق قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} وهذه قاعدة تحرم مساسه بغير حق ورسول الله (ص)قد بين في سنته أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء كما توعد الله قاتله بالعذاب يوم القيامة "
والخطأ هو أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء وهو ما يخالف أن القضاء يكون فوريا وليس ذنب ذنب والقضاء هو تسليم كل واحد كتابه بيمينه أو شماله كما قال تعالى :
"فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابيه فهو فى عيشة راضية فى جنة عالية"
وقال :
"وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه"
وقال :
"قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} هذا في الآخرة بالإضافة إلى عقوبة القصاص في الدنيا والحرمان من الميراث إن كان القاتل من ورثة المقتول فإذا كان قتل المسلم بغير حق لا يحتمل الإباحة فكذلك فإن قطع عضو من أعضائه لا يحل ولو كان بإذن المجني عليه كما يرى ابن قدامة في المغني ((بينما يرى الحنفية أن أعضاء الإنسان كالمال بالنسبة لصاحبها)) وليس للإنسان أن يقتل نفسه قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} أو يتلف أعضاء جسمه قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} لأن الحق في سلامة البدن حق مشترك بين العبد وبين ربه وقد بلغت حرمة جسد الإنسان في نظر فقهاء الإسلام حدا جعلهم يرون دفن ما يسقط منه كشعر أو ظفر
قال القرافي في الفروق ما نصه: .."حرم الله القتل والجرح صونا لمهجة العبد وأعضائه ومنافعها عليه "
والإنسان منذ بداية تكوينه وهو جنين في بطن أمه أدركته حماية الشرع ...الشرع الإسلامي من جنى على امرأة حامل فأسقطت جنينها بغرة عبد كغرامة دنيوية هذا إن سقط ميتا أما إن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة حتى أن الأم لو تسببت بإسقاط جنينها بواسطة غيرها لزمتها دية الجنين كذلك ولم يسلم من أعان على هذا الأمر من تبعة مغبته"
ونسبة الحكم السابق للشرع باطلة فأى قتل له حكم إما حكم العمد وإما حكم الخطأ وفى كل أحوال القتل الخطأ لا توجد عقوبة عتق عبد فقط إلا إذا كان القتيل من قوم عدو للمسلمين كما قال تعالى :
"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله "
ثم قال :
"أضف إلى ذلك أن المرأة الحامل لو كان عليها القصاص أو الحد فإنه لا يجوز التنفيذ حتى تتم حملها وتضعه وترضع وليدها وتربيه إلى الوقت الذي يستغني بنفسه عنها سواء كان الحد بالنفس أو الأطراف ويجوز في الشرع الإسلامي شق بطن الأم الميتة لاستخراج ولدها من رحمها لأن مصلحة حفظ حياته أعظم من مفسدة انتهاك حرمة بدنها الميت
وقد أجمعت المذاهب الإسلامية على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح إلا لعذر أما قبل نفخ الروح فإن العلماء قد اختلفت أقوالهم بين الإباحة والكراهة والتحريم ولكن إن ثبت بطريق موثوق أن الجنين يؤدي إلى وفاة أمه فيجب إسقاطه تطبيقا لقاعدة ارتكاب أخف الضررين وهذا يعتبر تضحية بالجزء (الفرع) في سبيل إنقاذ الكل (الأصل)
وأما بعد الموت فقد تولى الشرع الإسلامي حفظ الإنسان وحمى جثته من عبث العابثين فالرسول (ص)يقول: ((كسر عظم الميت ككسره حيا)) وفي رواية: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم)) "
من هذا المبحث يتبين أن ضرورة الحفاظ على جسم الإنسان سليما وتحدث فى الثانى عن وجوب العلاج فقال:
"المبحث الثاني: إباحة التطبيب والجراحة
بالرغم مما تقدم بيانه من تعظيم الشرع لحرمة جسم الإنسان فإن ضرورة العلاج أو الحاجة إليه تفسح المجال وتبرر المحظور الشرعي فالتداوي أمر مأمور به شرعا حفظا لهذا الإنسان فإن رسول الله (ص)يقول: ((تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم))
وتعلم الطب في الإسلام فرض من فروض الكفاية التي يتعين على طائفة من الأمة القيام به وإلا أثمت الأمة جميعا وهذا العمل وإن كان من فروض الكفاية فإنه يحتاج إلى شروط إليك بعضها:
- أن يباشر العمل الطبي مختص فيه مع كون الحاجة ملحة لنتجنب من لا يحذق هذا الفن فلابد من كونه حاذقا بصيرا عارفا فإن كان غير ذلك فما يحصل من أضرار على يديه كان فيها ضامنا لقوله (ص)((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن))
- أن يكون القصد العلاج والرعاية للمصالح المشروعة
- أن يمارس عمله الطبي وفقا لأصول صنعة الطب وإلا كان ضامنا خشية أن يتولد ما هو أعظم
- إن كان المريض قاصرا يشترط الإذن من وليه"
وتحدث فى المبحث الثالث عن فوائد علم التشريح فقال :
"المبحث الثالث: أهمية علم التشريح:
إن للتشريح أهمية كبيرة إذ بدونه لا يعرف الطبيب مكان العضو ولا كيفية اتصاله بالبدن كما أن للتشريح أهمية أخرى وذلك في الكشف عن السبب الحقيقي للموت في قضايا الجنايات هذه الأهميات تقف أمام نظرة الناس إلى الجثة الآدمية نظرة ملؤها التقديس والحرمة ولقد قام علماء من المسلمين القدامى بتشريح الجسم الإنساني وإن كانوا لم يقولوا صراحة بجواز التشريح كابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى وابن الهيثم الذي قام بتشريح العين
ولقد استشهد الفقهاء في مواقف عديدة على تصحيح آرائهم على نتائج علم التشريح في زمانهم أما قبله فكأنها إباحة غير صريحة لهذا العلم
....فمن أقوال الأئمة المتقدمة يتبين لنا جواز شق بطن الميت من أجل إنقاذ الحي فمصلحة إنقاذ الحي مقدمة على مفسدة هتك حرمة الميت ولكن مما تقدم رأينا أن بين الحي والميت تعلقا وارتباطا لا يسهل انفكاكه فهل بالإمكان أن نعدي هذا الجواز إلى ما هو أبعد من ذلك ؟ هذا ما سنصل إليه إن شاء الله ولكن بشروط منها: موافقة ذوي الشأن ووجود ضرورة تتطلب التشريح وعدم التمثيل في الجثة"
وتحدث عن حكم التشريح فقال :
"المبحث الرابع: مدى شرعية التشريح
لما كانت شريعة الإسلام تنزيلا من حكيم حميد عليم بما كان وما سيكون أنزلها على خير الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين فقد جعلها سبحانه قواعد كلية ومقاصد سامية شاملة فكانت تشريعا عاما خالدا صالحا لجميع طبقات الخلق في كل زمان ومكان
...ومسألة التشريح لجثث موتى بني آدم لا تعدو أن تكون جزئية من هذه الجزئيات التي لم ينص عليها في نص خاص فشأنها شأن الوقائع التي جدت لابد أن تكون مشمولة بقاعدة كلية من قواعد الشريعة وشمولها وصلاحيتها لجميع الخلق قال تعالى: {وما كان ربك نسيا} وقال تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما} وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}
إن من قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديا لأشدهما ومسألة التشريح داخلة في هذه القاعدة على كل حال فإن مصلحة حرمة الميت – مسلما كان أو ذميا – تعارضت مع مصلحة أولياء الميت والأمة فالمتهم عند الاشتباه مثلا يطلب تشريح جثة المجني عليه لإثبات الجناية أو نفيها وفي هذا حفظ للحق وإعانة لولي الأمر على ضبط الأمن والتحقق من المجرمين لردع من تسول له نفسه ارتكاب جريمة يظن أنها تخفى على الناس كما أن الشخص قد يموت موتا طبيعيا وفي التشريح تبرئة للمتهم أضف أنه يمكن الكشف على الأمراض السارية بواسطة التشريح وبذلك تحفظ الأمة من الأوبئة والأمراض السارية الخطيرة من هذا تبرز أهمية علم التشريح وما دام أنه جزء من علم الطب فالعلم به إذن من فروض الكفاية التي لابد لجماعة من المسلمين معرفته والتدرب عليه ولذلك فإن التدرب على الجثث الحقيقية يعرف الطبيب بمكان العضو المصاب وأوصافه خلافا لمن رأى التدرب على الجثث غير الآدمية لاختلاف الأوصاف وعدم التمكن من الوصول إلى الحق في هذا الموضوع"
مما سبق انتهى الباحث إلى إباحة التشريح للضرورة وهى تعلم الطب وحفظ حقوق الناس والقاعدة التى بنى عليها الشرعية للتشريح ليست صحيحة فأحكام الله ليست مبنية على المصلحة والمفسدة التى يعرفها البشر وإنما على ما يعرفه الله فالحرب فى كل أحوالها مفسدة ومع هذا مباحة عند الاعتداء على المسلمين ومثلا الطلاق مفسدة ومع هذا مباح
فالأحكام لا تقاس بالمنفعة ولا المفسدة وإنما هى إرادة الله وهو أعلم بما يصلح عبادة
وتحدث عن قواعد الطب فقال :
"المبحث الخامس: قواعد الطب الإسلامي
قواعد الطب الإسلامي تؤخذ من القواعد الكلية في الفقه الإسلامي
أولا - قواعد التصرف في الحق لسلامة الحياة والجسد:
أ - حق الله تعالى وحق العبد في نفس هذا الأخير يوكلان لمن ينسبان إليه ثبوتا وإسقاطا
ب - لا يجوز لإنسان أن يتصرف في حق الغير إلا بإذنه
ج - قتل الإنسان أو فصل عضو من أعضائه لا يحتمل الإباحة بغير حق
د - لا يملك الإنسان إسقاط حقه فيما اجتمع فيه حق الله تعالى لعدم جواز تصرفه في حق الله تعالى
هـ - يقدم ما كان فيه حق الله وحق العبد على ما كان فيه حق العبد وحده
و- حق الله مبني على التسهيل بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على التشديد إلا عند الضرورة
ثانيا: قواعد المفاضلة بين المصالح والمفاسد:
- جواز ارتكاب أخف الضررين دفعا لأعظمهما فالواجب تحصيل أعلى المصلحتين فإن تعذر رخص في التقديم والتأخير بينهما ومثاله من صال على نفسين مسلمتين فلم نتمكن من دفعه عنهما فإننا ندفع عن أي واحدة منهما
أ – إذا اجتمعت المفاسد في عمل واحد فإنه لا تفاضل بينها لأن الواجب درء الجميع فإن تعذر ذلك درأنا الأفسد فالأفسد
ب – إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فالمطلوب تحصيل المصالح ودرء المفاسد جميعا إن أمكن فإن تعذر ذلك وكانت المفسدة أعظم من المصلحة أو مساوية لها درأنا المفسدة وفوتنا المصلحة لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح أما إن كانت المفسدة أعظم من المصلحة التي تقابلها فتقدم المصلحة من ذلك مثلا أن مصلحة إنقاذ الحي أولى بالرعاية من مفسدة انتهاك حرمة الموتى بشرط أن تكون المصلحة راجحة على المفسدة وأعظم منها
ج – يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام
- الضرورات تبيح المحظورات:
أ – تقدر الضرورة بقدرها
ب – يجب أن تكون المصلحة التي تقتضيها الضرورة أعظم من مفسدة المحظور
ج – الضرر لا يزال بمثله فلا يجوز مثلا لشخص قتل غيره ليدفع الضرر عن نفسه وذلك بأخذ علاجه أو غذائه الذي هو بحاجة إليه بمثل حاجته هو
د – الحاجة تنزل منزلة الضرورة سواء كانت الحاجة عامة أو خاصة
هـ - الاضطرار لا يبطل حق الغير
ثالثا: قواعد مزاولة العمل الطبي والجراحي:
- حق التطبيب والجراحة لأن الشرع أجاز التداوي فهذا يتضمن جواز ممارسة الطب
- جواز ممارسة الطبيب للجراحة لا تعطيه حق تشريح أجساد الآخرين إلا بالرضا من المريض باستثناء حالات الاستعجال والضرورة
- مراعاة أصول العلاج في حفظ الصحة الموجودة للمريض ورد المفقودة بقدر الإمكان وإزالة العلة أو تقليلها بقدر الإمكان
- استعمال طرق العلاج الأسهل فالأسهل
- لا مسئولية على الطبيب فيما يجوز له فعله
- لا يتقيد عمل الطبيب بشرط السلامة لأن المطلوب منه القيام بالمعتاد ما دام رضي المريض أو وليه بذلك"
وكل ما سبق من القواعد قائم على علاج الحى بأى وسيلة ممكنة مباحة وتحدث عن حكم الشرع فيما سماه الأعمال المستحدثة فقال :
"المبحث السادس: حكم الشرع في بعض الأعمال المستحدثة في الطب والجراحة
الإسلام بطبيعته يشجع البحث العلمي ويدعو إليه ..إلا أن للبحث العلمي في بعض الأحيان هفواته التي لا تغتفر وشطحاته التي لا تصيب الهدف وعلى ذلك لابد من تمحيص النتائج على ضوء القواعد التي وضعها صاحب الشرع سبحانه وتعالى العليم بأحوال عباده فإنه كما قال: {وفوق كل ذي علم عليم}
قطع الأعضاء البشرية لغرض الزرع:
لما كان مما يجوز للطبيب أن يعمل مبضعه في جسم المريض من أجل علاجه وإبعاد الأذى عنه فهل له مثل ذلك ولكن في جسم سليم ليخلص جسما آخر هو بحاجة إلى العلاج ؟ أي هل يجوز أن يكون علاج المريض جزءا أو قطعة أو عضوا من جسم سليم ؟ فيكون الأول معطيا والآخر آخذا أو متلقيا
بالنسبة لزرع عضو في جسم المريض من أجل إنقاذه لا إشكال عليه في الشريعة الإسلامية فإنه علاج مباح ما دام حصل إذن الشرع بالعلاج وإذن المريض بالتداوي وتقبله ولكن الصعوبة كل الصعوبة في قطع العضو من الحي أو الميت
فلنتكلم أولا على استقطاع عضو حي لإنقاذ حي بحاجة إلى ذلك العضو:
أول ما نلجأ إليه في مثل هذا الأمر هو البحث في الشريعة الإسلامية قبل غيرها فإن أجازت هذا العمل ترتب عليه الجواز من الناحية الطبية وإلا فلا والحقيقة أنه لا نص على هذه القضية بصراحة في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة بل هي قضية تندرج تحت غيرها من القواعد الكلية كما أسلفت فيما سبق والقواعد الفقهية تراعي ثلاثة أمور في الغالب هي:
دينية: تتصل بمدى حرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي حيا أو ميتا
فقهية أو قانونية: تتعلق بالوسيلة الفنية التي يمكن بواسطتها بلورة هذا الانتفاع
تزاحم المصالح: أي المفاضلة بين المصالح المتزاحمة
نجد أن الفقهاء أجازوا الانتفاع بلبن الظئر وذلك بتأجيرها أو استئجارها فقد اختلفوا في الناحيتين الأولى والثانية ولكن هذا الاختلاف دل على سعة الأفق والتوقعات المستقبلية لما يجد ويستحدث مما يحفز المختص في أن يبحث مدى شرعية استقطاع الأعضاء من جسم حي أو ميت لغرض الزرع وعليه فلابد من الموازنة والترجيح بين أدلة الإباحة وأدلة الحظر:
هل جسم الإنسان من الأموال وهل هو ملك لصاحبه ؟
والصحيح أن جسم الإنسان ليس مالا له ولا يجوز بيعه
فلا الشرع ولا الطبع ولا العقل يجيز بيع الأجزاء الآدمية لأن الله كرمه وميزه عن غيره والأصل في المبيعات أن تكون أشياء خارجة عن الإنسان وأعضاؤه ليست خارجة عنه وإذا أراد الناس أن يقولوا: ولكن الإنسان تضمن قيمته إذا قتل قلنا: إن هذا استدلال فاسد لأن الأصل في الضمان في الفقه الإسلامي يتمثل في القضاء الكامل للمضمون صورة ومعنى وإن جاز في بعض الحالات فإنه على سبيل الاستثناء وهو قول الجماهير من أهل العلم
هل أجزاء الإنسان المنفصلة عنه طاهرة ؟
إن من شروط صحة العقد أن يكون محل العقد طاهرا منتفعا به طبعا وشرعا فلا يصح العقد على نجس أو محرم
لم يتفق الفقهاء على طهارة الجزء المنفصل فعند الحنفية أن ما انفصل عن جسم حي وكان فيه دم فهو نجس لا يجوز الانتفاع به ونص أيضا على أنه لا يجوز التداوي بعظم الآدمي أو أي جزء منه لعدم الطهارة أو الكرامة الإنسانية
أما المذاهب الأخرى فالراجح فيها أن أجزاء الآدمي المنفصلة طاهرة كجملته كما ذهب نفر إلى جواز بيع أجزاء الإنسان إذا كان يستفاد منها
أما بالنسبة لجثة الإنسان فالراجح في المذاهب الفقهية أنها طاهرة خلافا لبقية الميتات لقوله (ص)((لا تنجسوا أمواتكم فإن المؤمن لا ينجس حيا أو ميتا)) ولكن منع النووي من الانتفاع بأي جزء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته ويتعين دفنه
ويحسن بنا أن نفهم أن حرمة استعمال الدواء النجس إنما تكون عند عدم وجود الطاهر فإن لم يوجد الطاهر جاز استعمال النجس للضرورة وليس في هذا مخالفة لقول النبي (ص)((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) أو ((لا شفاء في نجس)) ويجوز للإنسان أن ينتفع بجزء من أجزائه للتداوي بشرط أن تكون المصلحة في ذلك أعظم من ترك الجزء وتطبيقا لذلك يجوز لصق ما انفصل من الجسد في موضعه كما ويجوز ترقيع الجلد المحروق من مكان آخر سليم
ومعلوم في الفقه الإسلامي أنه لا يجوز بيع الأجزاء الآدمية لأنها ليست ملكا للشخص بل هي بمجموعها مسخرة للإنسان ليقوم بطاعة ربه وقضاء حوائجه ولكن إذا كان بالهبة وبدون مقابل فما الذي يمنع ذلك بشرط أن تكون القضية بوسيلة جائزة ومشروعة
وقد أجاز الفقهاء إجارة الظئر كما قدمنا فهو بيع لأجزاء آدمية بشرط الرضاء الصحيح المحل المبين والسبب المشروع فلبنها مال متقوم يجوز بيعه عند الشافعية والحنابلة في رواية وعند المالكية والله تعالى يقول: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}"
تحدث الباحث عن المسألة من جهات متعددة لا تدل على حرمة ولا على إباحة
أولها القياس على مسألة الظئر واعتبرها بيع لعضو آدمى بينما ليست بيع للعضو لأن الاستفادة من منتج العضو ولم يسمه الله بيع وإنما استئجار والمراد أجر فى مقابل عمل والأجر هو ثمن الطعام الذى ينتج هذا المنتج كما قال تعالى :
" فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن"
فالأم المطلقة بالقطع لا تبيع لبنها لولدها ولا لزوجها وإنما عملية عدل فى التبادل
ثانيها اعتبار أعضاء الإنسان المقطوعة نجسة واعتبار الميت نجس وهو كلام ليس عليه نص من الوحى وإنما النجاسة عملية تتعلق بالنفس من حيث الكفر والإسلام فقال :
"إنما المشركون نجس"
ثالثها بيع الأعضاء ومثله التبرع من حى وهو حى محرم لقوله تعالى :
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
فالبيع والتبرع أذى للحى ولا يمكن لطبيب أن يضمن أن البيع أو التبرع لن يؤذى المتبرع أو البائع فى المستقبل القريب أو البعيد
وإنما المباح فى المسألة هو :
وجوب البحث عن بدائل علاجية كالأعضاء الصناعية وعند تعذر اختراعها أو وجودها يتم الذهاب إلى تبرع الحى ببعض أعضائه بعد موته وعند تعذر وجود متبرع يباح أخذ أعضاء ممن يموتون وحكاية حرمة جسد الميت كحرمة جسد الحى لا تصح فجسم الميت لا يتم علاجه وجسم الميت لا يتوضأ ولا يحمم ولا ينظف مرات متعددة فليس أخذ عضو من ميت اعتداء عليه لأنه لا يشعر ولا يحس بشىء كما أن العضو سيأكله الدود ويتحول لتراب غير مفيد فهل أخذه لحى مريض أفضل أم تركه للدود
وتحدث عن حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار فقال:
"المبحث السابع: حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار
لقد أباح الشرع الإسلامي أكل المحرمات وورد ذلك في القرآن الكريم كقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} ومن هذه الآية المباركة خرج الفقهاء بقاعدة كلية تقول: ((الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها)) والذي يتضح لي في هذا الموضوع أن الله تعالى الذي أباح أكل الميتة لتبقى الحياة لا يمنع من إباحة الاستدواء بها فإن ضرورة الدواء كضرورة الغذاء تبيح المحظورات ويزيد هذا القول قوة أن إباحة الأكل جازت خوفا من الهلاك ومثله العلاج نستعمله خوفا من الهلاك
والفقهاء القدامى منعوا من الانتفاع بلحم الإنسان على بني جنسه في أبواب الضرورة لا أبواب الأطعمة والضرورة في رأي الفقهاء تبيح التداوي بالمحرم إذا لم يوجد غيره من المباحات يقوم مقامه وعليه فهل الضرورة تبيح استقطاع أجزاء من جسم الإنسان أو جثة كوسيلة لعلاج إنسان آخر ؟
...ومن تقدم يحرم هذا العمل حتى للضرورة ومن جانب آخر يجيز الشافعية للمضطر أن ينتفع بأجزاء الآدمي سواء كان معصوم الدم أو مهدور الدم ....
ونتيجة لما تقدم من الحظر والإباحة بشروط كل منهما فهل إذا توافرت شروط الضرورة ورضاء الإنسان بأن يعطي عضوا من جسده إذا كان الهدف من ذلك لا يتعارض مع الكرامة الإنسانية والمصلحة أعظم من المفسدة فهل تنقلب الضرورة إلى إباحة أم لا ؟
أمام هذا الجواب عقبتان:
الأولى: دينية تتجسد في حرمة الآدمي وكرامته من ناحية وفي الضرر الذي يعود عليه من ناحية أخرى
والثانية: تتجسد في الطابع الفقهي لأنها تتصل بالوسيلة (العقود) التي يمكن بها نقل الانتفاع بأجزاء الآدمي إلى آخر غيره
فالعقبة الثانية لا تستوقفنا كثيرا لأن قضايا العقود تختلف من وقت لآخر بينما في العقبة الدينية لابد لنا من وقفة فإنه لما كان جسم الإنسان يتعلق فيه حقان: الأول: حق الله تعالى والثاني: حق الآدمي ولابد من معرفة إذن الشرع وإذن الآدمي كي نرتب عليهما جوابا نهائيا لهذه المسألة
فالله تعالى يقول: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} ففي هذه الآية الكريمة الدليل الواضح لحفظ المصالح الاجتماعية
ويقول تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فالتضحية من أجل الغير لها حدود تتقيد بها بشرط أن لا تؤدي إلى الهلاك أو الضرر والسنة النبوية قد عبرت عن الوحدة الإنسانية ومدى ارتباط المؤمن بأخيه فقال (ص)((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) فمن هذا الحديث الشريف يمكن أن نقول بصراحة: إن أجزاء المسلمين إذا نقلت إلى بعضها البعض دون ضرر للمعطي فإنها مباحة وليست من تغيير خلق الله؛ لأن المسلمين جسد واحد والأحكام الشرعية إنما جعلت لمصالح العباد فقد ترى الشيء لا مصلحة فيه فيمنع منه الشرع فإذا وجدت المصلحة فيه جاز"
والاستدلال بالحديث السابق استدلال خاطىء لو صح الحديث فالرجل اعتبر الجواز من إنسان لإنسان بينما الحديث يتحدث عن أن أعضاء الجسد تقاوم المرض الذى يصيب أحدها فهو تشبيه خاطىء
وأيضا لأن الحديث يتحدث عن التواد والرحمة والتعاطف وليس عن أخذ شىء من جسد لجسد أخر وإنما يتحدث عن عمليات نفسية
وتحدث عن شروط إباحة الاستقطاع من الجثة فقال:
"شروط إباحة الاستقطاع من الجثة:
- أن تكون حالة الضرورة واضحة بينة
- التحقق من موت الشخص المستقطع منه
- أن يكون قد أذن بذلك بدون مقابل في أثناء حياته أو رضي وليه بعد مماته
- أن تكون من مسلم إلى مسلم بناء على الحديث المتقدم
- أن يكون المعطي إنسانا بالغا عاقلا راشدا وله حق الرجوع متى شاء
- أن لا يتجاوز حالة الضرورة للقواعد الشرعية"
وبالقطع عند الضرورة وهى كون المصاب فى حادث محتاج على الفور لا يوجد إذن من أحد وأما المرضى المعروفين فليس ضرورة آنية
وتحدث عن الفتاوى فى الموضوع فقال :
"المبحث الثامن: فتاوى العلماء في هذه المسألة
انعقدت الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية وكانت قد تقدمت سفارة ماليزيا بجدة بمذكرة تستفسر فيها عن حكم إجراء عملية جراحية على ميت مسلم لأغراض مصالح الخدمات الطبية كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وتبين أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية
الثاني: التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة للوقاية منها
الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما
وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي:
بالنسبة للقسمين – الأول والثاني – فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ومفسدة انتهاك حرمة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك وأن المجلس لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا
وأما بالنسبة للقسم الثالث وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة إلا أنه نظر إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص)قال: ((كسر عظم الميت ككسره حيا)) ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر"
والخطأ فى هذا الكلام هو وجود جثث معصومين وغير معصومين وهو كلام يخالف الشرع فكل الجثث معصومة لا يجوز تشويهها أو التمثيل بها والمطلوب دفنها كلها سواء من كافر أو من مسلم
وفى نهاية البحث تحدث البطوش عن رأيه فقال :
"وبناء على ما تقدم فإنني أرى أنه لا مانع من إعطاء الأعضاء والتبرع بها وزرعها بشرط الضرورة الملحة والتحقق من الموت للمعطي بإذنه المسبق أو إذن وليه من مسلم إلى مسلم ومن غير المسلم لغير المسلم وبقدر الضرورة وليس من المسلم لغير المسلم أو لمهدور الدم كقاتل عمد أو مرتد أو زان محصن مستوجب للقصاص؛ لأن في هذا الأخير إعانة على الظلم والباطل ...كما أنني لا أرى فتح الباب على مصراعيه أمام الناس في التبرع بالأعضاء بل بحسب الحاجة وعلى قدر الضرورة خشية أن ينقلب الأمر إلى امتهان كل جثة وهذا ليس من باب الضرورة في شيء لما فيه من تشويه الأموات وإن كان بإذن مسبق منهم ولكن يطلب العضو عند الحاجة إليه ولا بأس أن يكون عندنا الشيء اليسير من الأعضاء المحفوظة للحاجة الذي لا نضطر معه لطلب غيره فإنه لا ضرر ولا ضرار وإنه ليس من شك أن إفادة الناس بعضهم بعضا دليل على الكرامة الإنسانية وليس عكسها والله أعلم وأحكم"
ومما سبق نجد الرجل يبيح التبرع من الميت دون الحى وهو كلام صحيح ولكن حديثه عن دين المريض ودين المتبرع لا يصح فالعلاج هو للإنسان بغض النظر عن دينه ودولة المسلمين مسئولة عن علاج المعاهدين المقيمين فيها من باب القسط وهو العدل كما قال تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"

الثلاثاء، 29 مارس 2022

نقد كتاب سنة التعميم في القرآن

نقد كتاب سنة التعميم في القرآن
المؤلف محمد مهدي الآصفى وهو يدور حول ما سماه بسنة التعميم والمراد بها أن الله يعاقب العامة وهم الجميع على ذنب الخاصة وأن الله ينسب للأبناء من الكفار ما فعله آباءهم ويركز الآصفى على اليهود بصفة خاصة وقد استهل الكتاب بذكر آية نسبة الفقر لله والغنى لهم فقال:
"المقدمة:
(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وان الله ليس بظلام للعبيد الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين )
شأن نزول الآيات:
روي سعيد بن جبير في شأن نزول هذه الآية انه لما نزل قوله تعالي: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قالت اليهود: يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض فانزل الله: (لقد سمع الله قول الذين ) "
لا يوجد دليل على أن الحديث هو سبب النزول لأن الافتقار مذكور فيها بينما غنى القوم ليس مذكورا
وتحدث المؤلف عن دلالة الآيات علي سنة التعميم فقال :
"دلالة الآيات علي سنة التعميم
تدين هذه الآيات اليهود المعاصرين لرسول الله (ص) بأمرين قولهم: (إن الله فقير ونحن أغنياء) (وقتلهم الأنبياء بغير حق ) وقد سمع الله قولهم: (إن الله فقير و نحن أغنياء) واوعدهم ان يكتب عنهم ما قالوا من الإفك ويدينهم بما قالوا و بقتلهم الأنبياء بغير حق (سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ) ويذيقهم عذاب الحريق بما نطقوا من الإفك و بما صنعوا من قتل الأنبياء بغير حق (و نقول ذوقوا عذاب الحريق ) وتؤكد الآية الكريمة لليهود المعاصرين لرسول الله (ص) انهم إنما استحقوا عقوبة عذاب الحريق بما قدمت ايديهم من الإفك والإثم و ليس الله بظلام للعبيد (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) ثم تحكي عنهم الآية الكريمة انهم طلبوا من رسول الله (ص): ان يأتيهم بقربان تأكله النار حتي يؤمنوا برسالته وقال إن الله عهد إليهم بذلك (الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار) فتحاججهم الآية الكريمة بمن قد جاءهم من قبل من الرسل بالبينات وبالذي طلبوا من القربان الذي تأكله النار ومع ذلك فلم يؤمنوا واصروا علي اللجاج والعناد وقتلوهم بغير حق (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات و بالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) وليس من شك أن المخاطبين في هذه الآيات من سورة آل عمران هم اليهود المعاصرون لرسول الله (ص)والضمائر كلها تعود إليهم فهم الذين قالوا: (إن الله فقير و نحن أغنياء) وهم الذين قالوا: (إن الله عهد الينا إلا نؤمن )
والخطاب موجه إليهم في هذا السياق وليس في ذلك شك وقراءة سريعة للآيات الكريمة من آل عمران تكفي لتأكيد هذه الحقيقة ومع ذلك فإن الله تعالي يدينهم ويوعدهم بعذاب الحريق بجرائم آبائهم في قتل الأنبياء من بني إسرائيل بغير حق ولم يكن لهم اي دور في ذلك بالنظرة السطحية التي ينظر الناس من خلالها التاريخ والمجتمع والآيات الكريمة صريحة في الإدانة وفي العقوبة معا(سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) فيدينهم الله تعالي ويعاقبهم بـ (ما فعلوا) وما (لم يفعلوا) ثم تحاججهم الآية الكريمة بما يلزم آباءهم من قتل الأنبياء بغير حق وهذه حجة تلزم آباءهم الذين قتلوا الأنبياء أما الابناء الذين طلبوا من رسول الله (ص) أن يأتيهم بقربان تأكله النار فلم يقتلوا نبيا ولم يعاصروهم فكيف تحجهم الآية الكريمة بما لم يفعلوا ولم يكن لهم فيه دور وشان؟ وجواب هذه الاسئلة جميعا في (سنة التعميم) فقد عمم الله تعالي مسؤولية الآباء في قتل الأنبياء علي الابناء كما عمم الله تعالي عقوبة الآباء في هذه الجريمة علي الابناء ثم عمم الله الحجة التي تلزم الآباء علي الابناء "
والآصفى فيما يبدو من خلال تفسيره هذا يحاول أن يثبت مصيبة من المصائب الكبرى وهى تحمل الأبناء ذنوب الآباء وهو نص فى العهد القديم يخالف وحى الله لكى يبيح ما يسمى بالشعائر الحسينية من اللطم والبكاء وجرح النفس...كتكفير عن ذنوب الآباء مع أنه هو وغيره لا يملكون دليلا على أن أباءهم كاوا موجودين فى ذلك الزمن المزعوم
الآيات تبدو منتزعة من مكان آخر فما قبلها يتحدث عن القتال فى أحد وما بعدها يتحدث عن الموت وغيره
الآيات لم تكن فى زمن النبى(ص) لحدوث آية وهى معجزة القربان فيها وهو ما ينافى منع الله الآيات وهى المعجزات فى عهده بقوله تعالى :
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
الآيات حدثت فى زمن سابق فى زمن رسول لا تعرف اسمه قد يكون عيسى(ص) أو غيره
وتحدث عن الرضا والسخط فقال :
"عامل التعميمالرضاء والسخط
والرضا والسخط من الحب والبغض فإذا رضي الإنسان بعمل قوم اشرك في عملهم من خير أو شر عوقب عليه إن كان شرا وأثيب عليه إن كان خيرا وإذا سخط الإنسان علي قوم تبرأ منهم فالحب والرضا يلحقان الإنسان بالآخرين الذين يحبهم ويرضي عنهم والبغض والسخط يفصلان الإنسان عن الآخرين الذين يبغضهم ويسخط عليهم فهو عامل للوصل والفصل وحيث كان اليهود المعاصرون لرسول الله (ص) راضين بفعل آبائهم في قتل الأنبياء فإن الله تعالي يحملهم مسؤولية جرائم آبائهم ويدينهم بها ويعاقبهم عليها ويلزمهم الحجة بذلك مع انهم لم يعاصروا اولئك الأنبياء و لم يدركوهم فضلا من ان يكون لهم دور في قتلهم روي عن أبي عبدالله الصادق «إن الله حكي عن قوم في كتابه (لن نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم: فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) قال: بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا» ...فأي رسول قتل الذين كان محمد (ص) بين أظهرهم؟ ولم يكن بينه وبين عيسي رسول إنما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين "
بالقطع هذا الكلام مبنى على ما سبقه وهو باطل لأنه يخالف كتاب الله فى كون المسئولية فردية وهو قوله تعالى :
" ألا تزر وزارة وزر أخرى"
وفى نفس المعنى أتت آيات كثيرة مثل:
" كل نفس بما كسبت رهينة"
واستدل عن أن الرضا بفعل يعنى الشراكة فيها مستدلا أن ثمود عوقبت بسبب فعل رجل واحد هو قاتل الناقة فقال :
الاشراك ب (الرضا)
فالرضا يشرك الراضي في فعل من يرضي عنه من خير اوشر مارس الفعل ام لم يمارسه و في كل الآثار: في المثوبة والعقوبة والمسؤولية والإدانة عن امير المؤمنين برواية الشريف الرضي (في نهج البلاغة): «ايها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا» قال سبحانه: (فعقروها فاصبحوا نادمين) فما كان إلا ان خارت ارضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الارض الخوارة "
وهو كلام يخالف كتاب الله ولا يمكن أن يقوله صحابى مؤمن فعقاب ثمود كان بسبب كفرها وهو ظلمها كما قال تعالى:
"ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"
وفى كفر كل الهالكين من ثمود بسبب كفرهم قال:
"وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود"
وكما قلت الرجل يحاول من خلال هذا الكلام الباطل أن يثبت أن المعاصرين مشاركين فى جريمة خذلان الحسين المزعومة ومن ثم فعليهم أن يكفروا عنها ويعلنوا تبرأهم منها بالشعائر المحرمة وفى هذا قال :
"المشاركة في التاريخ بالرضا والسخط
ورد في بعض النصوص الجامعة في زيارة الائمة الشهادة بأنا قد شاركنا أولياءهم وأنصارهم والمقاتلين بين أيديهم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين و هي شهادة غريبة لا يفقهها إلا من يفقه سنة الله في التعميم واليك هذا النص من بعض النصوص الجامعة لزيارة ائمة اهل البيت فنحن نشهد إنا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدمين في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين وقتلة ابي عبدالله سيد شباب اهل الجنة بالنيات والقلوب والتأسف علي فوت تلك المواقع فهذا باب واسع من الفقه في هذا الدين هو فقه «الرضا» و «السخط» وانطلاقا من هذا الفقه فنحن قد شاركنا إبراهيم رائد التوحيد في دعوة التوحيد وفي تحطيمهم الاصنام ومقاومة طاغية عصره نمرود وشاركنا موسي وعيسي بن مريم في دعوة التوحيد ورفض طغاة عصرهم وشاركنا رسول الله (ص) في حربه وغزواته ونشارك الصلحاء والأولياء وائمة التوحيد ..عبر التاريخ في الدعوة إلي الله والنصيحة لعباد الله والذكر والتسبيح والآلام والهموم وما ارقوا من دماء الظالمين وما اريق لهم من الدماء وما هدموا من أركان الظلم والشرك وما اشادوا ومن أركان التوحيد والعدل وهذا باب واسع من الفقه والمعرفة لا يسعه هذا المقال وقد روي بطرق كثيرة: «المرء مع من أحب » "
والأغاليط هنا كثيرة أولها غلط أن الرضا بعمل المسلمين والسخط على عمل الناس السيئات يثاب الناس عليه أو يجاوزن على رضاهم بعمل الكفار
وثانيها أن المرء مع من أحب ولو طبقنا مفهوم الحديث الكاذب لكان الرسول(ص) فى النار لأنه أحب بعض الكفار كما قال تعالى :
" إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء"
ويحاول الرجل إثبات مقولته مرة أخرى عن كون الأمة أمة واحدة عبر العصور فقال :
"كسب الأمة وكسب الفرد:
نلتقي في القرآن ربما لأول مرة في تاريخ الثقافة بفهم جديد للأمة وانطلاقا من هذا الفهم الجديد للأمة ليست الأمة بمعني تجمع كمي من الناس وانما هي حالة بشرية كيفية فلا تساوي الأمة مجموعة الأفراد ولا يساوي فعل الأمة وأثرها وقوتها مجموع افعال الأفراد وآثارهم وقوتهم وليست الأمة من حيث الاساس من مقولة الكم وإنما هي من مقولة الكيف فلا تكون قوة الجماعة مجموعة قوة الأفراد بل «يد الله علي الجماعة» و«مع الجماعة» و«يد الله» أمر آخر غير المجموعة الكمية لقوة الأفراد ولا يختلف في ذلك الأمة المؤمنة عن غيرها فإن للأمة في القرآن أحكاما وآثارا غير ما لمجموع الأفراد من الاحكام والآثار والأمة الواحدة لا يحصرها الزمان والمكان ولا يضر بوحدتها تعدد المكان والزمان والقرآن يعبر عن هذه الأمة المباركة بانها ملة إبراهيم ومن احسن دينا و ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا) وعن إبراهيم بان الأب الأول لهذه الأمة (ملة ابيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين) وعن هذه الوحدة التي تطوي الزمان والمكان يقول تعالي: (وان هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاتقون) ويقول تعالي: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون) وانطلاقا من هذا كله فإن القرآن يقرر أن للأمة فعل و «كسب» غير فعل الفرد وكسبه ونتائج كسب الأمة تعم الأمة كلها في لا خير والشر حتي من لم يشارك ولم يكن له دور في هذا الكسب إذا كان يشاركهم في الرضا والسخط "
وهذا الكلام عن عمومية فعل الأمة الميتة على الأفراد الأحياء منها هو من ضمن الخبل والدليل أن الله اعتبر عمل الأمة السابقة كإبراهيم(ًص) وولديه وأولادهم من بعدهم الأحياء غير مسئولين عنه فقال :
"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
فلا يوجد عمومية فعل للأمة لأن الأمة هى مجموع الأفراد وكل واحد مسئول عن عمله فقط وليس عن عمل غيره
وحاول الرجل أن يبرر ما قاله بذكر العمل والمسئولية الفردية التى تعارض كل ما ذكره من سنة التعميم فقال :
"والطائفة الثانية من الكسب وما يخص الأفراد ولا يكون له مردود علي الهيئة الاجتماعية بشكل واضح في الدنيا والآخرة وعن هذه الطائفة يقول تعالي: (ولا تزر وازرة وزر اخري) ويقول تعالي: (وإن ليس للإنسان إلا ما سعي وإن سعيه سوف يري ثم يجزاه الجزاء الأوفي) وعن «كسب الأمة » الذي يعم الأمة كلها يقول تعالي: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يفعلون) لكل أمة ما كسبت من خير اوشر ولا تسال أمة عما كسبت أمة اخري ولا يخص كسب الأمة الذين شاركوا في هذا الكسب وإنما يعمهم جميعا إذا عموه بالرضا إن الخير والشر الذي تكسبه الأمة يعم الأمة جميعا العاملين و غير العاملين إذا عموه بالرضا وهذه السنة سنة عامة في الدنيا والآخرة "
وعاد للحديث عما سبق فقال :
"موارد التعميم
سنة التعميم سنة عامة شاملة تشمل الدنيا والآخرة و تعم الخير والشر و مواردها و مصاديقها وانحاؤها في حياة الناس كثيرة و نحن نذكر إن شاء الله فيما يلي بعض انحاء و مواد هذه السنة الإلهية في حياة الناس في ضوء النصوص الإسلامية من الكتاب والسنة:
التعميم في الادانة والمسؤولية والعقوبة
إذا ارتكب قوم جريمة وعمهم الآخرون بالرضا عمتهم المسؤولية والإدانة وقد سبق ان اشرنا إلي ذلك ...ولا تغير في السنة الإلهية في تعميم الإدانة والمسؤولية والعقوبة كثرة الراضين بها فإن الإدانة والمسؤولية واستحقاق العقوبة يشملهم جميعا مهما كثروا إذا كانوا راضين بالجريمة عن أبي سعيد الخدري: «وجد قتيل علي عهد محمد رسول الله (ص) فخرج (ص) مغضبا فحمد الله وأثني عليه ثم قال يقتل رجل من المسلمين لا يدري من قتله والذي نفسي بيده لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا علي قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله النار» وعن سليمان بن خالد عن ابي عبدالله «لو أن أهل السموات والارض لم يحبوا ان يكونوا شهدوا مع رسول الله (ص) لكانوا من أهل النار» ولا يغير هذه السنة الإلهية تباعد المكان فلو أن رجلا قتل آخر ظلما بالمشرق فرضي به آخر في المغرب لاستحق بذلك النار روي ان رسول الله (ص): «لوان رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي به في المغرب كان كمن قتله وشرك في دمه» و دائرة الرضا دائرة واسعة تطوي الزمان والمكان و تعم الناس في اوسع مساحة يتصورها الإنسان وقد روي: «إن الراضين بقتل الحسين شركاء قتله ألا وأن قتلته وأعوانهم واشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله» وروي: «إن القائم يقتل ذراري قتلة الحسين لرضاهم بذلك» "
قطعا هذه الرواية بعضها صحيح المعنى وهى الثلاث الأولى وأما بقيتها فلا يصح منها شىء وحكاية الرضا والسخط هنا مبنية على تاريخ باطل غير معروف فى كتاب الله وكل يرضى أو يسخط حسب ما يحكى له واما قتل الأحفاد بجريمة ارتكبها الآباء من قرون عديدة فهو يتعارض مع قوله تعالى" ولا تزر وزارة وزر أخرى"
لأنه بناء على هذا فحسب التاريخ المكذوب للنصارى يجب قتل كل اليهود لأنهم أبناء القتلة حسب العهد الجديد والغريب هو أن النصارى أنفسهم ويسوع كانوا يهودا فكيف سنفرق بين الفريقين وقد كانوا فريقا واحدا ومثلا طبقا لهذا الخبل يحق للمسلمين قتل كل اليهود بالجريمة المزعومة عن تسميم يهودية للنبى محمد (ص) ومثلا طبقا لهذا الخبل يحق حسب التاريخ قتل أهل السنة للفرس ومنهم الشيعة لقتلهم حسب التاريخ عمر بن الخطاب ويحق لبنى أمية قتل الشيعة لأنهم هم وغيرهم شجعوا على قتل عثمان وبذلك يكون هناك ثأر لا ينتهى بين الناس وعقاب لغير القتلة بزعم الرضا وهو رضا ناتج عن الايمان بتاريخ يكذبه كله كتاب الله فكل تلك الخلافات والمعارك والقتلى لم يفتلوا لأن الدولة المسلمة لا تتحول فى عهد الذين آمنوا بالرسول(ص) وهو حى إلى دولة كافرة
القوم لا يعوون قوله تعالى " رضى الله عنهم ورضوا عنه" فهذا القول وغيره ينفى تماما قتالات الصحابة ومن آمنوا بعدهم لأن الله لا يرضى عن الكفار والكفر كما قال :
" ولا يرضى لعباده الكفر"
وعاد الآصفى لتقرير نفس الأمر بذكر ما ظن أنه حدث فى عهد النبى(ص) وقد حذفناه للتكرار ومنه :
"التعميم في الحجة
قرانا بداية هذا البحث ان الله تعالي الزم اليهود المعاصرين لرسول الله (ص) بفعل آبائهم واتخذه حجة عليهم عندما طالبوا رسول الله (ص) بان يأتيهم بقربان تأكله النار ليؤمنوا به .."
ثم تحدث عن التعميم فى الثواب فذكر روايات لا أصل لها فقال :
"التعميم في الثواب
وكما تعم المسؤولية والعقاب يعم الثواب وحسن الجزاء العاملين والراضين و هو من ابواب رحمة الله تعالي علي عباده .. وهو من يقينيات الثقافة الإسلامية روي المحدث القمي في كتابه القيم (نفس المهموم) بسند صحيح عن الريان بن شبيب؛ حال المعتصم قال: دخلت علي ابي الحسن الرضا في أول يوم من محرم ..فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز وجل استجاب الله له كما استجاب لزكريا ثم قال: ...فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها (ص) لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله فلا غفر الله لهم ذلك ابدا يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشي ء فابك للحسين بن علي بن ابي طالب فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من اهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم شبيهون في الارض يا ابن شبيب إن سرك ان تلقي الله عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين يا ابن شبيب إن سرك ان تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (ص) فالعن قتلة الحسين يا ابن شبيب إن سرك ان يكون لك من الثواب مثل لمن استشهد مع الحسين فقل متي ما ذكرته: يا ليتني كنتم معهم فافوز فوزا عظيما يا ابن شبيب إن سرك ان تكون معنا في الدرجات العلي في الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا فلو أن رجلا تولي حجرا لحشره الله تعالي يوم القيامة » "
الحديث به خبل كثير منها أن الحسين من ذرية محمد(ص) وذرية الرجل هم أولاده المباشرين أو أولاد أبنائه الذكور والرجل لم يكن له ذرية سوى البنات كما قال تعالى :
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"
والحسين حسب التاريخ ذرية على
والثانى أن الدرجات العلا تكون بسبب الحزن والفرح مع أل على وهو ما يخالف أنها للمجاهدين كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم ذكر رواية أخرى فقال :
" وروي في «بشارة المصطفي» عن عطية العوفي: قال: خرجت مع جابر بن عبدالله الانصاري؛ زائرين إلي قبر الحسين بن علي ..ثم قال: يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال: واني لك بالجواب وقد شحطت اوداجك علي اثباجك وفرق بين بدنك وراسك فاشهد انك ابن النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوي و سليل الهدي و خامس أصحاب الكساء وابن سيد النقباء وابن فاطمة الزهراء سيد النساء ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ...ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم ايها الارواح التي حلت بفناء الحسين واناخت برحله اشهد انكم اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وامرتم بالمعروف ونهيتهم عن ..احب محب آل محمد ما احبهم وبغض مبغض آل محمد ما ابغضهم وإن كان صواما قواما وارفق بمحب محمد وال محمد فإنه إن تزل لهم قدم بكثرة ذنوبهم تثبت لهم اخري بمحبتهم فإن محبهم يعود إلي الجنة و مبغضهم يعود إلي النار»
الأخطاء عدة أهمها وأولها حكاية السيادة التى تتنافى مع قوله تعالى " إنما المؤمنون أخوة" فلا سيادة بين المؤمنين ولا بين المؤمنات وثانيها دخول الجنة بحب آل محمد وليس بسبب الإيمان والعمل الصال وهو يتناقض مع كون دخول الجنة مرتبط بالإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى:
والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا
وعاد الرجل لحكاية نسبة جرائم الأبناء للأبناء فى نفس الآيات السابقة فقال :
التعميم في نسبته في العمل
"والله تعالي ينسب جرائم الآباء في قتلهم للأنبياء إلي الابناء في اليهود المعاصرين لرسول الله (ص) وليس فقط يحمل الابناء مسؤولية جرائم الآباء ويدينهم بها ويعاقبهم عليها وإنما ينسب فعل الآباء إلي الابناء مباشرة وبالصراحة قال: (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) ..."
وعاد للاستدلال على مقولته الباطلة بتحمل المعاصرين الذنوب إذا رضوا بحكايات التاريخ عن قتل أل على فقال :
التعميم في الشهود والحضور
وتتجاوز هذه السنة الإلهية في التعميم حدود المسؤولية والإدانة والثواب والنسبة وتشمل الشهود والحضور فتنسب إلي الغائبين الحضور والشهود للموقع الذي غابوا عنه وتفصله عنهم مئات السنين والمسافات الممتدة الطويلة والشهود والحضور اعمق مراتب التعميم يقول الشريف الرضي في (نهج البلاغة): لما اظفر الله تعالي امير المؤمنين باصحاب الجمل قال له بعض اصحابه: وددت ان اخي فلانا كان شاهدا ليري ما نصرك الله به علي اعدائك فقال اهوي اخيك معنا؟ قال: نعم فقال: فقد شهدنا ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في اصلاب الرجال وارحام النساء سيرعف الزمان بهم ويقوي بهم الإيمان» وفي النهروان بعد ان استتبت المعركة وانتهت فتنة الخوارج تمني احد اصحابه ان يكون قد حضر اخ له المعركة فقال لقد شهد في هذا الموقف اناس لم يخلق الله آباءهم ..."
وهو تكرار لنفس الباطل السابق فلا ثواب إلا لمن عمل العمل ولا عقاب إلا له كما قال تعالى :
" إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها"
وتحدث عن التعميم فى النتائج فقال :
"التعميم في النتائج والسنن الالهية في المجتمع والتاريخ
للطاعة والعصيان آثار ونتائج في حياة الناس الاجتماعية يقول تعالي: (ولوان أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) ويقول: (كداب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب - ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) ويقول تعالي: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) و هذه النتائج والآثار تجري في حياة الناس بموجب سنن الله تعالي وهي سنن حتمية تجري بأمر لله إلا ان هذه السنن لا تخص العاملين والحاضرين فقط وانما تشمل الحاضرين والغائبين إذا كان يجمعهم الرضا والسخط تاملوا في الآيات المباركات من سورة البقرة (61) وال عمران (112) حيث يذكر الله تعالي العقوبات التي عاقب بها اليهود علي جرائمهم الكثيرة وقتلهم للنبيين و هذه العقوبة هي الذل والمسكنة والبدء بغضب الله و هذه الذلة والمسكنة تجري في حياتهم السياسية والاقتصادية والإجتماعية بموجب سنن الله تعالي في إذلال العصاة والمتمردين ولكن الله تعالي عاقب اجيال الابناء من اليهود بهذه السنة بجرائم الآباء فعمتهم العقوبة الإلهية في الدنيا
تاملوا في هاتين الآيتين من «سورة البقره» و «آل عمران»: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون ) "
وكرر نفس المعنى فقال :
" التعميم في النتائج والسنن الالهية في نفس الانسان
تتحقق السنن الإلهية في حياة الناس في مساحتين: مساحة المجتمع والتاريخ وفي مساحة النفس وقد تحدثنا عن سنة التعميم في السنن الإلهية في مساحة المجتمع والتاريخ ونقول الآن ان سنة التعميم تشمل السنن الإلهية في مساحة النفس البشرية كذلك ففي سورة البقرة يحدثنا القرآن عن مسلسل طويل من تعنت بني إسرائيل و كفرهم بأنعم الله وعنادهم ولجاجتهم وتشكيكهم في آيات الله وقتلهم للنبيين وعصيانهم و تمردهم ثم يقول القرآن الكريم بعد ذلك في بيان سنة الله تعالي في عقوبة بني إسرائيل بعد كل هذا الجحود والكفران والعصيان: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أواشد قسوة ) .."
وهذا الكلام ليس صادقا فليست نتيجة الإسلام دوما هى أن يعيش المجتمع المسلم فى بحبوحة وترف لأن الرسول(ص) ومن معه عاشوا فى فترة ما فى بداية الهجرة فى فقر وجوع كما قال تعالى :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
وتحدث عن تعميم اللعن والبراءة فذكر نصوصا ليست وحيا ولكن المعنى صحيح وهو ينطبق على كل من قتل وكل من رضى بقتل أحد ظلما وليس فى على وأولاده حسب التاريخ فقال :
"تعميم اللعن والبراءة
من مصاديق التعميم تعميم اللعن والبراءة للقتلة والمجرمين والراضين بجرائمهم وفي النصوص الماثورة عن اهل البيت في زيارة الحسين نتلقي هذا التعميم بوضوح وصراحة ففي النص المعروف بزيارة وارث نقرا: «لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به» وهو نص عجيب يستوقف الإنسان للتامل والتفكر فهذه طوائف ثلاثة تعمهم اللعن والبراءة من القتلة والذين ايدوا القتلة بالدعم والإسنادة والذين رضوا عنهم
اللعن والبراءة
...ومن يدخل في مساحة الولاء من المؤمنين يستحق من اعضاء هذه الاسرة الكبيرة النصر والسلام والعصمة واقصد بالعصمة ان يحفظوا دمه وعرضه «كرامته» و ماله وقد اعلن رسول الله (ص) حق المسلم علي المسلمين في «العصمة» في خطاب عام القاه علي المسلمين في مسجد الخيف بمني في آخر حجة حجها رسول الله (ص) بالمسلمين فقال: «يا ايها الناس اسمعوا ما اقول لكم واعقلوه فاني لا ادري لعلي لا القالكم بعد عامنا هذا» ثم قال: اي يوم اعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم قال: فاي شهر اعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر قال: فاي بلد اعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد قال: فان دماءكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلي يوم تلقونه فنسالكم اعمالكم الا هل بلغت قالوا: نعم قال: اللهم اشهد الا من كانت عنده امانة فليؤدها فإنه لا يحل دم امري مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه ولا ترجعوا بعدي كفار» ويحق عليه تجاه المسلمين العزة والسلام والعصمة و نقصد بالسلام ان يسلم المسلمون من يده و لسانه فقد روي عن رسول الله (ص) في ذلك: «المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه» و لا نعرف فيما نعرف من العلاقات الحضارية علاقة اقوي وامتن و في نفس الوقت ارق من علاقة الولاء
ويدخل في دائرة الولاء هذه كل من يشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فإذا اشهدها دخل في عصمة الولاء وعصم من المسلمين دمه و ماله وعرضه واذا انقطع ما بينهما من العصمة كان كل فريق منهما أمة ورحم الله زهير بن القين كان واعيا لهذه الحقيقة لما خاطب جيش بني امية يوم عاشوراء فقال لهم: «يا اهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار ان حقا علي المسلم لنصيحة اخيه المسلم وحن حتي الآن اخوة علي دين واحد مالم يقع بيننا و بينكم السيف فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وانتم أمة » وهذا وعي دقيق لحقيقة كبري من حقائق هذا الدين فإن العصمة إذا ارتفعت بين فريقين من المسلمين و وقع بينهما القتل و بغي احدهما علي الآخر كان كل فريق منهما أمة فإذا كانت إحداهما مرحومة كانت الاخري ملعونة لا محالة» "
وهذا الكلام عن ثبات اسم الأمة على الفرقتين المرحومة والملعونة هو باطل فالأمة المسلمة كلها مرحومة والملعونة لابد أن تكون خرجت منها وأصبحت كافرة
واستدل بنصوص ليست من وحى من زيارة وارث وهو كلام ألفه البعض من القوم وسموه زيارة وارث فحتى الأئمة لم يقولوه ولم يطلبوه عند القوم ولا يصح الاستدلال به لأم كلام أنصار القوم ليس حجة فالحجة كلام الله وحده وفى هذا قال :
"الطوائف الملعونة في زيارة (وارث)
نعود إلي الطوائف الثلاثة التي ورد اللعن عليهم في زيارة وارث وهم: القتلة والمؤيدين لهم والراضين من فعلهم والنص كما يلي: «لعن الله أمة قتلتكم ولعن الله أمة ظلمتكم ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به» ..."
وتحدث عن قتل الحسين فقال :
عاشوراء في خارطة الولاء والبراءة
الحياة ساحة صراع والصراع هو العمود الفقري للتاريخ و لا نستطيع ان نعرف التاريخ بأفضل من هذا التعريف ...و «عاشوراء» عامل دقيق للفرز بين الحق والباطل في هذه الساحة التي طالما اختلط فيها الحق والباطل ..."
وكل هذا الكلام لا قيمة له فذرية على وصراعهم مع بنى أمية والأحداث المحكية فى التاريخ لم تحدث طبقا للقرآن لأن الله كما قال " رضى الله عنهم ورضوا عنه" والأحداث المحكية تدل على كفر أكثر الصحابة وهو ما يتناقض مع رضا الله عنهم
وتحدث عن حكاية الولاء والبراء وكأنها الولاء والبراء من ذرية على مع أن الولاء والبراء فى كتاب الله هو من المؤمنين جميعا والكفار جميعا وليس لمجرد أسرة فقال :
"الولاء والبراءة بالموقف والعمل و ليس بالنية
و «الولاء» و «البراءة» ليس بمعني ان يضمر الإنسان الحب والبغض والإقبال والإدبار وانما هما موقفان بكل ما في الموقف من معني و لربما يكون اصدق كلمة في التعبير عن هذين الموقفين هذه الجملة القوية والمؤثرة في زيارة عاشوراء: «إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم و ولي لم والاكم وعدو لمن عاداكم» ومساحة هذا «السلم» و «الحرب» من اولياء الحسين واعداء الحسين ليست عاشوراء او كربلاء فقط وإنما مساحة التاريخ والمجتمع ..."
وما زال الرجل يحدثنا عن كون الدين أسرة مع أن الدين هو للناس جميعا ولا علاقة له بأسرة محدده فقال :
"الرضا الضحل والرضا العميق
هذا كل إذا كان «الرضا» صادقا فان الامنية الكاذبة والرغبة الكاذبة والحب الضحل لا يدخل الإنسان في دائرة الولاء ولا يخرجه عن دائرة البراءة ولا يكون الرضا السخط صادقين إلا إذا اقترنا بالعزم والعمل اما عند ما يكون «الرضا» و «السخط» مجردين عن الموقف والعزم والعمل فلا قيمة لمثل هذا الرضا والسخط و كان الشاعر الفرزدق؛ دقيقا في وعي هذه الحقيقة عندما سأله الحسين عما و راءه في العراق بعد ان غادر الحسين الحجاز إلي العراق في ذي الحجة سنة ستين هجرية فاجابه علي الخير وقعت «قلوبهم معك وسيوفهم عليك» فان القلوب إذا افترقت عن السيوف فكانت القلوب في جانب الحسين والسيوف في جانب بني امية وخاضعة لإرادتهم و سلطانهم فسوف لن يكون بوسع هذه القلوب ان تخرج اصحابها من دائرة «اعداء الله» و تدخلهم في دائرة «اولياء الله» وقد وجدنا ان هذا الحب الضحل والضعيف الذي كان يضمره الناس في العراق يومئذ للحسين لم يخرجهم من جبهة بني امية ولم يدخلهم يومئذ في جبهة الحسين وليس بوسعنا نحن ان نضع (ولاءنا) في التاريخ والمجتمع في مثل هذا الموضع الضحل من الرضا والسخط والحب والبغض وانما نوالي الذين صدقوا في رضاهم وحبهم لأولياء الله و صدقوا في سخطهم و بغضهم لأعداء الله "
الكتاب كما قلت فى البداية مبنى على الباطل والتركيز على أفراد أنهم الدين هو كلام باطل فالدين هو دين الله وهو للناس جميعا ونحن نوالى كل المؤمنين ونتبرأ من كل الكافرين دون اسم لأننا لا نعلم التاريخ ولا نقدر على الحكم على ما لم نراه فالحكم وهو شهادة تكون مبنية على العلم وليس على روايات كما فى القول المحكى فى القرآن :
"ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين"
فالكاتب يطالب المعاصرين أن يحكموا على شىء لم يروه ولم يعلموه بوجوده فى وحى الله

الاثنين، 28 مارس 2022

قراءة فى كتاب الأم بين برها في الإسلام وعيدها في الغرب

قراءة فى كتاب الأم بين برها في الإسلام وعيدها في الغرب المؤلف محمد مهدي بن نذير قشلان والكتاب يدور حول بر الأم وقد أقر المؤلف بأن الكتيب كان عبارة عن خطبة ألقاها فى مسجد ثم حولها إلى كتاب فقال :
"وبعد:
هذه خطبة جمعة ألقيتها في مسجد سيدنا حمزة بن عبد المطلب –رضي الله عنه ب- سوريا – دمشق - وقد تناولت قضية الاحتفال بعيد الأم .. وما جرى عليه عادة بعض المسلمين من المشاركة فيه .. ، وحذرت وبينت مرض وعلة التشبه والتبعية ... ،ثم طرحت فكرة إعطاء الأم هدية من دون أن نقع بإثم التشبه المقيت ...
فما كان في هذا العمل من صواب وفائدة، فالفضل فيه يرجع لله تعالى وحده، وما وجد فيه من خطأ أو نسيان فهو من صنع يدي، وأنا وحدي المسئول على ذلك أمام الله تعالى ... فأسأل الله المغفرة والقبول مع تقصيري .. مع رجاء دعوة صالحة"
وقد استهل الرجل الكتاب بحديث رواه الأصبهانى يقول:
"أوحى الله تعالى إلى نبي الله موسى عليه السلام فقال يا موسى: {وقر والديك فإنه من وقر والديه مددت في عمره، ووهبت له ولدا يبره، ومن عق والديه قصرت عمره، ووهبت له ولدا يعقه } "
والحديث بائن العوار فتمديد عمر البار وتقصير عمر العاق يعارض كتاب الله الذى يخبرنا بأن العمر لا يتقدم ولا يتأخر عن موعده كما قال تعالى :
"فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وقال على لسان نوح(ص) نفس المعنى:
" إن أجل الله لا يؤخر لو كنتم تعلمون"
ثم أمطرنا الخطيب بالأدعية فقال:
"يا رب:
أكرمنا ما أحييتنا برضاك، وبرضا والدينا عنا، بارك اللهم لنا في حياتهم، وارزقنا برهم، ولا تحرمنا أجرهم، واكتب السعادة لنا ولهم، رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، اللهم اجعل أيام الطائعين كلها أعيادا وأفراحا، وأعياد الكافرين وبالا وخبالا عليهم ... ،اللهم احقن دماء المسلمين، واكتب لهم النصر المبين، اللهم انتقم من كل يد باغية آثمة تلوثت بدم الأبرياء، اللهم انتقم ممن يتم الأطفال، ورمل النساء، وهتك الحرمات، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، ونجعلك في نحورهم، اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، وفك أسرى المأسورين .. برحمتك يا جواد يا كريم. ابن آدم:
تزود من التقوى فإنك راحل وسارع إلى الخيرات فيمن يسارع
فما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا رسول الله: كان يحب المؤمن الفذ في شخصيته، الحر في تفكيره، الذي لا ينقاد لغيره مقلدا ولا متشبها "
وحديثه عن عدم التقليد أتبعه بالحديث التالى:
"قال أنس بن مالك-رضي الله عنه- قدم رسول الله المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما-أي يحتفلون فيهما-،قال: ما هذان اليومان؟
قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية،-فهما يوما فرح وسرور-قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قد أبدلكم الله خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر "
والحديث لو قلنا أن المعنى فيه أن أيام العيد أيام لعب لخبنا وخسرنا فليس فى دين الله لعب لأن اللعب هو دين الكفار لقوله سبحانه:
"وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو"
وقد وصف الله الكفار بكونهم يلعبون فقال :
" ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم "
وبين أن سبب أخذ الكفار وهو هلاكهم هو اللعب كما فى قوله:
"أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون"
وإنما العيد كما جاء فى القرآن يوم أكل يكون فى نفس الموعد وهو ما ينطبق على الفطر بعد صوم رمضان أو ألأكل فى الحج:
"قال عيسى ابن مريم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وأخرنا وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين"
ثم قال متحدثا عن تكريم الإسلام للأم :
"سيدي أبا الزهراء يا رسول الله:
الله أكبر إن دين محمد ... وكتابه أقوى وأقوم قيلا
والحق أبلج في شريعته التي ... جمعت فروعا للورى وأصولا
لا تذكروا الكتب السوالف عنده ... طلع النهار فأطفئوا القنديلا
أما بعد فيا أحباب رسول الله: التاريخ لا يعرف دينا ولا نظاما كرم المرأة باعتبارها (أما) وأعلى من مكانتها مثل الإسلام، فالإسلام أكد على الوصية بالأم وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، فقد قرن الله بر الوالدين بالتوحيد فقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} ،بل إن هذه الوصية من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا}"
والخطأ هنا أن البر بالوالدين بعد العبادة فالبر هو من ضمن عبادة الله وليس منفصلا عنها
وتحدث عن كون الوالدين جنة ونار الإنسان فقال :
"وقد جعل الإسلام برها من أصول الفضائل وعقوقها من الكبائر, كما جعل حقها آكد من حق الأب, لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية، أقبل رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال يا رسول الله: ما حق الوالدين على ولدهما؟ فقال صلوات الله عليه مختصرا: هما جنتك ونارك }"
وقطعا كل شىء فى حياتنا قد يكون سببا فى دخول الجنة بطاعة الله أو سبب فى دخول النار بعصيان الله فيه وتحدث عن اختراع الكفار لعيد الأم وتقليد الناس لهم فقال :
"معاشر الأحبة: لعلي طرحت هذه القضية اليوم باعتبار أن بعض المسلمين اعتادوا أن يقلدوا غير المسلمين بأن يجعلوا من الواحد والعشرين من شهر آذار يوم عيد للأم .. ، وقد طرح علي سؤال بإلحاح ما حكم المشاركة بالاحتفال بعيد الأم .. ،وهل هناك حرمة شرعية بتقديم هدية للأم في هذا اليوم بالذات .. ؟؟
بادء ذي بدء وقبل الإجابة عن هذا السؤال، أقول لكم بحرقة وألم لماذا نشتهي التقليد والتشبه بكل ما يأتينا من هنا وهناك، مرة من الغرب ومرة من الشرق ... ونتناسى شخصيتنا وديننا وأوامر رسولنا .. إن هناك حديثا لرسول الله ما إن يسمعه المؤمن إلا ويشعر بشيء يختلج في قلبه ونفسه، بل إنه ليشعر بأن رسول الله يعيش بيننا، ويرى وينظر حال أمته اليوم، وما وصلت إليه من ضعف وهوان وتبعية .. ،اسمع معي هذا الحديث الذي نطق به الفم الشريف فم سيدنا محمد وكأنه ينظر من وراء الحجب حين قاله ووقع كما قال بعد أربعة عشر قرنا، أخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله-عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم، وفي رواية "لتركبن سنن من كان قبلكم"شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن } فمن غير هؤلاء؟ اتبعت الأمة طريق المغضوب عليهم من اليهود، وطريق الضالين من النصارى، وتركت طريق الأطهار الأخيار الأبرار، تركت أصل عزها، ونبع شرفها ومجدها وكرامتها وسيادتها بل وبقائها، وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة ووراء الغرب الكافر تارة أخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويرحم الله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عندما قال كلمته المشهورة "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"تأملوا حديث رسول الله: {لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم} انظروا هذا التشبيه البليغ لرسول الله "لو دخلوا جحر ضب"وجحر الضب معروف بشدة ضيقه ورداءته وكراهة رائحته، ومع ذلك فإنهم يتبعونهم في أضيق الطرق ..."
وانتهى الرجل فى الفقرة السابقة إلى كون العيد هو اتباع لتقليد أهل الأديان الأخرى خاصة اليهود والنصارى وفى الحقيقة أنه ليس تقليد لهم لأنهم لا يعترفون بعيد الأم وإنما تقليد لمن اخترعوه أيا كانت ديانتهم وقد استدل بذلك على وجود عقدة نقص تجاه الغرب فقال:
"لقد آن الأوان أن يتخلص هؤلاء المقلدون من عقدة النقص أمام الغرب بثقافاته، ومعطياته، وسلوكياته، لا سيما في الجانب الأخلاقي التربوي، وإن كنت في الوقت ذاته أقول بأعلى صوتي: لا حرج على الإطلاق أن تستفيد الأمة من حضارة الغرب في الجانب العلمي والمادي والصناعي، ليت الأمة نقلت أروع ما وصل إليه الغرب في جانب التقدم العلمي، ليت الأمة فعلت ذلك، لكنها بكل أسف تركت أروع وأجمل ما وصل إليه التكتيك الغربي في عالم الاتصالات، في عالم المواصلات، في عالم الذرة، في عالم الكيمياء، في عالم الطب، في عالم الجيولوجيا، في كل هذه العوالم تركت الأمة أروع ما وصل إليه الغرب في هذا الجانب، وراحت لتنقل أعفن وأقذر وأرخص وأحقر ما وصل إليه الغرب في الجانب الأخلاقي والتربوي، الذي يصطدم مع عقيدتنا وأخلاقنا، وقيمنا وديننا، حتى رأينا من بني جلدتنا من يقلد فساق الغرب وضلالهم في كل شيء حتى في تسريحة شعرهم، وفي أسلوب حياتهم من زيي وأكل وشرب ونوم .... تبعية ذليلة، وهزيمة خطيرة، خذ أفضل ما عند الغربيين لا حرج، واترك أعفن ما عند الغربيين مما يصطدم مع دينك وقيمك وأخلاقك.
واسمع معي هذه النبوءة لرسول الله، قال: {لا تترك هذه الأمة شيئا من سنن الأولين حتى تاتيه } وأخرج الترمذي والنسائي والإمام أحمد عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال:"خرجنا مع رسول الله إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر-أي أسلموا حديثا-وللمشركين سدرة-شجرة خضراء كبيرة-يعكفون عندها أي يقفون عندها معتقدين فيها متبركين بها يرومون بها أسلحتهم - أي يعلقون عليها أسلحتهم تبركا بها-يقال لها ذات أنواط فنظرنا إلى سدرة-أي شجرة كبيرة-فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط- أي اجعل لنا شجرة نتبرك بها كما للمشركين شجرة يتبركون بها ويعلقون عليها أسلحتهم. فبم أجاب رسول الله؟ كبر غضبا قال: "سبحان الله، الله أكبر هذا كما قال قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم"وروى الإمام الطبراني عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: {أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل،لتركبن طريقهم حذو القذة بالقذة،- (والقذة):ريشة السهم، وجمعها قذذ، وتكون أيضا متساوية الأقدار، تقص كل ريشة على قدر الأخرى- لتركبن طريقهم حذو القذة بالقذة، حتى لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله، حتى أن القوم لتمر عليهم المرأة فيقوم إليها بعضهم فيجامعها ثم يرجع إلى أصحابه يضحك إليهم ويضحكون إليه }"
وهذا الكلام لم يقله النبى(ص) لأنه علم بالغيب وهو تقليد القوم لليهود وهو لا يعلمه كما قال سبحانه على لسانه:
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
كما لا يعلم بما سيحدث له كما قال :
" وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
فإذا كان لا يعرف ما يحدث له فكيف علم بذلك التقليد ؟
قطعا هو لم يقل ذلك لأنه لا يمكن أن يفترى على الله
وتحدث الرجل عن أن الاحتفال بعيد الأم ليس حراما لعدم وجود نص فقال :
"معاشر الأحبة: لا أقول إن إقامة عيد للأم حرام، فإن التحريم لا يقدم عليه إلا بنص، والأصل في الأشياء والعادات الإباحة. والمنع يأتي من التشبه بغير المسلمين كما ذكرنا، ولا نجد حاجة للاحتفال بعيد للأم في مجتمع الإسلام والمسلمين، وإذا كان لا بد من الاحتفال فلنسمه (يوم الأم) بدل (عيد الأم) كما قال بعض العلماء لأن فكرة العيد عندنا مرتبطة بالدين ولا نود أن يكون لنا عيد غير عيد الفطر، الذي نحتفل فيه بإتمام الصيام لشهر رمضان، وعيد الأضحى، الذي نشارك فيه حجاج بيت الله الحرام في يوم حجهم الأكبر، وعلينا أن لا ننسى مشاعر الأبناء والبنات الذين فقدوا أمهاتهم، فيصبح هذا اليوم يوم حزن ونكد عليهم، فالإسلام لا يحتفل بيوم يسعد في البعض ويعذب ويتألم فيه البعض "
وهذا الكلام عن عدم الحرمة يناقض استدلاله فى أول الخطبة برواية اليومين الفطر وألأضحى فقد استدل بنص عنده ,اما فى القرآن فالنص واضح وهو :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
وليس فى المنزل ما يسمى عيد أو يوم ألأم ولو فتحنا الباب لذلك فسيكون هناك عيد الأب وعيد الأخ وعيد الأخت وعيد العم وعيد العمة وعيد الجد وعيد الجدة...وستكون كل السنة بتلك الطريقة أعياد لا تنتهى فما دام هناك أعياد للأقارب فلماذا لا يكون هناك عيد للصفات كعيد الحب وعيد البعض وعيد العفاف....
إنها باب لن ينسد
وتحدث قشلان عن أن المسلمين يهتمون بالأم طيلة السنة وليس يوم واحد فقال :
"أنا لست ضد تقديم هدية للأم في السنة أو في الشهر مرة، لكن نحن المؤمنون نحتفل بأمنا في كل سنة ثلاثمئة وستين يوما، أما في العالم الغربي فتمر الأيام والشهور الطويلة وأحدهم لا يعرف عن أمه وأبيه شيئا، أذكر أني قرأت مرة أن الشرطة البريطانية عثرت على امرأة ميتة منذ ستة أشهر في بيتها، لم يدر أحد بها إلا بعد أن فاحت الرائحة خارج المنزل، فالأبواب محكمة الإغلاق، وشتاء لندن بارد جدا، من أجل ذلك ما علم بها أحد إلا بعد ستة أشهر، وعجب المحققون ألم يسأل عنها أحد، ألم يبحث عنها أحد؟ وظن الجميع أنها كما يقولون –مقطوعة من شجرة- ولكن بعد البحث عجبت الشرطة أن لها أربعة من الأولاد وهم يسكنون في لندن أيضا، ما فكر ابن أن يتفقد أمه في النصف سنة مرة واحدة، هؤلاء بحاجة إلى عيد أم، أما نحن فتربينا على مائدة الحبيب المصطفى ... الذي زار قبر أمه يوم الفتح العظيم في ألف مقنع أي: مع ألف فارس مغطى بالسلاح، فما رئي -صلى الله عليه وسلم- أكثر باكيا من ذلك اليوم هكذا وفاء الإسلام بالأم في حياتها ومماتها ...
إذن أيها الأحبة: حتى لا تحزن بعض أمهات وتغار من غيرها لا مانع من أن تقدم لها هدية لكن بغير اليوم الذي يحتفل فيه بعيد الأم، لا بأس بما بعد هذا اليوم، ولا بد أن تخبر أمك بسبب تأخرك في إهدائها حتى تكون على وعي ديني صحيح ..."
وهذا الكلام عن تقديم هدية للأم فى ذلك اليوم يتعارض مع منطقه فى تصديق أحاديث التقليد