الأربعاء، 17 مارس 2010

الحسد فى القرآن


                                 الحسد فى الإسلام
                              بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
هذا كتاب يتحدث عن الحسد وما يتصل به من أمور  حسبما ورد فى الإسلام .
ماهية الحسد :
الحسد عند الناس تمنى الحاسد زوال النفع والخير من عند المحسود أى كراهية الحاسد نعمة الله على أخيه وحبه لزوالها عنه والحق هو أن الحسد كراهية للمحسود سببها هو فضل الله الذى أعطاه للمحسود أى كراهية لمن عنده النعمة وليست كراهية للنعمة وقد ورد ذكر الحسد فى القرآن فى مواضع قليلة هى :
-قوله بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد أن تبين لهم الحق "وهذا القول يعنى أن عدد كبير من أهل الكتاب اليهود والنصارى أحبوا أن يعيدوا المسلمين بعد إسلامهم إلى الكفر والسبب هو الحسد عند أنفسهم وهو الكراهية فى أنفسهم ،إذا فسبب تمنى ارتداد المسلمين بعد أن نالوا نعمة الإسلام هو الكراهية والبغض المتمكن فى قلوب أهل الكتاب وهذا التمنى كان بعد معرفتهم الحق وفى تلك الكراهية قال تعالى بسورة آل عمران "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر ".
2-قوله بسورة النساء "أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله "يبين الله لنا أن أهل الكتاب يحسدون أى يكرهون الناس وهم المسلمين والسبب ما أتاهم الله من فضله وهو رحمته .     
3-قوله بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد "أى ومن أذى كاره إذا كره أى ومن ضرر باغض إذا بغض ومن هنا نعرف أن الحاسد هو الكاره له شر أى أذى وهو موجه للمحسود وسبب توجيهه هو إزالة النعمة التى عند المحسود ومن ثم فالحسد هو كراهية صاحب النعمة سواء تحولت الكراهية لأذى قولى أو فعلى .
على ماذا يحسد الحاسد ؟
إن الحاسد يحسد المحسود على النعمة وهى فضل الله مصداق لقوله بسورة النساء "أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله "إذا فالحاسد يكره أن تكون عند من يكرهه نعمة أى فضل من الله أى خير أى رحمة وقد أخبرنا الله أن الكفار من كتابيين ومشركين لا يودون أى يكرهون نزول الخير على المسلمين وفى هذا قال بسورة البقرة "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم خير من ربكم ".
لماذا يحسد الحاسد ؟
معنى السؤال لماذا يكره الكاره ؟والجواب الذى يدفع الحاسد وهو الكراهية هو ظنه أن المكروه أحسن أى أفضل منه ويترتب على هذا الظن ظن أخر هو أنه يجب أن يكون أحسن من المكروه أو على الأقل فى حالة تساوى معه ومثال هذا هو أن الكفار يحبون أن يرتد المسلمون عن الإسلام فيكفرون وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم "ودافعهم لهذا هو أن يكونوا مع المسلمين سواء أى متساوين فى الحال وهو الكفر وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء "إذا فالدافع للحسد هو الإحساس بالنقص تجاه الأخرين .
هل حسد إبليس آدم (ص)؟
قال بعضهم "والحسد داء سيىء قديم موجود منذ وجدت الإنسانية بمشكلاتها ومعضلاتها ومنذ افتتح الله ذلك الوجود العجيب فهو أول معصية سجلت فى السماء بين إبليس وآدم (ص)يوم أن علمه الله أسماءه كلها ويوم أن قال للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس "ومن ثم فالسؤال هل حسد إبليس أدم (ص)؟والجواب :البادى من كلام إبليس أمران :الأول أن إبليس اعتبر نفسه أحسن من أدم(ص)أو بلفظه خيرا منه والسبب أنه من نار وأدم (ص)من طين وفى هذا قال إبليس ردا على سؤال الله له عن سبب عدم سجوده لأدم (ص) فى سورة الأعراف "أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "،الثانى أن إبليس اعترض على تكريم أدم (ص)وفى هذا قال بسورة الإسراء "أرأيتك هذا الذى كرمت على "وهذا يعنى أن إبليس أحس بالنقص تجاه أدم (ص)فحاول أن يجعل لنفسه مكانة  أكبر وأحسن بالكلام وقد سمى الله هذا العمل التكبر وفى هذا قال بسورة الأعراف "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها "إذا فجريمة إبليس هى التكبر الناتج عن الحسد أى من إحساسه بالنقص تجاه أدم (ص).
شر الحاسد :
إن الحسد يدفع الحاسد لإرتكاب الشر وهو إيذاء المحسود وقد أمرنا الله أن نتعوذ به من شر الحاسد وهو أذاه إذا حسد أى كره وفى هذا قال بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد "وهذا يعنى أن الحاسد يقوم بالسعى لإلحاق الأذى بالمحسود سواء لحق بالمحسود أو بماله أو بمن يحب وهذا السعى يتخذ صورة من صورتين :
1-الإيذاء الظاهر وهو الحرب المعتدية .
2- الإيذاء الباطن وهو إخفاء المعاداة مع إلحاق الأذى فى السر بالمحسود وهذا يكون فى حالة ضعف المحسود ومثال الحاسد هنا المنافق .
حسد الإبن القاتل للإبن الطيب .
إن الحسد وهو الكراهية كان السبب فى وقوع أول جريمة قتل بشرية حيث اعترض ابن أدم (ص) على حكم الله وهو عند الناس زواجه من أخت الإبن الطيب ويقال أن السبب هو أن هذه الأخت لم تكن على نفس درجة جمال أخته المولودة معه والتى أراد أن يتزوجها لعلو درجة جمالها فى نفسه والحق أن السبب هو أن الإبن القاتل أحس أن الإبن الطيب أفضل منه عند الله والدليل تقبل الله لقربانه ورفض الله لقربانه ،لقد شعر أنه ينقص فى المكانة عند الله ومن ثم أراد أن يعوض هذا النقص فكان أن قرر قتل أخيه لأن القتل فى ظنه الخاطىء لن يجعل أحد فى مكانته لانتفاء وجود هذا الأحد -والله أعلم - وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "واتل عليهم نبأ ابنى أدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين " وكانت نتيجة هذا الإحساس هى أن إرادة الابن القاتل تحولت لفعل هو القتل حيث قتل أخيه الطيب وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ".
أنواع الحسد :
يقال أن الحسد على نوعين :
1-              حسد مذموم وهو عندهم أن تكره أن تكون النعمة للأخر فتتمنى زوالها .
2-    حسد محمود وهو عندهم أن لا تكره وجود النعمة عند الأخر ولا تحب زوالها ولكن تشتهى لنفسك أن يكون لك مثلها وهو تقسيم خاطىء لأنه يخالف معنى الحسد وهو الكراهية وتعريف الحسد المحمود هو ألا تكره وهو ما ينافى معنى الحسد والحسد ينقسم عدة تقسيمات هى :
حسب الأساس الأول :1-حسد النفس لنفسها والمراد مقت أى كراهية النفس لنفسها وفى هذا قال تعالى بسورة غافر "إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذا تدعون إلى الإيمان فتكفرون "فانظر لقوله "من مقتكم أنفسكم "ترى كراهية النفس لنفسها فى رفضها الإسلام وتمسكها بالكفر .
2-حسد النفس للأخرين وهو كراهية النفس للأخرين ككراهية الكتابيين للمسلمين وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ".
حسب الأساس الثانى:1- حسد قولى وهو الكراهية التى تظهر فى الكلام الخارج من الأفواه أو فى الكلام الدائر داخل النفس وفيه قال تعالى بسورة آل عمران "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر " .
2-حسد قولى عملى وهو الكراهية التى تظهر فى كلام النفس داخلها أو فى كلامها الخارج من الفم ويتبع هذا القول فعل هو شر أى أذى يعمل الحاسد على إلحاقه بالمحسود وفى هذا قال تعالى بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد ".
 حسب الأساس الثالث :1- الحسد المباح وهو الكراهية المحللة وتنقسم لقسمين :
أ-كراهية يباح فيها القول والفعل وقاعدة هذه الكراهية قوله بسورة البقرة "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".
ب-كراهية يباح فيها القول فى داخل النفس ويحرم فيها الاعتداء بالقول الخارج من الفم أو الاعتداء بالفعل على الأخر ومن أمثلة هذا كراهية الرجل لزوجته وفيها قال تعالى بسورة النساء "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ".
2-الحسد المحرم وهو كراهية المسلم بالاعتداء عليه قولا أو فعلا .
حسد الاخوة لأخيهم يوسف (ص):
الملاحظ فى بداية العلاقة بين الاخوة أن الاخوة اعتقدوا اعتقادا خاطئا هو أن يعقوب (ص)يحب يوسف وأخيه أكثر مما يحبهم  ومن ثم شعروا بالنقص فى مقدار الحب عند الأب ومن ثم أجروا مقارنة ظالمة حيث جعلوا أنفسهم وهى العصبة فى كفة ويوسف (ص)وأخيه من الزوجة الأخرى فى كفة أخرى وطبقا لميزان العدد فإن العدل هو أن يحبهم الأب أكثر من يوسف (ص)وأخيه ولذا انتهوا إلى أن الأب فى ضلال ظاهر وهذا يعنى أن الأب هو الظالم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين "ورغم أن النتيجة هى أن الأب هو الظالم إلا أنهم اختاروا اختيار غريب هو ألا يعاقبوا الظالم فى رأيهم وأن يعاقبوا أخر هو يوسف (ص)وقد تشاوروا فى العقاب فاقترح بعضهم أن يقتلوه أو يطردوه بعيدا عن أرضهم وقد قرروا فى النهاية طرده بعيدا عن الأرض برميه فى البئر حتى يأسره بعض المارة فيأخذه معه للبلد المسافر لها وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين "ولكن فى النهاية عاد الاخوة للحق فاعترفوا بأنهم كانوا على خطأ واعترفوا أن الله فضل يوسف (ص)عليهم وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ".
يعقوب والحسد :
قال بعضهم "نلمح حذر يعقوب (ص)وخوفه أن يحسد بنوه فيقول لهم ما حكاه المولى عز وجل "وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون  "والخطأ هنا هو أن يعقوب (ص)نسب له الكاتب خوفه من أن يحسد الناس أولاده والحق هو أن الكاتب أخطأ فى تقديره وأما حقيقة الأمر فهى أن يعقوب (ص)خاف على أولاده من أن يلحق بهم أذى وضرر مرة واحدة فيفقدهم جميعا ولذا أوصاهم بالدخول من أبواب متفرقة حتى إذا كان هناك من يتربص بهم لم يقدر إلا على إيذاء من دخل من الباب الذى هو فيه ومن ثم ينجو الأولاد الباقين وليس من المعقول أن يخاف يعقوب (ص) على أولاده من الحسد وهو الكراهية وهو يعلم أن الإنسان لا يحسد أى لا يكره إلا من يعرف حقيقة أمره أى لا يكره إلا من يظن أنه أحسن منه مكانة وقدرا ،زد على هذا كيف سيعلم الناس أن كل هؤلاء اخوة وهم لم يتحدثوا مع أحد بعد ؟.
 يوسف (ص)والحسد :
ورد فى التوراة المحرفة "يوسف غصن شجرة مثمرة غصن شجرة مثمرة على عين "سفر التكوين 49-22 وقد فسر بعضهم كلمة عين هنا بأنها عين الحسود ومن ثم استنتجوا "أن عين الحسود لا تصيب أحدا من نسل يوسف (ص)لأنه كان غصن شجرة متسلط على العيون الشريرة فهى لا تصيب أحدا من نسله "وقد حكى المفسرون حكاية وردت فى التلمود تدل على صحة زعمهم تقول "أن رابى حذر رجلا من ضرر عين الحسود فنصحه بأن يبتعد  عنه كى لا تقع عينه عليه فيصيبه ضرر فرد عليه الرجل قائلا أنا من نسل يوسف لا تستطيع العين الشريرة أن تصيبنى بضرر "وقد قال البعض أن كلمة عين فى نص سفر التكوين السابق ذكره تعنى عين الماء وفى رأيى معناها الوحى فهى تعنى ما تعنيه فى قوله بسورة طه "ولتصنع على عينى "أى ولتنمو بأمرى أى ولتكبر بوحيى فيوسف(ص)غصن شجرة مثمرة بأمر الله والنص لا علاقة له بعين الحسود التى لا وجود لها أساسا للتالى :
-أن لو كانت هناك علاقة للعين بالحسد لوجدنا البشرية بكاملها قد وقعت فريسة للأمراض والفقر وغيره من المتاعب بسبب أن كل واحد يصيب الأخرين بعينه الحاسدة .
-أن الحسد أصاب يوسف (ص)فتسبب فى إبعاده عن أبويه وتسبب فى أنه أصبح عبدا لسنوات عدة وتسبب فى سجنه عدة سنين فإذا كان هذا الحسد قد أصاب يوسف (ص)بالأضرار من أقرب الناس له فكيف لا يصيب نسله ؟وأقصد هنا الحسد الحقيقى وقد يحلو للبعض أن يقول أن النساء قد حسدن يوسف (ص)بأعينهن عندما رأينه فقلن أنه ملك وليس بشرا وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "ومن ثم أصابه الضرر الممثل فى دخول السجن وهو استدلال باطل لأنه دخل السجن بأيدى القوم ومنهم امرأة العزيز ولم يدخل عن الطريق الطبيعى عند المتحدثين بالباطل وهو العين التى يصبح معناها هنا ارتكابه لجريمة حقا ومن ثم دخوله السجن وقد ورد فى الإنجيل المحرف أن الاخوة حسدوا يوسف (ص)وقد ورد هذا فى كتاب أعمال الرسل للوقا حيث قال استفانوس فى خطبته "وحسد الآباء الأولون يوسف وباعوه فأصبح عبدا فى مصر ولكن الله كان معه وأنقذه من جميع المحن التى مر بها ووهبه نعمة وحكمة عند فرعون ملك مصر فولاه على مصر وشئون بيته "(9:7-10)ورغم وجود أخطاء عدة فى الكلام إلا أنه أقر
أن الحسد قد أثمر ثمرته مع يوسف (ص)فأصابه .
سبب شيوع خرافة عين الحسود :
هو وجود طائفة من الناس لا تريد أن تعمل عملا مفيدا وإنما تريد كسب المال بأقل جهد ممكن وهى أهل الشعوذة والدجل الذين يزعمون أنهم يقدرون على إبطال مفعول عين الحسود ولكى ترسخ هذه الخرافة فى نفوس البشر قام القوم بنسبة أحاديث للرسول (ص)تثبت وجود الخرافة وأن علاجها بالرقى وغيرها من الخرافات ونشر حكايات لم تقع فى الحياة عن أناس لهم أعين شريرة وأناس لهم القدرة على إبطال مفعول هذه الأعين وتنسب لرجال معروف عنهم الصلاح والتقى حتى تروج  وتدخل على الناس .
بداية خرافة عين الحسود :
هى إنسان كان يكره إنسان أخر وقد حصل مصادفة أن نظر الكاره للمكروه نظرة عادية وبعدها بقليل حدث ضرر للمكروه ثم تكررت النظرة وتكرر حدوث مكروه للمكروه ومن ثم وقر فى نفس المكروه أن السبب فى حدوث الضرر له هو عين الكاره ،إذا فالحكاية ليست سوى ربط بين أحداث عشوائية وهذا الربط حدث لمعرفة المكروه أن الكاره يكرهه وقد ربط بين الضرر ونظرة الكاره رغم أنه يقع له أضرار كثيرة فى حالات كثيرة لا يكون الكاره فيها موجودا وقد تكون البداية إنسان اتفق مع إنسان أخر أو أناس أخرين أن يبتزوا مال إنسان فاتفقوا على أن يقابل واحد منهم هذا الإنسان وينظر له ثم يفعلون أذى بمال هذا الإنسان بعد النظرة وكرروا ذلك عدة مرات ثم ذهب الأخرون له ونصحوه أن يطلب إيقاف مفعول عين فلان من فلان لأنه عارف وعالم وواصل ومن ثم يطلب منه فلان العارف مالا ويقتسمه مع إخوانه وهكذا .
هل عين الحاسد ضارة بالفعل ؟  
إن العين لا علاقة لها بالحسد والأدلة هى :
-أن النعمة لو كانت تزول بالحسد ما بقيت نعمة على إنسان لأن كل واحد سيحسد الأخرين ومن ثم تزول النعم نهائيا وعليه تنعدم الحياة لعدم وجود نعمة الطعام أو الشراب وغير هذا من النعم .
-أن النعمة لو كانت تزول بالحسد لزالت نعمة الإيمان عن المسلمين بمجرد أن حسدهم أهل الكتاب ولكن هذا لم يحدث بدليل قوله بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم " .
-قال تعالى بسورة الفلق "ومن شر حاسد إذا حسد "وهذا يعنى أن للحاسد شر ولكن الله لم يقل أنه العين والسبب هو أن الأذى يصدر من الجوارح ومنها العين التى تصدر شرا هو النظر لما حرم الله من النساء أو الرجال ولكن لم يقل الوحى أنها تصدر زوالا للنعمة
-أن أهل الكتاب لما حسدوا الناس على فضل الله لم يزل فضل الله منهم بدليل قوله بسورة النساء "أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما ".
-أنه طبقا لخرافة عين الحسود فإن كل العميان لا يحسدون لعدم وجود عين عندهم وهو مخالف للحق وهو حسد العميان كما يحسد المبصرون .
-أن العين طبقا للخرافة تنفع وتضر أى ترحم وتمسك الرحمة وبهذا فهى شريكة لله فى ملكه وهو تخريف لأن الله وحده هو النافع الضار لقوله بسورة فاطر "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ".
وأما الأحاديث المنسوبة للرسول (ص) فكلها زور وحتى قولهم العين حق قد يعنى أن الوحى حق لأن كلمة العين وردت بمعنى الوحى فى قوله بسورة هود "واصنع الفلك بأعيينا ووحينا "واعمل بوحينا أى قولنا ،وقول القائل العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر "يخالف أن محدث الموت هو الله عن طريق ملائكة الموت بدليل قوله بسورة الأنعام "ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم "و"حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "إذا فالمميت للرجل هو رسول الموت وليس العين وأما قولهم "كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر "فكذب على الله ورسوله (ص)لأن الفقر بلاء وليس كفرا بدليل قوله بسورة الأنبياء "ونبلوكم بالخير والشر فتنة "فالفقر إذا اعتبرناه شرا أى أذى فهو بلاء وليس كفرا وزيادة على هذا أن القدر غلب الحسد وهذا يعنى أن القدر هو الذى يسير فى الكون ومن ثم فالحسد ليس له أثر وإلا لما غلبه القدر .
علاج الحسد :
إن علاج الحسد وهو الكراهية ليس بالرقى والتمائم والتعاويذ الخرافية وإنما علاجاته هى :
1-الاستعاذة برب الفلق من شر الحاسد عند حسده مصداق لقوله بسورة الفلق "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا حسد "والاستعاذة هى الاستجابة لأحكام الله الممثلة فى التالى :
-الاستعداد للحاسد وهو إعداد السلاح اللازم لملاقاة الحاسد إذا أراد بنا شرا مما يجعله يرهبنا ولا يقدم على الاعتداء علينا وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم "وهو الحذر المذكور بقوله بسورة النساء "خذوا حذركم ".
-رد الاعتداء على من اعتدى علينا تطبيقا لقوله بسورة البقرة "ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "وهذا الدواء وهو الحذر والقتال هو دواء القادرين الأقوياء .
2-العفو والصفح والمراد ألا يعاقب المسلم الحاسد إذا كان حسده كلاميا لم يخرج للإعتداء وقد طلب الله تنفيذه بقوله بسورة البقرة "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره "والملاحظ هنا هو أن الحسد أى الكراهية لم تخرج عن تمنى نفس أى كراهية نفسية لم تخرج إلى الاعتداء على المسلمين بالفعل والدواء الثانى هو الصبر أى احتمال أذى الحاسد وفى هذا قال تعالى بسورة النحل "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "وهذا التحمل للأذى يكون فى حالتين :
 أ-ألا يكون شر الحاسد اعتداء بالفعل وقد سبق أن تحدثنا فى الدواء الثانى .
ب-أن يكون المسلم ضعيفا إذا رد العدوان تسبب فى قتل الكفار له أو له ولأهله أو تسبب فى إيذاءهم له وللمسلمين .
أشعار فى الحسد :
قال أحدهم :
داريت كل الناس لكن حاسدى                               مداراته عزت وعز نوالها
وكيف يدارى المرء حاسد نعمة                            إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
وقال منصور الفقيه :
ألا قل لمن ظل لى حاسد                                 أتدرى على من أسأت الأدب 
أسأت على الله فى حكمه                                 إذا أنت لم ترض لى ما  وهب 
وقال بعضهم :
اصبر على حسد الحسو                                              د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها                                                   إن لم تجد ما  تأكله
وقال أخر :
دع الحسود وما يلقاه من كمده                        يكفيك منه لهيب النار فى كبده
إن لمست ذا حسد فرجت كربته                             وإن تركته فقد قتلته بيده
وقال مالك بن الريب :
ولا تحسدانى بارك الله فيكما من                    الأرض ذات العرض أن توسعا ليا .                       

الثلاثاء، 2 مارس 2010

الرسل فى القرآن


                             الرسل فى القرآن
                          بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
هذا كتاب الرسل فى القرآن .
معانى كلمة الرسل فى القرآن :
معناها العام هو الذين يعملون شىء مكلفين به من قبل الأخرين يستوى فى هذا إبلاغ رسالة بغيره من الأعمال والمعانى هى :
1-الذين كلفوا بإبلاغ رسالات ربهم وهى الوحى وقد ذكرت بهذا المعنى بقوله بسورة إبراهيم "قالت رسلهم أفى الله شك"وقوله بسورة آل عمران "ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء "وهو المعنى الأكثر ذكرا فى القرآن .
2-الذين كلفوا بتوصيل رسالة بشرية وهدية ومن هذا رسول ملكة سبأ لسليمان (ص)حيث بعثت معهم بهدية لسليمان (ص)ليبلغوه رسالتها وهى طلبها للسلام وفى هذا قال بسورة النمل "وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ".
3-الذين كلفوا بعمل هو إماتة من يريد الله وقد ورد فى قوله بسورة الأنعام "حتى إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا "فرسالتهم هى الإماتة .
اصطفاء الرسل :
هو اختيار الله بعض أفراد من نوع ما للقيام بمهمة معينة  أى يميز الله أفرادا على غيرهم ليؤدوا التكليف الذى يكلفهم به والدليل هو :
-أن الله اختار أدم (ص)ونوح(ص)وآل إبراهيم (ص)وآل عمران (ص)من الناس فجعلهم هم المصطفين وفى هذا قال بسورة آل عمران "إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ".
-أن الله اختار مريم من كل النساء فجعلها مصطفاة وفى هذا قال بسورة آل عمران "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ".
-أن الله اختار من الملائكة رسل وترك بقيتهم  وكذلك من الناس وترك بقيتهم دون أن يختارهم وفى هذا قال بسورة الحج"الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس "والإصطفاء وهو الإجتباء  وهو الإختيار لا يد ولا حيلة فيه لمن اصطفاه الله فالاختيار يقع من الله وقد نفى الله أن يكون لأحد منهم الخيرة أى إختيار الاصطفاء لأنه من عند الله وفى هذا قال بسورة القصص "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة "وقال بسورة المائدة "الله أعلم حيث يجعل رسالته ".
فالله وحده هو الذى يعرف من اختارهم لأداء الرسالة واختيار الله للرسل أمر لا دخل للخلق فيه ومما يجب قوله أن الله إذا اختار رسولا يجعل عليه الرصد وهو الرقابة والسبب أن يعلم الله أن الرسول أبلغ رسالة ربه وما فعله الرسول من الأعمال بالعدد وفى هذا قال تعالى بسورة الجن "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا "وإذا كان الاصطفاء بمعنى اختيار الله للرسل هو المعنى الشائع للكلمة فإن لها معنى قرآنى أخر هو الخلق فمعنى اصطفى هو خلق وقد ورد هذا المعنى بقوله بسورة فاطر "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله "والمعنى ثم أعطينا الوحى الذين خلقنا من عبادنا فمنهم مهلك لنفسه ومنهم مقتصر على نفعه ومنهم سابق بالحسنات بأمر الله والسبب فى كون الكلمة بمعنى خلقنا هو أن المصطفى لا يكون ظالما بمعنى مهلك لنفسه أى كافر بدليل أن الله قال لكل الرسل كما بسورة الصافات "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون "فكيف يكون الكافر منصور؟بالقطع لا يمكن حدوث ذلك وقد بين الله لنا أن سلام الله وهو رحمته هو على الذين اصطفى وهذا معناه أن كلهم بقى على إسلامه حتى موته وإلا ما جاز أن يطلب الله من رسوله (ص)أن يطلب لهم السلام وفى هذا قال بسورة النمل "وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ".
لماذا يبعث الله الرسل(ص)؟
إن الله يرسل الرسل (ص)للأسباب التالية :
1-أن لا يكون للناس حجة بعد الرسل (ص)والمراد أن لا يحتج الناس عند الحساب على الله بأنه لم يرسل لهم من يعرفهم المراد منهم وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ".
2-أن يتلو الرسول الوحى على الناس أى يبين لهم حكم الله وهو البيان وهو نفسه التبشير والإنذار وفى هذا قال بسورة إبراهيم "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم "وقال بسورة الكهف "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ".
3-أن يطيع الناس الرسول فيما  أتى به من عند الله وهو إظهار الدين أى إنتصار الإسلام على الأديان كلها وفى هذا قال بسورة النساء "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ".
بعث رسول لكل أمة :
لقد أرسل الله لكل أمة فى الشرق أو الغرب رسول لا فرق بين من يسمونهم الساميين وغيرهم وهى تسمية خاطئة وفى هذا قال بسورة يونس "ولكل أمة رسول "وقال بسورة النحل "ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا "وقال بسورة فاطر "إن من أمة إلا خلا فيها نذير ".
بعث كل رسول بلسان قومه :
لقد بعث الله كل رسول بوحى مصاغ فى لسان القوم وهى لغة الناس الذى يعيش بينهم والسبب أن يبين لهم حكم الله وهو تيسير حكم الله للذكر وفى هذا قال بسورة إبراهيم "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم "وقال بسورة الدخان "فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ".
بماذا يبعث الله الرسل(ص)؟
يبعث الله الرسل للأقوام بالأتى :
1-الوحى وهو الرسالة أى البينات أى الزبر أى الكتاب المنير وهو أساس مهمة الرسول وفى هذا قال بسورة النحل "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر "
2-الآيات وهى المعجزات أى السلطان أى البينات وهذا الشىء هو دليل إثبات أن الرسول مبعوث من عند الله وذلك عند البشر وفى هذا قال تعالى بسورة غافر "وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله "وقال بسورة إبراهيم "قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد أباؤنا فأتونا بسلطان مبين "وهذه الآيات منعها الله عن الناس فى عهد الرسول محمد (ص)منعا تاما فقال بسورة الإسراء "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ".
موقف الأقوام من الرسل هو التكذيب والإستهزاء  :
 عندما دعا كل رسول قومه لعبادة الله وترك عبادة غيره من الآلهة المزعومة أى الطواغيت وفى هذا قال بسورة النحل "ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وانقسم القوم لفريقين :
الأول من هدى الله والثانى من حقت عليه الضلالة وفى هذا قال بنفس الآية "واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة "وكان موقف الفريق الثانى وهو الفريق الكافر تكذيب الرسل والمراد الكفر بدين الله وفى هذا قال بسورة الأنعام "ولقد كذبت رسل من قبلك "وقال بسورة آل عمران "فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير "وكان التكذيب هو الاستهزاء بالوحى وقد ورد هذا بعدة سور منها قوله بسورة الحجر "وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون "وقوله بسورة الزخرف "وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزئون "وقوله بسورة الأنعام "ولقد استهزىء برسل من قبلك ".
وقد تحول التكذيب أى الإستهزاء لخطة عمل تمثلت فى التالى :
الإيذاء وهو محاولة إلحاق الضرر بالرسول ومن معه من المسلمين وقد كان رد الرسل (ص)على الأذى هم ومن معهم هو الصبر أى طاعة الله رغم المتاعب والآلام حتى مجىء نصر الله وفى هذا قال بسورة الأنعام "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا "وقد أبلغنا الله أن الأذى وهو البأساء والضراء مست المسلمين وكل رسول لهم وفى هذا قال بسورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا "وقد وصل الأذى إلى درجة أن تريد كل أمة قتل رسولها وفى هذا قال بسورة غافر "وهمت كل أمة برسولها ليأخذوه "أى ليقتلوه، كما وصل إلى التهديد بالطرد من البلاد فى حالة عدم عودة الرسول ومن معه لملة القوم وفى هذا قال بسورة إبراهيم "وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا "ومن الأمم من نفذ التهديدات ومنها من لم ينفذ التهديدات ومن الأمم المنفذة لبعض التهديدات بنى إسرائيل حيث قتلوا بعض رسلهم وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة مخاطبا إياهم "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ".
الحوار بين الرسل والأقوام :
بين الله لنا التالى أن مجمل الحوار الذى دار بين الرسل والأقوام تمثل فى التالى :
قال الرسل :اعبدوا الله واتقوه وأطيعون  فردت الأقوام :إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفى شك من الذى تدعوننا إليه مريب وقال الرسل :هل فى الله شك ؟خالق السموات والأرض يدعوكم ليعفو عن سيئاتكم ويبقيكم لموعد محدد وردت الأقوام :إن أنتم إلا ناس أشباهنا تحبون أن تبعدونا عما كان يعبد أباؤنا ،هاتوا سلطان مبين أى معجزة صادقة تدل على صدقكم  فقالت الرسل لهم :نحن بشر أشباهكم ولكن الله يتفضل على من يريد من عباده وما كان لنا أن نحضر لكم سلطان إلا بأمر الله وعلى الله فليتوكل المسلمون وقالوا :وما لنا لا نعتمد على الله وقد أرشدنا طريقنا ولنصبرن على ما أذيتمونا وعلى الله فليعتمد المعتمدون وقالت الأقوام للرسل :لنطردنكم من بلادنا أو لترجعن إلى ديننا وفى هذا قال بسورة إبراهيم "ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينت فردوا أيديهم فى أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب قالت رسلهم أفى الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد أباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ومالنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما أذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون "و"وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا "وقد اتفق الكافرون فى كل عصر على إتهام كل رسول بتهمة الجنون وتهمة السحر وفى هذا قال بسورة الذاريات "كذلك  ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ".
عداوة الرسل :
إن رسالة الرسل تدعو لعداوة البعض والسبب أنها تسلب هذا البعض ما أخذه دون وجه حق وقد بين الله لنا التالى :
أن كل رسول له عدو أى محارب كاره له وان أعداء الرسل ينقسمون لفريقين :
الأول شياطين الإنس وهم كفار الإنس والثانى شياطين الجن وهم كفار الجن وهذا يعنى أن كل رسول للبشر هو رسول للجن لأن ليس معقولا أن يعادوا من ليس مرسلا لهم وأن الشياطين وهم كفار كل نوع يزينون لبعضهم البعض زخرف القول وهو سيىء الحكم وفى هذا قال بسورة الأنعام "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا "وقال بسورة الفرقان "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من المجرمين ".
تمنى كل رسول :
وضح الله لنا أن كل رسول إذا تمنى أى قال الوحى حدث التالى ألقى الشيطان فى أمنيته أى زاد الشيطان فى قوله والمراد حرف الكافر فى قول الرسول لذا فإن الله يفعل التالى ينسخ ما يلقى الشيطان أى يمحو ما يقول الكافر ويحكم آياته أى يبين أحكامه وفى هذا قال بسورة الحج "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته "وهذا يعنى أن كل وحى نزل على رسول تعرض للتحريف فى عهد الرسول ذاته ولكن الله يحفظه من التحريف بحوله وطوله فى الكعبة حتى يعود الناس له عند انقطاع الوحى.
الآيات المعجزات والرسل :
الآيات كلمة لها معانى متعددة والمعنى المراد هنا هو المعجزات وهى الأشياء التى يعجز البشر عن عمل مثلها بأى صورة من الصور وهى ليست خارقة من الخوارق لأن كل مخلوق يعتبر عجيبة أى خارقة من الخوارق بلغة القوم وقد بين الله لنا أن كل رسول عندما دعا قومه لعبادة الله وترك عبادة غيره طلب كل قوم منه سلطان مبين أى آية بينة أى معجزة ظاهرة وفى هذا قال بسورة إبراهيم "قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد أباؤنا فأتونا بسلطان مبين "وقد كان رد الرسل هو ليس فى قدرتنا الإتيان بالسلطان أى بالآية إلا بأمر الله وفى هذا قال بسورة إبراهيم "وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله "وقد بين الله لنا أن ليس لرسول أن يحضر آية إلا بأمر الله وفى هذا قال بسورة غافر "وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله "وقال بسورة الرعد "وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب "وقد أعطى الله كل قوم من الأقوام السابقة على عهد الرسول (ص)آية أو أكثر ومن أمثلة هذا الناقة لثمود وآيات موسى التسع لآل فرعون وآيات المن وهو السلوى والغمامة وغيرها لبنى إسرائيل وآيات شفاء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ومعرفة المدخر فى البيوت وصناعة أشكال الطير من الطين ثم جعلها طيور حية لبنى إسرائيل فى عصر عيسى (ص)والسبب فى إعطاء أى إرسال الله هذه الآيات للأقوام هو تخويفهم أى إرهابهم عن طريقها وفى هذا قال بسورة الإسراء "وما نرسل الآيات إلا تخويفا"ولم يصدق أحد من الأقوام بهذه الآيات سوى قوم يونس (ص)حيث أمنوا كلهم وفى هذا قال بسورة يونس "فلولا كانت قرية أمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما أمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين "هذا وقد بين الله لنا أنه منع المعجزات عن قوم محمد(ص)منعا تاما ومن بعدهم والسبب هو أن الأقوام السابقة كفرت بها وفى هذا قال بسورة الإسراء "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
استيئاس الرسل :
يبلغ أمر الأذى بالرسل ومن معهم أعظم البلاغ حتى أنهم يتزلزلوا فى الإيمان فيقولون متى نصر الله ؟وفى هذا قال بسورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله "عند ذلك ييأس الرسل من إيمان الكفار ويظنوا أنهم كذبوا فعند ذلك يأتى نصر الله وفى هذا بسورة يوسف "حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم كذبوا جاءهم نصرنا " نهم   .
نجاة الرسل ومن معهم :
عندما يأتى نصر الله يكون فى صورتين :
1-            إنجاء المسلمين أى إنقاذ كل من الرسول والذين أمنوا برسالته من العذاب .
2-    تعذيب الكفار وهو إهلاك الكفار ويتخذ التعذيب أساليب متعددة منها الإغراق والصيحة والخسف والريح الصرصر وفى الصورتين أتت آيات عدة منها قوله بسورة يونس "ثم ننجى رسلنا والذين أمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين "وقوله بسورة الأحقاف "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى "وقوله بسورة يوسف "حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين "
واجبات كل رسول :
إن كل رسول عليه واجبات زائدة على بقية المسلمين وقد فرضها الله عليه لحمله الرسالة وهى :
1-إبلاغ الوحى بعد نزوله وفى هذا قال بسورة النحل "فهل على الرسل إلا البلاغ المبين "وهو البيان أى تبيين أحكام الله مصداق لقوله بسورة إبراهيم "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ".
2-الحكم وهو تطبيق أحكام الله فى مختلف القضايا الموجودة فى الواقع بين الخلق وسمى الله هذا إقامة الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "أى إقامة العدل وهو الحكم بالحق بين الناس مصداق لقوله بسورة البقرة "فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ".
الرسل رجال فقط :
بين الله لنا أن الرسل وهم الأنبياء رجال أى ذكور فقط وفى هذا قال بسورة النحل "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم "وقال بسورة الأنبياء "وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم "والسبب فى اقتصار البعث على الرجال هو تفضيل الله الرجل على المرأة عن طريق إعطاءه القوامة وهى القيادة وهى التوجيه للحق وفى هذا قال بسورة النساء "الرجال قوامون على النساء "ولا يمنع هذا من نزول الوحى على بعض النساء لسبب ما مثل أم موسى (ص)ومريم (ص)وإن كان الوحى النازل ليس شريعة وإنما وحى لسبب محدد وهو طمأنة القلوب بسبب الأفعال العظيمة التى  تحدث معهن.
لكل رسول أزواج وذرية:
لقد جعل الله لكل رسول أزواج أى زوجات يختلف عددهن من رسول لأخر وذرية أى أولاد سواء ذكور أو إناث أو هما معا ولم يكن منهم عقيما وفى هذا قال تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ".
التفضيل الإلهى بين الرسل :
لقد فضل أى زاد الله بعض الرسل ميزات أى عطايا هى المعجزات على بعض وهذه هى الدرجات التى رفعها أى زادها الله بعضهم وفى هذا قال بسورة البقرة "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ".
عدم التفريق بين الرسل :
طلب الله من رسوله (ص)أن يقول :أمنا بالله وما أوحى لنا وما أوحى لإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والرسل عليهم الصلاة والسلام من ربهم ،لا نفرق أى لا نميز بين أحد منهم ونحن له مسلمون وفى هذا قال بسورة آل عمران "قل أمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم  ونحن له مسلمون "كما بين الله لنا أن المسلمين لا يفرقون أى لا يميزون والمراد لا يفضلون الرسل على بعض والمراد لا يؤمنون ببعض منهم ويكفرون بالبعض الأخر وفى هذا قال بسورة البقرة "لا نفرق بين أحد من رسله "وقال بسورة النساء "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض "
الرسل والملائكة :
طلب الله من رسوله (ص)أن يقول للناس :لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين أى غير خائفين لبعث الله من السماء ملكا رسولا للناس وفى هذا قال بسورة الإسراء "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "وهذا القول رد على قول الكفار :أبعث الله بشرا رسولا ؟وقد بين الله للناس أن لو بعث إليهم ملك من الملائكة رسول لجعله رجل أى إنسان مثلهم يجوز عليه ما يجوز عليهم وفى هذا قال بسورة الأنعام "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ".
طرق الكلام الإلهى مع الرسل :
إن توصيل كلام الله للرسل (ص)من البشر له طريقين :
1-الوحى وهو الكلام من وراء حجاب ومن أمثلته كلام موسى(ص) مع الله وفيه قال بسورة النساء "وكلم الله موسى تكليما "وقد سماه الله وحيا فقال بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "
2-إرسال رسول أى ملك من الملائكة ليوحى للرسول البشرى ما يريد الله وفى هذا قال بسورة الشورى "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ".
قص قصص الرسل (ص)وعدمه :
بين الله لمحمد (ص)أن الرسل فريقين :
1 -رسل قد حكى له عن بعض ما وقع لهم مع أقوامهم .
 2-رسل لم يحكى له عنهم شيئا وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك "
الوحى والرسل (ص):
إن الوحى كان على مر العصور يحمل رسالة واحدة هى عبادة الله ولم تختلف الأحكام بين كل وحى والأخر إلا فى القليل من الأحيان نظرا لظروف متعلقة بمن نزل عليهم الوحى وفى وحدة الوحى أتت آيات عدة منها قوله بسورة النساء "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما "وقال بسورة الشورى "حم عسق كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم "وقال بسورة فصلت "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك "
ذنوب الرسل :
لا يوجد بشر معصوم من ارتكاب الذنوب وقد أورد الله بعض ذنوب الرسل (ص)وهى :
-ذنب آدم (ص)وهو الأكل من الشجرة المحرمة وفيه قال بسورة "وعصى أدم ربه فغوى ".
-ذنب نوح(ص)وهو طلب إدخال ابنه الكافر الجنة وفيه قال بسورة هود "ونادى نوح ربه فقال رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين ".
-ذنب يونس (ص)وهو الظن الخاطىء وفيه قال بسورة الأنبياء "وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ".
-ذنب موسى (ص) وهو قتل الرجل وفيه قال تعالى بسورة القصص "فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان ".
-ذنب داود (ص)وهو الظن الخاطىء وفى هذا قال بسورة ص"وظن داود أنما فتناه "
-ذنب سليمان (ص)وهو الظن الخاطىء وفى هذا قال بسورة ص"ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لى ".
وهذه الذنوب وقع أكثرها بعد الرسالة وكثير من الرسل (ص) كانوا قبل إرسالهم كفارا وأما محمد (ص)فقد ورد عن كفره قبل الرسالة قوله بسورة الضحى "ووجدك ضالا فهدى "وقوله بسورة يوسف "نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين "وقوله بسورة الشورى "ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان "فهنا وصفه الله بالضلال والغفلة وعدم العلم بالكتاب والإيمان وجاء عن ذنوبه بعد الرسالة قوله بسورة الفتح "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "وقوله بسورتى محمد وغافر "واستغفر لذنبك "وقد تاب الرسل (ص)من ذنوبهم توبة نصوحا.
من صفات الرسل (ص)
بين الله لنا أنهم لم يخلق الرسل (ص)جسدا أى ذهبا ولم يخلقهم لا يأكلون الطعام ولم يخلقهم خالدين أى باقين لا يموتون وفى هذا قال تعالى بسورة الأنبياء "وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين " وقد خلقهم الله يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق يبيعون ويشترون وفى هذا قال بسورة الفرقان "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق "والمراد من ذكر الله لهذه الحقائق هو إعلام البشر أن الرسل (ص) بشر مثلهم فضلهم الله بالوحى .
يوم جمع الرسل (ص):
فى يوم القيامة يجمع أى يحشر الله الرسل (ص)ثم يقول لهم ماذا أجبتم أى ماذا كان رد الأقوام عليكم ؟فيكون ردهم هو لا علم لنا إلا ما علمتنا أى لا معرفة لنا إلا الذى عرفتنا فى الدنيا إنك أنت علام الغيوب وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "ويوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ".
سؤال الرسل (ص):
يسأل أى يحاسب الله الرسل (ص)كما يحاسب الذين أرسلوا لهم وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين " والحمد لله رب العالمين .