الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

نظرات فى كتاب الآداب الشرعية في المعاشرة الزوجية

نظرات فى كتاب الآداب الشرعية في المعاشرة الزوجية
الكتاب تأليف عمرو عبد المنعم سليم من أهل العصر وموضوعه العلاقة الزوجية وفى هذا قال فى المقدمة:
"فقد اهتم الإسلام الحنيف بتنظيم العلاقة الزوجية بين الزوج والزوجة بما ينتظم به عقد الحياة الدنيا، وبما يعود بالنفع الكثير على الأفراد والأسرة والمجتمع وما نراه اليوم من تفكك المجتمعات فإنما هو ناجم عن تفكك الأسر، بسبب عدم اعتمادهم على شرائع سوية تنظم الحياة الزوجية والأسرية"
استهل عمرو سليم الكتاب بالوصية فى النساء فقال:
"الوصية بالنساء:
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى وعلمه أن يجعل القوامة للرجال على النساء، وذلك بما فضلهم به عليهن من النفقة وغيرها ولكن لم يجعل سبحانه وتعالى مثل هذه القوامة سبباً للاستهانة بحقوق النساء، أو لعضلهن إياها، كما كان الحال فى المجتمعات الجاهلية، بل حرص سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (ص) على حفظ هذه الحقوق، وتأديتها إليهن على الوجه الشرعي المسنون، مع إحسان العشرة إليهن قال تعالى : (( وعاشروهن بالمعروف ))ولا شك أن العشرة بالمعروف تشمل الإنفاق عليهن، وكسوتهن، والتأدب فى معاملتهن، ومداراتهن، وقضاء وطرهن، والدعاء لهن، وتعليمهن، وتأديبهن، والانتهاء عما نهى الله ورسوله تجاههن ولما كانت للوصية بالنساء مكانة كبيرة من التشريع، فقد اهتم الرسول (ص) بتوصية أصحابه بالنساء فقال: ((استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وان تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا)) وهذا الحديث يرشدنا إلى ثلاثة أمور رئيسية وهي:
الأمر الأول: أن الوصية بالنساء واجبة لأن قوله (ص) " استوصوا " أمر والأمر يقتضي الوجوب، ما لم ترد قرينة تصرفه عن ذلك
الأمر الثاني: بيان قصور النساء عن الرجال، واختلاف بعض طبائعهن عن طبائع الرجال
الأمر الثالث: جواز مداراة النساء، والاستمتاع بهن على عوجهن
ولا شك أن في هذا الحديث قاعدة أساسية في عاملة النساء، والوصية بهن، عند الصحابة ومن تبعهم من الرجال في كل عصر، وما دام هذا الدين قائما"

لاشك أن الله أوصى الرجال بالنساء والعكس ولكن هذه الرواية المستشهد بها تخالف القرآن فى التالى :
-خلق الأنثى من ضلع أعوج وهو ما يخالف أن الأنثى الأولى خلقت من نفس آدم (ص) كما قال تعالى:
" اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها"
-أن الرجال والنساء يخلقون من المنى كما قال تعالى "
ألم يك نطفة من منى يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى"
-المصيبة أن ضلوع الإنسان العظمية مقوسة أى معوجة من عدة جوانب وليس من أعلى الضلع فقط ومن أراد التأكد فلينظر إلى عظام أى ميت أو رسم مخطط القفص الصدرى
بعد هذا أشار الكاتب إلى حرمة ظلم المرأة فقال:
"تحريم ظلم الزوجة:
ثم اعلم- رحمك الله-:أن من أهم مظاهر التواصي بالنساء ومعاشرتهن بالمعروف عدم ظلمهن فى شيء من حقوقهن، سواء كانت مادية أو معنوية فلا يجوز للزوج بأي حال من الأحوال أن يغتصب مال زوجته أو ينفقه بغير إذنها أو بغير رضاها، كما لا يجوز له أن يجحدها شيئاً من حقوقها المتعلقة بحسن العشرة، أو الإطعام، أو الكسوة، أو السكن، أو التربية والنصح، أو قضاء الوطر، فإنه إن جحدها شيئاً من ذلك دخل في عموم قوله (ص)( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة))
وقوله (ص)- فيما يرويه عن رب العزة-(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) فهذا النص عام، ويدخل في عمومة تحريم أي نوع من الظلم، لا سيما ظلم الزوج للزوجة، فإنما أخذها واستحلها بعهد الله وميثاقه، فلا يجوز له بأي حال عضلها مالها من حقوق أو الاستهانة في أدائها إليها

القسط والعدل مع النساء والذي يجب على الرجل اتجاه زوجته أن يكون عادلاً معها، فلا يظلمها شيئاً من حقوقها، ولا يجحدها ما يجب لها، لقوله (ص): (( المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )) فانظر كيف أن النبي (ص) ذكر المقسطين عموما، ثم خص المقسطين مع أهليهم وما ولوا خصوصا، دلالة على أهمية ذلك في حق الأهل وهن تحت ولايته فعلى الرجل أن يقوم بمسئولياته اتجاه زوجته واتجاه أولاده على أكمل وجه، فلا يتهاون في القيام بهذه المسئوليات ولا يتقاعس عنها فقد قال النبي (ص)(ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته ))فابتدأ عليه السلام بالإشارة إلى مسئولية الرجل، لأنه الأصل، ثم ثنى بمسئولية المرأة لأنها تابعة للرجل، فمتى قام الرجل بما عليه من مسئوليات كان حافزاً لامرأته أن ترعى ما يجب عليها رعايته، ومتى تهاون أو تخلف عن أداء مسئولياته كان بمثله التهاون من المرأة في غالب الأحيان"
بالقطع كل الظلم محرم والأولوية فى الرعاية تكون بحسب الموقف وليس بحسب القرابة فمثلا من وجد أعمى فى الطريق يسير فى الطريق بلا مرشد فحق هذا الأعمى أولى من كل من فى الطريق ممن يرون حتى لو كان الأبوين أو الزوجة أو الأطفال ومثلا لو وجد عريان فحق العريان عليه أولى من أقاربه الذين ليسوا بعرايا بأن يغطيه بملابسه أو ملابس من بيته
ثم تكلم المؤلف على حق الزوجة على زوجها فقال:
"حق المرأة على زوجها:
لقد حفظ الإسلام للمرأة حقها بعد إذ كانت تباع وتشترى وتورث في المجتمعات الجاهلية، وقد وردت فى الشريعة الغراء عدة نصوص تبين هذه الحقوق، وتثبتها للمرأة، منها قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنففوا من أموالهم } وحديث معاوية بن حيدة قال:يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال(أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت،ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)) فدلتنا الآية الكريمة والحديث الشريف على بعض حقوق المرأة على زوجها، وهي:
أ- النفقة:
ويدخل في عمومها الإطعام والكسوة، لقوله (ص): ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت))ولا شك أن النفقة على الزوجة والولد مندوب إليها محثوث عليها فعن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) أمر بصدقة، فجاء رجل فقال: عندي دينار، فقال:"أنفقه على نفسك "قال: عندي آخر؟قال: "أنفقه على زوجك "قال: عندي آخر؟قال: ((أنفقه على ولدك))قال: عندي آخر؟قال: ((أنفقه على خادمك))قال: عندي آخر؟قال( أنت أبصر ))وعن ثوبان أن النبي (ص) قال(أفضل دينار: دينار ينفقه الرجل على عياله ، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ))وعن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله (ص) قال(إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في امرأتك))والأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جداً ويجوز للمرأة أن تأخذ نفقتها ونفقة أولادها من مال زوجها بالمعروف- بغير إذنه- إذا كان بخيلاً فعن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل على حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال(لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف))ولكن ليتنبه النساء أن قوله (ص): ((بالمعروف)) أي في غير إسراف ولا تبذير، ولا مجاوزة الحد، بل تأخذ من ماله نفقة مثيلاتها، ولا تزيد كما يفعل بعض النساء اليوم من إطلاق أيديهن في أموال أزواجهن دون إذنهن بدعوى أنه بخيل، فيأخذن من ماله ما ينفقنه فيما يغضب الله من الذهاب إلى صالونات تصفيف الشعور، وصالات التجميل، والتبذير في الملبس والمشرب، فهؤلاء محاسبات على تعديهن على أموال أزواجهن لغير حاجة شرعية، ولإفسادهن هذه الأموال
2- عدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح:

لما في ذلك من الاستهانة بالمرأة، وتحقيرها، وإنزالها غير المنزلة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لها من الاحترام وكذلك فالتعرض للوجه بالضرب أو التقبيح مناف لما أمر به الله ورسوله (ص) من الهدي في تقويم النساء عند النشوز فالذي أمر به الله سبحانه وتعالى من ضرب النساء لتقويمهن عند النشوز هو الضرب غير المبرح، لقوله تعالى:{واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً}
والكلام على هذه الآية على ثلاثة مقامات:

الأول: قوله تعالى: {واضربوهن} لفظ عام، وقد قيدته السنة بالضرب غير المبرح فعن عمرو بن الأحوص، مرفوعا:"استوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح " والحديث وإن كان في إسناده ضعف، إلا أنه يشهد لمعناه أحاديث أخرى صحيحة فهذا الضرب مما يكسر النفس، وليس مما يكسر العظم، فهو ضرب تأديب، لا ضرب انتقام وتشويه
الثاني: أن ضرب المرأة للتأديب لا يكون إلا بعد عدم جدوى الموعظة والهجر لها في المضجع فإن الهجر في المضجع قد يؤثر في المرأة ما لا يؤثره فيها الضرب، فإنها تحس أنها غير مرغوبة من زوجها، فلا تنشغل إلا بالتفكير في حالها وما آل إليه، فتنزجر بهجره، وترتدع بتركه لها
الثالث: وجوب رفع الضرب عنها في حالة الطاعة، ويدل عليه قوله تعالى:{فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً}وأما روى عنه (ص) أنه قال( لا تسأل الرجل فيما ضرب امرأته))فضعيف من حيث الإسناد، ولا يحتج به على جواز مطلق ضرب النساء في تأديب وغيره، كما هو حال كثير من الريفين والأعراب والثابت عن النبي (ص) بخلافه فعن عائشة قالت(ما رأيت رسول الله (ص) ضرب خادماً له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله " وعن عبد الله بن زمعة:عن النبي (ص) قال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم))وفي قصة فاطمة بنت قيس((في الصحيحين)) لما انتهت عدتها خطبها أبو الجهم، فقال لها النبي (ص) محذراً: "أما أبو الجهم فضراب للنساء"وفي رواية: "لا يضع عصاه عن عاتقه "فدل هذا على عدم استحباب رسول الله (ص) لهذا الهدى مع النساء إلا في مظانه المشروعة، وبسننه المشروعة

3- عدم الهجر في غير البيت:ويدل عليه قوله (ص): "ولا تهجر إلا في البيت "ولكن يجوز هجر المرأة في غير البيت بحسب المصلحة المترتبة على ذلك، كما صح عن النبي (ص) أنه هجر أزواجه شهراً في غير بيوتهن، وقد فصلنا ذلك في كتابنا ((آداب الخطبة والزفاف )) وكتابنا ((هدى النبي (ص) مع النساء )) والله أعلم "
ذكر الكاتب هنا ثلاث من حقوق المرأة وهى النفقة وعدم ضرب الوجه وعدم الهجر خارج البيت وكان المفروض أن يفصل الحقوق كالسكن كما قال تعالى " اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم"
ثم نكلم عن حقوق الزوج على الزوجة فقال:
"عظم حق الزوج على زوجته:
وكما حفظ الإسلام للزوجات حقوقهن على أزواجهن، فقد شرع ما يحفظ به حقوق الأزواج على الزوجات
1- فللرجل أن يستمتع بجسد امرأته بجماع أو بمباشرة- بقصد قضاء الوطر، أو طلب النسل- وعليها أن تحيبه متى دعاها إلى فراشه فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله (ص): "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ومعنى اللعن: الدعاء عليها بالطرد من رحمة الله تعالى فإياكن- أيتها المسلمات- ترضى لنفسها أن تدعوا عليها الملائكة بالطرد من رحمة الله؟!
وإياكن تحتمل عذاب هذا الذنب الكبير يوم القيامة؟!"

المفترض أن الاستمتاع هو عمل مشترك بين الاثنين كما قال تعالى:
" هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"
ومن ثم فالممتنع منهما دون عذر ملعون وليس المرأة وحدها
"2- ومن حقوق الرجل على زوجته أن تطيعه فيما يأمر:
فعن أبي هريرة قال:سئل رسول الله (ص) عن خير النساء؟ قال: ((التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله))ولكن هذه الطاعة مشروطة بما ليس فيه معصية لله عز وجل، فإنه إن أمرها بما فيه معصية لله عز وجل فلا طاعة له في هذا الأمر، لحديث علي بن أبي طالب الذي في ((الصحيحين)) عن النبي (ص) قال( لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)) قال ابن الجوزي في (أحكام النساء) (ص 81)(على ما ذكرنا من وجوب طاعة الزوج، فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحل، مثل أن يطلب منها الوطء في زمان الحيض، أو في المحل المكروه، أو في نهار رمضان، أو غير ذلك من المعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى ))"

كلام صحيح فالطاعة من المرأة لزوجها تكون فى الخير وليس فى الشر وهو ما نهى الله عنه
"3- ومن حقوقه عليها أيضاً أن تشكر له ولا تكفره فعن عبد الله بن عمرو بن العاص- ما- قال: قال رسول الله (ص): ((لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه ))ويدلنا هذا الحديث الشريف على وجوب شكر المرأة لزوجها المحسن إليها، خصوصاً إذا كان قيامه بأمورها تصل إلى درجة عدم الاستغناء عنهولا يقصد بالشكر هنا مجرد الشكر باللسان، ثم تؤذيه بمساوئ الأفعال والأخلاق والخصال
بل الشكر يقصد به هنا:
الشكر باللسان، وإظهار السرور والراحة بالحياة في كنفه، والقيام على أموره وأمور ولده، وخدمته، وعدم التخلي عنه في محنه، وعدم تتبع عثراته، وترك الإساءة إليه في مواطن خلله وزلله وقصوره، بل تجعل من نفسهما متمماً ومكملاً له، فتأمره بالمعروف عند وقوعه في المنكر، وتصلح له إذا فسد عليها في غضب أو ذلة، وتجيبه إذا طلبها، وتستمع إليه إذا ما فضفض إليها، وتحفظه إذا أسر إليها، وتشكره إذا ما صنع لها معروفاً فقد صح عن النبي (ص) أنه قال: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس )) فشكر الزوج أوجب وألزم وأما كفران العشير، فقد نهى عنه رسول الله (ص)، وحذر النساء منه، وبين لهن عاقبة أمره فعن عبد الله بن عباس- ما- قال: قال رسول الله (ص): ((أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن ))قيل: يكفرن بالله؟!، قال: " يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) وعن أسماء بنت يزيد قالت: مر بنا رسول الله (ص) ونحن في نسوة، فسلم علينا، وقال: ((إياكن وكفر المنعمين ))فقلنا: يا رسول الله، وما كفر المنعمين؟ قال( لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها وتعنس، فيرزقها الله عز وجل زوجاً، ويرزقها منه مالاً وولداً، فتغضب الغضبة، فراحت تقول: ما رأيت منه يوماً خيراً قط)) وهذان الحديثان صريحان في النهي عن كفر المرأة لخير زوجها، أو جحودها لحسن صنيعه لها، فكفران النعمة من أسباب دخول المرأة النار، يدل عليه قوله (ص): ((رأيت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن ))والواجب على كل امرأة أن تنزل زوجها من نفسها منزلة كريمة، وتتخذ له في قلبها مكاناً عزيزاً بما يبذله لها من حسن المعاملة، وطيب النفقة، والتعب على قضاء حوائجها، والعناية بها في حال مرضها، والدعاء لها في حياتها، والصلاة عليها عند موتها ولكن وللأسف الشديد، فكثير من النساء لا يراعين لله في أزواجهن حرمة، ولا يحفظن لهم حقاً، فإذا رأت منه ما يسوؤها تذمرت، وضاقت به وبحياته ذرعاً، وقالت له: ما رأيت منك خيراً قط، والله شهيد على كذبها، وقادر على أخذها بهذا الذنب، ولكنه سبحانه وتعالى يمهلها لعلها تتوب، أو يحدث بعد ذلك إصلاحا فالواجب على كل زوجة تخشى ربها أن تعمل على إرضاء زوجها، وإذا رأت منه شراً أن تذكر خيره"

لا يوجد شكر على واجب من قبل أى مسلم أو مسلمة فالواجب يشكره الله فى الآخرة وأما الناس فلا يشكرون بعضهم على واجباتهم ومن ثم فى الزوجة تشكر زوجها ولا الزوج يشكر زوجته ومن الجائز الشكر على غير الواجب أى الشىء الزائد الذى يفعله الإنسان دون أمر من الله ولكن الله أباح فعله
"4- وكذلك فعليها أن تسره إذا نظر إليها، وتحفظه في ماله ونفسها إذا غاب عنها:لحديث أبي هريرة الذي تقدم ذكره، قال: ((التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله)) "
إسرار المرأة لزوجها يقابله العكس وهى إسرار الزوج لزوجته فهذا أمر مشترك
"5- وله عليها أن لا توطئ فراشه من يكرهه فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله (ص) خطب الناس، فقال(اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهون، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف "

بالقطع إدخال الزوجة بعض الناس بيت زوجها لا يكون بحسب الكراهية وإنما بحسب الاستئذان فلو حسبناها بحسب الكراهية فقد يكره حماته أو أو أخاه أو حتى عمه أو خاله أو غير هذا وصلة الرحم تحرم عدم إدخالهم بيته لأن لهم حقوق عليه يجب أن يفى بها
"6- وله عليها أن لا تنفق من بيته إلا بإذنه فعن أبي أمامة قال:سمعت رسول الله (ص)- في خطبته عام حجة الوداع- يقول:"لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها"
بالقطع هذه الرواية غير معقولة لأن معناها ألا تأكل من بيت زوجها إلا بعد أن تطلب منه الإذن وكذلك لا تطعم أولاده أو والديه إلا بعد إذن منه كما أنها لا تعطى السائل أو المحروم الجائع إلا بعد إذنه وهو جنون
"7- وله أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه:فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه))"

هذه الرواية تناقض رواية حرمة إدخال من يكره الرجل بيته فى أنها جعلت الإدخال بإذن الزوج وكل منهما يخالف أن أذن كما له لها فمثلا إذا حرم دخول والدها أو والدتها أو أخاها أو أختها أو غير ذلك لها أن تدخلهم دون إذنه لأنه هذا من الإحسان إلى الأقارب
وأما صوم التطوع فليس من حقعا دون إذن زوجها
"8- وله عليها أن تحد عليه إذا مات أربعة أشهر وعشرا فعن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول على المنبر( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)) وقد وصف الله سبحانه العلاقة التي بين الرجل وزوجته بالسكن، لما يكون فيها من المودة والرحمة، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} فحري بالزوجة أن تحزن على فراق زوجها الذي كانت تسكن إليه، والذي كان يقوم على أمرها وشؤونها"

لا يوجد فى الإسلام إحداد أو حداد وإنما الموجود هو العدة ومعناها البقاء بلا زواج لتلك المدة وأما اللبس والحياة فتكون عادية فلك يحرم الله على المرأة فى تلك المدة سوى الزواج
ثم تحدث عن طلب المرأة الطلاق بلا سبب فقال:
"تحريم طلب الطلاق من زوجها في غير ما بأس :
من جملة العلاقات الأسرية التي اهتم الإسلام بتنظيمها وإرساء القواعد الشرعية التي تحدها: الطلاق فلا شك أن الإسلام جعل الطلاق حلا إيجابيا لفض النزاعات الزوجة الناشئة عن عدم ائتلاف الطباع والأخلاق، ولكن لم يجعل هذا الحل دون قيد أو شرط، بل جعل له حدوداً وقوانيناً تنظمه بما تقتضيه المصلحة الأسرية
ومن هذه القوانين: النهي عن طلب المرأة الطلاق من زوجها في غير ما بأس فلا شك أن الإسلام قد جعل الطلاق خلقت المرأة عليها من حيث غلبة العاطفة، ولين الجانب، والتسرع، ربما تجعلها غير حكيمة إذا أقدمت على طلب الطلاق لمجرد مشكلة عابرة، أو مشادة كلامية بينها وبين زوجها، خصوصاً إذا كان لها أبناء فهي بذلك تحطم رباط الزوجية، والأوامر الأسرية لسبب تافه، غاب عن عقلها طريقة حله في شدة غضبها، بالإضافة إلى ما تسببه لزوجها من ضيق وحزن بمثل هذا الطلب
ومن أجل هذا كله فقد زجر النبي (ص) النساء عن طلب الطلاق من أزواجهن في غير ما بأس منهم فقال (ص):"أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة "
ولا شك أن هذا الحديث الشريف يدل على حرمة طلب المرأة الطلاق من زوجها في غير ما بأس منه، ولكن إذا ترجحت في ذلك مصلحة شرعية، أو إذا ترجحت في استمرار الزواج مفسدة شرعية، جاز لها أن تطلب الطلاق فعن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي (ص)، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله (ص): "أتردين عليه حديقته؟ "قالت: نعم قال رسول الله (ص):"اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" فالواجب أن تحذر المسلمات من العبث بأزواجهن بطلب الطلاق منهم في غير ما بأس، فالزوج له حق عظيم على زوجته، ومن لا تشكره لا تشكر الله، ومن تكفره، تكون من أهل النار، كما أخبر به النبي (ص) "

بين الرجل فيما سبق حرمة طلب الطلاق أو التطليق بدون سبب شرعى من اسباب الطلاق التى أباحها الله والتى تدخل كلها تحت استحالة الحياة بلا ضرر يلحق بأحدهما فإن حدث عناد من الرجل تقدر المرأة على الخروج من الزواج برد مهرها خوفا على نفسها أو خوفا على الرجل من أذاها
ثم تكلم المؤلف عن مداراة النساء بمعنى كيفية معاملتهن فقال :
"مداراة النساء:

لقد اقتضت حكمة المولى- عز وجل- أن تختلف خلقة النساء وطبائعهن عن خلقة الرجال وطبائعهم، وكان من مَن الله سبحانه وتعالى وعظيم فضله على عباده أن جعل لهم قوانيناً وشرائعاً تنظم العلاقة بين الرجل وزوجته، وبين المرأة وزوجها، بما لا تظهر هذه الفروق على الوجه الذي قد يضر الطرف الآخر، أو يشعره بالضيق والحرج ومن هذه الشرائع التي شرعت لنا مما يتعلق بهذا الجانب: الندب إلى مداراة النساء والمداراة: هي المجاملة والملاينة وقد ندبنا رسول الله (ص) إلى مداراة النساء، لما علم منهن من تسرع، وسوء تصرف فى بعض المواقف فعن أبى هريرة- رضى الله عنه-:أن رسول الله عليه وسلم قال(المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ))فهذا الحديث الشريف يندبنا إلى مجاملة النساء وملاينتهن، والصبر على أذاهن وتضجرهن
ولا شك أن تقويم المرأة واجب، ولكن على النحو الذي لا تتضرر به المرأة أو الرجل أو الحياة الزوجية ما دام هذا التقويم يتم حسب الحدود الشرعية وأما المبالغة في التقويم- كالتشديد عليهن كما يشدد على الرجال- للوصول بها إلى المرتبة العليا من التقويم بحيث لا يصدر منها ما يدل على نقصان عقلها أو كفران عشيرها، ففيه الخاطرة بالحياة الزوجية من حيث احتمال وقوع الطلاق بين الزوجين، ويدل على ذلك قوله (ص): ((إن أقمتها كسرتها ))والكسر هنا: بمعنى الطلاق، كما فسرته رواية مسلم في ((صحيحه))فإن كانت المرأة على دين وخلق كريم، إلا أنها يصيبهما ما يصيب باقى النساء من التضجر، أو طلب ما لا يقدر الزوج عليه، أو التنكر له، فلا شك أن مثل هذه يندب المداراة معها ويستحب الإبقاء عليها، حفاظاً على رباط الزوجية، لما لها من خلق كريم ودين متين"

بالقطع المدارة يقصد أن النساء سريعات الحزن والعضب من أمور لا تحزن ولا تغضب عند الله ومن ثم يجب الكذب عليهن منها للمشاكل وتأثيرها على الأسرة فبعض النسوة تغتم من كثرة زيارة الرجل والديه وأحيانا تتشاجر إذا تكرر أن يعطى سائل شىء ومن ثم إذا عرف ما يعمها يجب ألا يخبرها بها
وتحدث المؤلف عن حرمة البحث عن عثرات النساء فقال:
"النهي عن التماس عثرات النساء:
واعلموا- رحمنا الله وإياكم-:أن في التماس عثرات النساء وتتبع زلاتهن هدم للحياة الزوجية، فالمرأة خلقت من ضلع أعوج، كما قال الصادق المصدوق (ص) فلا شك أن عثراتها وزلاتها أكثر من الرجل، وتتبع مثل هذه العثرات والزلات يوغر صدر الزوج عليها شيئاً فشيئاً، حتى يؤدى به ذلك إلى طلاقها وقد نهينا عن تتبع زلات النساء، والتماس عثراتهن، لرجحان المفسدة فى ذلك فعن جابر بن عبد الله- رضى الله عنه- قال:
نهى رسول الله (ص) أن يطرق الرجل أهله ليلاً، أو أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم وفي هذا الحديث الكريم النهي عن أن يطرق الرجل أهله إذا قدم من سفره ليلاً، وورد ذكر علة هذا النهي في إحدى الروايات، وهي: كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، أي لكي تتهيأ لزوجها بالامتشاط والتزين، والاستحداد له، فيراها في أحسن صورة، وفي أجمل حلة، فتبعث في نفسه السرور، بعد طول التعب والإرهاق الذي ناله في سفره هذاوكذلك فطرقه لها ليلاً يكون مظنة رؤية ما لا يستحب له رؤيته منهم، ففيه من تخونهن، وتلمس العثرات لهن ما يبعث إلى نفسه استقباح بعض أمورهن، أو كراهية بعض أخلاقهن، فتضطرب بذلك حياتهما الزوجية، وقد يؤدي ذلك إلى كثرة المشاكل، بل قد يصل الحد إلى الطلاق
ولكن من الله علينا في هذا العصر بكثير من المخترعات التي تسهل علينا طرق الاتصال بالأهل والأزواج والأولاد، كالهاتف، والبرق، والتلكس، فإذا استطاع الرجل إخبار أهله بموعد قدومه من الليل، فلا مانع من أن يطرقهم في هذا الوقت من الليل، لأنه قد زالت علة النهي بالاتصال بهم، وإخبارهم بموعد القدوم، فليس في طرقهم في هذا الوقت ما يجعله تخوناً لهم، أو التماساً لعثراتهم، والله أعلم"

والعثرات هى الشك فى الزوجة أو مراقبتها أو التعليق لها على الواحدة كما يقال فيجب أن يتغافل الرجل عن الهنات البسيطة فبعض النساء لو سقط من الزوجة كوب ماء على أرضية البيت تتشاجر معه ومن ثم يجب أن يعفو عنها إذا أسقطت هى المياه على الأرض
ثم بين ما سماه آداب الزفاف فقال:
"آداب ليلة البناء بالعروس:
لقد رسم لنا النبي (ص) بهديه السامي، وطريقته الغراء طريقة التعامل مع الزوجات في ليلة البناء فهذه الليلة من أهم ليالي الحياة الزوجية، والتي تتم فيها أكثر الانطباعات بين الزوجين في طريقة التعامل بينهما فيما بعد من أيام حياتهما وكم كانت هذه الليلة نذير بؤس، وبداية شقاء وعذاب لكثير من الأزواج والزوجات، وكم كانت عتبة حياة هنيئة لأزواج وزوجات آخرين والهدي النبوي المسنون في هذه الليلة هو أتم الهدى وأكمله، وكيف لا وهو هدي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه، فقال:{وإنك لعلى خلق عظيم} ووصفت زوجه وحبه عائشة خلقه (ص) فقالت:" القرآن "أي كان خلقه- (ص)- القرآن ولنتعرف- الآن- أخي المسلم على سمات هذا الهدي النبوي الشريف في ليلة البناء بالعروس
-التسليم على العروس ليلة البناء:
لا شك أن المرأة إذا ما فارقت بيت أهلها إلى بيت زوجها ليلة البناء بها تصيبها الرهبة، فإنها مقدمة على حياة جديدة في كنف شريك لم تعلم من طباعه شيئاً إلا القدر اليسير ولذلك كان من أهم ما يجب على الزوج في هذه الليلة أن تذهب هذه الرهبة، أو يقللها إلى أقل درجة ممكنة، وقد علمنا (ص) بهديه الشريف طريقة إذهاب هذه الرهبة أو تقليلها، وهي: (( السلام))فعن أم سلمة أن النبي (ص) لما تزوجها؟ فأراد أن يدخل عليها، سلم فإن كان السلام يذهب بالشحناء والبغضاء من نفس الخالف، فمن باب أولى أن يذهب بالرهبه، والخوف من نفس الزوجة
الدعاء للعروس عند البناء بها:
ويستحب للزوج أن يدعو لزوجته ليلة البناء بها، فقد كان النبي (ص) يحث من أراد الزواج على أن يأخذ بناصية زوجته، ويدعو لها بالدعاء المأثور:" اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه "
ملاطفة العروس:
وبعد أن تذهب الرهبة والخوف من نفس الزوجة بالسلام عليها والدعاء لها، فلابد للزوج أن يلاطفها، ويمازحها، ويداعبها، فالخجل سمة من سمات النساء وخلق من أخلاقهن، وهو في العروس البكر أكثر منه في الثيب: التي سبق لها الزواج، ولذلك كان للممازحة والملاطفة أثر كبير في تقليل درجة خجل العروس ولننظر كيف كان النبي (ص) يلاطف أزواجه عند البناء بهنعن أسماء بنت يزيدقالت: ((إنى قينت عائشة لرسول الله (ص)، ثم جئته فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتى بعس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي (ص)، فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي (ص)، قالت: فأخذت فشربت شيئاً))
ولذا: يستحب للزوج أن يقدم لأهله في ليلة البناء بها كوباً من اللبن أو العصير أو ما قام مقامهما، وأن يتجاذب معها أطراف الحديث، لكي يقلل من حيائها وخجلها، وأن لا يثب عليها وثب البعير على أنثاه، فإن المرأة يمنعها حياؤها وخجلها من الانصياع لزوجها في أول طلبه لها، فتتمنع عنه تدللا وخجلاً، فالواجب على الزوج أن لا يباغتها بما تحذر منه، وأن يداريها ويلاطفها حتى يبلغ مراده
التسمية عند الوقاع:
فإن أمكنته من نفسها، وطاعته، فعليه أن يسم الله سبحانه وتعالى عند غشيانها ويدعو بالدعاء المأثور عن النبي (ص): "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا"فإنه إن قدر بينهما في ذلك ولد لم يضر ذلك الولد الشيطان أبداً ويجب عليه أن لا يقوم عنها حتى تقضي منه وطرها ، كما قضى وطره، وأن لا يعجلها في ذلك"
وما ذكره الرجل هنا ليس سليما تماما فالمفترض أن الزوجان يتعارفان فى وقت الخطبة وتتوثق علاقتهما النفسية وأما السلام والدعاء فهما مطلوبان فى أى وقت وأما التسمية عند الوقاع فليست سوى مخالفة للقرآن فالبسملة قرآن ولا يجوز ذكر القرآن دون وضوء وأعمال الجماع تنقض الوضوء فكيف يسمى الإنسان وهو جنب؟
ثم تكلم عن المباح فى الجماع فقال:
"ما يباح في الجماع :
ويباح للرجل في جماع زوجته جسد امرأته كله- إلا الدبر- مقبلة أو مدبرة، لقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}
وعن جابر بن عبد الله قال:إن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة، جاء ولدها أحول، فأنزل الله عز وجل:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج "

تحريم الدبر:
وأما تحريم الدبر فالنصوص دالة عليه فقد قال النبي (ص)- كما في حديث جابر المتقدم-:"مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج وعن ابن عباس- ما- قال: لا ينظر الله يوم القيامة إلى رجل أتى بهيمة أو امرأة في دبرها وعن ابن مسعود: أن رجلاً قال له: آتي امرأتي أنى شئت، وحيث شئت،وكيف شئت؟ قال: نعم، فنظر له رجل فقال له: إنه يريد الدبر!
قال عبد الله: محاش النساء عليكم حرام وأما الاستمتاع بالإليتين، وجعل الذكر بينهما، فلا شيء فيه، وهو مباح كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى

جواز التجرد من الثياب عند الجماع وحكم نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه:
وأما تجرد الزوجين عند الجماع فجائز، لما ورد عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا والنبي (ص) من إناء واحد من جنابة"
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري )) (1/ 290):" استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق: سليمان بن موسى، أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاء، فقال: سألت عائشة، فذكر هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة " قلت: ويدل عليه أيضاً حديث معاوية بن حيدة- - قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "وأما ما روى عنه (ص) في أنه قال(إذا أتى أحدكم أهله، فليلقى على عجزه وعجزها شيئاً، ولا يتجردا تجرد العيرين)) فمنكر، ولا يصح في المنع حديث
الوضوء لمن جامع وأراد المعاودة ويستحب الوضوء لمن جامع امرأته، وأراد أن يعاودها قبل أن يغتسل: فعن أبي سعيد الخدري - - قال: قال رسول الله (ص)(إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود، فليتوضأ))
طواف الرجل على نسائه بغسل واحد:

ويجوز للرجل أن يطوف على نسائه- يجامعهن- بغسل واحد لحديث أنس- رضى الله عنه-أن النبي (ص) كان يطوف على نسائه بغسل واحد وأما ما روى عنه (ص) أنه قال- فى الغسل عند كل مرة يجامع ((هذا أزكى وأطهر)) فلا حجة فيه لضعفه، ولمخالفته الثابت عنه (ص) في طوافه على نسائه بغسل واحد كما ورد من حديث أبى سعيد المتقدم، وحديث عائشة كنت أطيب رسول الله (ص) فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً وقد أورد النسائي هذا الحديث في سننه (( المجتبى ))،في باب: (الطواف على النساء في غسل واحد)قال الإمام السندي في حاشيته على (( سنن النسائي ))(قوله: (ينضح) أي يفوح، وأخذ منه المصنف وحدة الاغتسال، إذ العادة أنه لو تكرر الاغتسال عدد تكرر الجماع لما بقى من أثر الطيب شيء، فضلاً عن الانتفاح ))
وجوب الغسل بالتقاء الختانين:

ويجب على الزوجين الغسل بالتقاء الختانين، وإن كسلا فلم ينزلا، فعن أبى موسى الاشعري- رضى الله عنه- قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرين: بل إذا خالط فقد وجب الغسلقال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة، فأذن لى، فقلت لها: يا أماه- أو يا أم المؤمنين- إني أريد أن أسألك عن شيء، وإني أستحيك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله (ص)((إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل ))وعن عائشة- زوج النبي (ص)- قالت: إن رجلاً سأل رسول الله (ص) عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟- وعائشة جالسة-فقال رسول الله (ص): ((إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل ))
تحريم جماع الحائض:

ويحرم جماع الحائض لقوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } ولحديث أنس بن مالك: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله (ص) عن ذلك، فأنزل الله سبحانه:ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } إلى آخر الآية فقال رسول الله (ص): ((جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح)) فقالت اليهود:ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر إلى النبي (ص) فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض، فتمعر وجه رسول الله (ص) حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله (ص)، فبعث في آثارهما، فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما :
ما يجوز من الحائض:
ويجوز للرجل من زوجته وهي حائض كل جسدها إلا الفرج والدبر، فأما الفرج فلورود الأمر من الكتاب والسنة باعتزاله في الحيض، وأما الدبر فلما ذكرناه آنفاً من الأدلةويحل للرجل أن يستمتع بجسد امرأته- إلا ما ذكرنا- كيفما شاء، لقول النبي (ص) - في حديث أنس المتقدم-: ((اصنعوا كل شيء إلا الجماع)) ولحديث عائشة قالت:كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله (ص) أن يباشرها، أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها ولحديث عكرمة، عن بعض أزواج النبي (ص): أن النبي (ص) كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً فيجوز للرجل أن يتلذذ بجسد امرأته كله إلا الفرج في وقت حيضتها
جماع المستحاضة

ويجوز جماع المستحاضة لحديث عائشة جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي (ص)، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟فقال: ((لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي))
قال الإمام الشافعي- رحمه الله- في ((الأم)) (1/ 50):" لما أمر الله تعالى باعتزال الحيض، وأباحهن بعد الطهر والتطهير، ودلت السنة على أن المستحاضة تصلي، دل ذلك على أن لزوج المستحاضة إصابتها- إن شاء الله تعالى- لأن الله أمر باعتزالهن وهن غير طواهر، وأباح أن يؤتين طواهر))
تحريم نشر أسرار الاستمتاع بين الزوجين إلا لمصلحة شرعية:

ويحرم على الزوج- وكذلك على الزوجة- نشر ما يكون بينهما من أسرار الاستمتاع فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضى إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) قال الإمام النووي- رحمه الله- في " شرح صحيح مسلم " (3/610): ((في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه "ولكن يجوز نشر مثل هذه الأسرار لمصلحة شرعية فهؤلاء هن زوجات النبي (ص) يذكرن هديه (ص) في معاشرته، وتقبيله ومباشرته لهن، وذلك كله لرجحان المصلحة من ذكره
بل أبلغ من ذلك:

حديث عائشة المتقدم-:أن رجلاً سأل رسول الله (ص) عن الرجل يجامع أهله، ثم يكسل، هل عليه من غسل؟- وعائشة جالسة، فقال رسول الله (ص)(إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل)) فدل فعله هذا- (ص)- على جواز ذكر ما يدور بين الرجل والمرأة من أسرار الجماع للمصلحة الشرعية الراجحة من ذكرها وهذا ما فهمه الإمام النسائي، فذكر هذا الحديث في ((عشرة النساء )) من ((السنن الكبرى )) ، وبوب له: (الرخصة في أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين زوجته) "
بالقطع الجماع يتطلب التالى :
-مكان ساتر يمنع الأخرين من الرؤية
-زمن مباح فيه الجماع وهو ما بعد العشاء وقبل الفجر ووقت الظهيرة كما فى سورة النور
- عدم وجود موانع للجماع وهى الحيض والحج والعمرة وصوم رمضان أو صوم القضاء أو الكفارة
- كل شىء مباح فى الجماع عدا وضع القضيب فى غير المهبل وعدا قيام أحدهما بمص ما فى عضو الأخر
- الحيض ممنوع فيه الجماع ومنه المباشرة التى تطلق خطأ على أعمال الجماع عدا القذف
- حرمة التحدث عن أفعال الجماع بينهما مع الأخرين إلا إذا كان لتعليم زوج أو زوجة سيدخلان بعد أيام
- جماع المستحاضة عادى إلا فى أيام تغير لون الأفرازات لإفرازات الحيض
- الاغتسال بعد الجماع

الاثنين، 28 سبتمبر 2020

قراءة فى كتاب الكوارث ومسئولية المجتمع

قراءة فى كتاب الكوارث ومسئولية المجتمع
الكتاب من تأليف حسن موسى الصفار وهو يدور حول الوقاية من الكوارث وعلاجها وقد بين الصفار أن الكوارث هى نوع من الابتلاءات ابتلاءات الشر التى يبتلى بها البشر فقال:
"يتعرض الإنسان في الحياة إلى كافة الاحتمالات والتقلبات فكما أن الله تعالى يفيض عليه من نعمه ومن خيراته، فإنه جل وعلا يعرضه للابتلاء والامتحان بالمشاكل والمحن ومختلف أنواع الابتلاءات يقول تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) وهذه الآية الكريمة تعتبر أن أي شيء يواجه الإنسان في حياته إنما هو يندرج ضمن عملية الامتحان أو " الابتلاء " بقسميه : الخير والشر( ونبلوكم ): أي نمتحنكم (بالشر والخير): إن الشر والخير هو ما يعتقده الإنسان شراً أو خيراً، وليس هو الشر والخير بالمعنى المجرد والمحض لهما، بل ما يعتبره الإنسان كذلك"
ويبين الصفار كون أن الشر قد ينتج عنه خير فيقول:
" فالله جل وعلا يمتحنك بما تعتبره أنت شراً، ولكن هل هو في الحقيقة شرٌ أم ليس كذلك، هذا بحث آخر فالمرض - مثلاً - ابتلاء يعتبره الإنسان شراً، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك بالمعنى المطلق بل هو شر نسبي فكم مرض أورث مناعة لصاحبه، وكم من مرض صغير قاد إلى اكتشاف مرض خطير في جسم حامله ولولا فحوصات أجريت لعلاج المرض الصغير لما تم اكتشاف المرض الخطير وتداركه"
وبالقطع الشر هو شر لمن يصيبه لا يرى فيه خير وأما وجود خير فيما بعد من هذا الشر سواء بعد وقت قليل أو وقت طويل فهذا أمر لا يكون فى اعتبار الإنسان فى ساعة الإصابة
وبين الصفار كون الفتنة سبب لتطوير الفرد والأمة فقال:
( فتنة ): أي أن كل ما يجري عليكم إنما هو امتحان وافتتان لكم
الامتحان يطور الفرد والأمة

إن الامتحان يمكن تصوره على معنيين: امتحان للدنيا، وامتحان للآخرة أما امتحان الدنيا فإنه من المفروض أن يؤدي إلى تطوير قدرة الإنسان على مواجهة تحديات الحياة، وذلك عندما يشعر الإنسان أنه أصبح في مواجهة تحدٍ ما لا بد له من التغلب عليه، وإلا فكيف استطاع الإنسان أن يطور وسائل الحياة وأساليب المعيشة ونوع السكن ووسائل التنقل الخ لولا أنه وجد نفسه في حاجة إلى التغلب على التحديات الطبيعية التي كان يواجهها"
والابتلاء ليس سببا للتطور وإنما هو اختبار لمعرفة من الأحسن عملا أى من يطيع الله ممن يعصاه كما قال تعالى " ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
ويبين أن الشرور هى سبب الاختراعات والاكتشافات فيقول:
"إن أكثر الاكتشافات والاختراعات إنما حصل استجابة لتحديات وحاجات، فتطور علم الطب مثلاً وخاصة ما نجده الآن من تسارع في تقدم أبحاث الهندسة الوراثية ما كان ليحصل لولا ما واجهه الإنسان من مشاكل الأمراض ومخاطر الإصابات وكما قيل: الحاجة أم الاختراع وكلما أصاب الإنسان خطر أو مصيبة اهتم بالتفكير في تجاوز ذلك الخطر وتلافي تلك المصيبة
إننا نتصور أن الله خلق الحياة بمشاكلها وصعوباتها حتى يبتلي هذا الإنسان فهل يفجر طاقاته ويستشير مواهبه من أجل مواجهتها أم لا ؟"

وهذا الكلام ليس صحيحا فليست المشاكل والمصائب هى سبب الاختراعات والاكتشافات دوما وإنما هى أمور متعددة فالبعض قد يخترع أو يكتشف لإراحة الناس كمن اختراع الجرار ذو المحراث بدلا من محراث الحيوان أو ليكسب ماديا مثل شركات الأجهزة الكهربية الحالية كالشاشات والتلفازات أو ليضل الناس مثل من يخترع القضبان الصناعية كى تمارس النساء الزنى مع بعضهن أو وحدهن
ويبين الصفار أن الناس نوعين فى مواجهة مشاكلهم فيقول:
"وها أنت تجد أن لديك نوعين من الناس في مواجهة هذه الحقيقة :
النوع الأول: الذي لا يتصدى لحل مشاكله إلا إذا ألحت عليه المشكلة إلحاحاً شديداً وجعلته في حال من البأساء والضراء لا يمكن تحمله، حينئذ يفكر في حل المشكلة
النوع الثاني : هو الذي يفكر في حل المشكلة حتى قبل أن تحدث أو تتفجر، أو قل الذي يفكر بمنهج الوقاية لا العلاج ويعتقد أن درهم وقاية خير من قنطار علاج

إن احتمال المشكلة – لا وجودها فقط – هو الذي يدفعه للتفكير في تخطيها "
ونسى الصفار نوع أخر من الناس وهم من يتركون المشاكل بلا مواجهة على الإطلاق حيث يصابون بحالة من الجنون أو يتركون مقر إقامتهم ويهيمون فى البلاد
وبين الصفار أن المعنى الثانى للابتلاء هو من يحدد مصير الإنسان فى الأخرة وهو كلام ليس صحيحا فالابتلاء واحد يهدف لحسن كلا الدارين فيقول :
"والمعنى الآخر الذي يمكن تصوره للامتحان هو أنه امتحان لتحديد مصير الإنسان في الآخرة، ذلك أن هذه الابتلاءات تكشف جوهر القيم والعقائد التي يحملها الإنسان في داخله تجاه خالقه، بل وتكشف معدن المثل والقناعات التي يتحلى بها تجاه هذه الابتلاءات هل يحمل الصبر والشكر أم الكفر والجحود، هل لديه شيء من الرضى والتسليم أم أنه مشحون بالضجر والسخط، هل يفوض أموره كلها لله أم تراه يبحث حتى عن الشيطان حتى يخلصه، وهل أن يقينه برحمة الله وحكمته يجعلانه مطمئناً راضياً أم غير ذلك
ان الإنسان لن يخلد في هذه الحياة، إنما خلوده في الحياة الأخرى (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )) فحتى تحصل على الخلود في جنات النعيم لا بد من مواجهة افتتان الخير والشر بنجاح

وقد يساعدك أيها الإنسان في مواجهة ضغوط الحياة أن تعلم أن ضغوطها مؤقتة ولن تستمر طويلاً ثم إلى الله ترجع الأمور أي أنها (( فتنة وإلينا ترجعون ))"
بالقطع وضع الله أحكام الابتلاءات المختلفة فبين ما يفعله الإنسان عند كل مصيبة فمن أطاع الله بتلك الأحكام عرف أن مصيره الجنة ومن عصى فهو حسب ما يعتقد فى نفسه
تساءل الصفار عن كيفية مواجهة الكوارث فقال:
كيف نواجه الكوارث؟
إن المشاكل والابتلاءات التي تصيب الناس أنواع :-
فمنه ما تسببه الطبيعة بحسب نظامها وتركيبها
ومنه ما يتسبب به مستخدم الطبيعة ومستثمرها
ومن قبيل الصنف الأول تلك الكوارث الطبيعية التي تحدث بين آونة وأخرى، كالزلازل والبراكين والفيضانات، والانهيارات الرملية أو الثلجية والأعاصير الخ
والزلزال الذي ضرب مدينة أزميت واستنبول التركية مؤخراً هو واحد من تلك الكوارث، فقد راح ضحية الزلزال أكثر من 14 ألف إنسان أما المصابون فأكثر من أربعين ألف مصاب، وأما الخسائر المادية فيكفي أن نعلم أن المبالغ المطلوبة لتغطية الخسائر الناجمة عن الدمار والخلل في الإنتاج وشلل الحركة الاقتصادية تزيد عن 25 بليون دولار
وكما تختلف مواجهة الإنسان الفرد لابتلاءاته، تختلف أيضاً مواجهة الشعوب لابتلاءاتها وهكذا نجد في هذا الزلزال مصداقاً آخر من مصاديق الفشل في مواجهة الابتلاء قبل وقوعه وبعد وقوعه
فرغم أن تركيا تقع على خط الزلزال إلا أنه لا الحكومة ولا الشعب التركي كانوا مستعدين لمواجهة الكارثة والمضحك المبكي أن الحكومة التركية تمثلت صراعها مع الحركات الإسلامية حتى في أوج وذروة الهلع والفزع الذي عم الناس بعد الزلزال، فقد حالت الحكومة دون مبادرة المؤسسات الأهلية والاجتماعية الإسلامية في المساعدة في تخفيف آثار الزلزال، لأن الحكومة لا تريد لهذه المؤسسات الإسلامية أن تكسب رصيداً شعبياً ومعنوياً يضاف إلى رصيدها المتنامي أصلاً، بل تريد أن تصفي حسابها معهم حتى في مثل هذه الكارثة، حتى ولو كان الشعب التركي الذي يفترض أن الطرفين يتنافسان لخدمته، أصبح في هذه الحالة هو الضحية

أما الصنف الثاني من الكوارث فهي ما يتسبب به مستخدم الطبيعة، وما قد يمكن أن نسميه بـ: الكوارث الصناعية مثل حوادث السيارات، والقطارات والطائرات وغرق العبارات والحرائق، وحدوث الانفجارات في مصانع السلاح وتسرب نفط الناقلات العملاقة في البحار وغير ذلك كثير مما يكون سببه حدوث خلل ما يؤدي إلى وقوع تلك الكارثة فيسقط الضحايا، وتتضرر البيئة، وتنتشر الأمراض وكما حصل في كارثة مصنع المبيدات الحشرية في بلدة (( بهوبال )) الهندية في 17 ديسمبر 1984 م حينما حدث تسرب خطير لغاز ( ايزوسيانات الميتيل ) نتيجة لخطأ فني بسبب سوء المراقبة، ويعتبر هذا المصنع ثاني مصنع في العالم لإنتاج هذا الغاز الشديد السمية، وهو غاز سائل بلا لون سريع التبخر وقد فقد الألوف بصرهم في منطقة بهوبال البالغ عدد سكانها 672,000نسمة ، وقد توفي أكثر من 2500 شخص وأصيب أكثر من 3000 بأمراض خطيرة !!وكذلك كارثة تشرنوبل في المفاعل النووي السوفيتي
المنطقة
من لطف الله تعالى فإنه جنب بلادنا الكثير من الحوادث والكوارث، ولعل من أبرز ما أصاب المنطقة كارثتان :
الأولى: كارثة طبيعية وهي الإعصار الشديد الذي حصل ليلة الجمعة 13/ 3 /1344هـ أي قبل حوالي 76 سنة، واستمر لمدة نصف ساعة تقريباً، وأدى إلى سقوط آلاف النخيل والأشجار، وهدم الأكواخ وبعض المنازل، والأسوأ من ذلك غرق العشرات من الغواصين والبحارين الذين كانوا يعملون في الغوص والملاحة البحرية، وأطلق على تلك السنة التي حصلت فيها الحادثة سنة الطبعة وأصبحت تاريخاً يؤرخ بها
حريق القديح الدامي أما الكارثة الثانية التي منيت بها المنطقة، وهي من الصنف الثاني من الكوارث فهي الحريق الدامي والمؤلم في القديح بتاريخ 16/4/1420هـ ولعله أسوأ وآلم حادث مر على المنطقة فقد وصل عدد الضحايا إلى 70 شخصاً حتى الآن، أما المصابون فأكثر من 154 شخصاً بينهم حوالي 80 شخصاً إصاباتهم خطيرة

وإذا كان الذين غرقوا في سنة الطبعة من الرجال الأشداء الأقوياء المستعدين لمكافحة الأهوال والأخطار فإن الذين قضوا نحبهم في حريق القديح لم يكونوا سوى نساء ضعيفات وأطفال صغار وشابات يافعات في عمر الورود ولا يستطيع الإنسان في مثل هذا المصاب الجلل إلا أن يفوض أمره إلى الله ويردد قوله تعالى ( إنا لله و إنا إليه راجعون )"
بين الصفار فيما سبق أن سبب الكارثة إما فعل الطبيعة أو فعل الإنسان والمسلم لا يقول على الكارثة أنه فعل الطبيعة فإنما هى شىء قدره الله تعالى وكذلك ما يفعله الإنسان
الكوارث الكبيرة التى تسببها مخلوقات الله غير الإنسان كالريح والسيول والبراكين والزلازل هى كوارث سببها هو معاصى الناس المستمرة كما قال تعالى :
" ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون"
وهذه الكوارث لا يقدر احد على أن يوقفها مهما اتخذ من اجراءات ومن ثم لا علاج لها إلا طاعة أحكام الله وهى الإيمان والتقوى كما قال تعالى "
ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"
ومن ضمن الطاعات مثلا أن تبنى البيوت على مناطق مرتفعة وليس الارتفاع البناء على الجبال وإنما يكون موقع البلدة مرتفع ذراعين عن الأرض حولها حتى لا تغرق البيوت من المطر أو السيول
وأما السبب الإنسانى فعلاجه إتقان العمل فلو أتقن كل شىء عمله ما حدثت الكوارث التى حكاها الصفار وإتقان العمل هو من ضمن التقوى هو الأخر
وبين الصفار أن الكوارث تعلمنا دروسا فقال:
"دروس من الكارثة:
ومع هول المصاب وعظم الكارثة فلا ينبغي لنا أن نتعامل مع ما جرى في حدود التعامل العاطفي، بل يجب علينا أخذ الدروس والعبر وأن نتعاطى مع آثار هذه الحادثة ونتائجها، بحيث نضيف إلى رصيدنا التربوي والإيماني، ولنستفيد من هذا المصاب في مختلف الصعد والجوانب
لقد تجلت هذه الحادثة عن الكثير من نقاط القوة ، كما أنها لا بد وقد كشفت بعضاً من نقاط الضعف وعلينا أن نستجلي هذه النقاط حتى نتعرف على مواطن قوتنا ومواقع ضعفنا، فننمي نقاط القوة فينا ونطورها، ونعالج نقاط الضعف ونتجاوز آثارها
تعاطف إيماني لا يعترف بالحدود:

إن أول الدروس التي كشفت عنها هذه الحادثة هو أن هناك حالة من التعاطف الإيماني الذي يتجاوز كل حدود التجزئة السياسية والجغرافية
لقد وقعت الحادثة في قرية من قرى المنطقة غير أن المؤمنين في كل مكان من الذين وصل إليهم هذا الخبر تفاعلوا وتعاطفوا معه، وكأن الفاجعة قد ألمت بهم مباشرة، فراحوا يتابعون تفاصيل الحادث لحظة بلحظة، وتوالت برقيات العلماء الكبار والمراجع العظام لأهالي القديح ولعلماء المنطقة في الداخل والخارج، تعزيهم في المصاب وتعرب عن الأسى والحزن للفاجعة الأليمة

وانهالت أيضاً برقيات العزاء وبيانات المواساة من سائر المؤمنين في مختلف أقطار العالم، كما أقيمت مجالس العزاء والتأبين في مناطق عديدة من العالم، وقصدت المنطقة وفود للتعزية من البحرين والكويت وغيرهما من المناطق، فما الذي جعل كل هؤلاء الناس في سوريا وإيران وفي لبنان وباكستان والهند وفي كل مكان من العالم، ما الذي جعلهم يتعاطفون معنا في هذه الحادثة؟ أو ليس هو الإيمان الذي يوحد مشاعر الجميع، أو ليس هو شعورهم بأن هؤلاء مؤمنين يماثلونهم في العقيدة والمبدأ ؟
لقد كان كل ذلك أكبر دليل على التعاطف الإيماني، والشعور الواحد، كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص) : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى)

التلاحم الوطني:
وأبرزت هذه الحادثة الأليمة تلاحماً وطنياً رائعاً، فالمسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم حاكم المنطقة بادر إلى تعزية أهالي المنطقة ببيان رائع يفيض محبة وعطفاً وأصبح كالبلسم الذي آسى جراح المصابين والمنكوبين، كما أمر باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المصابين، ثم توج كل تلك الألطاف الكريمة بقرار إنشاء صالة للأفراح لأهالي القديح وتحت إشراف جمعيتهم الخيرية فجزاه الله خيراً وجعله ذخراً للشعب والوطن
والمواطنون باختلاف مناطقهم وقبائلهم ومذاهبهم، أبدوا تعاطفهم الكبير، وقدموا دعمهم المادي والمعنوي للقرية المنكوبة، وقد عبر الكتاب والأدباء والصحفيون من مختلف المناطق والتوجهات عن هذه الروح الوطنية الوحدوية، في كتاباتهم وقصائدهم وتحقيقاتهم الصحفية ومتابعتهم الخبرية هذا التلاحم الوطني الواسع رصيد معنوي هام، يجب الحفاظ عليه وتنميته وتطويره إلى حالة تواصل دائم يتجاوز المناطقية والقبلية والمذهبية

التكافل الاجتماعي والمؤسسات الأهلية
وتجلى من خلال الحدث الأليم مستوى عال من التكافل الاجتماعي، حيث هب أهالي القديح بالدرجة الأولى ليتعاملوا مع الحدث كعائلة واحدة، ولتصبح القرية بمختلف أسرها وطبقات ساكنيها بيتاً واحداً، وكان تعاطيهم مع مجريات الحدث واستيعابهم لمضاعفاته وإدارتهم لآثاره على درجة طيبة من التنسيق والأداء، فمحاولة الإنقاذ للمصابين ونقلهم إلى المستشفيات والتشييع الحاشد الذي حصل للضحايا ومجلس العزاء الضخم الذي أقيم في القديح ثم التفاف كل أبناء المنطقة حولهم واندفاعهم إليهم منذ اللحظات الأولى للحادث وتعاون الجميع من صفوى إلى سيهات ...وساعد الجمعية على القيام بأعباء هذه الأزمة وقوف سائر الجمعيات الخيرية في المنطقة معها ووضع إمكانياتها تحت تصرفها
وهذا يؤكد أهمية دور الجمعيات الخيرية كمؤسسات أهلية رسمية، تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في خدمة المجتمع، ومواجهة مشاكل الحياة، وأحداث الزمن وهنا لابد لنا أن نوجه دعوة لكل أفراد المجتمع حتى يلتفوا أكثر حول الجمعيات الخيرية الاجتماعية في مناطقهم ويدعمونها بالمال الرأي والدعم المعنوي...

أما الدرس الأخير الذي يمكن لنا أن نشير إليه فهو أن علينا أن نقيم بواقعية وشجاعة بعض سلوكياتنا وتصرفاتنا وبما أن المناسبة التي حدثت في خضمها هي مناسبة زواج فلا بد لنا هنا من أن نشير إلى المبالغة والتضخم في مراسيم الزواج، بما يسبب إرهاقاً مالياً، وعناءً وإرباكاً اجتماعياً، وكل فترة تضاف عادات جديدة وأعرافاً مستحدثة ، تجعل من عملية الزواج مناسبة أكثر كلفة وتعقيداً..."
ما قاله الرجل عن التعاطف الإيمانى والتلاحم الوطنى والتكافل الاجتماعى هو كلام عام لا يعبر عن حقيقة الإسلام الذى يوجب على المجتمع ان يوجد فى كل بلدة كل المؤسسات اللازمة من مشافى ومدارس ونقاط إطفاء ونجدة وإغاثة وغيرها وأن يتواجد فى تلك المؤسسات أناس متقنون لأعمالهم كما أن كل فى البلدة عليه واجب أن يكون من أمة الخير فساعة يجد اى مصيبة يسارع إلى حلهها والقضاء عليها
الحادث الآن هو أن الناس يعتمدون على الحكومات فى حل المشاكل ومن ثم يتركون الحرائق تستفحل لأن الثقافة المجتمعية ليست ثقافة إسلامية وإنما ثقافة كفرة فالكل يقول إنها أعمال موظفين يقبضون رواتب عليهم فلماذا أتدخل ومن ثم يحدث الدمار ؟
ثقافة الكفار الحالية تجعل الناس أو الأطفال يرمون الحجارة فى الطريق والقمامة بدلا من أن يمنعوا الأذى من الطريق لأن العبيد أو الكناسين هذه وظيفتهم تنظيف الطريق
نقل وظيفة الكناسين من الدول الأخرى هى السبب فى كوارث الشوارع فالمطلوب من المسلم وأهل بيته أن ينظف كل واحد أمام بيته ولو فعلناها ما حدثت تلك الكوارث من انكسار عظام فلان أو علان لأنه داس على قشرة موز أو حجر صغير
هذه الوظائف لا تلائم مجتمعات تطالب كل أفرادها بعزل الذى عن الطرق فبدلا من الكنس يكونون جامعوا قمامة فقط من البيوت أو المؤسسات
ما زال فى كل مجتمع أهل خير وفى قريتنا كان أى حريق يتم اطفائه قبل أن تصل المطافىء من قبل أهل الشارع والشوارع المجاورة ولكن بمرور الأيام وعمل الحكومات على تكريس الفردية ومسئولية الموظفين بدأ ذلك يضعف شعور الناس أتذكر حريقين الأول كان وأنا طفل فمن كثرة الذين يطفئون فوق سطح الدار وكان السطح أيامها عليها أحطاب قطن وذرة حجمها كبير سقط السطح بالعديدين منهم فكان الإنسان يرىعجبا النساء فى البيوت تجلب حلل الطبخ ويجتمعن فى البيوت التى بها طلمبات فى الشارع ويقمن أو بعض الأطفال أو الشباب بتشغيل الطلمبة بخفض ورفع الذراع لملء الحلل ويقوم الأطفال والشباب والرجال بالوقوف فى صفوف يناولون الحلل حتى الدار التى بها الحريق والثانى وأنا قد تجاوزت الأربعين وكان فى شارع خلفنا ونتيجة التقدم فى بناء المبانى وغياب أهل المنزل لم نقدر على الدخول إلا بعد فتح شباك يطل على الشارع ونتيجة لطف من الله تم إطفاء الحريق قبل أن يطول أنابيب الغاز وكانت ستكون كارثة ساعتها يروح ضحيتها من يطفئون
تغير المجتمع فأيام زمان كان الجيران يتركون مفاتيح دورهم عند الجيران إذا غابوا عنها حتى إذا حضر أحد غائب من اهل الدار أخذ المفتاح وفتح
الحريق الثانى استمر ساعتين فى داخل البيت وأتى على حجرتين بسبب المفتاح فالناس شموا الدخان ولم يروا نارا والمصيبة الثانية هى نظام المكعب أو الحق أو البلوك الذى يجعل البيت مقفل تماما بعكس البيوت القديمة التى كانت مفتوحة حيث تنزل من سطح الجيران فتجد البيت مفتوح على بعضه ما عدا حجرة أو اثنين
هذا البيت المكعب كان سيتسبب فى كارثة نتيجة البناء ونتيجة الأجهزة الحديثة كأنابيب الغاز ومن ثم فمن ينقلون إلينا أنظمة البناء لا يراعون فى البناء أمور الأمان وإنما يراعون أن يصعبوا على اللص السرقة مع أنه لا يوجد شىء على لص مدرب
وبين الصفار مسئولية كل فرد فى مواجهة الكوارث فقال:
"أنا وأنت نقطة البداية:
إننا جميعاً نعرف الأخطاء والنواقص التي يعيشها المجتمع، ونعرف في كثير من الأحيان الطريق إلى معالجتها والتخلص منها، ولكن المشكلة أن بعض السلوكيات الخاطئة تتجذر في المجتمع حتى تصبح عرفاً قائماً لا يتمكن الفرد منا من تجاوزه والعمل بما يخالفه وفي قضية الزواج هنالك الكثير من هذه الأمور بدءاً بزيادة المهور وتكاليف الحفلات المتعددة، ..
ولو أخذت في أعداد استبيان حول عدد الناس الذين لا يريدون هذه الأمور أو الذين يستثقلونها بل يتمنون زوالها عاجلاً لرأيت أنهم أغلبية ساحقة في المجتمع، ولكن المشكلة أن كل واحد يقول لك: إن فلان حينما تزوج فعل كذا وكذا وأنا استحي أن لا أفعل كما فعل هو، وهكذا تجدنا نرفض هذه الأخطاء قولاً ونمارسها سلوكاً (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ))"
ما قاله الصفار عن المغالاة فى الأعراس من حيث الجهاز والمهور والحفلات لا يتعلق بموضوع الكوارث وإن كان صحيحا
ثم بين الجوانب التى يجب مراعاتها لتفادى الكوارث فقال :
الأمن والسلامة:
وجانب آخر من النواقص عندنا، يتعلق بتفكيرنا حول إجراءات الأمن والسلامة في تجمعاتنا ففي المجتمعات المتطورة مدنياً يعد التفكير في عناصر الأمن والسلامة واحداً من شروط انعقاد أي اجتماع حاشد بينما نجد التفكير في هذا الأمر غائباً عندنا، بل يعتبره البعض نوعاً من الترف المخملي لذلك تجد اجتماعاتنا في مناسباتنا الاجتماعية أو الدينية تجري من دون التفات لهذا الأمر صحيح أن الأمور كلها بيد الله عز وجل ، لكن الحذر والحيطة مطلوب، يقول تعالى (( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم )) ، فلماذا لا نفكر في وضع حل لحصول أي طارئ؟ ماذا لو حدث خلل كهربائي؟ ماذا لو حدث حريق؟ وهل يجوز ان يكون للمسجد مدخل واحد فقط ودون توفر أي وسائل إطفاء؟ ما هي حالة الجاهزية في المرافق العامة والخدمات؟
إن البعض حينما تطلب منه الدوائر الحكومية توفير بعض الاحتياطات والشروط يتذمر ويحاول الالتفاف على تلك المتطلبات ويعتبرها تعقيداً في الإجراءات وهذا تصور خاطئ إن الإجراءات الأمنية ووسائل السلامة شيء مهم وضروري وخاصة لأماكن التجمعات"
الكلام صحيح ولكن الهوة بين الناس والحكومات هى التى صنعت تلك الهوة فالحكومات ليست هى حكومات الناس لأنها تقتصر على فئة معينة من المجتمع والمفترض فى الإسلام أن كل الناس حكومة ومن ثم يعتبر الكثير من الناس الحكومة جهة معادية لأنها لا تفعل لهم من الخير سوى القليل وتعمل على امتصاص أموالهم والقضاء على مصالحهم ومن ثم يعملون على عدم طاعة الحكومات
وتحت عنوان دروس من الكوارث قال :
"دروس في مواجهة الكوارث:
قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( : (في تصاريف الأحوال تعرف جواهر الرجال)
من الواضح أن الإنسان حينما يعيش ظرفاً عادياً وطبيعياً فان ذلك قد لا يكشف عن جوهر شخصيته، ولكنه حينما يعيش وضعاً غير طبيعي فان تصرفاته – على الأغلب – ستكون تصرفات عادية وغير محسوبة تصرفات تلقائية عفوية أكثر منها تصرفات محسوبة وتنطلق من معادلات ربح أو خسارة كما هو الحال في التصرفات التي تصدر منه في الوضع الطبيعي المستقر ومن أمثلة الوضع غير الطبيعي ، تلك الحالة التي تمر على الانسان في حالة الغضب والمصيبة والشدة وحدوث المأساة والكارثة، ففي مثل هذه الحالات تنطلق تصرفاته بشكل عفوي مما يمكن ان يعطيك عينة صافية لمعرفة شخصيته ومقوماتها
يقول امير المؤمنين علي ( : ( ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد )
وكما تكشف هذه الحالة جوهر الافراد كذلك تكشف جوهر المجتمعات، ومن خلال تعاطي المجتمع مع الحالة غير الطبيعية يمكن تصنيف المجتمع على ان مجتمع متحضر ام متخلف، وقد برز في السنوات الماضية تخصص في المؤسسات العلمية والادارية يسمى علم إدارة الأزمات
وعلى ضوء هذه الحادثة يجب أن نتساءل : كيف نتصرف كأفراد وكمجتمع تجاه الأزمات والنكبات؟
أولاً: تجنب الحوادث والكوارث قبل وقوعها من خلال العمل بمنهج الحذر والحيطة وأعمال اجراءات الأمن والسلامة والإصرار على اتخاذ كل سبل الوقاية والمحافظة على النفس والعرض والمصالح

أن التساهل والتسيب امر مرفوض شرعاً وعقلاً، واعتقاد المؤمن ان الأمور بيد الله، وتسليمه بالقضاء والقدر، لا يعني التفريط بالوقاية والاحتياط، روي أن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عدل من عند حائط مائل يوشك على الانهيار الى حائط آخر، فقيل له : ياا مير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال ( : افرّ من قضاء الله الى قدر الله عز وجل ذلك ان القضاء يعني الابرام والحسم، بينما القدر يعني السنن والحدود
ثانياً: الاستعداد والتهيؤ للطوارئ، فرغم كل اجراءات الاحتياط والاحتراز الا أن الكوارث قد تحصل، غيران الفرق في حالة الاستعداد وعدم الاستعداد كبير جداً، ان البعض من الناس لا يهيئون أنفسهم لحالة طارئة فلا يضعون مبلغاً من المال خصيصاً للطوارئ ، ولا خطة عندهم ، ولا تفكير لمواجهة حالة طارئة ، على مستوى الافراد والمجتمعات
ثالثاً: اذا حصلت المصيبة والكارثة لا يجوز اتخاذ دور المتفرج والمشاهد، كما لا يجدي نفعاً الانفعال العاطفي، بحيث يفقد الانسان القدرة على التفكير والقيام بالتصرف المناسب، بل ينبغي السيطرة على النفس والمبادرة للقيام بالخطوة الاولى الضرورية لعلاج هذا الطارئ
...والشرع المقدس يأمر بوجوب المبادرة لانقاذ الارواح اذا تعرضت للخطر حتى ولو تعارض ذلك مع واجب شرعي آخر كما اذا تضيّق وقت الصلاة وكان هنالك غريق ، حيث يجب ترك الصلاة والمبادرة الى انقاذه

واذا ما وجد الانسان نفسه امام شخص مشرف على الموت في حالة الاحتضار فان الشرع يأمره بالقيام بالخطوات المناسبة لهذا الموقف ، حيث لا ينبغي له ان يتعامل مع الموقف عاطفياً وينهمك في البكاء والنحيب ، فذلك مكروه عند المحتضر ، بل عليه المسارعة الى توجيه المحتضر الى القبلة، كما يستحب له ان يلقنّه الشهادتين وسائر المعتقدات ، وبعض الادعية المأثورة، وان يقرأ عنده سورة يس والصافات ، الى سائر المستحبات المذكورة في مواردها ، ليتعلم الانسان المسلم كيف يتعامل مع الحالات الطارئة برباطة جأش ، ويقوم بالمهام التي تستلزمها
رابعاً: العطاء والبذل والتضحية بالمال والجهد : ان المشاركة في مراسيم العزاء والمصيبة في حادث القديح كان مشهوداً وملموساً غير أن هذا وحده ليس كافياً بل يجب العطاء والبذل على كافة الصعد من مالية وعملية ، ...لقد كان من الممكن ان تكون المصابة في هذا الحادث هي زوجتي او زوجتك ، اختي او اختك ، ابنتي او بنتك، ولكن الله دفع البلاء عن بعض وحصره في بعض ولله الامر من قبل ومن بعد ولكن حتى يدفع الله البلاء عنا فينبغي ان يكون عندنا بذل وعطاء فقد ورد عن رسول الله (ص) : ( الصدقة تدفع سبعين نوعاً من انواع البلاء ) وحتى يشفي الله مرضانا ومرضى المؤمنين ينبغي ان نتقرب الى الله بالصدقة والعطاء كما جاء عنه : (ص) : ( تصدقوا وداووا مرضاكم بالصدقة فان الصدقة تدفع عن الاعراض والامراض وهي زيادة في اعماركم وحسناتكم ) وحتى يزيد الله في ارزاقنا ويقضي لنا ديوننا فلنبادر الىالعطاء بشكل عام، ولأجل هذا الحادث خصوصاً ، عن رسول الله (ص) : ( استنزلوا الرزق بالصدقة )...

خامساً: القدرة على التنسيق والنظام ، لان أول مشكلة تواجه الذين تقع عليهم الكارثة انهم يبقون لفترة من الزمن غير مصدقين وغير مستوعبين لما حدث فيصابون بذهول وارباك فينبغي منذ البداية - بل ودائماً - تنسيق الجهود، وترتيب المسئوليات، بأن تكون لكل جهة دوراً معيناً، ولكل شخص مسئولية محددة ، حتى لا تحدث اصطدامات في الأدوار والمسؤليات، وحتى لا يقع تعارض واختلاف ...
سادساً: استيعاب الطاقات والكفاءات تحت شعار الأولوية للانقاذ وتجميد الحساسيات ، فلا يصح وضع أي نوع من الحسابات عقبة دون خدمة المصابين والتقليل من مضاعفات الحادث..."
التعامل مع أى كارثة علاجه شىء واحد وهو تطبيق أحكام الله فعندما ينتظم المجتمع ويكون جسدا واحدا كله متناغم مع بعضه فلن توجد كارثة
فعندما يتقن كل إنسان عمله ويقوم كل إنسان بواجباته التى قررها الله فإنه حتى لو حدثت كارثة ستكون الخسائر قليلة
وعلى المسلمين أن يفكروا بدلا من أن ينقلوا عن الغير تنظيمات البلدات فالتنظيم الحالى هو كارثة حيث شبكات الطاقة والمياه والغاز وغيرها شبكات موحدة ومن ثم إذا حدثت كارثة فى المحطة أيا كان نوعها فإن اهل البلدة كلهم سيعانون
المفترض أن تتنوع المصادر وتنفصل عن بعضها فمثلا بدلا من محطة الكهرباء التى تعمل بالنفط أو الغاز أو الفحم أو شىء أخر يكون على كل بيت مولد طاقة شمسية أو طاقة ريح وبدلا من محطة المياه يكون فى كل بيت طلمبة
بالقطع لهذا الانفصال والتنوع فوائد متعددة فهو يمنع العدو من التركيز على أهداف قليلة وساعتها ستكون كلفة الحرب عليه أكثر لأنه بدلا من عدة صواريخ لضرب المحطات سيحتاج لمئات أو آلاف الصواريخ وبدلا من أن تنقطع الكهرباء أو المياه عن كل البلدة ستتواجد فى مناطق كثيرة وبدلا من الراحة التى أتت للناس بالأمراض سيقوم الناس بتشغيل عضلاتهم فى تشغيل الطلمبات وبدلا أن يتسبب ضرب محطة الغاز فى كارثة حرائقية لن تحدث فى حالة تعدد وكثرة المصادر

الأحد، 27 سبتمبر 2020

نظرات فى كتاب الشورى في الإمامة

نظرات فى كتاب الشورى في الإمامة

الكتاب تأليف علي الحسيني الميلاني وقد استهل الميلانى الكتاب بمقدمة عن أن موضوع  الكتاب هو الشورى في الإمامة وأنها لا تنفع إلا بنص وفى هذا قال :

"تبين إلى الآن  أن الإمامة نيابة عن النبوة، والإمام نائب عن النبي (ص)وكما أن النبوة والرسالة تثبت للنبي والرسول من قبل الله سبحانه وتعالى، كذلك الإمامة، فإنها خلافة ونيابة عن النبوة والرسالة، فنحن إذن بحاجة إلى جعل إلهي، إلى تعريف من الله سبحانه وتعالى، إلى تعيين من قبله بالنص، ليكون الشخص نبيا ورسولا، أو ليكون إماما بعد الرسول، والنص إما من الكتاب وإما من السنة القطعية، ولو رجعنا إلى العقل، فالعقل يعطينا الملاك، ويقبح تقديم المفضول على الفاضل، وعن هذا الطريق أيضا يستدل للامامة والولاية والخلافة بعد رسول الله (ص)وثبت إلى الآن  أن لا طريق لتعيين الإمام إلا النص، وأن بيعة
شخص أو شخصين أو أشخاص وأمثال ذلك، هذه البيعة لا تثبت الإمامة للمبايع له، وعن طريق النص والأفضلية أثبتنا إمامة أمير المؤمنين والأئمة الأطهار أيضا من بعده وتبقى نظرية ربما تطرح في بعض الكتب وفي بعض الأوساط العلمية والفكرية، وهي نظرية الشورى، بأن تثبت الإمامة لشخص عن طريق الشورى وبحثنا موضوعه الشورى في الإمامة أو الإمامة في الشورى وأما الشورى والمشورة والتشاور في الأمور، وفي القضايا الخاصة أو العامة، والأمور الاجتماعية، وفي حل المشاكل، فذلك أمر مستحسن مندوب شرعا وعقلا وعقلاء، لأن من شاور الناس فقد شاركهم في عقولهم، والآن إذا احتاج إلى رأي أحد احتاج إلى مشورة من عاقل، ففي القضايا الشخصية لابد وأن يبادر ويشاور، وهذه سيرة جميع العقلاء، وكلامنا في الشورى في الإمامة، أو فقل الإمامة في الشورى"

هذه المقدمة تدل على أن الرجل إما يتغافل عن كون الشورى نص عام بقوله  تعالى "وأمرهم شورى بينهم"وإما يجهل النص

وهذا النص عام فى كل قضايا المسلمين فلم يحدد الله فى أى شىء نتشاور مما أباح للمسلمين الخيار فيه كاختيار أصحاب المناصب أو اختيار زوج للفتاة أو زوج للفتى أو اختيار العفو أو القصاص من القاتل أو اختيار طعام اليوم من جانب الأسرة أو عمل مشاريع فى البلدة من جانب أهلها 

ومن ثم الشورى ليست شىء اخترعه الناس وإنما هى نص ولو افترضنا وجود نص تحديد الخليفة من على وأولاد على  فستقابل القوم مشاكل فمثلا هل الخلافة فى الإبن الأكبر أو فى كل الأبناء فقد سارت فى الحسن والحسين ثم منعت عن باقى الاخوة العلويين وبعد ذلك انتقلت من كبير الأسرة إلى ابن الحسين واختلف القوم فيما بعد فمنهم من جعلها فى الابن الأكبر ومنهم من جعلها فى ابن غيره ولا توجد نصوص فى ذلك عند القوم إلا نص على  ويضاف لهذا أن الخلافة توقفت عند12 خليفة فماذا بعد الثانى عشر هل لا يوجد نص؟

زد على هذا أن الله حدد من يتولى المناصب فى عهد النبى(ص)وما بعده أنهم المجاهدون قبل فتح مكة حتى يموتوا جميعا فيكون المجاهدون بعد الفتح إن وجد منهم أحد وفى هذا قال تعالى :

 "لا يستوى منكم من أنفق من الأفضلية وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا"

فلو كان لعلى نص ما عمم الله ذلك

ومن ثم فنصوص القرآن موجودة وهى تقضى على غيرها

وتحدث الرجل عن كون الإمامة اختيار إلهى فقال:

"الإمامة بيد الله سبحانه وتعالى:

إنه وإن أخبر النبي (ص)عن ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين قبل هذا العالم، أخبرنا بأن الإمامة والوصاية والخلافة من بعده ثابتة لعلي، هذا الثبوت قبل هذا العالم كان لأمير المؤمنين، كما ثبتت النبوة والرسالة لرسول الله قبل هذا العالم أخبرنا رسول الله عن هذا الموضوع في حديث النور، هذا الحديث في بعض ألفاظه: «كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم، قسم ذلك النور جزئين، فجزء أنا وجزء علي»
هذا الحديث من رواته:
1 ـ أحمد بن حنبل، في كتاب المناقب
2 ـ أبو حاتم الرازي
3 ـ ابن مردويه الاصفهاني
4 ـ أبو نعيم الاصفهاني
5 ـ ابن عبد البر القرطبي
6 ـ الخطيب البغدادي
7 ـ ابن عساكر الدمشقي
8 ـ عبد الكريم الرافعي القزويني، الإمام الكبير عندهم
9 ـ شيخ الاسلام ابن حجر العسقلاني
وجماعة غير هؤلاء، يروون هذا الحديث عن رسول الله (ص)بواسطة عدة من الصحابة، وبأسانيد بعضها صحيح
وقد اشتمل بعض ألفاظ هذا الحديث على قوله: «فجعل في النبوة وفي علي الخلافة» ، وفي بعضها: «فجعل في الرسالة وفي علي الوصاية»لكن كلامنا في هذا العالم، وأن رسول الله (ص)أخبر عن أن الإمامة إنما هي بيد الله سبحانه وتعالى، الإمامة حكمها حكم الرسالة والنبوة كما ذكرنا، ففي أصعب الظروف وأشد الأحوال التي كان عليها رسول الله في بدء الدعوة الإسلامية، عندما خوطب من قبل الله سبحانه وتعالى بقوله: (فاصدع بما تؤمر) جعل رسول الله (ص)يعرض نفسه على القبائل العربية، ففي أحد المواقف حيث عرض نفسه على بعض القبائل العربية ودعاهم إلى الإسلام، طلبوا منه واشترطوا عليه أنهم إن بايعوه وعاونوه وتابعوه أن يكون الأمر من بعده لهم، ورسول الله بأشد الحاجة حتى إلى المعين الواحد، حتى إلى المساعد الواحد، فكيف وقبيلة عربية فيها رجال، أبطال، عدد وعدة، في مثل تلك الظروف لما قيل له ذلك قال: «الأمر إلى الله» ولقد كان بإمكانه أن يعطيهم شبه وعد، ويساومهم بشكل من الاشكال"

يجرنا الميلانى هنا إلى رواية جنونية تدخل فى علم الغيب الذى لا يعلمه النبى(ص) كما طلب الله منه قول ذلك"ولا أعلم الغيب" زد على هذا أن الله طلب منه أن يقول أنه لا يدرى ما يفعل به أو بالناس فقال "وما أردى ما يفعل بى ولا بكم"

زد على هذا كونها تعارض كتاب الله فى وجود الاثنين قبل خلقهما ولا شىء موجود قبل خلقه إلا فى كتاب أى كشىء سيوجد فيما بعد مسطور فى الكتاب المبين وكلنا وكل شىء سيوجد فى الكتاب كان موجود ككتابة وليس كنور وفى هذا قال تعالى" ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها"

زد على هذا الخبل وهو كونهما واحد ثم أصبحا اثنين  ويحدثنا الميلانى فيقول :

" لاحظوا هذا الخبر:

يقول ابن إسحاق صاحب السيرة ـ وهذا الخبر موجود في سيرة ابن هشام، هذا الكتاب الذي هو تهذيب أو تلخيص لسيرة ابن إسحاق ـ: إنه ـ أي النبي (ص)ـ أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عزوجل، وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم ويقال له بحيرة بن فراس قال: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال: «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء»، فقال له: أفتهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه وفي السيرة الحلبية: وعرض على بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ فقال: «الأمر إلى الله يضعه حيث شاء»، فقال له: أنقاتل العرب دونك، وفي رواية: أفتهدف نحورنا للعرب دونك، أي نجعل نحورنا هدفا لنبالهم، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليه هذا، والرسول ـ كما أشرت ـ في أصعب الأحوال وأشد الظروف، وكل العرب وعلى رأسهم قريش يحاربونه ويؤذونه بشتى أنواع الأذى، يقول: «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء»، وهذا معنى قوله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)
ولو راجعتم الآيات الكريمة الواردة في نصب الآن بياء، غالبا ما تكون بعنوان «الجعل» وما يشابه هذه الكلمة، لاحظوا قوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماما) هذا في خطاب لابراهيم (ص)، وفي خطاب لداود: (إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس)
ومن هذه الآية يستفاد أن الحكم بين الناس حكم من أحكام النبوة والرسالة (إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم) الحكم من أحكام الخلافة، وليست الخلافة هي الحكومة، وقد أشرت إلى هذا من قبل في بعض البحوث، الخلافة ليست الحكومة، وإنما الحكومة شأن من شؤون الخليفة، تثبت الخلافة لشخص ولا يتمكن من الحكومة على الناس ولا يكون مبسوط اليد ولا يكون نافذ الكلمة، إلا أن خلافته محفوظة وإذا كانت الآيات دالة على أن النبوة والإمامة إنما تكون بجعل من الله سبحانه وتعالى، فهناك بعض الآيات تنفي أن تكون النبوة والإمامة بيد الناس، كقوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) ، وذيل الآية ربما يؤيد هذا المعنى، إن القول باشتراك الناس وبمساهمتهم وبدخلهم في تعيين النبوة لأحد أو تعيين الإمامة لشخص، هذا نوع من الشرك، وإلى الآن  نرى أن النبي (ص)يصرح بأن الأمر بيد الله، أي ليس بيد النبي، فضلا عن أن يكون بيد أحد أو طائفة من الناس
حتى إذا أمر بإنذار عشيرته بقوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فجمع أقطابهم، فهناك أبلغ الناس بأن الجعل بيد الله، وأخبرهم بالذي حصل الجعل له من الله من بعده وهكذا كان (ص)ينص على علي، وإلى آخر لحظة من حياته المباركة ولم نجد، لا في الكتاب ولا في سنة رسول الله دليلا ولا تلميحا وإشارة إلى كون الإمامة بيد الناس، بأن ينصبوا أحدا عن طريق الشورى مثلا، أو عن طريق البيعة والاختيار، ولا يوجد أي
دليل على ثبوت الإمامة بغير النص"

الميلانى هنا يقول بالنص على على  فى معنى الخبر الذى نقله وهو أمر ليس موجودا لقول الخبر "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء"فالرجل لم يحدد شخصا وإنما أوكل هذا لعلم الله كما قال تعالى ""قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير"

فالله يؤتى الملك وهو الحكم أى الخلافة المؤمن والكافر

ثم تكلم الميلانى عن خلافة الصديق في أنها لم تكن شورى فقال:

"إمامة أبي بكر لم تكن بالشورى:

توفي رسول الله (ص)وآل أمر الخلافة والإمامة إلى ما آل إليه، تفرق الناس بعد رسول الله، وبدأ الاختلاف والافتراق بين الامة

توفي رسول الله وجنازته على الأرض، طائفة من المهاجرين والآن صار في بيوتهم، بعضهم مع علي حول جنازة رسول الله، وبعض الآن صار اجتمعوا في سقيفتهم، ثم التحق بهم عدد قليل من المهاجرين، فوقع هناك ما وقع، وكان ما كان، وأسفرت القضية عن البيعة لأبي بكر، ولم يدع أحد أن هذه البيعة كانت عن طريق الشورى، ولم يكن هناك ـ في السقيفة ـ أي شورى، بل كان الصياح والسب والشتم، والتدافع والتنازع، حتى كاد سعد بن عبادة ـ وهو مسجى ـ بينهم يموت أو يقتل بين أرجلهم
وحينئذ جاء عنوان البيعة إلى جنب عنوان النص، فإذا راجعتم الكتب الكلامية عند القوم قالوا: بأن الإمامة تثبت إما بالنص وإما بالبيعة والاختيار عندما تحقق هذا الشيء وبهذا الشكل، جعلوا الاختيار والبيعة طريقا لتعيين الإمام كالنص أما عنوان الشورى فلم يتحقق في السقيفة أصلا، ولم نسمع من أحد أن يدعي أن القضية كانت عن طريق الشورى، وأن إمامة أبي بكر ثبتت عن طريق الشورى، لا يقوله أحد ولو قاله لما تمكن من إقامة الدليل والبرهان على ما يقول وكما ذكرت في البحوث السابقة، حتى في قضية أبي بكر، عندما فشل القوم ولم يتمكنوا من إثبات إمامته عن طريق البيعة والاختيار، حيث ادعوا الاجماع على إمامته ولم يتمكنوا من إثبات ذلك، عادوا واستدلوا لإمامة أبي بكر بالنص، وقد قرأنا بعض الأحاديث وآية أو آيتين، يستدلون بها على إمامة أبي بكر، مع الجواب عنها تفصيلا وحينئذ يظهر أن البيعة والاختيار أيضا لا يمكن أن يكون دليلا على ثبوت إمامة وتعيين إمام

إمامة عمر لم تكن بالشورى:

 ثم أراد أبو بكر أن ينصب من بعده عمر بن الخطاب، وإلى آخر أيام أبي بكر، لم يكن عنوان الشورى مطروحا عند أحد، ولم نسمع، حتى إذا أوصى أبو بكر بعمر بن الخطاب من بعده، كما يروي القاضي أبو يوسف الفقيه الكبير في كتاب الخراج يقول: لما حضرت الوفاة أبا بكر، أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: أتستخلف علينا فظا غليظا، لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ، فماذا تقول لربك إذا لقيته ولقد استخلفت علينا عمر ؟ قال: أتخوفوني ربي ! أقول: اللهم أمرت خير أهلك
هذا النص يفيدنا أمرين:
الأمر الاول: إن إمامة عمر بعد أبي بكر لم تكن بشورى، ولا بنص، ولم تكن باختيار، وأقصد من النص النص عن النبي (ص)
إذن، لم يكن لامامة عمر نص من رسول الله، ولم تكن شورى من المسلمين، وإنما يدعي أبو بكر الأفضلية لعمر، يقول للمعترضين: أقول: اللهم أمرت خير أهلك، والأفضلية طريق ثبوت الإمام، فهذا النص الذي قرأناه لا دلالة فيه على تحقق الشورى فحسب، بل يدل على مخالفة الناس ومعارضتهم لهذا الذي فعله أبو بكر وهو الأمر الثاني
وهذا النص بعينه موجود في: المصنف لابن أبي شيبة، وفي الطبقات الكبرى ، وغيرهما  أما لو راجعنا المصادر لوجدنا في بعضها بدل كلمة: الناس، جملة: معشر المهاجرين ففي كتاب إعجاز القرآن للباقلاني، وكتاب الفائق في غريب الحديث للزمخشري، وكذا في غيرهما: عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بكر في علته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئا يا خليفة رسول الله ؟ فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع،وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير إلى آخر الخبر أي إنكم يا معاشر المهاجرين تريدون الخلافة، وكل منكم يريدها لنفسه، لأجل الدنيا، ويخاطب بهذا أبو بكر المهاجرين، بدل كلمة الناس في النص السابق فقال له عبد الرحمن: خفض عليك يا خليفة رسول الله، ولقد تخليت بالأمر وحدك، فما رأيت إلا خيرا
من هذا الكلام نفهم أمرين أيضا:
الأمر الأول: إنه كان هذا الشيء من أبي بكر وحده، فقد تخليت بالأمر وحدك
الأمر الثاني: أن عبدالرحمن بن عوف موافق لما فعله أبو بكر
ثم جاء في بعض الروايات اسم علي وطلحة بالخصوص، لاحظوا: قالت عائشة: لما حضرت أبا بكر الوفاة، استخلف عمر، فدخل عليه علي وطلحة فقالا: من استخلفت ؟ قال: عمر، قالا:
فماذا أنت قائل لربك ؟ قال: أقول استخلفت عليهم خير أهلك ففي نص كلمة: الناس، وفي نص كلمة: معشر المهاجرين، وفي نص: علي وطلحة، هذا النص في الطبقات لكن بعضهم ينقل نفس الخبر ويحذف الاسمين، ويضع بدلهما فلان وفلان، والخبر أيضا بسند آخر في الطبقات
وفي رواية أخرى: سمع بعض أصحاب النبي بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكر فقال قائل منهم إلى آخر الخبر
ونفهم من هذا النص أمرين:
الأمر الأول: إن أبا بكر لم يشاور أحدا في هذا الأمر، ولم يعاونه أحد ولم يساعده ويوافقه أحد، إلا عبد الرحمن بن عوف وعثمان فقط

الأمر الثاني: إن بعض الأصحاب ـ بدون اسم ـ دخلوا حين كان قد اختلا بهما ـ بعبد الرحمن وبعثمان ـ قال قائلهم له: ماذا تقول لربك إلى آخر الخبر
فالمستفاد من هذه النصوص أمور، من أهمها أمران:
الأمر الاول: إنه كان لعبد الرحمن بن عوف وعثمان ضلع في تعيين عمر بعد أبي بكر، وإن شئتم التفصيل فراجعوا تاريخ الطبري حتى تجدوا كيف أشار عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وكيف كتب عثمان وصية أبي بكر لعمر بن الخطاب
الأمر الثاني المهم: إن خلافة عمر بعد أبي بكر لم تكن بنص من رسول الله (ص)ولا برضا من أعلام الصحابة، بل إنهم أبدوا معارضتهم واستيائهم من ذلك، وإنما كانت خلافته بوصية من أبي بكر فقط
وإلى الآن ، لم نجد ما يفيد طريقية الشورى لتعيين الإمام والإمامة، مع ذلك لو تراجعون بعض الكتب المؤلفة أخيرا، من هؤلاء الذين يصورون أنفسهم مفكرين وعلماء ومحققين، وهكذا تصور في حقهم بعض الناس والتبس عليهم أمرهم تجدون هذه الدعوى:
يقول أحدهم في كتاب فقه السيرة: فشاور أبو بكر قبيل وفاته طائفة من المتقدمين، ذو النظر والمشورة من أصحاب رسول الله، فاتفقت كلمتهم على أن يعهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب وقد رأيتم من أهم مصادرهم، راجعوا طبقات ابن سعد، راجعوا تاريخ الطبري، وراجعوا سائر الكتب، لتروا أن لم يكن لاحد دخل ورأي في هذا الموضوع، بل الكل مخالفون، وإنما عبد الرحمن بن عوف وعثمان وسنرى من خلال الأخبار ومجريات الحوادث أن هناك تواطئا وتفاهما على أن يكون عثمان بعد عمر، وعلى أن يكون عبد الرحمن بعد عثمان، ويؤكد هذا الذي قلته النص التالي، فلاحظوا:إن سعيد بن العاص أتى عمر يستزيده سعيد بن العاص تعرفونه، هذا من بني أمية، ومن أقرباء عثمان القريبين، الذي ولاه على بعض القضايا، وصدر منه بعض الاشياء  في داره التي بالبلاط، وخطط أعمامه مع رسول الله، فقال عمر: صل معي الغداة وغبش، ثم أذكرني حاجتك، قال: ففعلت، حتى إذا هو انصرف، قلت: يا أمير المؤمنين الحاجة التي أمرتني أن أذكرها لك، قال: فوثب معي ثم قال: امض نحو دارك حتى انتهيت إليها، فزادني وخط لي برجله، فقلت: يا أمير المؤمنين، زدني، فإنه نبتت لي نابتة من ولد وأهل، فقال: حسبك وخبئ عندك أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك، قال: فمكثت خلافة عمر بن الخطاب، حتى استخلف عثمان، فوصلني وأحسن وأقضى حاجتي وأشركني في إمامته إلى آخر النص
وهذا أيضا في الطبقات  يقول عمر لسعيد بن العاص أن انتظر سيعطيك ما تريد الذي سيلي الأمر من بعدي، واختبئ عندك هذا الخبر، فليكن عندك السر"

ما حكاه الميلانى هنا هو اتهام للصحابة المؤمنين بالكفر بما فيهم على  فكلهم عصى نص الشورى الإلهى أو نص الخلافة وهو ما يخالف أنهم لا يمكن أن يكفروا لأن الله رضى عنهم فقال :

"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون"وقال:

"إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه"

ومن ثم فما يحكى هو محض كذب حتى لو اجتمعت كتب الروايات والتاريخ عليه وما حدث هو أن نص الشورى تم تطبيقه وتم مبايعة الخلفاء حسبها فما نقرا وما نحكى هو روايات كتبها الكفار وأرادوا منا أن نصدقها حتى نظل منشغلين بتلك الخلاقات ومن يدافع عن تلك الروايات أو يصدقها هو من يعمل مع الكفرة الظلمة لاذكاء نيران الخلاف على أشياء لم تحدث ولم يكن لها وجود فى يوم من الأيام 

تتبع الميلانى تشوء روايات الشورى فقال :

 "  متى طرحت فكرة الشورى:

إذن، متى جاء ذكر الشورى ؟ ومتى طرحت هذه الفكرة ؟ في أي تاريخ ؟ ولماذا ؟ وحتى عمر أيضا لم تكن عنده هذه الفكرة، وإنه كان مخالفا لهذه الفكرة، وإنما كان قائلا بالنص: منها: قوله: لو كان أبو عبيدة حيا لوليته ومنها: قوله: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته ومنها: قوله: لو كان معاذ بن جبل حيا لوليته إذن، ما الذي حدث ؟ ولماذا طرحت هذه الفكرة فكرة الشورى ؟

هذه الفكرة طرحت وحدثت بسبب، سأقرؤه الآن  عليكم من صحيح البخاري، وهو أيضا في: سيرة ابن هشام، وأيضا في تاريخ الطبري، وأيضا في مصارد اخرى، وهناك فوارق بين العبارات، والنص تجدونه قد تلاعبوا به، لا أتعرض لتلك الناحية، ولا أبحث عن التلاعب الذي حدث منهم في نقل القصة، وإنما أقرأ لكم النص في صحيح البخاري، لتروا كيف طرحت فكرة الشورى من قبل عمر في سنة 23 هـ، وأرجوكم أن تنتظروا إلى آخر النص، لان النص طويل، وتأملوا في ألفاظه وسأقرؤه بهدوء وسكينة:
حدثنا عبد العزيز بن عبدالله، حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب  وهو الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: كنت  ابن عباس يقول، والقضية أيضا فيها عبد الرحمن بن عوف كما سترون  أقرىء رجالا من اقرؤهم يعني القرآن منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى  القضية في الحج، وفي منى بالذات، وفي سنة 23 من الهجرة  وهو عند عمر بن الخطاب  أي: عبد الرحمن بن عوف كان عند عمر بن الخطاب  في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلته فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم

لاحظوا القضية: عبد الرحمن كان عند عمر بن الخطاب في منى، فجاء رجل وأخبر عمر أن بعض الناس كانوا مجتمعين وتحدثوا، فقال أحدهم: لو قد مات عمر لبايعنا فلانا فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة، في البخاري فلان، وسأذكر لكم الاسم، وهذا دأبهم، يضعون كلمة فلان في مكان الأسماء الصريحة، فقال قائل من القوم: والله لو قد مات عمر لبايعت فلانا القائل من ؟ وفلان الذي سيبايعه من ؟ لبايعت فلانا، يقول هذا القائل: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، لكن سننتظر موت عمر، لنبايع فلانا، لما سمع عمر هذا المعنى غضب، وأراد أن يقوم ويخطب
قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاء الناس وغوغائهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة،فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها، فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة  فتفاهما على أن تبقى القضية إلى أن يرجعوا إلى المدينة المنورة قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر علي ـ سعيد بن زيد ـ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ؟ فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:

أما بعد، فإني قائل لكم مقالة، قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي، إن الله بعث محمدا (ص) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضل بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ في ما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم  هذا كان يقرؤه في كتاب الله عمر بن الخطاب، وهذا ليس الآن  في القرآن المجيد، فيكون دليلا من أدلة تحريف القرآن ونقصانه، إلا أن يحمل على بعض المحامل، وعليكم أن تراجعوا كتاب التحقيق في نفي التحريف ثم يقول عمر بن الخطاب: ثم إن رسول الله قال: لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم، وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا  اسمعوا هذه الكلمة  من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه (ص) أن الآن صار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف علينا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الآن صار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم، لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالا عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الآن صار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم أخذوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له ؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الاسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلها، وأن يحضوننا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزوير إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت، فقال:ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين  يعني أبو عبيدة وعمر فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله لان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل من الآن صار: أنا جذيله المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الآن صار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فسادفمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا
هذه خطبة عمر بن الخطاب التي أراد أن يخطب بها في منى، فمنعه عبد الرحمن بن عوف، فوصل إلى المدينة، وفي أول جمعة خطبها، ولماذا في أوائل الخطبة تعرض إلى قضية الرجم ؟ هذا غير واضح عندي الآن ، أما فيما يتعلق ببحثنا، فالتهديد بالقتل للمبايع والمبايع له مكرر، فقد جاء في أول الخطبة وفي آخرها بكل صراحة ووضوح: من بايع بغير مشورة من المسلمين هو والذي بايعه يقتلان كلاهما أما من فلان المبايع ؟ وفلان المبايع له ؟ وما الذي دعا عمر بن الخطاب أن يطرح فكرة الشورى، وقد كان قد قرر أن يكون من بعده عثمان كما قرأنا ؟
الحقيقة: إن أمير المؤمنين وطلحة والزبير وعمار وجماعة معهم كانوا في منى، وكانوا مجتمعين فيما بينهم يتداولون الحديث، وهناك طرحت هذه الفكرة أن لو مات عمر لبايعنا فلانا، ينتظرون موت عمر حتى يبايعوا فلانا، اصبروا حتى نعرف من فلان ؟ ثم أضافوا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فأولئك الجالسون هناك، الذين كانوا يتداولون الحديث فيما بينهم قالوا: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، يريدون أن تلك الفرصة مضت، وإنا قد ضيعنا تلك الفرصة، وخرج الأمر من أيدينا، لكن ننتظر فرصة موت عمر فنبايع فلانا، قالوا هذا الكلام وفي المجلس من يسمعه، فأبلغ الكلام إلى عمر، وغضب عمر وأراد أن يقوم هناك ويخطب، فمنعه عبد الرحمن بن عوف وفي المدينة اضطر الرجل إلى أن يذكر لنا بعض وقائع داخل السقيفة، وإلا فمن أين كنا نقف على ما وقع في داخل السقيفة، وهم جماعة من الآن صار وأربعة أو ثلاثة من المهاجرين، ولابد أن يحكي لنا ما وقع في داخل السقيفة أحد الحاضرين، والله سبحانه وتعالى أجرى على لسان عمر، وجاء في صحيح البخاري بعض ما وقع في قضية السقيفة، وإلا فمن كان يحدثنا عما وقع
يقول عمر: ارتفعت الأصوات، كثر اللغط، حتى نزونا على سعد بن عبادة، هذا بمقدار الذي أفصح عنه عمر، أما ما كان أكثر من هذا، فالله أعلم به، ما عندنا طريق لمعرفة كل ما وقع في داخل السقيفة، والقضية قبل قرون وقرون، ومن يبلغنا ويحدثنا، لكن الخبر بهذا القدر أيضا لو لم يكن في صحيح البخاري فلابد وأنهم كانوا يكذبون القضية
ثم إن عمر أيد قول القائلين إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وهذا أيضا أيدهم فيه، لكن يريد الأمر لمن ؟ يريده لعثمان من بعده، فهل يتركهم أن يبايعوا بمجرد موته غير عثمان، فلابد وأن يهدد، فهددهم وجاءت الكلمة: فلان وفلان، وليس هناك تصريح في الاسم كما في كثير من المواضع
بعض جزئيات طرح فكرة الشورى

فلنراجع إلى المصادر ـ كما هو دأبنا ـ ونحاول أن نعثر على جزئيات القضايا وخصوصياتها، من الشروح والحواشي، وإلا فهم لا يذكرون، فبعد قرون يأتي محدث، يأتي مورخ، ويفتح لنا بعض الألغاز، ويكشف لنا بعض الحقائق وبعض الأسرار هذا الخبر في صحيح البخاري، في كتاب الحدود، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت
والعجيب أن يوضع هذا الخبر تحت هذا العنوان، صحيح أن في مقدمة الخبر ذكر عمر قضية رجم الحبلى، ولم أعرف إلى الآن  ـ على اليقين ـ وجه ذكر هذه القضية أو هذا الحكم أو هذه الآية من القرآن التي ليست موجودة الآن  في القرآن الكريم، إلا أن الخبر كان يقتضي أن يعنونه البخاري بعنوان خاص، أن يجعل له عنوانا بارزا يخصه ويجلب النظر إلى القضية، وأما أن هذا الخبر يأتي تحت هذا العنوان فمن الذي يطلع عليه ؟ وهذا أيضا من جملة ما يفعله المحدثون
هذا في الصفحة 585 إلى 588 من الجزء الثامن من طبعة البخاري، هذه الطبعة التي هي بشرح وتحقيق الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي، هذه الطبعة الموجودة عندي والله أعلم
لنرجع إلى الشروح، فما السبب الذي دعا عمر لان يطرح فكرة الشورى ـ ولا أستبعد أن يكون لعبد الرحمن بن عوف ضلع في أصل الفكرة، كما كان في كيفية طرحها كما في صريح الخبر ـ وهذه الفكرة لم تكن لا في الكتاب، ولا في السنة، ولا في سيرة رسول الله، ولا في سيرة أبي بكر، وحتى في سيرة عمر نفسه، وحتى سنة 23 هـ، إلى قضية منى، نريد أن نعرف من هؤلاء القائلون ؟
هذا الزبير نفسه الذي كان في قضية السقيفة في بيت الزهراء، وخرج مصلتا سيفه، وأحاطوا به، وأخذوا السيف من يده، ينتظر الفرصة، فهو لم يتمكن في ذلك الوقت أن يفعل شيئا لصالح أمير المؤمنين وما يزال ينتظر الفرصة لاحظوا، هنا أقوال أخرى في المراد من فلان وفلان، لكن السند القوي الذي وافق عليه ابن حجر العسقلاني وأيده هذا، لكن لاحظوا، هناك أقوال أخرى، وأنا أيضا لا أنفي الأقوال الأخرى، لان الزبير وعليا لم يكونا وحدهما في منى، وإنما كانت هناك جلسة، وهؤلاء مجتمعون، فكان مع الزبير ومع علي غيرهما من عيون الصحابة وأعيان الأصحاب
لاحظوا الأقوال الأخرى أقرأ لكم نص العبارة، يقول ابن حجر العسقلاني:وقد كرر في هذا الفصل حديث ابن عباس عن عمر في قصة السقيفة فيه، فقال عبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين هل لك  إذن، عندنا كلمة: رجلا ثم هل لك في فلان  هذا صار اثنين  يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا
صار ثلاثة: رجل، فلان، فلان من هم ؟يقول: في مسند البزار، والجعديات، بإسناد ضعيف أن المراد بالذي يبايع له طلحة بن عبيدالله إذن، طلحة أيضا بحسب هذه الرواية كان ممن ينتظر فرصة موت عمر لان يبايع له لاحظوا كلام ابن حجر: ولم يسم القائل ولا الناقل، ثم وجدته بالاسناد المذكور في الأصل ولفظه قال عمر: بلغني أن الزبير قال لو قد مات عمر بايعنا عليا يقول: فهذا أصحوفيه: فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، هما عوين بن ساعدة ومعد بن عدي، سماهما المصنف ـ أي البخاري ـ في غزوة بدر، وكذا رواه البزار في مسند عمر، وفيه رد على من زعم كذاثم يقول: وأما القائل: قتلتم سعدا فقيل أو قال قائل: قتلتم سعدا، فلم أعرفه، لم أعرف من القائل قتلتم سعدا هذا في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري وفي بعض المصادر: أن القائل عمار بدل الزبير، هذا راجعوا فيه الطبري وابن الاثير أما ابن حجر نفسه، ففي شرح البخاري، في فتح الباري، الجزء الثاني عشر، حيث يشرح الحديث ـ تلك كانت المقدمة أما حيث يشرح الحديث ـ لا يصرح بما ذكره في المقدمة، ولا أعلم ما السبب ؟ لماذا لم يصرح البخاري في المتن وفي أصل الكتاب، ولا ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث، بما صرح به في المقدمةثم إنه يشرح جملة: هل لك في فلان، يقول: لم أقف على اسمه أيضا، ووقع في رواية ابن إسحاق أن من قال ذلك كان أكثر من واحد
وهذا ما ذكرته لكم من أن القول ليس قول شخص واحد، بل أكثر من واحد، لانهم كانوا جماعة جالسين جلسة فيما بينهم، وطرحت هذه النظرية والفكرة في تلك الجلسة، ولذا غضب عمرقوله لقد بايعت فلانا هو طلحة بن عبيدالله أخرجه البزار من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه إنتهى أما خبر البلاذري الذي هو أصح وقد روي بسند قوي، فلا يذكره في شرح الحديث، فراجعوا لكن عندما نراجع القسطلاني في شرح الحديث، نجده يذكر ما ذكره ابن حجر في المقدمة في شرح الحديث، في الجزء العاشر من إرشاد الساري، لاحظوا هناك يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا: قال في المقدمة يعني قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري: في مسند البزار والجعديات بإسناد ضعيف: إن المراد قال ثم وجدته في الآن ساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام ابن يوسف عن معمر عن الزهري بالاسناد المذكور في الاصل ولفظه: قال عمر بلغني إن الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا عليا الحديث، وهذا أصح
ويقول القسطلاني: وقال في الشرح قوله: لقد بايعت فلانا هو طلحة بن عبيد الله، أخرجه البزار، قرأنا هذا من شرح البخاري لابن حجر، ثم ذكر قال بعض الناس لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا، يعنون طلحة بن عبيد الله، ونقل ابن بطال عن المهلب أن الذي عنوا أنهم يبايعونه رجل من الآن صار، ولم يذكر مستنده وهذه إضافة في شرح القسطلاني وأما إذا راجعتم شرح الكرماني، فلم يتعرض لشيء من هذه القضايا أصلا، وإنما ذكر أن كلمة «لو» حرف يجب أن تدخل على فعل فلماذا دخلت لو على حرف آخر «لو قد مات»، لماذا كلمة «لو» التي هي حرف دخلت على «قد» التي هي حرف ؟ «لو» يجب أن تدخل على فعل، فلماذا دخلت على حرف ؟ هذا ما ذكره الكرماني في شرح الحديث، وكأنه ليس هناك شيء أبدا

وأما صاحبنا العيني ـ هذا العيني دائما يتعقب ابن حجر العسقلاني، لأن العسقلاني شافعي، والعيني حنفي، وبين الشوافع والحنفية خاصة في المسائل الفقهية خلاف شديد ونزاعات كثيرة ـ يتعقب العيني دائما ابن حجر العسقلاني، ولكن ليس هنا أي تعقيب، وحتى أنه لم يتعرض للحديث الذي ذكره ابن حجر العسقلاني، وإنما ذكر رأي غيره فلم يذكر شيئا عن ابن حجر العسقلاني أصلا، وإنما جاء في شرح العيني: قوله: لو قد مات عمر، كلمة قد مقحمة، لان لو يدخل على الفعل، وقيل قد في تقدير الفعل، ومعناه لو تحقق موت عمر قوله لقد بايعت فلانا، يعني طلحة بن عبيد الله، وقال الكرماني: هو رجل من الآن صار، كذا نقله ابن بطال عن المهلب، لكن لم يذكر مستنده في ذلك وهذا غاية ما ذكره العيني في شرح البخاري فإلى الآن ، عرفنا لماذا طرحت فكرة الشورى ؟ وكيف طرحت ؟ طرحت مع التهديد بالقتل، بقتل المبايع والمبايع، وللكلام بقية"

الميلانى يذكر لنا تناقض الروايات فيمن قال كذا وكذا وفيمن كان يريد موت عمر  ومن خاصم من ويذكر لنا كون بعض الروايات ضعيفة وهذا يجعل تلك الحوادث لم تحدث لعدم التيقن ممن قال وممن فعل ولكن لا يهم هذا التناقض ولا الكذب حتى تكون مقولته صحيحة فى عمر

كما قلنا نحن أما رواية كاذبة إذا صدقناها وجب أن نعترف أن القرآن محرف وناقص والقرآن لا يمكن أن يكون ناقصا ولا محرفا وإنما الرواية هى الكاذبة فلا يوجد رجم للزناة فى الإسلام كما لا يوجد آيات نقصت من القرآن

الميلانى إذا كان مصدقا للرواية حتى يتهم عمر وغيره بالسوء فقد كفر لأن تصديقه للرواية يعنى تحريف القرآن ومن ثم فهو مصدق لكون القرآن محرف تم محو آيات منه كما تقول الرواية ومن ثم فلكى يثبت شىء فى نفسه محا الدين محوا كاملا بتصديقه تحريف القرآن    
 وما زال الميلانى مصرا على أن عمر لم يكتفى بالكلام وإنما طبق ما قال فقال الميلانى:

 "تطبيق عمر لفكرة الشورى:

بعد أن أعلن عمر عن هذه الفكرة، لابد وأن يطبقها، إلا أنه يريد عثمان من أول الأمر، وقد بنى على أن يكون من بعده عثمان، غير أنه من أجل التغلب على الآخرين ومنعهم من تنفيذ مشروعهم، طرح فكرة الشورى وهددهم بالقتل لو بايعوا من يريدونه ولا يريد عمر إذن لا بد في مقام التطبيق من أن يطبق الشورى، بحيث تنتهي إلى مقصده، وهي مع ذلك شورى فجعل الشورى بين ستة عينهم هو، لا يزيدون ولا ينقصون، على أن يكون الخليفة المنتخب واحدا من هؤلاء فقط، ولو اتفق أكثرهم على واحد منهم وعارضت الأقلية ضربت أعناقهم، ولو اتفق ثلاثة منهم على رجل وثلاثة على آخر كانت الكلمة لمن ؟ لعبد الرحمن بن عوف، ومن خالف قتل، ومدة المشاورة ثلاثة أيام، فإن مضت ولم يعينوا أحدا قتلوهم عن آخرهم، وصهيب الرومي هو الرقيب عليهم، وهناك خمسون رجل واقفون بأسيافهم، ينتظرون أن يخالف أحدهم فيضربوا عنقه بأمر من عبد الرحمن بن عوف وفي التواريخ والمصادر كالطبقات وغير الطبقات، جعل الأمر بيد عبد الرحمن بن عوف، لكن عبد الرحمن بن عوف لابد وأن يدبر القضية بحيث تطبق كما يريد عمر بن الخطاب وكما اتفق معه عليه، إنه يعلم رأي علي في خلافة الشيخين، ويعلم مخالفة علي لسيرة الشيخين، فجاء مع علمه بهذا، واقترح على علي أن يكون خليفة على أن يسير بالناس على الكتاب والسنة وسيرة الشيخين، يعلم بأن عليا سوف لا يوافق، أما عثمان فسيوافق في أول لحظة، فطرح هذا الأمر على علي، فأجاب علي بما كان يتوقعه عبد الرحمن، من رفض الالتزام بسيرة الشيخين، وطرح الأمر على عثمان فقبل عثمان، أعادها مرة، مرتين، فأجابا بما أجابا أولا فقال علي لعبد الرحمن: أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني فبايع عبد الرحمن عثمان فقال علي لعبد الرحمن: والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك أو عليك فقال له: بايع وإلا ضربت عنقك فخرج علي من الدار فلحقه القوم وأرجعوه حتى ألجأوه على البيعة وهكذا تمت البيعة لعثمان طبق القرار، ولكن هل بقي عثمان على قراره مع عبد الرحمن ؟ إنه أرادها لبني أمية، يتلقفونها تلقف الكرة، فثار ضد عثمان كل أولئك الذين كانوا في منى وعلى رأسهم طلحة والزبير، اللذين كانت لهما اليد الواسعة الكبيرة العالية في مقتل عثمان، لأنهما أيضا كانا يريدان الأمر، وقد قرأنا في بعض المصادر أن بعض القائلين قالوا لو مات عمر لبايعنا طلحة، وطلحة يريدها وعائشة أيضا تريدها لطلحة، ولذا ساهمت في الثورة ضد عثمان أما عبد الرحمن بن عوف، فهجر عثمان وماتا متهاجرين، أي لا يكلم أحدهما الاخر حتى الموت، لان عثمان خالف القرار، وقد تعب له عبد الرحمن بأكثر ما أمكنه من التعب، وراجعوا المعارف لابن قتيبة، فيه عنوان المتهاجرون، أي الذين انقطعت بينهم الصلة وحدث بينهم الزعل بتعبيرنا، ومات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان وهكذا كانت الشورى، فكرة لحذف علي كما أن معاوية طالب بالشورى عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والآن صار معه، طالب بالشورى، لماذا ؟ لحذف علي، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر، ولكن عليا كتب إليه: إنما الشورى للمهاجرين والآن صار، وأنت لست من الآن صار وهذا واضح، ولست من المهاجرين، لان الهجرة لمن هاجر قبل الفتح، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الأسلوب لحذف علي، ولكنه ما أفلح وكل من يطرح فكرة الشورى، يريد حذف النص، كل من يطرح الشورى في كتاب، في بحث، في مقالة، في خطابة، يريد حذف علي، لا أكثر ولا أقل"

كما سبق أن قلنا لا توجد رواية عن الخلافات المذكورة إلا وهى كاذبة فكل الروايات تهدف إلى تشويه الصحابة المؤمنين الذين رضى الله عنه ورضوا عنه بأن همهم كان الكرسى وهو كلام لا يصدقه من له عقل يعرف أنه باعوا أنفسهم وأموالهم لله كما قال تعالى :

"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك الفوز العظيم "

فكيف يكون هؤلاء متعاركين متشاجرين على متاع الدنيا وقد باعوه؟