الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

نقد كتاب الدر الفريد في بيان حكم التقليد

نقد كتاب الدر الفريد في بيان حكم التقليد
المؤلف أحمد بن محمد الحموي والكتاب اختصر الرجل فيه الموضوع بمقدمة قصيرة قال فيها:
"هذه رسالة في بيان حكم التقليد فيه رد على كل مخالف عنيد سميتها
بـ((الدر الفريد في بيان حكم التقليد))"
وبعد ذلك عرف التقليد وأنواعه فقال :
"التقليد: جعل الشيء كالقلادة في العنق، حقا كان أو باطلا.
وهو أنواع:
واجب، وجائز، وحرام.
فالواجب: تقليد المعصوم عن الخطأ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، المبعوث بالحق، وهذا ليس بتقليد حقيقة؛ إذ التقليد في الشرع: عبارة عن قبول قول الغير من غير أن يعرف حقيقته، لكن يسمى تقليدا عرفيا.
والتقليد الجائز: تقليد العوام لعلماء الدين في الفروع بالإجماع.
وفي أصول الدين مختلف فيه؛ لاستواء المكلفين به في أصله، وهو النظر، والاستدلال فيما كان معقولا، وسهولة التعلم لما كان منقولا، خاصة قدر ما يتعلق به صحة الإيمان والإسلام.
وفي تقليد العالم للعلماء في الفروع أيضا اختلاف.
أما التقليد الحرام: فهو كتقليد الآباء والأكابر في الأباطيل. كذا في ((الحاوي القدسي))"
والخطأ الأول هو تقليد المعصوم عن الخطأ، وهو النبي(ص) وعصمة النبى(ص) ليست من الخطأ وإنما من أذى الناس كما قال تعالى :
" والله يعصمك من الناس"
ولا يجوز تقليد النبى(ص) وإنما الجائز اتباع المنزل عليه لأنه بنص القرآن ارتكب ذنوبا كما فى قوله تعالى:
" واستغفر لذنبك"
وقال :
"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
والاقتداء نص الله على أنه بالهدى المنزل فقال :
" فبهداهم اقتده"
ولم يقل تقليد أعمالهم قولا وقعلا لوجود الذنوب فيها
والخطأ الثانى تقليد العوام للعلماء فيما أسموه الفروع ولا يوجد فى الدين تقسيمه لأصول ولا فروع وإنما الدين كامل تام ليس للعلماء فيه ولا لغيرهم قول من عند أنفسهم لأن فيه بيان كل شىء كما قال تعالى :
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ثم تحدث عن حقيقة التقليد فقال :
"وحقيقة التقليد: العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج الأربع الشرعية بلا حجة فيها، فليس الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع من التقليد؛ لأن كلا منها حجة شرعية من الحجج الأربع، وعلى هذا اقتصر ابن الهمام في ((تحريره)).
وقال ابن أمير حاج: وعلى هذا عمل العامي بقول المفتي، وعمل القاضي بقول العدول؛ لأن كلا منهما وإن لم يكن من إحدى الحجج، فليس العمل به بلا حجة شرعية؛ لإيجاب النص أخذ العامي بقول المفتي، وأخذ القاضي العدول. انتهى.
قال شيخنا: وفيه تأمل؛ لأن النص وإن أوجب أخذ العامي بقول المفتي مجردا عن الدليل، فعدم علمه بالدليل تقليد في الحكم، وإلا لزم العامي أيضا فتوى المفتي، وليس بلازم إلا بالإمضاء بالفعل. انتهى.
قال ابن أمير حاج: ما نصه: قال الروياني: يجوز تقليد المذاهب والانتقال إليها بثلاثة شروط:
أن لا يجمع بينها على صورة يخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد. انتهى.
قال شيخنا: وهذا مؤيد، بل نص في دفع جواز التلفيق؛ لأن الشيء ينتفي بانتفاء ركنه أو فقد شرطه. انتهى.
قال الروياني:
وأن يعتقد فيمن قلده الفضل بوصول أخباره إليه، ولا يقلد أميا في عماية.
وأن لا يتبع رخص المذاهب.
وتعقب الشرط الأول: بأن الجمع المذكور ليس بضار؛ فإن مالكا مثلا لم يقل: إن من قلد الإمام الشافعي في عدم الصداق أن نكاحه باطل، وإلا لزم أن تكون أنكحة المالكية بلا شهود عنده باطلة.
قال شيخنا: لكن في هذا التوجيه نظر غير خاف، ومن المعلوم أنها لا تكون أنكحة عند القائل بها إلا بشروطها، وإلا فليست أنكحة، فانتفى جواز التلفيق. انتهى.
ووافق ابن دقيق العيد الروياني على اشتراط: أن لا يجتمع في صورة يقع الإجماع على بطلانها.
وأبدل الشرط الثالث: بأن لا يكون ما قلد فيه مما ينقض به الحكم لو وقع.
واقتصر العز ابن عبد السلام على اشتراط هذا، وقال: وإن كان المأخذان متقاربين جاز.
والشرط الثاني: انشراح الصدر للتقليد المذكور، وعدم اعتقاد لكونه متلاعبا بالدين متساهلا فيه.
واعلم أنه يجوز التقليد بهذا لعمل بما يخالفه أن يخالف ما قلد فيه، ولا يخالف هذا ما في ((تحرير)) المحقق ابن الهمام من أنه: لا يرجع فيما قلد فيه؛ أي عمل به اتفاقا؛ لحمل المنع على خصوص العين لا خصوص الجنس، أو حمله على ما إذا بقي من آثار العمل الأول ما يلزم عليه مع الثاني تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس والإمام مالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة.
وفي ((العقد الفريد)) للمحقق السيد السمهودي: المختار أن كل مسألة اتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غير مذهبه الأول، وبه يعلم ما في حكاية إطلاق الاتفاق على المنع، ولعل المراد اتفاق الأصوليين.
ثم إن كان المراد من المنع الرجوع حيث عمل في الواقعة عين تلك الواقعة المنقضية لا ما يحدث بعدها من جنسها فهو ظاهر؛ كحنفي سلم شفعة بالجوار عملا بقصده، ثم عن له تقليد الشافعي كي ينزع الxxxx ممن سلمه له، فليس له ذلك. كما أنه لا يخاطب بعد تقليده للشافعي بإعادة ما مضى من عباداته التي يقول الشافعي ببطلانها؛ لمضيها على الصحة في اعتقاده فيما مضى.
فلو شرى هذا الحنفي بعد ذلك xxxxا آخر وقلد الشافعي في عدم القول بشفعة الجوار، فلا يمنعه ما سبق من أن يقلده في ذلك، فله أن يمتنع عن تسليم الxxxx الثاني، فإن منع في مثل هذا، أو عمم ذلك في جميع صور ما وقع العمل به أولا، فهو غير مسلم، ودعوى الاتفاق عليه ممنوعة.
ففي ((الخادم)): أن القاضي أبا عاصم العامري الحنفي كان يفتي على باب مسجد القفال، والمؤذن يؤذن المغرب فترك ودخل المسجد، فلما رآه القفال أمر المؤذن أن يثني الإقامة وقدم القاضي فتقدم وجهر بالبسملة مع القراءة وأتى بشعار الشافعي في صلاته. انتهى.
ومعلوم أن القاضي أبا عاصم إنما يصلي بشعار مذهبه، فلم يمنعه سبق عمله بمذهبه في ذلك.
وفي ((فتاوى السبكي )) ما نصه: ودعوى الاتفاق فيها نظر، وفي كلام غيرهما يعني الآمدي وابن الحاجب ما يشعر بإثبات الخلاف بعد العمل، وكيف يمتنع إذا اعتقد صحته، ولك وجه ما قالا: أنه بالتزامه مذهب إمام يكلف به ما لم يظهر له الغير …، بخلاف المجتهد حيث ينتقل من إمارة إلى إمارة، ولا بأس بهذا الوجه لكنني أرى تنزيله على خصوص العين، فلا يبطل عين ما فعله، وله فعل جنسه بخلافه. انتهى ملخصا كلام السيد."
وكل هذا الكلام باطل معارض لآيات القرآن فلا يوجد مسائل خارج الوحى فلا وجود للاجماع ولا للقياس ولا لغيرهم فكل قضية لها حكم فى الوحى كما قال تعالى :
" ما فرطنا فى الكتاب من شىء"
وقال :
" وكل شىء فصلناه تفصيلا"
ومن ثم لا يجوز التقليد لأى مخلوق وإنما الواجب هو :
اتباع الوحى لأن فيه حكم كل قضية أى مسألة
وأباح الرجل العمل بالمذاهب فى مسائل مختلفة فقال :
"واعلم أنه يجوز العمل بجملة مسائل كل منها على مذهب إمام مستقل:
قال المحقق ابن الهمام: وهل يقلد غيره: أي غير من قلده أولا في شيء في غيره: أي غير ذلك الشيء كأن يعمل أولا في مسألة بقول الإمام رضي الله عنه وثانيا في أخرى بقول مجتهد آخر، المختار كما ذكره الآمدي وابن الحاجب: نعم للقطع بالاستقراء التام بأنهم؛ أي المستفتين في كل عصر في زمن الصحابة وهلم جرا كانوا يستفتون مرة واحدا ومرة غيره غير ملتزمين مفتيا واحدا، وشاع ذلك الأمر وتكرر ولم ينكر. انتهى. كذا في ((شرح ابن أمير حاج
لكن يفهم منه منع التقليد في جنس ما عمل به، وهو مناقض لما جزمنا به أولا، إلا أن يحمل على غير المختار، ولا يمنع منه دعوى الإجماع لما تقدم من عدم تسليمه، وحمل المنع على بقاء أثر يؤدي إلى الجمع بين ما لا يقول به كل من الإمامين المقلدين؛ إذ السؤال وعدم التزام مذهب شامل للعمل ثابتا بخلاف ما عمل أولا، وهذا إذا لم يلتزم مذهبا معينا، فلو التزم مذهبا معينا كالإمام أبي حنيفة أو الشافعي، فهل يلزم الاستمرار عليه، فلا يقلد غيره في مسألة من المسائل.
فقيل: يلزم، كما يلزمه الاستمرار في حكم حادثة معينة قلد فيه؛ ولأنه اعتقد أن مذهبه حق، فيجب عليه العمل بموجب اعتقاده.
وقيل: لا يلزم، وهو الأصح؛ لأن التزامه غير ملزم؛ إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فيقلده في كل ما يأتي، ويذر دون غيره، والتزامه ليس بنذر حتى يجب الوفاء به.
وقيل: الملتزم كمن لم يلتزم إن عمل بحكم المقلد المجتهد، لا يرجع عنه: أي عن ذلك الحكم، وفي غيره: أي غير ذلك الحكم له تقليد غيره من المجتهدين، وهذا القول في الحقيقة تفصيل للقول الثاني، وهو الغالب على الظن لعدم ما يوجبه: أي لزوم اتباع من التزم تقليده شرعا: أي إيجابا شرعيا، إذ لا يجب على المقلد إلا اتباع أهل العلم؛ لقوله تعالى: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)).
وليس التزامه من الموجبات شرعا، ويتخرج منه: أي من جواز اتباع غير مقلده الأول، وعدم التضييق عليه، جواز اتباع رخص المذاهب: أي أخذه من المذاهب ما هو الأهون عليه فيما يقع من المسائل، ولا يمنع منه مانع شرعي، إذ للإنسان أن يسلك المسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر: أي بقول آخر مخالفا لذلك الأخف فيه: أي في ذلك المحل المختلف فيه. كذا في ((شرح السيد بادشاه على التحرير)).
وقول ابن حزم: إن متبع الرخص فاسق بالإجماع لم يؤخذ به، وهو مردود بما أفتى به العز بن عبد السلام من أنه لا يتعين على العامي إذا قلد إماما في مسألة أن يقلده في سائر مسائل الخلاف؛ لأن الناس من زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى أن ظهرت المذاهب يسألون فيما يسنح لهم العلماء المختلفين من غير نكير، وسواء اتبع الرخص في ذلك أو العزائم؛ لأن من جعل المصيب واحدا، وهو الصحيح، لم يعينه، ومن جعل كل مجتهد مصيب فلا إنكار على من قلد في الصواب.
وأما ما حكي عن ابن حزم فلعله محمول على من تتبعها من غير تقليد لمن قال بها، أو على الرخص المركبة في الفعل الواحد. كذا في ((العقد الفريد)).
بل قيل: لا يصح للعامي مذهب؛ لأن المذهب لا يكون إلا لمن له نوع نظر وبصيرة بالمذهب، أو لمن قرأ كتابا في فروع مذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك بل قال: أنا حنفي أو شافعي لم يصر من أهل ذلك المذهب بمجرد هذا.
وقال الصلاح العلائي: والذي صرح به الفقهاء في مشهور كتبهم جواز الانتقال في آحاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهبه إذا لم يكن على وجه التتبع للرخص.
قال شيخنا: والمراد بخلاف مذهبه المسائل التي عمل بها لا التي اعتقدها بدون عمل؛ لقول الكمال: ثم حقيقة الانتقال ـ أي عن المذهب ـ إنما تتحقق في حكم مسألة خاصة قلد فيه وعمل به، وإلا فقوله: قلدت الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه فيما أفتى به من المسائل مثلا أو التزمت العمل به على الإجمال، وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد، بل هذا حقيقة تعليق التقليد أو وعد به، لأنه التزم أن يعمل بقول الإمام رضي الله تعالى عنه فيما يقع له من المسائل التي تتعين في الوقائع. فإن أرادوا ـ يعني المشايخ القائلين من الحنفية بأن المنتقل من مذهب إلى مذهب آثم يستوجب التعزير ـ أن أرادوا هذا الالتزام، فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد المعين بالزامه نفسه ذلك قولا أو نية شرعا.
قلت: وكذلك لا يلزم بالعمل على الصحيح. كما تقدم. انتهى.
بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما إذا احتاج إليه بقوله تعالى: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))، والسؤال إنما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة، [و]حينئذ إذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عليه [عمله]به. كما نقله السيد علي السمهودي.
ثم في غير كتاب من الكتب المذهبية المعتبرة أن المستفتي إذا أمضى قول المفتي لزمه وإلا فلا.
ثم قالوا: إذا لم يكن الرجل فقيها فاستفتى فقيها فأفتاه بحلال أو حرام، ولم يعزم على ذلك ـ يعني لم يعمل به ـ حتى أفتاه فقيه آخر بخلافه، فأخذ بقوله وأمضاه، لم يجز له أن يترك ما أمضاه فيه ويرجع إلى ما أفتاه به الأول؛ لأنه لا يجوز له نقض ما أمضاه مجتهدا كان أو مقلدا؛ لأن المقلد متعبد بالتقليد كما أن المجتهد متعبد بالاجتهاد.
ثم كما لم يجز للمجتهد نقض ما أمضاه، فكذا لا يجوز للمقلد؛ لأن اتصال الإمضاء بمنزلة اتصال القضاء بمنع النقض، فكذا اتصال الإمضاء. انتهى من ((شرح التحرير)) لابن أمير حاج.
بقي هل مجرد وقوع جواب المفتي وحقيته في نفس المستفتي يلزمه العمل به:
فذهب [ابن] السمعاني إلى أن أولى الأوجه أن يلزمه، وتعقبه ابن الصلاح بأنه لم يجده لغيره.
قلت: وما ذكره [ابن] السمعاني يوافق ما في ((شرح الزاهديعلى مختصر القدوري )): وعن أحمد العياضي العبرة بما يعتقده المستفتي فكل ما اعتقده من مذهب حل له الأخذ به ديانة ولم يحل له
خلافه.
وفي ((رعاية الحنابلة)): ولا يكفيه ما لم تسكن نفسه إليه.
وفي ((أصول ابن مفلح)): الأشهر يلزمه التزامه، وقيل: وبظنه حقا، وإن لم يجد مفتيا آخر لزمه كما لو حكم به حاكم. انتهى.
يعني ولا يتوقف ذلك على التزامه ولا سكون نفسه إلى صحته كما صرح به ابن الصلاح، وذكر أنه الذي تقتضيه القواعد.
وفي ((أمالي محمد)): لو أن فقيها قال: لامرأته أنت طالق البتة، وهو ممن يراها ثلاثا، ثم قضى عليه قاض بأنها رجعية وسعه المقام معها، وكذا كل قضاء مما يختلف فيه الفقهاء من تحريم أو تحليل أو عتاق، أو أخذ مال غيره، ينبغي للفقيه المقضي عليه الأخذ بقضاء القاضي، ويدع رأيه، ويلزم نفسه بما ألزمه القاضي ويأخذ ما أعطاه.
قال محمد: وكذلك رجل لا علم له ابتلي ببلية فسأل عنها الفقهاء فأفتوه بحلال أو حرام، وقضى عليه قاضي المسلمين بخلاف ذلك، وهو مما يختلف فيه الفقهاء، فينبغي له أن يأخذ بقضاء القاضي ويدع ما أفتاه الفقهاء وان قضى له بحلال أو حرام، ثم رجع إلى قاض آخر فقضى له في ذلك بشيء بعينه بخلاف قضاء الأول، وهو مما يختلف فيه الفقهاء أخذ بقضاء الأول وأبطل قضاء الثاني؛ لأن الحكم إذا وقع في موضع اجتهاد لم يجز لقاض من القضاة فسخه ولا يؤثر حكم الثاني إلا أن يكون الأول لا يسوغ فيه الاجتهاد، فلا يعتد به.
قال محمد: ولو أن فقيها عالما، قال: لامرأته أنت طالق البتة، وهو يرى أنها ثلاث، وأمضى رأيه فيما بينه وبينها، وعزم على أنها حرمت عليه، ثم رأى رأي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك هو الصواب، وأنها تطليقة واحدة يملك الرجعة، أمضى رأيه الذي كان عزم عليه من امرأته، ولا يردها زوجة برأي حدث فيه، ولا يشبه هذا قضاء القاضي له بخلاف رأيه الأول؛ لأن قضاء القاضي يهدم الرأي، والرأي لا يهدم الرأي.
وإن كان يرى أنه البتة رجعية، فعزم على أنها واحدة يملك الرجعة، فعزم على أنها امرأته، ثم رأى أنها ثلاث تطليقات، وأنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لم تحرم، وكانت امرأته على حالها، وهذا على ما قدمناه أنه إذا عزم على إمضاء الاجتهاد لم ينفسخ باجتهاد آخر. كذا في ((شرح الكرخي على القدوري)).
فسر من ذهب عليه فمنع من قلد الإمام الأعظم في نقض وضوئه بخروج الدم مثلا في صلاة وطهارتها من تقليده الإمام مالك في عدم النقض به في صلاة أخرى وطهارتها بما يتوهم من بعض العبارات أو بما قال في ((جامع الفصولين)): ولم يجز لحنفي أن يأخذ بقول مالك والشافعي فيما خالف مذهبه، وله أن يأخذ بقول قاض حكم عليه بخلاف مذهبه. انتهى.
لأن المنع من تقليد الإمام مالك على أحد الأقوال الثلاثة فيمن التزم مذهبا معينا أنه يلزمه، فلا يقلد غيره في مسألة من المسائل، والأصح أنه لا يلزمه، كما قدمناه عن شارحي ((التحرير))، وهو على ما إذا بقي من آثار العمل السابق ما يمنع اللاحق كما قدمناه.
وليس العمل بما يخالف ما عمله إبطال لعلمه السابق؛ لأن المقلد متعبد بالتقليد كالاجتهاد، واللاحق لا يبطل السابق كما في قضاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسألة المشتركة وقد قلنا: إن قول العلامة المحقق ابن الهمام في ((التحرير)) الذي قدمته لا يرجع فيما قلد فيه اتفاقا، معناه: الرجوع في خصوص العين لا في خصوص الجنس فنقض ما فعله مقلدا في فعله إما بالصلاة طهر بمسح ربع الرأس ليس له إبطالها باعتقاده بعد التمام لزوم مسح كل الرأس، كما قد علمته، لا الرجوع بمعنى منع الشخص من تقليده غير إمامه في شيء بفعله، مخالفا لما صدر منه كصلاة يوم على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، وصلاة يوم على مذهب غيره، وإن كان المراد بالرجوع العمل في نظير ما مضى بخلاف معتقد من قلده كما يتراءى من ظاهر متن ((التحرير)) وشرحيه، ففي كل منهما خلافه مع ذلك، قد علمت تقييده بما تقدم.
واعلم أنه يصح التقليد بعد الفعل كما إذا صلى ظانا صحتها على مذهبه، ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره، فله تقليده ويجتزئ بتلك الصلاة على ما قال في ((البزازية))."
وانتهى المؤلف إلى أن الفرد ليس عليه التزام مذهب معين فقال :
"فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا فيه مستجمعا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منها بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض."
وكل هذا الكلام لا أساس له فى كتاب الله فلا يجوز تقليد أحد وإنما العلماء وظيفتهم بيان حكم الله وإلا كانوا مشركين جعلوا أنفسهم شركاء لله ولذا قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
ومن ثم فالعلماء إذا علموا النص أفتوا به وإن جهلوه عليهم ألا يفتوا بشىء من عند أنفسهم وإلا كان ذلك إشراك للنفس مع الله تعالى
ومن ثم فالشىء الوحيد الجائز تقليده أى العمل به هو حكم الله

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

قراءة فى كتاب الإيماء إلى علة حديث من قال جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء

قراءة فى كتاب الإيماء إلى علة حديث من قال جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء
المؤلف: أبُو مُحَمَّدٍ الأَلْفِيُّ وقد كتب الألفى فى نهاية الكتاب أنه "مقتبس من: الرَّوْضُ الْمِعْطَارُ بِتَخْرِيْجِ مُسْنَدِ الْبَزَّار مُسْنَدُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ"
ومن ثم فالكتاب عبارة عن نقل جزء من كتاب البزار وموضوع الكتاب حديث هو "من صنع إليه معروف فقال لصاحبه: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء"
والحديث باطل لأن قول جزاك الله خيرا ليس ثناء أو مدحا وإنما هو دعاء لله أن يجازى الأخر بالجنة على عمله سواء كان معروفا أو واجبا
وأورد الألفى أسانيد الحديث والكتب التى ذكره فيها والكلام فى رجاله فقال :
"قال أبو بكر البزار «مسنده» (7/ 54/ح 2601): أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن منيع قالا: أخبرنا الأحوص بن جواب قال: أخبرنا سعير بن الخمس عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليه معروف فقال لصاحبه: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء».
قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن سليمان التيمي إلا سعير، ولا عن سعير إلا الأحوص بن جواب.
ـــ التخريج ـــ
أولا: تخريج الحديث من طريق المصنف
أخرجه الترمذي «السنن» (كتاب البر والصلة / باب ما جاء في الثناء بالمعروف) (ج 4/ص 380/ 2035)، والنسائي «الكبرى» (كتاب عمل اليوم والليلة / باب ما يقول لمن صنع إليه معروفا) (ج 6/ص 53/ 1008) و «عمل اليوم والليلة (ج 1/ص 221/ 180)، وابن حبان (ج 8/ ص 202/ 3413)، وابن السني «عمل اليوم والليلة» (ج 1/ص 242/ 275) ثلاثتهم عن إبراهيم بن سعيد الجوهري - وزاد الترمذي: الحسين بن الحسن المروزي -، وأبو بكر الشافعي «الغيلانيات» (ص 184) من طريق القاسم بن الحسن وإسحاق بن الحصين الرقي وإبراهيم بن سعيد الجوهري وإسحاق بن إبراهيم البغوي، والطبراني «المعجم الصغير» (ج 2/ص 291/ 1183)، وأبو الشيخ ابن حيان «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج 4/ص 164/ 598)، وأبو نعيم «أخبار أصبهان» (ترجمة يزيد بن إبراهيم الرقاعي الخطيب) (ج 2/ص 323/ 1852)، والبيهقي «شعب الإيمان» (ج 6/ ص 521/ 9137) و «الدعوات الكبير» (ح 655)، والخطيب «تالي تلخيص المتشابه» (ج 1/ ص 278/ 160) خمستهم من طريق أحمد بن يونس الضبى، وأبو القاسم الأصبهاني «الترغيب والترهيب» (ج 2/ص 70/ح 1173)، والضياء «الأحاديث المختارة» (ج 4/ص 110/ح 1321، 1322) كلاهما من طريق الحسين بن الحسن المروزي، ستتهم عن الأحوص بن جواب عن سعير بن الخمس عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد بمثله.
ثانيا: تخريج شاهد للحديث بإسناد ضعيف
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
قال أبو بكر بن أبي شيبة «المصنف» (ج 5/ص 322/ 26518): حدثنا وكيع عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء».
وأخرجه كذلك عبد الرزاق «المصنف» (ج 2/ص 215/ح 3118)، والحميدي (ج 2/ص 490/ 1160)، وعبد بن حميد «المنتخب» (ج 1/ص 415/ 1418)، والحارث بن أبي أسامة كما في «بغية الباحث عن زوائد الحارث» (ج 2/ص 859/ 914)، والبزار (ج 16/ص 241/ح 9413)، والخرائطي «مكارم الأخلاق» (ص 297/ح 913)، والطبراني «الدعاء» (ح 1929 - 1932)، وابن عدي «الكامل» (ترجمة موسى بن عبيدة) (ج 6/ص 335/ 1813)، وتمام الرازي «الفوائد» (ح 1040، 1468)، والبيهقي «معرفة السنن والآثار» (ج 7/ص 583/ 6170،6171)، والخطيب «تاريخ بغداد» (ترجمة عمر بن زرارة أبي حفص الحدثي) (ج 11/ص 203/ 5906) من طرق عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة بمثله.
قلت: وهذا إسناد ضعيف. موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي منكر الحديث، قاله أحمد.
وقال يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه.
وقال ابن حبان «المجروحين» (2/ 234): كان من خيار عباد الله نسكا وفضلا وعبادة وصلاحا، إلا أنه غفل عن الإتقان في الحفظ، حتى يأتي بالشيء الذي لا أصل له متوهما، ويروي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات من غير تعمد له، فبطل الاحتجاج به من جهة النقل، وإن كان فاضلا في نفسه.
قال البوصيري: مدار هذه الطرق على موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين، والترمذي، والنسائي، وغيرهم.
وقال الترمذي: وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وسألت محمدا عنه، فلم يعرفه.
ثالثا: تخريج شواهد أخرى للحديث بأسانيد واهية
وقد روي الحديث أيضا بمعناه عن جماعة من الصحابة، ولا يصح منها شيء البتة:
[1] من حديث عبد الله بن عمر:
أخرجه الخطيب «تاريخ بغداد» (ج 10/ص 282) من طريق عبد الرحمن بن قريش بن فهير بن خزيمة أبي
نعيم الهروي ثنا إدريس بن موسى الهروي ثنا موسى بن نصر السمرقندي عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء».
قلت: وهذا منكر بهذا الإسناد، لا أعلمه روي عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الرحمن بن قريش بن فهير بن خزيمة أبو نعيم الهروي، واتهمه السليماني بوضع الحديث.
وقال الخطيب: قدم بغداد وحدث بها، وفي حديثه غرائب وأفراد، ولم أسمع فيه إلا خيرا.
[2] ومن حديث أم المؤمنين أم سلمة:
أخرجه ابن عدي «الكامل» (ج 3/ص 319) من طريق سليم بن مسلم الخشاب عن موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة به.
قلت: وهذا إسناد واه بمرة. قال يحيى بن معين: سليم بن مسلم الذي يقال له الخشاب ليس بثقة. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: هذا حديث يرويه موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة، وسليم بن مسلم هذا لم يضبط إسناده فأقلبها، فقال: عن ثابت وإنما هو عن محمد بن ثابت، ونسب ثابتا فقال مولى أم سلمة، وقال: عن أم سلمة وإنما هو عن أبي هريرة.
[3] ومن حديث أم المؤمنين عائشة:
أخرجه العقيلي «الضعفاء» (ج 3/ص 388)، والخرائطي «فضيلة الشكر» (ح 101) عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة مرفوعا قال: «كفى بها نعمة إذا تجالس الرجلان، أو تخالطا، أو تصاحبا، أو تجاورا، أو تشاركا أن يتفرقا، وكل واحد منهما يقول لصاحبه: جزاك الله خيرا».
وقال أبو جعفر: ولا يعرف هذا الحديث إلا بعيسى يعني ابن ميمون.
قلت: وهذا منكر بهذا الإسناد. والمتهم به: عيسى بن ميمون القرشي المدني مولى القاسم بن محمد متروك الحديث.
قال عباس الدوري: قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء. وقال آدم بن موسى: سمعت البخاري قال: عيسى بن ميمون منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات أشياء كأنها موضوعات، فاستحق مجانبة حديثه، والاجتناب عن روايته وترك الاحتجاج بما يروي لما غلب عليه من المناكير.
[4] ومن حديث عبد الرحمن بن عوف:
أخرجه الخطيب «تاريخ بغداد» (ترجمة أحمد بن عثمان بن الليث الحفري) (ج 4/ص 297) من طريقه عن محمد بن سماعة القاضي ثنا زياد بن الحارث عن أبي جزي القرشي عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اصطنع أحدكم إلى أخيه معروفا، فقال له: جزاك الله خيرا يقول الله تعالى: عبدي أسدى إليك أخوك معروفا، فلم يكن عندك ما تكافئه فأحلته علي، والخير مني الجنة».
وقال أبو بكر الخطيب: إسناده مظلم، وفيه غير واحد من المجهولين.
[5] ومن حديث أنس:
أخرجه ابن عساكر «تاريخ دمشق» (ج 52/ص 400).
فقد بان: أن كلها أسانيد واهية، لا يثبت بمثلها الخبر، ولا يقوم بواحد منها حجة.
رابعا: تراجم رواة حديث المصنف
(1) إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق بن أبي عثمان البغدادي الطبري.
روى عن حماد بن أسامة، وروح بن عبادة، وابن عيينة، وعبد الوهاب الثقفي، وأبي أحمد الزبيري وعدة. روى عنه الجماعة سوى البخاري، والحسن بن أحمد بن فيل الأنطاكي، وزكريا بن يحيى السجزي، وموسى بن هارون ويحيى بن محمد بن صاعد، وأبو حاتم الرازي، وأبو عروبة الحراني، وخلق كثيرون.
قال أبو حاتم: كان يذكر بالصدق. وقال النسائي: ثقة. وقال عبد الله بن جعفر بن خاقان السلمي: قال لي إبراهيم الجوهري: كل حديث لا يكون عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم. وقال الخطيب: كان ثقة مكثرا ثبتا، صنف المسند. وقال ابن حجر: ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة، مات بعد الخمسين والمائتين، روى له الجماعة سوى البخاري.
(2) الأحوص بن جواب الضبي بفتح الجيم وتشديد الواو، أبو الجواب الكوفي.
روى عن: سعير بن الخمس، وسفيان الثوري، وسليمان بن قرم الضبي، وعمار بن رزيق الضبي.
روى عنه: إبراهيم بن سعيد الجوهري، وأحمد بن يونس الضبي، وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن البغوي، وعباس بن محمد الدوري، وأبو بكر بن أبي شيبة. قال ابن أبي خيثمة، ويعقوب بن شيبة عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في «كتاب الثقات» (6/ 89)، وقال: كان متقنا ربما وهم. وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم مات سنة إحدى عشرة ومئتين، روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
(3) سعير بن الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم التميمي، أبو مالك الكوفي.
روى عن: حبيب بن أبي ثابت، وزيد بن أسلم، وسليمان التيمي، وسليمان الأعمش وعدة.
روى عنه: الأحوص بن جواب، وحسين بن علي الجعفي، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن يحيى التميمي، وجماعة.
قال ابن سعد: كان صاحب سنة وعنده أحاديث. وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال البخاري: سعير بن الخمس كان قليل الحديث , ويروون عنه مناكير. وقال الترمذي: هو ثقة عند أهل الحديث.
وذكره ابن حبان في «كتاب الثقات» (6/ 436). وقال أبو الفضل بن عمار الشهيد: أخطأ في غير ما حديث مع قلة ما روى. وقال ابن حجر: صدوق له عند مسلم حديث واحد في الوسوسة.
(4) سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، نزل في التيم فنسب إليهم.
روى عن: أنس بن مالك، وأبي عثمان النهدي، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، وطاوس، وأبي مجلز لاحق بن حميد، ويحيى بن يعمر، وبكر بن عبد الله المزني، والحسن البصري، وطلق بن حبيب، وثابت البناني، وقتادة، وخلق.
روى عنه: أسباط بن محمد، وأنيس بن سوار الجرمي، وبشر بن المفضل، وجرير بن حازم، وجرير بن عبد الحميد، وزهير بن معاوية، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن حيان، وشعبة، وعبد الله بن المبارك، وعبد الوارث بن سعيد، وعبد الوهاب بن عطاء، والقاسم بن معن، وقريش بن أنس، ومرزوق أبو بكر، ومروان بن معاوية الفزاري، ومعمر، وهشيم بن بشير، وهوذة بن خليفة، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع، ويوسف بن يعقوب السلعي، وأبو جعفر الرازي، وبحر بن كنيز السقاء، وخلق غيرهم.
روى الربيع بن يحيى عن شعبة قال: ما رأيت أحدا أصدق من سليمان التيمي، كان إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تغير لونه. وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة، وهو أحب إلي في أبي عثمان النهدي من عاصم الأحول. وقال يحيى بن معين، والنسائي، وغيرهما: ثقة. وقال العجلي: ثقة، من خيار أهل البصرة.
وقال ابن سعد: من العباد المجتهدين، كثير الحديث، ثقة، يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة، وكان هو وابنه يدوران بالليل في المساجد، فيصليان في هذا المسجد مرة، وفي هذا المسجد مرة حتى يصبحا.
قال ابن حجر: ثقة عابد مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، وهو ابن سبع وتسعين، روى له الجماعة.
(5) عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة أبو عثمان النهدي.
مخضرم، معمر، أدرك الجاهلية والإسلام، وغزا في خلافة عمر، وبعدها غزوات، وشهد وقعة اليرموك. وحدث عن: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وبلال، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأسامة بن زيد، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي هريرة، وابن عباس، وطائفة سواهم.
حدث عنه: قتادة، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وسليمان التيمي، وأيوب السختياني، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وعمران بن حدير، وعلي بن جدعان، وحجاج بن أبي زينب، وخلق.
كان من سادة العلماء العاملين. وثقه علي بن المديني، والعجلي، وأبو زرعة، وجماعة.
قال ابن سعد: سكن الكوفة، فلما قتل الحسين بن علي عليه السلام تحول، فنزل البصرة، وقال: لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وكان ثقة. وذكره ابن حبان في «كتاب الثقات» (5/ 75).
وقال ابن حجر: ثقة ثبت عابد. روى له الجماعة.
(6) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي أبو زيد المدني.
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وابن مولاه. رباه النبي صلى الله عليه وسلم وأحبه كثيرا، وهو ابن حاضنته أم أيمن، وكان شديد السواد، خفيف الروح، ماهرا، شجاعا. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على جيش لغزو الشام، وفي الجيش عمر والكبار؛ فلم يسر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبادر الصديق ببعثهم، فأغاروا على أبنى من ناحية البلقاء. وقد سكن المزة مدة، ثم رجع إلى المدينة، فمات بها.
خامسا: موضع التفرد
قال البزار: هذا الحديث لا نعلم رواه عن سليمان التيمي إلا سعير، ولا عن سعير إلا الأحوص بن جواب.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن جيد غريب، لا نعرفه من حديث أسامة بن زيد إلا من هذا الوجه.
وقال أبو الحسن الدارقطني: تفرد به سعير بن الخمس عن سليمان التيمي عن أبي عثمان، وتفرد به أبو الجواب الأحوص بن جواب عنه.
قلت: هو كما قالوا. ولعل تفرد سعير بن الخمس هو الذي جعل البخاري وأبا حاتم يحكمان على الحديث بالنكارة، فإن سعيرا والأحوص مع كونهما صدوقين ليسا بالمتقنين، ولم يبلغا مبلغ من يحتمل تفرده، لا سيما عن سليمان التيمي، وهو من حفاظ البصرة ممن كثر تلامذته الناقلين عنه الضابطين لحديثه المعتنين بحفظه، فلا يخفى مثله على الأثبات من أصحابه كشعبة والثوري ومعتمر وابن المبارك ويحيى القطان وطبقتهم، ويكون عند سعير بن الخمس، وليس من خواص التيمي، ولا من أثبات أصحابه، ولا ممن لهم اعتناء بحديثه وضبط له!. وقد تقدم قول أبى الفضل بن عمار الشهيد في سعير بن الخمس: أخطأ في غير ما حديث مع قلة ما روى، وقول البخاري: كان قليل الحديث، ويرون عنه مناكير.
فتفرد سعير بالحديث، مع قلة ما روى عن التيمي، دون أثبات أصحابه الحافظين لحديثه المكثرين من الرواية عنه مما يثير ريبة الناقد البصير بعلل الأحاديث كالبخاري وأبي حاتم والدارقطني، ومن على طريقتهم من أئمة النقد.
فالظاهر، بل المتيقن: أن هذا الحديث يندرج تحت الوجه السادس من أوجه الغرابة، وهو: تفرد الصدوق عن مشهور من الثقات بما لا يوجد عند ثقات أصحابه، وليس لذلك الصدوق اعتناء بحديث ذاك الثقة.
سادسا: ذكر من حكم من الأئمة على هذا الحديث بالنكارة أو الوضع
قال أبو عيسى الترمذي كما في «ترتيب علل الترمذي لأبي طالب القاضي» (1/ 315/ح 589): سألت محمدا عن هذا الحديث؟، فقال: هذا منكر , وسعير بن الخمس كان قليل الحديث , ويروون عنه مناكير.
وقال ابن أبي حاتم «علل الحديث» (ج 6/ص 338/ 2570): سألت أبي عن حديث رواه الأحوص بن جواب عن سعير بن الخمس عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد، وذكر الحديث. فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر بهذا الإسناد.
ونقله عنه الضياء «الأحاديث المختارة» (ج 4/ص 111 - 112).
وقال ابن أبي حاتم في موضع آخر (ج 5/ص 589/ 2197): قال أبي: هذا حديث عندي موضوع بهذا الإسناد.
سابعا: الحكم على الحديث
إسناد البزار ظاهره الحسن، فسعير بن الخمس، والأحوص بن جواب صدوقان، وقد وثقهما بعض الأئمة. لذا حسن الحديث الترمذي، وصححه ابن حبان، والضياء المقدسي.
وقال إماما العلل البخاري، وأبو حاتم: هذا حديث منكر بهذا الإسناد. وقال البخاري: سعير بن الخمس كان قليل الحديث ويروون عنه مناكير.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وربما كان من أوهام الأحوص بن جواب الضبي، فقد قال ابن حبان وابن حجر: صدوق ربما وهم.
وأكثر المتأخرين يصححون الحديث؛ نظرا لصحة إسناده ظاهرا، وركونا إلى ثقة رجاله، على أن الثقة ربما أخطأ ووهم، وروى المنكر."
وانتهى النقل إلى هنا ومع هذا لم نعرف هل حكم البزار أو غيره بصحته أو بطلانه فقد حكم البعض بصحته فقال :
"إسناد البزار ظاهره الحسن، فسعير بن الخمس، والأحوص بن جواب صدوقان، وقد وثقهما بعض الأئمة لذا حسن الحديث الترمذي، وصححه ابن حبان، والضياء المقدسي"
وقال الألفى :
"وأكثر المتأخرين يصححون الحديث؛ نظرا لصحة إسناده ظاهرا، وركونا إلى ثقة رجاله"
وحكم البعض الأخر بنطارته وعدم صحته فقال :
" وقال إماما العلل البخاري، وأبو حاتم: هذا حديث منكر بهذا الإسناد. وقال البخاري: سعير بن الخمس كان قليل الحديث ويروون عنه مناكير.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وربما كان من أوهام الأحوص بن جواب الضبي، فقد قال ابن حبان وابن حجر: صدوق ربما وهم."
والحديث كما قلت فى أوله باطل لأنه ليس مدحا أو ثناء وإنما دعاء أى طلب من الله أن يجزى صاحب المعروف بالخير وهو الجنة بدليل أن إحدى رواياته تقول :
" إذا اصطنع أحدكم إلى أخيه معروفا، فقال له: جزاك الله خيرا يقول الله تعالى: عبدي أسدى إليك أخوك معروفا، فلم يكن عندك ما تكافئه فأحلته علي، والخير مني الجنة"
والمراد فأحلته على فهنا الذى لم يجد مكافأة للرد بها أحال الأمر على الله بدعوته أن يدخله الجنة

الاثنين، 28 نوفمبر 2022

قراءة فى خطبة الخشوع وخدمة موجود

قراءة فى خطبة الخشوع وخدمة موجود
تحدث الخطيب فى البداية عن أن الناس فى صلاتهم أجسامهم تقوم بحركات الصلاة وأما قلوبهم فمعظمها مشغول مثلها مثل خدمة موجود فى الهاتف المحمول فقال :
"أما بعد .. أين قلوبنا .. أين قلوبنا عندما نقف بأجسادنا، بين يدي ربنا في صلاتنا؟
أما أجسادنا فموجودة، وأما قلوبنا فإنها كما لو وضعت على خدمة موجود في جهاز الجوال .
أرأيتم كيف يضع بعض الناس جهازه على هذه الخدمة، التي تخبر المتصل بأن الجوال مغلق، بينما الحقيقة أن جواله موجود في الخدمة .
سبحان الله! ما أشبه هذا الأمر بحال بعض المصلين .. جسده موجود، لكن قلبه غير موجود، غير خاشع في الصلاة ."
إذا المصلى موجود ولكنه غير موجود فى الصلاة موجود جسديا وغير موجود مع الله قلبيا
وذكر الرجل الخشوع فى الصلاة فقال :
"والله سبحانه وتعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) .. وصلاة بلا خشوع ولا حضور قلب كبدن ميت لا روح فيه .
ولا شك أن الصلاة عماد الدين وعصام اليقين ، وركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، وميزان إيمان العبد وإخلاصه لربه .. ومع هذا فإنك ترى كثيرا من الناس يصلون ولا ترى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها، صلاتهم صورية عادية، وذلك لإخلالهم بلبها وروحها وخشوعها، أصبحت صلاتهم مرتعاص للوساوس والهواجس، يأتي الشيطان أحدهم وهو في صلاته، فيجعله يصول ويجول بفكره في أمور الدنيا، فينفتل من صلاته ولم يعقل منها شيئا، بل لعل بعضهم لا يعقل منها إلا قليلا."
والصلاة فى الآيات المذكورة تعنى الطاعات وليس الصلاة المخصوصة والمراد إخلاص العمل لله بمعنى أن المسلم يطيع طمعا فى رحمة الله وخوفا من عذابه
وتحدث عن أن الصلاة هى مفتاح قبول باقى ألأعمال فقال :
"وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن الصلاة هي مفتاح قبول الأعمال ، وأنها مفتاح ديوان العبد، ورأس مال ربحه، فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله "
وهو خطأ ظاهر فقبول العمل معتمد على استمرارية الايمان والطاعة وليس بناء على عمل واحد
وتحدث عن معنى الخشوع فى الصلاة فقال :
"والخشوع في الصلاة هو خضوع القلب وطمأنينته وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا وإيمانا به وبلقائه وقد كان رسول الله يتعوذ بالله من قلب لا يخشع، ففي الحديث الصحيح عنه: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع)).
ويحصل الخشوع في الصلاة لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون الصلاة راحة لبدنه وغذاء لروحه ومغفرة لذنوبه، كما قال عز وجل: (وإنها لكبيرة أي: شاقة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون) .. وقد ذم الله قسوة القلوب المنافية للخشوع في غير موضوع من القرآن، فقال تعالى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة. ولما استبطأ الله المؤمنين دعاهم إلى خشوع القلب لذكره وما نزل من كتابه، ونهاهم سبحانه أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، فقال تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)."
والخشوع معناه فى الصلاة المخصوصة فهم ما يقال من القرآن فيها كما قال تعالى :
" ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"
ومن ثم ليس قشعريرة ولا بكاء ولا غير ذلك
وتحدث عن الخشوع بكلام إنشائى قال فيه:
"وقد يظن البعض أن حضور القلب في الصلاة من أعظم ما تتجشمه النفس، بل يكاد يكون مستحيلا لغلبة الخواطر على ذهن المصلي، وهذا الظن خاطئ في الواقع، وإلا فلو أخذ المصلي على نفسه أن يتصور معاني الصلاة لخشع قلبه وسكنت جوارحه، واتصل بربه وانحصر ذهنه في عظمة الله تعالى ، وأقبل على الله بقلب يملؤه الحب والتعظيم، ويدفعه الذل والافتقار، ويحدوه الأمل والرغبة في الخير .
وإن حدث اختلاس طارئ دنيوي أثناء صلاته فسرعان ما يحترق ويتلاشى ويذهب مع الخشوع، ذلك بأن الله عز وجل متى علم عن عبده الإيمان والصدق والإخلاص في العمل أنزل (السكينة عليه، وهداه وكفاه شر الشيطان، وأعانه وثبته، ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما) ."
إذا الخشوع لا يعنى سوى فهم ما نقول من القرآن فى الصلاة أو حتى فى الصلاة المعروفة حاليا فهم ما يقول المسلم فى صلاته
وتحدث عن حاجة المصلى لله فقال:
"عباد الله .. وإذا كان الإنسان ضعيف الخلقة دائم الحيرة، كثير الهلع والجزع، كثير الخطايا والذنوب، لا يستغني عن الله تعالى طرفة عين، فإن الله تعالى بفضله علينا ورحمته، شرع لنا هذه الصلوات التي تتيح لمن يصلي بطمأنينة وحضور قلب أن يسأل بارئه كل ما يريد، حتى ينفس عن مشاعره، والأخذ بأوامر الله عز وجل ولو كانت تتعارض ورغباته الشخصية، كما تبث فيه عدم اليأس، وتدعوه إلى التماس الخير والقوة من الله تعالى ، فمن لم يؤمن بالله تعالى ويؤدى فرائضه على أكمل وجه ويتخذه سبحانه ملجأ في الشدائد ومعزيا في المصائب ومساعدا في المتاعب كان أشق الناس في حياته، بخلاف المؤمن الذي يحيا بهذا الإيمان الحياة الطيبة."
واستشهد على استحضار قرب الله فى الصلاة فقال :
وقد تكاثرت الأدلة بالندب إلى استحضار قرب الله سبحانه وتعالى في حال العبادات كلها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت))"
والحديثان باطلان فلا مناجاة أى حديث بين العبد والله فمهو أمر محال وأما نصب الوجه فمعناه وجود اتجاه لله تعالى عن ذلك وإنما الاتجاه للقبلة كما قال تعالى :
"فولوا وجوهكم شطره"
وتحدث عن الحفاظ على الصلاة ظاهرا ولاطنا فقال :
"فأحسنوا يا رعاكم الله صلاتكم، بالمحافظة عليها في المساجد، في أوقاتها، واستعدوا لأدائها بطهارة الظاهر والباطن، واستحضروا فيها عظمة ربكم تعالى، وفرغوا قلوبكم من الشواغل الدنيوية، وصلوا بقلوب حاضرة خاشعة خائفة راجية .. فإذا قرأتم فتأملوا فيما تقرؤونه في صلاتكم وما تذكرون الله تعالى وتدعونه، وإذا ركعتم فلاحظوا أن الركوع تذلل وتواضع لعظمة الله تعالى، فإذا سجدتم فاستحضروا أن السجود زيادة تذلل وخضوع له، وهو أقرب ما يكون العبد من ربه ."
وتحدث عن بعض المخترعات التى تشغل الناس عن صلاتهم كالمحاميل الهاتفية التى ترن أثناء الصلاة وطالبهم بأن يقفلوها عند الصلاة فقال :
"أيها الإخوة في الله، ونحن نتحدث عن الخشوع وحضور القلب في الصلاة، فإن من الظواهر الجديرة بالمعالجة والتي لها أثر كبير في انصراف المصلين عن الخشوع في الصلاة ما قذفت به المدنية المعاصرة من الهواتف الجوالة التي تسبب الأذى والإزعاج للمصلين. فأي خشوع عند هذا المصلي الذي يقطع حلاوة إقباله على ربه ولذيذ مناجاته لخالقه رنين هاتفه المتكرر؟! فيشغل نفسه ويؤذي غيره .. وبعض الناس يضع جواله على النغمات الموسيقية المحرمة، زيادة في الإثم وإيذاء المصلين في المسجد .
ألا فليتق الله أولئك في صلاتهم، وليحذروا من إيذاء إخوانهم المصلين، وانتهاك حرمة بيوت الله ."
وتحدث عن أن استشعار عظمة الله هو ما يحقق الخشوع فقال :
"واعلموا ـ يا رعاكم الله ـ أن أكبر ما يحقق الخشوع، ويعين على حضور القلب في الصلاة، استشعار عظمة وجلال الخالق جل وعلا، وتفريغ القلوب من الصوارف عن الله والدار الآخرة، والتخفف من مشاغل الدنيا، وعمارة القلوب بالإيمان، وسد مداخل الشيطان على الإنسان.
فاتقوا الله رحمكم الله، واحفظوا صلاتكم وحافظوا عليها، وأحضروا قلوبكم فيها، تكن نورا لكم في الدنيا والآخرة ."
وهذا الكلام ليس صحيحا لأن الله بين المطلوب هو فهم ما يقال كما ورد فى آية الصلاة فالانشغال بعظمة الله من خلال تخيل المسلم للعذاب أو للنعيم أو للمخلوقات يصرفه عن فهم ما يقول فى الصلاة
ثم قال متحدثا عن أحكام سجود السهو :
"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها .
عباد الله .. ومما يدخل في المحافظة على الصلوات وجبر ما يقع فيها من غفلة القلب، معرفة أحكام سجود السهو ، وهو مشروع لزيادة أو نقص أو شك، فإن كان عن زيادة في الصلاة فهو بعد السلام، وإن كان عن نقص فقبله ، فمتى زاد المصلي فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت صلاته، وإن فعله سهوا فإنه يسجد له بعد السلام .. أما الشك ، فإنه متى ما شك فلم يدر كم صلى ولم يترجح له شيء فليبن على ما استيقن وهو الأقل، ثم يسجد للسهو قبل السلام .. أما إن ترجح عنده شيء، فإنه يبني على ما ترجح عنده ويسجد للسهو بعد السلام .
وإن نسي ركنا غير تكبيرة الإحرام فذكره فإنه يرجع إليه، سواء شرع في قراءة ركعة أم لم يشرع، وهذا هو الصحيح الموافق لقواعد الشريعة .. أما من نسي واجبا فإنه إن فات محله لم يرجع إليه ويجبره بسجود السهو قبل السلام، كمن نسي التشهد الأول ونهض ، فإنه متى ما استتم قائما فلا يرجع؛ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويسجد للسهو قبل السلام ."
وهذا الكلام وهو السهو هو ناتج الانشغال وهو عدم الخشوع فى رأى الخطيب
وأنهى خطبته بطلب تقوى وهو نفسه تعظيم شعائر الدين واستحضار عظمة الله فقال :
"ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وعظموا شعائر دينكم، واستحضروا فيها عظمة بارئكم جل وعلا، وفرغوا قلوبكم من الشواغل الدنيوية والعلائق المادية، وأقيموا صلاتكم بقلوب حضرة خاشعة"

الأحد، 27 نوفمبر 2022

قراءة فى كتاب الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة

قراءة فى كتاب الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة
المؤلف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي والكتاب هو سؤال عن الاطلاء بالنورة وإجابة السيوطى عليه والسؤال ممثل فى الآتى:
"مسألة :
ما قولكم في الإطلاء بالنورة هل هو سنة مأثورة عن الشارع أم لا وهل الأحاديث الواردة في ذلك ثابتة أم لا كحديث أم سلمة الذي أخرجه ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعورته بالنورة وسائر جسده كله وحديث عائشة الذي أخرجه الإمام أحمد قالت أطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة فلما فرغ منها قال يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهور وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم فإن قلتم بأن ذلك ثابت فما الجمع بينه وبين ما أخرجه أبو حاتم عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتنور فإذا كثر شعره حلقه وقول الشيخ محي الدين النووي في فتاويه لم يثبت في ذلك شيء."
وكان الجواب من السيوطى هو :
"الجواب - الحمد لله قد وردت الأحاديث والآثار مرفوعة وموقوفة ومقطوعة موصولة ومرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين باستعمال النورة فهي مباحة غير مكروهة وهل يطلق عليها سنة محل توقف لأن السنة تحتاج إلى ثبوت الأمر بها كحلق العانة ونتف الابط وقص الشارب وقلم الأظفار وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان دليلا على السنة فقد يقال هنا أن هذا من الأمور العادية التي لا يدل فعله لها على السنية، وقد يقال أنه إنما فعل ذلك لبيان الجواز كسائر المباحات التي فعلها ولم توصف بأنها سنة، وقد يقال إنها سنة لما فيه من الاقتداء وقد يقال فيها بالاستحباب بناء على أن المستحب أخف مرتبة من السنة ومحل هذا كله مالم يقصد المتنور اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله أما إذا قصد ذلك فلا ريب في أنه مأجور وآت بسنة."
الرجل فى الفقرة السابقة لم يحدد كيفية الأمر لأن الأمر هو :
حلق الشعر وتقصيره وتنفيذ أحدهما واجب لقوله تعالى :
"محلقين رءوسكم ومقصرين"

وأما الوسيلة فقد تركها الله للناس فقد تكون النورة أو الموس أو المقص اختراع كبعض الدهانات ومن ثم أداة الحلق أو التقصير مباحة طالما لا تضر الإنسان أو تصيبه بمرض
ثم ذكر السيوطى الأحاديث الوارد فى الموضوع فقال:
"ذكر الأحاديث الواردة في أنه صلى الله عليه وسلم تنور
قال ابن ماجه في سننه حدثنا علي بن محمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا حماد بن سلمة عن أبي حاتم الزماني عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى بدأ بعورته فطلاها وسائر جسده أهله قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في كتابه الذي ألفه في الحمام هذا إسناد جيد وعبد الرحمن ابن عبد الله هذا ذكر صاحب الأطراف أنه أبو سعيد مولي بن هاشم فالله أعلم، ثم رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن إسحاق بن منصور عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلى وولي عانته بيده وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا وهذا أيضا إسناد جيد انتهى كلام ابن كثير
قلت وله طريق آخر قال الخرائطي في مساوي الأخلاق حدثنا القنطري ثنا يزيد بن خلد بن يزيد ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن كهيل عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك
وقال الخرائطي حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان ثنا سليمان بن سلمة الجنائزي ثنا سليمان ابن ناشرة قال سمعت محمد بن زياد الألهاني يقول كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارا لي فكان يدخل الحمام فقلت وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام وكان يتنور - أخرجه يعقوب ابن سفيان في تاريخه عن سليمان بن سلمة الحمصي ثنا بقية ثنا سليمان بن ناشرة به
وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريقه، وهذا الحديث فات ابن كثير. وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق موسى بن أيوب عن بقية عن عمر بن سليمان الدمشقي عن مكحول عن وائلة بن الأسقع قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جعلت له مائدة فأكل متكئا وأطلى وأصابته الشمس ولبس الظلة قال أحمد سألت آدم ما الظلة قال البرطلة وأومأ بيده إلى رأسه، وهذا أيضا فات ابن كثير.
وقال سعيد بن منصور في سننه ثنا هشيم عن أبي المشرفي ليث بن أبي راشد عن أبي معشر عن إبراهيم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلى ولى عانته بيده - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن هشيم وشريك كلاهما عن أبي المشرفي به، قال ابن كثير وهو مرسل يتقوى بالموصول الذي أخرجه ابن ماجه
وقال سعيد بن منصور ثنا الصعدي بن سنان العقيلي عن محمد بن الزبير الحنظلي عن مكحول قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أكل متكئا وتنور
قلت هذا الحديث فات ابن كثير فلم يذكره وهو مرسل وقال أبو داود في المراسيل حدثنا أبو كامل الجحدري عن عبد الواحد هو ابن زياد عن صالح بن صالح عن أبي معشر زياد بن كليب أن رجلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ العانة كف الرجل ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه - أخرجه البيهقي في سننه الكبرى. وفي تاريخ ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمس عشرة. هذا الحديث فات ابن كثير وفيه فائدة نفيسة وهي ذكر التوقيت."
وهذه الأحاديث من الجائز وقوعها إلا الروايات التى تذكر أن رجل كان ينور للنبى(ص) حتى عانته فيتولاها هو فهذا محرم أن يرى الرجل عورة الرجل وإنما لو قال أن زوجاته كن يفعلن هذا لكان أمرا معقولا لجواز اطلاعهم على عورته
وتنوير رجل لرجل أو امرأة لامرأة غير جائز إلا أن يكون ولد لوالده أو العكس أو بنت لأمها أو العكس لأن هناك فئات معينة مباح لها الاطلاع على العورات كما فى قوله تعالى بسورة النور :
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن أو أباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهم أو اخوانهن أو بنى اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء"
وأما الأغراب فلا يجوز لهم الاطلاع على العورات إلا فى حالة عجز المتنور وعدم وجود أقارب له
ثم ذكر الأحاديث المروية عن الصحابة فى الموضوع فقال :
"ذكر الآثار عن الصحابة فمن بعدهم
أخرج الطبراني عن يعلي بن مرة الثقفي قال أطليت يوما ثم تخلقت بزعفران فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فناولته يدي فقلت يا رسول الله صلى على فقال ما هذا الذي على يدك قلت إني تنورت ثم تخلقت فقال ألك امرأة قلت لا قال ألك سرية قلت لا قال فانطلق فاغسله ثم اغسله ثلاث مرات فانطلقت فاغتسلت ثلاث مرات ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلى علي
وأخرج مسدد في مسنده والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر أنه كان يدخل الحمام فينوره صاحب الحمام فإذا بلغ حقوه قال لصاحب الحمام أخرج
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن زياد الألهاني قال كان ثوبان جارا لنا وكان يدخل الحمام ويتنور
وأخرج البيهقي من طريق أسامة بن زيد الليثي عن نافع قال كان عبد الله بن عمر يطلي فيأمرني أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو
وأخرج الخرائطي عن مكحول قال لما قدم أبو الدرداء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام دخلوا الحمامات وأطلوا بالنورة
وأخرج البيهقي من طريق عبد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان لا يدخل الحمام وكان يتنور في البيت ويلبس إزارا ويأمرني أطلي ما ظهر منه ثم يأمرني أن أخرج عنه فيلي فرجه"
فبما سبق نجد روايات تقول بتنور ابن عمر فى الحمام والرواية السابقة تنفى ذلك وتثبت تنوره فى بيته
ثم قال :
"وأخرج عبد الرزاق عن أم كلثوم قالت أمرتني عائشة فطليتها بالنورة ثم طليتها بالحناء على أثرها ما بين قرنها إلى قدمها من حصباء كانت بها"
وحديث اللى بالحناء باطل لأنه تغيير لخلق الله بتلوين الجلد والشعر استجابة لقول الشيطان:
" ولآملانهم فليغيرن خلق الله"
ثم قال السيوطى:
"وقال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا مالك بن اسماعيل عن كامل عن حبيب قال دخل الحمام عطاء وطاووس ومجاهد فاطلوا فيه وحدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة أن سالما أطلى مرة، وأخرج ابن عساكر عن أبي عثمان والربيع وأبي حارثة قال بلغ عمر أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بعد النورة بخبز عصفر معجون بخمر فكتب إليه بلغني أنك تدلكت بخمر وأن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنها وقد حرم مس الخمر كما حرم شربها فلا تمسوها أجسامكم فإنها نجس."
وبالقطع الاطلاء بالنفس معنى صحيح وأما الاطلاء عبر رجل غريب العورة المغلظة وغيرها
وأما استخدام مواد محرمة فهو حرام
وذكر السيوطى حديثا يناقض أحاديث تنور الرسول(ص) بأنه لم يستخدم النورة فى حياته فقال :
"ذكر الحديث الوارد في أنه صلى الله عليه وسلم لم يتنور
قال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن - هو البصري - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يطلون
قال ابن كثير: هذا من مراسيل الحسن وقد تكلم فيها ثم هو معارض بالأحاديث السابقة
وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن المبارك قال ما أدرى من أخبرني عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنور
وأخرج أبو داود في المراسيل من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنور ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، كلاهما منقطع
وأخرج البيهقي من طريق مسلم الملائي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنور فإذا كثر شعره حلقه قال البيهقي مسلم الملائي ضعيف الحديث فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون قتادة أخذه أيضا عن أنس
قلت فرجع الأمر إلى أنه حديث واحد وهو أولا ضعيف وثانيا معارض بالأحاديث السابقة وهي أقوى منه سندا وأكثر عددا وثالثا أن تلك مثبتة وهذا ناف والقاعدة الأصولية عند التعارض تقديم المثبت على النافي خصوصا أن التي روت الإثبات باشرت الواقعة وهي من أمهات المؤمنين وهي أجدر بهذه القضية فإنها مما يفعل في الخلوة غالبا لا بين أظهر الناس وكلاهما من وجوه الترجيحات"
والخطأ هو القاعدة الأصولية عند التعارض تقديم المثبت على النافي فهذه ليست قاعدة وإنما وسوسة الشيطان فالنص نفى أو أثبت هو ما يثبت الحكم كما قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
ثم قال مثبتا اختلاف الأحاديث فى الموضوع:
" فهذه خمسة أجوبة، وسادس وهو أنه على حسب اختلاف الأوقات فتارة كان يتنور وتارة كان يحلق ولا يتنور، وقد روى مثل هذا الاختلاف عن ابن عمر فتقدم من طرق عنه أنه كان يتنور، وأخرج الطبراني في الكبير بسند رجاله موثقون عن مسكين بن عبد العزيز عن أبيه قال دخلت على عبد الله بن عمر وجاريته تحلق عنه الشعر فقال إن النورة ترق الجلد. فالجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه فعل الأمرين معا هذا في أوقات وهذا في أوقات، نعم ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره التنور ويعلله بأنه من النعيم. قال سعيد بن منصور حدثنا حبان بن علي عن محمد بن قيس الأسدي عن رجل قال كان عمر بن الخطاب يستطيب بالحديد
فقيل له ألا تنور قال إنها من النعيم وأنا أكرهها وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن محمد بن قيس الأسدي عن علي بن أبي عائشة قال كان عمر رجلا أهيب وكان يحلق عنه الشعر وذكرت له النورة فقال النورة من النعيم. وقد روي عنه ما يدل على أنه إنما كره الإكثار من ذلك. قال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد حدثنا بقية حدثني أرطاة بن المنذر حدثني بعضهم أن عمر بن الخطاب قال إياكم وكثرة الحمام وكثرة طلاء النورة والتوطي على الفرش فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين فهذا الأثر قاطع للنزاع، و أولى ما اعتمد في التوقيت حديث ابن عمر السابق وهو التنور كل شهر فيكره في أقل من ذلك، ثم رأيت في مساوي الأخلاق للخرائطي قال حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق ثنا عبد العزيز بن الخطاب ثنا حميد يعني ابن يعقوب مولي بني هاشم وكان ثقة عن العباس بن فضل عن القاسم عن أبي حازم عن ابن عباس قال يا أيها الناس اتقوا الله ولا تكذبوا فوالله ما أطلى نبي قط، لكن قال ابن الأثير في النهاية ما أطلى نبي قط أي ما مال إلى هواه وأصله من ميل الطلي وهي الأعناق واحدتها طلاة يقال أطلى الرجال اطلاء اذا مالت عنقه إلى أحد الشقين انتهى. وقال صاحب الملخص في غريب الحديث في حديثه عليه السلام ما أطلى نبي قط أي ما مالت طلاته أي عنقه أي ما جار، وقال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب في بعض الأحاديث ما أطلى نبي قط أي ما مال إلى هوى والأصل فيه ميل عنق الانسان يقال أطلى الرجل أي مالت عنقه للموت أو غيره، وذكر مثل ذلك أيضا صاحب القاموس."
وكل الموضوع لا أساس له فى الوحى فالوحى ذكر الحلق والتقصير وترك أدلة التقصير والحلق للناس شرط ألا يضروا أنفسهم دنيويا أو أخرويا
وحدثنا عن حديث تاريخى فى النورة فى الخاتمة فقال :
"(خاتمة):
روى البخاري في تاريخه وابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قصة بلقيس قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي شعراء فقال سليمان ما يذهبه قالوا يذهبه الموس قال أثر الموس قبيح فجعلت الشياطين النورة فهو أول من جعلت له النورة
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عبد الله بن شداد مثله وله طرق عن مجاهد وغيره. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في القصة أن الشياطين صنعوا له نورة من أصداف فطلوها فذهب الشعر."
وهذا الكلام هو تخريف فالنورة قديمة قدم البشر ولم تخترعها الجن والروايات متناقضة فمرة صنعت لسليمان(ص) ومرة صنعت بسبب ملكة سبأ وخلاصة الموضوع :
الحلق والتقصير أحدهما واجب وأما الأداة فمباح استخدام أى أداة ما دامت لا تمثل ضررا

السبت، 26 نوفمبر 2022

نقد كتاب أمارات النبوة

نقد كتاب أمارات النبوة
المؤلف أبو اسحاق ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني وقد استهل سامع الكتاب الذى يدور حول ما يسمى المعجزات وهى الآيات التى تثبت النبوة كما يزعمون بذكر سند الكتاب فقال :
"أخبرنا الشيخ الإمام أبو الخير سلامة بن ابراهيم بن سلامة الحداد انا الامين أبو المجد فتيان بن حيدرة بن علي البجلي بمنزله من شرقي دمشق وهو يسمع فأقر به وذلك في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة قلت له اخبركم أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن صفر بن التغلبي قراءة عليه وانت تسمع وذلك في سنة ثمانين واربعمائة فاقر به انا أبو الحسن علي بن الحسين السمسار قراءة عليه انا أبو القاسم علي بن الحسن بن جار طعان بقراءتي عليه في شعبان سنة ستى وسبعين وثلاثمائة انا أبو الدحداح احمد بن محمد بن اسماعيل التميمي قراءة عليه نا أبو اسحاق ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني"
وأول الأحاديث هو :
1- نا أبو النعمان نا حماد بن زيد نا أيوب يوما فقال بعني بعيرك يا جابر أمتعك خمس أواقي فنقدني خمس أواقي وزادني قيراطا ثم وهبه لي بعد
2- اخبرنا أبو الدحداح نا ابراهيم نا أبو نعيم عن زكريا سمعت عامرا يقول حدثني جابر بن عبد الله انه كان يسير على جمل له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعنيه فلما قدمنا أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل في أثري فقال تراني انما ماكستك خذ جملك ودراهمك فهما لك"
حديث جمل جابر لها روايات كثيرة متناقضة والحديث فى روايتيه ليس فيه معجزة تدل على النبوة
3- اخبرنا أبو الدحداح نا ابراهيم نا قبيصة نا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا"
والخطأ هنا هو أن النبى (ص)لم يرد على أى سؤال أو طلب بقول لا وهو ما يخالف أنه قال لا مرات عدة والكثير من الروايات تبين أنه قال لا عدة مرات مثل الأحاديث التالية:
"إن الله أوحى إلى نبيه أنى أجعل حساب أمتك إليك فقال لا يا رب أنت خير لهم منى فقال إذن لا نخزيك فيهم "رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب حسن الظن بالله
أن راعيا سأل النبى فقال أصلى فى أعطان الإبل قال لا" رواه ابن ماجة
-قالت امرأة من النسوة ما هذا المعروف 00قال لا تنحن "رواه الترمذى ومسلم"
والحديث ليس فيه آية أى معجزة تدل على النبوة
4- اخبرنا أبو الدحداح نا ابراهيم حدثني محدث قال نا عمر بن عبد الوهاب انا عامر بن صالح الخزاز عن أبى ه عن الحسن عن سعد قال نزلنا منزلا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سعد اذهب إلى تلك العنز فاحلبها قال وعهدي بذلك المكان وما فيه عنز حافل فحلبتها قال لا أدري كم مرة ثم وكلت بها انسانا وشغلتني الرحلة فذهبت العنز فاستبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت الرحلة شغلتني فذهبت العنز فقال ان العنز ذهب بها طالبها"
الحديث متناقض فالقول" اذهب إلى تلك العنز" يعنى عنز واحدة لا غير فى المكان وهو ما يناقض أنه فيه عنز كثيرة ولكنها كلها هزيلة وهو قوله "وعهدي بذلك المكان وما فيه عنز حافل "
والمعجزة حلب العنزة مرات كثيرة وهى تتناقض مع منع الله الآيات وهى المعجزات عن الناس فى عهد النبى(ص) فى قوله:
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
5- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم نا أبو توبة نا معاوية بن سلام حدثني عبد الله بن زيد الجرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينطلق هو وأبو بكر رضي الله عنه فيخرجان إلى الجبل فيدرسان القرآن حتى اذا أمسيا رجعا فطافا بالبيت وصليا ما قدر لهما فقال أبو بكر يا رسول الله انطلق بنا إلى اهلنا لعلنا نجد شيئا نأكله فأخذ الكلام عبد لأبى بكر ... البيت فقال أبو بكر يا سعد عندك شيء تطعمنا فقال عندي حفنة من زبيب فجلسنا فقدم ... فقال سعد يا رسول الله مر أبا بكر فليعتقني فقد طال عملي فبارز أبو بكر فقال يا رسول الله ما لنا خادم يخدمنا غيره فقال رسول لله صلى الله عليه وسلم أعتق سعدا يا أبا بكر أعتق سعدا يا أبا بكر فهذا خير فتح الله لك باب العبيد والاماء ان شاء فأعتقه أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سعد ان كان لك شيء فالحق به وان شئت ان تلحق بنا اذا خرجنا فإنا لن نألوك خيرا قال مالي من ولد ولا والد الحق به غيركما فلما خرجا إلى المدينة لحق بهما فكان سعد يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر اذا سافرا فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فنزل الجيش ذات يوم وليس معهم طعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سعد هل معك شيء قال نعم عندي صاع من تمر خبأته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر فقال ائت به فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فدعا بالبركة ثم قال ائت بالأنطاع من جلود فبسط الانطاع بعضها إلى بعض وبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التمر على الانطاع ثم قال يا سعد اذن في الناس هلموا إلى الغداء فأقبل الناس فجعلوا يزدحمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا ولا تعجلوا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ الحلاب فانظر إلى الشاة وراء الشجرة فاحلبها فاذا هو بعنز سوداء ضخمة الضرع فجعل يحلب في قدحه ثم يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول اسق القوم فجعل يسقيهم في قدحه ثم يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول اسق القوم فجعل يسقيهم ثم يرجع يملأه فيسقيهم حتى صدر الجيش عن شبع وروى ولبن فلما أن شبعوا قال اقبض اليك سائر تمرك فجمع بعضه إلى بعض فاذا صاعه كما كان فجعله في وعائه ثم اذن في الرحيل فدعا سعد صاحبا له فأعطاه العنز فقال اجعل يدك من وراء عنقها وضمها اليك حتى أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فإذا صاحبه يدعوه يا سعد حين فرغ من الرحيل جاءه يسعى فقال إن العنز قد ذهبت قال أضعتها قال ما فارقت يداي عنقها وما أدري كيف انسلت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا فقال إني كنت أعطيت صاحبا لي العنز يمسكها فما أدري كيف انسلت فذهبت فقال اركب عنك ودعها."
المعجزة وهى الأمارة اطعام الجيش الكثير العدد من صاع تمر وعنز واحدة وهو ما يخالف منع الله الآيات وهى المعجزات عن الناس فى عهد النبى(ص) فى قوله:
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
6- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم نا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي من اهل جوبر نا مروان بن معاوية عن وايل بن داود نا عبد الله البهي قال أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة من عنب الجنة"
الخطأ أن رسول الله (ص) أطعم خديجة من عنب الجنة وهو محال لأن الجنة الموعودة حاليا فى السماء عند سدرة المنتهى كما قال تعالى:
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
وقال :
" عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى"
بينما الاثنين فى الأرض
كما أن لا شىء يخرج من الجنة إلى غيرها
والخطأ الثانى هو وجود تلك المعجزة وهو الخطأ المتكرر فى الكتاب
7- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم نا أبو نعيم نا كامل بن العلاء سمعت أبا صالح عن أبى هريرة قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فاذا سجد وثب الحسن والحسين عليهما السلام على ظهره فاذا رفع رأسه رفعه رفعا رفيقا فيضعهما ثم إذا سجد عادا حتى قضى صلاته ثم أقعدهما على فخذه احدهما على اليمنى والآخر على اليسرى . قال أبو هريرة فقمت اليه فقلت لا أبلغهما قال لا فبرقت برقة فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا على أمهما"
الخطأ الأول دخول الأطفال المسجد وهو ما يخالف أن المساجد للرجال فقط كما قال تعالى :
"فى بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"
والثانى أن صفوف الصلاة الكاملة ستمنع الأطفال من الوصول إلى الإمام فكيف وصلا إليه رغم عدم وجود فرجات بينها ؟
والبرق هنا ليس معجزة
8- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم نا محمد بن جعفر حدثني سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن عاصم بن عمر بن قتادة عن جده قتادة بن النعمان انه قال كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت لو اغتنمت الليلة شهود العتمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه فقال مالك يا قتادة ها هنا هذه الساعة فقلت اغتنمت شهود الصلاة معك يا رسول الله فأعطاني العرجون فقال ان الشيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستضئ به حتى تأتي بيتك فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون فخرجت من المسجد فأضاء العرجون بمثل الشمعة نورا فاستضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا فنظرت في الزاوية فاذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه حتى خرج."
نلاحظ التناقض بين الإخبار بوجود الشيطان فى البيت وبين أن الرجل وجد قنقذ فى البيت فالقنقذ ليس شيطانا
والمعجزة وهى الآية إضاءة العرجون للرجل حتى بيته
9- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم نا حجاج بن المنهال وعمرو بن عاصم قالا نا حماد بن سلمة عن ثابت عن انس أن أسيد بن خضير وعباد بن بشر كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس فخرجا من عنده فأضاءت عصا أحدهما مثل السراج فكانا يمشيان في ضوئها فلما أرادا أن يتفرقا إلى منازلهما أضاءت عصا هذا وعصا هذا"
هنا المعجزة ليست من معجزات النبى(ص) وإنما من معجزات الرجلين فالرسول(ص) لم يعطى أيا منها شىء وبالقطع الحديث باطل فلا وجود لتلك المعجزات لمنع الله إياها إلا أن تكون مثل العصيان الحديثة التى تعمل بالبطاريات أو الشحن والمعجزة هنا ليست للنبى(ص) وإنما لواحد من أصحابه ومن ثم فهى لا تصلح كأمارة على النبوة
10- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم حدثني عبد الله أبو محمد اخبرني الحجاج نا سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن محمد بن حمزة الاسلمي عن أبي قال نفر بنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وان أصابعي لتنير"
المعجزة هنا ليست للنبى(ص) وإنما لواحد من أصحابه ومن ثم فهى لا تصلح كأمارة على النبوة
11- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم بن يعقوب نا محمد بن عبيد نا طلحة عن عطاء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراء فجاءه جبريل عليه السلام فقال يا محمد هذه خديجة تحمل حيسا في حلاب وقد أرسلني الله اليها بالسلام فجاءت خديجة فقال معك حيس قالت نعم يا رسول الله قال إن جبريل اخبرني ذاك وقد أخبرني أن الله أرسله اليك بالسلام فقالت خديجة يا رسول الله اله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام"
لا يوجد هنا أى معجزة حتى يمكن الاستدلال بها على النبوة إلا أن يكون الإخبار بنوع الطعام والرسول لا يعلم الغيب(ص) كما قال تعالى :
" ولا أعلم الغيب " وقال :

" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
12- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم نا أبو النعمان نا حماد بن زيد عن أبى مخلد مولى أبى بكرة عن أبى العالية عن أبى هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فصفهم ودعا فيهن بالبركة وقال اجعلهم في مزودك فاذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فخذه ولا تنثره قال فجعلته في مزودي قال فوهبت منه رواحل في سبيل الله وكنت أكيل منه وأطعم فكان في حقوي حتى وقع يوم قتل عثمان فذهب"
معجزة بقاء التمرات عشرات السنوات دون أن ينقص وغنما يزيد تتعارض مع منع الله الآيات وهى المعجزات فى عهد الرسول (ص) وما بعده
13- اخبرنا أبو الدحداح نا إبراهيم بن يعقوب نا علي بن الحسين نا الحسين بن واقد نا أبو غالب عن أبى امامة قال أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باهلة وهم على طعام فرحبوا بي وأكرموني وقالوا كل قلت جئت لأنهاكم عن هذا الطعام إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم لتؤمنوا به فكذبوني وزبروني فانطلقت وأنا جائع ظمآن وقد نزل بي جهد شديد فأتيت في منامي بشربة من لبن فشبعت ورويت وعظم بطني فقال القوم أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فزبرتموه اذهبوا فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي فأتوني بطعام فقلت لا حاجة لي بطعامكم وشرابكم ان الله قد أطعمني وسقاني فانظروا إلى حالتي التي أنا عليها قال فآمنوا بي وبما جئتهم به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ."
هنا المعجزة وهى الآية لصحابى وليست للنبى(ص) ومن ثم لا يصح أن تكون أمارة للنبوة
والحديث جنونى فالرجل لم يشرب حقيقة لأن لا أحد يشرب حقيقة فى المنام وإنما هو تخيل وهو ما يتعارض مع امتلاء بطنه فى الواقع

الجمعة، 25 نوفمبر 2022

قراءة فى خطبة أدب الجوار

قراءة فى خطبة أدب الجوار
الخطيب عبد الله العواضى والخطبة تدور حول أحكام الجيرة وقد تحدث فى بدايتها مبينا حاجة الناس إلى بعضهم البعض حيث لا يمكن أن يستغنى فرد عن غيره فقال :
"أيها المسلمون، اعلموا أن الأيام والليالي عِبرٌ تتوالى؛ لتربي الإنسان على الرشُد، وتلقِّنه دروس الحكمة والنضج.
ومن عبر الزمان ودروسه النافعة: أن أصدقاء الإنسان أيام نعمته: -أيام صحته وغناه وجاهه وقوته- كثير، وأن أصدقاء محنته قليل.
وأن الإنسان-مهما علت منزلته في الدنيا بالجاه أو المال أو القوة- محتاج إلى غيره، ولا يمكن أن يستغني بنفسه عن حاجته للآخرين، فالقريب محتاج إلى قريبه، والزميل إلى زميله، والصديق إلى صديقه، والجار إلى جاره، وإن حصل التفاوت بين هؤلاء في أعراض الدنيا وأسباب القوة فيها.
و هذه الحياة ميدان فسيح، تربط بين ساكنيه أواصر وروابط، وصلات ووشائج، فهناك رابطة القرابة، ورابطة النسب والمصاهرة، وهناك رابطة الصداقة والزمالة، وهناك رابطة الجوار، وغيرها من الوشائج والعلائق، وعلى هذه الروابط تقوم الأمم وبها تتكون الممالك والدول، ومتى ما قامت هذه الروابط على أساس من الدين، استمر بقاؤها وزاد نماؤها، وصارت تلك الأمة التي شِيد بنيانها عليها منيعةَ الجانب، عزيزة المكانة، مهيبة القدر."
وتحدث العواضى عن رابطة الجوار وأنها حق واجب على المسلم فقال:
"عباد الله، إن من بين تلك الروابط التي دعا الإسلام إلى الاعتناء بها، والوفاء بحقها: رابطةَ الجوار. فقد اهتم الإسلام بها أيما اهتمام، وأولاها آداباً وحقوقاً تضمن لها الديمومة والبقاء، وجعل الله تعالى حق الجوار من الحقوق العشرة التي أمر بالإحسان فيها، فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} "
كما تحدث عن كثرة الوصية بالجار فقال :
"ومما يدل على اعتناء الإسلام بهذه الرابطة: أن جبريل عليه السلام- كان كثير الوصية لرسول الله بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) "
والحديث باطل فجبريل(ص) لن يوصى الرسول(ص) مرارا وتكرارا بالجار لأن الوصية بالكل واجبة وليس الوصى بجزء
وتحدث عن الجيبرة فى الجاهلية وأنها مفخرة العرب وهو كلام المفترض أنه يتعارض مع القرآن ولا يحق لمسلم أن يستشهد على أحكام الإسلام بأحكام الكفر وإن كانت موافقة للإسلام وفى هذا قال :
"لقد كانت هذه الرابطة مفخرة إنسانية عربية قبل أن تكون مفخرة إسلامية؛ لأنها تنبع من التمسك بالأخلاق الكريمة التي كانت موجودة بين الناس في ذلك الوقت، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) "
والافتخار بالعرب هو مناف لكلام الله فلا يفخر مسلم إلا بدينه
وتحدث عن انتشار الأفعال السيئة فى مجال الجيرة حاليا فقال :
"ولهذا كلما تلاشت الأخلاق الحسنة والقيم الحميدة في أي مجتمع ذهب أداء حق الجوار كما ينبغي. و المتأمل بيننا -نحن المسلمين- في عصرنا المتحضر يجد ذوبان هذه الرابطة يوماً بعد يوم، خصوصاً في المجتمعات المدنية والأحياء الراقية، حيث صار الجار لا يعرف من يسكن بجواره، ولا يدري عن أحواله، وقد يجاور جاره سنين طويلة ثم يموت، وجاره القريب منه لا يعلم! ولا شك أن الأوضاع القروية أحسن بكثير مما عليه الحواضر والمدن."
وأصر العواضى على الاستشهاد بالكفر على أحكام الإسلام فقال:
"لقد كان العربي في الجاهلية يفتخر بإحسانه إلى جاره، ويعتز بثناء جاره عليه، خصوصاً إذا كان الجار ضعيفا. فيصير بهذه الرابطة قوياً بعد الضعف، وعزيزاً بعد الذلة، وغنياً بعد القلة، قال الشاعر العربي:
تعيِّرنا أنا قليلٌ عديدُنا ... فقلتُ لها إن الكرام قليل
وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ... عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل
لنا جبل يحتلّه من نُجيره ... منيعٌ يردُّ الطرفَ وهو كليل
ويتمدّحون بكف الأذى عن الجار حيث يقول شاعرهم:
ولا نخذل المولى ولا نرفع العصا ... عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا
وإذا أصاب الهوانُ جارَهم تألموا لذلك، وعدّوه فاقرة من الفواقر، قال الشاعر:
وإنّ هوانَ الجار للجار مؤلمٌ ... وفاقرة تأوي إليها الفواقر"
وهذا الكلام عن الجاهلية مخالف لقوله تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
ثم تحدث عن اختيار الجار قبل سكنى الدار وهو منقولة خاطئة فقال :
"أيها المسلمون، إن مما ينفع الإنسان قبل سكنى الدار أن يختار الجار، ومن أعظم السعادة أن يوفق المسلم لجار صالح؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من سعادة المرء: الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع)"
ولو أخذنا بالمقولة فسيترك الكثيرون ديارهم بسبب الجيرة وإنما الواجب هو احتمال أذى الجيران إن وجد ومن الممكن أن يكون الجار الحسن قدوة للسيىء فيتخلى
إن المقولة هى تهرب من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو واجب
وتحدث عن اختيار الزوجة فقال :
" قال بعض العلماء: لقد اختارت زوجة فرعون المؤمنة آسية بنت مزاحم عليها السلام الجارَ قبل الدار، كما قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} "
والاستشهاد خاطىء فالجيرة هنا جيرة أخروية وهى ليست على هوى كل واحد
واستشهد على المقولة بقول الشاعر:
قال الشاعر:
يقولون قبل الدار جار موافق ... وقبل الطريق النهج أُنسُ رفيقِ
وقال الآخر: اطلب لنفسك جيراناً توافقهم ... لا تصلح الدار حتى يصلح الجار"
وتحدث عن أذى الجار مبينا وجوب الصبر عليه فقال :
"فإذا ابتلي الإنسان بجار سوء يؤذيه فعليه أن لا يرد الإساءة بمثلها، بل يردها بالصبر والعفو، والإحسان وبذل المعروف. يروى أن رجلاً جاء ابنَ مسعود فقال: "إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق علي، فقال: اذهب، فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه"."
والحديث باطل يبين أن المجتمع المسلم هو مجتمع فوضى لا حساب ولا عقاب فيه وإنما أى أذى يشهده المسلمون من احدهم أو غيره يكون مرجعه إلى القضاء حيث يحكم عليه بعقاب الله ومن ثم لن يوجد أى اذى لو طبقت العقوبات فالمسألة ليست صبر مستمر وإنما تطبيق لأحكام الله
وتحدث عن معنى الجوار الواسع فقال :
"أيها المسلمون، إن الجوار الذي تعارف عليه الناس هو الجوار في المنزل الذي يعيش فيه الإنسان فحسب، وهذا مفهوم قاصر؛ فإن الجوار العام يشمل من يجاورك-أيها المسلم- في دارك، ومن يجاورك في العمل أو المتجر أو المسجد أو الطريق، وكل من يليك في البلدة التي تعيش فيها وما يجاورها، والدولة المسلمة وما يجاورها. ويعتبر الجوار بين الدول مثل الجوار بين الأفراد حيث يطلب فيه الإحسان وعدم الاعتداء، وما قامت الحروب بين الدول المتجاورة إلا بسبب انتهاك حقوق الجوار."
وهذا الجوار الواسع ليس مرادا فى كتاب الله فإنما أريد به الجيرة داخل دولة المسلمين
وتحدث عن حقوق الجار وأنواع الجيران فقال :
"عباد الله، إن للجار على جاره حقوقاً يجب الوفاء بها، وعدمُ التقصير فيها والتماطلِ في أدائها. ويتفاوت الجيران في استحقاق هذه الحقوق زيادة ونقصاناً؛ لاختلاف الروابط والعلاقات الزائدة على هذه الرابطة. فإن من الجيران من له حق، ومنهم من له حقان، ومنهم من له ثلاثة حقوق: فالأول: هو الجار الكافر، والثاني: هو الجار المسلم الذي ليس من الأقارب، والثالث: هو الجار المسلم القريب.
معشر المسلمين، إن أداء هذه الحقوق -الآتي ذكرها- لا يرتبط بصلاح الجار وعدم صلاحه؛ ولذلك تؤدى هذه الحقوق لجميع الجيران، فالجار يشمل: الجار المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والبلدي والغريب، والنافع والضار، والقريب والأجنبي. وللجوار مراتب فليؤدَى لكل جارٍ حقُه.
إخوتي الأفاضل، إن حقوق الجوار كثيرة متعددة، قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والبيئة، ولكنها تعود إلى أصول جامعة تنضوي تحتها، ومن تلك الأصول:
كف الأذى عن الجار بجميع صوره وأشكاله، سواء كان أذى قولياً أم أذى فعلياً، مباشراً أم غير مباشر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره).
فمن الأذى: سلاطة اللسان بالسباب والشتائم والهمز واللمز، وهذا الأذى خطره على صاحبه كبير، فعن أبي هريرة قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم: إن فلانة تصلي الليل و تصوم النهار، و في لسانها شيء يؤذي جيرانها؟ قال: (لا خير فيها، هي في النار) و قيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة، و تصوم رمضان، و تتصدق بالأثوار-اللبن المجفف- و ليس لها شيء غيره، و لا تؤذي أحداً قال: (هي في الجنة)
الله أكبر! إنه فرق شاسع بين المرأتين، وجزاء شديد لمن يؤذي الجيران بلسانه، وإنْ أكثر من العمل الصالح، وإنه جزاء عظيم في الخير لمن أحسن المعاملة ولم يؤذِ الخلق، وإن قل عمله.
ومن الأذى: التعدي على أرض الجار وحدود بيته والسطو على ممتلكاته، وهذه صورة مشاهدة عند بعض الجيران أورثت أحقاداً ومشكلات وصلت إلى آثار خطيرة.
ولو تأمل الجار المتعدي- وكان عنده إيمان- في عقوبة ذلك لانكف عن هذا الأذى، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) "
والحديث باطل والخطأ فيه تطويق الله للمنتقص من 7 أرضين ويخالف هذا أن التطويق الوحيد هو التطويق بالذهب والفضة أى المبخول به مصداق لقوله "سيطوقون ما بخلوا "كما أن الأرض تبدل يوم القيامة ومن ثم لا تكون 7 أرضين مصداق لقوله تعالى "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات "
وقال عن صور الأذى :
"ومن الأذى: وضع القاذورات في طريقه ومضايقته فيها، وتسليط الزوجة أو الأولاد لإيذائه أو إيذاء أهل بيته، وإزعاجه بالأصوات المؤذية من أجهزة المسجل وغيرها.
ومن الأذى: هجره وقطعه، وحسده في نفسه أو زوجته وأولاده، أو في وسائل راحته، وسعة دنياه.
ومن الأذى: احتقاره والسخرية منه: بمأكله أو مشربه، أو ملبسه أو مسكنه، أو خَلقه أو خُلقه
قال حسان:
فما أحدٌ منا بمهدٍ لجار ... ... أذاةً ولا مُزرٍ به وهو عائد
لأنا نرى حقَ الجوار أمانة ... ويحفظه منا الكريم المعاهد
ومن الأذى: كشف أسراره، والبحث عن عيوبه، والفرح بزلاته ومصائبه؛ فالجار أقرب الناس إلى جاره و أعرفهم بأخباره، فمن اللؤم والحرمة كشف خبره وهتك سره،
قال الحطيئة:
لعمرك ما المجاور من كليب ... بمقصى في الجوار ولا مضاعهمُ صُنعٌ لجارهمُ وليست ... يد الخرقاء مثلَ يد الصَّناع
ويحرم سرُّ جارهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع
أي: أول الطعام.
والجار الصالح لا يتتبع عثرات جاره، بل يسترها، ولا يفرح لهفواته بل يحزن إن وصل علمه إليها، قال الشاعر:
لا يفطنون لعيب جارهمُ ... وهمُ لحفظ جواره فطُن"
وتحدث الرجل عن كون الفرد الذى يؤذى جيرانه كافر ليس بمؤمن فقال :
"معشر المسلمين، إن إيذاء الجيران ذنب كبير يذهب من الإيمان جزء كبيراً، وإذا ذهب كمال الإيمان تعرّض صاحبه للعقوبات، وتخلى الله عن عونه ومعيته له.
قال النبي صلى الله عليه و سلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه) فانظروا رحمكم الله! إلى هذا التكرار في نفي الإيمان عن الجار المؤذي.
بل أعظم من ذلك أن الجار المؤذي متوَّعَد بعدم دخول الجنة، إذا استمر على إيذائه، أواستحل ذلك، ومات على هذه الحالة السيئة.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)
والبوائق: الشرور. فاتقِ أيها الجار في جيرانك، واحذر الأذية؛ فإنها إلى النار مطية."
ثم أكمل بقية حقوق الجيرة فقال :
"أيها المسلمون، ومن حقوق الجار على جاره:
حمايته من كل سوء يعرض له، والدفاع عنه، وحفظه في أهله وماله حال غيبته، والتضحية من أجله، في حدود المقدور عليه، ما عدا غير المستطاع.
وهذا الحق-إن كان من حق المسلم على المسلم- فالجار من أحق الناس به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)
فمعنى (لا يسلمه) أي: لا يخذله، ولا يتركه لعدوه، بل ينصره وينجده.
وهذا الصنيع الشجاع يدل على شرف الجار المُعِين، وعلو همته ونجدته، وكرم شيمه وسمو أخلاقه. وقد كان هذا الخلق النبيل فخراً وشرفاً يفتخر به العربي في الجاهلية والإسلام، الشاعر:
وإني لأحمي الجارَ من كل ذلةٍ ... وأفرح بالضيف المقيم وأبهَج
وقالت الأخرى تمدح أخاها بحمايته جاره:
وجارك محفوظ منيعٌ بنجوة ... من الضيم لا يؤذى ولا يتذلل
وقالت:
يحامي عن الحيِّ يوم الحفا ... ظِ والجار والضيف والنُزَّلوقال الشاعر:
أنتِ أختي وأنت حرمةُ جاري ... وحقيق عليَّ حفظُ الجوار
إن للجار إن تغيّب غيبياً ... حافظاً للمَغيب والأسرار
ما أبالي أكان للجار سترٌ ... مسبَل أم بقي بغير ستار
وهذا الحق الكبير-عند ذوي النفوس العلية، والخصال الزكية- لا يسقط بالجفاء والأذية، والفعال غير الرضيِّة، بل يبقى ليؤدى، ولعله سيكون سبباً لهداية ذلك الجار البعيد عن إحسان الجوار، وتغيير أسلوبه المعوج؛ فقد كان لأبي حنيفة رحمه الله جار بالكوفة يؤذيه بصوته ليلاً حينما يعود من عمله، ويرفع صوته منشداً وهو في حالة سُكر:
أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسِداد ثغر
فيسمع أبو حنيفة صوته, فاتفق ذات ليلة أن أخذه الحرس وحبسوه، ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة، فسأل عنه في الغد فأخبروه بحبسه، فركب إلى أمير البلد، وطلب منه إطلاق الجار فأطلقه في الحال.
فلما خرج الفتى دعاه أبو حنيفة وقال له:- سراً- فهل أضعناك يا فتى؟
قال: لا، ولكن أحسنت أحسن الله جزاءك، ولن أعود إلى ما كنت أفعل.
وإن من العجيب في حماية الجار ما فعله أحد العرب الذي نزل الجراد حول خبائه فمنع أحداً أن يصيده حتى طار وبعُد عنه.
عباد الله، ومن حقوق الجار على جاره:
الإحسان إليه بكل ما يستطاع من وجوه الإحسان القولية والفعلية. فلا يكفي الجارَ أن يسلم من الأذى، وإنما يضاف إليه الإحسان وإيصال المعروف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)
قال حاتم الطائي لزوجته:
إذا كان لي شيئان يا أم مالك ... فإن لجاري منهما ما تخيّرا
في واحد إن لم يكن غير واحد ... أراه له أهلاً إذا كان مُقتِرا
ومن وجوه الإحسان إلى الجار: تهنئته عند فرحه، وتعزيته عند مصيبته، وعيادته عند مرضه، وبداءته بالسلام والبشاشة في وجهه، والإحسان إلى أهله وأولاده، وتفقد أحواله، وإرشاده إلى ما ينفعه في أمر دنياه و دينه, والإهداء إليه، وإعارته، أو إعطاؤه ما يحتاج إليه ونحو ذلك.
ومن أهم ما يحسن إليه: سد خلّته، وتفقد مطعمه ومشربه؛ لأن قوام الحياة بذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) "
وتحدث عن مراتب الجيرة فقال :
"وينبغي النظر في مراتب الجيران وتقديم الأقرب فالأقرب، والأولى فالأولى في الإهداء وبذل المعروف.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهما منك بابا) "
والحديث باطل فإن الإهداء يكون إلى ألأكثر حاجة وليس للأقرب بابا فقد يكون غنيا وهو يعارض الحديث القادم "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع "
وتحدث عن التهادى وعدم احتقار أى هدية مهما كانت قليلة فقال :
"إخوتي الكرام، لا يحتقر أحدنا هديته لجاره مهما قلّتْ، فهي -وإن لم تكن تُسرُّ العيون، أو تشبع البطون، أو تناسب الأقدار- لكنها تقرِّب القلوب، وتذيب العداوات، وتعمّق الود، وتعمل على مد حبال التعاون والتواصل.
قال الشاعر:
إن الهدية حلوةٌ ... كالسحْر تجتذب القلوبا
تُدني البعيدَ عن الهوى ... حتى تصيّره قريبا
وتعيد مضطغن العدا ... وةِ بعد بغضته حبيبا
تنفي السخيمة عن ذوي الشـ ... شحنا وتمتحق الذنوبالقد ورد الوعيد-معشر المسلمين- في حق من يقصر في هذا الحق، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به)
وعن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب، هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه) وهذا النص الشريف-يا عباد الله- يحتم علينا مراجعة أنفسنا ها هنا في الدنيا قبل الآخرة في تقصيرنا في بذل المعروف الحسي والمعنوي للجار."
والحديث باطل فلا أحد يتعلق برقبة أحد يوم القيامة فكل واحد يأتى فردا وحده كما قال تعالى :
" ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة"
ثم قال مستشهدا بأقوال الجاهليين الكفار وهو أمره كرره مرات عدة :
"يقول حاتم الطائي لزوجته:
إذا ما عملت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني لست آكله وحدي
أخاً طارقاً أو جار بيت فإنني ... أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي
وكيف يَسيغ المرء زاداً وجاره ... خفيف المِعى بادي الخصاصة والَجهد"
وتحدث عن الصبر عن أذى الجار فقال :
"أيها المسلمون، ومن حقوق الجار على جاره: احتمال أذاه، والصفح عن هفواته، والعفو عن عثراته، واحتمال سوء تصرفاته.
وهذا أدب عظيم يكشف عن حسن المعدن، وكرم المنبت، وشرف الخلق، ونبل الصفات.
وهذا الحق كثيراً ما قصّر فيه الجيران، وضاقت بعض النفوس عن استيعابه، وعدّته العادات شيئاً غريباً. فكم من مشكلات حدثت، وروابط انفصمت، ومحبة تحولت إلى بغضاء، ووصل تبدل إلى جفاء، وإحسان تحول إلى إساءة، وسبب ذلك: ضعف مراعاة هذا الأدب.
فهذا الحق يحتاج إلى انتصار على النفوس، ونجاح في هضم الحمية المقيتة، وكبح لجماح الغضب والطيش، وهذا صعب على كثير من النفوس، خصوصاً من لها مكانة بين الجيران، أو جاءها الأذى ممن هو أدنى منزلة منها؛ ولهذا فإن هذا الحق أصعب الحقوق على النفوس؛ فبذل المعروف قد يكون شيمة يطبع عليها الإنسان، بخلاف الصبر على أذى الآخرين.
فالجار الصالح حقيقة إنما يبتلى بهذا الحق ويُعرف به.
قال بعض الصالحين: "ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى".
وقال أحد الناس يمدح بعض جيرانه الصالحين:
يا سائلي عن حسينٍ ... وقد مضى أشكالهْ
أقلّ ما في حسين ... كفُّ الأذى واحتماله
أيها المسلمون، إن من شقاء المرء أن يجاور جارَ سوء، والإنسان الصالح لا يضيق بشيء ذرعاً ضيقه بجار السوء الذي يسمع منه الخنا، ويلقى منه العناء، إن كلمه بالحسنى عاداه، وإن سكت على شره آذاه، عِيل صبُره، وضاق صدره، فاضطر إلى بيع داره، أو تحوّلَ عنه إلى سواه، خاصة في هذا الزمن الذي قلّت فيه المساكن وضاقت البيوت بمن فيها، فحين يرحل جار آذاه جاره، ويسأل عن سبب رحيله يقول:
يلومنني أن بعتُ بالرخص منزلي ... وما علموا جاراً هناك ينغّص
فقلت لهم كفوا الملامة إنها ... بجيرانها تغلو البيوت وترخص
أو يقول:
إذا ما الحرُّ هانَ بأرض قوم ... فليس عليه في هرب جُناح
وهُنَّا بأرضكمُ وصِرنا ... كقيء الأرض تذروه الرياح
وإن أراد أن يصرّح يقول:
تنكّرَ من كُنّا نُسَر بقُربه وعاد زعافاً بعد ما كان سَلسلا
وحُق لجار لم يوافقه جاره ... ولا لاءمته الدار أن يتحولا
ولضرر الجار السيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول)
ومعناه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الجار السيء الملازم في الوطن المستقَر فيه، بخلاف الجار المؤذي الذي يبقى زمناً ثم يذهب كصاحب البادية ونحوه."
وكما سبق القول فإن أذى الجار إذا تكرر وشهده مسلمون أخرون أو حتى معاهدين وجب رفع للقضاء ليكون رادعا فالله لم يطلب الحكم بين المسلمين إلا ليقضى على الشرور قدر المستطاع فكل صبر حدود
وتحدث عن مجتمع الكفر الذى يجعل الجار يرجل من بيته بسبب أذى الجار فقال :
"عباد الله، إن الجار الصالح حين يسمع برحيل جاره الصالح يحزنه ذلك أشد الحزن، ويعد رحيله من جواره مصيبة من المصائب، كأنما رحل واحد من أهل بيته.
لما عزم بعض السلف على الرحلة إلى الشرق، وكان من بلاد المغرب، قال له أحدهم:
أشمسَ الغرب حقاً ما سمعنا ... بأنك قد سئمت من الإقامه
وأنك قد عزمت على طلوع ... إلى شرقٍ سموت به علامه
لقد زلزلتَ منّا كل قلب ... بحق الله لا تُقم القيامه
بهذه المشاعر الفياضة والحب الصادق يشبِّه رحيلَ جاره المغربي إلى المشرق بحصول علامة من علامات قيام الساعة وهي: طلوع الشمس من مغربها، كما أخبر سول الله صلى الله عليه وسلم، فأين نحن اليوم من هذه المشاعر؟!"
وبالقطع هذا الكلام خاطىء فكما سبق القول :
إن للصبر على أذى الجار حد وطالما تكرر الأذى فلابد من رفع الشكوى للقضاء طالما شهد على الأذى غير المأذى من المسلمين أو المعاهدين فإذا عوقب الجار السوء فمن المحتمل جدا أن ينتهى عن الأذى