الاثنين، 31 يناير 2022

نقد رسالة اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم

نقد رسالة اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم
الرسالة تأليف أبي يحيى زكريا بن محمد بن زكريا السنيكي الأنصاري وهو من الأزهريين القدماء وهى تدور حول شروط تعليم العلوم ، وتعلمها المضطرة ، وعلى حصر أنواعها ، وبيان حدودها ، وفوائدها وفى المقدمة فال السنيكى :
"... الحمد لله الذي شرف من فقه بالعلم والعمل ، وزينه بالهداية المقدرة في الأزل ، والصلاة والسلام على أشرف من خلقه الله عز وجل ، وعلى أصحابه المنزهين عن الفاحشة والسفاهة والزلل ، وبعد ...
... فهذه رسالة مشتملة على بيان شروط تعليم العلوم ، وتعلمها المضطرة ، وعلى حصر أنواعها ، وبيان حدودها ، وفوائدها المشتهرة المحررة ، وسميتها باللؤلؤ النظيم ، في روم التعلم والتعليم "
وعلى الفور استهل الرجل القول فى شروط التعلم والتعليم فقال:
"... أما شروط تعلمها وتعليمها فاثنا عشر :
أحدها : أن يقصد به ما وضع ذلك العلم له ، فلا يقصد به غير ذلك ، كاكتساب مال وجاه ، أو مغالبة خصم ، أو مكاثرة ."
هذا الشرط هو ما نسميه فى التعليم هدف المنهج الأكبر وهو أن يستعمل المسلم العلم فيما يفيده ويفيد غيره من المجتمع فالعلوم من حيث الهدف الذى أرسله الله تهدف فى النهاية لطاعة الله التى ينتج عنها خيرى الدنيا والآخرة كما قال تعالى:
"وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"
فالطاعة هى لإذن وهو أمر الله المنزل على كل رسول وهو العلم كما قال:
"وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم"
وأما إذا كان الرجل يقصد العلوم التى وضعها البشر فالهدف منها يختلف فالعلوم الحالية الكثير منها وضع لاضلال بقية البشر
وهذا الهدف بالقطع عندما نعلم الأطفال ويقبلون التعليم فهم لا يعلمون به ولا يقدرون على استيعابه وإنما يصلح عند تعليم العقلاء وهم الكبار بيانه لهم
ثم حدثنا عن شىء يسمونه الفروق الفردية حاليا وهو اختلاف البشر من حيث صلاحية كل منهم لتلقى علم ما فقال :
"ثانيها ... : أن يقصد العلم الذي يتعلمه طباعه إذ ليس كل أحد يصلح لتعلم العلوم ، ولا كل من يصلح لتعلمها يصلح / لجميعها ، ولا كل من يصلح لتعليمها يصلح لجميعها ، بل كل ميسر لما خلق له ."
وهذا الكلام خطأ فكل واحد منا صالح لتلقى أى علم من العلوم لأننا كلنا نولد فى حالة واحدة وهى الجهل فلا يعلم منا أى واحد شىء ومن ثم لدى كل منا نفس الفرصة للتعلم وفى هذا قال تعالى :
"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
وحدثنا عن هدف كل علم ووجوب معرفة المتعلم له فقال :
"ثالثها ... : أن يعلم غاية ذلك العلم ؛ ليكون على ثقة من أمره ."
وكما سبق القول تعليم الصغار ليس مطلوبا فيه تعليم الأطفال أهدافه لأن الغرض من التعليم هو تربيتهم سلوكيا ومعرفيا كى يقدروا على التعامل مع الحياة وهم لا يستوعبون أن يقال لهم أن أهداف الدروس كذا وكذا وكذا ومن ثم يمكن تعريفهم الأهداف عندما يكبرون
وحدثنا عن وجوب ابتداء أى علم والوصول لنهايته فقال :
"رابعها : أن يستوعب ذلك العلم من أوله إلى آخره ، تصويرا وتصديقا " وهو أمر مطلوب بالتدريج فى تعليم الأفراد من الصغر إلى سن الشباب ولكن للأسف المناهج الحالية لا تفعله إلا القليل منها
وحدثنا عن وجوب قراءة كتب العلم الشاملة لذلك النوع من العلم فقال :
"خامسها ... : أن يقصد فيه الكتب الجيدة ، المستوعبة لجملة الفن "
وهذا الكلام هو ترديد لصدى الشرط السابق وأما الشرط التالى فهو القراءة على المعلم الأمين وفيه قال :
"وسادسها ... : أن يقرأ على شيخ مرشد أمين ناصح ، ولا يستبد بنفسه ، وذكائه "
وهذا الكلام ينطبق على ما يسمى التعليم الحر حيث يختار الطالب معلميه ويجربهم ليعلم الأمين العالم من غيره وأما التعليم الممنهج فليس فه تلك الحرية فالمفروض فيه أن المعلمين فيه حاصلين على نفس القدر من العلم ولكن نتيجة طبيعة تنظيم التعليم الطالب مجبر على تلقى العلم ممن يحب أو يكره وحدثنا فى السابع عن وجوب تناقش الطالب مع الدارسين الأخرين فقال :
"سابعها ... : أن يذكر به الأقران والأنظار ؛ طلبا للتحقيق ، لا للمغالبة على الإفادة والاستفادة ."
وحاليا هذا الكلام يدخل ضمن الكثير من طرق التدريس الحديثة وهى ليست حديثة بالقطع ولكنهم يخترعون لها أسماء متعددة كلها يدخل تحت مسمى المناقشة والحوار وحدثنا عن أن المتعلم لابد أن يعلم غيره ولا يهمل ما تعلمه فقال:
"ثامنها ... : أنه إذا حصل ذلك العلم لا يضيعه بإهماله ، ولا يمنعه مستحقه ، لخبر ( من علم علما نافعا وكتمه ، ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من نار ) ولا يؤتيه غير مستحقه ؛ لما جاء في كلام النبوة : لا تعلقوا الدر في رقاب الخنازير ، أي تؤثروا العلوم غير أهلها .
تاسعها ... : أن يثبت ما استنبطه بفكره مما لم يسبق إليه لمن أتى بعده ، كما فعل من قبله، فمواهب الله تعالى لا تقف عند حد ."
وتعليم العلم يكون لكل مسلم أو إنسان ينتفع بالعلم والحديث السابق لم يقله النبى(ص) والخطأ الأول فيه تعميم كتم العلم كسبب لدخول النار وهو يخالف أن العلم منه ما يكتم ومنه ما لا يكتم فقد طالب الله نبيه (ص)بكتم العلم بحدود الله عن الأعراب الكفار المنافقين فقال "الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله "والخطأ الثانى إلجام الكاتم بلجام من النار ولا يوجد فى القرآن إلجام ربط لهم من الأعناق كما قال "إنا جعلنا فى أعناقهم أغلالا فهى إلى الأذقان فهم مقمحون "
والشرط التالى هو ألا يظن المتعلم أنه وصل لنهاية العلم فى قوله :
"عاشرها ... : أن لا يعتقد في علم أنه حصل منه مقدارا لا يمكن الزيادة عليه ، فذلك نقص وحرمان "
وهو ما يتعارض مع قوله "رابعها : أن يستوعب ذلك العلم من أوله إلى آخره" فهنا مطلوب استيعاب العلم من أوله لأخره والعلم فيه علوم لها نهاية وهناك علوم ليس لها نهاية معروفة كالطب من حيث اكتشاف الأمراض واختراع أدويتها
والشرط السابق يتعارض مه وجود حدود لكل علم فى قوله فى الشرط التالى:
"حادي عشرها : أن يعلم أن لكل علم حدا ، فلا يتجاوزه ، ولا ينقص عنه "
وحدثنا عن عدم إدخال العلوم فى بعضها فى التعلم والمناظرة فقال :
"ثاني عشرها : أن لا يدخل علما في علم آخر ، لا في تعلم ولا في مناظرة ؛ لأن ذلك يشوش الفكر "
وهذا الشرط يكاد يكون محالا ولكن فى التعليم الممنهج يتم عزل العلوم عن بعضها ولكن هذا العزل لا ينفى ارتباط العلوم ببعضها وحدثنا عن حقوق المعلم وحقوق الطالب فقال :
ثالث عشرها : أن يراعي كل من المتعلم والمعلم الآخر ، خصوصا الأول ؛ لأن معلمه كالأب ، بل أعظم؛ لأن أباه أخرجه إلى دار الفناء ، ومعلمه دله إلى دار البقاء ."
ثم حدثنا عن العقبات فى طريق العلم فقال :

" واعلم أن للاشتغال بالعلم آفات كثيرة ، عدمها في الحقيقة له شروط ، فمنها :
ـ الوقوف بالزمن المستقبل ، فيترك التعلم حالا ؛ لأن اليوم في التعلم والتعليم أنفع ، وأفضل من غدا وأفضل منه أمس ، والإنسان كلما كبر/ كثرت عوائقه . ... ... "
ـ ومنها الوقوف بالذكاء ، فكثير من فاته العلم بركونه إلى ذكائه، وتسويفه أيام الاشتغال.
ـ ومنها التنقل من علم قبل إتقانه إلى آخر، ومن شيخ إلى آخر قبل إتقان ما بدأ به عليه ، فإنه هدم لما قد بني .
ـ ومنها طلب الدنيا ، والتردد إلى أهلها ، والوقوف على أبوابهم .
ـ ومنها ولاية المناصب ؛ فإنها شاغلة مانعة ، كما أن ضيق الحال أيضا مانع ."
وهذه العقبات هى ما يسمونه حاليا بأسباب مشكلة تسرب الطلاب وقد قام الرجل بحصر العلوم فحددها بالعدد47 فقال :
" وأما حصر أنواع العلم فهي سبعة وأربعون علما وهي :
ـ إما شرعية ، وهي ثلاثة : الفقه ، والتفسير ، والحديث .
ـ وإما أدبية ، وهي أربعة عشر : علم اللغة ، وعلم الاشتقاق ، وعلم التصريف ، وعلم النحو ، وعلم المعاني ، وعلم البيان ، وعلم البديع ، وعلم العروض ، وعلم القوافي ، وعلم قريض الشعر ، وعلم إنشاء النثر ، وعلم الكتابة ، وعلم القراءات ، وعلم المحاضرات ، ومنه التواريخ .
ـ وإما رياضة ، وهي عشرة : علم التصوف ، وعلم الهندسة ، وعلم الهيئة ، والعلم التعليمي ، وعلم الحساب ، وعلم الجبر والمقابلة ، وعلم الموسيقى ، وعلم السياسة ، وعلم الأخلاق ، وعلم تدبير المنزل .
ـ وإمأ عقلية ، وهي عشرون : علم المنطق ، وعلم الجدل ، وعلم أصول الفقه ، وعلم أصول الدين ، والعلم الإلهي والطبيعي ، وعلم الطب ، وعلم الميقات ، وعلم النواميس ، وعلم الفلسفة ، وعلم الكيمياء ، وعلم الأرتماطيقي ، وعلم المساحة ، وعلم البيطرة، وعلم الفلاحة ، وعلم السحر ، وعلم الطلسمات ، وعلم الفراسة ، وعلم أحكام النجوم ."
وهذا التقسيم بالقطع ليس تقسيما سليما لكونه تقسيم بشرى وهو يعتمد تقسيم فى الغالب مأخوذ من الفلسفة فالعلوم كلها شرعية ولكنها تنقسم لمباحة الاستعمال ومحرمة الاستخدام وكثير من العلوم السابقة لا ينبغى تدريسها كالعلوم اللغوية سوى تعلم القراءة والكتابة لأنها شغل للناس فيما لا ينفعهم بشىء فالتعليم فى الإسلام قاصر على تعلم العلوم المستعملة فى الحياة فقط
وحدثنا عن حد كل علم فقال :
... وأما بيان حدودها وفوائدها :
... فعلم الفقه علم بحكم شرعي عملي مكتسب من دليل تفصيلي ، وفائدته امتثال أوامر الله ونواهيه .
... وعلم التفسير هو علم يعرف به معاني كلام الله تعالى من الأوامر والنواهي ، وغيرهما ، وفائدته الاطلاع على عجائب / كلامه تعالى ، وامتثال أوامره ونواهيه .
... وعلم الحديث رواية علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا ، أو فعلا ، أو تقريرا ، أو صفة ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في نقل ذلك .
... وعلم الحديث دراية علم يعرف به حال الرواية والمروي من حيث القبول والرد ، وفائدته معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك .
... وعلم اللغة علم يعرف به أبنية الكلم ، ويقال : علم بنقل الألفاظ الدالة على المعاني المفردة ، وفائدته الإحاطة بها؛ لمخاطبة أهل اللسان، وللتمكن من إنشاء الخطب والرسائل .
... وعلم الاشتقاق علم يعرف به أصل الكلم وفرعه ، وفائدته التمييز بين المشتق والمشتق منه
... وعلم التصريف علم بأصول يعرف به أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في اللسان ، والتمكن في الفصاحة والبلاغة .
... وعلم النحو علم بأصول يعرف به أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في اللسان .
... وعلم المعاني علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ، وفائدته التمكن من مخاطبة أهل اللسان بذلك .
... وعلم البديع علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية المطابقة ، ووضوح الدلالة ، وفائدته معرفة أحوال الشعر ، وما يدخل فيه من المحسنات ، وغيرها .
... وعلم العروض علم بأصول يعرف بها صحيح أوزان الشعر وفاسدها ، وفائدته لذي الطبع السليم أن يأمن اختلاط بعض البحور ببعضها ، وأن يعلم أن الشعر المأتي به أجازته العرب ، أو لم تجزه ، والهداية إلى الفرق بين الأوزان الصحيحة والفاسدة في النظم .
... وعلم القوافي علم يعرف به أحوال أواخر الأبيات / الشعرية من حركة وسكون 4 أ ولزوم وجواز ، وفصيح وقبيح ، ونحوها ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في القافية .
... وعلم قريض الشعر علم يعرف به كيفية النظم وترتيبه ، وفائدته كيفية إنشاء القريض السالم من العيوب .
... وعلم إنشاء النثر علم يعرف به كيفية إنشائه ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في الإنشاء .
... وعلم الكتابة علم يعرف به أحوال الحروف في وصفها ، وكيفية تركيبها ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في الكتابة .
... وعلم القراءات علم بأصول يعرف بها أحوال ألفاظ القراءات من حيث النطق بها ، وفائدته معرفة ما يقرأ به كل من أئمة القراء ، والقرآن كلام الله تعالى المنزل على نبيه ، المكتوب بين دفتي المصحف ، وفائدته سعادة الدارين .
... وعلم التصوف علم بأصول يعرف به صلاح القلب ، وسائر الحواس ، وفائدته صلاح أحوال الإنسان .
... وعلم الهندسة علم يعرف به خواص المقادير، الخط ، والسطح ، والجسم التعليمي ، ولواحقها وأوضاعها ، وفائدته معرفة كمية مقادير الأشياء .
... وعلم الهيئة علم يعرف به الأجرام البسيطة من حيث كميتها ، وكيفياتها ، وأوضاعها ، وحركاتها اللازمة لها ، وفائدته معرفة أعيان تلك الأجرام ، وكميتها ، وكمية كل مقدار منها ، وما يلحقها .
... والعلم التعليمي ما يبحث فيه عن أشياء موجودة في مادة كالمقادير والأشكال والحركات ، وفائدته معرفة أعيان تلك الأشياء ، وكميتها ، وكمية كل مقدار منها ، وما يلحقها .
... وعلم الحساب علم بأصول يتوصل به إلى استخراج المجهولات العددية ، وفائدته صيرورة ذلك العدد من الحيثية المذكورة معلوما ؛ باستعمال قوانينه .
... وعلم الجبر علم بأصول يعرف بها ؛ لاستخراج كمية المجهول بمقدمات معلوماته ، وفائدته صيرورة تلك المقادير / المجهولة معلومة باستعمال قوانينها . ...
... وعلم الموسيقى علم بأصول يعرف بها النغم ، وكيفية تأليف الألحان بعضها من بعض ، وفائدته بسطة الأرواح وقبضها ، ولهذا يستعمل في الأفراح ، وفي الحروب ، وعلاج المرضى .
... وعلم السياسة علم بأصول يعرف بها أنواع الرئاسات ، والسياسات الدنيوية وأحوالها ، وفائدته معرفة السياسات المدنية الفاصلة بين المظلومين ، والإنصاف بينهم .
... وعلم الأخلاق علم بأصول يعرف به أنواع الفضائل ، وكيفية اكتسابها ، وأنواع الرذائل ، وكيفية اجتنابها ، وفائدته الاتصاف بأنواع الفضائل ، واجتناب أضدادها .
... وعلم تدبير المنزل علم بأصول يعرف به الأحوال المشتركة بين الرجل وزوجته وولده وخدمه ، وفائدته انتظام أحوال الإنسان في منزله ؛ ليتمكن من كسب السعادة للآجلة والعاجلة
... وعلم المنطق علم بأصول تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الذكر ، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في الفكر .
... علم الجدل علم بأصول يعرف به كيفية تقدير الأدلة، ورفع الشبهة عنها ، وفائدته معرفة تحرير المباحث الفقهية والأصولية ، ويستميل الفكر .
... وعلم أصول الفقه علم بأصول يعرف بها أدلة الفقه الإجمالية ، وطرق استفادة جزئياتها ، وحال مستفيدها ، وقبيل معرفتها ، وفائدته نصب أدلة على مدلولها ، ومعرفة كيفية الاستنباط .
... وعلم أصول الدين علم بالعقائد الدينية عن الأدلة التعيينية ، وفائدته معرفة ما يطلب اعتقاده .
... والعلم الإلهي علم بأصول يعرف به أحواله الموجودة ، وما يعرض لها ، وفائدته ظهور المعتقدات الحقة ، والمعتقدات الباطلة .
... والعلم الطبيعي علم يبحث فيه عن / أحوال الجسم المحسوس من حيث أنه 5 أ معرض للتغيير ، وفائدته معرفة الأجسام الطبيعية البسيطة والمركبة ، وأحوالها ، ويقال علم الكلام بأنه مبني على أصول الفلسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، وأن الواحد لا يكون قابلا وفاعلا معا ، وأن العادة ممتنعة ، وأن الوحي ، ونزول الملك محالان ، ونحو ذلك .
... وأما علم الكلام فمبني على أصول الإسلام من كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه ورسوله ، والإجماع والعقول الذي لا يخالفها .
... وعلم الطب علم يعرف به أحوال بدن الإنسان من صحة ومرض ، ومزاج وأخلاط ، وغيرها مع أسبابها من المأكل وغيرها ، وفائدته استعمال أسباب الصحة ، والإعلام بها .
... وعلم الميقات علم يعرف به أزمنة الأيام ، والليالي وأحوالها ، وفائدته معرفة أوقات العبادات ، وتوخي جهتها .
... وعلم النواميس علم يعرف به أحوال حقيقة النبوة وأحوالها ، ووجه الحاجة إليها ، والناموس يقال للوحي ، وللملك النازل ، وللسنة ، وفائدته بيان وجوب النبوة ، وحاجة الإنسان إليها في حياته ومعاده .
... وعلم الفلسفة ، ويسمى عند بعضهم علم الأخلاق وتدبير المنزل علم بأصول يعرف به حقائق الأشياء والعمل بما هو أصله ، وفائدته العمل بما ارتضاه العقلاء من حسن وقبيح .
... وعلم الكيمياء علم بأصول يعرف به معدن الذهب والفضة ، وفائدته الانتفاع بما يستخرج منها ويتفرع عن علم ذلك علم آخر .
علم الأرتماطيقي علم بأصول يعرف بها أنواع العدد ، وأحواله ، وكيفية تولد بعضه من بعض ، أي من حيث أنه زوج أو فرد ، أو زوج زوج ، وفرد فرد ، ونحوها ، وفائدته ارتباط / الذهن بالنظر في المجرد من المادة ولواحقها . ... ... ... ... ...
وعلم المساحة علم يعرف به استخراج مقدار أرض معلومة بنسبة زرع أو غيره ، وفائدته العلم بمقدارها .
وعلم البيطرة علم بأصول يعرف بها أحوال الدواب من صحة أو مرض ، وفائدته استعمال ما يصلح لها .
وعلم الفلاحة علم يعرف به أحوال النبات من تنميته ، والقي والعلاج ، وفائدته معرفة حاله من نمو وغيره .
وعلم السحر والطلسمات علم بكيفية استعدادات تقدر بها النفوس البشرية ، وعلم ظهور التأثير في عالم العناصر إما بلا معين ، أو بمعين سماوي ، فالأول السحر ، والثاني الطلسمات ، وفائدتهما تغير الشيء من حال إلى حال .
وعلم الفراسة معاينة المغيبات بالأنوار الربانية ، بسبب تفرس آثار الصور ، وفائدته الإخبار بما ظهر بالتفرس .
وعلم التعبير ، الرؤيا علم يعرف به الاستدلال من المخيلات الحكمية على ما شاهدته النفس حال النوم من عالم الغيب ، فخيلته القوة المخيلة بمثال يدل عليه في عالم الشهادة ، وفائدته الإخبار بما ظهر بالاستدلال بما ذكر .
وعلم أحكام النجوم علم يعرف به الاستدلال بالتشكلات الفلكية على الحوادث السفلية ، وفائدته العمل بما ظهر بالاستدلال بما ذكر ."
وحدثنا عن ارتباط العلوم ببعضها فى النهاية فقال :
"واعلم أن بعض العلوم المذكورة قد يدخل في بعض منها ، ولا تنافي ، فإن علم الفرائض وإن كان داخلا في الفقه ، قد أفرد على حدته ، وكعلم الأرتماطيقي وإن كان داخلا في العلم التعليمي ، قد أفرد على حدة"
وهذه الرسالة تدل على أن ما يسمى العلوم التربوية موجودة فى بعض كتب التراث ولكن للأسف فإن كليات التربية والآداب التى تخرج المعلمين انشغلت بترجمة كتب الغرب والشرق الكافرين لتعليمهم للمعلمين الجدد دون أن تبحث فى التراث النافع

الأحد، 30 يناير 2022

نقد كتاب اتحاف الخلان في الكلام على حديث خلق آدم على صورة الرحمن

نقد كتاب اتحاف الخلان في الكلام على حديث خلق آدم على صورة الرحمن
الكتاب من تأليف سعد بن ضيدان السبيعي وهو من أهل العصر وهو يدور حول إثبات رواية خلق أدم على صورة الرحمن ومعناها ويكفى رد الرواية بكلمة صورة الرحمن فالرحمن تنزه عن الصور والصورة هى تعنى وجود جسم له كالمخلوقات وهو ما يتنافى مع قوله تعالى "ليس كمثله شىء" وفى مقدمته قال السبيعى:
" أما بعد:فهذا المبحث تكلمت فيه على حديث "خلق أدم على صورة الرحمن" فقمت بتخريجه، وجمع طرقه، والكلام على علله، وبيان من صححه من العلم، ومن ضعفه ثم تكلمت على معنى هذا الحديث، وما جاء في معناه من أحاديث، ومايدل عليه، وذكرت أقوال المخالفين وما جاء في الرد عليهم وقد أسميته بـ"اتحاف الخلان بالكلام على حديث خلق أدم على صورة الرحمن"
وقد أوضح السبيعى رأيه مباشرة بأنه يصدق الرواية لنقله الكلام التالى عن ابن تيمية فقال:
"ومن أنفس ما كتب في الكلام على الحديث، وما جاء في معناه من أحاديث، كحديث أبي هريرة مرفوعا عند البخاري (3326) (6227) ومسلم (7163): (خلق الله أدم على صورته، طوله سبعون ذراعا الحديث)ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم "بيان تلبيس الجهمية" في رده على الرازي فقد بين أنه لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله تعالى، وأن سياق الأحاديث كلها تدل على ذلكثم أوضح المسألة بما لامزيد عليه، فرد على المخالفين القائلين بأن الضمير في الحديث يعود على أدم (ص) من ثلاثة وعشرون وجها، ورد على من قال بأن الضمير في الحديث يعود على المضروب من ثلاثة عشر وجها وأثبت أن الضمير يعود على الله عزوجل، ودافع عن حديث"خلق أدم على صورة الرحمن"،فراجعه فإنه مهم أقول وأليس الشأن هنا إثبات الصورة لله عز وجل فهذا له موضع آخر، فالنصوص في إثبات الصورة لله جل في علاه متواترة في السنة، وأجمع على ذلك سلف الأمة"
السبيعى هنا يتحدث عن أنه لا توجد مشكلة فى وجود صورة لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا لأن الصورة ثابتة بالروايات وهو كلام لا يقوله من يصدق بقوله تعالى "ليس كمثله شىء"
الروايات وإن اجمعت وأجمع الناس عليها فهى كذب على الله ورسوله(ص) الذى لم يقل شىء من هذا العبث فى ذات الله لأن التعبير يثبت وجود جسم ووجود حدود لله ووجود أجزاء لله لأن أى جسم مكون من أجزاء فالمقولة هى كوارث متتالية تجعل الله وكأنه واحد صاحبنا من المخلوقات تعالى عن ذلك علوا كبيرا
هرب الرجل من صورة الرحمن للحديث عن كون صورة آدم (ص)على صورة الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فقال :
"إنما الشأن الكلام على حديث: (خلق آدم على صورة الرحمن)،وحديث: (خلق الله آدم على صورته)"

استهل الرجل الكتاب بالحديث عن إثبات صحة الحديث فقال :
صحة حديث: (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)
الحديث جاء من ثلاثة طرق:
الطريق الأول:
أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (498) , وابن أبي عاصم في السنة (529)،والحارث في مسنده (24)،وابن خزيمة في التوحيد (44)، و الآجري في الشريعة (725) (3/ 1152)،والطبراني في الكبير (13404)، والدارقطني في الصفات (50) ,والحاكم في المستدرك (3296)،والبيهقي في الأسماء والصفات (432)،وابن بطة في الإبانة (2573) كلهم من طريق جرير بن عبدالحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: (لا تقبحوا الوجه , فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن)
الطريق الثاني:
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (45) من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء مرسلا بلفظ: (لا تقبحوا الوجه , فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن)
الطريق الثالث:
أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1243) وابن أبي عاصم في السنة (533) وابن بطة في الإبانة (2575)
من طريق عبدالله بن لهيعة عن أبي يونس سليم بن جبير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): (من قاتل فليجتنب الوجه , فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن)والدارقطني في الصفات (51) من طريق ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة
أقول هذا الحديث بطريقه الأول أعله الإمام ابن خزيمة بعلل ثلاث:
الأولى: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده , فأرسله الثوري ولم يقل عن ابن عمر
الثانية: أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت
الثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء
أقول والعلة الرابعة:

حديث حبيب بن أبي ثابت عن عطاء ليس بمحفوظ
قال يحيى بن سعيد القطان عن حبيب بن أبي ثابت: حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ وقال العقيلي: وله عن عطاء أحاديث لايتابع عليها منها حديث عائشه لاتسبخي عنه
والعلة الخامسة:
في سماع عطاء بن أبي رباح من ابن عمر قال الإمام أحمد: لم يسمع عطاء من ابن عمر
وقال علي بن المديني: رأى ابن عمر ولم يسمع منه
مع أن عطاء قد رأى ابن عمر كما عند البخاري معلقا، وذكر الطبراني أحاديث فيها تصريح عطاء بالسماع من ابن عمر والا يصح منها شيء
والعلة السادسة:
جرير بن عبدالحميد الضبي نسب في أخر عمره إلى سوء الحفظ
قال الذهبي ذكر البيهقي في سننه في ثلاثين حديثا لجرير بن عبدالحميد قال: قد نسب في أخر عمره إلى سوء الحفظ
أقول وقد تفرد به أيضا عن الأعمش!
قال الدارقطني: حديث لاتقبحوا الوجه تفرد به جرير بن عبدالحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء
الجواب عن العلة الأولى:
أن هذه ليست بعلة لأمور ثلاث:
1 - أن سفيان الثوري وإن كان أتقن من الأعمش إلا أن الأعمش أحفظ منه، فهى زيادة ثقة مقبوله
2 - أن الإمام ابن تيمية لم يجعل حديث الثوري المرسل معارضا لحديث الأعمش المسند المرفوع

قال : (عطاء بن أبي رباح إذا أرسل هذا الحديث عن النبي (ص) فلابد أن يكون قد سمعه من أحد، وإذا كان في أحد الطريقين قد بين أنه أخذه عن ابن عمر كان هذا بيانا وتفسيرا لما تركه وحذفه من الطريق الأخرى، ولم يكن هذا اختلافا أصلا)
3 - أن الإمام أحمد ذكر أن الثوري رواه موقوفا على ابن عمر ففي ترجمة أبي إسحاق ابن شاقلا ت 369 هـ قال: وأما أحمد بن حنبل فذكر أن الثوري أوقفه على ابن عمر وفي قال المروذي: قلت لأبي عبدالله: كيف تقول في حديث النبي (ص) " خلق آدم على صورته"؟
قال الأعمش: يقول: عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) فأما الثوري فأوقفه يعني حديث ابن عمر وهذا يخالف ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 86) من طريق سفيان الثوري , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء مرسلا ,
وبهذا يجاب عن الطريق الثاني، أقول ولعل الإمام أحمد يقصد بالوقف الإرسال
الجواب عن العلة الثانية:
أن الأعمش من المقلين من التدليس، وذكره الحافظ ابن حجر في مراتب المدلسين في المرتبة الثانية أي ممن يحتمل تدلسيهم
الجواب عن العلة الرابعة:
يجاب عنها بأن جرير بن عبدالحميد الضبي يحدث من كتابه غالبا والتغير الذي حصل له لاتصح نسبته إليه، وإنما هو وهم!
قال أبو حاتم: صدوق، تغير قبل موته وحجبه أولاده
قال الذهبي: وكذا نقل أبوالعباس النباتي هذا الكلام في ترجمة جرير بن عبدالحميد وإنما المعروف هذا عن جرير بن حازم وقال ابن حجر وذكر صاحب الحافل :عن أبي حاتم: أنه تغير قبل موته فحجبه أولاده وهذا ليس بمستقيم، فإن هذا إنما وقع لجرير بن حازم، فكأنه اشتبه على صاحب الحافل أقول والذي يظهر أن هذا هو عمدة الإمام البيهقي، فلم أجد أحدا ذكر هذا غيره
والطريق الثالث: ضعيف , في سنده عبدالله بن لهيعة , والمحفوظ في الحديث مارواه أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ) على صورته) عند أحمد (2/ 244)"

وقد انتهى السبيعى إلى أن الحديث ليس صحيحا فقال:
"فالخلاصة أن الحديث معلول بالإرسال وعنعنة حبيب بن أبي ثابت وحديثه أيضا عن عطاء ليس بمحفوظ وعطاء لم يسمع من ابن عمر نص على ذلك أحمد وابن المديني
فصل في من صحح الحديث
1 - الإمام أحمد قال إسحاق الكوسج سمعت أحمد يقول: هذا الحديث صحيح
2 - الإمام إسحاق ابن راهوية قال حرب الكرماني في كتاب السنة سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن ،وقال: صحيح وألا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي وفي ترجمة أبي إسحاق ابن شاقلا (ت 369 هـ) قال: وهذا الحديث يذكر عن إسحاق بن راهويه: أنه صحيح مرفوع
3 - وأبوعبدالله الحاكم في المستدرك (2/ 48) قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
4 - ابن تيمية في نقض التأسيس في دفاعه عن هذا الحديث
5 - الحافظ الذهبي في السير (5/ 450) قال: صح من حديث ابن عمر
6 - الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 226) قال: رجاله ثقات -
أقول وقد جاء الحديث من رواية كل من:
معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا عند البخاري (3326) (6227) ومسلم (7163) بلفظ: (خلق الله أدم على صورته، طوله سبعون ذراعا الحديث)ورواه قتادة عن أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة مرفوعا عند مسلم (6655) بلفظ: (إذا فاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق أدم على صورته)ورواه أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عند أحمد (2/ 244)،وابن حبان في صحيحه (5605) إحسان بلفظ:"إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق أدم على صورته ورواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عند البخاري في الأدب المفرد (173) بلفظ:"لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله عز وجل خلق أدم (ص) على صورته"

وقد جاء عن الإمام مالك إنكار الحديث فروى العقيلي في كتاب الضعفاء (2/ 647) عن مقدام بن داود قال ثنا أبو زيد أحمد بن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا حدثنا عبدالرحمن بن القاسم قال سألت مالك عن من يحدث بالحديث الذي قالوا إن الله خلق أدم على صورته فأنكر ذلك مالك إنكارا شديدا، ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل له كإن ناسا من أهل العلم يتحدثون به، فقال: من هم؟ فقيل محمد بن عجلان وأبي الزناد فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء ولم يكن عالما وذكر أبا الزناد فقال إنه لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات وكان صاحب عمال يتبعهم
أقول الحديث لم ينفرد به محمد بن عجلان فقد توبع عليه قال الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 419):الحديث في أن الله خلق آدم على صورته لم ينفرد به ابن عجلان، فقد رواه همام، عن قتادة، عن أبى موسى أيوب (أقول الصواب: أبو أيوب يحيى بن مالك المراغي)، عن أبى هريرة ورواه شعيب، وابن عيينة، عن أبى الزناد، عن الاعرج، عن أبى هريرة ورواه معمر، عن همام، عن أبى هريرة ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره، عن ابن عجلان، عن المقبرى، عن أبى هريرة ورواه شعيب أيضا وغيره، عن أبى الزناد، عن موسى بن أبى عثمان، عن أبى هريرة ورواه جماعة عن ابن لهيعة، عن الاعرج، وأبى يونس، عن أبى هريرة ورواه جرير، عن الاعمش، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ابن عمر، عن النبي (ص)وله طرق أخر، قال حرب: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح عن رسول الله (ص)أن آدم خلق على صورة الرحمن وقال الكوسج: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: هذا الحديث صحيح قلت: وهو مخرج في الصحاح وأبو الزناد فعمدة في الدين، وابن عجلان صدوق من علماء المدينة وأجلائهم ومفتيهم، وغيره أحفظ منه وقال في سير أعلام النبلاء (5/ 450):الخبر لم ينفرد به ابن عجلان، بل ولا أبو الزناد، فقد رواه شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد، ورواه قتادة عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة، ورواه ابن لهيعة، عن الأعرج وأبي يونس،عن أبي هريرة، ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة، وصح أيضا من حديث ابن عمر وقد قال إسحاق بن راهويه عالم خراسان: صح هذا عن رسول الله (ص) فهذا الصحيح مخرج في كتابي البخاري ومسلم وقد عذر الذهبي الإمام مالك في ذلك فقال في السير (8/ 104): (أنكر الإمام مالك ذلك، لأنه لم يثبت عنده ولااتصل به فهو معذور"

الرجل هنا وصل إلى أن هناك من صح عنده الحديث ومع هذا هناك من حذر من تصديقه
الحديث بكل رواياته التى جاء فيها حديث كاذب يخالف قوله تعالى " "فاضربوا فوق الأعناق"
فضرب ما فوق الأعناق يعنى ضرب الوجه وضرب الرأس فهما ما فوق العنق فلو كان ضرب الوجه محرما ما أوجب الله ضربه هو أو ضرب البنان فى الحرب
وأما الروايات الأخرى التى ورد فيها ذكر طول آدم(ص) فمتناقضة ما بين السبعين ذراع والستين ذراع
ثم تناول السبيعى مرجع الضمير فى كلمه صورته فقال:
"فصل في اختلاف أهل العلم إلى ما يعود إليه الضمير في قوله (ص):"خلق الله أدم على صورته":
القول الأول:خلق الله آدم (ص)على صورته أي على صورة آدم!أي أن الله صور صورة أدم قبل خلقه ثم خلقه على تلك الصورة!وهذا القول ذكر للإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة وعزاه ابن قتيبة إلى قوم من أصحاب الكلام وقال به أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي الفقيه، كما في ترجمة عبدالوهاب الوراق المتوفى سنة 251هـ ،وفي ترجمة أبي جعفر الوراق المعروف "بحمدان" المتوفى سنة 271هـ وقال به أيضا محمد بن حبان البستي ("والهاء" راجعة إلى آدم ) واختاره فخر الدين الرازي وقد روى هذا عن الإمام أحمد، وألا يصح عنه لأمرين:
أولا: أنكر الحافظ الذهبي ذلك عن الإمام احمد وأبطله في ترجمة حمدان بن الهيثم، قال الإمام الذهبي: أتى بشيء منكرا عن أحمد بن حنبل في معنى قوله (ص): (إن الله خلق أدم على صورته)زعم أنه قال على صور الله صورة أدم قبل خلقه، ثم خلقه على تلك الصورة، فأما أن يكون خلق الله أدم على صورته فلا، فقد قال تعالى: (ليس كمثله شيء)

قال يحيى بن منده في مناقب أحمد قال المظفر بن أحمد الخياط في كتاب السنة وحمدان بن الهيثم يزعم أن احمد قال صور الله صورة أدم قبل خلقه، وأبو الشيخ فوثقه في كتاب الطبقات
ثانيا: أن الإمام أحمد صح عنه خلاف هذا القول فقد قال الحافظ الذهبي ويدل على بطلان روايته ما رواه حمدان بن علي الوراق الذي هو أشهر من حمدان بن الهيثم، وأقدم أنه سمع أحمد بن حنبل، وسأله رجل عن حديث "خلق أدم على صورته"على صورة ادم! فقال أحمد: فأين الذي يروى عن النبي (ص)"إن الله خلق ادم على صورة الرحمن"؟! ثم قال أحمد: وأي صورة لأدم قبل أن يخلق والضمير لو كان عائدا إلى أدم فإن المعنى لايستقيم، والا فائدة من ذلك وقد أنكر ذلك الإمام أحمد في رواية أبي طالب وقال: من قال إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي، وأي صورة لأدم قبل أن يخلق قال ابن قتيبة: ولو كان المراد هذا , ما كان في الكلام فائدة , ومن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته , والسباع على صورها , الأنعام على صورها؟!
قال الإمام ابن تيمية:
(أنه إذا قيل: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة آدم , أولا تقبحوا الوجه , ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ,فإن الله خلق آدم على صورة آدم , كان هذا من أفسد الكلام , فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلا , فإن كون آدم مخلوقا على صورة آدم , فأي تفسير فسر به فليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنية , ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها , وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرق الحديث المروي فروى قوله (إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه) مفردا , وروي قوله (إن الله خلق آدم على صورته) مفردا , أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمتنع فيه , وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا يناسب هذا الحكم) فذكر ثلاثة وعشرون وجها تدل على فساد هذا القول وبطلانه، بما لا مزيد عليه فانظرها
قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين : إذا كان الضمير راجع إلى أدم فلا فائدة من ذلك، بأنه إذا ليس يشك أحد أن الله خالق كل شيء على صورته وأنه خلق الأنعام والسباع على صورها فأي فائدة في الحمل على ذلك؟!
القول الثاني:

أن الضمير يعود للمضروب وقال بهذا القول:الإمام محمد بن خزيمة قال : معنى قوله (خلق أدم على صورته) الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم أراد رسول الله (ص)أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب! وابن حبان قال عن الحديث: (يريد به صورة المضروب , لأن الضارب إذا ضرب وجه أخيه المسلم ضرب وجها خلق الله آدم على صورته وأبو الشيخ الأصفهاني وعزاه الحافظ ابن حجر للأكثر وقد رد الإمام أحمد ذلك ففي كتاب السنة للطبراني حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي إن رجلا قال: خلق آدم على صورته أي صورة الرجل فقال كذب هو قول الجهمية وأي فائدة في هذا! وقد رد هذا القول الإمام ابن تيمية من ثلاثة عشرة وجها في كلام نفيس جدا لا مزيد عليه وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين: ورد تأويله بأن الضمير عائد على ابن أدم المضروب بأنه لا فائدة فيه إذ الخلق عالمون بأن أدم خلق على خلق ولده وأن وجهه كوجوههم، فيرد على هذا التوجيه كله بالرواية المشهورة " لا تقبحوا الوجه , فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن"
القول الثالث: أن هذا من باب إضافة الخلق إليه قال الإمام ابن خزيمة في الكلام على حديث خلق الله أدم على صورة الرحمن:معنى هذا الخير عندنا أن إضاقة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه لأن الخلق يضاف إلى الرحمن، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه )
قال محمد بن عثيمين في الكلام على حديث: (خلق الله أدم على صورته):
الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه فقوله (على صورته) مثل قوله في آدم (ونفخت فيه من روحي) ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءا من روحه بل المراد الروح التي خلقها الله عز وجل لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف كما نقول: عباد الله، يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد والصديق والنبي، لكننا لو قلنا: محمد بن عبد الله هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة فقوله: (خلق آدم على صورته) يعني صورة من الصور التي خلقها الله وصورها، كما قال تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) والمصور آدم،إذا: فآدم على صورة الله يعني أن الله هو صوره على هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) فإضافة الصورة إليه من باب التشريف كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك لا تضرب الوجه فتعيبه حسا، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فتعيبه معنى فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها إلي نفسه تشريفا وتكريما لا تقبيحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفا أم له نظير؟ نقول له نظير، كما: في بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله، وكل شيء أضافه إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه فهو من المخلوقات
والصواب أن هذا من باب من باب إضافة الصفات إليه ومن باب إضافة الصفة إلى موصوفها
وقد رد الإمام ابن تيمية هذا القول من عشرة وجوه
وقد رجح محمد بن عثيمين أن الأسلم حمل الحديث على ظاهره، وأنه لايلزم من كون الشيء على صورة شيء أن يكون مماثلا له من كل وجه وقال ما دمنا نجد أن لظاهر الحديث مساغا في اللغة العربية وإمكانا في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه، ونحن وجدنا أن الصورة لايلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره
القول الرابع: أن الضمير يعود إلى الله عز وجل، وهذا يقتضي نوعا من المشابهه فقط، وألا يقتضي تماثلا لافي حقيقة وألاقدر، وألا يلزم من كون الشيء على صورة شيء أخر أن يكون مماثلا له، فيثبت الحديث من غير تكييف وألا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وهو مذهب أهل السنة والجماعة
قال الإمام أحمد: نقول كما في الحديث وقال: لا نفسره مالنا أن نفسره كما جاء الحديث وإسحاق بن راهوية عبدالله بن الزبير الحميدي وسفيان بن عيينه قال الإمام أحمد سمعت الحميدي وحدثنا سفيان بهذا الحديث (خلق أدم على صورة الرحمن) ويقول هذا حق ويتكلم وابن عيينه ساكت قال: ما ينكر ابن عيينه قوله ابن قتيبة الدينوري قال: (والذي عندي والله أعلم أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد)
الإمام الآجري قال : هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ولا يقال فيها كيف؟ ولم؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق وترك النظر
*القاضي محمد بن الحسين أبويعلى الفراء قال : ليس في حمله على ظاهره مايزيل صفاته ولايخرجها عما تستحقه لأننا نطلق تسمية الصورة عليه لا كالصور كما أطلقنا تسمية ذات ونفس لاكالذوات والأنفس
وقال: ونقر بأن الرحمن خلق آدم على صورته رواه أحمد بن حنبل وابن خزيمة وغيرهما وأبوالقاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني الملقب بقوام السنة المتوفى سنة 535هـ قال: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولايطعن عليه بذلك، بل لايؤخذ عنه فحسب
الإمام النووي قال: من العلماء من يمسك عن تأويلها ويقول: بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد، ولها معنى يليق بها، وهذا مذهب جمهور السلف، وهو أحوط وأسلم، والثاني: أنها تتأول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء
الإمام ابن تيمية قال: (لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك)
وقال : (لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثوروابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة)
الإمام الذهبي قال: أما معنى حديث الصورة فنرد علمه إلى الله ورسوله ونسكت كما سكت السلف مع الجزم بأن الله ليس كمثله شئ وقال: فنؤمن به ونفوض ونسلم ولا نخوض فيما لا يعنينا مع علمنا بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الحافظ ابن حجر قال: فتعين إجراء مافي ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلاله "
نقل الرجل عشرات الأقوال فى الضمير وكأن المشكلة فى الضمير وليس فى الروايات كلها ثم قال :
"روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (ص) قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن"
ولو سلمنا بأن الرواية صحيحة وما هى بصحيحة فهذا معناه التالى :
ان صورة الله طولها60 ذراعا أو70 ذراعا كما فى الرواية المناقضة فأصبح الله بذلك محدودا له جسم له أبعاض لأن آدم(ص) له أبعاض أى أعضاء وأصبح لله فرج كما لآدم(ص)كما له إست ... وهو كلام يجرنا إلى عشرات النقائص فى الذات الإلهية التى تعالت عن كل نقص
الرواية تقول أن الله أمر آدم(ص) فور خلقه بالذهاب للسلام على الملائكة وهو ما يناقض أن أول شىء أن الله علمه البيان أى الأسماء كلها كما قال تعالى " وعلم آدم الأسماء كلها " وقال " خلق الإنسان علمه البيان"
الرواية فى أخرها تتحدث عن صورة آدم(ص) وليس فيها ذكر لصورة الله المزعومة
أن من ألفوا الرواية أرادوا الضحك علينا فأى سرير سينام عليه آدم(ص) وأى بيت سيأويه فالسرير بمقياس المتر يحتاج 36 متر طولا والعرض على الأقل عشرة أمتار فمن أى شجر سيصنع هذا السرير ؟ والبيت الذى سيأويه يجب أن يكون ارتفاعه على الأقل 36 مترا وكى يتحرك فيه لابد أن تكون مساحة الحجرة فيه 150 متر جدرانها ترتفع36 متر فى السماء
ألم يفكر من يصدقون الرواية أن آدم(ص) يحتاج لكى يشرب جرعة واحد حوالى 3 أمتار مكعبة من الماء وأنه يحتاج لكى يأكل ثلاثة أو أربعة أطنان من الطعام فى الوجبة الواحدة ؟
ألم يفكروا أن الرجل لكى يرفع قدم وينزل قدم لابد أن يفكك الأرض تحت قدميه تفكيكا لأن ثقله سيكون أكثر من عشرة أطنان ألم يفكروا أنهم لو استند على أى مخلوق فى الأرض فإنه سيحطمه تماما بسبب ثقله 

السبت، 29 يناير 2022

قراءة فى كتاب أسباب حدوث الحروف

قراءة فى كتاب أسباب حدوث الحروف
الكتاب تصنيف أبو علي الحسين بن سينا وقد بين فى مقدمته أن سبب التأليف طلب الخيام منه تأليف رسالة فى أسباب حدوث الحروف باختلافها في المسموع وهو قوله:
"وبعد فليس كل قابل هدية محتاجا اليها، و لا كل طالب تحفة فاقدا لها بل ربما آثر الغني في ذلك إكرام الفقير، وتوخي الكبير به البسط من الصغير والشيخ الكريم الاستاذ أبو منصور محمد بن علي بن عمر الخيام وهو الذي ما شئت فله في نفسه من المحامد الباهرة، وعندي وفي ذمتي من الايادي المتظاهرة- التمس مني التماس مباسط لا محتاج أن أكتب باسمه ما حصل عندي بعد البحث المستقصي من أسباب حدوث الحروف باختلافها في المسموع، في رسالة وجيزة جدا، فتلقيت ملتمسه بالطاعة، وسألت الله تعالي أن يوفقني للصواب ألزمه، والحق أتبعه، وهو ولي الرحمة"
وفى الفصل الأول تحدث الرجل عن سبب صدور الصوت مبينا أنه تموج الهواء فقال :
"الفصل الأول في سبب حدوث الصوت
أظن أن الصوت سببه القريب تموج الهواء دفعة وبقوة وبسرعة من أي سبب كان والذي يشترط فيه من أمر القرع عساه أن لا يكون سببا كليا للصوت، بل كأنه سبب أكثري ثم أن كأن سببا كليا فهو سبب بعيد ليس السبب الملاصق لوجود الصوت"
ونفى أن يكون القرع سببا كليا للصوت
والدليل علي أن القرع ليس سببا كليا للصوت أن الصوت قد يحدث أيضا عن مقابل القرع وهو القلع، و ذلك أن القرع هو «تقريب جرم ما إلي جرم مقاوم لمزاحمته تقريبا تتبعه مماسة عنيفة لسرعة حركة التقريب وقوتها» ومقابل هذا «تبعيد جرم ما عن جرم آخر مماس له منطبق أحد هما علي الآخر تبعيدا ينقلع عن مماسته انقلاعا عنيفا لسرعة حركة التبعيد» وهذا يتبعه صوت من غير أن يكون هناك قرع"
وانتهى الرجل إلى أن سبب الصوت هو التموج السريع العنيف فى الهواء فقال :
"لكن يلزم في الامرين شيء واحد وهو تموج سريع عنيف في الهواء، أما في القرع فلاضطرار القارع الهواء إلي أن ينضغط وينفلت من المسافة التي يسلكها القارع إلي جنبتها بعنف و شدة سرعة، وأما في القلع فلاضطرار القالع الهواء إلي أن يندفع إلي المكان الذي أخلاه المقلوع منها دفعة بعنف و شدة
وفي الأمرين جميعا يلزم المتباعد من الهواء أن ينقاد للشكل والموج الواقع هناك، وأن كأن القرعي أشد انبساطا من القلعي
ثم ذلك الموج يتأدي الي الهواء الراكد في الصماخ فيموجه فتحس به العصبة المفروشة في سطحه
فاذن العلة القريبة- كما أظن- هو التموج والتموج علتان: قرع وقلع وأن ذهب ذاهب إلي أن القلع يحدث في الهواء قرعا وراءه، وهو سبب للصوت، فليس ضعف هذا القول مما يحتاج إلي أن نتكلف لابانته"
وما قاله ابن سينا أو أيا كان المؤلف هو مخالف للواقع فكما أن الرؤية تحتاج لآلة سليمة هى العين ولمصدر ضوء فكذلك الصوت يحتاج لآلة إصدار ولمصدر حمل
الصوت بداية لا يحتاج لهواء حتى يصدر فنجد مثلا قرقرة البطن تصدر صوتا مع أنه لا يوجد هواء يحمل الصوت من الفم أو الشرج أو عضو أخر ومثل ما نسميه الزوم وهو صوت يصدر والفم مقفل بلا اتصال مع الهواء كما أن اصطدام الأشياء يصدر صوت وكذلك الاحتكاك
ومن ثم فالصوت لا يحتاج لصدوره فى كل الأحوال لهواء
وفى الفصل الثانى تحدث في سبب حدوث الحروف مرجعا إياه للتموج الهوائى أيضا فقال:
الفصل الثاني في سبب حدوث الحروف
أما نفس التموج فانه يفعل الصوت وأما حال التموج في نفسه من جهة اتصال أجزائه وتماسها أو بسطها ونحتها فيفعل الحدة والثقل: أما الحدة فيفعلها الأولان، وأما الثقل فيفعله الثانيان وأما حال التموج من جهة الهيئات التي تستفيدها من المخارج والمحابس في مسلكه فتفعل الحروف
والحرف «هيئة للصوت عارضة له يتميز بها عن صوت آخر مثله في الحدة والثقل تميزا في المسموع»
والحروف بعضها في الحقيقة مفردة وحدوثها عن حبسات تامة للصوت- أو للهواء الفاعل للصوت- تتبعها إطلاقات دفعة وبعضها مركبة وحدوثها عن حبسات غير تامة لكن تتبعها اطلاقات
والحروف المفردة هي: الباء، والتاء، والجيم، والدال، والضاد، والطاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون ثم سائر ذلك مركب يحدث عن حبسات واطلاقات و لك أن تعدها عدا
وهذه المفردة تشترك في أن وجودها وحدوثها في الآن الفاصل بين زمان الحبس وزمان الاطلاق؛ وذلك أن زمان الحبس التام لا يمكن أن يحس فيه بصوت حادث عن الهواء وهو مستكن بالحبس، وزمان الاطلاق لا يحس فيه بشيء من هذه الحروف لأنها لا تمتد البتة، إنما هي مع إزالة الحبس فقط وأما الحروف الأخري فإنها تمتد زمانا ما وتفني مع زمان الاطلاق التام، وانما تمتد في الزمان الذي لا يجتمع فيه الحبس مع الاطلاق
وبعد اشتراك كل واحدة من الصنفين في العلة العامة قد تختلف بسبب اختلاف الأجرام التي يقع عندها و بها الحبس والاطلاق فإنها ربما كانت ألين، وربما كانت أصلب، وربما كانت أيبس، وربما كانت أرطب، وربما كأن الحبس في نفس رطوبة تتفقع ثم تتفقأ أما مع انفصال وامتداد وأما في مكانها وقد يكون الحابس أعظم، وأصغر والمحبوس أيضا أكثر، واقل والمخرج أضيق، وأوسع ومستدير الشكل، مع دقة والحبس أشد، والين والضغط بعد الاطلاق أحفز، وأسلس"
وحكاية انفصال الحروف عن بعضها غير ملاحظة فالطفل لا يتعلم حروفا عند تعلمه الكلام وإنما يتعلم كلمات فمن اخترعوا انفصالها حتى لتعليم كتابتها يلاحظون أن الحرف فى كل حالة لا ينطق وحده وإنما مع ضم أو فتح أو كسر أو جزم ومن ثم يتكون من أكثر من مقطع
وأما صدورها عن حبسات وهواء فهذا شىء ليس لازما فمثلا من الممكن أن ينطق الإنسان حروفا وكلمات وأسنانه مطبقة على بعضها وتخرج الكلمات والحروف رغم ذلك
وتحدث ابن سينا عن تشريح الحنجرة واللسان فقال :
الفصل الثالث في تشريح الحنجرة واللسان
أما الحنجرة فإنها مركبة من غضاريف ثلاثة أحدهما موضوع إلي قدام يناله الجس في المهازيل عند أعلي العنق تحت الذقن وشكله شكل القصعة، حدبتها إلي خارج والي قدام، وتقعيره إلي الداخل والي الخلف، ويسمي «الغضروف الدرقي» و «الترسي» والغضروف الثاني خلفه مقابل سطحه، وسطحه متصل به بالرباطات يمنة ويسرة، منفصل عنه إلي فوق، ويسمي (عديم الاسم)
والغضروف الثالث- كقصعة مكبوبة عليها، وهو منفصل عن الدرقي ومربوط بالذي لا اسم له من خلف بمفصل مضاعف يحدث من زائدتين وتصعدان من الذي لا اسم له وتسقران في نقرتين له ويسمي «المكبي» و «الطرجهالي»فاذا تقارب الذي لا اسم له من الدرقي و ضامه حدث منه ضيق الحنجرة واذا تنحي عنه و باعده حدث منه اتساع الحنجرة ومن تقاربه وتباعده يحدث الصوت الحاد والثقيل واذا انطبق الطرجهالي علي الدرقي حصر النفس وسد الفوهة، واذا انقلع عنه انفتحت الحنجرة فتكون اذن هاهنا عضلات تلصق الطرجهالي بالدرقي وتجذبه اليه، وعضلات تبعده عنه وتجذبه إلي خلف، وعضلات تلصق الذي لا إسم له بالدرقي، وعضلات تنحي أحدهما عن الآخر والطرجهالي مركب علي الذي لا اسم له بمفصل مضاعف، لأن فيه نقرتين تصعد إليهما زائدتان من الذي لا اسم له وتستقرأن فيهما والعضلات التي تفتح الحنجرة بتنحية الطهرجالي عن الدرقي لابد من أن تكون طالعة من أسفل ومن جنبة الذي لا اسم له وتتصل بمؤخر الطهرجالي، فاذا تشنجت جذبته إلي خلف وفرقت بينه و بين الدرقي
وقد خلقت لذلك أربع عضلات علي هذه الصفة وأردفت بعضلتين تتصلان لا عند الخلف من الطهرجالي بل يمنة ويسرة، فاذا تشنجتا فعلتا مع المعونة في الفتح توسعا مستعرضا فهذه ست عضلات والعضلات التي تطبق يجب أن تكون لا محالة واصلة بين الترسي والطهرجالي، حتي إذا تشنجت مدت الطهرجالي إلي الترسي ومعلوم أنها اذا كانت من داخل كأن اطباقها أشد واحكم، و قد خلقت لذلك فمنها زوج عضلة توضع في جميع الناس أحد فرديها تصعد منه حافة الدرقي إلي حافة الطهرجالي يمنة والآخر مثله يسرة، وهما ضفيرتان تفعلان بالعصر وبموافقة المكان فعلا عظيما، حتي انه يقاوم عضل الصدر والحجاب عند حصر النفس و قد يوجد في بعض الناس زوج آخر شبيه به معين له وأما المضيقة للحنجرة فمن المعلوم أن الضام الجامع أحسن أحواله أن يكون محيطا بالمتضامين جميعا حتي اذا انقبض ضم و كذلك خلقت عضلات الضم فمن ذلك زوج يأتي من العظم اللامي- الشبيه باللام في كتابة اليونانيين- وهو عظم مثلث الشكل الذي بسطوحه، فيتصل بالدرقي عرضا ويمضي كل واحد من فرديه حتي يجاوز المري ء يمنة ويسرة ويلاقي الآخر ويتصل به واربع عضلات ربما فرقت وربما جمعت في زوجين مضاعفين أو زوجين أحد هما باطن والاخر ظاهر، و كيف كأن فإنها تتصل بالدرقي ثم تلتف وراءه علي الذي لا اسم له وأما الموسعة للحنجرة فمن المعلوم أن عن تكثيرها بالعدد غني، لأن عضل الصدر والحجاب يحفز النفس إلي خارج بقوة فيكون ذلك لو اقتصر عليه كافيا في فتح الحنجرة فمن عضل الفتح زوج عضلة يأتي من العظم الشبيه باللام ويتصل بمقدم الدرقي كله، فاذا تشنج جذبه إلي فوق والي قدام فنزله عن ملاصقة الذي لا اسم له ومن ذلك زوج مشترك بين الحنجرة والحلقوم يصعد من العسي ويجاوز الدرقي ويستمر إلي مؤخر الذي لا اسم له ومقدم الحلقوم، فاذا تشنج جذب الحلقوم إلي أسفل الذي لا اسم له إلي خلف ففرق بينه و بين الدرقي، وربما عضده في الفرد من الناس زوج آخر شبيه به وهو نادر ويوجد في عظيمي الحناجر من الناس، وأما في الدواب فدائما وأما اللسان فتحركه بالتحقيق ثماني عضل: منها عضلتان تأتيان من الزوائد السهمية التي عند الأذن يمنة ويسرة تتصلان بجانبي اللسان ، فاذا تشنجتا عرضتاه ومنها عضلتان تأتيان من أعالي العظم الشبيه باللام وتنفذان وسط اللسان ، فإذا تشنجتا جذبتا جملة اللسان إلي قدام فتبعها جزء من اللسان وامتد وطال ومنها عضلتان من العضلين السافلين من أضلاع هذا العظم ينفذان بين المعرضين المطولين ويحدث عنهما توريب اللسان ومنها عضلتان موضوعتان تحت هاتين، واذا تشنجتا بطحتا اللسان وأما تمييلة إلي فوق و داخلا فمن فعل المعترضة والموربة"
وكل ما قاله هو كلام يتعلق بالتشريح الطبى ومما قرأته فى الطب الحالى يوجد ست غضاريف وحوالى عشرين عضلة وما يهمنا هو أن تعلق صدور الصوت بالحنجرة والحجاب الحاجز وغير هذا هو مجرد نظرية فالصوت كما هو فى واقعنا يصدر أمامنا من الفم خاصة اللسان ولذا سمى الله اللغات الألسن فالاختلاف هو اختلاف الألسن كما قال تعالى:
" ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم "
ونظرا لاتصال اللسان بالحنجرة وغيرها فإنه عندما يصدر الصوت يحرك المتصل به من الأعضاء حسب قولهم لكل فعل رد فعل ومن هنا اتخذ القوم حكاية صدور الحروف من الأعضاء الأخرى لتحركها بالتبعية للسان المتصل بها
وحدثنا فى الفصل الرابع عن تلك النظرية المشهورة عن أن لكل حرف مصدر خروج وهى نظرية وليست حقيقة لأن الكلمات عند تخرج تكون متكونة من عدة حروف فلا تلحق عند خروجها أن تخرج من كل تلك المصادر لأنها تصدر بسرعة وفى مخارج الحروف العربية قال :
"الفصل الرابع في الأسباب الجزائية لحرف حرف من حروف العرب
أما الهمزة فإنها تحدث من حفز قوي من الحجاب وعضل الصدر لهواء كثير ومن مقاومة الطرجهالي الحاصر زمانا قليلا لحصر الهواء ثم اندفاعه إلي الانقلاع بالعضل الفاتحة و ضغط الهواء معا
أما الهاء فإنها تحدث عن مثل ذلك الحفز في الكم والكيف الا أن الحبس لا يكون حبسا تأما بل تفعله حافات المخرج وتكون السبيل مفتوحة والاندفاع يماس حافاته بالسواء غير مائل إلي الاوسط
وأما العين فيفعلها حفز الهواء مع فتح الطرجهالي مطلقا وفتح الذي لا اسم له متوسطا وارسال الهواء إلي فوق ليتردد في وسط رطوبة يتدحرج فيها من غير أن يكون هذا الحفز خاصا بجانب
والحاء مثلها، إلا أن فتح الذي لا اسم له أضيق والهواء ليس يحفز علي الاستقامة حفزا بل يميل إلي خارج حتي يقسر الرطوبة ويهزها إلي قدام فتحدث من انزعاج أجزائها الي قدام هيئة الحاء
وأما الخاء فإنها تحدث من ضغط الهواء إلي الحد المشترك بين اللهاة والحنك ضغطا قويا مع اطلاق يهتز فيما بين ذلك رطوبات يعنف عليها التحريك إلي قدام فكلما كادت أن تحبس الهواء زوحمت و قسرت إلي خارج في ذلك الموضع بقوة
والقاف تحدث حيث تحدث الخاء و لكن بحبس تام، وأما الهواء فمقداره ومواضعه فذلك بعينه
وأما الغين فهو اخرج من ذلك يسيرا و ليست تجد من الرطوبة و لا من قوة انحصار الهواء ما تجده الخاء، والحركة فيه إلي قرار الرطوبة أميل منها إلي دفعها إلي خارج، لأن الحركة فيها أضعف وهوانها تحدث في الرطوبة الحنكية كالغليان والاهتزاز
وأما الكاف فإنها تحدث حيث يحدث الغين و بمثل سببه، إلا أن حبسه حبس تام، ونسبة الكاف إلي الغين هي نسبة القاف إلي الخاء
وأما الكاف التي تستعملها العرب في عصرنا هذا بدل القاف فهي تحدث حيث تحدث الكاف إلا أنها أدخل قليلا والحبس أضعف
وأما الجيم فيحدث من حبس بطرف اللسان تام و بتقريب الجزء المقدم من اللسان من سطح الحنك المختلف الاجزاء في النتوء والانخفاض مع سعة في ذات اليمين واليسار واعداد رطوبة حتي اذا أطلق نفذ الهواء في ذلك المضيق نفواذا يصغر لضيق المسلك إلا أنه يتشذب لاستعراضه ويتمم صفيره خلل الأسنان وتنقص من صفيره وترده إلي الفرقعة الرطوبة المندفعة فيما بين ذلك متفقعة ثم تنفقأ، إلا انها لا يمتد بها التفقع إلي بعيد و لا تتسع بل تفوقها في المكان الذي يطلق فيه الحبس
وأما الشين فهي حادثة حيث يحدث الجيم بعينه و لكن بلا حبس البتة، فكأن الشين جيم لم يحبس و كأن الجيم شين ابتدأت بحبس ثم أطلقت
وأما الضاد فإنها تحدث عن حبس تام عند ما تتقدم موضع الجيم وتقع في الجزء الأملس اذا أطلق أقيم في مسلك الهواء رطوبة وحدة أورطوبات تنفقع من الهواء الفاعل للصوت ويمتد عليها منحبسا حبسا ثانيا ويتفقأ فيحدث شكل الضاد
وأما الصاد فيفعله حبس غير تام أضيق من حبس السين وايبس واكثر أجزاء حابس طولا إلي داخل مخرج السين والي خارجه حتي يطبق اللسان أو يكاد يطبق علي ثلثي السطح المفروش تحت الحنك والمنخر ويتسرب الهواء عن ذلك المضيق بعد حصر شيء فيه من وراء ويخرج من خلل الأسنان
وأما السين فتحدث عن مثل حدوث الصاد الا أن الحابس من اللسان فيه أقل طولا وعرضا فكأنها تحبس العضلات التي في طرف اللسان لا بكليتها بل بأطرافها
وأما الزاي فإنها تحدث من الاسباب المصفرة التي ذكرناها، الا أن الجزء الحابس فيها من اللسان يكون ما يلي وسطه ويكون طرف اللسان غير ساكن سكونه الذي كأن في السين بل ممكن من الاهتزاز، فاذا انفلت الهواء الصافر عن المحبس اهتز له طرف اللسان واهتزت رطوبات تكون عليه وعنده ونقص من الصفير الا أنه باهتزازه يحدث في الهواء الصافر المنفلت شبيه التدحرج في منافذه الضيقة بين خلل الأسنان فيكاد أن يكون فيه شبيه التكرير الذي يعرض للراء، وسبب ذلك التكرير اهتزاز جزء من سطح طرف اللسان خفي الاهتزاز
وأما الطاء فهي من الحروف الحادثة عن القلع- دون القرع أو مع القرع- وانما تحدث عن الطباق سطح اللسان أكثر من سطح الحنك والمنخر و قد يبرأ شيء منهما عن صاحبه و بينهما رطوبة فاذا انقلع عنه وانضغط الهواء الكثير سمع الطاء
وأن كأن الحبس بجزء أقل و لكن مثله في الشدة سمع التاء
وأن كأن الحبس مثل حبس التاء في الكم واضعف منه في الكيف سمع الدال
وأن لم يكن حيث التاء حبس تام و لكن اطلاق يسير يصفر معه الهواء غير قوي الصفير كصفير السين لأن طرف اللسان يكون أرفع واحبس للهواء من أن يستمر في خلل الأسنان جيدا و كأنه ما بين تماس أطراف الأسنان سمع الثاء
وأن كأن حبس كالاشمام بجزء صغير من طرف اللسان واجراء الهواء المطلق بعد الحبس علي سائر سطح اللسان علي رطوبته و حفز له جملة سمع الظاء
وأن كأن الحبس بالطرف أشد و لكن لم يستعن بسائر سطح اللسان و لكن ينقل الهواء عن الحبس بما يلي طرف اللسان من الرطوبة حتي يحركها ويهزها هزا يسيرا وينفذ فيها وفي أعالي خلل الأسنان قبل الاطلاق ثم يطلق كأن منه الدال
والذال يقصر به عن الزاي ما يقصر الثاء عن السين وهوانه لا يمكن هواؤه حتي يستمر جيدا في خلل الأسنان بل يسد مجراه من تحت ويمكن من شمه من أعاليه و لكن يكون في الذال قريبا من الاهتزاز الذي في الزاي
وأن كأن حبس بطرف اللسان رطب جدا ثم قلع والحبس معتدل غير شديد و ليس الاعتماد فيه علي الطرف من اللسان بل علي ما يليه- لئلا بكون مانعا من التزاق الرطوبة ثم انقلابها- حدث اللام
وأن كأن الحبس أيبس و ليس قويا و لا واحدا بل يتكرر الحبس في أزمنة غير مضبوطة كأن منه الترعيدات والايقاعات و ذلك لشدة اهتزاز حبس سطح اللسان حتي يحدث حبسا بعد حبس غير محسوس حدث الواو
وأما اذا كأن حبس الهواء بآخر الثنية من الشفة وتسربه في آخر الثنية من غير حبس تام حدث الفاء
وأن كأن في ذلك الموضع بعينه مع حبس تام الاطلاق في تلك الجهة بعينها حدث الباء ونسبة الباء إلي الفاء عند الشفة نسبة الهمزة إلي الهاء عند الحنجرة
وأما اذا كأن حبس تام غير قوي و كأن ليس كله عند المخرج من الشفتين و لكن بعضه إلي ما هناك و بعضه إلي ناحية الخيشوم- حتي يحدث الهواء عند اجتيازه الخيشوم والفضاء الذي في داخله دويا- حدث الميم وأن كأن بدل الشفتين طرف اللسان وعضو اخر حتي يكون عضو رطب أرطب من الشفة يقاوم الهواء بالحبس ثم يتسرب أكثره إلي ناحية الخيشوم كأن النون وأما الواو الصامتة فإنها تحدث حيث تحدث الفاء و لكن بضغط و حفز للهواء ضعيف لا يبلغ أن يمانعه في انضغاطه بسطح الشفة
والياء الصامتة فإنها تحدث حيث يحدث السين والزاي و لكن بضغط و حفظ للهواء ضعيف لا يبلغ أن يحدث صفيرا
وأما الألف المصوتة واختها الفتحة فأظن أن مخرجها مع اطلاق الهواء سلسا غير مزاحم
والواو المصوتة واختها الضمة فأظن أن مخرجها مع اطلاق الهواء مع أدني تضييق للمخرج وميل به سلس إلي فوق
والياء المصوتة واختها الكسرة فأظن أن مخرجها من اطلاق الهواء من أدني تضييق المخرج وميل به إلي سلس إلي أسفل
ثم أمر هذه الثلاثة علي مشكل و لكني أعلم يقينا أن الالف الممدودة المصوتة تقع في ضعف أو اضعاف زمان الفتحة، وأن الفتحة تقع في أصغر الازمنة التي يصح فيها الانتقال من حرف إلي حرف وكذلك نسبة الواو المصوتة إلي الضمة والياء المصوتة إلي الكسرة"
وكل هذا الكلام نظرية وليست حقيقة فأى حرف من الممكن أن يخرج من اى مواضع متعددة من اللسان أو الفم وقد جربت هذا فقد جربت الدال مثلا تخرج من مقدمة اللسان أو الفم ومن أخر اللسان
وكما سبق القول التحدث عن الحروف بمفردها هو مجرد وهم فالكلمات تخرج من الفم مرة واحدة وهى لا تجمع تلك المواضع التى قد تكون متباعدة وإنما تخرج بالقانون الذى وضعه للسان
وفى الفصل الخامس حدثنا عن حروف من لغات أخرى ومصدرها فقال :
"الفصل الخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف و ليست في لغة العرب:
وهاهنا حروف غير هذه الحروف تحدث بين حرفين مما تجانس كل واحد منهما بشركة في سببه فمن ذلك الكاف الخفيفة التي ذكرناها وحروف تشبه الجيم وهي أربعة:
منها الحرف الذي ينطق به في أول «البئر» بالفارسية وهو «جاره»
وهذه الجيم يفعله اطباق من حروف اللسان أكثر واشد و ضغط للهواء عند القلع أقوي ونسبة الجيم العربية إلي هذه الجيم نسبة الكاف غير العربية إلي الكاف العربية ومنها حروف ثلاثة لا توجد في العربية والفارسية، و لكن توجد في لغات أخري، و كلها يتبين فيها ما في الجيم من استعمال رطوبة بفعل حبسها، وهي الرطوبة المعدة وراء الحبس وتكون علتها اعتماد الهواء عند الاطلاق فإذا سلبت هذه الرطوبة واعتمد الجزء الذي وقع عليه الحدس حدث هناك همس وتارة تضرب إلي شبه الزاي وتارة تضرب إلي شبه السين وتارة تضرب إلي شبه الصاد
أما الصاد والسين- فبأن يتسرب الهواء في خلل الأسنان من غير تعريضه لاهتزاز رطوبة قدامه وأما الزاي- فبعد تعريضه لذلك وترك إلجائه إلي أضيق المخارج ثم تفترق الصادية من السينية بالاطباق
ومن ذلك سين صادية تحدث عند استعمال جزء أكبر واعرض وابطن من اللسان ومن ذلك سين زائية تكثر في لغة أهل خوارزم وتحدث بأن تتهيأ الهيئة التي عن مثلها تحدث السين، ثم يحدث العصلة الباطحة للسان ارتعاد كما يحدث في الزاي يلزم ذلك الارتعاد مماسات خفية غير محسوسة يحتبس لها الهواء احباسات غير محسوسة فتضرب السين بذلك إلي مشابهة الزاي
ومن ذلك زاي سينية شبيهة في اللغة الفارسية عند قولهم «زرد» وهي سين لا تقوي و لكنها تعرض باهتزاز سطح طرف اللسان والاستعانة بخلل الأسنان
ومن ذلك راء غينية نسبتها إلي الراء نسبة هذه السين الخوارزمية إلي الزاي والسين، وتحدث بأن يتغرغر بالهواء التغرغر الفاعل للغين ثم يرعد طرف اللسان أو يحدث في صفاق المنخر الداخل ذلك الارتعاد فتحدث راء غينية
وايضا راء لامية تحدث بأن لا يقتصر علي ترعيد طرف اللسان بل ترخي العضلات المتوسطة للسان وتشنج طرفيه حتي يحدث بعد طرف اللسان تقبيب ويعتمد بإرسال الهواء في ذلك التقبيب والرطوبة التي يكون فيه ويرعد طرف اللسان
و زاي ظائية يكون وسط اللسان فيها أرفع والاهتزاز في طرف اللسان خفي جدا و كانه من الرطوبة فقط
وهاهنا لام مطبقة نسبتها إلي اللام المعروفة نسبة الطاء إلي التاء وتكثر في لغة الترك وربما استعملها المتفيهق من العرب وهاهنا فاء تكاد تشبه الباء وتقع في لغة الفرس عند قولهم فرندي تفارق الباء لأنه ليس فيها حبس تام وتفارق الفاء بأن تضييق مخرج الصوت من الشفة فيها أكثر وضغط الهواء أشد حتي يكاد أن يحدث بسببه في السطح الذي في باطن الشفة اهتزاز
ومن ذلك الباء المشددة الواقعة في لغة الفرس عند قولهم «پيروزي» وتحدث بشد قوي للشفتين عند الحبس و قلع بعنف و ضغط الهواء بعنف
والميم والنون قد يكون منهما ما يقتصر علي الدوي من الهواء في تجويف آخر المنخر و لا يردف حبسه عند الاطلاق تحفز الهواء إلي خارج وهذا كفته مجردة"
وهذا الكلام مماثل لما فى الفصل الرابع وهو كلام اخترعه معلمو اللغة ولكن فى الحقيقة الكلمات تصدر ككل من مقدمة اللسان وإن تعدت ذلك فبعده بقليل وهو وسطه ومن ثم لا علاقة لها بالمخارج المزعومة
وحدثنا عن سماع الحروف فقال فى الفصل السادس فقال :
"الفصل السادس في أن هذه الحروف من أي الحركات الغير النطقية تسمع وانت تسمع العين من كل اخراج هواء بعنف من مخرج رطب والحاء عن أضيق منه واعرض والخاء عن حك كل جسم لين حكا كالقشر بجسم صلب والهاء عن تصعد لهواء بقوة في جسم غير ممانع كالهواء نفسه والقاف عن شق الأجسام و قلعها والغين عن غليان الرطوبة في أجزاء كبار تندفع إلي جهة واحدة والكاف عن قرع كل جسم صلب كبير علي بسيط آخر صلب مثله والجيم عن وقع الرطوبات في الرطوبات مثل قطرة من الماء لها مقدار تقع بقوة علي ماء واقف فتغوص فيه والشين عن نشيش الرطوبات وعن نفوذ الرطوبات في خلل أجسام يابسة نفوذا بقوة والضاد عن انفلاق فقاقيع كبار من الرطوبات والصاد عن السبب الذي نذكره للسين اذا وقع في جرم ذي دوي أو كأن معه قرع بشيء له تقعير يسير والسين عن سن جرم يابس جسما يابسا ويحرك عليه حتي يتسرب ما بينهما هواء عن منافذ ضيقة جدا ويسمع أيضا عن نفوذ الهواء بقوة في مثل أسنان المشط والزاي عن مثل ذلك اذا أقيم في وجه الممر جسم رقيق لين كجلدة تهتز علي نفسها والطاء تحدث عن تصفيق اليدين بحيث لا تنطبق الراحتان بل يحصر هنالك هواء له دوي ويسمع عن القلع أيضا مثله والتاء عن قرع الكف بإصبع قرعا بقوة والدال عن أضعف منه والذال عن مثل الزاي اذا كأن المهتز أعظم واغلظ واشد يتخلل منفذ الهواء والثاء عن مثل السين اذا لم يكن مهتزا و لكن الشد أشد ونسبة الذال إلي الزاي كنسبة الثاء إلي السين والراء عن تدحرج كرة علي لوح من حيث من شأنه أن يهتز اهتزازا غير مضبوط بالحبس واللام عن صفق اليد علي رطوبة أو وقوع شيء فيها دفعة حتي يضطر الهواء إلي أن ينضغط معه ثم ينصرف وتتبعه رطوبة والفاء عن حفيف الأشجار والباء عن قلع الأجسام اللينة المتلاصقة بعضها عن بعض"
وهذا تكرار لنفس نظرية مخارج الأصوات وهى نظرية لا أساس لها وقد أتعبت الأمة فى نطق القرآن من خلال أحكام التجويد مع أن الله يقول أن القرآن نزل بلسان العامة وهم يتكلمون كلاما عاديا ليس فيه تقعرات ولا غناء وفى هذا قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"

الجمعة، 28 يناير 2022

قراءة فى كتاب من آفات اللسان الفحش والتفحش والبذاءة والفجور

قراءة فى كتاب من آفات اللسان الفحش والتفحش والبذاءة والفجور
المؤلف ندا أبو أحمد وهو يدور حول آفات اللسان الفحش والتفحش والبذاءة والفجور وكعادة المؤلفين يلجئون أولا لكتب اللغة عند تعريف الشىء لجأ ندا إلى تعريف الفحش والتفحش من النقل من المعاجم فقال:
"أولا: الفحش والتفحش
قال ابن منظور : "الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها: الفواحش"؛ (لسان العرب: 6/ 325).
وقال الراغب : "الفحش والفحشاء: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال"؛ (المفردات: 373)....
- وكل فحشاء ذكرت في القرآن فالمراد بها الزنا، إلا في قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} فإن المراد: البخل في أداء الزكاة"؛ (الكليات: ص 674).
- وقد يأتي الفحش ويقصد به عدوان الجواب؛ كقول النبي (ص) لعائشة: ((لا تكوني فاحشة)).
..والمتفحش: هو الذي يتكلف سب الناس ويتعمده، والذي يأتي بالفاحشة المنهي عنها، والفاحش: السيئ الخلق التفاحش هو تبادل الفحش، أو إظهاره"
والفاحشة تطلق فى كتاب الله على أمرين :
الأول الذنوب وهى المنكرات وهى المظالم كما فى قوله تعالى :
"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى"
ومن ثم هناك العديد من المواضع وليس واحد لم تأت فيه الكلمة بمعنى الزنى وفى هذا قال تعالى:
"إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن"

الثانى الزنى أيا كان نوعه وتحدث عن بواعث الفحش فقال :
- الباعث على الفحش:
يقول الغزالي كما في "الإحياء" (3/ 121):
"إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذموم ومنهي عنه، ومصدره الخبث واللؤم، والباعث عليه إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق وأهل الخبث واللؤم؛ لأن من عادتهم السب"؛ اهـ.
- وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات} أن بعض المفسرين قال: "إن الكلمات الخبيثة تصدر من الأشخاص الخبيثين، والكلمات الطيبة تصدر من الأشخاص الطيبين؛ فالطيبون لا يصدر منهم إلا كل طيب، ولا يصدر منهم الشر، والخبيثون يصدر منهم كل شر؛ من غيبة، ونميمة، وفحش، وبذاءة، وشهادة زور ... وغير ذلك من آفات اللسان"
والرجل هنا يتكلم عن الفحش فى الكلام وهو ليس كله محرما لأن الله أباح السوء من القول وهو الفحش فى حالة ظلم الفاحش وهو الساب الشاتم فقال :
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم "
وأما الباعث على الفحش المحرم فهو إرادة أى مشيئة الإنسان عندما تنحرف عن الحق وأما الباعث على الفحش المباح فهو الظلم أحيانا وممارسة الجماع أحيانا أخرى وأحيانا اظهار الحق فى مسألة ما كما يقول بالحلول والاتحاد فيقال له مثلا لاظهار خطأ القول طالما الأمر هكذا فإنك عندما تجامع زوجتك فإنك تجامع الله
ثم تحدث عن حكم الفحش فقال :
- حكم الفحش:
الفحش محرم، وهو من الكبائر، ويدل عليه قوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون * ..* قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}
- وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في كتابه "الزواجر" (ص 152):
"أن ملازمة الشر والفحش من الكبائر"، مستدلا بقوله (ص): ((إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: من ودعه الناس اتقاء فحشه)).
واستدل أيضا بما روي في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد: ((إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا))؛ (ضعيف)."
والحديث لا يصح نسبته للنبى(ص) لمخالفته إباحة الكلام الفاحش وهو السب والشتم على الظالم كما قال تعالى:
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
واستدل بالأحاديث الآتية :
"- وقد انتشرت الأقوال والأفعال القبيحة القميئة في المجتمع الإسلامي، وظهرت بكثرة في هذا الزمان، وهذه علامة من علامات الساعة؛ فقد أخرج الإمام أحمد والحاكم عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): ((لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة)).
- وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث أنس قال: قال رسول الله (ص): ((إن من أشراط الساعة الفحش، وقطيعة الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن))."
والأحاديث لا تصح لأن الفاحشة تشيع فى عصور كثيرة ومنها عصر قوم لوط(ص) كما قال لهم :
أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون"
وعصرنا ملىء بكل الفواحش حتى أصبحت التشريعات تصدر لاباحتها دون أى خفاء ومع هذا لم تقم الساعة
وتحدث عن كون الفحش مكروه من الله فقال :
- والفحش خلق لا يحبه الله تعالى:
قال تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما} أي: لا يحب الله الفحش من القول، والإيذاء باللسان، إلا المظلوم؛ فإنه يباح له أن يجهر بالدعاء على ظالمه، وأن يذكره بما فيه من سوء.
- وأخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): (( ... وإياكم والفحش؛ فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش ... ))؛ (صححه الألباني في الإرواء: 2133).
- وكما أنه سبحانه لا يحب هذا الخلق الذميم، فإنه لا يحب صاحب هذا الخلق؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن النبي (ص) قال: ((إن الله لا يحب كل فاحش متفحش))، وفي رواية: ((إن الله يبغض الفاحش المتفحش))؛ (صحيح الجامع: 1850، 1877).
وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، عن النبي (ص) قال: ((إن الله لا يحب الفاحش المتفحش، ولا الصياح في الأسواق""
وذكر أحاديث عن كون المسلم ليس لعانا ولا طعانا فقال :
- وكان ابن عمر يقول: "إن أبغض الناس إلى الله كل طعان لعان"؛ (الإحياء: 3/ 126).
- وقد جاء الإسلام يحث على حسن الخلق، وينهى عن الفحش والتفحش:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي (ص) قال: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))؛ (قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح)."
وهذه الأحاديث تخالف كون المسلمين لعانين للكفار كما قال تعالى :
"إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"
وقال :
"لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"
"وعاد الرجل للاستدلال بحديث سبق وأنه قال أنه ضعيف لا يصح فقال:
- وأخرج الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: ((إن الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن خير الناس إسلاما أحسنهم خلقا))؛ (صحح إسناده الحافظ العراقي في تخريج الإحياء، ولكن ضعفه الألباني في السلسة الضعيفة: 3032).
- وأخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو قال: "لم يكن رسول الله (ص) فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقا)) ""
ثم ذكر الحديث الآتى:
"- وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))؛ (صحيح الجامع: 1932)، (الصحيحة: 795)."
والحديث متناقض لأنه يفرق بين المؤمن وبين الصائم القائم مع أن المؤمن لابد أن يكون صواما قواما كما أنه لا يوجد درجة فى الجنة للصائم القائم وإنما الجنة درجتين الفارق بينهما عمل واحد هو الجهاد كما قال تعالى:
"الله فضل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم ذكر الحديث الآتى:
- بل من أراد أن يكون قريبا من النبي (ص)، فليحسن خلقه فقد أخرج الترمذي وغيره - بسند صحيح - من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي (ص) قال: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقا)).
والحديث لا يصح لأن الجنة ليس فيها أحد من سيىء الأخلاق ولذا قال تعالى" لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما"ومن ثم فكل المؤمنون مقربون
والحديثين لا ينفعان فى الاستدلال على الفاحشة وكذلك قول ابن المبارك:
"- وقد سئل ابن المبارك عن حسن الخلق، فقال: "طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى".
- وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس قال: قال رسول الله (ص): ((ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه))؛ (صحيح الجامع: 5655)"
والحديث لا يصح لمخالفته كتاب الله فى أن من الفحش مباح بقوله" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم "ومن الحياء محرم كحياء النبى(ص) من إعلام المسلمين أنهم يؤذونه بالسهر فى بيته كما قال تعالى:
"فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق" ثم ذكر الحديث الآتى:
- وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي (ص) قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء (الصحيحة: 876)."
والخطأ الأول فى الحديث أن حسن الخلق يوضع فى الميزان ولا ميزان وإنما هو قبول للعمل أو رفض له من الله والخطأ الأخر إذا قصد واضع القول أن حسن الخلق هو عمل ففضله على الجهاد كما يقول الحديث فقد خالف قوله تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
ثم ذكر الحديث الآتى:
"- وبين النبي (ص) أن البذاءة من شعب النفاق:
فقد أخرج الترمذي والحاكم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي (ص) قال: ((البذاء والبيان شعبتان من شعب النفاق)).
والخطأ الأول هو أن العى من الإيمان والبيان من النفاق وهذا يخالف أن الله أمر النبى (ص)ببيان الوحى فقال "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "زد على هذا أن الله علم آدم(ص) البيان كما قال "خلق الإنسان علمه البيان "فهل علمه الله الباطل قطعا لا والعى وهو العجز عن التعبير السليم قد يكون فى بعض المؤمنين كما يكون فى بعض الكفار لأنه مرتبط فى الغالب بمرض جسمى والخطأ الثانى هو أن البذاء من النفاق ويخالف هذا أن البذاء وهو السب والشتم بالسوء من القول قد يكون بحق إذا كان الإنسان مظلوما وقد أباح الله للمظلوم أن يسب بالسوء من القول ظالمه فقال " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم "
ثم ذكر الحديث الآتى:
- والنبي (ص) جعل البذاءة (الفحش من القول) من الجفاء، والجفاء في النار:ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)).
- وقد جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: "قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة .. يذكر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، فإن فلانة .. يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في الجنة)) "؛ (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2560).
- ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة، فقال: "لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها"، (الإحياء: 3/ 155).
وفي حديث أخرجه الإمام مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال في خطبة له: ((وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق، إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحاش)) - ولم يذكر أبو غسان في حديثه: ((وأنفق فسننفق عليك))."
والخطأ فى المذكور هنا لأن هناك أخطاء فى الخطبة التى لم يقلها النبى (ص)هو أن أهل الجنة ثلاثة وأهل النار خمسة ويخالف هذا أن أهل الجنة واحد هو المسلمون وأهل النار اثنين كافر أو منافق. "
ثم ذكر أحاديث أخرى بعضها كرر سابقا فقال :
- فلهذا ولغيره كان النبي (ص) ينهى عن الفحش والتفحش، ويحذر منه:
فقد أخرج العقيلي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله (ص): ((يا عائشة، إياك والفحش؛ فإن الفحش لو كان رجلا، لكان رجل سوء))؛ (الصحيحة: 537) (صحيح الترغيب: 4631).
- وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: "أتى النبي (ص) أناس من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: ((وعليكم))، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام فقال رسول الله (ص): ((يا عائشة، لا تكوني فاحشة فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: ((أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟! قلت: وعليكم)) "....
ثم ذكر الحديث محذرا من عمل الفحش:
- فعلينا جميعا أن نهجر هذا الخلق الذميم، الذي يكرهه رب العالمين، وحذرنا منه الرسول الأمين (ص).
وقد جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: "جاء أعرابي (علوي) جريء إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت، أو لقوم خاصة، أم إلى أرض معلومة، أم إذا مت انقطعت؟ قال: فسكت عنه يسيرا، ثم قال: ((أين السائل؟)) قال: ها هو ذا يا رسول الله، قال: ((الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثم أنت مهاجر وإن مت بالحضر ... ))؛ الحديث (قال أحمد شاكر : إسناده صحيح 12/ 4645).
- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ((لا تهجروا ولا تدابروا، ولا تحسسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا)).....
- وكان أنس يقول أيضا - كما عند البخاري ومسلم -:
"ولقد خدمت رسول الله (ص) عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا".
- وثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة قال: "قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: ((إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة)) "."
والأحاديث السابقة ليست من الموضوع لعدم ذكر الفحش فيها وتحدث عن الاقتداء بالنبى(ص) والمؤمنين فقال :
"هذا هو رسول الله (ص) القدوة والأسوة الحسنة؛ كما قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}
- وكان الرعيل الأول - رحمة الله عليهم - لا يتكلمون إلا بطيب الكلام؛ عملا بوصية رب العالمين؛ حيث قال في كتابه الكريم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} فكانوا يمتثلون أمره سبحانه وتعالى؛ طمعا فيما وعد به من صلاح الأعمال، وغفران الذنوب، والفوز العظيم يوم الدين.
فها هو تاج الدين السبكي ، كان في حضرة أبيه - وأبوه هو علي بن عبدالكافي تقي الدين السبكي - يقول تاج الدين: "فمر علينا كلب، فقلت: مر يا كلب يا بن الكلب، قال: فأنكر علي أبي، فقلت: أليس هو كلب ابن كلب، فقال أبوه: روينا، ثم ساق حديثا إلى عيسى (ص) أنه مر به كلب، فقال له عيسى (ص): مر بسلام، فسئل عن ذلك، فقال: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء"..."
وتحدث عن أسلوب القرآن فى علاج مشكلات الفاحشة الكلامية فقال:
-" وانظر إلى القرآن وأسلوبه الراقي المهذب الجميل؛ فالله تعالى حينما أراد أن يعبر عن الجماع، كنى عنه بألفاظ في غاية الأدب والرقي؛ كقوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به} وقال تعالى أيضا - يكني عن الجماع -: {أو لامستم النساء}
- قال ابن عباس: "إن الله حيي كريم، يعفو ويكني، كنى باللمس عن الجماع".
وقال تعالى محذرا الرجال من جماع النساء في المساجد حال الاعتكاف: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} وعبر القرآن عن قول امرأة العزيز لما راودت يوسف عن نفسه: {وقالت هيت لك ... }
- وعندما أراد التعبير عن قضاء الحاجة، عبر عنه بالمكان الذي تقضى فيه الحاجة، وهو ما يعرف بالغائط، وهو المكان المطمئن، تقضى فيه الحاجة؛ قال تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط}
حتى إن العلماء والفقهاء حين ألفوا وصنفوا كتب الفقه، كانوا حريصين جدا على اختيار الألفاظ، مثل قولهم في نواقض الوضوء: خروج شيء من أحد السبيلين، بدلا من قولهم: التبول والتبرز.
- وفي قول النبي (ص): ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ... ))؛ (والحديث رواه البخاري ومسلم).
ونقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 294) عن ابن أبي جمرة أنه قال: "والظاهر أن الفراش كناية عن الجماع، ...- وأيضا قول النبي (ص): ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها))؛ (رواه مسلم)."
وانتهى الرجل إلى النتيجة التالية:
"والخلاصة: أنه يجب على المؤمن أن يكون عفيف اللسان، يختار العبارات اللائقة اللبقة، والكنايات اللطيفة، ويختار أرق الألفاظ، وأعذب الكلمات"
والغريب أن الرجل لم يتعرض لعقاب الفاحشة الكلامية فى الدنيا وهو متنوع فالشتم والسب له عقوبة الجلد إذا كان كذبا والنميمة عقابها متنوع حسب ما ينتج عنها من كوارث كالقتل والجرح...
وعرف البذاءة فقال :
"ثانيا: البذاءة
البذاءة اصطلاحا:
قال الغزالي : "هي التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة"؛ (الإحياء: 3/ 122).
وقال المناوي : "البذاء هو الفحش والقبح في المنطق، وإن كان الكلام صدقا"؛ (التوقف على مهمات التعاريف: ص 73)..."
وكما نقل عن باعث الفحش تحدث عن دوافع البذاءة وقال ناقلا عن الغزالى أيضا :
"- دوافع البذاءة والفحش:
قال الغزالي : "إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذمومة، ومنهي عنها، ومصدرها الخبث واللؤم، والباعث عليها إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق وأهل الخبث واللؤم؛ لأن من عادتهم السب، ومواضع ذلك متعددة، ويمكن حصرها في كل حال تخفى ويستحيا منها؛ فإن التصريح في مثل هذه الحال فحش، وينبغي الكناية عنها، وأكثر ما يكون في ألفاظ الوقاع وما يتعلق به؛ فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها، وأما أهل الصلاح فإنهم يتحاشون عنها، بل يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز، فيذكرون ما يقاربها ويتعلق بها، ألم تر أن الله عز وجل كنى باللمس عن الجماع؛ ولذلك فإنه تستعمل ألفاظ مثل المس واللمس والدخول والصحبة، كما يكون الفحش والبذاء أيضا في حال قضاء الحاجة؛ فإن استعمال البول والغائط أولى من لفظ التغوط والخراء، ويدخل الفحش أيضا والبذاء في ذكر النساء والكلام عنهن، فلا يقال: قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة، أو من وراء الستر، أو قالت أم الأولاد؛ فالتلطف في هذه الألفاظ محمود، والتصريح فيها يفضي إلى الفحش، وكذلك يدخل أيضا في ذكر العيوب التي يستحيا منها، فلا ينبغي أن يعبر عنها بصريح اللفظ، فلا يقال: فلان الأبرص والأقرع، بل يقال مثلا: فلان الذي به العارض الذي يشكوه، وهذا كله يختلف باختلاف البلاد، وأوائل هذه الأشياء مكروهة، وأواخرها محظورة، وبينهما درجات يتردد فيها"؛ اهـ بتصرف (الإحياء: 3/ 121).
وهذا الكلام ه تكرار لما سبق أن ذكره ندا فى الفحش والدوافع كما قلت فى السابق هى مشيئة الفرد سواء كانت نيته حلال أو حرام وحدثنا عن النهى عن البذاءة فقال :
النهي عن البذاءة:
- جاء الإسلام ونهى عن البذاءة والفحش، وبين أن البذاءة لؤم؛ فقد أخرج النسائي عن ابن عباس أنه قال: "إن رجلا وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه، فقال النبي (ص): ((لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا، ألا إن البذاء لؤم))؛ (قال العراقي في تخريجه على الإحياء: أخرجه النسائي بإسناد صحيح)."
والحديث لا يصح لأن الوقوع فى أب يعنى الاتهام بالزنى وهو ما يستوجب حد الرمى وهو شهادة الزور وهنا لا يوجد عقاب للرجل وكرر حديثا سبق مناقشة كونه لا يصح فقال :
"- لذا تجد أن المؤمن بعيد كل البعد عن البذاءة والفحش؛ فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عبدالله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله (ص): ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))."
ثم ذكر الحديث الآتى:
- وأخرج الإمام أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله (ص): ((إن أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طف الصاع لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلا بالدين، أو عمل صالح، حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا))، (قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة، وبقية رجاله ثقات)."
والحديث لا يصح لأنه يأمر بالرذائل فى قوله حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا فالمفروض أن لا يكون وليس حسبه أن يكون فاحشا ثم ذكر الحديث الآتى:
- والله تعالى يبغض الفاحش البذيء؛ فقد أخرج الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: ((ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)).
والميزان ليس بالخلق وإنما بالعمل ككل ثم ذكر الحديث الآتى:
- والبذاءة من شعب النفاق؛ فقد أخرج الترمذي والحاكم في "المستدرك" عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله (ص): ((الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من شعب النفاق)) وقد سبق القول بعدم صحة الحديث
- والبذيء الفاحش في النار؛ فقد أخرج الترمذي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله (ص): ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار))؛ (صحيح الجامع: 3199، قال محقق جامع الأصول: إسناده حسن).
والحياء عامة ليس كله من الإيمان فالحياء بعضه محرم كالحياء من قول الحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كاستحياء النبى(ص) من قول الحق لبعض المؤمنين الذين يأكلون فى بيته فيسهرون مضايقين إياه وأهل بيته حتى قال الله فيهم" فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق"
وكرر كلاما سبق أن ذكره فى الفحش فقال :
- ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة اللسان، فقال: "لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها"؛ (الإحياء: 3/ 125).
- وقال الأحنف بن قيس : "ألا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء"؛ (الإحياء: 3/ 123)."
وعرف الفجور فقال :
ثالثا: الفجور
هو عنوان للدناءة والخسة، ومزيل لكل محبة، ومبعد عن كل مودة، وفي الجملة هو سبب لهلاك الإنسان في الدين والدنيا الفجور لغة: الانبعاث في المعاصي، يقال: فجر الرجل يفجر فجرا وفجورا؛ أي: انبعث في المعاصي، وفي الحديث: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله))، والفجار: جمع فاجر، وهو المنبعث في المعاصي والمحارم.
- وفجر فجورا؛ أي: عصى وخالف، ...(انظر: لسان العرب: 5/ 4746)، (التاج: 7/ 338)، (المصباح: 276)."
ثم عرفه اصطلاحيا فقال :
الفجور اصطلاحا:
قال الجرجاني : "هو هيئة حاصلة للنفس، بها يباشر أمورا على خلاف الشرع والمروءة"؛ (التعريفات: 171)وقال الراغب : "الفجور: شق ستر الديانة"؛ (المفردات: 273)وقال الجاحظ : "الفجور: هو الانهماك في الشهوات، (تهذيب الأخلاق: 28)"
ثم تحدث عن حكمه ناقلا أقوالا من بطون الكتب فقال :
"- حكم الفجور:
الفجور بكل أنواعه: من كفر ومعصية وكذب وزنى وعدول عن الحق: من الكبائر، وقد نهينا ليس فقط عن الفجور، وإنما عن معاملة الفجار، والجلوس معهم؛ قال الإمام العز: "فراق الفجرة من شيم البررة؛ لأن جليس السوء كنافخ الكير"؛ (شجرة المعارف والأحوال: 287).
- ويقول عمر بن الخطاب: "لا تصحب الفجار لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوك، واحذر صديقك، إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القبور، وذل عند الطاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الذين يخشون الله"؛ (الدر المنثور للسيوطي: 7/ 22).
ثم تحدث عن ذم الفجور فقال :
" ذم الفجور:
قال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} فهذه الآية تبين قبح الفجور، ومنزلة الفجار؛ حيث تمت المقابلة ما بين المتقين والفجار، فعلم أن الفجار على عكس ما عليه الأبرار، وكفى بهذا ذما للفجور والفجار.
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبدالله قال: "أخذ رسول الله (ص) بيد عبدالرحمن بن عوف، فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه النبي (ص) فوضعه في حجره، فبكى، فقال له عبدالرحمن: أتبكي؟ أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: ((لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان)) "
والحديث لا يصح لأنه متناقض فقد تحدث عن ذكر صوتين فاجرين وذكر أربعة وهم1- صوت عند مصيبة2- خمش وجوه3- وشق جيوب4- ورنة شيطان ثم ذكر الحديث الآتى:
- والفجور من خصال المنافقين؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): ((أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها))
وهم لا يصح والخطأ أن المنافق له 4 صفات فقط هى الخيانة والكذب والغدر والفجور ويخالف هذا أن الله ذكر لهم صفات أخرى وهى لحن القول كما بقوله "أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول "والمراءة ومنع الماعون مصداق لقوله "الذين هم يراءون ويمنعون الماعون "

ثم تحدث عن جزاء الفاجر فقال :
- جزاء الحلف الفاجر:
ألا يكلمه الله تعالى؛ ففي "صحيح مسلم" من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي (ص) قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره))."
والحديث يناقض أن من لا يكلهم هم كل الكفار وليس أصحاب ثلاثة أفعال لأنه قال مثلا فى كاتمى الوحى المنزل وهم غير مذكرين فى الحديث :
"إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة"
ثم ذكر الحديث الآتى:
ب - يعرض عنه الله يوم القيامة؛ ففي "صحيح مسلم" أيضا عن وائل بن حجر قال: "جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي (ص)، فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال رسول الله (ص) للحضرمي: ((ألك بينة؟))، قال: لا، قال: ((فلك يمينه))، قال: يا رسول الله، إن الرجل فاجر، لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع عن شيء، فقال: ((ليس لك منه إلا ذلك))، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله (ص) - لما أدبر -: ((أما لئن حلف على مال ليأكله ظلما، ليلقين الله وهو عنه معرض))."
والحديث لا يصح فكأن الرجين كانا يعيشان وحدهما فليس فى الموضوع شهود وهو كلام لا يعقل كما أن الحديث يظهر النبى(ص) بمظهر القاضى الجاهل الذى يطلب أول ما يطلب الشهود خاصة أن الاثنين ليس معهما بينة ثم ذكر الحديث الآتى:
ج - يلقى الله وهو عليه غضبان؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص): ((من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} قال: فدخل الأشعث بن قيس، وقال: ما يحدثكم أبو عبدالرحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: في أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي، قال النبي (ص): ((بينتك أو يمينه))، فقلت: إذن يحلف يا رسول الله، فقال النبي (ص): ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، وهو فيها فاجر - لقي الله وهو عليه غضبان))."
ويقال فى هذا الحديث ما قيل فى سابقه ثم ذكر الحديث الآتى:
- وحيث إن التجار أكثرهم من يحلف كاذبا؛ فقد قال النبي (ص) عنهم: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله وبر وصدق)).
والحديث عند الترمذي - بسند حسن - عن رفاعة رضي الله عنه: "أنه خرج مع النبي (ص) إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: ((يا معشر التجار))، فاستجابوا لرسول الله (ص)، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله، وبر وصدق)).
- العبد الفاجر إذا مات استراح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه: "أنه كان يحدث أن رسول الله (ص) مر عليه بجنازة، فقال: ((مستريح ومستراح منه))، قالوا: يا رسول الله،ما المستريح والمستراح منه؟ قال: ((العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب)).
- الفجور يهدي إلى النار:
قال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم}
- من أجل ذلك، كان السلف الكرام لا يتكلمون إلا فيما ينفعهم، ويحذرون من الفجور، وكل ما لا يعود عليهم بنفع في دينهم ودنياهم؛ يقول إبراهيم بن زيد التيمي: "المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر، فإن كان كلامه له تكلم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنما لسانه رسلا رسلا"؛ (الصمت لابن أبي الدنيا: 247)"