الخميس، 28 فبراير 2019

تابع تفسير سورة آل عمران 1

"ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا"فيضلونكم تعنى يريدون ردكم كفارا وقوله بسورة الأنعام "وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون "وقوله بسورة البقرة "ولكن لا يعلمون"فيضلون أنفسهم تعنى يهلكون أنفسهم ويشعرون تعنى يعلمون والمعنى أحبت جماعة من أصحاب الوحى السابق أن يردوكم عن إسلامكم وما يؤذون إلا أنفسهم وهم يعلمون أنهم يؤذون أنفسهم ،يبين الله أن طائفة من أهل الكتاب والمراد أن فريق من أصحاب الوحى السابق ودوا لو يضلوننا والمراد أرادوا لو يردونا عن دين الله ولكنهم فى الحقيقة يضلون أنفسهم والمراد يبعدون ذواتهم عن دين الله وهم لا يشعرون أى وهم يعلمون أنهم يؤذون أنفسهم بهذا رغم أنهم يضحكون على أنفسهم بأنهم مصلحون وليسوا مفسدين والخطاب للمؤمنين .
"يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون"يفسر الآية قوله بعدها"يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون"فتكفرون تعنى تلبسون وآيات الله هى الحق المكتوم وتشهدون تعنى تعلمون ومعنى الآيتين يا أصحاب الوحى السابق لم تكذبون بأحكام الله وأنتم تعرفون الحق أى يا أصحاب الوحى السابق لماذا تخلطون العدل بالظلم أى تخفون العدل وأنتم تعرفون الحق وعقاب مخالفيه؟ يبين الله بسؤاله لأهل الكتاب من اليهود والنصارى أنهم يكفرون بآيات الله أى يلبسون الحق بالباطل أى يخلطون آيات الله بآيات الشهوات أى يكتمون الحق وهذا يعنى أنهم يكذبون أحكام الله وهم يشهدون أى يعلمون الحق ووجوب طاعته وعقاب من يخالفه وبألفاظ أخرى يثبت لهم أنهم قد كفروا رغم علمهم بالحق والخطاب لأهل الكتاب.
"وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا أخره لعلهم يرجعون "المعنى وقال فريق من أصحاب الوحى السابق لبعضهم :صدقوا بالذى أوحى للذين صدقوا بمحمد(ص)أول اليوم وكذبوا به نهايته لعلهم يرتدون،يبين الله للمؤمنين أن طائفة من أهل الكتاب والمراد جماعة من أصحاب الوحى السابق قالوا لبعض منهم :آمنوا بالذى أنزل على الذين أمنوا والمراد صدقوا بالقرآن الذى أوحى للذين صدقوا بمحمد(ص)وجه النهار أى أول اليوم واكفروا أخره أى وكذبوا به نهاية النهار وبينوا لهم سبب الإيمان ثم الكفر وهو أن يرجعوا والمراد أن يرتد المسلمين عن الإسلام والغرض من المكيدة هو أن المسلمين سيفكرون ويقولون ليس هذا بدين الله لأن أهل الكتاب ارتدوا عنه لما وجدوه دين أخر غير دين الله ومن ثم يرتدون عنه والخطاب للنبى (ص)هو وما بعده .
"ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن هدى الله هو الهدى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"قالوا نؤمن بما أنزل علينا"فدينهم هو ما أنزل عليهم كما زعموا وقوله بسورة آل عمران "إن الدين عند الله الإسلام"فهدى الله هو الإسلام وقوله بسورة آل عمران"بيدك الخير "فالفضل هو الخير والمعنى قالوا ولا تصدقوا إلا لمن أطاع حكمكم قل يا محمد(ص) إن دين الله هو الإسلام وقالوا إن الله لن يعطى أحد شبه الدين الذى أعطيتم أو يجادلوكم لدى إلهكم قل إن الخير بأمر الله يعطيه من يريد والله غنى خبير،يبين الله لرسوله (ص)ولنا أن أهل الكتاب قالوا لبعضهم :ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم والمراد ولا تصدقوا سوى من أطاع حكمكم وهذا يعنى أنهم يطلبون من بعضهم ألا يطيعوا إلا من كان على دينهم وطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لهم إن هدى أى دين الله هو الإسلام وليس دينكم ويبين لنا أنهم قالوا لبعضهم :أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم والمراد إن الله لن يعطى أحد شبه الدين الذى أعطاه لكم وهذا يعنى اعتقادهم أن وحى الله الأخير هو الذى نزل عليهم وقوله :أو يحاجوكم عند ربكم والمراد كما بسورة البقرة"أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم "أى ولا تحدثوا المسلمين بالذى أعطاه لكم حتى لا يجادلوكم به لدى إلهكم وهذا القول يبين لنا أنهم يعتقدون أن الله جاهل لا يعرف أقوالهم وأعمالهم ويطلب الله من رسوله(ص)أن يرد عليهم فيقول:إن الفضل بيد الله والمراد إن الخير وهو الوحى الإلهى ينزل بأمر الله يؤتيه من يشاء أى ينزله على من يريد والله واسع أى غنى عليم أى خبير بكل شىء والغرض من الرد هو إخبارهم بكذب أقوالهم وأن الوحى ليس حكر عليهم
"يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده"فرحمته هى فضله وقوله بسورة الأنعام"ذو رحمة واسعة"فالفضل العظيم هو الرحمة الواسعة والمعنى يعطى الوحى من يريد والله صاحب الرحمة الواسعة ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لأهل الكتاب:يختص برحمته من يشاء أى يعطى حكمه لمن يريد وهذا يعنى أن الله هو الذى اختاره للرسالة وليس هو ،والله ذو الفضل العظيم أى صاحب الرحمة الكبرى لمن اتبع دينه .
"ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة المائدة "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب"يقولون تعنى يفترون والمعنى ومن أصحاب الوحى السابق من إن تعطه قنطار أمانة يرده لك عند طلبه ومنهم من إن تعطه دينار أمانة لا يرده لك عند طلبه إلا ما ظللت له مطالبا ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى أذى الأخرين عقاب ويفترون على الله الباطل وهم يعرفون عقاب ذلك ،يبين الله لرسوله (ص)أن من أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق فريق منهم من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك والمراد من إن تعطه مالا كثيرا أمانة يردها لك عند طلبها ومنهم من إن تأمنه بدينار أى من تعطه مالا قليلا أمانة لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما والمراد لا يرد الأمانة لك إلا إذا ظللت له مطالبا برد الأمانة أى مكررا الطلب كثيرا حتى يتعب هو من طلبك لها فيعطيها لك والسبب فى فعلهم هذا هو قولهم :ليس علينا فى الأميين سبيل والمراد ليس علينا فى إيذاء الأمم الأخرى عقاب وهذا يعنى أنهم يطبقون ما زعموا أن الله أنزله عليهم وهو أن لا عقاب عليهم فى أذى الأخرين وهم بهذا يقولون على الله الكذب والمراد ينسبون إلى الله الباطل الذى لم ينزله عليهم وهم يعلمون أى يعرفون عقوبة من ينسب الباطل لله ،والخطاب للنبى (ص)وما بعده.
"بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الفتح"ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما "فحب الله هو أجره العظيم وقوله بسورة آل عمران"إن الله يحب المحسنين"فالمتقين هم المحسنين والمعنى حقا من أتم ميثاق الله أى أطاع الله فإن الله يرحم المسلمين ،يبين الله لنا أن الجنة هى لمن أوفى بعهده أى أتم ميثاق الله أى اتقى أى أطاع دين الله وفسر هذا بأنه يحب المتقين أى يرحم المطيعين لدينه بإدخالهم الجنة ،والآية محذوف أولها وهو سؤال معناه هل الجنة للموفين بعهدهم أى المتقين؟.
"إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم فى الأخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"فعهد الله أى أيمانهم هو الهدى والثمن القليل هو الضلالة وقوله بسورة الشورى "وما له فى الآخرة من نصيب"فالخلاق هو النصيب وقوله بسورة فاطر"لهم عذاب شديد"والمعنى إن الذين يتركون دين الله أى ميثاقهم مع الله ويأخذون متاعا فانيا أولئك لا نصيب لهم فى الجنة أى لا يرحمهم الله أى لا يرأف بهم الله يوم البعث أى لا يطهرهم أى لهم عقاب شديد ،يبين الله لنا أن الذين يشترون بعهد الله وهم الذين يتركون طاعة دين الله أى أيمانهم وهو ميثاقهم مع الله ويأخذوا بدلا منه ثمنا قليلا أى متاعا فانيا هو متاع الدنيا لا خلاق لهم فى الأخرة والمراد لا مكان لهم فى الجنة وفسر هذا بأن الله لا يكلمهم أى لا يرحمهم وفسر هذا بأنه لا ينظر لهم يوم القيامة أى لا يرأف بهم يوم البعث وفسر هذا بأنه لا يزكيهم أى لا يعفو عن ذنوبهم وفسر هذا بأن لهم عذاب أليم أى عقاب شديد هو النار ،والآية رد على سؤال معناه من ليس لهم نصيب فى الأخرة والخطاب للنبى(ص).
"وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "فلى الألسن بالكتاب هو كتابة الكتاب بالأيدى وقوله بسورة المائدة "ويفترون على الله الكذب"فيقولون تعنى يفترون والمعنى وإن منهم جماعة يحرفون بكلامهم الوحى لتظنوه من الوحى وما هو من الوحى ويقولون هو من لدى الله وما هو من لدى الله ويفترون على الله الباطل وهم يعرفون عقاب ذلك،يبين الله للمؤمنين أن من أهل الكتاب فريق أى جماعة تفعل التالى :تلوى ألسنتها بالكتاب أى تحرف بكلامها كلام الله والسبب حتى يحسبه المؤمنون من الكتاب والمراد حتى يظنه المسلمون من كلام الله فيعملوا به فيضلوا عن دين الله وما هو من الله أى وليس هو من كلام الله ويقول الكتابيون عنه:هو من عند أى كلام الله المنزل وما هو من عند أى ليس كلام الله المنزل والكتابيون يقولون على الله الكذب والمراد ينسبون إلى الله الباطل وهو يعلمون أى يعرفون عقاب من يفعل هذا الفعل والخطاب للمؤمنين.
"ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الصف"كونوا أنصار الله"فعباد الله هم أنصاره والمعنى ما كان لإنسان أن يعطيه الله الوحى أى الحكمة أى النعمة ثم يقول للخلق أصبحوا مطيعين لى من دون الله ولكن أصبحوا مطيعين لله بالذى كنتم تعرفون من الوحى أى بالذى كنتم تحفظون ،يبين الله للناس أن ليس لبشر أى إنسان أتاه أى أعطاه الله الكتاب أى الحكم أى النبوة وهو وحى الله أن يقول للناس وهم الخلق:كونوا عبادا لى من دون الله والمراد أصبحوا مطيعين لحكمى أنا ولا تطيعوا حكم الله ومن ثم فلم يقل هذا عيسى(ص)ولا غيره من الرسل(ص)وإنما كانوا يقولون للناس:كونوا ربانيين أى أصبحوا عبيدا لله أى مطيعين لحكم الله بما كنتم تعلمون الكتاب أى بالذى كنتم تعرفون من الوحى الإلهى أى بما كنتم تدرسون أى بالذى كنتم تحفظون من الوحى الإلهى والخطاب للناس وما بعده.
"ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون"المعنى ولا يطالبكم أن تجعلوا الملائكة والرسل(ص)آلهة تطاع هل يطالبكم بالعصيان بعد إذ أنتم مطيعون لحكم الله ،يبين الله لنا أن أى نبى(ص)لا يمكن أن يأمرهم أى يدعوهم إلى إتخاذ الملائكة والنبيين أرباب والمراد إلى عبادة الملائكة والرسل(ص)آلهة من دون الله ،ويسألهم :أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون والمعنى هل النبى يدعوكم لتكذيب حكم الله بعد إذ أنتم مصدقون به مطيعون له ؟والغرض من السؤال هو إثبات استحالة دعوة النبى أى نبى الناس للكفر بعد إسلامهم والسبب كون ذلك سيجعله مجنون لأنه يدعو للشىء ونقيضه ومن ثم فأى نبى يعرف ذلك ومن ثم فهو لن يدعو للكفر بعد أن دعا للإسلام لأنه مصيره ساعتها هو العقاب الدنيوى وبعده النار.
"وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "المعنى وقد فرض الله عهد الرسل(ص)لما أعطيتكم من وحى أى حكم ثم أتاكم مبعوث مؤمن بما عندكم لتصدقن به ولتؤيدنه قال هل اعترفتم وأخذتم على هذا عهدى قالوا اعترفنا قال فأقروا وأنا معكم من المقرين ،يبين الله لنا أنه أخذ ميثاق النبيين والمراد فرض عهد على الرسل(ص)وهذا العهد تم أخذه على كل رسول فى عصره ولم يؤخذ جماعيا لإختلاف عصور الرسل(ص) والعهد المأخوذ هو أن الله سألهم هل إذا أتيتكم أى أعطيتكم الكتاب وهو الحكمة وهو الوحى ثم أتاكم رسول مصدق والمراد مؤمن بما معكم أى مؤمن بما عندكم من الوحى هل ستؤمنون به وتنصرونه أى هل ستصدقون برسالته وتؤيدونه؟وقد سأل الله على لسان الملائكة كل بمفرده فى عصره :هل اعترفتم ورضيتم على الإيمان به ونصره فى ميثاقى ؟فأجابوا :أقررنا أى وافقنا أى اعترفنا أى رضينا بذلك وهذا يعنى أن كل الرسل(ص)صدقوا برسالة محمد(ص)أى آمنوا به قبل بعثته وهذا يعنى أن محمد(ص)مذكور فى كل كتب الوحى منذ أول كتاب نزل على أدم(ص)،ويبين الله لنا أنه طلب من الرسل(ص)الشهادة وهى الإقرار بالعلم بأمر محمد(ص)ثم بين لهم أنه من الشاهدين أى العلماء بالأمر معهم والخطاب وما بعده للناس .
"فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون"فتولى تعنى يكفر والفاسقون تعنى الخاسرون والمعنى فمن كفر بعد هذا فأولئك هم الخاسرون،يبين الله لنا أنه قال للرسل(ص):من تولى بعد ذلك والمراد من كفر بعد الميثاق فأولئك هم المعذبون أى الذين يستحقون دخول النار .
"أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة"أفحكم الجاهلية يبغون"فغير دين الله هو الجاهلية وقوله بسورة الرعد"ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها"فأسلم تعنى سجد وقوله بسورة العنكبوت"وإليه تقلبون"فيرجعون تعنى يقلبون والمعنى أسوى حكم الله يريدون وله سجد من فى السموات والأرض رضا وجبرا إلا من كفر وإليه تعودون ؟يبين الله لنا أن الكفار يبغون غير دين الله والمراد يريدون طاعة حكم سوى حكم الله وهو حكم الجاهلية مع أن كل من فى السموات والأرض قد أسلم له أى أطاع حكم الله سواء طوعا أى رغبة منهم فى الطاعة أو كرها أى جبرا بسبب خوفهم منه عدا من كفر وهم من حق عليهم العذاب فى قوله تعالى بسورة الحج "ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب " والجميع إليه يرجعون أى إلى جزاء الله يعودون ثوابا أو عقابا والخطاب للنبى(ص)وما بعده ومحذوف منه ما معناه أسلموا أى كل المخلوقات إلا من كفر .
"قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"يفسر الجزء الأخير قوله بسورة البقرة"ونحن له عابدون "فمسلمون تعنى عابدون والمعنى قل يا محمد صدقنا بحكم الله أى ما أوحى إلينا وما أوحى إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاد يعقوب والذى أوحى لموسى وعيسى والرسل عليهم الصلاة والسلام من إلههم لا نميز بين أحد منهم ونحن له مطيعون ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للناس :آمنا بالله أى صدقنا بوحى الله وفسره الله بأنه ما أنزل علينا أى الذى أوحى للمسلمين فى عهد محمد(ص)وما أنزل أى أوحى لكل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وهو أولاد يعقوب عليهم الصلاة والسلام وما أوتى أى والذى أوحى لموسى وعيسى والنبيون وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام ،ويبين للناس أن المسلمين لا يفرقون بين أحد من رسل الله والمراد لا يؤمنون ببعض منهم ويكفرون بالبعض الأخر وإنما يؤمنون بهم كلهم وهم لله مسلمون أى مطيعون لحكم الله .
"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة"إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار"فإبتغاء دين غير دين الله هو الشرك بالله وكونه من الخاسرين فى الآخرة يعنى حرمانه من الجنة ودخوله النار والمعنى ومن يتخذ سوى الإسلام حكما يطاع فلن يرضى عنه وهو فى القيامة من المعذبين ،يبين الله لنا أن الذى يعتنق أى يطيع دين سوى دين أى حكم الإسلام فى الدنيا لن يقبله الله منه والمراد لن يرضاه الله أى لن يأخذ منه عمله المبنى على هذا الدين وهذا المعتنق لغير الإسلام سيكون فى الآخرة وهى القيامة من الخاسرين وهم المعذبين فى النار والخطاب للنبى(ص).
"كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المنافقون"إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله "فقولهم :نشهد إنك لرسول الله هو شهادتهم أن الرسول حق وقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين"فالظالمين هم الكافرين والمعنى كيف يرحم الله ناسا كذبوا بعد تصديقهم وأقروا أن النبى عدل وأتاهم الحق والله لا يرحم الناس الكافرين؟ يسأل الله :كيف يهدى قوم كفروا بعد إيمانهم أى كيف يرحم الله ناس كذبوا بحكم الله بعد تصديقهم به وفسر الله إيمانهم بأنهم شهدوا أن الرسول وهو محمد(ص)حق أى عادل فى تأدية الرسالة وقد جاءتهم البينات والمراد وقد أتتهم البراهين على رسالته والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن الله لا يهدى أى لا يرحم القوم الظالمين وهم الكافرين بحكم الله ويعاقبهم على كفرهم والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده.
"أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف"ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا"فلعنة الله هى جهنم وقوله بسورة فصلت"وهم لا ينصرون"فينظرون تعنى ينصرون وقوله بسورة البقرة "وما هم بخارجين من النار"فخالدين تعنى أنهم ليسوا خارجين من النار وقوله بسورة الأعراف"والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا "فأصلحوا تعنى آمنوا والمعنى أولئك عقابهم أن لهم غضب الله وعذاب الملائكة والخلق كلهم باقين فيها لا يرفع عنهم العقاب أى ليسوا يرحمون إلا الذين أنابوا من بعد كفرهم أى أسلموا فإن الله عفو نافع،يبين الله لنا أن المرتدين عقابهم هو لعنة الله خالدين فيها والمراد لهم عذاب الله باقين فيه لا يخفف عنهم أى لا يمنع عنهم العذاب فى أى وقت وفسر هذا بأنهم لا ينظرون أى لا يرحمون أبدا،ويبين لنا أن للمرتدين لعنة الملائكة والناس والمراد ذم الملائكة والمسلمين لهم وحربهم لهم وقد استثنى الله من المرتدين الذين تابوا أى عادوا إلى الإسلام بعد كفرهم أى أطاعوا حكم الله مرة أخرى فهؤلاء لا يدخلون عذاب الله ولا يجوز للملائكة والمسلمين حربهم لأن الله غفور رحيم أى يعفو عن ذنوبهم وينفعهم برحمته حيث يدخلهم الجنة.
"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"لم يكن الله ليغفر لهم "فعدم قبول الله لتوبتهم هو عدم غفرانه لهم وقوله بسورة النمل"وهم فى الآخرة هم الأخسرون"فالضالون هم الأخسرون والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله بعد تصديقهم به ثم استمر تكذيبهم لن ترضى إنابتهم وأولئك هم المعذبون ،يبين الله لنا أن الذين كفروا بعد إيمانهم والمراد الذين عصوا حكم الله بعد طاعتهم له تصديقا له ثم ازدادوا كفرا أى ثم استمر عصيانهم حتى موتهم لن تقبل توبتهم أى لن يغفر الله لهم كفرهم لو تابوا عند الموت مصداق لقوله تعالى بسورة النساء"وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن " وهم فى الآخرة هم الضالون أى المعذبون فى النار .
"إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة يونس"ولو أن لكل نفس ظلمت ما فى الأرض لأفتدت به "فالذين كفروا هم كل نفس ظلمت وقوله بسورة البقرة "ولا يقبل منها عدل"فالعدل هنا هو ملء الأرض ذهبا وهو الفدية وقوله بسورة الرعد"أولئك لهم سوء الحساب"فالعذاب الأليم هو سوء الحساب وقوله بسورة الشورى"وما كان لهم من أولياء"فالناصرين هم الأولياء والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله وتوفوا وهم مكذبون به لن يؤخذ من أحدهم قدر الأرض ذهبا ولو بادل به أولئك لهم عقاب شديد وليس لهم منقذين،يبين الله لنا أن الذين كفروا أى عصوا حكم الله وماتوا وهم كفار والمراد وهلكوا وهم عاصين لحكم الله لن يقبل الله منهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به والمراد لن يرضى الله أن يأخذ منه قدر الأرض ذهبا لو أراد أن يبادل به عقابه حتى يدخل الجنة وبالطبع ليس الغرض من القول سوى نفى وجود الفدية فى الأخرة لأن الذهب ليس موجودا مع الناس فى الأخرة لأنهم يجيئون فراداى ليس معهم شىء ،ويبين الله لنا أن الكفار لهم عذاب أليم والمراد عقاب كبير وليس لهم ناصرين أى ليس لهم منقذين من عقاب الله .
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شىء فإن الله به عليم "يفسرها قوله تعالى بسورة آل عمران "وما تفعلوا من خير "فتنفقوا يعنى تفعلوا وما يحبون هو الخير والمعنى لن تدخلوا الجنة حتى تعملوا بما تصدقون وما تعملوا من عمل فإن الله به خبير ،يبين الله للمؤمنين أنهم لن ينالوا البر والمراد لن يدخلوا الجنة حتى ينفقوا مما يحبون والمراد حتى يعملوا بالذى يصدقون وهو حكم الله ،ويبين لهم أن ما ينفقون من شىء أى ما يعملوا من عمل صالح أو سيىء فالله به خبير يحاسب عليه ثوابا أو عقابا .
"كل الطعام كان حل لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة البقرة"إن كنتم مؤمنين"فصادقين تعنى مؤمنين والمعنى جميع أصناف الأكل كانت مباحة لأولاد يعقوب إلا الذى منع يعقوب(ص) نفسه منه من قبل أن توحى التوراة قل فهاتوا التوراة فاقرءوها إن كنتم مؤمنين بها ،يبين الله للمؤمنين واليهود أن الطعام والمراد كل أصناف الأكل من الأنعام كانت حل لبنى إسرائيل والمراد كانت مباحة لأولاد يعقوب إلا ما حرم إسرائيل(ص)على نفسه والمراد ما عدا الأصناف التى حرم يعقوب(ص)نفسه من أكلها وكان هذا قبل أن تنزل أى توحى التوراة إلى موسى(ص)بزمن طويل ،ويطلب الله من رسوله(ص)أن يقول لليهود:فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين والمراد فهاتوا التوراة فاقرءوها لتعرفوا الحق إن كنتم مؤمنين بها وبالطبع رفضوا الطلب لمعرفتهم أن قراءة التوراة ستثبت كذب زعمهم والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"ويقولون على الله الكذب"فافترى تعنى يقول وقوله بسورة البقرة "فأولئك هم الخاسرون "فالظالمون هم الخاسرون والمعنى فمن نسب إلى الله الباطل من بعد هذا فأولئك هم المعذبون ،يبين الله لليهود وغيرهم أن من افترى على الله الكذب والمراد من نسب إلى الله الباطل الذى اخترعه من بعد ما عرف كذبه الأول فعليه أن يعرف أنه من الظالمين أى الكافرين الذين يستحقون دخول عذاب الله .
"إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان أمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين "يفسر القول قوله تعالى بسورة المائدة"جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"فهدى تعنى قيام والعالمين هم الناس وقوله بسورة البقرة"وأتموا الحج والعمرة لله"فوجوب الحج على الناس هو إتمام الحج له والمعنى إن أسبق مسجد بنى للبشر الذى بمكة أمنا وإعلاما للخلق فيه علامات ظاهرات تنظيف إبراهيم(ص)ومن أتاه كان مطمئنا ولله على الخلق زيارة المسجد من قدر إليه وصولا ومن كذب فإن الله غنى عن الخلق ،يبين الله لنا أن أول بيت وضع للناس والمراد أن أسبق مسجد بنى من أجل البشر هو البيت الموجود فى بكة وهى مكة المكرمة مباركا أى دائما هدى والمراد إعلاما للعالمين بالحق المكتوب فى اللوح المحفوظ فيه وهم الخلق فيه آيات بينات والمراد وفيه علامات ظاهرات هى مقام إبراهيم(ص) أى مكان تنظيف إبراهيم(ص)وهو القبلة أى الكعبة ،ويبين الله لنا أن له على الناس وهم الخلق حق هو حج البيت من استطاع إليه سبيلا والمراد عليهم زيارة الكعبة من قدر على الوصول إليها بأى وسيلة ،ويبين لنا أن من كفر أى عصى أمر الزيارة رغم قدرته على الزيارة فالله غنى عن العالمين أى غير محتاج للناس وهذا يعنى أنه فرض الحج عليهم لنفعهم وليس لنفع نفسه والخطاب للمؤمنين.
"قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"لم تلبسون الحق بالباطل"فالكفر بآيات الله وهى الحق هو إلباسها ثوب الباطل وقوله بسورة يونس"ثم الله شهيد على ما يفعلون"فتعملون تعنى يفعلون وقوله بسورة البقرة"والله بما تعملون عليم"فالشهيد هو العليم والمعنى قل يا أصحاب الوحى السابق لم تكذبون بأحكام الله والله خبير بالذى تصنعون ؟ يطلب الله من رسوله(ص)أن يسأل أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق لم تكفرون بآيات الله والمراد لماذا تكذبون بحكم الله ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بكفرهم حتى يرتدعوا عنه ويبين الله لهم أنه شهيد على ما يعملون أى خبير بالذى يفعلون من عصيانهم لحكمه ومن ثم عليهم أن يبتعدوا عن العصيان حتى لا يعاقبهم والخطاب للنبى (ص)وهو موجه لأهل الكتاب وما بعده .
"قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من أمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون "المعنى قل يا أصحاب الوحى السابق لماذا تردون عن دين الله من صدق به تريدونها منحرفة وأنتم علماء بعاقبة ذلك وما الرب بساهى عن الذى تفعلون ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يسأل أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق لم تصدون عن سبيل الله من أمن والمراد لماذا تردون عن دين الله من صدق به؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنه يعلم بأنهم يريدون رد المسلمين عن الإسلام بشتى الطرق والسبب أنهم يبغونها عوجا أى يريدون الدنيا منحرفة والمراد يريدون حكم الدنيا حكما ظالما وهو حكم الجاهلية ويعرفهم الله أنهم شهداء أى علماء بالحق ويعرفون عقاب من يخالفه ويبين لهم أنه ليس بغافل عما يعملون والمراد ليس بساهى عن الذى يفعلون من السيئات وسيحاسبهم عليه والخطاب لأهل الكتاب.
"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردونكم بعد إيمانكم كافرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين"فبعد الإيمان هنا هو الأعقاب وهى الكفر والكافرين هم الخاسرين وقوله بسورة الأنعام"وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله"فالإيمان بالوحى وهو سبيل الله والمعنى يا أيها الذين صدقوا بوحى الله إن تتبعوا حكم جماعة من الذين أعطوا الوحى السابق يعيدونكم بعد إسلامكم مكذبين به ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن يطيعوا أى يتبعوا حكم فريقا من الذين أوتوا الكتاب والمراد جماعة من الذين أعطوا الوحى يحدث التالى :يردونكم بعد إيمانكم كافرين والمراد يرجعونكم بعد إسلامكم مكذبين به وهذا يعنى حرمة طاعة أهل الكتاب فى أى حكم إلا ما وافق حكم الله فى الإسلام ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"إذا تتلى عليهم آيات الرحمن "فالله هو الرحمن وقوله بسورة لقمان "ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى"فيعتصم بالله تعنى يسلم وجهه لله وهدى تعنى استمسك والصراط المستقيم هو العروة الوثقى والمعنى كيف تكذبون بأحكام الله وأنتم تبلغ لكم أحكام الله ومعكم نبيه(ص)ومن يطع حكم الله فقد رشد إلى دين عادل؟،يسأل الله أهل الإسلام كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله والمراد كيف تعصون حكم الله وأنتم تقرأ عليكم أحكام الله ووسطكم مبعوثه؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن أسباب عدم كفرهم هى تلاوة آيات الله ووجود الرسول (ص)معهم ومن ثم فهم لن يطيعوا أهل الكتاب وسيطيعون الرسول(ص) ،ويبين الله للمؤمنين أن من يعتصم بالله أى من يحتمى من عذاب الله بطاعة حكمه قد هدى إلى صراط مستقيم أى قد وصل إلى الدين السليم ومن ثم إلى الجزاء العادل وهو الجنة.
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأحزاب"يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا"وقوله بسورة الحج"وجاهدوا فى الله حق جهاده"فاتقوا تعنى اذكروا تعنى جاهدوا وتقاته تعنى جهاده والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله أحسن طاعة له أى لا تتوفون إلا وأنتم مطيعون،يطلب الله من المؤمنين أن يتقوه حق تقاته والمراد أن يتبعوا حكمه أفضل اتباع له وفسر ذلك بأن ألا يموتوا إلا وهم مسلمون والمراد ألا يتوفوا إلا وهم متبعون لحكم الله حتى يدخلوا الجنة والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الشورى "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"فاعتصموا تعنى أقيموا وحبل الله هو الدين وقوله بسورة البقرة"كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون "فتهتدون تعنى تتقون والمعنى واحتموا بطاعة دين الله ولا تختلفوا فيه واعلموا فضل الله عليكم حين كنتم كارهين لبعضكم فآنس بين نفوسكم فأصبحتم بفضله أحباء وكنتم على طاعة دين يدخلكم النار فأنجاكم منها هكذا يوضح الله لكم أحكامه لعلكم تطيعون ،يطلب الله من المؤمنين أن يعتصموا بحبل الله والمراد أن يتمسكوا بطاعة حكم الله وفسر هذا بأن طلب منهم ألا يتفرقوا أى ألا يتركوا حكم الله وطلب منهم أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعلموا رحمة الله بهم إذ كانوا أعداء أى كارهين لبعضهم البعض فألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا والمراد فوفق بين نفوسهم عندما اختاروا كلهم الإسلام دينا لهم فأصبحوا فى دين الله إخوة متحابين وبين لهم أنهم كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها والمراد أنهم كانوا على طاعة دين يدخلهم الجحيم فأنجاهم الله من الجحيم بإسلامهم ،ويبين الله لهم أنه يبين لهم آياته والمراد يفصل لهم الأحكام والسبب هو أن يهتدوا أى يطيعوا الأحكام ليدخلوا الجنة .
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النور"فأولئك هم الفائزون "فالمفلحون هم الفائزون والمعنى ولتتواجد منكم جماعة تنادى إلى الصلاح أى يطالبون بالخير ويزجرون عن الشر وأولئك هم الفائزون بالرحمة ،يطلب الله من المؤمنين أن يكونوا أمة والمراد يشكلوا فريق منهم تكون مهمته هى أن يدعو إلى الخير والمراد أن يرغب فى الإسلام وفسر الله مهمة الفريق بأنهم يأمرون بالمعروف أى يطالبون الآخرين بعمل الصالحات وينهون عن المنكر والمراد ويزجرون الآخرين عن الشر والمراد يطلبون من الناس البعد عن الجرائم ويبين الله لنا أن المؤمنين هم المفلحون أى الفائزون برحمة الله فى الدنيا والآخرة والخطاب وما بعده للمؤمنين وما بعده .
"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "ولا تكونوا أول كافر به"فالذين تفرقوا هم الكفار وقوله بسورة آل عمران"من بعد ما جاءهم العلم"فالبينات هى العلم وقوله بسورة الحج"فأولئك لهم عذاب مهين"فالعظيم هو المهين والمعنى ولا تصبحوا كالذين كفروا أى كذبوا من بعد ما أتاهم العلم وأولئك لهم عقاب كبير ،يطلب الله من المؤمنين ألا يكونوا كالذين تفرقوا وفسرهم بأنهم الذين اختلفوا والمراد ألا يصبحوا كالذين كذبوا حكم الله أى كفروا به من بعد ما جاءهم البينات والمراد من بعد ما نزل عليهم حكم الله ويبين لهم أن المختلفين لهم عذاب عظيم أى عقاب شديد بسبب الإختلاف.
"يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة عبس"وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة"فابيضاض الوجوه هو اسفارها هو ضحكها هو استبشارها واسوداد الوجوه هو الإغتبار هو الرهق من القترة وقوله بسورة البقرة "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون"فرحمة الله هى الجنة وقوله بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"ماكثين فيه تفسر خالدون والمعنى يوم تفرح نفوس وتغتم نفوس فأما الذين اغتمت أنفسهم أكذبتم بعد إسلامكم فادخلوا النار بالذى كنتم تكذبون وأما الذين سعدت نفوسهم ففى جنة الله هم فيها باقون لا يخرجون،يبين الله أن الكفار لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه أى يوم تسعد بعض النفوس ويوم تسود وجوه أى ويوم تغتم نفوس الأخرين فأما الذين اسودت وجوههم وهم الذين ذلت نفوسهم فتقول الملائكة لهم :أكفرتم بعد إيمانكم أى هل كذبتم بعد تصديقكم والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم كفار بحكم الله ويقولون لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أى فادخلوا النار بالذى كنتم تكذبون ،وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون والمراد وأما الذين سعدت نفوسهم ففى جنة الله هم فيها ماكثون لا يخرجون دوما .
"تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"وما الله يريد ظلما للعباد"فالعالمين هم العباد والمعنى تلك أحكام الله نبلغها لك بالعدل وما الله يحب نقصا لحق العباد،يبين الله لرسوله(ص) أن تلك والمراد ما سبق من الآيات –وهى محذوفة لأن ما سبق من آيات يخاطب المؤمنين والمفروض هو أن آيات الله المذكورة هنا مخاطب بها النبى(ص) وحده-هى آيات أى أحكام الله يتلوها عليه بالحق والمراد يبلغها له فيها العدل ويبين لهم أن الله لا يريد ظلما للعالمين أى وما الله يحب نقص لحق العباد .
"ولله ما فى السموات وما فى الأرض وإلى الله ترجع الأمور"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "ولله ملك السموات والأرض"وقوله بسورة الشورى "ألا إلى الله تصير الأمور"فما فى السموات والأرض هو ملكه للسموات والأرض ومعنى ترجع تصير والمعنى ولله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض وإلى جزاء الله تعود المخلوقات ،يبين الله لرسوله(ص) أن الله يملك التصرف فى مخلوقات السموات والأرض كيف يريد وإلى الله ترجع الأمور والمراد أن المخلوقات تعود إلى جزاء الله ثوابا أو عقابا والخطاب هنا للنبى(ص).
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو أمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"وكذلك جعلناكم أمة وسطا "فخير أمة هى الأمة الوسط وقوله بسورة النساء"فمنهم من أمن به ومنهم من صد عنه"فالمؤمنون من أمن بالكتاب والفاسقون هم من صدوا عنه وقوله بسورة النساء"ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا "فأمن هى فعلوا ما يوعظون به والمعنى كنتم أحسن جماعة أرسلت للبشر تحكمون بالعدل أى تبعدون عن الظلم وتصدقون بحكم الله ولو صدق أصحاب الوحى السابق لكان أفضل لهم منهم المصدقون ومعظمهم الكافرون ،يبين الله للمؤمنين أنهم خير أمة أخرجت للناس والمراد أنهم أفضل جماعة أرسلت لدعوة الخلق للحق وهذا يعنى أن كل الأمة خوارج أى رسل لله على قدر علمهم بالإسلام وهم يأمرون بالمعروف أى يعملون بالحق وينهون عن المنكر والمراد ويبعدون عن عمل الباطل وهم يؤمنون بالله أى يصدقون بحكم الله الذى يعملون به ،ويبين الله لنا أن أهل الكتاب لو آمنوا والمراد أن أصحاب الوحى السابق لو صدقوا وحى الله لكان خيرا لهم أى أفضل فى الثواب لهم ،ويبين الله لنا أن أهل الكتاب ينقسمون إلى المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله والفاسقون وهم المكذبون بحكم الله وهم أكثر أى معظم أهل الكتاب والخطاب هنا وما بعده وما بعده للمؤمنين وهو محذوف

الأربعاء، 27 فبراير 2019

تابع تفسير سورة آل عمران

"قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين "يفسره قوله تعالى بسورة الحديد"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وأمنوا برسوله"فأطيعوا تعنى اتقوا وأمنوا وقوله بسورة الأعراف"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "فأطيعوا تعنى اتبعوا الله ورسوله(ص)يعنى ما أنزل الله على رسوله(ص) وقوله بسورة آل عمران"والله لا يحب الظالمين"فالكافرين هم الظالمين والمعنى قل اتبعوا حكم الله ونبيه(ص)فإن عصوا الحكم فإن الله لا يثيب المكذبين لحكم الله،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين:أطيعوا الله ورسوله(ص)والمراد اتبعوا حكم الله المنزل على نبيه(ص)،ويبين الله لرسوله(ص) أنهم إن تولوا أى عصوا حكم الله فعليه أن يعرف أن الله لا يحب الكافرين أى لا يثيب العاصين لحكم الله والمراد أنه يعاقبهم على عصيانهم والخطاب للنبى(ص).
"إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم"المعنى إن الله اختار آدم(ص)ونوحا(ص)وأهل إبراهيم(ص)وأهل عمران من الناس فريق بعضه من بعض والله خبير محيط ،يبين الله لنا أنه اصطفى من العالمين والمراد اختار من الناس رسلا منهم :آدم(ص)ونوح(ص)وآل إبراهيم والمراد أهل إبراهيم وهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط عليهم الصلاة والسلام وآل عمران وهم عمران وعيسى عليهم الصلاة والسلام وهم ذرية بعضها من بعض والمراد شيعة واحدة الدين وليسوا ذرية بمعنى نسل بعض لأن نوح(ص)لم ينجب أحدا فبنى إسرائيل هم ذرية أى نسل من كانوا معه فى السفينة مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء"ذرية من حملنا مع نوح"،ويبين الله أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر فى الكون ،والخطاب وما بعده من بقية القصة للنبى(ص).
"إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم "المعنى لقد قالت زوجة عمران إلهى إنى جعلت لك الذى فى رحمى خالصا فإرض عنى إنك أنت الخبير المحيط ،يبين الله لنا أن امرأة أى زوجة عمران(ص)لما كانت حاملا وزوجها عمران(ص)ميت قالت أى دعت الله :رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا أى إلهى إنى خصصت لخدمة بيتك الذى فى رحمى خالصا ،وهذا يعنى أنها بينت لله أن الجنين فى بطنها سيكون خادم لبيت الله وحده ،وقالت فتقبل منى إنك أنت السميع العليم والمراد فإرض عن طلبى إنك أنت الخبير المحيط بكل أمر ،وهذا يعنى أنها طلبت من الله الرضا والموافقة على النذر وهذا النذر يدلنا على وفاة الأب لأنه لا يجوز للأم أن تنذر ولد زوجها دون موافقته .
"فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم "المعنى فلما ولدتها قالت إلهى إنى أنجبتها بنتا والله أعرف بالذى ولدت وليس الولد كالبنت وإنى أطلقت عليها مريم وإنى أحميها ونسلها من الكافر الملعون، يبين الله لنا أن زوجة عمران(ص)لما وضعتها أى ولدت البنت قالت:رب إنى وضعتها أنثى أى يا إلهى لقد أنجبت بنتا وهذا القول منها يعنى أنها كانت تظن أن ما فى بطنها كان ولدا ومن ثم فالنذر فى ظنها لا ينفع،ويبين لنا أنه أعلم بما وضعت أى والله أعرف بالذى ولدته وهذا يعنى أن النذر واجب التنفيذ لأن ظنها لا يفيد فى شىء ،وقالت:وليس الذكر كالأنثى والمراد وليس الولد كالبنت ،وهذا يعنى فى رأيها أن البنت لا تصلح لخدمة بيت الله مثل الولد،وقالت :وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم والمراد وإنى أطلقت عليها اسم مريم ويقولون أن معناه العابدة وأرى أنه يعنى المقصودة وإنى أحميها بحكمك من الكافر الملعون وهذا يعنى أنها تطلب من الله أن يحمى مريم(ص)ونسلها من وساوس الشهوات.
"فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل زكريا عليها المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" المعنى فرضا عنها خالقها رضا جميلا فنماها نموا جميلا وضمنها زكريا(ص) كلما ولج زكريا(ص) المسجد لقى لديها نفعا قال يا مريم من أين لك هذا قالت هو من لدى الله إن الله يعطى من يريد دون حدود ،يبين الله لنا أن الله تقبل مريم (ص)بقبول حسن والمراد رضا عنها الرضا التام وهذا يعنى أنه قبلها كنذر وأنبتها نباتا حسنا والمراد فنماها نموا جميلا أى رباها تربية حسنة وكفلها زكريا(ص)والمراد وجعل زكريا(ص)مسئولا عنها فى الرزق والتربية ومع هذا كان زكريا(ص)كلما دخل عليها المحراب والمراد كلما ولج على مريم(ص)المسجد وهو مكان خدمتها للإطمئنان عليها وجد عندها رزقا والمراد لقى لديها نفعا أى طعاما وشرابا وكافة ما تحتاجه وهى الأشياء التى يجب عليه توفيرها لها ومن ثم كان يسألها أنى لك هذا ؟أى من أين لك هذا النفع؟وهذا واجب كل رب أسرة أو كفيلها إذا وجد ما يريبه فقالت له:هو من عند أى لدى الله وهذا معناه أن الله أرسله لها إن الله يرزق من يشاء بغير حساب والمراد إن الله يعطى من يريد بغير حدود أى بدون قانون للعطاء ولأن زكريا(ص) رسول فقد كان يعلم صدق مريم(ص) ولذا تذكر أن له حاجة عند الله.
"هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"يفسره قوله تعالى بسورة مريم"فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا "فالذرية هى الولى والطيبة هى الرضية والمعنى عند هذا نادى زكريا (ص)إلهه فقال:إلهى أعطنى من عندك نسلا صالحا إنك عارف النداء ،يبين الله لنا أن مريم (ص)لما ذكرت زكريا(ص)بقدرة الله على العطاء دون وجود الأسباب دعا أى نادى الله فقال:رب هب لى من لدنك ذرية طيبة والمراد إلهى أعطنى من عندك نسلا صالحا وهذا يعنى أنه يطلب من الله الولد الصالح لأنه سميع الدعاء أى مجيب النداء وهو الطلب كيف أراد .
"فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"وكان تقيا "و"وأتيناه الحكم صبيا" والسيد هو الحاكم بحكم الله المؤتى له والحصور هو التقى وليس العاقر لأن كل الرسل أنجبوا مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "والكلمة هو عيسى مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم"والمعنى فخاطبته الملائكة وهو داع يدعو فى المسجد أن الله يخبرك بيحيى مؤمنا برحمة من الله وحاكما وتقيا ورسولا من المسلمين ،يبين الله لنا أن الإستجابة لدعاء زكريا(ص)كانت سريعة حيث تحققت وهو ما زال يكرر الدعاء ويلح عليه فى المسجد وهو المحراب فقد نادته أى خاطبته الملائكة فقالت إن الله يبشرك بيحيى أى إن الله يخبرك بإبن لك اسمه يحيى وهذا يعنى أن الله هو الذى اختار له الإسم،مصدقا بكلمة من الله والمراد مؤمنا برحمة من الله وهو عيسى (ص)وسيدا أى حاكما بحكم الله أى حصورا أى مطيعا لحكم الله ونبيا من الصالحين أى ورسولا من المحسنين وهذا يعنى أن الله جعله رسولا وأخبر الأب بهذا .
"قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقرا قال كذلك الله يفعل ما يشاء"المعنى قال إلهى كيف يصبح لى ابن وقد وصلنى العجز وزوجتى عقيمة قال هكذا يصنع ما يريد ،يبين الله لنا أن زكريا(ص)لما سمع الإجابة استغرب من مجىء الولد دون وجود الأسباب المعروفة قال :كيف يصبح لى ابن وقد وصلتنى الشيخوخة وزوجتى عقيم؟إن هذا السؤال يدل على كبر زكريا(ص)أى وصوله لسن متقدمة وأيضا يدل على عقر أى عقم زوجته وهذا يعنى أنهما لا يصلحان للإنجاب والتساؤل يعنى كيف سيأتى الولد هل من زوجتى أم من زوجة أخرى؟فرد الملاك وهو جبريل(ص)عليه فقال:كذلك أى ستنجبان وأنتما على حالكما فالله يصنع الذى يريد .
"قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والأبكار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا "فالأيام هى الليالى والمعنى قال إلهى حدد لى علامة للحمل قال علامتك ألا تحدث البشر إلا إشارة وأطع إلهك دوما أى اتبع حكم الله بالليالى والنهارات ،يبين الله لنا أن زكريا(ص)طلب من الله أن يحدد له آية أى علامة يعرف بها حدوث الحمل فأخبره جبريل(ص)أن علامة حدوث الحمل هى اللحظة التى لا يتكلم فيها لسانه ويستمر على هذه الحال ثلاثة أيام لا يتحدث فيها سوى بالرمز وهو الإشارة وطلب منه الملاك أن يذكر ربه كثيرا أى أن يطيع حكم الله دوما وفسر هذا بأن يسبحه بالعشى والأبكار أى يتبع حكم الله دوما بالليالى والنهارات وهنا الحمل حدث دون جماع فالرجل فى المحراب وزوجته فى البيت .
"وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"المعنى وقد قال جبريل(ص):يا مريم إن الرب اختارك أى زكاك أى اجتباك من إناث الخلق،يبين الله لنا أن الملائكة والمراد جبريل(ص)قال لمريم(ص)بأمر من الله:إن الله اصطفاك أى طهرك أى اختارك من نساء العالمين أى من إناث البشر وهذا يعنى أن الله اختارها من بين إناث الناس كلهن لأداء مهمة معينة هى ولادة طفل بدون أب .
"يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم "وقوله بسورة البقرة"وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "فالركوع هنا هو السجود هو القنوت هو العبادة هو إقامة الصلاة هو إيتاء الزكاة والمعنى يا مريم اخضعى لخالقك أى اتبعى حكم ربك أى أصبحى من المطيعين ،يبين الله لنا أن جبريل(ص)طلب من مريم(ص)أن تقنت لله أى تسجد لله والمراد أن تطيع حكم الله أى تركع مع الراكعين والمقصود أن تكون مع المسلمين المطيعين لحكم الله.
"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة طه"كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق "فنوحيه إليك تعنى نقص عليك وأنباء الغيب هى أنباء ما قد سبق والمعنى ذلك من أخبار المجهول نلقيه لك وما كنت عندهم حين يضعون أقلامهم أيهم يضمن مريم وما كنت معهم حين يتنازعون ،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق ذكره من أمر زكريا(ص)وامرأة عمران ومريم(ص)هو من أنباء الغيب أى أخبار المجهول الذى لا يعلم حقيقته الناس التى يوحيها أى يلقيها أى يقصها الله عليه وينفى الله عن رسوله(ص)حضور إلقاء القوم وهم المختصمون أى المتنازعون فى كفالة مريم(ص)أقلامهم والمراد رميهم أقلامهم وهى أدوات الكتابة أيهم الكفيل أى الوصى على مريم(ص)،وينفى حضوره الخصام وهو الإختلاف بين القوم فى أمر مريم(ص)،ومما ينبغى قوله أن نفى الله وجود رسوله (ص)فى عصر زكريا (ص)ومريم(ص)يعنى عدم وجود ما يسمونه التناسخ الذى يعنى وجود الإنسان فى أكثر من عصر ومما ينبغى قوله أن رمى الأقلام لم يرد فيه خبر موجود حاليا فى الكتب المعروفة ولكن المفهوم هو أن صاحب القلم المميز بخاصية معينة هو الذى كفل مريم(ص)وهذه الخاصية قد تكون الغطس فى الماء أو الطفو عليه أو غير ذلك والله أعلم .
"إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والأخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين"يفسرالآية قوله تعالى بسورة مريم"قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"فالكلمة هو الغلام الزكى وقوله بسورة مريم "ولنجعله آية للناس ورحمة منا "فالكلمة هو الرحمة هو الآية وقوله بنفس السورة"وجعلنى مباركا أينما كنت "فالوجيه هو المبارك وقوله بسورة مريم"قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا"فكونه من المقربين يعنى أنه نبى والمعنى قد قال جبريل(ص)يا مريم إن الرب يخبرك برحمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم مباركا فى الأولى والقيامة ومن الرسل ويحدث الخلق فى الرضاع وشابا ومن المسلمين ،يبين الله لنا أن الملائكة والمراد جبريل(ص)أخبر مريم(ص)أن الله يخبرها بكلمة منه أى رحمة أى روح من لديه وهى ولد اسمه وهو اللفظ الذى يدعى به المسيح عيسى ابن مريم وهذا يعنى أن الولد ليس له أب لأنه منسوب إلى أمه ،أضف لهذا أن الله هو الذى سماه ومعنى المسيح السائح أى العابد وأما عيسى فيعنى الصابر غالبا-والله أعلم- وأخبرها أنه وجيها فى الدنيا والأخرة أى مباركا أى زكيا أى طاهرا أى مسلما وهو من المقربين أى المصطفين أى من الرسل المختارين ويكلم الناس فى المهد وكهلا والمراد أنه يحدث البشر بكلام العقلاء وهو فى فراش الرضاع كما يحدثهم عندما يكبر وهذه معجزة إلهية وهو من الصالحين أى المسلمين .
"قالت رب أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة يس"إنما أمره إذا أراد أمرا أن يقول له كن فيكون"فقضى تعنى أراد والمعنى قالت مريم(ص)كيف يصبح لى ابن ولم يجامعنى إنسان ؟قال هكذا الله يصنع ما يريد إذا أراد شيئا أن يوحى له تواجد فيتواجد ،يبين الله لنا أن مريم (ص)لما سمعت كلام جبريل(ص)اندهشت وتساءلت:أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر أى كيف أنجب ابن ولم يباشرنى إنسان حلالا أو حراما؟وهذا السؤال منها دليل على أنها لم تتزوج حتى ذلك الوقت ولم ترتكب الزنى والسؤال هنا هو عن كيفية مجىء الولد مع امتناع أسباب وجوده وهو الجماع فقال لها جبريل (ص)كذلك أى ستلدين وأنت على هذه الحال دون زواج أو زنى لأن الله يخلق ما يشاء أى ينشىء ما يريد بأى كيفية وطريقة الخلق هى أنه إذا قضى أمرا أى إذا أراد خلقا لشىء فإنه يقول له كن فيكون والمراد فإنه يوحى له :تواجد فيتواجد وهذا يرينا قدرة الله ليس لها حدود فهو يخلق بلا أب وأم وبلا أم وبلا أب وبأم وأب فهو قادر على كل شىء.
"ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم "وجعلنى نبيا"فرسولا تعنى نبيا وقوله بسورة مريم "قال إنى أعبد الله أتانى الكتاب "وقوله تعالى بسورة الزخرف"قال قد جئتكم بالحكمة "فالكتاب هو الحكمة هو التوراة والإنجيل وتفسيرهما وهو الوحى وقوله بسورة المائدة"وإذ تخرج الموتى بإذنى"فأحى الموتى تعنى أنه يخرج الموتى للحياة مرة ثانية بإذن الله وقوله بسورة النازعات"إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى"فالآية هى العبرة والمؤمنين هم من يخشى والمعنى ويعرفه الوحى أى حكم الله أى التوراة والإنجيل ومبعوثا إلى أولاد يعقوب (ص)أنى قد أتيتكم بعلامة من خالقكم أنى أصنع لكم من الطين كشكل الطير فأنفث فيه فيصبح طيرا بأمر الله وأشفى الأعمى والأمهق وأبعث الهلكى بأمر الرب وأخبركم بما تطعمون وما تخزنون فى مساكنكم إن فى هذا لعلامة لكم إن كنتم مصدقين ،يبين الله لنا أن جبريل(ص)أخبر مريم(ص)أن ولدها سيعلمه أى سيوحى إليه الله الكتاب وهو الحكمة أى حكم الله ممثلا فى التوراة والإنجيل وهذا خبر بالغيب الممثل فى نزول وحى على عيسى(ص)فى المستقبل اسمه الإنجيل ،وقال ورسولا إلى بنى إسرائيل والمراد أن عيسى(ص)سيكون مبعوثا لأولاد يعقوب(ص)برسالة الله ،فلما بعثه الله لهم قال لهم :أنى قد جئتكم بآية من ربكم والمراد أنى قد أتيتكم بعلامات من إلهكم تدل على أن رسالتى من عند الله وهى:أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير والمراد أنى أصنع لكم من التراب المعجون بالماء كشكل الطيور فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله والمراد فأنفث فيه بفمى فتصبح الأشكال الطينية طيورا حية بأمر الله ونسبة الإحياء لله تدل على أنه لا يقدر على عمل ذلك من نفسه وهذه العلامة الأولى ،وقال وأبرىء الأكمه والأبرص والمراد وأشفى الأعمى وهو من لا يبصر والأمهق وهو المصاب بتغير لونى فى بعض مناطق الجلد والشفاء هنا ليس بالدواء وإنما بالكلام وهذه العلامة الثانية ،وقال وأحى الموتى بإذن الله والمراد وأبعث المتوفين للحياة مرة أخرى بأمر الله ونسبة الشفاء والإحياء إلى الله يدل على أنه لا قدرة له على هذا وإنما هو فعل الله وهذه العلامة الثالثة ،وقال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم والمراد وأخبركم بأصناف الذى تطعمون والذى تخزنون فى مساكنكم وهذا يعنى أن الله أعطاه القدرة على معرفة أصناف الطعام فى بطونهم ومعرفة الأشياء التى يخزنونها فى المساكن من طعام وشراب وحلى ومال وهى فى البيوت وهذه المعجزة الرابعة ،وقال إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين والمراد إن فى الذى سبق ذكره من المعجزات لدليل على رسوليتى إن كنتم صادقين فى أنكم أتباع لدين الله.
"ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزخرف"قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه"فالآية هى الحكمة والمختلف فيه هو الذى سيحله لهم وقوله بسورة الزخرف "واتبعون "فأطيعون تعنى اتبعون وقوله بسورة الأعراف"فاذكروا آلاء الله"فاتقوا الله هى اذكروا آلاء الله والمعنى ومؤمنا بالذى عندى من التوراة ولأبيح لكم بعض الذى منع عليكم وأتيتكم بإنجيل من إلهكم فأطيعوا حكم الله أى اتبعوا الحكم المنزل على ،يبين الله لنا أن عيسى (ص)بين لبنى إسرائيل أنه مصدق بما بين يديه من التوراة والمراد مؤمن بالذى يحفظه فى نفسه من التوراة والمراد مؤمن بكل ما فى التوراة الإلهية وبين لهم أنه جاء ليحل لهم بعض الذى حرم عليهم والمراد ليبيح لهم بعض الذى منعه الله عليهم بسبب ظلمهم وهو الأحكام الثقيلة التى طلبوا تكلفتهم بها ومنها تحريم الطعام الذى حرمه إسرائيل (ص)على نفسه ،وبين لهم أنه جاءهم بآية من ربهم والمراد قد أتاهم بدليل من إلههم هو الإنجيل وطلب منهم أن يتقوا الله أى يطيعوا حكم الله وهو الإنجيل وفسر ذلك بأن يطيعوه أى يتبعوا الإنجيل المنزل عليه.
"إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج"فإلهكم إله واحد فله أسلموا"فربكم تعنى إلهكم واعبدوه تعنى أسلموا له وقوله بسورة مريم "أهدك صراطا سويا"فالمستقيم هو السوى والمعنى إن الرب إلهى وإلهكم فأطيعوه هذا دين سوى ،يبين الله لنا أن عيسى(ص) قال لبنى إسرائيل:إن الله ربى أى خالقى وربكم أى وخالقكم فاعبدوه أى أطيعوا حكمه فهذا هو الصراط المستقيم أى الدين العادل السليم .
"فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"آمنا بآيات الله "فالإيمان بالله هو الإيمان بآيات الله والمعنى فلما عرف عيسى(ص)منهم التكذيب لحكم الله قال من أعوانى فى نصر دين الله قال المؤمنون به نحن أعوان دين الله صدقنا بدين الله واعترف بأننا مطيعون ،يبين الله لنا أن عيسى(ص)لما أحس الكفر منهم والمراد لما عرف التكذيب من القوم قال :من أنصارى إلى الله والمراد من أعوانى فى نصر دين الله ؟فكان رد الحواريين وهم المحيطين أى المؤمنين برسالة عيسى(ص) :نحن أنصار الله أى نحن أعوان دين الله آمنا بالله أى صدقنا بدين الله واشهد بأنا مسلمون أى واعترف بأنا مطيعون لحكم الله .
"ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا فاكتبنا مع الشاهدين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"آمنا بآيات الله "وقوله بسورة النور"وأطعنا"فالإيمان بما أنزل هو الإيمان بآيات الله واتبعنا تعنى أطعنا والمعنى إلهنا صدقنا بالذى أوحيت وأطعنا فاجعلنا من المسلمين ،يبين الله لنا أن الحواريين قالوا :ربنا أمنا بما أنزلت أى إلهنا صدقنا بالذى أوحيت لنا وهو الإنجيل واتبعنا أى وأطعنا الوحى فاكتبنا مع الشاهدين أى فأدخلنا الجنة مع المسلمين وهم الذين يتقون مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"فسأكتبها للذين يتقون".
"ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين"وقوله بسورة الطارق"إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا "فمكروا تعنى يكيدون وخير الماكرين هو موهن كيد الكافرين والمعنى وكادوا وكاد الله والله أحسن الكائدين،يبين الله لنا أن الكفار مكروا بعيسى (ص) أى دبروا له خطة ليقتلوه ومكر الله والمراد ورد الله كيدهم إليهم فبدلا من أن يقتل عيسى(ص)قتل أحدهم وهو شبيه عيسى(ص)والله خير الماكرين أى أفضل من يرد كيد أعداء الإسلام.
"إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم تختلفون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة المؤمنون "وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "فالرفع لله هو دخوله الربوة وهى الجنة وقوله بسورة الصف"فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين"فجعل الذين اتبعوا عيسى(ص)فوق الكفار هو تأييد الله لهم على عدوهم وقوله بسورة لقمان"ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "فأحكم بينكم فيما كنتم تختلفون تعنى أنبئكم بما كنتم تعملون والمعنى وقد قال الله يا عيسى إنى مميتك أى مدخلك جنتى وناصرك على الذين كذبوا بحكم الله وناصر الذين أطاعوك على الذين كذبوك إلى يوم البعث ثم إلى عودتكم فأفصل بينكم فى الذى كنتم فيه تتنازعون،يبين الله لنا أنه أخبر عيسى(ص) أنه سيتوفاه أى سيميته أى سيرفعه إليه والمراد أنه سيجعله بعد الموت فى مكان رفيع عالى هو الجنة وفسر الله ذلك بأنه مطهره من الذين كفروا أى رافعه على الذين كذبوا وهذا يعنى أنه فى الجنة العالية وهم فى النار السفلى وأخبره أنه سيجعل أى سينصر الذين اتبعوه وهم الذين أطاعوا ما أنزل عليه على الذين كفروا أى كذبوا حكم الله المنزل عليه وهذا النصر سيظل مستمر حتى يوم القيامة وهو يوم البعث وعند ذلك يكون مرجعهم إلى أى عودتهم إلى جزاء الله فيحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون والمراد فيفصل بينهم فى الذى كانوا فيه يتنازعون عن طريق إعطاء المؤمنين كتابهم بيمينهم والكفار كتابهم بشمالهم .
"فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزخرف"فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "فالذين كفروا هم الذين ظلموا والعذاب الشديد هو الأليم وقوله بسورة هود "وما لكم من دون الله من أولياء"فالناصرين هم الأولياء والمعنى فأما الذين كذبوا بحكم الله فأعاقبهم عقابا أليما فى الأولى والقيامة وما لهم من منقذين ،يبين الله لعيسى(ص)أن الذين كفروا أى عصوا حكم الله لهم عذاب شديد والمراد عقاب مهين فى الدنيا وهو انتصار المسلمين عليهم وإنزال بعض العقاب عليهم فيها وفى الآخرة وهو دخولهم النار وما لهم من ناصرين أى ليس لهم من منقذين ينقذونهم من العقاب الربانى.
"وأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "والله لا يحب الكافرين "فالظالمين هم الكافرين والمعنى وأما الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات فيعطيهم ثوابهم والله لا يثيب الكافرين ،يبين الله لعيسى(ص)أن الذين أمنوا أى صدقوا بوحى الله وعملوا الصالحات أى وصنعوا الطاعات لأحكام الله يوفيهم أجورهم أى يعطيهم ثوابهم الممثل فى دخولهم الجنة ويبين له أنه لا يحب الظالمين أى لا يثيب الكافرين والمراد لا يدخلهم الجنة .
"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم"المعنى ذلك نقصه عليك من الأحكام أى الوحى الفاصل ،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق ذكره من القصص يتلوه عليه أى يوحيه له من الآيات وهى الأحكام وفسرها بأنها الذكر الحكيم أى القرآن القاضى بالحق.
"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام"ولا تكونن من المشركين"فالممترين هم المشركين والمعنى إن شبه عيسى (ص)لدى الله كشبه آدم (ص)أنشأه من طين ثم أوحى له تواجد فتواجد، الصدق من إلهك فلا تصبحن من الكافرين ، يبين الله لرسوله(ص)أن مثل عيسى (ص)عند الله كمثل آدم(ص) والمراد أن خلق عيسى (ص)يشبه خلق أدم(ص)فى أن كلاهما تم خلقه من تراب والمراد أنشأه من طين وكلاهما قال الله له كن فكان والمراد وكلاهما تم خلقه بقول تواجد فتواجد وهذا القول من الله رد على من ادعوا ألوهية عيسى (ص)فهو يقول لهم لو كان عيسى(ص)إلها لكان آدم(ص)إلها مع الأخذ فى الإعتبار أن آدم (ص) يتميز عليه بأنه ليس له أم ،ويبين الله لرسوله (ص)أن ذلك هو الحق من ربه أى العدل أى الصدق فى أمر عيسى(ص)ويطلب منه ألا يكون من الممترين وهم الكافرين بدين الله .
"فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج"وإن جادلوك"فحاجك يعنى جادلوك وقوله بسورة البقرة"من بعد ما جاءتهم البينات"فالعلم هو البينات وقوله بسورة البقرة"فلعنة الله على الكافرين "فالكاذبين هم الكافرين وقوله بسورة النحل"فعليهم غضب من الله"فاللعنة هى الغضب والمعنى فمن جادلك فى عيسى(ص)من بعد الذى أتاك من الوحى فقل هلموا نجمع أولادنا وأولادكم وزوجاتنا وزوجاتكم وذواتنا وذواتكم ثم ندعو فنطلب غضب الله للكافرين بدينه ،يبين الله لرسوله (ص)أن من حاجه أى جادله أى ناقشه فى أمر عيسى(ص) بالباطل من بعد ما جاءه من العلم والمراد من بعد الذى أتاه من الوحى فى أمر عيسى(ص) فعليه أن يطلب من المجادلين التالى :تعالوا أى هلموا إلى فعل الأتى ندع والمراد نجمع كل من أبناءنا وهم أولاد المسلمين وأبناءكم وهم أولاد المجادلين ونساءنا أى وزوجات المسلمين ونساءكم وهن زوجات المجادلين وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل أى ندعو الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين والمراد فنطلب إنزال عقاب الله على الكافرين بحكم الله والمقصود بهذا الطلب هو أن ينقطع النصارى المجادلون عن جدالهم لعلمهم أن نتيجة المباهلة ليست فى صالحهم والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم "المعنى إن هذا لهو القول العدل وما من رب إلا الله وإن الله لهو الغالب القاضى ،يبين الله لنا أن هذا وهو – والمراد حكم المباهلة – هو القصص الحق والمراد هو الحكم العادل من أجل إنهاء الجدال فى أمر عيسى(ص)ويبين لنا أن لا إله إلا الله والمراد لا رب سوى الله وهو رد على من ادعوا ألوهية عيسى(ص) ويبين لنا أنه العزيز أى الغالب على أمره الحكيم وهو القاضى بالعدل.
"فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الشورى"فإن أعرضوا"فتولوا تعنى أعرضوا وقوله بسورة البقرة"والله عليم بالظالمين "فالمفسدين هم الظالمين والمعنى فإن عصوا حكم الله فإن الله خبير بالكافرين ،يبين الله لنا أن النصارى المجادلين إذا تولوا أى رفضوا حكم الله والمراد أبوا المباهلة فعلينا أن نعلم أن الله عليم بالمفسدين أى خبير بالكافرين بحكمه .
"قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"تعالوا إلى ما أنزل الله"فالكلمة السواء هى ما أنزل الله وهى التى تطلب عبادة الله وقوله بسورة الإسراء"ألا تتخذوا من دونى وكيلا "فالأرباب هم الوكلاء وقوله بسورة الشورى "فإن أعرضوا "فتولوا تعنى أعرضوا والمعنى قل يا محمد يا أهل الوحى السابق هلموا إلى حكم واحد بيننا وبينكم ألا نطيع سوى حكم الله ولا نطيع معه حكما أخر أى لا يطيع بعضنا حكم بعض كآلهة من غير حكم الله فإن رفضوا فقولوا اعترفوا بأنا مطيعون لحكم الله ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يخاطب أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق نزوله على القرآن فيقول لهم:تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم والمراد هلموا إلى أمر مشترك بيننا وبينكم هو ألا نعبد إلا الله والمراد ألا نتبع حكم سوى حكم الله وفسر الأمر بأن لا نشرك به شيئا أى ولا نتبع مع حكمه حكما أخر وفسر الأمر بأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله والمراد أن لا يتبع بعضنا حكم البعض الأخر باعتبارهم آلهة من غير حكم الله الإله الوحيد ومن هنا نفهم أن الألوهية ليست سوى الحكم على الخلق وفى الخلق ،ويبين الله لرسوله(ص)أنهم إن تولوا أى رفضوا الكلمة السواء فعلى المسلمين أن يقولوا لهم :أشهدوا بأنا مسلمون أى أقروا أننا المطيعون لحكم الله وهو عبادته وحده والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"يا أهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الذاريات "أفلا تبصرون "فتعقلون تعنى تبصرون والمعنى يا أصحاب الوحى السابق لماذا تجادلون فى إبراهيم وما أوحيت التوراة والإنجيل إلا من بعد وفاته أفلا تفهمون؟يسأل الله أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى :لم تحاجون أى تجادلون فى أمر إبراهيم(ص)فتزعمون أنه يهودى أو نصرانى والغرض من السؤال ليس أن يجيب القوم ولكن الغرض منه إثبات كذبهم ويبين لهم أن التوراة وهى كتاب اليهود كما يزعمون والإنجيل وهو كتاب النصارى كما يزعمون ما أنزلوا إلا من بعده والمراد ما أوحاهم الله لموسى(ص)وعيسى(ص)إلا من بعد وفاة إبراهيم (ص)بسنوات طوال ،ويسألهم :أفلا تعقلون أى تفهمون؟والغرض من السؤال هو إثبات جنونهم أى عدم عقلهم .
"ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"ها أنتم هؤلاء جادلتم "فحاججتم تعنى جادلتم وقوله بسورة الحج"ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا"فالعلم هو السلطان المنزل وقوله بسورة النحل"بل أنتم قوم تجهلون" فلا تعلمون تعنى تجهلون والمعنى ها أنتم جادلتم فى الذى لكم به وحى فلماذا تجادلون فى الذى ليس لكم به وحى والله يعرف وأنتم تجهلون ،يبين الله لأهل الكتاب أنهم حاجوا فى ما لهم به علم والمراد أنهم جادلوا المسلمين فى الذى لديهم فيه وحى وهو أمر عيسى (ص)حيث عندهم الإنجيل ويسألهم :فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والمراد فلماذا تجادلون فى الذى ليس لديكم فيه وحى منزل وهو أمر إبراهيم(ص)والغرض من السؤال هو إثبات جهل القوم وقولهم دون وجود وحى منزل عليهم فى أمر إبراهيم(ص) ،ويبين الله لهم أنه يعلم أى يعرف كل شىء وهو لا يعلمون أى يجهلون والمراد لا يتبعون وحى الله.
"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا "فمسلما تعنى قانتا لله والمعنى ما كان إبراهيم على دين اليهودية ولا على دين النصرانية ولكن كان مطيعا متبعا لله وما كان من الكافرين ،يبين الله لنا أن إبراهيم(ص) لم يكن يهوديا يدين باليهودية ولا نصرانيا يدين بالنصرانية ولا مشركا يدين بدين من أديان الشرك المتعددة وإنما كان حنيفا أى مسلما أى مطيعا لدين الله وهو الإسلام .
"إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين أمنوا والله ولى المؤمنين"يفسر الجزء الأخير قوله بسورة الجاثية "والله ولى المتقين "فالمؤمنين هم المتقين وولاية الله هى دفاعه عنهم مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "إن الله يدافع عن الذين أمنوا"والمعنى إن أحق الناس بالإقتداء بإبراهيم(ص)الذين أطاعوه وهذا الرسول(ص)والذين صدقوا به والله ناصر المسلمين ،يبين الله لأهل الكتاب أن أولى الناس بإبراهيم(ص)والمراد أحق الخلق بالإنتساب لدين إبراهيم(ص)هم الذين اتبعوه أى أطاعوا الرسالة المنزلة عليه وهذا النبى أى محمد(ص)والذين أمنوا أى والذين صدقوا بمحمد(ص) ،ويبين للكل أنه ولى المؤمنين أى ناصر المسلمين على الكافرين فى الدنيا والأخرة والخطاب للناس

الثلاثاء، 26 فبراير 2019

تفسير سورة آل عمران

سورة آل عمران
سميت السورة بهذا الإسم لذكر آل عمران بها وقصة زوجته وابنتها مريم عليهم الصلاة والسلام فقد ذكر بقوله "إن الله اصطفى أدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" وهذا ما نعرفه حاليا والآن إلى تفسير السورة .
"بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام"المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات الله لا رب إلا هو الباقى الحافظ أوحى إليك الوحى بالعدل مشابها للذى لديه وأوحى التوراة والإنجيل من قبل رشاد للخلق وأوحى الحق إن الذين كذبوا بأحكام الله لهم عقاب أليم والله قوى صاحب غضب،قوله"بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه "أصله بسم الله الرحمن الرحيم ألم نزل الله عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه لا إله إلا هو الحى القيوم والمعنى بحكم الله النافع المفيد آيات أوحى الله إليك الوحى بالعدل مطابقا للذى عنده لا رب إلا هو الباقى الحافظ ،يبين الله للنبى(ص) أنه باسمه وهو حكمه قد أنزل ألم أى آيات القرآن وتفسيرها بالحق وهو العدل وأن القرآن وتفسيره الذى قاله النبى (ص) مصدق والمراد مطابق مشابه لما بين يدى الله أى لما عند الله فى أم الكتاب مصداق لقوله تعالى بسورة الزخرف "وإنه فى أم الكتاب لدينا" وقوله بسورة المائدة"مصدقا لما بين يديه من الكتاب " فى الكعبة ويبين له أن لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله فهو وحده المستحق للعبادة وأنه الحى أى الباقى الذى لا يموت كما بقوله تعالى بسورة الفرقان "وتوكل على الحى الذى لا يموت" وأنه القيوم أى الحافظ لأمر السموات والأرض ،وقوله "وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس "يعنى وأوحى التوراة والإنجيل من قبل إرشاد للخلق ،يبين الله لرسوله(ص) أنه أنزل أى أوحى التوراة إلى موسى(ص)والإنجيل على عيسى(ص) من قبل نزول القرآن هدى للناس أى إرشاد للخلق ،وقوله "وأنزل الفرقان"يعنى وأوحى القرآن وهذا يعنى أن الله أوحى الفرقان أى المفرق بين الحق والباطل وهو القرآن،وقوله "إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد "يفسره قوله تعالى بسورة الحج"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين"فالذين كفروا أى كذبوا والشديد هو المهين والمعنى إن الذين كذبوا بأحكام الله لهم عقاب أليم ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا بآيات الله وهى أحكام الله لهم عذاب شديد أى لهم عقاب مهين ،وقوله"والله عزيز ذو انتقام "يفسره قوله تعالى بسورة فصلت"وذو عقاب أليم"فالإنتقام هو العقاب الأليم والمعنى والله قوى صاحب عقاب ،يبين الله لرسوله(ص)أنه عزيز أى قوى ذو انتقام أى صاحب عقاب للكفار ،والخطاب للنبى(ص).
"إن الله لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء"يفسره قوله تعالى بسورة يونس"وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين"فالله لا يخفى أى لا يعزب عنه شىء أى ذرة أو أكبر أو أصغر منها سواء فى الأرض أو فى السموات والمعنى إن الله لا يغيب عن علمه أمر فى الأرض ولا فى السموات ،يبين الله أن علمه يشمل كل أمر فى السماء والأرض ولهذا على الناس أن يحذروا من عذابه فلا يعملوا الباطل خوفا من علمه به ومن ثم عقابه لهم والخطاب للناس هو وما بعده.
"هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"يخلقكم فى بطون أمهاتكم"وقوله بسورة النمل"إن ربك يقضى بينهم بحكمه"فيصوركم يعنى يخلقكم والأرحام هى البطون كما بسورة الزمر والحكيم هو الذى يقضى بالحكم العادل والمعنى هو الذى يخلقكم فى البطون كيف يريد لا رب إلا هو الناصر القاضى ،يبين الله لنا أنه يصور الأجنة فى أرحام الأمهات والمراد يركب الإنسان فى أى صورة أى خلقة أى شكل يريد وهذا يعنى أن المورثات لا دخل لها بعملية التشكيل وهو يتم فى داخل البطون والله لا إله إلا هو أى لا رب يستحق الطاعة سواه وهو العزيز أى الناصر لمن يطيعه الحكيم أى الذى يقضى بالعدل.
"هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب"قوله"هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات"يفسره قوله تعالى بسورة الكهف"واتل ما أوحى إليك من ربك"فالكتاب يعنى ما أوحى الله والمعنى هو الذى أوحى لك القرآن وتفسيره منه أحكام مفروضات هن أصل الحكم وأحكام مماثلات،يبين الله لرسوله(ص)أنه هو الذى أنزل له الكتاب والمراد الذى أوحى إليه الوحى الذى ينقسم إلى آيات محكمات أى أحكام واجبات الطاعة هن أم الكتاب أى أصل الحكم وآيات متشابهات أى وأحكام مماثلات لها ليست واجبة الطاعة الآن وهى الأحكام المنسوخة ،وقوله" فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"يعنى فأما الذين فى نفوسهم كفر فيقصدون الذى تماثل منه طلبا للوقيعة وطلبا لتفسيره،يبين الله أن الذين فى قلوبهم زيغ أى الذين فى نفوسهم مرض هو التكذيب لحكم الله يتبعون ما تشابه منه والمراد يطيعون الذى تماثل منه وهو المنسوخ وأسباب طاعتهم للمنسوخ هى ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل والمراد طلبا لإحداث الخلاف بين المسلمين وطلبا للتفسير الصحيح للوحى حتى يقدروا على قلب الحق باطلا ،وقوله"وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا "يعنى وما يعرف تفسيره إلا الله والثابتون فى المعرفة يقولون صدقنا به الجميع من لدى الله ،يبين الله لنا أن تأويل الآيات وهو تفسيرها التفسير الصحيح لا يعلم به أى لا يعرفه سوى الله والراسخون فى العلم وهم الثابتون فى المعرفة أى أهل الذكر ولا يمكن أن يعلم الله وحده بالتفسير لأن الأمر لو كان كذلك فمعناه أن كل الرسل(ص)والفقهاء كانوا جهلة لا يعرفون تفسيره وهو ما لا يقول به عاقل ،وقوله"وما يذكر إلا أولوا الألباب"يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران"لأولى الأبصار" فالألباب هى الأبصار أى البصائر والمعنى وما يطيع الوحى سوى أهل العقول،وهذا يعنى أن أولى الألباب وهم أهل العقول أى البصائر هم الذين يذكرون الوحى أى هم الذين يطيعون حكم الله ،والخطاب للمؤمنين.
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف"آتنا من لدنك رحمة "فهب تعنى آتنا والمعنى إلهنا لا تضل نفوسنا بعد إذ أرشدتنا وأعط لنا من عندك رأفة إنك أنت العاطى،يبين الله لرسوله(ص)أن الراسخين فى العلم يقولون فى دعائهم "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"أى إلهنا لا تبعد نفوسنا عن الإسلام بعد إذ أرشدتنا للعمل به وهذا هو طلب النصر فى الدنيا ويقولون "وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"أى وأعطى لنا من عندك فضل هو الجنة إنك أنت العاطى،وهذا هو طلب النصر فى الأخرة ويبين لنا أن الله هو الوهاب أى العاطى فى الدنيا والأخرة ،والقول محذوف منه بدايته وهو ما معناه قال أو دعا المسلمون فقالوا وما بعده مثله والخطاب للنبى(ص) .
"ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"لا ظلم اليوم "وقوله بسورة الروم "لا يخلف الله وعده"وقوله بسورة البقرة "فلن يخلف الله عهده" فالريب هو الظلم كما بسورة غافر والميعاد هو الوعد كما بسورة الروم والعهد كما بسورة البقرة والمعنى إلهنا إنك باعث الخلق ليوم لا ظلم فيه إن الله لا ينقض عهده،يبين الله لرسوله(ص)أن الراسخين فى العلم يقولون فى الدعاء:ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه والمراد إلهنا إنك حاشر الخلق ليوم لا باطل فيه وهذا يعنى أن يوم القيامة ليس فيه ظلم وهو اليوم الذى يبعث فيه الخلق كلهم للحساب ويقولون:إن الله لا يخلف الميعاد والمراد إن الله لا ينقض عهده وهذا يعنى إيمانهم بحدوث البعث والحساب لأنه يحقق وعده به كما يحقق كل ما وعد به خلقه
"إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الدخان"يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا"وقوله بسورة الجن "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا" فالمولى هم الأولاد كما بسورة الدخان والذين كفروا هم القاسطون والوقود هو الحطب كما بسورة الجن والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله لن تمنع عنهم أملاكهم ولا عيالهم من الله عقابا وأولئك هم حطب جهنم ،يبين الله لنا أن الذين كفروا وهم الذين عصوا حكم الله لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا والمراد أن أملاك الكفار وعيالهم لن يمنعوا عنهم العذاب فى الدنيا والأخرة لأن لا فدية بمال منه ولا ظلم بوضع مخلوق مكان مخلوق فى النار من العيال أو غيرهم والكفار هم وقود النار والمراد المادة التى تغذى جهنم أى الحطب الذى يتم إيلامه بالعذاب والقول يبدو كآيتين محذوف من كل منهما شىء فالأول حتى فيه والثانى إن الله لا يخلف الميعاد ليس من كلام الدعاء لأنه لو منه لكان إنك لا تخلف الميعاد لكونهم يخاطبون الله .
"كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله"فكذبوا تعنى كفروا وقوله بسورة الأعراف"فأخذناهم بما كانوا يكسبون"فالذنوب هى ما كانوا يكسبون وقوله بسورة البقرة "وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى كعادة قوم فرعون والكفار الذين سبقوهم فى الدنيا كفروا بأحكامنا فعذبهم الله بسيئاتهم والله عظيم العذاب،يبين الله لنا أن دأب وهو عادة أى عمل قوم فرعون والأقوام التى عاشت قبلهم هى أنهم كذبوا بآيات الله والمراد عصوا أحكام الوحى المنزل من الله فكانت النتيجة أن أخذهم الله بذنوبهم أى عاقبهم بسبب عصيانهم وهو عمل السيئات والله شديد العقاب أى كبير العذاب حيث لا يوجد عذاب أكبر من عذابه ،والخطاب للنبى (ص)ولاحظ وجود جملة محذوفة فى أول الآية معناها كذب القوم .
"قل للذين كفروا ستغلبون ثم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "يفسره قوله تعالى بسورة إبراهيم"وبئس القرار"وقوله بسورة فصلت"ويوم يحشر أعداء الله إلى النار" فالمهاد هو القرار كما بسورة إبراهيم والذين كفروا هم أعداء الله وجهنم هى النار كما بسورة فصلت والمعنى قل يا محمد للذين كذبوا حكم الله ستهزمون ثم تدخلون إلى النار وساء المقام ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للذين كفروا وهم الذين كذبوا حكم الله :ستغلبون أى ستهزمون فى الدنيا ثم تحشرون إلى جهنم أى ثم تذهبون إلى النار فى الأخرة وهى بئس المهاد أى وساء مقام الإقامة حيث الألم المستمر،والخطاب للنبى(ص).
"قد كان لكم آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال "وإذ يريكموهم إذا التقيتم فى أعينكم قليلا ويقللكم فى أعينهم"وقوله"هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين"وقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا"وقوله بسورة يوسف"عبرة لأولى الألباب"فيرونهم مثليهم رأى العين يفسره أن الله قلل الكفار فى أعين المؤمنين لكثرتهم حتى لا يخافوا وتأييده بنصره لمن يشاء هو تأييده للنبى (ص)ومن معه كما بسورة الأنفال هو نصر الرسل(ص)والذين أمنوا كما بسورة غافر وأولى الأبصار هم أولى الألباب والمعنى قد كان لكم عبرة فى جماعتين تقابلتا جماعة تحارب فى نصر دين الله وجماعة مكذبة لدين الله يشاهدونهم ضعفيهم مشاهدة البصر والله يقوى بتأييده من يحب إن فى ذلك لعظة لأهل العقول،يبين الله للمؤمنين أن الآية وهى العبرة لهم كانت فى الفئتين وهم الفرقتين اللتين التقتا أى تقابلتا فى ميدان الحرب فمنهم فرقة أى فئة تقاتل فى سبيل الله أى تحارب لإعلاء دين الله وأخرى كافرة أى وجماعة مكذبة بدين الله تحارب لإطفاء نور الله وكانت الفرقة المؤمنة ترى الفرقة الكافرة مثليهم رأى العين والمراد يشاهدونهم مشاهدة البصر أنهم فى العدد قدرهم مرتين ويبين الله لنا أنه يؤيد بنصره من يشاء والمراد أنه يساعد بقوته من يريد وهم المؤمنين وهم جنود الله فى الكون ويبين لنا إن فى ذلك عبرة لأولى الأبصار والمراد عظة يستفيد منها أصحاب العقول وهى أن العدد لا يؤثر فى انتصار المسلمين إذا كان قليلا،والخطاب للمؤمنين وتبدو الآية لا صلة بما قبلها ولا ما بعدها .
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "زين للذين كفروا الحياة الدنيا"فالناس هنا هم الذين كفروا وقوله بسورة الكهف"زينة الحياة الدنيا"فالمتاع هو الزينة وقوله بسورة آل عمران"والله عنده حسن الثواب "فالمآب هو الثواب والمعنى حسن للكفار ود المتع من الإناث والأولاد والمكاييل الموزونة من الذهب والفضة والقوة المعدة والطعام والشراب تلك منافع الحياة الأولى والله لديه خير المتع ،يبين الله لنا أنه زين للناس حب الشهوات والمراد حبب للكفار أخذ المتع من :النساء وهى الإناث التى يجامعهن فهى شهوة الجنس كما تسمى حاليا وشهوة النساء عند الرجال وشهوة الرجال عند النساء ،والبنين وهم الأولاد الذين يعتقد أنهم مصدر عزة له وهى شهوة الصبيان،والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والمراد الأثقال الموزونة من الذهب والفضة وهى شهوة المال ،والأنعام والحرث ويقصد بهما شهوة الطعام فهما كناية عن شهوة الأكل أى الطعام والشراب فالأنعام هى الحيوانات والحرث هو النبات ومنهما أكل المخلوق،ويبين الله أن تلك المتع هى متاع الحياة الأولى والمراد هى منافع الحياة الأولى والله عنده حسن المآب والمراد لديه خير المتع وهى متع الجنة فى الأخرة والخطاب للنبى(ص) .
"قل أؤنبئكم بخير من ذلكم مثوبة للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم"فالمثوبة وهى الجنات هى دار السلام وقوله بسورة الحجر"وما هم منها بمخرجين"فخالدين تعنى أنهم لا يخرجون من الجنة وقوله بسورة الدخان "وزوجناهم بحور عين"فالأزواج المطهرة هى الحور العين وقوله بسورة الإسراء"إنه كان بعباده خبيرا"فالبصير هو الخبير بالعباد والمعنى قل هل أخبركم بأفضل من ذلكم جزاء للذين أطاعوا حكم خالقهم حدائق تسير فى أرضها العيون باقين فيها ولهم زوجات زكيات أى رحمة من الرب والله خبير بالخلق ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يسأل الناس"أؤنبئكم بخير من ذلكم مثوبة"؟والمراد هل أخبركم بأحسن من متاع الدنيا ؟وهو السابق ذكره فى الآية السابقة ويطلب منه أن يجيب قائلا:للذين اتقوا وهم الذين اتبعوا حكم الله عند ربهم أى لدى خالقهم فى الأخرة جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد حدائق تسير فى أرضها العيون وهى مجارى السوائل المشروبة من ماء وخمر ولبن وعسل ووصفت بأنها من تحتها لأن مجارى العيون تكون دائما أسفل من الأرض حولها ولهم فيها أزواج مطهرة أى زوجات زكيات أى حور عين وفسر الله الجنات بأنها رضوان من الله أى رحمة من الرب للمتقين ،ويبين لهم أنه بصير بالعباد والمراد عليم بما يعمل الخلق فى كل وقت ،والخطاب للنبى (ص)وما بعده وما بعده.
"الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"وكفر عنا سيئاتنا"فاغفر تعنى كفر وذنوبنا تعنى سيئاتنا وقوله بسورة غافر"وقهم عذاب الجحيم"فالنار هى الجحيم والمعنى الذين يقولون إلهنا إننا صدقنا حكمك فكفر عنا سيئاتنا أى امنع عنا عقاب الجحيم،يبين الله لنا أن الذين اتقوا هم الذين يقولون أى يدعون الله :ربنا آمنا والمراد إلهنا صدقنا بوحيك المنزل فامحو لنا سيئاتنا فهم يطلبون من الله أن يعفو عن ذنوبهم ويقولون:وقنا عذاب النار والمراد وامنع عنا عقاب الجحيم وهذا هو نفسه الطلب الأول فالغفران معناه منع العذاب .
"الصابرين والصادقين والقانتين والمستغفرين بالأسحار" معنى الآية هم الطائعين أى المحسنين أى الخاشعين أى التائبين بالليالى ،يبين الله لنا أن الذين اتقوا هم الصابرين أى الطائعين لحكم الله فيما أصابهم من خير أو شر وفسرهم بأنهم الصادقين أى العاملين للصدق وهو حكم الله وفسرهم بأنهم القانتين أى الخاضعين لحكم الله وفسرهم بأنهم المستغفرين بالأسحار أى الذين يطلبون التوبة والمراد يطلبون العفوعن ذنوبهم فى الليالى .
"شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "معنى الآية أقر الله أنه لا رب إلا هو والملائكة وأهل المعرفة حافظا للكون بالعدل لا رب إلا هو الناصر القاضى ،يبين الله لنا أنه شهد أى أقر هو والملائكة وأولوا العلم وهم أهل المعرفة من الناس بالتالى :أن لا إله إلا هو أى لا رب يستحق العبادة سواه وهو قائم بالقسط أى حافظ للكون بالميزان وهو العدل وهو العزيز أى الناصر لمن ينصره وهو الحكيم أى القاضى بالعدل فيما بين خلقه ،والخطاب وما بعده للناس.
"إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة يوسف "إن الحكم إلا لله "فالإسلام هو الحكم وقوله بسورة البقرة"من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم"فالعلم هو البينات وقوله بسورة العنكبوت"وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون"فيكفر تعنى يجحد وقوله بسورة الأنعام "إن ربك سريع العقاب"فالحساب هو العقاب هنا والمعنى إن الحكم لدى هو الإسلام وما تنازع الذين أعطوا الحكم إلا من بعد ما أتاهم الوحى كفرا منهم بأحكام الله فإن الله شديد العقاب ،يبين الله لنا أن الدين وهو الحكم الذى يجب حكم الناس به هو الإسلام أى الوحى المنزل على محمد(ص)،ويبين لنا أن الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى سابقا اختلفوا بعد ما جاءهم العلم والمراد تنازعوا بعد ما أتاهم الوحى الإلهى والسبب بغيا بينهم أى ظلما بينهم أى حب بعضهم للتميز عن الأخرين والمراد كفرا منهم بأحكام الله ويبين الله لنا أن من يكفر أى يكذب بحكم الله فإن الله سريع الحساب أى شديد العقاب والمراد أن من يكفر يعاقبه الله .
"فإن حاجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "وإن جادلوك"فحاجوك تعنى جادلوك وقوله بسورة الأنعام "قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم "فإسلام الوجه لله هو أن يكون أول من أسلم وقوله بسورة البقرة"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"فأسلموا تعنى آمنوا وقوله بسورة الغاشية"فذكر إنما أنت مذكر"فالبلاغ هو التذكير وقوله بسورة الإسراء"إنه كان بعباده خبيرا"فالبصير هو الخبير والمعنى فإن جادلوك فقل ملكت نفسى لحكم الله ومن أطاعنى وقل للذين أعطوا الوحى أى الكفار هل أطعتم حكم الله فإن أطاعوا فقد رشدوا وإن كفروا فإنما عليك التوصيل للوحى وعلينا عقابهم والله خبير بالخلق،يبين الله لرسوله(ص)أن الناس إن حاجوه أى جادلوه فى حكم الله فعليه أن يقول لهم :أسلمت وجهى لله والمراد أطاعت نفسى حكم الله أنا ومن اتبعن أى ومن أطاعنى من الناس ،وأن يقول للذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى السابق كله أى الأميين وهم الكفار السابقين كلهم :أأسلمتم أى هل أطعتم حكم الله؟ويبين الله له أنهم إن أسلموا أى أطاعوا حكم الله فقد اهتدوا أى أخذوا الجنة وإن تولوا أى وإن كفروا بحكم الله فإنما عليك البلاغ أى التوصيل لحكم الله وعلينا عقابهم ،ويبين الله له أنه بصير بالعباد أى خبير بالخلق يعرف كل شىء عنهم،والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"إن الذين لا يؤمنون بآيات الله"فيكفرون تعنى لا يؤمنون والمعنى إن الذين يكذبون بأحكام الله ويذبحون الرسل بغير جرم ويذبحون الذين يطلبون الخلق بالعدل من الخلق فأخبرهم بعقاب شديد ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين يكفرون بآيات الله والمراد الذين يكذبون بأحكام الله ويقتلون النبيين بغير حق والمراد ويذبحون الرسل(ص)رسل بنى إسرائيل دون جريمة يستحقون عليها القتل ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس والمراد ويذبحون الذين يطالبون الخلق بالعدل من الخلق بغير جريمة يستحقون عليها العقاب على النبى(ص)أن يبشرهم بعذاب أليم أى يخبرهم بعقاب شديد هو دخول النار والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"أولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والأخرة وما لهم من ناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"أضل أعمالهم"فحبط تعنى أضل أى أخسر وقوله بسورة الشورى "وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله"فالناصرين هم الأولياء والمعنى أولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة وما لهم من منقذين ،يبين الله لرسوله(ص)أن الكفار حبطت أعمالهم أى خسر ثواب أفعالهم فى الدنيا وهى الحياة الأولى والأخرة وهى القيامة وما لهم من ناصرين أى وليس لهم منقذين من عذاب الله .
"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النور"ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"فالذين أوتوا الكتاب دعوا بعضهم لتحكيم كتاب الله أى أعلنوا إيمانهم بالله ورسوله(ص)كما بسورة النور ومعنى معرضون أنهم ليسوا مؤمنين والمعنى ألم تعلم بالذين أعطوا معرفة من الوحى ينادون لحكم الله ليفصل بينهم ثم يعرض جمع منهم وهم كافرون ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب والمراد أن الذين أعطاهم الله بعضا من الوحى الإلهى يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم والمراد ينادون بعضهم البعض إلى طاعة حكم الله ليفصل بينهم فيما هم فيه يختلفون ومع ذلك تولى فريق منهم أى عصت جماعة منهم حكم الله وهم معرضون أى وهم مكذبون به والخطاب للنبى(ص).
"ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"وقوله بسورة الحديد"وغرتكم الأمانى"فما يفترون هو إيحاء زخرف القول كما بسورة الأنعام هو الأمانى والمعنى ذلك بأنهم قالوا لن ندخل الجحيم سوى ليالى قليلة أى خدعهم فى حكمهم الذى كانوا يؤلفون من الأكاذيب ،يبين الله لرسوله(ص)أن السبب فى إعراض الفريق الكتابى هو أنهم قالوا :لن تمسنا النار إلا أياما معدودات والمراد لن نعذب سوى أيام قليلة بعدها ندخل الجنة وفسر الله هذا بأنهم غرهم فى دينهم ما كانوا يفترون والمراد خدعهم فى حكمهم الذى كانوا يؤلفون من الأقوال ثم ينسبونها إلى الله زورا ومنها قولهم أن دخولهم النار سيكون لأيام قليلة والخطاب للنبى(ص) وما بعده .
"فكيف إذ جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم "فالريب هو الظلم ووفيت تعنى تجزى والمعنى فكيف إذ حشرناهم ليوم لا ظلم فيه وجوزى كل فرد بما عمل وهم لا ينقصون حقا،يسأل الله عن حال القوم إذا بعثهم فى يوم القيامة كيف إذ جمعناهم أى بعثناهم فى يوم لا ريب فيه أى لا ظلم فيه لأحد ووفيت كل نفس ما كسبت أى وأعطى كل فرد جزاء ما عمل فى الدنيا وهم لا يظلمون أى وهم لا ينقصون من حقهم شيئا؟والغرض من السؤال هو إعلامنا أن القوم سيعلمون كذب قولهم أن النار لن تمسهم سوى أيام قليلة فى يوم القيامة عندما يوفون حسابهم وساعتها سيكون حالهم هو أسوأ حال.
"قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض"فالملك هو السموات والأرض وقوله بسورة آل عمران"قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" فالفضل هو الخير الذى بيد الله وقوله بسورة آل عمران "والله يؤيد بنصره من يشاء"فيعز تعنى يؤيد بنصره وقوله بسورة الحج "ومن يهن الله "فيذل تعنى يهن "وقوله بسورة إبراهيم "إن الله يفعل ما يشاء"ففعل ما يشاء هو قدرته على كل شىء والمعنى قل اللهم حاكم الكون تعطى الحكم لمن تريد وتمنعه عن من تريد أى تكرم من تريد وتهين من تريد إنك لكل أمر تريده فاعل ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول :اللهم مالك الملك أى اللهم حاكم الكون تؤتى الملك من تشاء والمراد تعطى الحكم من تريد وفسر هذا بأنه يعز من يريد أى يكرم من يريد من الخلق وتنزع من تشاء أى وتمنع الحكم من تريد وفسر هذا بأنه يذل من يشاء أى يهين من يريد من الخلق بمنع الحكم عنه،بيدك الخير أى بأمرك الرحمة ويفسرها قوله تعالى بسورة فاطر"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده "فكون الرحمة بأمره تعنى أنه يعطيها لمن يريد ويمنعها عن من يريد ،إنك على كل شىء قدير أى إنك لكل أمر تريده فاعل ،وهذا يعنى أن الله يفعل ما يريد فى ملكه والآية كلها تقول لنا أن الله حر التصرف فى ملكه كيف يريد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت والميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل"فيولج تعنى يكور وقوله بسورة الزمر"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"فرزق من يشاء بغير حساب هو رزق الصابرين هو دخول الجنة لقوله تعالى بسورة غافر"فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "والمعنى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وتفصل الباقى من الهالك والهالك من الباقى وتعطى من تريد بغير عقاب ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول:تولج الليل فى النهار أى تجعل الليل مكان النهار بالسلخ تدريحيا فالمكان الذى تغيب عنه الشمس يصبح ليلا وتولج النهار فى الليل أى وتجعل النهار مكان الليل بالسلخ تدريجيا فالمكان الذى تطلع فيه الشمس يذهب عنه ظلام الليل وتخرج الحى من الميت أى وتفصل الباقى عن الهالك وتخرج الميت من الحى أى وتفصل الهالك من الباقى وهذا معناه أن الله يفصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات فمن يترك عالم الأموات وهو عالم الغيب يصبح فى عالم الأحياء وتنقطع صلته بعالم الأموات ومن يترك عالم الأحياء يذهب لعالم الأموات وتنقطع صلته بعالم الأحياء،وترزق من تشاء بغير حساب أى وتعطى من تريد الرحمة دون عقاب،يبين القول لنا أن الله يعطى الرزق وهو الرحمة لمن يريد وهم المسلمين بغير حساب أى بدون عقاب والمراد دون أن يدخلهم النار.
"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "لا تتخذوا بطانة من دونكم "فالأولياء هم البطانة وقوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء "فالكافرين هم أعداء الله والمؤمنين وقوله بسورة الممتحنة "ومن يفعل ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل" ففاعل التولية ليس من الله فى شىء معناه أنه ضل سواء السبيل وقوله بسورة الإسراء"إن عذاب ربك كان محذورا "فنفس الله يراد بها هنا عذاب الله الذى يجب الحذر منه وقوله بسورة الحج"ولله عاقبة الأمور"فالمصير هو عاقبة الأمور والمعنى لا يجعل المصدقون بحكم الله المكذبون بحكم الله أنصار ومن يصنع التناصر معهم فليس من الله فى دين ،عليكم أن تأخذوا الحذر منهم ويخوفكم الله عذابه وإلى جزاء الله العودة،ينهى الله المؤمنين أى المسلمين عن اتخاذ الكفار أولياء لهم من دون المسلمين الأخرين والمراد ينهاهم عن جعل الكفار أنصار لهم ومن ثم فالواجب على المسلمين هو أن يجعلوا بعضهم أنصار بعض ويبين الله لهم أن من يفعل ذلك أى من يوالى الكفار ليس من الله فى شىء أى ليس من الله فى دين الإسلام والمراد أنه ليس مسلما أى كافرا وطلب الله منهم أن يتقوا منهم تقاة والمراد أن يأخذوا منهم الحذر حتى لا يتسببوا فى إلحاق الهزيمة أو الردة بهم نتيجة التعذيب من الكفار الذى لا يحسب المسلمون حسابها ،ويحذر الله المؤمنين نفسه والمراد ويخوف الله المسلمين من عذابه المعد لمن يخاف أمره ويبين لهم أن المصير وهو العودة فى الأخرة إليه والمراد إلى جزاءه ثوابا أو عقابا ونلاحظ أن الجزء الأول حتى المؤمنين هو خطاب للنبى(ص)وما بعده خطاب للمؤمنين ويبدو أن بقية خطاب النبى (ص) محذوف لأنه لو كان خطابا للمؤمنين لقال لهم لا تتخذوا كما قال فى سورتى الممتحنة وآية آل عمران الأخرى ولم يقل لا يتخذ المؤمنين لأنه بهذا يتحدث عن غائبين بينما بقية الآية تتحدث عن حاضرين بدليل كلمات من يفعل وتتقوا .
"قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما فى السموات وما فى الأرض والله على كل شىء قدير "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" فصدوركم تعنى أنفسكم ويعلمه تعنى يحاسبكم بعد علمه به وقوله بسورة النحل"والله يعلم ما تسرون وما تعلنون"فما تخفوه هو ما يسرون وما يبدوه هو ما يعلنوه وقوله بسورة يونس"وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين "فعلمه بكل ما فى السموات والأرض معناه أنه لا يعزب عنه فيهما شىء من ذرة أو أصغر منها أو أكبر منها وقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"فكون الله قدير على كل شىء تعنى أنه فعال لما يريد والمعنى قل يا محمد إن تسروا الذى فى أنفسكم أو تظهروه يعرفه الله ويعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض والله لكل أمر يريده فاعل ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين:إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله والمراد إن تكتموا الذى فى قلوبكم أو تعلنوه يعرفه الله فيحاسبكم عليه والغرض من القول هو إعلام المسلمين الذين فى نيتهم الكفر بمخالفة أمر الله بعدم موالاة الكفار أن عليهم الإمتناع عن ذلك لأن الله سيعرفه وسيحاسبهم عليه ،وأن يقول لهم أن الله يعلم أى يعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض والغرض منه كالغرض من القول السابق ،ويقول :أن الله على كل شىء قدير أى الله لكل أمر يريده فاعل والمراد أنه قادر على عقابهم إن خالفوا أمره ،والخطاب للنبى(ص).
"يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"فالمحضر هو ما يراه الفرد فى كتابه من الخير والسوء هو الشر وقوله بسورة الإسراء"إن عذاب ربك كان محذورا "فنفس الله الواجب الحذر منها هى عذابه وقوله بسورة البقرة"إن الله بالناس لرءوف رحيم"فالناس هم العباد والرءوف هو الرحيم والمعنى يوم ترى كل نفس ما صنعت من صالحا موجودا وما صنعت من فاسد موجودا تحب لو أن بينها وبينه بعدا عظيما ويخوفكم الله عذابه والله رحيم بالمؤمنين،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين أن يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء والمراد يوم يشاهد كل فرد ما فعل من فعل حسن موجودا فى كتابه وما فعل من شر موجودا فى كتابه هو يوم الحساب وعند ذلك تود النفس الكافرة لو أن بينها وبين عملها الشرير أمدا بعيدا أى بعدا كبيرا يمنع عنها عذاب الله ،ويحذر الله المؤمنين من نفسه والمراد ويخوف الله المسلمين من عذابه حتى لا يخالفوه ويبين لهم أنه رءوف بالعباد أى رحيم بالمؤمنين فى الأخرة ونلاحظ أن أول القول محذوف ومعناه وما يوم الحساب؟ والخطاب وما بعده للنبى(ص)يوجهه للناس.
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"إن تنصروا الله ينصركم "فحب الله هو نصر دينه وحب الله لنا هو نصره لنا برحمته لنا فى الدنيا والأخرة وقوله بسورة الأنفال"ويكفر عنكم سيئاتكم"فيغفر لكم ذنوبكم تعنى يكفر عنكم سيئاتكم والمعنى قل يا محمد إن كنتم تطيعون الله فأطيعونى يثيبكم الله أى يمحو لكم سيئاتكم والله عفو نافع للمستغفرين،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول للمؤمنين: إن كنتم تحبون الله والمراد إن كنتم تتبعون حكم الله لأن ليس هناك معنى لحب الله سوى الإيمان بحكمه وطاعته فاتبعونى يحببكم الله أى فأطيعوا حكمى يرحمكم الله وفسر هذا بقوله ويغفر لكم ذنوبكم أى يمحو لكم سيئاتكم فيدخلكم الجنة ويبين لهم أنه غفور رحيم أى تارك عقاب الذنوب نافع لمن يستغفر لذنبه برحمته وهى الجنة

الاثنين، 25 فبراير 2019

تابع تفسير سورة النساء3

"ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة هود"وهم فيها لا يبخسون"فيظلمون تعنى يبخسون والمعنى ومن يصنع من الحسنات من رجل أو امرأة وهو مصدق بحكم الله فأولئك يسكنون الحديقة ولا يبخسون حقا،يبين الله للمؤمنين أن من يعمل من الصالحات والمراد من يفعل من الحسنات وهو مؤمن أى مصدق بالوحى فهم يدخلون الجنة والمراد يسكنون فى النعيم سواء كان العامل ذكر أى رجل أو أنثى أى امرأة وهذا يعنى أن دخول الجنة يحتاج إلى الإيمان والعمل الصالح معا وليس مجرد القول وهم لا يظلمون نقيرا أى لا يبخسون حقا أى كما قال بسورة النساء"ولا يظلمون فتيلا"فالنقير هو الفتيل هو الحق أى الشىء.
"ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا"المعنى ومن أفضل حكما ممن أخلص نفسه لحكم الله وهو مصلح أى أطاع دين إبراهيم(ص) وجعل الله إبراهيم(ص) رسولا ،يبين الله للمؤمنين أن الأحسن دينا وهو الأفضل حكما هو الذى أسلم وجهه لله وهو محسن والمراد الذى أخلص نفسه لله وهو مؤمن وبألفاظ أخرى الذى جند نفسه لطاعة حكم الله وهو مصدق بوحى الله ويفسر الله ذلك بأنه الذى اتبع ملة إبراهيم(ص) حنيفا أى الذى أطاع دين إبراهيم(ص)مسلما وهذا يعنى أن الأفضل دينا هو المتبع لدين الإسلام دين إبراهيم (ص)ويبين له أنه اتخذ إبراهيم(ص)خليلا والمراد أنه اختار إبراهيم(ص)رسولا إلى الناس والخطاب للمؤمنين.
"ولله ما فى السموات وما فى الأرض وكان الله بكل شىء محيطا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الجاثية"ولله ملك السموات والأرض"فما فى السموات والأرض هو ملك الله وقوله "وكان الله بكل شىء محيطا"يفسره بقوله بسورة النساء"إن الله كان بكل شىء عليما"فمحيطا تعنى عليما والمعنى ولله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض وكان الله بكل أمر عليما،يبين الله للمؤمنين أن له أى ملكه الذى فى السموات والذى فى الأرض وهو بكل شىء محيط والمراد وهو بكل أمر عليم والخطاب للمؤمنين.
"ويستفتونك فى النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم فى الكتاب فى يتامى النساء اللاتى لا تؤتوهن ما كتب الله لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما"يفسر قوله"وأن تقوموا لليتامى بالقسط" قوله تعالى بسورة البقرة"وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى "فالقيام بالقسط هو الإحسان وقوله"وما تفعلوا من خير"يفسره قوله بسورة البقرة"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله"فتفعلوا تعنى تقدموا وقوله "فإن الله كان به عليما "يفسره قوله بسورة النساء"وكان الله بكل شىء محيطا "فعليما تعنى محيطا والمعنى ويسألونك عن حكم الله فى الإناث قل الله يجيبكم فيهن وما يقرأ عليكم فى الوحى فى فاقدات الأباء من الإناث اللاتى لا تعطوهن ما فرض الله لهن وتريدون أن تتزوجوهن والصغار من الأطفال وأن ترعوا فاقدى الأباء بالعدل وما تعملوا من نفع فإن الله كان به خبيرا،يبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يستفتونه أى يسألونه عن أحكام الإسلام فى النساء وهن الإناث وطلب منه أن يقول للمسلمين :الله يفتيكم فيهن والمراد الله يجيبكم فى أحكامهن ،وما يتلى عليكم فى يتامى النساء والمراد والذى يبلغ لكم فى فاقدات الأباء من النساء وهو قوله بأول السورة"وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا "وهن اللاتى لا تؤتوهن ما كتب الله لهن أى اللاتى لا تعطوهن الذى فرض الله لهن من أموال الأباء ولا المهر عندما ترغبون أن تنكحوهن أى عندما تريدون أن تتزوجوهن والمستضعفين من الولدان والمراد والصغار من الصبيان الذين لا تعطوهن أموال الأباء والمكتوب فى القرآن عنهم هو قوله بسورة النساء"وأتوا اليتامى أموالهم "ويقول:وأن تقوموا لليتامى بالقسط والمراد وأن تربوا فاقدى الأباء بالعدل وهذا يعنى وجوب رعاية الأوصياء لليتامى بالعدل ،ويقول وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما والمراد وما تصنعوا من عمل صالح فإن الله كان به خبيرا وسيثيبكم عليه والخطاب للنبى (ص) ومنه للمؤمنين.
"وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا"يفسر قوله "فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا"قوله تعالى بسورة النساء"ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"فالصلح هو التراضى بالتنازل عن جزء من الفريضة وقوله "وإن تحسنوا وتتقوا "يفسره قوله بسورة آل عمران"وأن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم"فتحسنوا تعنى تؤمنوا وقوله "فإن الله كان بما تعملون خبيرا "يفسره قوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون"فتعملون تعنى يفعلون وعليم تفسره خبير والمعنى وإن زوجة خشت من زوجها نفورا أى بعدا فلا عقاب عليهما أن يتفقا بينهما اتفاقا والاتفاق أفضل وأعلنت الأنفس البخل وإن تؤمنوا وتطيعوا فإن الله كان بالذى تفعلون عليما،يبين الله للمؤمنين والمؤمنات أن المرأة وهى الزوجة إذا خافت أى خشت من بعلها وهو زوجها التالى :
النشوز وهو الإعراض والمراد النفور أى إرادة الطلاق فعليها أن تسعى لتعقد بينهما صلحا والمراد أن عليها أن تسعى ليعقدا بينهما اتفاقا حتى لا يحدث الطلاق ويبين لهما أن لا جناح عليهما أى لا عقاب عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والمراد أن يتفقا بينهما اتفاقا ينص على تنازل الزوجة عن بعض مهرها فى مقابل بقائها زوجة له والصلح خير والمراد والاتفاق نفع لهما وساعته تحضر الأنفس الشح والمراد وساعته تظهر النفوس البخل فى التنازل من قبل الزوجة أو فى امتناع الزوج عن قبول الجزء المتنازل عنه فقط ،ويبين لهم أنهم إن يحسنوا أى يصلحوا أى يؤمنوا أى يتقوا أى يطيعوا حكم الله فإن الله كان بما تعملون خبيرا والمراد فإن الله كان بالذى تفعلون عليما وسيثيبكم عليه بالجنة والخطاب للمؤمنين والمؤمنات .
"ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما"يفسر قوله"وإن تصلحوا وتتقوا" قوله تعالى بنفس السورة"وإن تحسنوا وتتقوا"فتصلحوا تعنى تحسنوا والمعنى ولن تقدروا أن تقسطوا بين الزوجات ولو أردتم فلا تتركوا كل الترك فتتركوها كالمرفوعة وإن تحسنوا أى تطيعوا حكم الله فإن الله كان نافعا مفيدا لكم وإن ينفصلا يعطى الله كلا من رزقه وكان الله غنيا قاضيا، يبين الله للمؤمنين أنهم لا يستطيعون أى لا يقدرون على فعل التالى:العدل بين النساء والمراد المساواة بين الزوجات فى الحقوق حتى ولو حرصوا أى أرادوا العدل وهذا يعنى أن العدل بين الزوجات أمر مستحيل ،وينهى الله المؤمنين عن أن يميلوا كل الميل والمراد أن يتركوا إحدى الزوجات تركا كليا حتى لا يذروها كالمعلقة والمراد حتى لا يجعلوها كالمرفوعة التى ليست متزوجة وليست عزباء وإنما مجرد زوجة أمام الناس وإن كانت فعليا ليست زوجة وهذا يعنى أن العدل المطلوب بين الزوجات هو العدل الجزئى بمعنى أن لا يترك الزوج زوجته دون إعطائها حقوقها فى الجماع بحيث لا يحرم بعضهن منه حرمانا تاما ويبين لهم أنهم إن يصلحوا أى يتقوا أى يطيعوا حكم الله فإن الله كان غفورا رحيما والمراد فإن الله كان نافعا مفيدا لمن يطيعه برحمته ويبين لهم أنهم إن يتفرقا والمراد إن ينفصلا بالطلاق فسيغنى كلا من سعته والمراد فسيعطى الطليقين من رزقه وهو غناه ويبين لهم أنه واسع أى غنى يرزق العباد وهو حكيم أى قاضى يقضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ولله ما فى السموات وما فى الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما فى السموات وما فى الأرض وكان الله غنيا حميدا"المعنى ولله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض ولقد أمرنا الذين أعطوا الوحى سابقا وأنتم أن اعبدوا الله وإن تشركوا فإن لله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض وكان الله واسعا شكورا،يبين الله للمؤمنين أن له أى ملكه ما فى السموات والأرض والمراد أنه له الحكم فى مخلوقات الكون ويبين لهم أنه وصاهم أى أمرهم هم والذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى قبل عهد محمد(ص) أن اتقوا الله أى اعبدوا أى أطيعوا حكم الله وإن تكفروا أى وإن تعصوا حكم الله فإن لله ما فى السموات والأرض والمراد فإن الله يملك مخلوقات الكون والمراد أنه غنى عن عبادتهم لأنه لا يستفيد بها ويبين لهم أنه غنى أى واسع الملك حميد أى شاكر لمن يعبده برحمته له.
"ولله ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الجاثية"ولله ملك السموات والأرض"فلله تعنى أنها ملكه وقوله"وكفى بالله وكيلا"يفسره قوله بسورة النساء"وكفى بالله وليا"فوكيلا تعنى وليا والمعنى وله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض وكفى بالله وليا،يبين الله للناس أنه يملك الذى فى السموات والذى فى الأرض من المخلوقات وهو الوكيل أى الولى أى الناصر الحافظ لمن يطيعه والخطاب وما بعده للناس وما بعده.
"إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بأخرين وكان الله على ذلك قديرا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الأنعام"إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء"وقوله بسورة فاطر"ويأت بخلق جديد"فيأت تعنى يستخلف وآخرين تعنى خلق جديد والمعنى إن يرد يتوفاكم أيها الخلق ويخلق غيركم وكان الله لذلك فاعلا،يبين الله للناس وهم الخلق أنه إن يشأ يذهبهم والمراد إن يرد يهلكهم ويأت بآخرين أى ويخلق ناس غيركم يكونوا خلفاء لكم فى الأرض وكان الله على ذلك قديرا والمراد وكان الله للإهلاك والخلق فاعلا .
"من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الشورى"من كان يرد حرث الدنيا نؤته منها"فثواب تعنى حرث وقوله بسورة النحل"لنبئونهم فى الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر"فثواب الدنيا هو الحسنة وثواب الأخرة هو الأجر وقوله"وكان الله سميعا بصيرا"يفسره قوله بسورة الحجرات"إن الله عليم خبير"فالسميع البصير هو العليم الخبير والمعنى من كان يحب متاع الأولى نعطه منها فلدى الله نصر الأولى والقيامة وكان الله عليما خبيرا ،يبين الله للناس أنه من يريد ثواب الدنيا والمراد إنه من يحب متاع الحياة الأولى يعطه منه عليه أن يعلم أن الله عنده والمراد لديه بأمره ثواب الدنيا والأخرة وهو نصر الدنيا وهى حكمها بحكم الله ونصر القيامة وهو الجنة ويبين لهم أنه سميع بصير أى عليم خبير بكل شىء وسيحاسب عليه.
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين وإن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وأن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" يفسر قوله"فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا" قوله تعالى بسورة البقرة"ولا تتبعوا خطوات الشيطان"فالهوى هو خطوات الشيطان وقوله"فإن الله كان بما تعملون خبيرا"يفسره قوله بسورة النساء"وكان الله بما يعملون محيطا"فخبيرا تعنى محيطا والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله كونوا شاهدين بالعدل حاكمين لله ولو على ذواتكم أو الأبوين والأقارب وإن يكن مستكفيا أو محتاجا فالله أحق بهما فلا تطيعوا الظلم كى لا تنحرفوا وإن ترفضوا أى تكذبوا فإن الله كان بما تفعلون عليما،يطالب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله أن يكونوا قوامين بالقسط والمراد أن يكونوا حاكمين بالعدل شهداء لله أى مقرين معترفين لله حتى لو كان الإقرار على أنفسهم أو على الوالدين وهم الأبوين أو على الأقربين وهم الأقارب وهذا يعنى أن القاضى أو الشاهد يجب عليه أن يحكم أو يشهد على نفسه أو على والديه أو على أقاربه بالحق فليس فى الإسلام ما يسمى التنحى عن الحكم أو الشهادة فى أى قضية حتى ولو كان المتهم هو القاضى نفسه أو الشاهد أو والديه أو أقاربه ،ويبين لهم أن المتهم لو كان غنيا أى مستكفى غير محتاج أو فقيرا أى محتاجا فالله أولى بهما والمراد فالله أحق بشهادة العدل فيهما وهذا يعنى أن الغنى والفقر لا يؤثران على الحكم أو الشهادة ،ويطلب الله منهم ألا يتبعوا الهوى والمراد ألا يطيعوا حكم الكفر فى أنفسهم حتى يعدلوا أى كى يقسطوا فى الشهادة والحكم،ويبين لهم أنهم إن يلووا أى يعرضوا أى يعصوا العدل أى يرفضوا الحق ويأتوا الباطل فإن الله خبير بما يعملون والمراد فإن الله عليم بالذى يفعلون وسيحاسبهم عليه والخطاب وما بعده للمؤمنين
"يا أيها الذين أمنوا أمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالا بعيدا"يفسر قوله"امنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله" قوله تعالى بسورة محمد(ص)"وأمنوا بما نزل على محمد"فرسوله هو محمد(ص) وقوله "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضلالا بعيدا"يفسره قوله بسورة النساء" ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا "فضل ضلالا بعيدا تعنى خسر خسرانا مبينا والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله صدقوا بحكم الله ونبيه(ص)أى الوحى الذى أوحى إلى نبيه(ص) والوحى الذى أوحى من قبل ومن يكذب بالله وملائكته ووحيه ومبعوثيه ويوم القيامة فقد خسر خسرانا عظيما،يطلب الله من الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بحكم الله أن يؤمنوا بالله ورسوله أى أن يصدقوا بحكم الله وفسره بأنه الكتاب المنزل على رسوله(ص)والمراد الوحى الموحى به لمحمد(ص)والكتاب الذى أنزل من قبل والمراد والوحى الذى أوحى من قبل وجود محمد(ص)،ويبين لهم أن من يكفر أى يكذب بالله والمراد أن يكذب بوحدانية الله وملائكته وكتبه وهى وحيه المنزل على رسله ورسله(ص)هم الأنبياء(ص)واليوم الأخر وهو يوم البعث فقد ضل ضلالا بعيدا أى خسر خسرانا عظيما حيث يدخله الله النار.
"إن الذين أمنوا ثم كفروا ثم أمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا يهديهم سبيلا" يفسر قوله"لم يكن الله ليغفر لهم " قوله تعالى بسورة آل عمران"لن تقبل توبتهم "فعدم غفران الله لهم هو عدم قبول توبتهم وقوله"لم يكن الله ليغفر لهم أو يهديهم سبيلا "يفسره قوله بسورة النساء"لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم "فالسبيل هو طريق جهنم و المعنى إن الذين صدقوا ثم كذبوا ثم صدقوا ثم كذبوا ثم داوموا كذبا لم يكن الله ليعفوا عنهم أى لا يرشدهم طريق الجنة ،يبين الله أن الذين أمنوا أى صدقوا الوحى ثم كفروا أى كذبوا به ثم أمنوا أى صدقوا ثم كفروا أى كذبوا مرة أخرى ثم ازدادوا كفرا والمراد ثم استمروا فى تكذيبهم لم يكن الله ليغفر لهم أى لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم وفسره بأنه لن يهديهم السبيل والمراد لن يدخلهم الجنة والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا"يفسر قوله"بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما" قوله تعالى بسورة الليل"فأنذرتكم نارا تلظى"فبشر تعنى أنذر والعذاب الأليم هو النار وقوله "فإن العزة لله جميعا "يفسره قوله بسورة البقرة"إن القوة لله جميعا"فالعزة هى القوة والمعنى وأخبر المذبذبين بين الإسلام والكفر بأن لهم عقابا شديدا الذين يجعلون المكذبين بحكم الله أنصار من سوى المصدقين بحكم الله أيريدون منهم القوة؟فإن القوة لله كلها ،يطلب الله من نبيه(ص) أن يبشر المنافقين والمراد أن يخبر المذبذبين بين الإسلام والكفر بأن لهم عذابا أليما والمراد لهم عقابا مهينا والمنافقين هم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين والمراد الذين يجعلون المكذبين لوحى الله أنصار لهم من سوى المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله والسبب أنهم يبتغون عندهم العزة والمراد أنهم يريدون منهم القوة التى تسلطهم على الخلق ويبين الله لهم أن ليس عند الكفار قوة لأن العزة وهى القوة كلها لله يعطيها لمن يريد من عباده .
"وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين فى جهنم جميعا "يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الأنعام"وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره"فسماع الكفر بآيات الله هو الخوض فى الآيات وعدم القعود معهم يعنى الإعراض عنهم والمعنى وقد أوحى لكم فى الوحى أن إذا علمتم أحكام الله يكذب بها أى يسخر منها فلا تجلسوا معهم حتى يتحدثوا فى أمر غيره إنكم إذا إخوانهم إن الله حاشر المذبذبين بين الإسلام والكفر والمكذبين بحكم الله فى النار كلهم،يبين الله للمؤمنين أنه نزل عليهم فى الكتاب والمراد قد أوحى لهم فى الوحى الحكم التالى :أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها والمراد أن إذا عرفتم أحكام الله يكذب به وفسر هذا بأنها يستهزىء بها أى يسخر منها فلا تقعدوا معهم والمراد فلا تجلسوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره والمراد حتى يتحدثوا فى موضوع أخر غير تكذيب أحكام الله وهذا يعنى حرمة القعود مع الكفار إذا كذبوا حكم من أحكام الله ويبين لهم أنهم إن قعدوا معهم أثناء التكذيب فهم مثلهم أى شبههم والمراد إخوان لهم فى الكفر ويبين لهم أنه جامع المنافقين والكافرين فى جهنم جميعا والمراد مدخل المذبذبين والمكذبين فى النار كلهم والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينهم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"يفسر قوله"فإن كان لكم فتح من الله" قوله تعالى بسورة النساء"ولئن أصابكم فضل من الله"فالفتح هو الفضل والمعنى الذين ينتظرون بكم فإن كان لكم نصر من الله قالوا ألم نصبح ناصريكم وإن كان للمكذبين غنيمة قالوا ألم نحميكم أى نبعد عنكم أذى المصدقين فالله يفصل بينكم يوم البعث ولن يعطى الله للمكذبين على المصدقين فضلا،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين هم الذين يتربصون بهم والمراد الذين يترقبون ما يحدث لهم فإن كان لهم فتح أى نصر من عند الله فإنهم يقولون لهم:ألم نكن معكم ؟والمراد ألم نكن ناصرين لكم؟والغرض من القول هو أن يعطيهم المسلمين بعض الغنائم لمناصرتهم إياهم كما زعموا وإذا كان للكافرين وهم المكذبين بحكم الله نصيب أى حظ من الغنائم قالوا لهم ألم نستحوذ عليكم وفسروه بقولهم نمنعكم من المؤمنين والمراد ألم نحميكم أى نبعد عنكم أذى المؤمنين؟ والغرض من القول هو أن يأخذوا بعض الغنائم من الكفار بزعم أنهم أنصارهم الذين ساعدوهم على النصر وهذا يعنى أنهم يلعبون على الجانبين فالهدف هو جمع المتاع من أى جانب دون عمل حقيقى ويبين الله لنا أنه يحكم بينهم يوم القيامة والمراد يفصل بين الناس فى يوم البعث وهو لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا والمراد لن يعطى المكذبين فضلا على المصدقين أى لن يجعلهم فوقهم يوم القيامة .
"إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النساء"فلا يؤمنون إلا قليلا"فيذكرون تعنى يؤمنون والمعنى إن المذبذبين ين الإسلام والكفر يخونون الله وهو ماكر بهم وإذا سعوا إلى الطاعة سعوا خاملين يداهنون المسلمين ولا يطيعون الله إلا قليلا،يبين الله لنبيه(ص)أن المنافقين وهم المذبذبين بين الكفر والإسلام يخادعون الله والمراد يظنون أنهم يمكرون أى يلحقون الأذى بدين الله ولكن الحادث هو أن الله خادعهم أى ملحق بهم الأذى هم وحدهم ،ويبين له أنهم إذا قاموا للصلاة والمراد إذا سعوا إلى طاعة حكم الله قاموا كسالى والمراد سعوا خاملين أى مكذبين للحكم والسبب فى طاعتهم أنهم يراءون الناس أى يرضون المسلمين فقط وهم لا يذكرون الله إلا قليلا والمراد لا يطيعون حكم الله إلا مرات قليلة العدد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة المجادلة"ما هم منكم ولا منهم"فهؤلاء تعنى منكم وتعنى منهم وقوله "ومن يضلل فلن تجد له سبيلا"يفسره قوله بسورة الرعد"ومن يضلل الله فما له من هاد"فالسبيل هو الهادى والمعنى متحركين بين ذلك لا إلى المسلمين ينتمون ولا إلى الكفار ينتمون ومن يبعد الله عن دينه فلن تلق له منقذا من العذاب،يبين الله لنبيه(ص)أن المنافقين مذبذبين أى مترددين بين المسلمين والكفار فهم لا ينتمون إلى هؤلاء المسلمين ولا ينتمون إلى هؤلاء الكافرين وهذا يعنى أن المنافقين جماعة تعمل بمفردها لصالحها حسب رأيها ،ويبين له أن من يضلل الله فلن يجد له سبيلا والمراد من يبعد الله عن الحق لن يلق له المسلم منجيا من عذاب الله.
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا"يفسر قوله"لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين" قوله بسورة الممتحنة"لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء"فالكافرين هم العدو والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله لا تجعلوا المكذبين لحكم الله أنصار لكم من سوى المصدقين الأخرين أتحبون أن توجبوا لله عليكم عقابا شديدا؟ يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله ألا يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين والمراد ألا يجعلوا المكذبين لله أنصار لهم من سوى المصدقين الآخرين يستعينون بهم ويسألهم الله:أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا والمراد هل تحبون أن تفرضوا لله عليكم عذابا أليما؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن تولى الكفار من دون المسلمين الآخرين عمل يوجب لهم من الله إدخالهم النار والخطاب للمؤمنين.
"إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا"المعنى إن المذبذبين بين الكفر والإسلام فى المكان الأسوأ من جهنم ولن تلق لهم منقذا منها،يبين الله لنبيه(ص)أن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار والمراد فى المقام الأشد عذابا فى جهنم وهو أكبر درجات النار وليس لهم هناك نصيرا أى منجيا من العذاب والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما"المعنى المنافقين فى النار إلا الذين أنابوا لدين الله أى أحسنوا إسلامهم أى احتموا بطاعة حكم الله أى أسلموا أنفسهم لطاعة حكم الله فأولئك من المصدقين وسوف يدخل الله المصدقين بحكمه جنة كبرى ،يبين الله لنبيه(ص) أن المنافقين فى النار إلا الذين تابوا أى عادوا لطاعة حكم الله وفسرهم بأنهم الذين أصلحوا أى أحسنوا العمل طاعة لحكم الله وفسرهم بأنهم الذين اعتصموا بالله والمراد الذين احتموا بطاعة حكم الله من عذابه وفسرهم بأنهم أخلصوا أنفسهم لله والمراد أسلموا أنفسهم لطاعة حكم الله فهم مع المؤمنين والمراد يدخلون الجنة مع المسلمين ،ويبين له أنه سوف يؤت المؤمنين أجرا عظيما والمراد سوف يسكن المصدقين بحكمه جنة كبرى.
"ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم وكان الله شاكرا عليما"المعنى ما يصنع الله بعقابكم إن أطعتم حكمه وصدقتم به وكان الله حميدا خبيرا،يسأل الله الناس:ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم والمراد ماذا يستفيد الله من عقابكم إن اتبعتم حكمه وصدقتم به؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن الله لا يعذب من شكره فى الآخرة أى أطاع حكمه وأمن أى صدق بحكمه وإنما يثيبه بالجنة وهو شاكر أى حامد أى مثيب أى راحم للمطيع المصدق بحكمه عليم أى خبير بكل شىء ويحاسب عليه والخطاب للناس.
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة الأنعام"وإذا قلتم فاعدلوا"فالقول لابد أن يكون عادلا أى حسب ما قاله الله والعدل هنا قول السوء للظالم وقوله "وكان الله سميعا عليما "يفسره قوله بسورة لقمان"إن الله عليم خبير"فالسميع تعنى الخبير والمعنى لا يبيح الله الإعلان بالقبيح من الكلام إلا من نقص حقه وكان الله خبيرا عارفا بكل شىء،يبين الله للمؤمنين أن الجهر بالسوء من القول والمراد أن إظهار القبيح من الكلام وهو الذم غير محبوب من الله أى محرم إلا فى حالة من ظلم أى من جار الأخر على حقه ومن ثم لا عقاب على الذام المظلوم مهما قال من شتائم يعاقب عليها بحكم الشتم أى الذم ويبين لهم أنه سميع عليم أى محيط خبير بكل أمر ويحاسب عليه والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا"المعنى إن تظهروا صالحا أو تكتموه أى تبعدوا عن باطل فإن الله كان رحيما فاعلا،يبين الله للمؤمنين أنهم إن يبدوا خيرا أو يخفوه والمراد إن يعلنوا صالحا من العمل أو يكتموه عن الغير وفسر هذا بأنهم يعفون عن سوء أى يبعدون عن كفر ومن ثم يعملون الحق فالله عفو أى رحيم أى نافع لهم وهو قدير أى فاعل لما يريد من الرحمة هنا .
"إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة المجادلة "أعد الله لهم عذابا شديدا"فمهينا تعنى شديدا والمعنى إن الذين يكذبون بكتاب الله ومبعوثيه ويحبون أن يميزوا بين الله ومبعوثيه ويقولون نصدق ببعض ونكذب ببعض ويحبون أن يجعلوا بين ذلك دينا أولئك هم المكذبون بحكمى صدقا وجهزنا للمكذبين عقابا أليما،يبين الله لنا أن الذين يكفرون بالله ورسله والمراد الذين يكذبون بكتاب الله مصداق لقوله تعالى بسورة غافر"الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا"وأنبياء الله(ص) ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله والمراد ويحبون أن يميزوا بين الله ورسله(ص)ويقولون نؤمن ببعض أى أن نصدق بوجود الله ونكفر ببعض أى ونكذب برسله وهذا يعنى أنهم يريدون الإعتراف بوجود الله ولكنهم لا يريدون الإعتراف بالرسل لأنهم أتوا بحكم الله الذى يكذبونه وهذا يسمح لهم بعمل ما يروق لهم بدعوى أنهم مصدقون بالله ولكنه تكذيب بالله لأن من يصدق بالله يصدق برسله(ص)وهم بقولهم هذا يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا والمراد يحبون أن يشرعوا بين الإيمان بوجود الله وتكذيب كتبه المنزلة على رسله(ص)دينا يسيرون عليه ويبين لنا أن هؤلاء هم الكافرون حقا أى المكذبون صدقا بالجميع أو بالبعض ويبين لنا أنه أعتد للكافرين عذابا مهينا والمراد أنه جهز للمكذبين بالكل وبالبعض عقابا شديدا والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"والذين أمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة آل عمران"وأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم "فيؤتيهم تعنى يوفيهم والمعنى والذين صدقوا بحكم الله وأنبيائه ولم يميزوا بين أحد منهم سوف يعطيهم ثوابهم وكان الله عفوا نافعا،يبين الله لنا أن الذين أمنوا بالله ورسله والمراد الذين صدقوا بوجود الله وحكمه المنزل على مبعوثيه ولم يفرقوا بين أحد منهم والمراد ولم يميزوا بين الله ورسله(ص)فى التصديق فصدقوا بالكل أولئك سوف يؤتيهم أجورهم والمراد سوف يدخلهم الجنات وكان الله غفور رحيما أى نافعا مفيدا لهم بالجنات.
"يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وأتينا موسى سلطانا مبينا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة هود"ولقد أتينا موسى الكتاب"فالسلطان هو الكتاب والمعنى يطالبك أصحاب الوحى السابق أن تسقط عليهم قرطاسا من السحاب فقد طالبوا موسى بأعظم من هذا فقالوا أشهدنا الله عيانا فأهلكتهم الرجفة بكفرهم ثم عبدوا العجل من بعد ما أتتهم البراهين وغفرنا لهم ذلك وأوحينا لموسى حكما عظيما،يبين الله لنبيه(ص)أن أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق يسألونه أى يطالبونه بالتالى: أن ينزل عليهم كتابا من السماء والمراد أن يسقط عليهم قرطاسا أى ورقا من السحاب مكتوب فيه وحى من الله برسوليته ويبين له أنهم إن كانوا طلبوا هذه المعجزة منه فقد سألوا أى طلبوا من موسى (ص) أكبر من ذلك أى طلبا أعظم من ذلك حيث قالوا أرنا الله جهرة والمراد أشهدنا الله عيانا فهم طلبوا رؤية الله بالعين المجردة فكانت النتيجة هى أن أخذتهم الصاعقة بظلمهم والمراد أن أماتتهم الزلزلة بسبب كفرهم وإخبار الله لنبيه(ص)بهذا يعنى أنهم لن يؤمنوا وإنما هم يلاعبونه لإجهاده وصرفه عن عمل ما فيه صالح المسلمين ،ويبين له أنهم اتخذوا العجل والمراد عبدوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات أى من بعد ما أتتهم البراهين على خطأ عملهم فعفا الله عنهم والمراد فغفر الله لهم ذلك ،ويبين له أنه أتى موسى(ص)سلطانا مبينا والمراد أوحى لموسى(ص) حكما عظيما والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده .
"ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا فى السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا"يفسر قوله"ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم" قوله تعالى بسورة الأعراف"وإذ نتقنا الجبل فوقهم"فالطور هو الجبل ورفعنا تعنى نتقنا وقوله"وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا"يفسره قوله بسورة الأعراف"وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية"فالباب هو القرية وادخلوا تعنى اسكنوا والمعنى وحملنا عليهم الجبل بعهدهم وقلنا لهم اسكنوا البلد طائعين وقلنا لهم لا تعملوا فى السبت وفرضنا عليهم عهدا عظيما،يبين الله لرسوله(ص) أنه رفع الطور فوق القوم والمراد وضع جبل الطور على رءوس بنى إسرائيل بميثاقهم أى لأخذ العهد بعبادة الله عليهم فعصوا الميثاق،وقال لهم :ادخلوا الباب سجدا والمراد اسكنوا الأرض المقدسة طائعين لأمر الله بالجهاد فعصوا الأمر،وقال لهم :لا تعدوا فى السبت أى لا تعملوا فى يوم السبت فعملوا فيه،وأخذ عليهم ميثاقا غليظا والمراد وفرض الله عليهم عهدا عظيما فعصوه .
"فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا"المعنى فبالذى نكثوا عهدهم أى تكذيبهم بأحكام الله وذبحهم الرسل دون جرم ارتكبوه وقولهم نفوسنا محجوبة عن العهد لهم النار،لقد ختم الله على نفوسهم بتكذيبهم فلا يصدقون إلا قليلا ،يبين الله لرسوله(ص)أن القوم لهم النار لنقضهم ميثاقهم أى مخالفتهم عهد الله معهم وفسره بأنهم كفروا بآيات الله والمراد كذبوا بأحكام الله فالعهد هو أحكام الله ومن تكذيبهم قتلهم الأنبياء بغير حق والمراد ذبحهم الرسل(ص)دون جريمة ارتكبوها تبيح ذبحهم وقولهم قلوبنا غلف والمراد نفوسنا ممنوعة عن طاعة العهد،ويبين الله أنه طبع على قلوبهم أى ختم على نفوسهم والمراد جعل بينهم وبين الإسلام حاجزا هو حب الكفر ومن ثم لا يؤمنون إلا قليلا والمراد فلا يصدقون إلا نادرا.
"وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما "المعنى وبتكذيبهم ومنه نسبتهم لمريم(ص)افتراء كبيرا وقولهم إنا ذبحنا المسيح عيسى ابن مريم(ص)مبعوث الله وما ذبحوه وما علقوه ولكن مثل لهم وإن الذين تنازعوا فى أمره فى ريب منه ما لهم به من معرفة سوى طاعة الهوى وما ذبحوه حقا لقد أخذه الله عنده وكان الله قويا قاضيا،يبين الله لنبيه(ص)أنه جهز النار لبنى إسرائيل الكفار بسبب هو كفرهم أى تكذيبهم للحق ومنه قولهم على مريم (ص) بهتانا عظيما والمراد حديثهم عن مريم(ص)زورا كبيرا وهو اتهامها بالزنى فى قولهم بسورة مريم"لقد جئت شيئا فريا"ومن كفرهم قولهم :إنا قتلنا أى ذبحنا المسيح عيسى ابن مريم(ص)رسول أى مبعوث الله وهذا القول تحدى منهم لله بإعترافهم أنه رسول الله،ويبين له أنهم ما قتلوه وما صلبوه والمراد ما ذبحوه وما علقوه بعد القتل على الصليب والحقيقة هى أنه شبه لهم أى مثل لهم والمراد اختلط عليهم أمره حيث قتلوا وعلقوا شبيه له فى الجسم ،ويبين له أن الذين اختلفوا فيه وهم الذين كذبوا برسالته فى شك منه أى فى ارتياب من عملهم هل قتلوا عيسى (ص)أم لا وهذا يعنى أن المقتول لم يكن عيسى(ص)وإنما شخص شبيه به وهم ليس لهم به من علم إلا اتباع الظن والمراد ليس لهم بأمر عيسى(ص)من معرفة سوى طاعة الهوى الضال ويكرر الله له أنهم ما قتلوه يقينا والمراد ما ذبحوه حقيقة وإنما رفعه إليه والمرد توفاه الله فأخذه فى الجنة ويبين له أنه عزيز أى قوى ينتقم من الكفار حكيم أى قاضى يقضى بالحق.
"وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا"المعنى وإن من أصحاب الوحى إلا ليصدقون به قبل وفاته ويوم البعث يصبح عليهم معترفا ،يبين الله لنبيه(ص)أن من أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى من اليهود من يؤمنون أى يصدقون برسولية عيسى(ص)قبل موته أى وفاته وهم النصارى أى الحواريين ويوم القيامة وهو يوم البعث يكون عليهم شهيدا والمراد يصبح لهم مقرا بإيمانهم به.
"فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما"المعنى فبكفر من الذين هادوا منعنا عليهم نافعات أبيحت لهم وبردهم عن دين الله كثيرا وأكلهم الزيادة وقد زجروا عنها وأخذهم أملاك البشر بالزور وجهزنا للمكذبين منهم عقابا مهينا،يبين الله لنبيه(ص)أن بسبب ظلم أى كفر الذين هادوا ومنه صدهم عن سبيل الله كثيرا والمراد وردهم الناس عن دين الله دوما ومن كفرهم أخذهم الربا أى واستباحتهم أخذ الزيادة على الدين وقد نهوا عنه أى وقد زجروا عن أخذه ومن كفرهم أكلهم أموال الناس بالباطل والمراد أخذهم أملاك البشر بالزور حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم والمراد منعنا عليهم نافعات أبيحت لهم وهى المذكورة فى قوله بسورة الأنعام"وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم "ويبين له أنه أعد للكافرين منهم عذابا أليما والمراد جهز للمكذبين من اليهود عقابا شديدا .
"لكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الأخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما"يفسر الجزء الأول قوله تعالى بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم"فمنهم تعنى أهل الكتاب والإيمان بالله هو الإيمان بالمنزل كله وقوله "سنؤتيهم أجرا عظيما "يفسره قوله بسورة النساء"سندخلهم جنات"فسنؤتيهم تعنى سندخلهم وأجرا تعنى جنات والمعنى لكن الثابتون فى المعرفة من أهل الكتاب والمصدقون يصدقون بالذى أوحى إليك وبالذى أوحى من قبلك والمطيعين للدين أى المتبعين للحكم والمصدقون بحكم الله ويوم البعث أولئك سندخلهم جنات كبرى،يبين الله لنبيه(ص)أن الراسخون فى العلم وهم الثابتون على طاعة وحى الله من أهل الكتاب والمؤمنون أى والمصدقون وهم المسلمون يؤمنون أى يصدقون بالتالى ما أنزل أى الذى أوحى لك يا محمد(ص)وما أنزل أى والذى أوحى من قبل وجودك وفسرهم الله بأنهم المقيمين الصلاة وهم المتبعين لحكم الدين وفسرهم بأنهم المؤتون الزكاة وهم المطيعين للدين المطهر لهم من الذنوب وفسرهم بأنهم المؤمنون وهم المصدقون بالله والمراد حكم الله واليوم الأخر وهو يوم البعث والله سيؤتيهم أجرا عظيما والمراد سيدخلهم جنات كبيرة والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده .
"إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داود زبورا"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النمل"ولقد أتينا داود وسليمان علما"فزبورا تعنى علما والمعنى إنا ألقينا لك حكما كما ألقينا حكما إلى نوح والرسل من بعد وفاته وألقينا حكما إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأولاد وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان عليهم الصلاة والسلام وألقينا لداود (ص) حكما ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أوحى له والمراد ألقى له حكما مثل ما أوحى أى ما ألقى حكما لنوح والنبيين وهم الرسل(ص)من بعد وفاته وأوحى أى ألقى حكما إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وهم أولاد يعقوب وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان عليهم الصلاة والسلام وأتى أى ألقى لداود(ص)زبورا أى حكما والمراد كتاب يحكم به بين الناس .
"ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما"المعنى وأنبياء قد حكينا لك عنهم من قبل وأنبياء لم نحكى لك عنهم وأوحى الله لموسى وحيا،يبين الله لنبيه(ص)أنه أوحى حكما للرسل أى للأنبياء الذين منهم من قص عليه والمراد حكى له عنهم ومنهم من لم يقص أى لم يحكى له عنهم ،ويبين له أنه كلم موسى تكليما والمراد وأوحى الله لموسى(ص)وحيا هو التوراة مصداق لقوله تعالى بسورة طه"فاستمع لما يوحى".
"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما"المعنى أنبياء مفرحين ومخوفين لئلا يصبح للخلق على الله برهان بعد الأنبياء وكان الله قويا قاضيا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أرسل الرسل وهم الأنبياء(ص)لجميع الأقوام مبشرين أى مخبرين أى منذرين أى مبلغين للوحى وهو حكم الله والسبب فى إبلاغهم حكم الله هو ألا يكون للناس حجة على الله والمراد ألا يصبح للخلق برهان عند الله ينقذهم من العذاب بعد إبلاغ الرسل(ص)حكم الله لهم ويبين له أنه عزيز أى قوى ينصر من يطيعه حكيم أى قاضى يحكم بالعدل والخطاب للنبى(ص)وهو محذوف أوله معناه وقد أرسلنا وما بعده خطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا "المعنى لكن الله يقر بما أوحى لك أوحاه بحكمه والملائكة يقرون وحسبنا الله مقرا،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس إذا كانوا يكذبون بالوحى فإن الله يشهد بما أنزل والمراد يقر بالذى أوحى لك أنزله بعلمه والمراد أوحاه بحكمه وهذا يعنى أن الله يعترف أن القرآن مصدره هو الله والملائكة يشهدون أى يقرون بأن القرآن من عند الله ،ويبين له أنه كفاه أى حسبه الله شهيدا أى مقرا بأن القرآن من عنده .
"إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا"يفسر الجزء الأخير قوله بنفس السورة"فقد خسر خسرانا مبينا"فضل تعنى خسر وضلالا بعيدا تعنى خسرانا بعيدا والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله أى وردوا عن دين الله قد خسروا خسرانا عظيما،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا وهم الذين عصوا حكم الله وهم الذين صدوا عن سبيل الله أى ردوا عن دين الله بشتى الوسائل قد ضلوا ضلالا بعيدا والمراد قد خسروا خسرانا كبيرا حيث يدخلهم الله النار.
"إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا"المعنى إن الذين كذبوا حكم الله أى عصوه لم يكن الله ليتوب عليهم أى لا يرشدهم سبيلا إلا سبيل النار باقين فيها دوما وكان ذلك على الله هينا،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا وفسرهم بأنهم الذين ظلموا مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"والكافرون هم الظالمون"والمراد إن الذين كذبوا الوحى أى عصوا الوحى لم يكن الله ليغفر لهم أى لم يكن ليتوب عليهم وفى هذا قال بسورة آل عمران"لن تقبل توبتهم"والمراد أن الله لن يترك عقاب ذنوبهم وفسر هذا فى الآية بأنه لا يهديهم طريقا إلا طريق جهنم والمراد لا يسيرهم فى درب إلا الدرب المؤدى للنار فى الأخرة وهم خالدين أى ماكثين فيها أبدا أى دائما كما بقوله بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"ويبين له أن ذلك كان على الله يسيرا أى هين .
"يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فأمنوا خير لكم وإن تكفروا فإن لله ما فى السموات والأرض وكان الله عليما حكيما"المعنى يا أيها الخلق قد أتاكم النبى بالعدل من إلهكم فصدقوا أفضل لكم وإن تكذبوا فإن لله ملك الذى فى السموات والأرض وكان الله خبيرا قاضيا،يخاطب الله الناس وهم الإنس والجن فيقول:قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم والمراد قد أتاكم محمد(ص)بالحكم العادل من عند إلهكم فأمنوا خيرا لكم والمراد فصدقوا به أنفع لكم فى الدنيا والقيامة وإن تكفروا أى وإن تكذبوا به فإن لله ملك الذى فى السموات والأرض والمراد أن الله غنى عن تصديقهم فهو لا يستفيد منه شيئا وإنما هم الذين يستفيدون وهو عليم أى خبير بكل شىء ويحاسب عليه وهو حكيم أى قاضى يحكم بالعدل فلا يظلم أحدا والخطاب للمؤمنين .
"يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم فأمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا"المعنى يا أصحاب الوحى لا تنسبوا إلىً حكمكم أى لا تنسبوا إلى الله إلا العدل ،إنما المسيح ولد مريم(ص)مبعوث الله ورحمة أعطاها لمريم(ص)فصدقوا بحكم الله ومبعوثيه ولا تقولوا :ثلاثة آلهة امتنعوا أفضل لكم ،إنما الله رب واحد الطاعة له كيف يصبح له ابن وله ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض وحسبنا الله ناصرا،يخاطب الله أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق فيقول:لا تغلوا فى دينكم والمراد لا تنسبوا إلى وحيكم سوى الحق وفسره بقوله لا تقولوا على الله إلا الحق والمراد لا تنسبوا إلى الله سوى العدل وهو أن المسيح ابن مريم والكلمة هنا هى للتأكيد على أنه ولد مريم(ص) وحدها وهو رسول أى مبعوث الله لبنى إسرائيل وكلمة ألقاها لمريم والمراد ورحمة أعطاها الله لمريم(ص)مصداق لقوله بسورة مريم"ورحمة منا "ويقول لهم:لا تقولوا ثلاثة والمراد ثلاثة آلهة هم الله والمسيح(ص)ومريم (ص) وأحيانا بدلا من مريم(ص) الروح القدس وأحيانا بدلا من الله مريم(ص)ويقول لهم انتهوا أى امتنعوا عن تصديق هذا القول وقوله فهو خير لكم أى أفضل ثواب لكم ،ويقول:إنما الله إله واحد أى رب واحد لا ثانى له سبحانه أى الطاعة لحكمه أن يكون له ولد والمراد كيف يصبح له ابن وله ما أى الذى فى السموات وما أى الذى فى الأرض؟ والغرض من القول هو إخبارهم استحالة وجود ولد لله لعدم حاجته له لأنه يملك كل شىء،ويبين لهم أنه كفى به وكيلا أى ناصرا أى وليا للمؤمنين والخطاب وما بعده لأهل الكتاب.
"لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون من دون الله وليا ولا نصيرا"المعنى لن يرفض المسيح(ص)أن يصبح مطيعا لله ولا الملائكة المعظمون ومن يستكبر عن طاعته أى يرفض اتباعه فسيبعثهم عنده كلهم فأما الذين صدقوا حكمه وفعلوا الحسنات فيدخلهم جناتهم أى يعطيهم من رزقه وأما الذين رفضوا طاعته أى أبوا اتباعه فيعاقبهم عقابا شديدا ولا يلقون لهم من سوى الله منقذا أى منجيا،يبين الله لأهل الكتاب أن المسيح(ص)لن يستنكف أى يستكبر أى يرفض أن يكون أى يصبح عبدا أى مطيعا لحكم الله والملائكة المقربون وهم المعظمون لا يرفضون أن يكونوا عبيدا لله،ويبين لهم أن من يستنكف عن عبادته وفسره بأن من يستكبر أى أن من يعرض عن طاعة حكم الله فسيحشرهم إليه جميعا والمراد سيبعثهم عنده فى أرض الآخرة فأما الذين أمنوا أى صدقوا حكمه وعملوا الصالحات أى وفعلوا الطاعات له فيوفيهم أجورهم والمراد يسكنهم جناتهم التى أخبرهم بها وفسر هذا بأنه يزيدهم من فضله والمراد يعطيهم من رزقه وهو رحمته وأما الذين استنكفوا أى استكبروا أى عصوا حكم الله فيعذبهم عذابا أليما والمراد يعاقبهم عقابا عظيما حيث يدخلهم النار فلا يجدون لهم وليا أى نصيرا والمراد لا يلقون فى الآخرة منقذا لهم أى منجيا من النار.
"يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا"يفسر قوله "قد جاءكم برهان من ربكم" قوله تعالى بسورة الأنعام"قد جاءكم بينة من ربكم"فالبرهان هو البينة وقوله "وأنزلنا إليكم نورا مبينا "يفسره قوله بسورة الأنبياء"لقد أنزلنا إليكم كتابا"فنورا تعنى كتابا والمعنى يا أيها الخلق قد أتاكم حكم من إلهكم أى أوحينا لكم كتابا عظيما،يبين الله للناس وهم الإنس والجن أنهم قد جاءهم برهان من ربهم وفسره بأنه أنزل لهم نور مبين والمراد قد أوحى لهم وحى من خالقهم أى أوحى لهم كتاب عظيم يجب طاعته والخطاب للناس وما بعده .
"فأما الذين أمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم فى رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما" يفسر قوله "واعتصموا به" قوله تعالى بسورة آل عمران"واعتصموا بحبل الله"فبه يعنى حبل الله وهو دينه وقوله "فسيدخلهم فى رحمة منه وفضل"يفسره قوله بسورة النساء"سندخلهم جنات"فرحمة أى فضل الله هى الجنات والمعنى فأما الذين صدقوا حكم الله واحتموا بطاعة حكم الله فسيسكنهم فى جنات لديه أى نعيم أى يثيبهم ثوابا سليما،يبين الله للناس أن الذين أمنوا وهم الذين صدقوا وحى الله واعتصموا به والمراد واحتموا بطاعة وحى الله من عذابه سيدخلهم فى رحمة منه أى فضل والمراد سيسكنهم جنات عنده أى نعيم مقيم لديه وفسر هذا بأنه يهديهم إليه صراطا مستقيما والمراد يرحمهم منه رحمة عادلة.
"يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم"المعنى يسألونك يا محمد(ص)قل الله يجيبكم فى العقيم إن إنسان مات ليس له عيال وله أخت فلها نصف الذى فات من المال وهو يأخذ مالها كله إن لم يكن لها عيال فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان من الذى فات من المال وإن كانوا جماعة ذكورا وإناثا فللولد قدر نصيب البنتين يفصل الله لكم كى لا تكفروا والله بكل أمر خبير ،يبين الله للنبى(ص)أن المسلمين يستفتونه أى يسألونه عن الكلالة ويطلب منه أن يقول لهم:الله يفتيكم أى يجيبكم عن سؤالكم عن ميراث الكلالة وهو إن امرؤ هلك ليس له ولد والمراد إن مسلم توفى وليس عنده عيال بنين أو بنات ولا أبوين وله أخت واحدة فلها نصف ما ترك والمراد فلها نصف الذى فات الميت من المال وأما إذا كانت الأخت هى الميتة فالأخ يرث أى يملك مالها كله إن لم يكن لها ولد أى عيال وأما إذا كانتا اثنتين فلهما الثلثان كل واحدة ثلث ما ترك أى من الذى فات الميت وأما إن كانوا إخوة رجالا ونساء أى إن كانوا جماعة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين والمراد للولد قدر نصيب البنتين ،ويبين الله لنا أن نضل والمراد ويفصل الله لنا الأحكام كى لا ننحرف عن الحق وهو بكل شىء عليم والمراد وهو بكل أمر خبير ويحاسب عليه والخطاب للنبى (ص)ومنه للمؤمنين