الخميس، 30 يونيو 2022

نقد كتاب الأحكام الشرعية للنعل والانتعال

نقد كتاب الأحكام الشرعية للنعل والانتعال
المؤلف سعود زمانان وهو يدور حول النعل والانتعال كما قال في مقدمته :
"وسوف نتكلم عن بعض الأحكام والآداب الشرعية المتعلقة بالنعل والانتعال والتي نوردها فيما يلي"
وقد استهل زمانان البحث بكون الانتعال طاعة لله فقال :
"أولا لبس النعال عبادة من العبادات
يجهل الكثير من المسلمين أن لبس النعال قربة إلى الله جل وعلا وعبادة من العبادات فقد حثنا النبي (ص)على الإكثار من لبس النعال في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر أن رسول الله (ص)قال «استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل»
...وقد قال ابن العربي " النعال لباس الأنبياء " وقد جاء هذا الدين الحنيف بكل ما فيه صلاح البلاد والعباد فقد أمرنا (ص)بكثرة الانتعال لدفع المشقة والأذى ولحصول السلامة للقدمين"
والحديث استكثروا من النعال لا يصح لكونه يدعو للتبذير وهو الإسراف المنهى عنه في قوله تعالى :
" ولا تبذر تبذيرا"
ثم قال :
ثانيا استحباب الدعاء عند لبس الجديد من النعال
بوب الإمام النووي في رياض الصالحين بابا فقال " باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا أو نعلا أو نحوه " ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله (ص)إذا استجد ثوبا سماه باسمه - عمامة أو قميصا أو رداء - يقول «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» وصححه الألباني "
والحديث لا يصح لكون الهدف من صناعة النعل شر والمعروف أن الهدف من صناعتها هو حماية الأقدام وهو ليس شر
ثم قال :
"ثالثا استحباب البدء باليمين عند لبس النعال والخلع بالشمال
يستحب للمرء أن يبدأ برجله اليمنى عن لبسه النعال, إذا نزعها أن يبدأ بالشمال قال النبي (ص)«إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزعها فليبدأ بالشمال لتكن أولها تنعل وآخرهما تنزع»
قلت أمره (ص)البداءة باليمين مستحب وليس واجبا مع أن ظاهر النص يفيد الوجوب لكن الإجماع صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب كما ذكر ذلك النووي في "شرح مسلم""
الحديث لا يصح فلبس النعال سيان فيه البدء باليمين أو باليساروكذلك الخلع فعندما طلب الله من موسى(ص) خلع نعليه لم يقل له:
اليسرى قبل اليمنى أو العكس وإنما طالبه بخلع الاثنين سواء معا أو احدهما قبل الأخر
ثم قال :
"رابعا استحباب الصلاة في النعال
من السنن المهجورة الصلاة في النعلين وقد تواتر أن النبي (ص)صلى في نعليه وثبت أن النبي (ص)أمر بالصلاة في النعلين فقد سئل أنس بن مالك " أكان (ص)يصلي في نعليه؟ قال نعم " وقال (ص)«خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» قلت الصلاة بالنعال مشروعة ولكن ينبغي على المرء أن لا يصلي في نعاله في حالتين
الحالة الأولى إن أدت الصلاة في النعال إلى مفسدة أو خصام و تنافر للقلوب بين المصلين فإنه من الأفضل عدم الصلاة في النعال إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد فينبغي على المرء فعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف خاصة إذا كان غير مطاع في قومه والتأليف بين القلوب مصلحة راجحة على مصلحة الصلاة في النعلين
الحالة الثانية ألا يكون المسجد مفروشا بالسجاد قال الشيخ الألباني "وقد نصحت إخواننا السلفيين بالمدينة الذين يعرفون بسكان الحرة أن لا يتشددوا في هذه المسألة - أي الصلاة بالنعال في المساجد - لما هناك من فارق بين المساجد اليوم المفروشة بالسجاد الفاخر وبين ما كان عليه المسجد النبوي في زمنه الأول وقد قرنت لهم ذلك بمثل من السنة في
قصة أخرى ذكرتهم بأن النبي (ص)قد أمر من بادره بالبصاق أو المخاط وهو يصلي أن يبصق عن يساره أو تحت قدميه وهذا أمر واضح أن هذا يتماشى مع كون الأرض أرض المسجد التي سيضطر للبصاق فيها من الرمل أو الحصباء فاليوم المصلى مسجد مفروش بالسجاد فهل يقولون أنه يجوز أن يبصق على السجاد فهذه كتلك""
الصلاة في النعال محرمة في المساجد المبنية فقد طالب الله رسوله(ص) موسى(ص) بخلع نعليه في المسجد الحرام الذى هو الوادى المقدس فقال :
" اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى"
وبالقياس على مكان الصلاة ألأول تكون المساجد المخصصة للصلاة واما في حالة الاضطرار في الحرب أو وجود وحل فيجوز الصلاة بالنعال
والسبب في حرمة الصلاة بها هو :
تعرض أسافل النعال للقاذورات بول وبراز ووحل وروث ونتانات أخرى
وتحدث زمانان عن اباحة المسح على النعال فقال :
"خامسا مشروعية المسح على النعال
قال الألباني "أما المسح على النعلين فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح على النعلين ولا نعلم لهم دليلا "
وقد صحح الترمذي المسح على الجوربين والنعلين وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة وحسنه أيضا من حديث الضحاك عن أبي موسى وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس وصحح ابن خزيمة حديث ابن عمر في المسح على النعال السبتية وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب جيد وقال أبو بكر البزار ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله (ص)يفعل وصححه ابن القطان"
والقرآن ليس فيه مسح للنعال ولا حتى للخفان وإنما المسح هو على الجلد مباشرة وهو مسح التيمم كما قال تعالى :
" فامسحوا بأيديكم ووجوهكم منه"
والمسح بالماء يكون على الأرجل والرءوس في الوضوء فقال :
" فامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين "
وتحدث عن تطهير النعال عد الصلاة فيها فقال :
"سادسا كيفية تطهير النعلين لمن أراد الصلاة فيهما
إذا أتى المرء إلى المسجد فعليه أن ينظر في نعليه فإن رأى فيهما وسخا أو أذى فليمسحهما في الأرض فإنه تطهير لهما لقوله (ص)«إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما»"
الحديث لا يصح فلا يجوز دخول مكان الصلاة وهو المسجد بالنعال أو غيرها من الأحذية فلو كان مباحا الصلاة فيهما لوجب غسلهما كغسل الرجلين
ثم تحدث عن وضع النعال عند خلعها قبل دخول المسجد فقال :
"سابعا موضع النعلين إذا لم يصل فيهما
إذا أراد المصلي أن يصلي في غير نعليه فإنه يضع نعليه تحت رجليه أو عن يساره إن لم يكن عن يساره أحد فإن كان عن يساره مصل فيضعهما تحت رجليه أو خلفه إن لم يكن خلفه أحد ولا ينبغي للمصلي أن يضع نعليه عن يمينه أو قدامه اتباعا لقوله (ص)«إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره إلا أن لا يكون عن يساره أحد وليضعهما بين رجليه»
والحديث لا يصح فالنعال مكانها خارج مكان الصلاة وليس بين قدمى المصلى لأن وضعهما بينهما يعيق المصلى عن وضعية الاطمئنان كما أن وجود أذى فيها يوسخ المسجد
زد على هذا أن الحديث اتهام صريح للمسلمين بأنهم مجموعة من اللصوص حتى في المساجد ومن ثم على كل واحد الحفاظ على نعليه
ثم قال:
"ثامنا من أخذت نعله ووجد غيرها
قال ابن قدامة في "الشرح الكبير" " ومن أخذت ثيابه في الحمام ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيرا من المتروك له وكانت مما لا يشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة إلى التعريف لأن التعريف إنما جعل على المال الضائع من ربه ليعلم به ويأخذه وتارك هذا عالم به راض ببذله عوضا عما أخذه ولا يعترف أنه له فلا يحصل من تعريفه فائدة وفيما يصنع به ثلاثة أوجه
أحدها يتصدق به على ما ذكرنا
والثاني أنه يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له بادلا إياها عوضا عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه فصار كمن قهر إنسانا على أخذ ثوبه ودفع إليه درهما
والثالث يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضا عن ماله والوجه الثاني أقرب إلى الرفق بالناس لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعا للسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظا لهذه الثياب المتروكة من الضياع
وقد أباح بعض أهل العلم فيمن له على إنسان حق من دين أو غصب أن يأخذ من ماله بقدر حقه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك فههنا مع رضا من عليه الحق يأخذه أولى وإن كانت ثم قرينة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظنا منه أنها ثيابه مثل أن تكون المتروكة مثل المأخوذة أو خيرا منها وهي ما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا لأن صاحبها لم يتركها عمدا فهي بمنزلة الضائعة والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى وبعد التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه الثلاثة المذكورة إلا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع إليه ثمنها فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه من غير زيادة لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها عوضا عما أخذه فإنه لم يأخذ غيرها اختيارا منه لتركها ولا رضى بالمعاوضة بها وإذا قلنا إنه يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته ويسقط عنه من ثمنها ما قابل ثيابه ويتصدق بالباقي""
وهذا الكلام كما سبق القول في مجتمع كافر ناسه مجموعة من السراق وحل ضياع أو سرقة أى نعل في المجتمعات الحالية هو أخذ نعل من النعال الزائدة التى توضع أمام دورات المياه لدخول الدورات بها
وأما في المجتمع المسلم فتقطع أيدى السراق والحل سهل وهو وضع مصورة تصور مكان النعال للقبض على من يسرق أو يحاول السرقة
ثم قال :
"تاسعا يشرع لمن دخل المقابر خلع نعليه
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية هل خلع النعال في المقابر من السنة أم بدعة؟ فأجابت" يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه لما روى بشير بن الخصاصية قال " بينا أنا أماشي رسول الله (ص)إذا رجل يمشي في القبور وعليه نعلان فقال «يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك» فنظر الرجل فلما عرف رسول الله (ص)خلعهما فرمى بهما "رواه أبو داود وقال أحمد إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة والعلة التي أشار إليها أحمد كالشوك والرمضاء ونحوهما فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى"
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز المشي في المقبرة بالنعال منهم النسائي وابن حزم - رحمهما الله - لحديث أنس أن النبي (ص)قال «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه صاحبه وإنه ليسمع قرع نعالهم» وقال بعض أهل العلم بأن النعال السبتية خاصة بأهل الفخر
قلت وهذا القول ليس بجيد فأما استدلالهم بأن الميت يسمع قرع نعال المشيعين فهذا دلالة مفهوم بينما أمر النبي (ص)لصاحب السبتيتين بأن ينزعهما دلالة منطوق والمنطوق يقدم على المفهوم أما كون النعال السبتية خاصة لأهل الفخر فهذا القول كذلك ضعيف إذ أن النبي (ص)ثبت عنه لبسها فعن عبد الله بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - " رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال ما هي يا ابن جريج؟ وفيه "رأيتك تلبس النعال السبتية فقال أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله (ص)يلبس النعال السبتية التي فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها""
وتناقض الأحاديث يدل على أن الرسول(ص) لم يقلها والمشى بالنعال بين المقابر مباح لكونها ليست مساجد
وتحدث عن تغيير أماكن النعال فقال :
"عاشرا من أزال نعلا من موضع ووضعه بموضع آخر ضمنه إن فقد
يجب على المرء إن دخل مسجدا ووجد نعلا قد وضعت في مكان ما ثم أزال هذه النعل ووضع نعله مكانها أن يضمن النعل لأنه لا يحق له إزاحتها ولكنه إن فعل فيجب عليه أن لا يضيع حقوق الآخرين وأن يحفظها أو يضعها في مكان آمن "
كل واحد عليه ألا يغير مكان نعلى الأخر قددر الإمكان ولكن ما يسمى بالجزامات وهى أرفف خشبية أو معدنية من الممكن أن تغنى عن تغيير أماكن النعال الموضوعة على الأرض لكثرة المصلين وضيق مكان وضع النعال
وقال :
"الحادي عشر النهي عن المشي في نعل واحدة إذا انقطعت إحداهما
نهى النبي (ص)عن المشي في نعل واحدة إذا انقطعت إحداهما حتى يصلحها وقد أجمع العلماء على أن النهي للكراهة وليس للتحريم فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال «إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها» قال النووي " وسببه أن ذلك تشويه ومثلة ومخالف للوقار ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سببا للعثار "
قلت قوله (ص)«لا يمش» فهم منه بعض أهل العلم جواز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض للنعل ما يحتاج إلى صلاحها فنقل القاضي عياض عن الإمام مالك أنه قال " يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها مما يضر فيه المشي حتى يصلحها أو يمشي حافيا إن لم يكن ذلك " قال ابن عبد البر هذا هو الصحيح في الفتوى والأثر وعليه العلماء "
قلت ويكره كذلك المشي في نعلين مختلفين ذكره ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية
فائدة النهي عن المشي في نعل واحدة قد يدخل فيه كل لباس شفع كإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى كمن يلبس عباءة أو ما يسمى عند أهل الخليج "البشت" فيخرج يده من الكم دون الأخرى وينبغي على المرء ألا يفعل ذلك تركا للشهرة وعدلا بين الجوارح "
والمشى في رجل واحدة سبب منعه هو أنه قد يصيب الماشى بألم في قدميه نتيجة علو أحدهما وانخفاض الأخرى التى ليس فيها نعل
ثم قال :
"الثاني عشر النهي عن الانتعال قائما إذا كان في لبسها تعب أو مشقة
أخرج أبو داود في سننه من حديث جابر قال «نهى رسول الله (ص)أن ينتعل الرجل قائما»
والحديث لا يصح فالنعل يلبس من أى وضعية مريحة للإنسان فأحيانا عندما يكون النعال أمام سلم يلبسه وهو واقف ثم يضه رجله على درجة أو اثنين ويتم لبسه من وضع الانحناء أو الوقوف على حسب نوعية النعال برباط أم من غير رباط وغير ذلك
ثم قال :
"الثالث عشر عدم جواز وضع المصحف على النعل حتى لو كان نظيفا لم يلبس
يجب على المرء أن يحترم كتاب الله جل وعلا فهذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإن من احترام القرآن حفظه وتلاوة آياته وتدبره وفهم معانيه وصيانته من الامتهان وعدم الاحترام
وقد نص بعض أهل العلم على أن من امتهان المصحف وعدم احترامه وضعه على نعل نظيف حتى لو لم يلبس وقد نقل الوزاني في نوازله عن الشافعية قولهم بأنه " لا يجوز وضع مصحف على نعل نظيف لم يلبس لأن به نوع استهانة وقلة احترام"
احترام المصحف واجب ثم قال :
"الرابع عشر جواز لبس المؤذن النعال أثناء الأذان
سئل العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم عن قيام أحد المؤذنين بالأذان والنعال في قدميه خاصة وأنه قد اعترض كثير من الإخوان لما رأوا المؤذن يؤذن وهو منتعل فأجاب "لا مانع من لبس النعال وقت الأذان وحتى في الصلاة لأن النبي (ص)«صلى في نعليه» غير أنه ينبغي على المؤذن والمصلي أن يتأكد قبل دخول المسجد من طهارة نعليه وطهارتها كما هو معلوم دلكها بالأرض وأما الذين اعترضوا فلا علم لديهم ولا يجوز لهم الخوض فيما لا علم لهم به""
الفتوى كانت أيام الآذان بالصعود إلى وسطها أو أعلاها والآن في ظل مكبرات الصوت انتهى هذا الوضع ولو عاد فيمكن للمؤذن لبس النعل لصعود درجات سلم المئذنة ثم خلعه قبل دخول مكان الصلاة
وتحدث عن النعال المحرمة فقال :
"النعال المحرمة والتي لا يجوز لبسها
يكون لبس النعل محرما في صور وأنواع متعددة والتي من أهمها ما يلي
أ -إذا قصد بلبسها الكبر
الكبر صفة كمال لله جل وعلا فلا يجوز لأحد من الخلق أن ينازع الله في صفاته فقد أخرج مسلم في صحيحه عن رب العزة جل وعلا قال"الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار" وتوعد الله المتكبرين بصنوف من العذاب في الدنيا والآخرة فقد صح عن رسول الله (ص)أنه قال"بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"
قلت النعل أو الثوب الحسن نفيس أو غير نفيس لا يعد من الكبر الذي توعد صاحبه والذم يقع على من كان في قلبه الكبر والعجب بالنفس والهيئة والبطر
ب -إذا كان في لبسها شهرة
يحرم لباس النعل لقصد الاشتهار ولمخالفته الناس وليشار إليه بالبنان فقد تسابق الناس في هذا الزمان إلى لبس النعل والملابس النفيسة بقصد لفت أنظار الناس إليهم واشتهارهم بينهم مع الكبر والترفع عليهم جاهلين أو متجاهلين قوله (ص)«من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة»
وثوب الشهرة قد يكون بالوضيع من الثياب أو النعال كمن يلبس رديء الثياب والنعل ليعتقد الناس فيه الزهد والورع قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وتكره الشهرة من الثياب وهو المترفع الخارج عن العادة والمنخفض الخارج عن العادة فإن السلف يكرهون الشهرتين المترفع والمتخفض وفي الحديث «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة» وخيار الأمور أواسطها "
ج -إذا كانت النعل مصنوعة من جلود السباع فلبسها محرم
إذا كانت النعل من جلود السباع أو كان فيها شيء من جلود السباع فيحرم لبسها على الذكور والإناث لحديث خالد قال وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية فقال «أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله (ص)نهى عن لبوس جلود السباع والركوب عليها قال نعم» ولحديث أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر»
قلت ولا يفهم من قولهم الكراهة نفي التحريم فإن المتقدمين إذا أطلقوا لفظ الكراهة فإنما يعنون في الغالب التحريم قال ابن القيم "وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم وأطلقوا لفظ الكراهة فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة ثم قال ابن القيم " وقال أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن أبي عبد الله ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة ومذهبه لا يجوز"
وقد اختلف أهل العلم في ذكر الحكمة من النهي فذهب بعضهم إلى أن النهي بسبب ما يقع على هذه الحيوانات من الشعر لأن الدباغ لا يؤثر فيه وقال بعضهم يحتمل أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء وعلى المسلم أن يتقي ربه وأن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه وفي المباح والحلال مندوحة عن ارتكاب المعاصي ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه
د- أن يكون فيها الذهب أوالحرير
يحرم لباس النعل على الرجال إن كان فيها ذهب أو حرير فقد صح عن رسول الله (ص)أنه «أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي»
هـ -يحرم لباس النعل التي فيها ضرر على الإنسان
يحرم لبس النعل التي فيها ضرر على النفس كالكعب العالي وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم لبس الكعب العالي فأجابت بأن " لبس الكعب العالي لا يجوز لأنه يعرض المرأة للسقوط والإنسان مأمور شرعا بتجنب الأخطار بمثل قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} و قوله {ولا تقتلوا أنفسكم} كما أنه يظهر قامة المرأة وعجيزتها بأكثر مما هي عليه وفي هذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة المؤمنة بقول الله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن} "
و -لبس الرجال نعل النساء ولبس النساء نعل الرجال
يحرم على النساء التشبه بالرجال ويحرم على الرجال التشبه بالنساء فلا يجوز للرجال لبس النعال الخاصة بالنساء ويحرم على النساء أن يلبسن النعال الخاصة بالرجال ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من الكبائر فقد لعن رسول الله (ص)من فعل ذلك كما قال أبو هريرة - «لعن رسول الله (ص)الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل»"
بالقطع النعال أدوات المحرم فيها هو صناعتها من مواد محرمة كالتى
تتسبب في ألم الأقدام ووضع الذهب والماس فيها فهو تبذير وأما التكبر والتشبه والشهرة فهذه أمور متعلقة بنفس الإنسان وليست بالنعل
وتحدث عن اعتقادات بعض الناس في النعال فقال :
"أخطاء شائعة لدى بعض الناس
أولا اعتقاد بعض الناس بأن قلب النعل وجعل عاليها سافلها أمر محرم ولا يجوز وهذا اعتقاد خاطئ وقول على الله بغير علم فمن قال بالكراهة أو التحريم فعليه بالدليل من كتاب الله أو سنة رسوله (ص)أو مما قاله سلف هذه الأئمة من أصحاب النبي (ص)وتابعوهم بإحسان والعلم الشرعي لا يأتي بالظن والوساوس والقول على الله بغير علم كبيرة من الكبائر وقد قرنه الله تعالى بالشرك به قال عز من قائل {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}
ثانيا يعتقد بعض الناس أن تقصد المشقة يحصل به الأجر الكبير فترى بعض الجهلاء يستحب أداء مناسك الحج حافيا تقربا إلى الله حتى يتحقق فيه قول النبي (ص)لعائشة «أجرك على قدر نصبك» ولحديث جابر في صحيح البخاري قال «خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله (ص)فقال لهم إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى قرب المسجد فقالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال بني سلمة ‍دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم - وفي رواية فقالوا ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا» ولأمر النبي (ص)أمته بالاحتفاء وعدم لبس النعال في الحديث الذي يروى عنه (ص)وصححه العلامة المحدث الألباني في الصحيحة «أمرنا أن نحتفي أحيانا» والأمر يقتضي الوجوب وبمعنى آخر أن من لم يحتف أحيانا فإنه يستحق الإثم لمخالفته أمر النبي (ص)الجواب
أما تقصد المشقة فالرد عليه كما يلي
أولا لا يجوز للإنسان أن يتقصد المشقة عند أدائه لأي عبادة
ثانيا النيات في العبادات معتبرة في الشرع فلا يصلح منها إلا ما وافق الشرع
ثالثا باستقراء الأدلة الشرعية فإن الشارع لم يقصد إلى التكاليف بالمشاق والإعنات لقوله تعالى {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}
رابعا لو قصد الشارع التكاليف بالمشقة لما حصل الترخيص فالرخص الشرعية أمر مقطوع به ومعلوم من الدين بالضرورة وهي لرفع الحرج والمشقة الواقعة على المكلفين كرخص القصر والفطر والجمع بين الصلاتين
خامسا ثبت في شريعتنا ما يمنع من التكلف والتنطع في دين الله لقوله تعالى {وما أنا من المتكلفين} وقوله (ص)«اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا»
سادسا نقل الإمام الشاطبي الإجماع على عدم وجود التكليف بالمشاق غير المعتادة في الشريعة
سابعا لو قصدت المشقة في كل مرة وداوم عليها المكلف لوجدت مشقة غير معتادة وحرج كبير مما يفضي إلى ترك العبادة بالكلية والانقطاع عنها
ثالثا قيام بعض طلبة العلم بمسك النعل باليمين والكتب بالشمال
من الأخطاء التي قد يرتكبها بعض طلبة العلم مسكهم للنعل بأيمانهم والكتب بشمائلهم وهذا خطأ فينبغي إذا فرغ طالب العلم من درسه وأراد أن يحمل كتبه ونعليه أن يمسك الكتاب بيمينه والنعل بشماله قال علامة فاس المهدي الوزاني المالكي في "النوازل الكبرى""كثيرا ما يقع لبعض الطلبة حتى فقهاء التدريس أن يمسك النعل بيمينه والكتاب بشماله أو تحت إبطه "
وأما الأولى والثانية فكلامه صحيح فيهما وأما الثالثة فزمانان مخطىء فيها فالكتب أو النعال تحمل بأى يد فالأمر واسع ولم يحرم الله لا هذا ولا ذاك

الأربعاء، 29 يونيو 2022

قراءة في كتاب مصحف الإمام علي

قراءة في كتاب مصحف الإمام علي
الكتاب صادر عن المجمع العالمي لأهل البيت ففى مستهل الكتاب تحدث المجمع عن كون مصحف على بن أبى طالب هو نفسه المصحف الحالى فقال:
"المقدمة
تكاد تتفق كل نصوص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة علي أن هذا القرآن الموجود بين أيدينا هو الكتاب الذي أنزله الله علي رسوله الأمين محمد خاتم النبيين (ص)وهو الكتاب الذي تكفل الله بحفظه وتخليده باعتباره الدليل علي خلود الرسالة التي انزل من أجل إثباتها وتثبيتها. وقد تضمن هدي الله للبشرية والدين التام الذي ارتضاه لعباده ويحتج به علي خلقه الي يوم القيامة. وقد صرحت كلماته الخالدة عن هذا الكتاب الخالد بأنه يتكلم عن القرآن الموجود بأيدينا، وهو القرآن الذي انزل علي الرسول محمد (ص)وجمع في عهده وتداوله المسلمون جيلا بعد جيل لم ينقص منه حرف أو كلمة. قال : «واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، وسلمادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب. وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدي أو نقصان من عمي. واعلموا أنه ليس علي أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غني، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به علي لاوائكم; فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه». وهذه النصوص الواردة عنه، حول القرآن الكريم الموجود بأيدي المسلمين في عصره وعصرنا هذا هي التي تفسر قوله : «وإن الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته» هذا هو موقف الإمام علي بن أبي طالب من كتاب الله الخالد."
وهذا الكلمة المنسوبة لعلى في نهج البلاغة كلمة مخالفة لكتاب الله في قوله:
"وشفاء لما في الصدور"
فهو ليس شفاء من الأدواء الجسدية وإنما شقاء من الأمراض النفسية وهى الكفر والنفاق ومن ثم من المستبعد ان يكون قالها
وتحدث المجمع عن اتهام أهل البيت بأن لديهم مصحف مخالف للمشهور بين أيدى الناس فقال:
"ولكن أعداء هذا الكتاب الإلهي انتهجوا لتفريق المسلمين سبلا شتي، منها:
اتهام أهل البيت وهم حملة القرآن وعدله ورعاته والمفسرون لآياته كما اوحي الي الرسول (ص)وأتباعهم ـ بأنهم يزعمون أن لديهم سوي هذا القرآن قرآنا يحتفظون به زاعمين أن هناك روايات تشير الي ذلك. ومن هنا ـ إيضاحا للحقيقة التي يعرفها أهل الحق، والتي يحاول الأعداء تغييبها ـ نعالج هذا الزعم لنصل الي ما ترشدنا اليه الروايات في هذا المجال، وذلك عبر ملاحظة تأريخ القرآن منذ عصر الرسول (ص)وحتي عصر الإمام علي لنقف علي حقيقة ما يسمي بمصحف الإمام علي في هذه النصوص. "
وكالعادة لجأ المجمع إلى استجرار التاريخ الكاذب عن جمع القرآن مقررا ما يناقض كتاب الله وهو أن البشر من الصحابة هم من جمعوا القرآن وحفظوه فقال :
"لا يمكن البحث في قضية مصحف الإمام علي إلا بعد معرفة تاريخ جمع القرآن ; لأن مصحف الإمام علي ما هو إلا جمع الإمام علي للقرآن الكريم وما حوله إن ترتيب القرآن وتاريخ جمعه وتنظيم سوره، وتشكيله وتنقيطه وتفصيله الي أجزاء وأحزاب لم يكن وليد عامل واحد، ولم يكتمل في فترة زمنية قصيرة، فقد مرت عليه أدوار وأطوار ابتدأت بعهد الرسالة وانتهت بدور توحيد المصاحف علي عهد عثمان، ثم الي عهد الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي أكمل تشكيله علي ما هو بأيدينا اليوم. يري المؤرخون أن تاريخ جمع القرآن قد مر بثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الاولي: عهد النبي (ص)حيث جمع القرآن كتابة وحفظا في الصدور وكتب في قراطيس وألواح من الرقاع والعسب واللخاف والأكتاف فقد قال زيد بن ثابت: كنا عند رسول الله (ص)نؤلف; أي نكتب القرآن في الرقاع.
المرحلة الثانية: عهد أبي بكر، وذلك بانتساخه من العسب والرقاع وصدور الرجال
المرحلة الثالثة: عهد عثمان بن عفان حيث جمع القرآن بين دفتين وحمل الناس علي قراءة واحدة، وكتب منه عدة مصاحف أرسلها الي الأمصار، وأحرق باقي المصاحف
فحول المرحلة الاولي
يذهب بعض علماء الإمامية علي أن القرآن الكريم كان مجموعا علي عهد رسول الله (ص)وانه لم يترك دنياه الي آخرته إلا بعد أن عارض ما في صدره بما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة وبما في مصاحف الذين جمعوا القرآن في عهده، وتشير الي ذلك كثير من الروايات منها قوله (صلي الله عليه وسلم): «من قرأ القرآن حتي يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته ... »."
الحديث باطل للتالى:
الأول حفظ ألفاظ القرآن هو كحفظ ألفاظ التوراة وغيرها من كتب الله لا يدخل الجنة فالحفظ اللفظى يدخل الناء ويكون صاحب كالحمار خامل الأسفار كما قال تعالى :
" مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفار بئس مثل القوم الذيم كذبوا بآياتنا"
الثانى الشفاعة ليست لحافظ القرآن وإنما لمن اختاره الله كشهيد على قومه كما قال تعالى:
" وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"
وقال:

وأكمل المجمع قائلا:
وكان رسول الله (ص)يشرف بنفسه علي ما يكتب، فعن زيد قال: فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف أو كسره فأكتب وهو يملي علي فاذا فرغت قال: إقرأه، فأقرأه، فان كان فيه سقط أقامه، ثم اخرج الي الناس وروي أن الصحابة كانوا يختمون القرآن من أوله الي آخره حتي قال (صلي الله عليه وسلم): «إن لصاحب القرآن عند الله لكل ختم دعوة مستجابة» "
والجديث باطل فلا يوجد دعاء مستجاب لخاتم القرآن او لغيره لأن الاستجابة متعلقة على مشيئة الله وليس على عمل أى إنسان كما قال تعالى :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
والمعنى أن ما كتبه الله أنه سيستجاب سيتسجاب وما لم يكتبه لم يستجاب
وطرح المجمع سؤالا وأجاب عليه فقال :
"هل جمع رسول الله القرآن بنفسه أم لا؟
لقد كان لدي النبي (ص)مصحف مجموع، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حيث جاء وفد ثقيف الي النبي (ص)قال عثمان: فدخلت علي رسول الله (ص)فسألته مصحفا كان عنده فأعطانيه بل وترك رسول الله (ص)مصحفا في بيته خلف فراشه مكتوبا في العسب والحرير والاكتاف، وقد أمر عليا بأخذه وجمعه ... أما المرحلة الثانية من جمع القرآن التي يقال عنها أنها كانت في عهد أبي بكر فالأخبار حول هذا الجمع متضاربة، كما أنها لا ترتبط بما نحن بصدده أما شبهة أن للإمام علي مصحفا غير هذا المصحف المتداول بين المسلمين من جهة النص فهذه شبهة لا دليل عليها ولا أساس لها من الصحة. نعم، تفيد طائفة من أحاديث الشيعة وأهل السنة أن الإمام عليا اعتزل الناس بعد وفاة رسول الله (ص)لجمع القرآن الكريم، وكان موقفه هذا بأمر رسول الله (ص)وأنه قال: لا أرتدي حتي أجمعه وروي أنه لم يرتد إلا للصلاة حتي جمعه "
وكل ما سبق من روايات تاريخية مخالف تمام المخالفة لكتاب الله فجامع القرآن ليس بشرا وإنما الله كما قال تعالى :
" إنا علينا جمعه وقرآنه"
وهو ما سماه الله حفظه كما قال:
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وطرح المجمع سؤالا أخر فقال :
"من أين جاءت تسمية مصحف الإمام علي؟
لقد كان للإمام مصحف كباقي المصاحف التي جمعت فيما بعد مثل مصحف زيد ومصحف ابن مسعود ومصحف ابي بن كعب ومصحف أبي موسي الأشعري ومصحف المقداد بن الأسود، كما كان لعائشة أيضا مصحف. وكان أهل الكوفة يقرأون علي مصحف عبدالله بن مسعود، وأهل البصرة يقرأون علي مصحف أبي موسي الأشعري، وأهل الشام علي مصحف أبي كعب، وأهل دمشق علي مصحف المقداد. ولكن انتهي دور هذه المصاحف والقراءة فيها علي عهد عثمان عندما أرسل عليها وأحرقها أما مصحف الإمام فقد احتفظ به لنفسه وأهل بيته ولم يظهره لأحد، حفاظا علي وحدة الامة، علي ما سنبينه فيما بعد."
ثم طرح سؤالا ثالثا فقال :
"هل مصاحف الصحابة التي سميت بأسماء جامعيها تختلف فيما بينها؟ وهل لكل واحد منها خصوصية؟
يري المؤرخون أن فروقا من ناحية تقديم السور وتأخيرها تكتنف تلك المصاحف، فمثلا مصحف ابن مسعود نجده مؤلفا بتقديم السبع الطوال ثم المئتين ثم المثاني ثم الحواميم ثم الممتحنات ثم المفصلات. أما مصحف ابي بن كعب نجده قد قدم الأنفال وجعلها بعد سورة يونس وقبل البراءة، وقدم سورة مريم والشعراء والحج علي سورة يوسف "
وكل هذا الكلام والإجابة عليه من الأحاديث مناقض لكلام الله الذى هو جامع القرآن وليس البشر
وطرح المجمع سؤالا رابعا عن زمن جمع على لمصحفه فقال:
"متي جمع الإمام علي مصحفه؟
إن أول من تصدي لجمع القرآن بعد وفاة النبي (ص)مباشرة، وبوصية منه هو علي بن أبي طالب حيث قعد في بيته مشتغلا بجمع القرآن وترتيبه علي ما نزل قال ابن النديم ـ بسند يذكره ـ: أن عليا رأي من الناس طيرة عند وفاة النبي (ص)فأقسم أن لا يضع رداءه حتي يجمع القرآن وروي محمد بن سيرين عن عكرمة، قال: لما كان بدء خلافة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته يجمع القرآن. قال: قلت لعكرمة: هل كان تأليف غيره كما أنزل الأول فالأول؟ قال: لو اجتمعت الإنس والجن علي أن يألفوه هذا التأليف ما استطاعوه. قال ابن سيرين: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه الي المدينة فلم أقدر عليه "
وهذا الكلام هو كلام روايات والحقيقة أن من كانوا في المدينة كانوا يسجلون أولا بأول الآيات التى تنزل على النبى(ص) في مصاحفهم وكان لدى النبى(ص) عدد كبير من المصاحف في بيته بعدد زوجاته وبناته لأن أمر الله لهن بتلاوة آيات القرآن" واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات الكتاب والحكمة" يستلزم وجود مصحف عند كل واحدة وأما القرآن المحفوظ فقد حفظه في بيته الحرام حيث لا يقدر أحد على ارتكاب ذنب كما قال:
"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"
وطرح سؤالا عن ميزة المصحف العلوى فقال :
"ما هو امتياز مصحف الإمام علي عن بقية المصاحف؟
واذا ما ثبت أن هناك مصحفا للإمام علي قد جمعه بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وسلم)، فماهي صفات ذلك المصحف؟ وهل يختلف عن غيره من المصاحف الاخري التي جمعت بعد مصحفه؟ قالوا: إن الفرق بين مصحف الإمام علي والمصاحف الاخري التي اختلفت فيما بينها أيضا، هو أن الإمام رتبه علي ما نزل، كما اشتمل علي شروح وتفاسير لمواضع من الآيات مع بيان أسباب ومواقع النزول قال : «ما نزلت آية علي رسول الله (ص)إلا اقرأنيها وأملاها علي، فأكتبها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها. ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علما أملاه علي فكتبته منذ دعا لي ما دعا» كما اشتمل علي جملة من علوم القرآن الكريم، مثل: المحكم والمتشابه والمنسوخ والناسخ وتفسير الآيات وتأويلها "
وهذا الكلام عن اختلاف مصحف على عن مصاحف الناس يناقض ما قاله المجمع في مقدمة الكتاب عن كون مصحف على هو نفسه المصحف الحالى الموجود بين أيدى الناس في قوله:" تكاد تتفق كل نصوص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة علي أن هذا القرآن الموجود بين أيدينا هو الكتاب الذي أنزله الله علي رسوله الأمين محمد خاتم النبيين (ص)"
ثم حكى لنا رواية غريبة لا تتفق مع مقدمته التى ذكرناها فقال :
"هل عرض الإمام مصحفه علي الناس؟
نعم، بعد أن جمعه جاء به الي الناس وقال: إني لم أزل منذ قبض رسول الله (ص)مشغولا بغسله وتجهيزه ثم بالقرآن حتي جمعته كله ولم ينزل الله علي نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها وعرض الإمام مصحفه علي الناس وأوضح مميزاته فقام إليه رجل من كبار القوم فنظر فيه، فقال: يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه قال الإمام علي : «أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه»
فلو كان مصحفه مخالفا كما تقول الرواية ما أخفاه عنهم وناقض المجمع كلام المقدمة عن اختلاف مصحف على عن المصاحف ألأخرى فروى رواية أخرى تقول:
"لماذا لم يخرج الإمام مصحفه في زمن الخليفة عثمان؟
خلال عهد عثمان اختلفت المصاحف، واثيرت الضجة بين المسلمين، فسأل طلحة الإمام عليا لو يخرج للناس مصحفه الذي جمعه بعد وفاة رسول الله (ص)قال: وما يمنعك ـ يرحمك الله ـ أن تخرج كتاب الله الي الناس؟! فكف عن الجواب أولا، فكرر طلحة السؤال، فقال: لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك من أمر القرآن، ألا تظهره للناس؟ وأوضح الإمام سبب كفه عن الجواب لطلحة مخافة أن تتمزق وحدة الامة، حيث قال: يا طلحة عمدا كففت عن جوابك فأخبرني عما كتبه القوم؟ أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال طلحة: بل قرآن كله قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة "
والحديث متناقض فلو كان مصحف على سيمزق الأمة فلا معنى لهذا سوى أن ما في أيدى الناس مخالف له كثيرا ولكنه قال أن ما في أيديهم قرآن ينجيهم فدل على أنه لا يمزق الأمة
وتحدث المجمع عن مصير المصحف العلوى فقال :
"مصير مصحف الإمام علي
تفيد الروايات بأن المصحف قد سلمه الإمام علي للأئمة من بعده وهم يتداولونه الواحد بعد الآخر لا يرونه لأحد كما لم يعد خبر المصحف والحديث عنه خافيا علي العلماء الباقين. ذكر ابن النديم أنه أول مصحف جمع فيه القرآن، وكان هذا المصحف عند آل جعفر، وفي قول آخر يتوارثه بنو الحسن ثم تابع ابن سيرين مصير المصحف في المدينة المنورة فلم يفلح علي حصوله، وقد صرح بخصوصية المصحف بقوله: (فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم) إذن تتلخص قصة مصحف الإمام علي بما يلي: إن الإمام جمع القرآن بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، وكانت سوره وآياته هي آيات وسور القرآن المتداول بين المسلمين اليوم، وكان متضمنا ترتيب السور حسب النزول والي جانبها أسباب النزول، إلا أن موقف بعض الصحابة من مصحفه كان موقفا سياسيا. ومن هنا فالأحري أن نعتبره نسخة اخري من القرآن الكريم متضمنة لسوره وآياته، وليس هو قرآن آخر سوي القرآن الكريم. وجاء الخصوم بعد ذلك ليقولوا: إن الشيعة تدعي أن للإمام علي مصحفا غير المصحف المتداول بين المسلمين ظلما ورغبة في تفريق صف الامة المسلمة "
واخفاء المصحف يتناقض مع كونه مثل المصاحف الموجودة حاليا فلو كان مثلها فما هو الداعى لاخفائه؟
كلام المجمع متناقض

الثلاثاء، 28 يونيو 2022

نقد كتاب التمكين للدعوة في ضوء الكتاب والسنة تفسير سورة العلق

نقد كتاب التمكين للدعوة في ضوء الكتاب والسنة تفسير سورة العلق
المعدان هما أبي عبد الرحمن السلفي المقدسي وهشام بن فهمي بن موسى العارف وقد استهلا الكتاب بالحديث عن أهمية العلم الشرعى فقالا:
"الباب الأول
وجوب الاهتمام بالعلم الشرعي
سورة العلق سورة مكية (96/مصحف 1/نزول) وتسمى سورة اقرأ قال عنها ابن تيمية: "إنها وأمثالها من السور التي فيها العجائب وذلك لما جاء فيها من التأسيس لافتتاحية تلك الرسالة العظيمة ولا تستطيع إيفاءها حقها عجزا وقصورا"
فالآيات الخمس الأولى منها هي بحق كما قال الشنقيطي افتتاحية الوحي لذلك كانت موضع عناية المفسرين وغيرهم
إن أجل العلوم التي يدعو القرآن إلى اكتسابها علوم الدين لأنها تهدي الإنسان إلى سبيل سعادته في الدارين فكان أول الذي نزل من قوله تعالى اقرأ ففي الصحيحين واللفظ للبخاري وغيرهما عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله (ص)من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد الليالي ذوات العدد ـ قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ) فرجع بها رسول الله (ص)يرجف فؤاده الحديث"
والخطأ في الكلام هو كون العلق أول ما نزل من القرآن فأول ما نزل من القرآن لابد أن يكون تعريف المرسل لرسوله والمراد ان يعرف الله محمد بمن هو الله كما قال لموسى(ًص):
" إننى أنا لا إله أنا فاعبدنى "
وأما حكاية كون أول الوحى الرؤيا الصالحة فهذا ما لا دليل عليه من القرآن فأول أيا كان المنزل عليه هو أن يعرف الله نفسه لمن أنزل عليه الوحى
ثم شرحا المعدان المعنى المعروف للقراءة فقالا:
"فقوله تعالى (اقرأ) نبه بها على أعلى أسباب القرب إليه وهو العلم و(اقرأ) بدء للنبوة وإشعار بالرسالة لأنه يقرأ كلام غيره وفيها إبراز للمعجزة أكثر لأن الأمي بالأمس صار معلما اليوم
"إن مما يبين أهمية وفضل العلم والتعليم نزول أول آيات من القرآن الكريم فيها حض على القراءة والأمر بها بل وكرر الأمر فيها بالقراءة تنبيها على التزام أقوى أسباب السعادة
وجاء في السورة تكرير الأمر بالقراءة للإشعار بحاجة الإنسان لمتابعة القراءة في حياته ثم ذكر القلم إبرازا لمكانته وأهميته في حفظ العلم وتبليغه قال العلامة السنوسي نقلا عن بعض الشيوخ: ( مقصد السورة والله أعلم إخبار رسول الله (ص)بأن الله تعالى اصطفاه بأن جعله إنسانا أولا وفضله على بني جنسه من المصطفين وغيرهم بما خصه به من العلوم والمعارف الموجبة منزلة القرب وأنه خلقه للانقطاع لعبادته وضمن له ما يهمه من أمر عدوه فقيل له في فاتحتها (اقرأ) فنبه على أعلى أسباب القرب وهو العلم وحض في خاتمتها على نتيجة العلم وهو العلم المقرب إليه جل وعلا فقيل له ( اسجد واقترب) وحاصله إعلم واعمل "
والقراءة لا يمكن أن يكون معناها قراءة المكتوب وهو ما يخطه القلم لأن محمد(ص) كان جاهر بالقراءة والكتابة وهى الخطة كما قال تعالى :
" وما كنت تتلو من كتاب من قبله ولا تخطه بيمينك "
ومن ثم فالقراءة هنا بيست بمعنى العلم وإنما معناها العمل فاقرأ تعنى اعمل أى أطع أى اتبع المنزل عليك
ثم قالا:
"وقال تعالى في السورة (الذي علم بالقلم قال الزجاج: أي علم الإنسان الخط بالقلم وقال ابن كثير: وفي الأثر: قيدوا العلم بالكتابة
فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به
وقال تعالى في سورة المائدة: (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)
فقوله تعالى: (وإذ علمتك الكتاب) أي: الخط الذي هو مبدأ العلم"
وكل ما ذكره المعدان يخالف كتاب الله فالتعليم بالقلم يعنى تعليم الله لآدم (ص) قراءة وكتابة الكلمات كما قال تعالى:
"وعلم آدم الأسماء كلها"
ونقل المعدان كلاما لا علاقة له بالتفسير عن أنواع القلم فقالا:
"وقد ذكر القلم في السنة أنواعا متفاوتة وكلها بالغة الأهمية:
منها: أولها وأعلاها: القلم الذي كتب ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة والوارد في الحديث: (إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون)
ثانيها: القلم الذي يكتب به الملك في الرحم ما يخص العبد من رزق وعمل والوارد في الحديث: (إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه )
ثالثها: القلم الذي بأيدي الكرام الكاتبين كما في قوله تعالى في سورة الانفطار: (كراما كاتبين
رابعها: القلم الذي بأيدي الناس يكتبون به ما يعلمهم الله ومن أهمها أقلام كتاب الوحي الذين كانوا يكتبون الوحي بين يدي رسول الله (ص)وكتابة سليمان إلى ملكة سبأ"
وهذا الكلام لا يوجد منه كلمة مرتبطة بتفسير علم بالقلم ثم نقلا عن أحدهما:
"وقال الشنقيطي: وقوله تعالى: (الذي علم بالقلم) شامل لهذا كله إذا كان هذا كله شأن القلم وعظم أمره وعظيم المنة به على الأمة بلى وعلى الخليقة كلها"
وقطعا الآية تتحدث عن تعليم الله لآدم(ص) وليس عن الأصناف الأربعة وغيرها لأن الله حدد المعلم بكونه الإنسان وهو آدم (ص) لقوله تعالى " خلق الإنسان علمه البيان"
وكعادة المفسرين والفقهاء عندما يستطردون فيكتبون كلاما أو ينقلون كلاما لا علاقة لها بالتفسير قال المعدان :
"الأمر بكتابة العلم
وقد أمر النبي (ص)بكتابة العلم صح ذلك من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن العباس: ( قيدوا العلم بالكتاب ) وعن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (ص)أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء ورسول الله (ص)بشر يتكلم في الغضب والرضى! فأمسكت عن الكتاب وذكرت لرسول الله (ص)فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: (اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق)
طلاب العلم الشرعي
ولأن المطلوب عبادة الله تعالى على الوجه الذي بين وأمر فقد حث الله تعالى على العلم النافع وحث على تدوينه والعلم النافع هو ما قاله الله تعالى وما قاله نبيه (ص)والنبي (ص)بين لصحابته الذي نزل عليه كما بين الصحابة رضوان الله عنهم ما فهموه من النبي (ص)فتناقلوه بينهم ومن ثم جرى تدوينه
إن على طالب العلم أن يدرك أنه يجب عليه أن يقرأ رسالة الله تعالى المرسلة إليه وعليه أن يعتني باستمرار بمطالعتها وفهمها حتى يزيده الله تعالى هداية وفهما ( اقرأ باسم ربك الذي خلق اقرأ وربك الأكرم ) وإذا كان الله تعالى قد خاطب نبيه (ص)أولا فهو خطاب لكل أحد والنبي (ص)أول من سمع هذا الخطاب ففيه حث الناس على القراءة والعلم النافع العلم الذي تضمنته رسالته عز وجل فهم مأمورون بقراءة رسالته لأنه سبحانه وتعالى أعلم منهم وأدرى بضعفهم فهو من رحمته عز وجل لم يخلقهم عبثا بل دلهم على صلاح شؤونهم ونظام حياتهم وهو بذلك يبين لهم السلوك الأمثل والأقوم والأصلح والأنفع لحياتهم في الدارين ولا يتركهم لعقولهم وآرائهم واستنباطاتهم التي كثيرا ما تضل عن معرفة الحق إذا تركت مستقلة دون الرجوع إلى ما شرعه وأوحاه إلى نبيه (ص)"
وكل هذا الاستطراد هو خروج عن معنى الآية تماما
وتحدثا عن علم النبى(ص) مكملين كلامهم خارج تفسير السورة فقالا:
"علم النبي (ص)
في الصحيحين: أن ابن عمر قال سمعت رسول الله (ص)قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال العلم
وفي رواية: أن رسول الله (ص)قال: بينا أنا نائم شربت ـ يعني اللبن ـ حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري ـ أو في أظفاري ـ ثم ناولت عمر فقالوا فما أولته قال العلم"
والروايات السابقة مخالفة لكتاب الله لأن النبى(ص) لم يعلم عمر وحده وإنما علما آلافا من المسلمين كتاب الله وتفسيره الإلهى كما قال تعالى :
" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
واستطردا بعيدا عن معنى الآية فقالا:
"وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وكون محمد (ص)كان نبيا أميا هو من تمام كون ما أتى به معجزا خارقا للعادة ومن تمام بيان أن تعليمه أعظم من كل تعليم كما قال تعالى في سورة العنكبوت: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون)
ولم يكتف الاثنان بهذا الاستطراد وإنما تحدثا عن فضل العلم والعلماء وهو كلام ليس في السورة أى تلميح عنه فضلا عن التصريح فقالا:
"فضل العلم والعلماء
قال ابن أبي جمرة فيما نقله ابن حجر في الفتح (12/394): وفيه أن علم النبي (ص)بالله لا يبلغ أحد درجته فيه لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم
وقال: وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي والحال والمستقبل قال: وهذه أولت على الماضي فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع لأن الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له وكذلك أعطيه عمر فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه من العلم وما أعطيه عمرأهـ
إن هذا الحديث يبين فضل العلم والعلماء وذلك بتشبيه العلم باللبن وأن من أخذ العلم فكأنما هو يشرب اللبن وذلك لكونهما مشتركين في كثرة النفع بهما وفي أنهما سببا الصلاح فاللبن غذاء الأبدان والعلم غذاء العقول وسبب الصلاح في الدنيا والآخر
وأيضا مما يبين فضل العلم والعلماء ( أن فضلة رسول الله (ص)فضيلة وشرف وقد فسرها بالعلم فدل على فضيلة العلم والعلماء) وذلك لأن الآخذ منه آخذ من فضلة رسول الله (ص)"
الغريب أن الاثنان لم يذكرا حديثا عن العلم أو العلماء وإنما شرح الحديث الباطل الذى لم يقله النبى(ص) فجعلوا النبى (ص) الوحيد الذى بلغ درجة في العلم لن يبلغها غيره من المسلمين ولو علموا معنى ما قالوا لكان اتهاما صريحا للنبى(ص) بأنه لم يبلغ الوحى كاملا واحتفظ لنفسه ببعض العلم وهو ما يخالف أنه بلغ الرسالة كلها
وكعادتهما لم يسكتا وإنما أكملا الملام بكلام ليس له علاقة بتفسير السورة حيث تحدث عن العلم كركيزة للتوحيد فقالا:
"العلم أهم ركائز التوحيد
ينبغي أن يعلم أن تحقيق التوحيد يستحيل أن يتم كله أو شيء منه إلا بالعلم لأن العبادة أية عبادة لا تصح إلا باجتماع شرطين:
الأول: إخلاص النية فيها لله عز وجل بحيث لا يقصد بها إلا وجهه سبحانه
الثاني: متابعة الشرع فيها وفق ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة أو نقصان وهذا لا يتم إلا من ذي علم
وهكذا فإن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل فلا يقبل حتى يكون خالصا وصوابا والخالص أن يكون لله تعالى والصواب أن يكون على السنة
إن الإخلاص وإن كان أساس كل شيء إلا أنه ليس كل شيء إذ لا بد أن يضاف إليه العلم وإلا انعكس سير العبد إلى الخلف أو ظل مكانه
وقد قال العلماء:( الطرق مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول (ص))وقال الإمام أحمد بن حنبل: ( الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه)
قال تعالى في سورة يوسف: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) فقوله تعالى: (على بصيرة ): أي على علم ويقين لا على التقليد الدال على الغباوة والجمود(أنا ومن اتبعني ): قال ابن كثير وكل من اتبعه (ص)يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله (ص)على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي وقال البقاعي لا كمن هو على عمى جائر عن القصد حائر في ضلال التقليد"
هل لكل هذا الملام علاقة بتفسير الآية ؟
كلا ولم يكتفيا بهذا ونقلا كلاما عن ابن عثيمين أيضا لا علاقة بتفسير الآية فقالا:
"قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سؤال: فالإنسان الذي يتطهر وهو يعلم أنه على طريق شرعي هل هو كالذي يتطهر من أجل أنه رأى أباه أو أمه يتطهران؟ أيهما أبلغ في تحقيق العبادة؟ رجل يتطهر لأنه علم أن الله أمر بالطهارة وأنها هي طهارة النبي (ص)فيتطهر امتثالا لأمر الله واتباعا لسنة رسول الله (ص)؟ أم رجل آخر يتطهر لأن هذا هو المعتاد عنده؟
فالجواب: بلا شك أن الأول هو الذي يعبد الله على بصيرة فهل يستوي هذا وذاك؟ وإن كان فعل كل منهما واحدا لكن هذا عن علم وبصيرة يرجو الله - عز وجل - ويحذر الآخرة ويشعر أنه متبع للرسول (ص)
وأقف عند هذه النقطة وأسأل: هل نستشعر عند الوضوء بأننا نمتثل لأمر الله سبحانه وتعالى في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين هل الإنسان عند وضوئه يستحضر هذه الآية وأنه يتوضأ امتثالا لأمر الله؟ هل يستشعر أن هذا وضوء رسول الله (ص)وأنه يتوضأ اتباعا لرسول الله (ص)؟
الجواب: نعم الحقيقة أن منا من يستحضر ذلك ولهذا يجب عند فعل العبادات أن نكون ممتثلين لأمر الله بها حتى يتحقق لنا بذلك الإخلاص وان نكون متبعين لرسول الله (ص)نحن نعلم أن من شروط الوضوء النية لكن النية قد يراد بها العمل وهذا الذي يبحث في الفقه وقد يراد بها نية المعمول له وحينئذ علينا أن ننتبه لهذا الأمر العظيم: وهو أن نستحضر ونحن نقوم بالعبادة أن نمتثل أمر الله بها لتحقيق الإخلاص وأن نستحضر أن الرسول (ص)فعلها ونحن له متبعون فيها لتحقيق المتابعة لأن من شروط صحة العمل: الإخلاص والمتابعة اللذين بهما تتحقق شهادة أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (ص)"
استطرد ممل لا يتعلق بالتفسير وفى الباب الثانى استمرا في الاستطراد فقالا :
"الباب الثاني
توحيد الله عز وجل
ولما كان الهدف من القراءة تحصيل العلم النافع الذي به يهتدي الناس إلى العمل الصالح فلا بد من الاستعانة بالله تعالى ومصاحبة هذه القراءة بالتفكر بأسماء الله تعالى وصفاته الحسنى لاستبصار الحق ومعرفة الإيمان بحيث يكون الاعتقاد بالله اعتقادا صحيحا كما بين وأمر فما من موضوع إلا وله صلة بالله تعالى
قال ابن تيمية: إن الرسول (ص)أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين وهي الأدلة العقلية الدالة على ثبوت الصانع وتوحيده وصدق رسوله (ص)وعلى المعاد إمكانا ووقوعا"
ثم انتقلا فجأة للتفسير فقالا:
"الرب عز وجل
فقوله تعالى: (اقرأ باسم ربك) قال الشنقيطي: أي أن ما تقرؤه هو من ربك وتبلغه للناس باسم ربك ونظير هذا في الأعراف الحاضرة خطاب الحكم أو ما يسمى خطاب العرش حين يقول ملقيه باسم الملك أو باسم الأمة أو باسم الشعب على حسب نظام الدولة أي باسم السلطة التي منها مصدر التشريع والتوجيه السياسي وهنا باسم الله باسم ربك وصفة ربك هنا لها مدلول الربوبية الذي ينبه العبد إلى ما أولاه الله إياه من التربية والرعاية والعناية إذ الرب يفعل لعبده ما يصلحه ومن كمال إصلاحه أن يرسل إليه من يقرأ عليه وحيه بخبري الدنيا والآخرة وفي إضافته إلى المخاطب إيناس له
الخالق
(اقرأ باسم ربك الذي خلق) وصفة الخلق هي أقرب الصفات إلى معنى الربوبية ولأنها أجمع الصفات للتعريف بالله تعالى لخلقه وهي الصفة التي يسلمون بها قال تعالى في سورة لقمان: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قال البقاعي: وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين فهو أعلق بالفهم وأقرب إلى التصور وأدل على الوجود وعظيم القدرة وكمال الحكمة فكان البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور لأنه أول الواجبات معرفة الله وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح
قال ابن تيمية: إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له بعد معرفة وهذا قول جمهور الناس وعليه حذاق النظار إن المعرفة تارة تحصل بالضرورة وتارة بالنظر كما اعترف بذلك غير واحد من أئمة المتكلمين وقال: وهذه الآية تدل على أنه ليس النظر أول الواجب بل أول ما أوجب الله على نبيه (ص)(اقرأ باسم ربك الذي خلق) لم يقل انظر واستدل حتى تعرف الخالق"
وكل ما سبق من التفسير بعيد عن كتاب فلم يذكر معنى القراءة ولا معنى اسم والقراءة هى العمل أى اتباع أحكام الله وهذا الاتباع ليس له سبيل سوى اسم أى وحى الله فمعنى اقرأ باسم ربك هو :
" سبح اسم ربك ألعلى"
هو :
" ويذكر فيها اسمه"
فالاسم هو الوحى أى القرآن فالمراد :
اعمل بالقرآن
ثم قالا:
الأكرم
(اقرأ وربك الأكرم) والأكرم هو الأكرم من كل كريم وهو الذي يعطي بدون مقابل ولا انتظار مقابل والواقع أن مجيء الوصف هنا بالأكرم بدلا من أي صفة أخرى لما في هذه الصفة من تلاؤم للسياق ما لا يناسب مكانها غيرها لعظم العطاء وجزيل المنة"
وكالعادة نقلا كلاما لغويا عن القوم بعيدا عن التفسير فقالا:
"وقال ابن تيمية: ولم يقل "الأكرم من كذا" بل أطلق الاسم ليبين أنه الأكرم مطلقا غير مقيد فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه وقال الخطابي فيما نقله ابن تيمية: والأكرم مصدر أكرم - يكرم - إكراما والمعنى أنه يكرم أهل ولايته وطاعته وهو الذي ذهب إليه البغوي أنه يكرم أنبياءه وأولياءه للطفه مع جلاله وعظمته
ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد ولهذا قال النبي (ص)فيما أخرجه الإمام البخاري: ويقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن قال ابن حجر في الفتح (10/566) وإنما المعنى أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن
قال ابن تيمية: وهم سموا العنب "الكرم" لأنه أنفع الفواكه - يؤكل رطبا ويابسا ويعصر فيتخذ منه أنواع وهو أعم وجودا من النخل - يوجد في عامة البلاد والنخل لا يكون إلا في البلاد الحارة ولهذا قال في رزق الإنسان في سورة عبس (فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأب متاعا لكم ولأنعامكم فقدم العنب
ومع هذا نهى النبي (ص)عن تسميته بالكرم فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم : لا تسموا العنب الكرم وفي رواية مسلم وأحمد:" لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم"
قال ابن القيم هذا الحديث من حجج فضل العنب لأنهم كانوا يسمونه شجرة "الكرم" لكثرة منافعه وخيره فأخبرهم النبي (ص)أن قلب المؤمن أحق بأن يسمى كرما من شجر العنب لكثرة ما أودع الله فيه من الخير والبركة ولم يرد ابطال ما في شجر العنب من المنافع والفوائد وأن تسميته "كرما" كذب
وهذا كما قيل في صفة المؤمن: أنه رزق حلاوة ومهابة وأنه عز وجل يعلم"
وكل هذا الكلام عن الكرم والأكرم لم يبين شىء مع أن المعنى ظاهر وهى أن القراءة تعنى الكلام الإلهى والمراد اتباع القرآن معناه الحصول على كرم وهو رحمة الله
"ثم قالا:
وقد وصف الله تعالى نفسه أنه يعلم فقال: (علم الإنسان ما لم يعلم) فمن كرمه عز وجل أنه علم الإنسان أنواع العلوم قال الشيخ السعدي: علمه القرآن وعلمه الحكمة وعلمه بالقلم الذي به تحفظ العلوم وتضبط الحقوق وتكون رسلا للناس تنوب مناب خطابهم
فالخلق فعله عز وجل والتعليم يتناول تعليم ما أنزله كما قال تعال: (الرحمن علم القرآن* خلق الإنسان* علمه البيان)"
ومن ثم فالمعنى أن الله علم آدم(ص) البيان وهو الكلام وهو الوحى

ثم تحدثا عن رؤية الله وهى علمه فقالا:
"وأنه يرى
وفي قوله تعالى (ألم يعلم بأن الله يرى) إثبات صفة الرؤية لله تعالى فالله تعالى يسمع ويرى"
وكعادتهما أدخلا في تفسير الآية ما لم يذكر فيها وهو الإيمان بيوم "القيامة فقالا:
الإيمان باليوم الآخر
إذا علمت أن الله تعالى هو الرب وهو الخالق وأنه علم الإنسان ما لم يعلم وأن هذا الخلق ما خلقه الله عز وجل عبثا وإذا علمت أنك مخلوق وأن الخالق هو ربك دواما الذي يمنحك كل أسباب البقاء ويشملك بعطاءات ربوبيته فلا بد أن تتساءل!! وقد علمت أنك مخلوق وأن الذي خلقك من دم قادر على أن يبعثك من تراب ويحاسبك على أعمالك فعليك أن تراجع أعمالك وتتذكر ربك فإن هذا يعينك على ألا تطغى ولا تأبى ولا تكون ممن كذب وتولى
قال الله تعالى في سورة مريم: (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا)
وفى الباب الثالث خرجا عن التفسير للاستطراد في كلام لا علاقة له بما أتى في السورة فقالا:
"الباب الثالث
تكريم الله تعالى الإنسان وبيان ضعفه وحاجته لخالقه باستمرار
وفي ذكر الإنسان بعد عموم الخلق تكريم له قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المقام هنا مقام دلالة على وجود الله فبدأ بما يعرفونه ويسلمون به لله ولم يبدأ من النطفة أو التراب لأن خلق آدم من تراب لم يشاهدوه ولأن النطفة ليست بلازم لها خلق الإنسان فقد تقذف في غير رحم كالمحتلم وقد تكون فيه ولا تكون مخلقة
فربك الذي خلقك أيها الإنسان من علق رب يحسن إليك بتربيتك أمرك بالقراءة وهو قادر على أن يجعلك قارئا وجعل لك من وسائل اكتساب المعارف والعلوم القلم لما في الكتابة من المنافع وعلمك ما لم تعلم من خلال وسائل أخرى لاكتساب العلم إن الإنسان يتعلم بحواسه الظاهرة المرئيات والمسموعات والمشمومات والمذوقات والملموسات ويتعلم بحواسه الباطنة العواطف والإحساسات والمشاعر الداخلية كالحب والكراهية والغضب والرضا واللذة والألم
وحين يحب الإنسان أن يستقل بعلمه وقوته عن الله تعالى فإنه يضل ويسير في طريق الشقاء ومن هنا حذر الله تعالى وزجر بقوله كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
وهذا النص جاء بمثابة التعليل للحكمة من إنزال الرسالة ودعوة الناس إلى ما فيها من الخير والبركة فإذا ترك الإنسان من غير توجيه فإنه يطغى وهذا واقع من حياة الإنسان وتاريخه البشري ويبتلى الإنسان في أمور كثيرة متعددة تشعره بالاستغناء إن لم يكن على بصيرة من أمره فهو يبتلى بالمال وبالقوة وبالجاه والسلطان وبالصحة والعافية وبالعمر وبكثرة الولد وبالأنباع والأنصار وبعلوم الدنيا البحتة وبالذكاءالخ وقد يكون مرضا نفسيا بحيث يخيل لنفسه أنه قوي أو خارق أو بعد أن تستحوذ عليه الشياطين من الجن والإنس فتسيره بعد أن أضله الله تعالى في موكب الخداع وهو في الحقيقة مسكين تائه محتاج لربه عز وجل في كل لحظة"
وكل هذا الكلام ليس له أدنى علاقة بتفسير الآيات ثم فسر طغيان الغنى فقالا:
"إن هذه الصفة في الإنسان صفة شرطية إذ ليس كل إنسان طاغيا بالفعل ولكن من رأى أنه استغنى طغى ولزوم الطغيان للشعور بالاستغناء في مركب هذا الإنسان يكاد يكون قاعدة مطردة"الإنسان والطغيان
ولما كان الإنسان ضعيفا محتاجا إلى ربه تعالى باستمرار فإن (كلا) أداة الزجر دافعة لاعتراضه على تربية ربه له لأن الذي خلقه أدرى به فإذا ترك مستقلا دون رعاية وتوجيه وإرشاد طغى وإن أمر الإنسان لعجيب إذا طغى وأول هذا الطغيان الذي يأتي عليه بالكلية ويجعل مأواه النار استغناؤه عن الله تعالى واعتراضه على تربية الله تعالى له وهو مفتقر محتاج له ولأن الصلاة وهي الدعاء صلة العبد بربه عز وجل وهي أعظم أنواع العبادة فإن الرائي المتفكر ليتعجب ويتعجب ويزداد عجبا من سلوك هذا الصنف من الناس الذين اعترضوا على عبادة الله تعالى وعلى الصلاة وعلى الهدى وعلى الأمر بالتقوى وكذبوا بدين الله فقال تعالى: (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى )
قال أبو مسعود في تفسيره (5/274) "هذه الآية تقبيح وتشنيع لحال الطاغي وتعجيب منها"
إن هذا الصنف الطاغي الذي يعادي عقيدة المؤمنين بالله تعالى والذي يمنعهم من صلاتهم وينزل بهم الأذى والعذاب صنف يستحق العقاب
ولما أخبر الله تعالى بطغيان الإنسان عجل بذكر الدواء ولا دواء للطغيان إلا أن يتذكر الإنسان أنه مفتقر لله تعالى وأنه لا يزال مفتقرا له في حياته ومماته وغناه وفقره ومن رحمته تعالى أن ذكر الإنسان الذي أحسن له في التربية بالرجوع الأعظم الثابت الذي لا يحيد عنه فقال: (إن إلى ربك الرجعى)"
وفى الباب الرابع تحدث عن عاقبة المكذبين فنقلا التالى :
"الباب الرابع عاقبة المكذبين
أخرج مسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب قوله تعالى: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى (رقم: 38/2797) وأحمد وابن جرير في التفسير (15/30/256) والنسائي في التفسير (رقم:703) عن أبي هريرة قال:
قال: أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال: فقيل: نعم ! فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب قال: فأتى رسول الله (ص)وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال: فقيل له: ما لك؟ فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال: فأنزل الله عز وجل لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ) يعني أبا جهل ( ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه ) زاد عبيد الله في حديثه قال وأمره بما أمره به وزاد ابن عبد الأعلى ( فليدع ناديه ) يعني قومه"
والحديث باطل لم يحدث فالنهى عن الصلاة ليس عن الصلاة المعروفة وإنما نهى عن دين الله فهو الصلاة كما قال تعالى:
"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" فما ينهى عن الذنوب هو الوحى وليس الصلاة التى يعرفها الناس لأنها لو كانت تنهى لنهت المنافقين عن ذنوبهم ولكنهم كانوا يصلون كسالى ولا ينتهون عن فعل الذنوب
وتحدث عن تعذيب ذلك الناهى فقالا:
"وفي قوله تعالى: ( ألم يعلم بأن الله يرى) توجيه مع التهديد الضمني ثم قال زاجرا مهددا مع الإبانة (كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة) والسفع الأخذ بعنف أو الجذب بشدة والناصية: الجبهة - شعر مقدم الرأس
لقد ذكر الله تعالى الناصية وهي مقدم الرأس لأنها أشد نكارة على صاحبها ونكالا به إذ الصدق يرفع الرأس والكذب ينكسه ذلة وخزيا وأعلى ما ينهض به المكذب الطاغي المتكبر ناصيته وهي ناصية كاذبة خاطئة تستحق السفع
ولما كان هذا هو غاية الإهانة وكان الكفار إنما يقصدون بإعراضهم الشماخة والأنفة والعز عن أن يكونوا أتباعا أذنابا وإنما عزهم بقومهم وأقرب ما يعتز به الإنسان ناديه قال تعالى: (فليدع) أي دعاء استغاثه (ناديه) وقد قرر الله تعالى بأبي جهل عاقبة من سار بدربه ودفع غيره لأن يتصور نتائج معركة المصير بقوله: (سندع الزبانية) قال ابن كثير: وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه؟ قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وفي رواية أخرجها الإمام البخاري والترمذي عن ابن عباس عن النبي (ص): لو فعل لأخذته الملائكة عيانا"
وتحدث المعدان عن علاقة السورة بما قبلها وبعدها في المصحف فقالا:
"علاقة السورة بما قبلها وما بعدها في ترتيب المصحف
سبق سورة العلق سورة التين في ترتيب المصحف وفيها قول الله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وفيها ما أنعم الله تعالى على الإنسان وخصه من انتصاب القامة وحسن الصورة وبما أعطي عقلا وروحا ومكن من أسباب المعرفة الظاهرة كالسمع والبصر والذوق واللمس والشم والباطنة كالإحساس والشعور والعاطفة فجاءت سورة العلق لترشده إلى استعمال هذه الأسباب وبما أعطي من النعم في طلب العلم لمعرفة الخالق الذي يربيه ويرعاه ومن ثم عبادته العبادة الحقة الصحيحة التي جاء بها النبي (ص)وأن يسلك في الحياة الدنيا مسلك الذين أنعم الله عليهم فالإنسان مكرم من الله تعالى وختم الله تعالى سورة التين بقوله (أليس الله بأحكم الحاكمين ) وهذا استفهام تقريري جوابه أن الله تعالى هو الذي يعلم العباد بحكمته لذا طالبهم في سورة العلق بالقراءة والتعلم ثم جاءت سورة القدر بعدها لتبين عظمة ما في كتاب الله تعالى المقروء والمتعبد بتلاوته الذي أنزله في ليلة مباركة وأنه مصدر مهم في التعلم ومعرفة الله تعالى فقال (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وإذا قرأ المسلم كتاب الله تعالى كان قريبا من الله تعالى فلما ختم الله تعالى سورة العلق بالأمر بالسجود والاقتراب من الله كان المقصود من الاقتراب أن يتعلم المسلم دينه ويتقرب إلى الله بالطاعة والذل والخضوع والدعاء وأحسن صوره الصلاة ولا تكون صلاة إلا بقرآن وقال الشنقيطي وهذا مما يدل لأول وهلة أن الصلاة أعظم قربة إلى الله حيث وجه إليها الرسول (ص)من أول الأمر"
والحكاية العلاقة بين السورة هو وهم من المفسرين فأحيانا توجد وأحيانا لا توجد فسورة التين لم يرد من معانيها أى شىء في سورة العلق كما لم يرد في سورة القدر أى شىء له علاقة بسورة العلق
وتحت عنوان التوجيه السلفى بهد التدبر قالا:
"التوجيه السلفي بعد التدبر
"بعد مطالعة الكلمة الافتتاحية للرسالة الربانية تبين لنا أنه من الواجب على المسلم الاهتمام أولا بالعلم الشرعي وعلى رأس موضوعات هذا العلم الاهتمام بالتوحيد لأن الإنسان متى شعر بالاستغناء عن إمداد الله وعن التزام صراطه في الحياة وعما يقيه من العقاب طغى
كلا ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان أن ينعم عليه ربه بتسويته خلقه وتعليمه ما لم يكن يعلم وإنعامه بما لا كفؤ له ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك يطغى عليه أن رآه استغنى!!
أرأيت حين تضم شناعة إلى شناعة؟ وتضاف بشاعة إلى بشاعة؟ أرأيت إن أضاف إلى أفعاله المستنكرة فعلة أخرى أشد نكرا؟ أرأيت إن كان دعي إلى الله ورسوله كذب وتولى؟
فعلى المسلم أن يكون مستسلما لله تعالى عاملا بأحكامه راضيا بما قسم له إن العلم النافع الذي دل الله تعالى عليه وأمر بتعلمه يعتبر من أعلى أسباب القرب إليه سبحانه وتعالى لذلك كانت منزلة العلماء عند الله تعالى عالية لذا ختم الله تعالى السورة بقوله: واسجد واقترب خطاب لمن آمن بالله تعالى على بصيرة إذ العبد المؤمن أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد
لذا نجد اهتمام النبي (ص)منصبا أولا على العلم والتعلم وعلى التوحيد توحيد الله تعالى وعلى ذلك سار أهل المنهج النبوي إلى يومنا هذا وامتثل أهل العلم قول الله تعالى في سورة الأحزاب: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا والمقصود أن الله تعالى حين قال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فيه تنبيه على أن الرب معروف عند المخاطبين وان الفطرة مقرة وفي هذا رد على أهل الكلام الذين قالوا: معرفة الرب لا تحصل إلا بالنظر ومن هذا الباب كان قول الله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله)
ثم أن النبي (ص)كان أهم ما يأمر به أمته الصلاة كما يأمرهم بالصدق والعفاف واشتهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه ولم يزل (ص)منذ بعث يأمر بالصدق والعفاف ولم يزل يصلي أيضا قبل أن تفرض الصلاة وقد نزلت الآيات الأخيرة من سورة العلق بسبب قول أبي جهل: لئن رأيت محمدا ساجدا عند البيت لأطأن على عنقه"|
والغريب أن ما ذكره المعدان عن العلم الشرعى والتوحيد والصلاة المعروفة لا وجود له في السورة فلم يرد أى لفظ يشير إلى وحدانية الله ولا أى لفظ يشير لطلب العلم الشرعى وحتى الصلاة ليست الصلاة المعروفة وإنما الكافر ينهى عن الإسلام ككل وإنما المطلوب هو اتباع اسم وهو وحى الله وهو الوحى الذى علمه للرسول(ص) في سنوات نزول الوحى

الاثنين، 27 يونيو 2022

نقد كتاب رفع اللبس عن حديث سجود الشمس

نقد كتاب رفع اللبس عن حديث سجود الشمس
المؤلف عبدالله بن سعيد الشهري وهو يدور حول صحة أو بطلان حديث سجود الشمس تحت العرش والكتاب عبارة عن سؤال طرحه أحدهم وهو :
"سأل سائل فقال: قد أشكل علي معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن سجود الشمس تحت عرش الرحمن كيف تسجد ؟ أتقف للسجود للواحد المعبود ؟ وإن حصل ذلك فمالنا لا نرى ذلك ؟ ثم إن الحديث الشريف يذكر أنها تصنع ذلك بعد غروبها مع انها تغرب عن أهل كل بلد فإذا كان الأمر كذلك فإنها تسجد في كل وقت لأنها غاربة في كل وقت عن بلد من البلاد فما العمل؟ أفيدونا رحمكم الله وزادكم الله علما"
وكان جواب الشهرى عليه هو ايضاح وجوب تحرى صحة الأٌقوال بالقول :
"الجواب:
قبل الجواب لا بد من إيضاح مسائل هامة ينبني على فهما أكثر الفهم وأجوده
أول هذه المسائل أن نؤمن بالصحيح المنقول من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعليه فإننا نتحرى صحة ما وردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت عندنا صحة الخبر آمنا به وعملنا بما فيه مذعنين متعبدين وثاني المسائل أنه إذا ثبت لدينا صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه تحرينا الفهم الصحيح لمراده عليه الصلاة والسلام
وتحري الفهم السليم مطلب شرعي قال تعالى :"الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" وفيه ترغيب على الاختيار من بين الأقوال ولا يتأتى حسن الاختيار إلا بحسن الفهم ومن أعظم ما يشحذ ملكة الفهم وينميها التأمل والتفكر في آيات الله الشرعية والكونية وطلب العلوم النافعة من العلوم الدنيوية ، قال ابن تيمية في فتاواه في معرض جوابه عن تعلم العلوم النافعة وفضلها:" وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن ؛ وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به : كان هذا فضلا في حقه وكمالا" أهـ
والآن إليك الجواب وعلى الله التكلان"
وبعد هذا المقدمة عن تحرى العلم النافع كان رد الشهرى هو :
"الحديث الذي ذكر فيه سجود الشمس حديث صحيح :
رواه البخاري في بدء الخلق( عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقديرالعزيز العليم
وأخرجه في صحيحه باب تفسير القرآن عن أبي ذر بلفظ :" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم
وعند مسلم عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذاكم ذاك حين يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا
وكذا أخرجه الترمذي في جامعه وأحمد في مسنده وغيرهم بألفاظ متقاربة "
والملاحظ في كلام الشهرى هو تناقض الروايات المذكورة في التالى :
1-في الأوليين كان المسئول واحد هو أبو ذر وفى الرواية الثالثة الصحابة الحاضرين
2-في ألأوليين كان الوقت حين الغروب وعند الغروب حيث لا شمس وهو ما يناقض أنها كانت ظاهرة للكل وهو ما يعنى قبل الغروب بدليل السؤل " أين تذهب هذه الشمس؟ فلو كانت غربت ما أشار إليها لعدم وجودها
وبعد ذلك حاول الرجل أن يشرح ويدافع عن الأحاديث فقال :
"والأحاديث فيها مسائل لها تعلق بصحة فهم المراد الذي التبس على السائل وهي:
1- معنى السجود الوارد في الحديث
2- لفظ الغروب والتعقيب عليه بلفظ الذهاب
3- حرف "حتى" الدال على الغاية والحد
4- القول في عرش الرحمن سبحانه وتعالى
أول هذه المسائل معنى لفظ السجود الوارد في الحديث والسائل توهم من معنى السجود توافر الأعضاء والأطراف التي في بني آدم لتحقيق السجود بالنسبة للشمس ولا يلزم هذا كما هو معلوم وبهذا يكون قد التبس عليه المعنى الاصطلاحي الذي يستعمله الفقهاء في شرحهم لكيفية السجود في الصلاة بالمعنى اللغوي الذي هو أوسع دلالة وأكثر معنى مما دل عليه الاصطلاح ومن معاني السجود في اللغة الخضوع كما ذكره ابن منظور وغيره وعليه يحمل ما في هذا الحديث وهو المقصود في قوله تعالى في آية الحج:" ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء"
قال ابن كثير :" يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به"
وعليه فسجود الشمس مما يختص بها ولا يلزم ان يكون سجودها كسجود الآدميين كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه الله كما في آية الحج السابقة إذ كل شيء من خلق الله تعالى يسجد له ويسبح بحمده ، قال تعالى في آية النحل:"ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون" والشمس داخلة في دواب السماء لأن معنى الدبيب السير والحركة والشمس متحركة تجري لمستقر لها كما هو معلوم بنص القرآن وكما هو ثابت بالعقل من خلال علوم الفلك المعاصرة إذ انها تدور حول نفسها ويسمون ذلك (spin) أي دوران الشيء حول نفسه وذلك في خلال سبعة وعشرين يوما أرضيا وتدور(مع المجموعة الشمسية) حول مركز المجرة اللبنية أو (milky way) بسرعة تقترب من 220 كيلومترا في الثانية وكل في فلك يسبحون
ولكن لو قال قائل:"هل تنتفي صفة السجود عن الشمس إذا كانت لا تسجد إلا تحت العرش فلا تكون خاضعة إلا عند سجودها تحت العرش وفي غير ذلك من الأحايين لا تكون؟
والجواب أن الشمس كما قدمنا لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية النحل والحج مع سائر المخلوقات وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه ومن أمثلة ذلك من واقعنا أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا مع انهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة
هذه مسألة أما المسألة الثانية فكما أنه يلزم من سجودنا التوقف عن الحركة لبرهة من الزمن وهو الإطمئنان الذي هو ركن في الصلاة فإنه لا يلزم بالمقابل أن يتوقف جريان الشمس لتحقيق صفة السجود لأننا رأينا دلالة عموم لفظ السجود من آيتي الحج والنحل ومن شواهد لغة العرب على ان السجود هو مطلق الخضوع للخالق سبحانه ومن المعلوم أن السجود عبادة والله قد تعبد مختلف مخلوقاته بما يناسب هيئاتها وصفاتها وطبائعها فكان الإنحناء والنزول للآدميين وكان غير ذلك من كيفيات السجود لسائر الكائنات والمخلوقات مع اشتراكهما في عموم معنى السجود الذي هو الخضوع لله تعالى طوعا او كرها
ومثال ذلك طواف الرجل حول الكعبة إذ لايلزمه أن يقف عند الحد الممتد من الحجر الأسود ليتحقق حساب طواف كامل إذ أنه حتى لو طاف وواصل مسيره وتجاوز الحد دون الوقوف لإستلامه فإنه يتحقق له شوط كامل ويكون قد قضى جزءا من شعيرة الطواف دون ان يقف عند الحد الذي ذكرنا ، وكذلك الشمس تجري في الفلك ونراها تشرق وتغرب دائبة ومع ذلك لها سمت او منتهى يقابلها على وجه الأرض تسجد عنده لله تعالى ويكون ذلك السمت او الحد مقابلا في تلك اللحظة لمركز باطن العرش كما أشار إلى ذلك ابن كثير في البداية والنهاية
ومع أن الشمس و المخلوقات بأجمعها تحت العرش في كل وقت إلا أنه لا يلزم أن تكون المخلوقات بأجمعها مقابلة لمركز باطن العرش لأن العرش كالقبة على السماوات والمخلوقات ، والشمس في سجودها المخصوص إنما تحاذي مركز باطن العرش فتكون تحته بهذا الإعتبار كما ذكره ابن كثير في البداية بشأن المحاذاة التحتية للعرش ، وكما قرره ابن تيمية في فتاواه وسائر أئمة اهل السنة من حيث أن العرش كالقبة وهو معلوم من حديث الأعرابي الذي أقبل يستشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم وقصته مشهورة ثابتة
وقد يسأل سائل فيقول:"إذا كيف يكون الله بكل شيء محيط؟" والجواب أن الله عز وجل غير العرش فالله جل جلاله مستو عليه استواء يليق بجلاله وعظمته إذ أن الله هو المحيط بكل شيء وليس العرش وقد أنكر ابن تيمية على المخالفين الذي يرون أن العرش مستدير مع استدارة الأفلاك لأنهم تركوا صحيح المنقول من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نص على ان العرش كالقبة وليس كالدائرة وهذا هو الصواب لموافقته للأدلة الثابتة وهو ما دل عليه العقل باعتبار نظرية أينشتاين النسبية العامة بشأن إنحناء الكون ولكن لا يلزم منه استدارة العرش استدارة كاملة لأن العرش غيرالسماوات من جهة ولأنه لو كان العرش مستديرا لكانت الشمس –والمخلوقات - "داخل" العرش لا "تحته" وظرف التحتية أنسب لحال العرش الذي هو كالقبة ولذلك قال اين تيمية في مجموع الفتاوى:" لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن " العرش " فلك من الأفلاك المستديرة الكروية الشكل ؛ لا بدليل شرعي ولا بدليل عقلي وإنما ذكر هذا طائفة من المتأخرين الذين نظروا في " علم الهيئة " وغيرها من أجزاء الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة وأن التاسع - وهو الأطلس - محيط بها مستدير كاستدارتها وهو الذي يحركها الحركة المشرقية وإن كان لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة ثم سمعوا في أخبار الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ذكر " عرش الله " وذكر " كرسيه " وذكر " السموات السبع " فقالوا بطريق الظن إن " العرش " هو الفلك التاسع ؛ لاعتقادهم أنه ليس وراء التاسع شيء إما مطلقا وإما أنه ليس وراءه مخلوق" اهـ
وهذا السمت أو الحد او المنتهى المعبر عنه في الحديث بالحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت (ولا أقول هو السمت) الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية ويسمونه خطوط الطول الممتدة بأعداد متتالية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فإذا حاذت الشمس سمت أو حد السجدة مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش فإنها تسجد سجودا على الكيفية التي لا يلزم منها ان توافق صفة سجود الآدميين وعلى هيئة لا تستلزم توقف الشمس عن الحركة وضربنا على ذلك مثال الطواف بالبيت
أما هذا السمت أو الحد أو المنتهى - كما قال الإمام ابن عاشور- فإنه لا قبل للناس بمعرفة مكانه قال في التحرير والتنوير في تفسير قوله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" :
" وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معين لا قبل للناس بمعرفته، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعا لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي" اهـ
والخلاصة أن سجود الشمس على المعنى الذي ذكرناه غير ممتنع أبدا وبما ذكرنا يزول الإشكال إن شاء الله ولا يخالف الحديث صريح العقل إنما قد يخالف في بعض الأحيان ما اعتاد عليه العقل وألفه وهذا ليس معيارأ تقاس بها الممكنات في العقل فضلا عن الممكنات في الشرع لأن الله على كل شيء قدير ولأن العادة نسبية باعتبار منشأ الناس واختلاف مشاربهم ومجتمعاتهم وعلمهم والسامع مثلا لما تخرج به علينا فيزياء الكم من العجائب والأسرار كنظرية ريتشارد فينمان و مبدأ اللاحتمية لهايزنبرج وغيرها من السنن والظواهر في هذا الكون مما يحير عقول العلماء يوقن بأن لله حكمة بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده، قال تعالى:"ويخلق ما لا تعلمون" ، وقال تعالى:"والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ، وقال:"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" والإنسان الأصل فيه الضعف والجهل ، قال تعالى:"وخلق الإنسان ضعيفا" وقال في آية الأحزاب:"إنه كان ظلوما جهولا" ولذلك فابن آدم يسعى على الدوام لدفع ذلك عن نفسه بطلب ضديهما وهما القوة والعلم قال تعالى في صفة طالوت لما بعثه ملكا:"وزاده بسطة في العلم والجسم" فجمع له بين القوة العلمية والقوة العملية
هذا وبقي في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم فائدتان لطيفتان تزيلان لبسا كثيرا الفائدة الأولى في قوله عليه الصلاة والسلام:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" عند البخاري وغيره ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها "تغرب تحت العرش" أو "حتى تغرب تحت العرش" وهذا فهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم هذا الحديث وهو فهم مردود لأن ألفاظ الحديث ترده فقوله:"تذهب" دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيدا عن المقصود
أما الفائدة الثانية فهي في قوله صلى الله عليه وسلم:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يستنكر الناس منها شيئا" وكأن في هذا دلالة ضمنية على علمه صلى الله عليه وسلم بأن هناك من الناس من قد يستشكل معنى الحديث فيتوهم أن الشمس تقف أو تتباطأ للسجود فينكر الناس ذلك ويرهبونه إلا أنه صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث إلى جريان الشمس على عادتها مع انها تسجد ولكنه سجود غير سجود الآدميين ولذلك تصبح طالعة من مطلعها تجري لا يستنكر الناس منها شيئا وواضح من كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوم المخالفة الدال على عدم استنكار الناس رغم سجود الشمس واستئذانها وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم وقوفها وهو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" كما أن العقل يدل على ذلك إذ أن فرق المسافة التي يقطعها الضوء القادم من الشمس إلى الأرض يبلغ حوالي ثمان دقائق وهذا يعني انه لو حدث خطب على الشمس أو فيها فإننا لا نراه إلا بعد ثمان دقائق من حصوله وعليه فما الذي يمنع أن تكون الشمس ساجدة في بعض هذا الوقت – لا كله – ولو بأجزاء من الثانية لله تعالى تحت عرشه ونحن لا نعلم عن ذلك لغفلتنا وانشغالنا بضيعات الدنيا
وحتى لو سلمنا بانعدام هذا الفارق الزمني فإننا قد أوضحنا أن الشمس تسجد على صفة مخصوصة منفصلة بهيئتها وصورتها عن معتاد التصور و من حيث أصل المعنى داخلة في معنى مطلق الخضوع الدال عليه لفظ السجود لغة لا اصطلاحا كصنيعنا في الصلاة من حيث الهبوط والنزول والطمأنينة والتوقف لبعض الوقت ولو كان سجود الشمس كسجودنا لتعطلت مصالح العباد وفسدت معيشتهم والله تعالى يقول:"لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" والفلك من قول العرب تفلك ثدي الجارية إذا استدار وقال ابن عباس : في فلك مثل فلكة المغزل أهـ وفلكة الغزل عندهم كانت مستديرة لتناسب إتمام نسج اللباس ومنه جاء معنى الاستدارة وفي ما ذكرنا كفاية إن شاء الله والحمد لله رب العالمين"
وكل هذا الدفاع مرود على الشهرى بأن في الأحاديث ما يثبت بطلانها وهو تعبير :
السجود تحت العرش فكرسى العرش في السماء السابعة حيث البيت المعمور كما قال تعالى :
"وترى الملائكة حافين من حول العرش"
بينما الشمس وسائر النجوم وغيرها في السماء الدنيا كما قال تعالى :
"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح"
وقال:
"إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"
وأما السجود فمعناه طاعة أحكام الله وفى حالة الشمس من أحكامها الدوران فوق الأرض