الجمعة، 31 ديسمبر 2021

نقد كتاب إعلام نساء الأمة بما أعد الله لهن من النعيم في الجنة

نقد كتاب إعلام نساء الأمة بما أعد الله لهن من النعيم في الجنة
المؤلف ماجد البنكانى المعروف بأبو أنس وسبب تأليف الكتاب هو الرد على أسئلة النساء عن وضعهن فى الجنة وفى هذا قال :
"أما بعد لما رأينا كثرة أسئلة النساء عن أحوالهن في الجنة وماذا ينتظرهن فيها، أحببنا أن نجمع عدة نصوص لهذا الموضوع إرواء لغليلهن، مع توثيق ذلك بالأدلة الصحيحة وأقوال العلماء من سلفنا الصالح"
وقد استهل الكتاب بالآية التى تبين أن الدنة للرجال والنساء بالإيمان والعمل الصالح فقال :
"فأقول مستعينا بالله قال الله سبحانه وتعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
فهذه الجنة قد تزينت لكن معشر النساء كما تزينت للرجال (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)، واعلمن أن الجنة مهرها الإيمان والعمل الصالح وليس الأماني الباطلة مع التفريط وتذكرن قوله (ص): "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت""
والحديث به خطأ وهو أن العمل الصالح يقتصر على أربعة الصلاة والصوم وتحصين الفرج وطاعة الزوجة وهو ما يناقض أن العمل الصالح هو كل أوامر ونواهى الله كبر الوالدين وتربية الأولاد ومن ثم فالنبى(ص) لا يقول قولا يقصر فيه العمل على أى عدد صغير وإنما هو يقول قولا عاما حتى لا ينسى شىء وحدثنا الرجل أن الآيات موجودة قى ثواب النساء فى الجنة وأن طريق الجنة هو الإيمان والعمل الصالح فقال:
"الجنة دار النعيم المقيم، ومن دخلها فقد استحق من نعيمها ما يناسب منزلته فيها، وهذا للرجال والنساء كل بحسبه، لأن (النساء شقائق الرجال) كما أخبر بذلك النبي (ص) فعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق وقد جمع الله تعالى في الذكر، والوعد بالأجر والثواب بين الرجال والنساء في آيات كثيرة من كتابه العزيز؛ منها قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}
والنفس البشرية سواء كانت رجلا أو امرأة تشتاق للجنة وما حوته من أنواع الملذات، والجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قد (أعدت للمتقين) من الجنسين
ولكن لا يكون هذا الاشتياق مجرد أماني دون أن يتبع ذلك بالعمل الصالح، كما أخبرنا بذلك تعالى، قال سبحانه وتعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) فشوقوا النفس بأخبار الجنة وصدقوا ذلك بالعمل وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) قال ابن كثير: في هذه الآية بيان إحسانه، وكرمه، ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان"
وكرر أول آية ذكرها فقال :
"وعد الله سبحانه وتعالى كل مسلم ومسلمة دخول الجنة قال الله سبحانه وتعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه (ص)، من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت اهـ تفسير ابن كثير (2/ 772)"
ثم قال:
"وقال الله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}
يقول تعالى ذكره: إن المتذللين لله بالطاعة والمتذللات والمصدقين والمصدقات فيما أتاهم به من عند الله والقانتين، والقانتات لله، والمطيعين لله والمطيعات له فيما أمرهم ونهاهم، والصادقين الله فيما عاهدوه عليه، والصادقات فيه، والصابرين لله في البأساء والضراء على الثبات على دينه وحين البأس، والصابرات، والخاشعة قلوبهم لله وجلا منه ومن عقابه، والخاشعات، والمتصدقين، والمتصدقات، وهم المؤدون حقوق الله من أموالهم والمؤديات، والصائمين شهر رمضان الذي فرض الله صومه عليهم، والصائمات، والحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، والحافظات ذلك إلا على أزواجهن إن كن حرائر أو من ملكهن إن كن إماء، والذاكرين الله بقلوبهم، وألسنتهم، وجوارحهم، والذاكرات كذلك أعد لهم الله مغفرة لذنوبهم وأجرا عظيما، يعني ثوابا في الآخرة على ذلك من أعمالهم عظيما وذلك الجنة تفسير الطبري (10/ 299)"
ثم ذكر حديثا فقال :
وعن عبدالرحمن بن شيبة قال: سمعت أم سلمة زوج النبي (ص) تقول: قلت للنبي (ص): يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت: فلم يرعني ذات يوم ظهرا إلا نداؤه على المنبر وأنا أسرح رأسي فلففت شعري ثم خرجت إلى حجرة من حجرهن فجعلت سمعي عند الجريد فإذا هو يقول على المنبر: يا أيها الناس إن الله يقول في كتابه: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى قوله أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما "
وقطعا الحديث لا يصح لأن الله ذكر الرجال والنساء فى المرحلة المكية معا والحديث يقول أن لم يذكرهن وطبقا لكون السائلة أم سلمة تزوجها النبى(ص) حسب التاريخ المعروف فى المرحلة المدنية فالحديث لا يصح لقوله مثلا فى المرحلة المكية:
"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ألا ساء ما يحكمون" وقوله :
"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"
وتحدث عن نعم الله على نساء الجنة فقال:
"وما دام السؤال منصبا على نعيم المرأة في الجنة فنقول، و بالله التوفيق: إذا كان الزوجان من أهل الجنة فإن الله تعالى يجمع بينهما فيها، بل يزيدهم من فضله فيلحق بهم أبناءهم، و يرفع درجات الأدنى منهم فيلحقه بمن فاقه في الدرجة، بدلالة إخباره تعالى عن حملة العرش من الملائكة أنهم يقولون في دعائهم للمؤمنين { ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم} تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء أما إن كان أحد الزوجين من أهل النار فإما أن يكون كافرا، فهذا يخلد فيها، ولا ينفعه كون قرينه من أهل الجنة، لأن الله تعالى قضى على الكافرين أنهم خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون وقضى تعالى بالتفريق بين الأنبياء وزوجاتهم إن كن كافرات يوم القيامة، فقال سبحانه: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين فكان التفريق بين سائر الناس لاختلاف الدين أولى قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 394) عند هذه الآية الكريمة: قال تعالى (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين) أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلا ونهارا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط، (فخانتاهما أي: في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجد ذلك كله شيئا، ولا دفع عنهما محذورا، ولهذا قال تعالى فلم يغنيا عنهما من الله شيئا أي: لكفرهما، وقيل للمرأتين ادخلا النار مع الداخلين اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين إنما ذكر - أي الله عز وجل - الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج بل لهن أزواج من بني آدم المجموع الثمين (1/ 175)"
وحديث البنكانى عن كون الأزواج المسلمين يتزوجون زوجاتهم المسلمات فى الجنة ليس صحيحا لوجود مسلمات بلا أزواج مسلمين ووجود مسلمين بلا زوجات مسلمات سواء لزواج الكل من الكفرة أو لموتهم وموتهن دون زواج ومن ثم يكون هناك زواج جديد باختيار جديد حتى يكون لمن ليس له زوجة زوجة ويكون لمن ليس لها زوج زوج ولذا يقول " ولهم فيها أزواج مطهرة"
وتحدث عن طهارة نساء الدنيا فقال :
نساء الجنة مطهرات
خلق الله سبحانه وتعالى الحور العين، وهن الحسان بأحسن صورة، وجاء من أوصافهن أنهن مطهرات، قال الله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون }
قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة}، أي مطهرات من الغائط والرفث والحيض والنفاس والنجاسة والبصاق، وما شابه ذلك وقال عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم: مطهرة لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن وقال ابن عباس رضي الله عنه أيضا: مطهرة من القذر والأذى وقال مجاهد: لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين ولا يمنين ولا يحضن ولا يبصقن ولا يتنخمن ولا يلدن وقال قتادة: مطهرة من الإثم والأذى طهرهن الله سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثموهذا بشارة من الله تعالى لعباده المؤمنين
قال ابن قيم الجوزية: فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة وقدر ما بشرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره، وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، ونعيم القلب، وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه حادي الأرواح (1/ 149)"
وتفسير طهارة النساء بكونهن مطهرات من الغائط والرفث والحيض والنفاس والنجاسة والبصاق تفسير خاطىء فالمراد أنهن مسلمات
وتحدث عن عدم وجود عجوز فى الجنة فقال :
"الجنة ليس فيها عجوز
إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها لقوله (ص): "إن الجنة لا يدخلها عجوز إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا"وأخبر الله تعالى بأن المرأة العجوز في الدنيا يعيدها الله سبحانه وتعالى شابة في الجنة جميلة بكرا فهذا من فضل الله تعالى على عباده بأن جعل زوجات المؤمنين في الجنة أبكارا شابات جميلات متحببات لأزواجهن قال الله تعالى: {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين }
قال القرطبي أي خلقناهن خلقا جديدا، وهو الإعادة، أي أعدناهن إلى حال الشباب وكمال الجمال، والمعنى: أنشأنا العجوز والصبية إنشاء واحدا وأضمرن تفسير القرطبي (17/ 210) وقال الطبري هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى
وعن ابن عجلان، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس، في قوله: {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا } قال: هن من بني آدم نساءكن في الدنيا ينشئهن الله أبكارا عذارى عربا تفسير الطبري (27/ 186)
وعن عائشة ، أن النبي (ص)أتته عجوز من الأنصار، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال نبي الله (ص)"إن الجنة لا تدخلها عجوز"، فذهب نبي الله (ص)فصلى، ثم رجع إلى عائشة، فقالت عائشة: لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة، فقال رسول الله (ص)"إن ذلك كذلك إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا" "
والحديث بهذه الطريقة لا يصح فالنبى (ص)رءوف رحيم فهو لن يترك المرأة أو النساء ساعة أو أكثر حيارى مترددات حتى يطمئن قلوبهن بأن المعنى عودتهن لشبابهن فى الجنة لأن هذا الفعل قد يجعل بعضهم يكفرن بالإسلام
ثم تحدث عن تشبيه النساء بالياقوت والمرجان فقال :
"نساء الجنة كالياقوت والمرجان:
ومن الأوصاف التي خلقهن الله عليها، كأنهن الياقوت والمرجان، كما وصفهن الله سبحانه وتعالى بقوله: {كأنهن الياقوت والمرجان }
قال الحسن وعامة المفسرين: هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان، شبههن في صفاء اللون وبياضه وبالياقوت والمرجان، ويدل عليه ما قاله عبدالله أن المرأة من النساء أهل الجنة لتلبس عليها سبعين حلة من حرير فيرى بياض ساقيها من ورائهن ذلك بان الله يقول كأنهن الياقوت والمرجان، إلا وان الياقوت حجر لو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته نظرت إلى السلك من وراء الحجر وقال الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هن في هاتين الجنتين في كصيحاني الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه، فكذلك يرى مخ سوقهن من وراء لتطحن وفي حسنهن الياقوت والمرجان
وعن عبدالله بن مسعود عن النبي (ص)قال: "إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها، وذلك بان الله يقول: {كأنهن الياقوت والمرجان } فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لأريته من ورائه"
والحديث خاطىء لأن رؤية مخ الساق وهو عظمها ليس أمرا مثيرا بل هو منفر حيث يراها هيكلا عظميا والخطأ لون ثياب الجنة وهو الخضر والاستبرق يجعل رؤية ما وراء الثياب مستحيلا لأن الخضرة لون إذا اجتمع فوق بعضه ليس فاتحا ولا شفافا والاستبرق من البريق يجعل النظر لا يرى سوى اللمعان وليس ما تحته فما بالنا بسبعين جلباب فوق بعضها ثم لماذا ترتدى سبعين وثوب واحد كاف ثم قال :
"وروي عن أم سلمة زوج النبي (ص)قالت: قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: {حور عين} قال:"حور وعثمان عين ضخام شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر"
قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: {كأنهن الياقوت والمرجان } قال: "صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي"قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قول الله: {فيهن خيرات حسان}قال: "خيرات الأخلاق حسان الوجوه"قال قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قوله تعالى: {كأنهن بيض مكنون}قال: "رقتهن كرقة الجلد الذي في داخل البيضة مما يلي القشر"قلت: يا رسول الله فأخبرني عن قوله: {عربا أترابا} قال: "هن اللاتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى، قال: عربا معشقات محببات أترابا على ميلاد واحد"قلت: يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين قال: "نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة"قلت: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: "بصلاتهن وصيامهن لله عز وجل ألبس الله عز وجل وجوههن النور وأجسادهن الحرير وعثمان الألوان خضر الثياب بنو الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، طوبى لمن كنا له وكان لنا"قلت: المرأة منا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة في الدنيا ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها منهم؟قال: "يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا، قال فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم خلقا في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" "
وتفسير الحور العين بكونهن غير نساء الدنيا المسلمات هو افتراء على الله ورسوله(ص) لمخالفته كون سكن الجنة بالعمل كما قال تعالى:
"وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"
فالحور العين بذلك التفسير لا يمكن وجودهن فى الجنة لعدم عملهن شىء فى الدنيا وساعتها سيحتج الكفار على الله بأنه أدخل من لم يبتلى الجنة والحجة تكون صحيحة ويكون الله تعالى عن ذلك ظالما
الحور العين هن إناث الدنيا المسلمات
ثم تحدث عن ما يحدث لو خرجت امرأة من الجنة أمم أهل الدنيا فقال:
"المرأة من أهل الجنة لو اطلعت إلى الأرض أضاءت كل شئ:
ومن شدة جمال نساء الجنة وحسنهن الذي خلقهن الله تعالى عليه ووصفهن به، إنها إذا اطلعت الواحدة منهن إلى الأرض أضاءت ما بين السماء والأرض، ويكون ضوءها كضوء الشمس فعن أنس بن مالك أن رسول الله (ص)قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم، أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة اطلعت إلى الأرض من نساء أهل الجنة لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"
قطعا الحديث لا يصح فالمرأة ليست شمسا أو قمرا حتى تضىء ولكى ترى من السماء فلابد أن يكون حجمها كألوف مؤلفة من حجمها الدنيا حتى تظهر للخلق جميعا ثم نقل حكاية لا أصل لها فقال :
وذكر ابن أبي الدنيا، عن صالح المري، عن زيد الرقاشي، قال: بلغني أن نورا سطع في الجنة فما من موضع من الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه، فقيل: ما هذا؟ قال: حوراء ضحكت في وجه زوجها، قال صالح: فشهق رجل من ناحية المجلس فلم يزل يشهق حتى مات "
وتحدث عن جماع النساء فى الجنة فقال :
"نساء الجنة كلما جامعها زوجها عادت بكرا:
قال الله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون}
عن أبي هريرة عن رسول الله (ص)أنه قيل له: أنطأ في الجنة؟ قال:"نعم والذي نفسي بيده دحما دحما، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا"
وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص)"إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكار" قال المناوي: ففي كل مرة اقتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الاقتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحما وأعذب فاها وأضيق مسلكا وأسخن فرجا وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم اهـ فيض القدير "
والروايات عن عودة المرأة بكرا بعد الجماع لا تصح لأنه لا فائدة من البكورية فى الجنة كما أن الروايات السابقة عن الافتضاص وعودة البكارة تناقض كون فروج النساء لا تحفى أى لا يتغير فيها شىء فى الرواية التالية:
"وعن أبى هريرة عن النبي (ص)أنه سئل هل يمس أهل الجنة أزواجهم؟، قال: "نعم، بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع"
قال ابن عباس : إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة، لا يملها ولا تمله، كلما أتاها وجدها بكرا، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته؛ فيجامعها بقوة سبعين رجلا، لا يكون بينهما مني؛ يأتي من غير مني منه ولا منها تفسير القرطبي (15/ 43) "
وما حكاه من أقوال لا يصح ثم قال :
"نساء الجنة خيرات حسان
قال الله تعالى: {فيهن خيرات حسان}
قال ابن كثير المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة قاله قتادة، وقيل خيرات جمع خيرة المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه، قاله الجمهور وعن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال: إن لكل مسلم خيرة، ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهداية لم تكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات ولا بخرات ولا ذفرات حورعين كأنهن وعثمان مكنون تفسير ابن كثير (4/ 281)
ثم تحدث عن أمر لا يبخص النساء وحدهن وهو ما سماه أعظم نعيم فى الجنة وهو رؤية الله المحالة فقال :
"أعظم نعيم في الجنة
نظر أهل الجنة من النساء والرجال إلى ربهم تبارك وتعالى
قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}
وعن أبي هريرة أن ناسا قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله (ص)"هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال:" هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب"؟ قالوا: لا، قال:" فإنكم ترونه كذلك" فذكر الحديث بطوله
وعن صهيب قال: قال رسول الله (ص)"إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ا لجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ""
وحديث الرؤية هنا يناقض أنهم لا يرونه لوجود رداء الكبرياء على وجهه فى الأحاديث التالية:
وعن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النبي (ص)قال: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"
وعن أبي موسى ،أن رسول الله (ص)قال:"إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة آنيتهما وما يهما، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" "
وذكر حديث ليس عن النظر ولا عدم النظر مستشهدا به فقال :
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص)قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"
وتحدث عن أن الكفار لا يرونه فقال :
"...وهذا النعيم للمؤمنين، وأما الكافرون فقد حجبوا عن الرب سبحانه وتعالى، فلا يرونه، وهذا من أعظم العذاب والعياذ بالله بخلاف المؤمنين الذين أعظم نعيم لهم في الجنة هو رؤية الرب سبحانه وتعالى
فقد قال الله تعالى عن حال الكفار: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فعلم أن الكافر محجوب على الإطلاق بخلاف المؤمن، وإذا كانوا في عرصة القيامة محجوبين فمعلوم أنهم في النار أعظم حجبا، وقد قال سبحانه وتعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}وقال: {ونحشره يوم القيامة أعمى} وإطلاق وصفهم بالعمى ينافى الرؤية التي هي أفضل أنواع الرؤية "
وقطعا الحجب هو الرحمة وليس عن الرؤية فحتى قوله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" لا يفيد الرؤية البصرية لأن الوجه لا يرى وإنما البصر من يرى والمراد بالوجوه النفوس
وحدثنا عن كثرة النساء فى الجنة والنار فقال :
"النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار
ثبت في الصحيحين من حديث أيوب بن محمد بن سيرين، قال: أما تفاخروا وأما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة الرجال أم النساء؟ فقال أبو هريرة: ألم يقل أبو القاسم أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضواء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان أثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم،وما في الجنة عزب فإن كن من نساء الدنيا، فالنساء في الدنيا أكثر من الرجال وإن كن من الحور العين لم يلزم أن يكن في الدنيا أكثر، والظاهر أنهن من الحور العين "
والحديث السابق يناقض حديث " إنى رأيتكن أكثر أهل النار"
ويمكن وجود زيادة من النساء فى الجنة ولكن ليس بسبب الحور العين بتفسيرهن الخاطىء والله أعلم
ثم تحدث عن صفات نساء الجنة فقال :
"المرأة الودود الولود العئود في الجنة:
بشرى للصالحات من نساء هذه الأمة فقد أخبر النبي (ص)أن المرأة الودود أي المتحببة إلى زوجها والولود العئود في الجنة وعن كعب بن عجرة قال: قال النبي (ص)"ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصديق في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله في الجنة، ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العئود التي إذا ظلمت قالت: هذه يدي في يدك لا أذوق غمضا حتى ترضى"
" فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن، فهي خليقة بكونها من أهل الجنة، وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها، فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم فيض القدير "
والحديث المستشهد به لا يصح فالمواليد وهم الرضع لا يدخلون الجنة لأنهم لم يعملوا شىء ومن يدخل الجنة يدخلها بعمله كما قال تعالى:
"وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" ثم قال :
"المرأة المطيعة لربها ثم لزوجها في الجنة
وكذلك أخبرنا النبي (ص)أن المرأة المؤمنة الموحدة إذا أدت ما عليها من الواجبات التي فرضها عليها خالقها سبحانه وتعالى، وأطاعت زوجها في غير معصية الله عز وجل دخلت جنة ربها بإذنه تعالى فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)"إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت"
"إذا صلت المرأة خمسها": المكتوبات الخمس، "وصامت شهرها": رمضان غير أيام الحيض إن كان، "وحفظت"، وفي رواية أحصنت "فرجها": عن الجماع المحرم، والسحاق، "وأطاعت زوجها": في غير معصية، "دخلت" لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول "الجنة"، إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحا، أو عفي عنها، والمراد مع السابقين الأولين، وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار (فإن قلت) فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها (قلت) لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم، وغلبة الفساد فيهن، وعصيان الحليل، ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته، ويتحتم فيه الحج فأناط الحكم بالغالب، وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال، والحفظ والصون والحراسة والفرج يطلق على القبل والدبر لأن كل واحد منفرج أي منفتح، وأكثر استعماله عرفا في القبل فيض القدير "
وقد سبق نقد الحديث وأنه لا يصح لأنه يفرط فى أكثر أحكام الإسلام ثم تحدث عن أحوال النساء فى الدنيا فقال:
"المرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي
1 - إما أن تموت قبل أن تتزوج
2 - إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر
3 - إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة والعياذ بالله
4 - إما أن تموت بعد زواجها
5 - إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت
6 - إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة:
1 - فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله عز وجل في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله (ص): (ما في الجنة أعزب) أخرجه مسلم قال الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج أي المرأة في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج
2 - ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة
3 - ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة قال الشيخ ابن عثيمين: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال أي فيتزوجها أحدهم
4 - وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي في الجنة لزوجها الذي ماتت عنه
5 - وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة
6 - وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا لقوله (ص): (المرأة لآخر أزواجها) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني
ولقول حذيفة لامرأته: "إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي"، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة "
"مسألة: قد يقول قائل: إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول وأبدلها زوجا خيرا من زوجها فإذا كانت متزوجة، فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها؟
والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين: إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت، وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها، أي خيرا منه في الصفات في الدنيا، لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان، كما لو بعت شاة ببعير مثلا ويكون بتبديل الأوصاف، كما لو قلت كبدل الله كفر هذا الرجل بإيمان، وكما في قوله تعالى: {ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} والأرض هي الأرض ولكنها مدت، والسماء هي السماء لكنها انشقت سؤال: للرجال الحور العين في الجنة فما للنساء؟
فأجاب ابن عثيمين بقوله: يقول الله تبارك وتعالى في نعيم أهل الجنة: {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم} ويقول تعالى: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكورا كانوا أم إناثا، فالمرأة يزوجها الله تبارك وتعالى في الجنة بزوجها الذي كان زوجا لها في الدنيا كما قال الله تبارك وتعالى: ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم"
وكل ما سبق عن وضعية النساء والرجال لايصح ففى الجنة يتم تخيير المسلمين والمسلمات فى زوج بعضهم البعض ومن ثم قد يختار الزوجان بعضهما وقد يختار كل منهما غير زوجه فى الدنيا ولذا يقول تعالى"وزوجناهم"
ثم ذكر مناظرة لا تحدث ولن تحدث فقال :
"مناظرة بين الحور العين والمؤمنات في الجنة
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص)إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرفعن أصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له"قالت عائشة : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من أهل الدنيا: نحن المصليات و ما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن،قالت أمنا عائشة: فغلبنهن أي أن نساء الدنيا المؤمنات غلبن الحور العين "
وكما سبق القول لا وجود للحور العين بتفسير القوم فهم نساء الدنيا المسلمات لأن من طمثهن أى جامعهن فى الدنيا قبل الموت هم المسلمون كما قال تعالى:
" لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان"
فكلمة قبلهم تعنى المسلمون فى الدنيا هم من تزوجوا المسلمات وجامعوهن
وكما سبق القول وجود الحور بالتفسير الخاطىء وهو كونهن مخلوقات غير نساء المسلمين فى الدنيا ينافى أن سكن الجنة يكون بالعمل وبالتفسير الخاطىء تلك النساء لم يختبرن فى الدنيا وهو ما يناقض قوله تعالى:
" وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" 

الخميس، 30 ديسمبر 2021

نقد رسالة الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة

نقد رسالة الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة
الكتاب تأليف إبن تيمية وهى عبارة عن سؤال وجواب والسؤال هو :
هذا هو سؤال أبي القاسم المغربي:
يتفضل الشيخ الإمام، بقية السلف، وقدوة الخلف، أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب، تقي الدين أو العباس أحمد ابن تيمية بأن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني ودنياي، ويرشدني الى كتاب يكون عليه اعتمادي في علم الحديث، وكذلك في غيره من العلوم الشرعية، وينبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات، ويبين لي أرجح المكاسب كل ذلك على قصد الإيماء والاختصار، والله تعالى يحفظه، والسلام الكريم عليه ورحمة الله وبركاته"
وقد أجاب ابن تيمية فقال:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أما الوصية، فما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها قال تعلى:{ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}
ووصى النبي (ص)معاذا لما بعثه الى اليمن فقال:" يا معاذ: اتق الله حيثما كنت، واتبع الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" *رواه الامام أحمد في مسنده [5\266] وكان معاذ رضي الله من النبي (ص)بمنزلة علية، فإنه قال له: " يا معاذ: والله إني لأحبك" * رواه أبو داود[1522]، والنسائي [ 3\53]*، وكان يردفه وراءه وروي فيه أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام * جزء من حديث طويل رواه الترمذي [ 3791] وابن ماجه [ 154]*، وأنه يحشر امام العلماء برتوة * كما في طبقات ابن سعد [2: 347]، وابن حجر في الإصابة [3\427] * أي بخطوة ومن فضله انه بعثه النبي (ص)مبلغا عنه، * كما في حديث البخاري [1395 فتح الباري] *، داعيا ومفقها وحاكما الى أهل اليمن
وكان يشبهه بإبراهيم الخليل (ص)، وإبراهيم إمام الناس وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، تشبيها له بإبراهيم * الإصابة [ 3\427]"
والحديث لا يصح بسبب القول " وخالق الناس بخلق حسن" لمخالفته كلام الله فى أن معاملة الكفار متنوعة فإما معاملتهم بالرحمة وإما معاملتهم بالقسوة ردا على قسوتهم كما قال تعالى:
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
وقوله:
"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "
والرسالة عبارة عن شرح وتفسير للحديث وهى كما قال وصية جامعة الجزء المعروف من الوصية صحيح المعنى وفى شرحه قال :
"ثم إنه (ص)وصاه هذه الوصية، فعلم أنها جامعة، وهي كذلك لمن عقلها، مع أنها تفسير الوصية القرآنية أما بيان جمعها، فلأن العبد عليه حقان: حق الله عز وجل، وحق لعباده ثم الحق الذي عليه لا بد أن يخل ببعضه أحيانا، إما بترك مأمور به، أو فعل منهي عنه، فقال النبي (ص)" اتق الله حيثما كنت"، وهذه كلمة جامعة، وفي قوله:" حيثما كنت"، تحقيق لحاجته الى التقوى في السر والعلانية ثم قال:" واتبع السيئة الحسنة تمحها"، فإن الطبيب متى تناول المريض شيئا مضرا أمره بما يصلحه والذنب للعبد كأنه أمر حتم فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات وإنما قدم في لفظ الحديث "السيئة" وإن كانت مفعولة، لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة فصار كقوله في بول الأعرابي: "صبوا عليه ذنوبا من ماء" * أبو داود [380] وأصله في الصحيحين"
والخطأ فى الفقرة هو تقسيم الحق على العبد لحق الله وحق العباد فكله حق الله ولا يوجد هذا التقسيم وإنما التقسيم :
أحكام على الفرد فى خاصة نفسه وهو ما سماه حق الله من حيث الصلاة والدعاء وقراءة القرآن
أحكام على الفرد لغيره من الخلق ناس وحيوانات ونباتات وجمادات
وتحدث عن الحسنات والسيئات فقال :
"وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، فإنه أبلغ في المحو والذنوب يزول موجبها بأشياء: أحدها التوبة، والثاني الاستغفار من غير توبة فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال، الثالث: الأعمال الصالحة المكفرة إما الكفارات المقدرة كما يكفر المجامع في رمضان والمظاهر ولمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد، بالكفارات المقدرة وهي أربعة أجناس: هدي وعتق وصدقة وصيام وإما الكفارات المطلقة كما قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد دل على ذلك القرآن والأحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر الأعمال التي يقال فيها: من قال كذا وعمل كذا غفر له، أو غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي كثيرة لمن تلقاها من السنن وخصوصا ما صنف في فضائل الأعمال "
والخطأ ألأول هو أن مزيلات الذنوب ثلاث التوبة والاستغفار والمكفرات والحق أن مزيلات الذنوب مختلفة فالاستغفار وهو نفسه التوبة القولية لابد منه فى كل ذنب وأما الكفارات فهى فى ذنوب معروفة فى الوحى وبقى مزيل أخر وهو خاص ببعض الذنوب كالسرقة فلابد من اعادة المال لأصحابه وإلا كان السارق كافرا
والخطأ الثانى أن الكفارات أربعة اصناف وهى كما قال هدي وعتق وصدقة وصيام وهو ما يخالف أن الكفارة فى القتل قد تكون القصاص وهو قتل من ارتكب فعل القتل وقد تكون الدية وكذلك ألأمر فى الجروح
ثم قال :
واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه، فإن الإنسان من حين يبلغ، خصوصا في هذه الأزمنة ونحوها ـ من أزمنة الفترات التي تشبه الجاهلية من بعض الوجوه ـ فإن الانسان الذي ينشأ بين أهل علم ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء، فكيف بغير هذا؟
وفي الصحيحين عن النبي (ص)من حديث أبي سعيد رضي الله عنه:" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه"، قالوا: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال:" فمن؟" البخاري [ 7320] ومسلم ] 2669] هذا خبر تصديقه في قوله تعالى:{ فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا } ولهذا شواهد في الصحاح والحسان
وهذا أمر قد سري في المنتسبين الى الدين من الخاصة، كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة فإن كثيرا من احوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين الى العلم، وكثيرا من أحوال النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين الى الدين، كما يبصر ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا (ص)ثم نزله على أحوال الناس:
والحديث المذكور مخالف للقرآن فهناك أقوام لم تفعل فعل سابقيها فمثلا قوم لوط(ص) فعلوا فعلة لم يفعلها أحد قبلهم كما قال تعالى :
"ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أإنكم لتأتون الرجال"
فمن هم الذين اتبعوهم قبلهم؟
لا أحد
وهناك أمور لا يمكن فعلها لعدم وجود الرسول فقتل بعض الأقوام لرسلها أصبح غير ممكن لانعدامهم فكيف نقلد بنى إسرائيل فيها؟
ومثلا لا يمكن أن نطلب رؤية الله جهرة من رسول(ص) لانعدام الرسل(ص)
ومن ثم هناك أمور كثيرة لا يمكن تقليد القدماء فيها وهناك أمور اخترعتها الأقوام اللاحقة لم تفعلها الأقوام القديمة
ثم قال :
وإذا كان الأمر كذلك فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وكان ميتا فأحياه الله وجعل له نورا يمشي به بين الناس، لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية وطريق الأمتين المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، فيرى إن قد ابتلي ببعض ذلك فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخص النفوس من هذه الورطات وهو إتباع السيئات الحسنات والحسنات ما ندب الله إليه على لسان خاتم النبيين من الأعمال والأخلاق والصفات"
والخطأ فى الكلام هو أن الأمتين المغضوب عليهم والضالين هم اليهود والنصارى فهو ما يخالف الله غضب الله على كل الأقوام الكافرة ووصفه لهم بالضلال كما قالفى المنافقين والمشركين:
"ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا"
وقوم هود (ص)قال فيهم:
""قال قد وقع عليكم رجس من ربكم وغضب"
وقال:
ومما يزيل موجب الذنوب المصائب المكفرة، وهي كل ما يؤلم من هم أو حزن أو أذى في مال أو عرض أو جسد أو غير ذلك، لكن ليس هذا من فعل العبد"
وقطعا ليست المصائب مكفرات لشىء إلا بالصبر وهو طاعة الله فيها فهى حسنة والحسنة تمحو السيئة
ثم تحدث عن معاملة الناس فقال :
فلما قضى بهاتين الكلمتين: حق الله من عمل الصالح وإصلاح الفاسد، قال:" وخالق الناس بخلق حسن" وهو حق الناس وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عض وبعض هذا واجب وبعضه مستحب
وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا (ص)فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، هكذا قال مجاهد وغيره وهو تأويل القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، * رواه مسلم [746] بنحوه في جملة حديث طويل*، وحقيقته المبادرة الى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر"
والخطأ ان الله وصف محمد بالخلق العظيم والله لم يصف محمد(ص) بالخلق العظيم لأن الموصوف هو الدين فمعنى" وإنك لعلى خلق عظيم هو كما قال تعالى :
"إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم"
وقال :
واما بيان أن هذا كله في وصية الله، فهو أن اسم تقوى الله يجمع فعل كل ما أمر الله به إيجابا واستحبابا، وما نهى عنه تحريما وتنزيها؛ وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد لكن لما كان تارى يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكاف عن المحارم، جاء مفسرا في حديث معاذ، وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه * انظر تحفة الأحوذي [ 2072]، قيل: يا رسول الله ما اكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال:" تقوى الله وحسن الخلق" قيل: وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال:" الأجوفان : الفم والفرج"
والحديث لا يصح فهناك من يدخل النار غير الفم والفرج وهو اليد التى تقتل وتضرب وتجرح والرجل التى تذهب إلى حيث الحرام .....ثم قال :
وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص)" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" * لم أجد بعد كثرة التتبع هذا الحديث من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وإنما رواه أبو داود [4682] بهذا اللفظ من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الحاكم ورواه الترمذي بزيادة [1172 تحفة الأحوذي] عنه أيضا وصححه*فجعل كمال الإيمان في كمال حسن الخلق ومعلوم أن الإيمان كله تقوى الله، وتفصيل أصول التقوى وفروعها لا يحتمله هذا الموضع، فإنها الدين كله، لكن ينبوع الخير وأصله: إخلاص العبد لربه عبادة واستعانة كما في قوله:{ إياك نعبد وإياك نستعين } وفي قوله:{ فاعبده وتوكل عليه} وفي قوله:{ عليه توكلت وإليه أنيب ، وفي قوله:{ فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له} العنكبوت 17، بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم أو عملا لأجلهم، ويجعل همته ربه تعالى وذلك بملازمة الدعاء له في كل مطلوب من فاقة وحاجة ومخافة غير ذلك، والعمل له بكل محبوب ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض فإنه يختلف بإختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد، لكن مما هو الإجماع بين العلماء باله وأمره: إن ملازمة ذكر الله دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة، وعلى ذلك دل حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم :" سبق المفردون" * [2676]*، قالوا: يا رسول الله، ومن المفردون؟ قال:" الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" "
الحديث لا يصح لأن السابقين هم المجاهدون وليس الذاكرين الذكر الكلامى كما قال تعالى:
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ونفس الخطأ فى الحديث التالى الذى لا يصح وهو :
"وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي (ص)أنه قال:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:" ذكر الله" * هذا الحديث لم يخرجه أبو داود في سننه ولكن الترمذي [3437 تحفة الأحوذي] وابن ماجه [ 3790]

ويتحدث الرجل طالبا الذكر الكلامى وكأن القوم صوفية وضدهم اتفقوا على تضييع طاعة الله من خلال التركيز على أذكار الصباح واليوم والمساء بدلا من طاعة الله فى العمل الوظيفى وغيره من الطاعات التى تقدم فوائد وهو فى ذلك يقول:
"والدلائل القرآنية والإيمانية بصرا وخبرا ونظرا على ذلك كثيرة وأقل ذلك أن يلازم العبد الأذكار المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين (ص)كالأذكار المؤقتة: في أول النهار وآخره، وعند أخذ المضجع، وعند الاستيقاظ من المنام، وأدبار الصلوات، والأذكار المقيدة: مثل ما يقال عند الأكل والشرب واللباس والجماع، ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك، وعند المطر والرعد، الى غير ذلك، وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل يوم وليلة * ومن احسنها وأكثرها استيعابا كتاب الأذكار لللإمام الرباني محيى الدين يحيى النووي رحمه الله وقد اختصره المؤلف وانتقى منه منتخبات في كتابه الكلم الطيب* ثم ملازمة الذكر مطلقا، وأفضله لا اله الا الله وقد تعرض أحوال يكون بقية الذكر مثل سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله أفضل منه ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب الى الله تعالى من تعلم علم وتعليمه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسا يتفقه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقها، فهذا أيضا من أفضل ذكر الله وعلى ذلك إذا تدبرت ولم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف:
وتحدث عن الاستخارة وهو أمر لا يقدم ولا يؤخر ففى كل الأحوال الفرد هو من يقنع نفسه أن الله اختار ما اختار الفرد حتى ولو كان كفر لا يرضاه الله وفى ذلك يقول:
"وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالاستخارة المشروعة، فما ندم من استخار الله تعالى وليكثر من ذلك ومن الدعاء، فإنه مفتاح كل خير، ولا يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي وليتحر الأوقات الفاضلة كآخر الليل وأدبار الصلوات وعند الآذان، ووقت نزول المطر ونحو ذلك"
وركز ايضا على الدعاء بالرزق وكأن الدعاء هو من سيأتى بالرزق بينما الرزق غالبا هو نتيجة سعى الناس وفى ذلك يقول:
"واما أرجح المكاسب: فالتوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به وذلك أنه ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه الى الله ويدعوه، كما قال سبحانه فيما يأثر عن نبيه:" كلم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم"* رواه مسلم [2577]* وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص)" ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع، فإنه إن لم ييسره له لم يتيسر" * [3682 تحفة الأحوذي] * وقد قال الله تعالى في كتابه:{ واسألوا الله من فضله } وقال سبحانه:{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10)} الجمعة، وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصلوات ولهذا ـ والله أعلم ـ أمر النبي (ص)للذي يدخل المسجد أن يقول:" اللهم اقتح لي أبواب رحمتك" *رواه مسلم [ 713]، وإذا خرج أن يقول:" اللهم أني أسألك من فضلك" *رواه مسلم [713] وقد قال الخليل (ص){ فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له } وهذا أمر، والأمر يقتضي الإيجاب فالاستعانة بالله واللجوء اليه في أمر الرزق وغيره أصل عظيم
ثم ينبغي له أن ياخذ المال بسخاوة ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج اليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء وفي الحديث المرفوع رواه الترمذي وغيره:" من أصبح والدنيا همه شتت الله عليه شمله، وفرق عليه ضيعته، ولم ياته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح والاخرة أكبر همه جمع الله عليه ما شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" * [تحفة الأحوذي 2583] وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو ضعيف كما قال الحافظ وأخرجه ابن ماجه من طرق أخرى صحيحة [4105] كما نقله المحقق الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي عن الزوائد"
وتحدث الرجل عن وجوب أن يطلب المسلم مصيبه الحلال من الدنيا فقال :
"وقال بعض السلف: أنت محتاج الى الدنيا وأنت الى نصيبك من الاخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما قال الله تعالى:{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }
فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك فهذا مختلف باختلاف الناس، ولا أعلم في ذلك شيئا عاما، لكن إذا عن للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الاستخارة المتلقاة عن معلم الخير (ص)فإن فيها من البركة ما لا يحاط به ثم ما تيسر له فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية * روى البخاري [1162 فتح الباري] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله (ص)يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السور من القرآن، يقول:" إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: بعاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني، واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به" قال:" ويسمي حاجته"
وحديث الاستخارة لا يصح فكل ما يحدث هو من قدر الله ولكن الله جعل لنا عقولا وحد لنا أحكاما فى تلك الأمور المحيرة مثل سؤال أهل العلم ومشاورة الناس
وما يحدث سواء استخار الناس أو لم يستخيروا نتيجة تفكيرهم أو شغل أنفسهم بالأمر فالله لا يقول افعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا فى تلك المواقف ولكننا من نقنع أنفسنا بأن ما اخترناه هو ما اختاره الله لنا كما فعل الكفار بقولهم :
"سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شىء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون"
وتحدث عن طلب العلم فقال:
"وأما ما تعتمد عليه من الكتب والعلوم فهذا باب واسع، وهو أيضا يختلف باختلاف نشء الانسان في البلاد، فقد يتيسر له في بعض البلاد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما لا يتيسر له في بلد آخر، لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي (ص)فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علما، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعا، وإما أن لا يكون علما وإن سمي به ولئن كان علما نافعا فلا بد أن يكون في ميراث محمد (ص)ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه ولتكن همته فهم مقاصد الرسول في أمره ونهيه وسائر كلامه فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مراد الرسول فلا يعدل عنه فيما بينه وبين الله تعالى ولا مع الناس إذا أمكنه ذلك
وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه الناس فليدع ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله (ص)كان يقول إذا قام يصلي من الليل:" اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم" [مسلم 770] فإن الله تعالى قد قال فيما رواه عنه رسوله: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم"
وأما وصف الكتب والمصنفين، فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسره الله سبحانه وما في الكتب المصنفة المبوبة كتاب أنفع من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم، إذ لا بد من معرفة أحاديث أخر وكلام أهل العلم في الأمور التي يختص بعلمها بعض العلماء وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابا، فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالا، كما قال النبي (ص)لابن لبيد الأنصاري:" أوليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟" *رواه الترمذي [تحفة الأحوذي 2791]"
الغريب فى الفقرة السابقة هو أن الرجل بدلا من يدعو لدراسة كتاب الله يدعو لاتباع كتب بشر اختلفوا فى الروايات اختلافا بينا حتى داخل الكتاب الواحد ولم ينظروا أثناء جمعهم الروايات فى تناقض الكثير منها مع القرآن ومع بعضه البعض بل ومع الواقع الذى يرونه بأعينهم ويسمعونه بأنفسهم على حد قول رواية" صدقتك وكذبت عينى "

الأربعاء، 29 ديسمبر 2021

نقد كتاب كتاب الديوان في العهد النبوي

نقد كتاب كتاب الديوان في العهد النبوي
المؤلف عبد الله بن محمد الحجيلي والكتاب يتناول أمرا غفل أو أغفله الكثير من المؤرخين وهو أن الدولة فى عهد النبى(ص) كانت منظمة تماما ومن ثم شاع فى الكتابات والروايات أنها كانت تدار من خلال رجل واحد وهو الرسول(ص) ولكن حسب نصوص القرآن فهناك مؤسسات تم عملها لإدارة شئون الدولة كمؤسسة جمع الزكاة والدليل عليها فى نص آية الزكاة وهى الصدقات" والعاملين عليها" وكمؤسسة أمة الخير للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بقوله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" وكمؤسسة التعليم الدعوى بقوله تعالى " فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا فى الدين"
وقد بين الحجيلى هذا الأمر فى جانب ما وهو ما سماه ديوان الإنشاء فقال :
"ابتدأ الديوان النبوي الشريف كمؤسسة هامة مستقلة بعد قدومه المدينة المنورة مهاجرا إليها من مكة المكرمة ، وهذا ما نص عليه جمهور المؤرخين المهتمين بالتاريخ الإداري للدولة الإسلامية من القدماء والمعاصرين من أجل هؤلاء قاطبة شيخ الكتاب في عصره وأعظم مؤرخ في التاريخ للإدارة الإسلامية وهو الإمام القلقشندي في كتابه الموسوعي : ( صبح الأعشى في صناعة الإنشا )
يقول القلقشندي عن أصل الديوان في الإسلام : (( اعلم أن هذا الديوان وضع في الإسلام وذلك أن النبي (ص)كان يكاتب أمراءه ، وأصحاب سرياه من الصحابة ويكاتبونه ، وكتب إلى من قرب إليه من ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ، وبعث إليهم رسله بكتبه ، فبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة ، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى أبرويز ملك الفرس ، ودحية الكلبي إلى هرقل ملك الروم ، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر ، وسليط بن عمرو إلى هوذة بن علي ملك اليمامة ، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين ، إلى غير ذلك من المكاتبات ، وكتب لعمرو بن حزم عهدا حين وجهه إلى اليمن ، وكتب لتميم الداري وإخوته بإقطاع بالشام ، وكتب كتاب القضية بعد الهدنة بينه وبين قريش عام الحديبية ، وكتب الأمانات أحيانا إلى غير ذلك ، وهذه المكتوبات كلها متعلقها ديون الإنشاء ، وبخلاف ديوان الجيش فإن أول من وضعه ورتبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في خلافته على أن القضاعي قد ذكر في تاريخه ( عيون المعارف وفنون الخلائف ) أن الزبير بن العوام وجهيم بن الصلت كانا يكتبان للنبي (ص)أموال الصدقات ، وأن حذيفة بن اليمان كان كتب له خرص النخل ، وأن المغيرة بن شعبة وحصين بن نمير كانا يكتبان المداينات والمعاملات ، فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في عهده (ص)، إلا أنها ليست في شهرة وتواتر الكتابة في زمانه (ص)))
وهذا النص الثمين للقلقشندي يؤكد ظهور الدواوين كلها في عهده (ص)وليس ديوان الإنشاء فقط ، ويستفاد من كلامه الأمور التالية :
أ- وجود ديوان الرسائل في عهد النبي (ص)، وأن النبي هو أول من وضعه ، وذكر الأدلة على ذلك
ب- أن ديوان الإنشاء واضح في عهد النبي (ص)، والأدلة عليه تفوق الحصر ، وهذه الكتب المصنفة في حصر المكتوبات النبوية من أوضح الأدلة على ذلك
جـ- وجود دواوين أخرى في عهد النبي (ص)كديوان الصدقات ، والزكوات ، وديوان الجيش ، ولكنها لم تكن بشهرة ديوان الإنشاء والرسائل
وقد ذهب إلى هذه النتيجة عدد كبير من الباحثين المعاصرين "
أما وجود الكتاب فى عصر النبى (ص) فهو أمر لا شك لقوله تعالى :
"فليكتب كما علمه الله " وأما وجود ما سماه ديوان الرسائل وديوان الإنشاء فهذا أمر مشكوك فيه تماما لأن الكتابة موجودة فى كل مؤسسة بمفردها فهناك كتبة فى ديوان الجهاد وهناك كتبة فى ديوان المال ومنه مؤسسة الزكاة
وأما حكاية إرسال رسائل للملوك والأمراء فى عصره فهو أمر مشكوك فيه لأن الله علمه درسا فى قصة الأعمى وهو ألا يهتم بدعوة كبار الأقوام لأنهم سيكفرون به فى كل الأحوال طبقا لقوله تعالى :
" كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
ثم حدثنا عن مكان وجود الكتبة فقال :
"مكان جلوس الكتاب
لما قدم النبي (ص)المدينة المنورة ، واستقر به المقام اتخذ مسجده الشريف مجلسا له ، وكان موضع جلوسه معروفا ؛ إذ يجلس عند إحدى الأسطوانات الخشبية التي عرفت عبر التاريخ الإسلامي وإلى اليوم باسم : ( أسطوانة الوفود) ، وتقع خلف أسطوانة الحرس من جهة الشمال ، وكان النبي (ص)يجلس إليها ليقابل وفود العرب القادمة إليه ، وكانت تعرف أيضا بمجلس القادة ، ويجلس إليها سروات الصحابة رضوان الله عليهم
يقول الدكتور ناشد : (( لقد بادر رسول الله (ص)فور وصوله إلى المدينة بإقامة مسجد له يؤدي فيه مناسكه ، ويبلغ في رحابه رسالته الجامعة ، إذ لم تعرف الدولة في مبتدئ نشأتها الدواوين مقرا لأجهزتها الإدارية ، ومثابة لولي أمرها ، فكان طبيعيا أن يكون مجلس الرسول (ص)في المسجد - مكانه المختار - وهو مجلس الحكم ، يمارس منه سياسة المجتمع الإسلامي ، وتصريف شئونه العامة
وقد تميزت مظاهر الحكم في عهد النبي (ص)بالبساطة المطلقة والبعد عن التكلف وقيود المراسيم المتحفظة والشكليات الرسمية التي تحف الهيئات الحاكمة ، وتتسم بها الدواوين عادة
وقد كان النبي (ص)يجلس طيلة وقته من بعد صلاة الفجر إلى الظهر في الفترة الأولى ، ومن بعد العصر إلى غروب الشمس في الفترة الثانية في مسجده ، وكان الكتاب محدقين به ، ومن كانت له حاجة استأذن من النبي (ص)وانصرف ، وإذا حضرت وفود جلسوا بجانبه ، ولهذا نجد أن أكبر مكاتيب النبي (ص)كتبت للوفد الزائرة للمدينة المنورة خاصة بعد صلح الحديبية في مسجده الشريف "
وما ذكره الرجل هنا مخالف لقوله تعالى :
"فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه "

فالمسجد لم يكن سوى بيت للصلاة وأما كونه لاستقبال الناس ووجود الكتبة والكتابة وغبير هذا فهذه مخالفة لانشاء مؤسسة المسجد
ول كان يجلس فى المسجد فلماذا كانوا ينادونه من وراء الحجرات كما قال تعالى:
"إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون "
ومن ثم كان بيته هو مكان استقبال الوفود والاطعام والتدارس وغيره كما قال :
"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا (ص) فانتشروا ولا مستئنسين لحديث"
وحدثنا عن مكان الكتاب في الحضر والسفر فقال :
"مكان الكتاب في الحضر والسفر :
قد يحتاج النبي (ص)بعض الكتاب في أسفاره ، فيختار من الصحابة من يقوم بالكتابة ويصرح باسمه ، فقد طلب من علي بن أبي طالب كتابة صلح الحديبية بينه وبين قريش وقد أشارت بعض النصوص إلى أن كاتب النبي (ص)كان ملازما له في أسفاره ، ولم تشر إلى اختصاص أحد بذلك ، بل من طلب منه الكتابة كتب
فقد ذكر الإمام أحمد في مسند عبد الله بن حوالة ما نصه : (( كنا مع النبي (ص)في سفر من أسفارنا فنزل ، فنزل الناس منزلا ، ونزل النبي (ص)في ظل دوحة ، فرآني وأنا مقبل من حاجة لي ، وليس غيره وغير كاتبه ، فقال : أنكتب يا ابن حواله ))
فهذا النص الذي ذكره الإمام أحمد يدل دلالة أكيدة على أن النبي (ص)كان يلازمه أحد الكتبة في أسفاره ، أما في الحضر فلديه مجموعة من الكتاب ، ولكن كل كاتب قد خصه النبي (ص)بعمل ما ، فإذا غاب أشهر الكتاب كتب من حضر ، وهذا ما ذكره كل من كتب عن كتاب الوحي والديوان في العهد النبوي الشريف
روى البغوي بسنده إلى عبد الله بن الزبير كما أخرجه الحافظ ابن حجر في الإصابة قال : (( إنه كتب للنبي (ص)عبد الله بن الأرقم وزيد بن ثابت فإذا لم يوجد كاتب أمر من حضر ))
وذكر القضاعي أن النبي (ص)خصص كاتبا معتمدا خليفة لكل كاتب غائب، وقال الإمام ابن جماعة : (( وكان حنظلة الأسيدي خليفة كل كاتب غاب عن عمله )) "
والمعقول أن الكثير من المسلمين كانوا يعرفون القراءة والكتابة إن لم يكن كلهم بما فيهم النبى(ص) بعد تعلمها له فى الكبر لأن مناط الصلوات هو قراءة القرآن من الكتاب ومن ثم فلا داعى لتصديق تلك الروايات إلا إذا كان بعد بداية الدولة بقليل
وحدثنا عن حصر كتبة الديوان فقال :
"حصر عدد كتاب الديوان في العهد النبوي الشريف :
اختلف علماء التاريخ والسير قديما وحديثا في حصر وضبط العدد الكلي لكتاب الديوان النبوي الشريف ، وذهبوا مذاهب شتى ما بين مقل ومكثر ، فمنهم من أطلق ومنهم من حصر ، وأغلب المؤرخين يذكرونهم بلا حصر ، وفيما يلي ذكر لبعض مقولاتهم :
قال الإمام القسطلاني : (( أما كتابه فجمع كثير ، وجم غفير ، وذكرهم بعض المحدثين في تآليف له بديعة ، استوعب فيه جملة من أخبارهم ، ونبذا من سيرهم وآثارهم ، وصدر فيه بالخلفاء الأربعة الكرام خواص حضرته (ص)))
ولكن ما هو الحصر التقريبي لهذا الجمع الكبير والعدد الكبير؟؟
- قال النويري : (( ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية أن كتابه (ص)ينتهون إلى ستة وعشرين))
- وأوصلهم العراقي في نظمه للسيرة النبوية المعروفة بالألفية إلى اثنين وأربعين رجلا ، فقال:
كتابه اثنان وأربعونا زيد بن ثابت وكان حينا
كاتبه وبعده معاوية ابن أبي سفيان كان واعيه
كذا أبو بكر كذا علي عمر عثمان كذا أبي
وابن سعيد خالد وحنظلة كذا شراحبيل أمه حسنة
وعامر وثابت بن قيس كذا ابن أرقم بغير لبس
واقتصر المزي مع عبد الغني منهم على ذا العدد المبين
وزدت من متفرقات السير جمعا كثيرا فاضبطنه واحصر
طلحة والزبير وابن الحضرمي وابن رواحة وجهما فاضمم
وابن الوليد خالدا وحاطبا هو ابن عمرو وكذا حويطبا
حذيفة بريدة أبان وابن سعيد وأبا سفيان
كذا ابنه يزيد بعض مسلمة الفتح مع محمد بن مسلمه
عمرو هو ابن العاص مع مغيرة كذا السجل مع أبي سلمه
كذا أبو أيوب الأنصاري كذا معيقيب هو الدوسي
وابن أبي الأرقم أرقم أعدد فيهم كذا ابن سلول المهتدي
كذا ابن زيد واسمه عبد الله والجد عبد ربه بلا اشتباه
واعدد جهيما والعلا ابن عقبة كذا حصين ابن نمير أثبت
وذكر ثلاثة قد كتبوا وارتد كل منهم وانقلبوا
ابن أبي سرح مع ابن خطل وآخر أبهم لم يسم لي
ولم يعد منهم إلى الدين سوى ابن أبي سرح وباقيهم غوى
- واستقصى الباقلاني ذكر عددهم في كتابه (الانتصار للقرآن) ، وانفرد بذكر بعضهم وهم :
1 - حويطب بن عبد العزى
2 - أبو حذيفة بن عنيد بن ربيعة
13 - سعد بن عبادة
- وذكر المسعودي مشاهير الكتاب وقال : (( وإنما ذكرنا من أسماء كتابه (ص)من ثبت على كتابته ، واتصلت أيامه فيها ، وطالت مدته ، وصحت الرواية على ذلك من أمره ، دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة ، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسم كاتبا ، ويضاف إلى جملة كتابه )) ، وما ذكره المسعودي ذكره كثير ممن تصدى لحصر أسماء كتبة الديوان النبوي الشريف ، ونحن لا نشاطر المسعودي ما ذهب إليه من حصرهم فيمن طالت مدته واشتهر أمره ، فكل من كتب للنبي (ص)يستحق أن يسمى كاتبا للنبي (ص)لأنه لا يؤمر بالكتابة إلا من هو موطن ثقة عند النبي (ص)وبمجرد الكتاب اكتسى حلة الشرف هذه ، فهو جدير بأن يسمى كاتبا للنبي (ص)ولو لم تطل مدته ويشهر خبره "
وقطعا حكاية حصرهم هو ضرب من الخيال فالكتبة كانوا فى كل مؤسسات الدولة فلا يمكن أن تتواجد مؤسسة فى الدولة دون أن يكون فيها عدد من الكتبة ومن ثم فعددهم كام آلافا مؤلفة وليس بضع عشرات كما يقول المؤرخون
وحدثنا الحجيلى عن احتصاصات الكتبة فقال :
اختصاصات كتاب الديوان في العهد النبوي الشريف :
خص النبي (ص)بعض الكتاب ببعض المهام الكتابية في حال وجود غيره من كتبة الديوان ، أما إذا قل العدد وانحصر في واحد ونحوه أمر الكاتب الحاضر بالكتابة بحسب الحاجة ، دون النظر إلى تخصصه ، وهذه الاختصاصات يمكن إجمالها في الآتي :
1 - كتاب الوحي (القرآن الكريم) :
منذ أن أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه القرآن الكريم سجله في الصدور والسطور ، فقد كتبه منذ أن أنزل إليه أول آية حتى آخر آية ، وكان يقول : (( ألحقوا آية كذا بكذا )) ، وقد فصل العلماء القول في ذلك في كتبهم المفردة في علوم القرآن الكريم ، وكان من أوائل من كتب له القرآن :شرحبيل بن حسنة ، ويقال : إنه أول من كتب له في مكة وقيل : إن أول من كتب له : خالد بن سعيد بن العاص في مكة وقيل : بل أول من كتب له في مكة عبد الله بن أبي السرح ثم ارتد ، ثم أسلم يوم الفتح ، فهؤلاء جميعا كتبوا له في مكة أما في المدينة المنورة فأول من كتب له بإجماع المؤرخين هو : ( أبي بن كعب )
حكى ابن عبد البر عن الواقدي : (( أول من كتب لرسول الله (ص)الوحي مقدمه المدينة أبي بن كعب ، فإذا غاب كتب له زيد بن ثابت )) كان ألزم الصحابة لكتابة الوحي زيد بن ثابت وقد كتب له ابن خطل ثم ارتد ، ثم ظفر به يوم الفتح فقتل وكتب له شخص لم يعين اسمه فمات فلفظته الأرض مرارا فترك تأكله الطير وقد اعتنى العلماء قديما وحديثا بحصر كتاب الوحي ، والحديث عن مناقبهم وحياتهم بكتب مخصصه "
وبالقطع لابد أن تكون هناك مؤسسة خاصة بنسخ نسخ القرآن فى عهد النبى (ص) لأن كل بيت إن لم يكن كل مسلم ومسلمة كان بحاجة إلى قراءة ما نزل من القرآن فى الصلوات ومن ثم كان هناك مؤسسة لنشر القرآن بالكتابة اليومية لعدد من النسخ فلابد أن يكون لدى كل مسلم جديد نسخة منه للصلاة والتعلم
وحدثنا عن المهمة التالية للديوان المزعوم وهى :
2 - كتاب الرسائل إلى الملوك من عرب وعجم :
لما وقع الصلح بين النبي (ص)وأهل مكة في الحديبية اتجه النبي (ص)إلى إبلاغ الأمم المجاورة بالإسلام وكتب إليهم بذلك كتبا مشهورة معروفة قال ابن قيم الجوزية : (( لما رجع من الحديبية كتب لملوك الأرض ، وأرسل إليهم رسله ، فقيل له : إنهم لا يقرؤون كتابا إلا إذا كان مختوما ، فاتخذ خاتما من فضة ، ونقش عليه ثلاثة أسطر ، محمد سطر ، ورسول سطر ، والله سطر ، وختم به الكتب إلى الملوك ، وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم من سنة سبع ))
وقد عهد النبي (ص)إلى بعض كتابه بكتابة الكتب إلى الملوك ، وأشهر هؤلاء الكتاب على الإطلاق : عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم الزهري ، فقد ذكر كل من ترجم له أنه كان يكتب للنبي (ص)إلى الملوك ، وكان يجيب عنه
....وقال المسعودي : وكان زيد بن ثابت الأنصاري ثم الخزرجي يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبي (ص)وكان يترجم للنبي (ص)بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية ، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن ))
وقال ابن عساكر مسندا إلى عبد الله بن الزبير : (( إن النبي (ص)استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث - كذا نسبه حميد - وكان يجيب عنه الملوك واستكتب أيضا زيد بن ثابت ، وكان يكتب الوحي ، ويكتب إلى الملوك أيضا ، فلم يزالا يكتبان حتى قبض النبي (ص)وخلافة أبي بكر )) "
وقطعا هو لم يخاطب ملوكا ولا أمراء لأن الرسالة عامة كما قال تعالى :
"وأرسلناك للناس كافة"
وقد علمه الله درسا فى المرحلة المكية عن دعوة كبار الناس فى المجتمعات الكافرة وهو ألا يدعوهم إلا مرة ويكتفى لأنهم لن يؤمنوا وعليه أن يهتم بمن يأتى للتعلم من الناس
والمعقول هو أن خطاباته معهم كانت خطابات حول الحرب والسلام بين دولة المسلمين دولته إن كان حدث هذا ثم حدثنا عن كتبة العرب والبوادى فقال:
3 - كاتب العرب والبوادي :
لما وقعت الهدنة بين المسلمين وقريش في صلح الحديبية كتب النبي (ص)إلى أغلب زعماء العرب يدعوهم إلى الإسلام ، فمن أطاع منهم رفع قدره ، وولاه على قومه ، ومن عصى عاقبه بعقوبة عاجلة بالحرب مع ما له من العقاب الأخروي
وفي سنة تسع عندما علمت قبائل العرب انتصار النبي (ص)على قريش أوفدت إلى المدينة مئات من الوفود من ملوك وزعماء العرب فرحب بهم النبي (ص)، وكتب لهم كتب الإقطاع بما طلبوه ، أو كتب التأمير على قومهم ، والنبي (ص)ما سئل شيئا قط ، فقال : لا ، وأحال العهدة في تلك الطلبات عليهم ، وإن نازعهم أحد منهم في شيء ما ردهم إلى حكم الشرع الشريف
وبتأمل الكتب التي وصلت نصوصها إلى عصرنا الحاضر نجد أن أغلب كتبة الديوان النبوي الشريف قد شاركوا في هذا الشرف ؛ لأن من حضر من الكتاب كتب ، وإن كان هنالك بعضا من الكتاب نص العلماء على أنهم أشهر من غيرهم "
وما قاله الرجل هنا من روايات كذب محض فالنبى(ص) لا يأمر أحد من كبار الكفار حتى ولو أسلموا لأنه بذلك يخالف قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم "كما أنه لا يقطع اقطاعيات لأحد لن الإسلام جاء لتدمير الاقطاعيات وتكدس الثروات فجعل الآرض كلها شركة عادلة بين المسلمين فقال:
" ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر ان ألأرض يرثها عبادى الصالحون"
ثم قال :
4 - كاتب العهود والمواثيق والأمان :
لما هاجر النبي (ص)إلى المدينة كانت فيها ثلاث قبائل يهودية ، وهم بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة ، فلما سكن المدينة شرع في طمأنة تلك القبائل وإشعارهم بأنهم جزء لا يتجزأ من مواطني الدولة الإسلامية إذا أسلموا أو عاهدوا ، فلم يسلم منهم إلا نفر قليل ، فعقد معهم مصالحة عرفت بـ (صحيفة المدينة) ، ثم بعد ذلك توجه النبي (ص)إلى فرض سلطته على الجزيرة العربية بمحاربة الكفار من العرب وغيرهم ، فاستطاع في خلال ثماني سنوات أن يسيطر على كامل الجزء الغربي للجزيرة العربية ، من تبوك إلى اليمن ، ومن أواسط نجد إلى سواحل البحر الأحمر
..وأجل تلك العهود قاطبة هو (عهد الحديبية) الذي جرى بين النبي (ص)وبين كفار قريش ، فقد سماه الله - عز وجل - فتحا ، ودخلت بعض القبائل المجاورة لمكة مع عهد النبي (ص)، وكان هذا الحلف سببا في الفتح الأعظم فتح مكة ، حيث دخل الناس بعده في دين الله أفواجا ، فلما دخل النبي (ص)مكة منتصرا ، جاءت وفود القبائل العربية إلى المدينة من أنحاء الجزيرة العربية يطلبون من النبي (ص)العهود والمواثيق ، فكتب لكل من جاءه طالب الأمان كتابا ، وقد تشرف مجموعة من الكتاب بكتابة هذه العهود والمواثيق والأمانات
وممن كتب هذه العهود أبو بكر وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وغيرهم من كتاب الوحي ..."
وما قيل هنا يخالف القرآن فما يسمى عهد المدينة لا وجود له فى كتاب الله وهو ما يعنى أنه لم يحدث والعهد بكل صوره الموجودة حاليا عبارة عن كلام متناقض واعتراف بحكم غير الله والعهد الموجود فى القرآن والذى يسمونه عهد الحديبية كذبة كبرى مخالفة لكلام الله فالعهد كتب عند المسجد الحرام كما قال تعالى:
" إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام" فكيف يقولون فى الحديبية والله يقول عند المسجد الحرام ؟
ثم حدثنا عن خرافة كبرى يصر عليه القوم وكأن الإسلام جاء لتمييز مسلمين عن مسلمين وهى كتب الاقطاع فقال :
5 - كتاب الإقطاع والتمليك :
كان النبي (ص)أكرم الناس لا يرد من سأله ألبتة ، وكانت العرب قاطبة تنظر إلى الحرب بينه وبين أعدائه على أنها حرب بين فئتين من قريش ، وكانوا يقولون : ننظر إلى هذا الرجل فإذا غلب على قومه أعطينا له يد الطاعة ، فلما استقر الأمر بعد فتح مكة ؛ جاؤوا إلى المدينة فرادى وجماعات بين راغب وراهب ، وكان لهؤلاء الوفود طلبات ورغبات وضعوها أمام النبي (ص)، وأغلب تلك المطالب منهم كانت للأراضي والأماكن والمياه التي قاتلوا عليها في الجاهلية ، وحموها بسيف القبيلة ، وذلك خشية أن يأتي من ينازعهم عليها بعد ، ويطلب ما ليس له ، فقطع النبي (ص)لهم إقطاعات على حسب رغباتهم ، ..."
لم يكتب النبى(ص) أى اقطاع ولم يقل لأجد به لأن الإسلام جاء لإعادة توزيع الثروات على الناس جميعا ولذا كانت أموال المصارف يحرم منها الأغنياء كما قال تعالى :
" كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
ثم حدثنا عما سماهم كتاب السر فقال :
6 - كاتب السر :
المراد به الكاتب الذي يجالس السلطان في مقر جلوسه، ويأتي ترتيبه في المقام الأول بين طبقات الكتاب
وهذا اللقب قديم يرجع تاريخ إنشائه إلى عهد النبي (ص)، كما عرف به (صاحب ديوان الإنشاء) عبر العصور الإسلامية المختلفة ، غير أنه في بداية العصر المملوكي وبالتخصيص منذ عهد السلطان المنصور قلاوون أصبح ذلك اللقب هو الذي يعرف به بصفة دائمة صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية ، ...وقد اشتهر في عهد النبي (ص)عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بأنه صاحب سر النبي (ص)، فقد روى البيهقي بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان رسول الله (ص)إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وعثمان بين يديه ، وكان كاتب سر رسول الله (ص)
ولم ينفرد عثمان - رضي الله عنه - بأنه المطلع الوحيد على أسرار النبي (ص)، بل كان للنبي أمناء منهم :
عبد الله بن الأرقم الزهري القرشي ، فعن عبد الله بن الزبير أن رسول الله (ص)استكتب عبد الله بن الأرقم ، فكان يجيب عنه الملوك ، وبلغ من أمانته عنده أن يأمره بالكتابة إلى بعض الملوك ، فيأمره أن يطينه ويختمه وما يقرؤه لأمانته عنده وأشهر أمين لرسول الله (ص)ولهذه الأمة المحمدية هو الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح ، ..وقال ابن عبد البر : (( وحذيفة معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله (ص)في المنافقين ، لا يعلمهم إلا حذيفة ، أعلمه بهم رسول الله (ص)..."
وهذا الكلام لا يصح منه شىء فالأسرار فى مجال الدولة تختص بأمر واحد وهو الجهاد ولم يكن هناك شىء اسمه اختيار عشرات من الناس لذلك فهذا يصح فى أول قيام الدولة وأما بعد ذلك فالأمر قد اتسع والرسول(ص) مهما كان إنسان ولا يقدر إنسان واحد على إدارة دولة كاملة بنفسه ومن ثم توزعت المهام ولا أدرى كيف قبل الناس أن يكون أبو عبيدة أمين هذه الأمة مع أن معنى العبارة كون الأمة كلها خائنة بما فيها النبى(ص) نفسه ثم حدثنا عن كتبة الوثائق والصكوك والشروط فقال :
7 - كاتب الوثائق والصكوك والشروط :
أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بالكتب والإشهاد في بيوع الآجال فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه }
واختلف العلماء هل هذه الأوامر على الوجوب أو على الندب ؟ ...
وقد ذكرت لنا كتب السنن أن النبي (ص)اشترى من العداء بن هوذة الحنفي عبدا أو أمة ، فكتب في ذلك كتابا ، وشرط شروطا
قال الإمام البخاري رحمه الله يذكر عن العداء بن خالد قال : (( كتب لي النبي (ص): هذا ما اشترى محمد رسول الله (ص)من العداء بن خالد ، بيع المسلم المسلم ، لا داء ولا خبثة ولا غائلة ))
...وقال الإمام ابن حجر : قرأت في التاريخ المصنف للمعتصم بن صمادح : أن العلاء بن عقبة والأرقم كانا يكتبان بين الناس في المداينات والعهود والمعاملات "
وهذا الكلام عن وجود كتبة مخصوصين ينافى أن أى واحد متعلم للكتابة
يكتب أى عقد كما قال تعالى " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله"
وحدثنا عن كتبة الغنائم والخمس فقال :
8 - كتاب الغنائم والخمس :
الغنائم هي : الأموال المأخوذة من أهل الحرب عنوة
وليست الغنائم هي المورد المالي الوحيد للدولة الإسلامية ، بل هنالك الصوافي ، والفيء ، والصدقات ، والهبات ، والجزية ، وغير ذلك مما هو مفصل في الكتب التي اعتنت بالنظام المالي للدولة الإسلامية وقد خاض النبي (ص)خلال العشر سنوات التي هي مدة قيام الدولة الإسلامية العديد من الغزوات والسرايا وبما أن الله - عز وجل - أغلظ في ذم الغلول فقال تعالى : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } ، وجاءت أحاديث كثيرة بهذا المعنى ، فإن النبي (ص)كان يحصي المغانم بعد المعركة ويقسمها على الغانمين ، واتخذ من أجل ذلك كاتبا يحصي هذه الأموال ، ومثل ذلك فعل الصحابة أمراء السرايا والغزوات
ومن أشهر كتاب المغانم ما يلي :
قال الجهشياري : (( روي أن معيقيب بن أبي فاطمة حليف ابن أسد كان يكتب مغانم رسول الله (ص)))وقال المسعودي : (( وكان ابن أبي فاطمة الدوسي يكتب مغانم رسول الله (ص)))وقال أيضا : كان حنظلة بن الربيع بن صيفي الأسيدي ، ..."
ومؤسسة الجهاد فيها أناس مخصوصين لأمور المال المأخوذة من الكفار لتقسيمها على المجاهدين الحاضرين للمعركة فلم يكن الأمر متروك للظروف فقد كانت أسماء المجاهدين تكتب قبل المعركة وبعد المعركة لمعرفة المفقود أو الأسير ولمعرفة على أى عدد تتم القسمة
ثم حدثنا عن كتبة الصدقات والحوائج الشخصية فقال :
9 - كاتب الصدقات والحوائج الشخصية :
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة ، وأحد الموارد المالية في الدولة الإسلامية ، وهي طهرة لمال الغني ، ومساعدة للفقير ، وحفظ له من السؤال
وقد اهتم النبي (ص)بجمع الصدقات من أصحابها ، ونصب عمالا يقومون بجمعها ، وضع كتابا يحصون ما جمع هؤلاء العمال ، وكان النبي (ص)يكتب لكل عامل صدقة كتابا حتى يطلع عليه أهل الأموال فقد روى الإمام أبو داود عن سويد بن غفلة قال : أتانا مصدق النبي (ص)فأخذت بيده ، وقرأت في عهده ، قال : (( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة )
وقد تولى ولاية الصدقات بعهد من النبي (ص)مجموعة من الصحابة منهم :
عمر بن الخطاب العدوي القرشي ، ...
وقال ابن حزم في كتابه (جوامع السير والعدل) : (( وكان كاتب رسول الله (ص)في الصدقات الزبير بن العوام ، فإذا غاب أو اعتذر كتب جهيم بن الصلت وحذيفة بن اليمان )) "
وقطعا كان للمؤسسة المالية مؤسسات كمؤسسة الزكاة فى كل بلد بها عاملين يكتبون أسماء الأغنياء ونشاطهم وأسماء أهل لأصناف الثمانية ويقومون بجمع الزكاة عند كل زمن محدد ويقومون بالتوزيع العادل
ثم حدثنا عن كتبة الجيش وقد سبق ذكرهم فى الغنائم والخمس فقال :
10 - كتاب الجيش :
كان النبي (ص)يكتب أسماء الجنود الذين يتطوعون للخدمة في جيش النبي (ص)، وقد خصص كاتبا لذلك ، وكان النبي (ص)كما هو معروف في سيرته يتتبع أحوال أصحابه من كافة النواحي ، وكان بهم رفيقا حليما ، وإذا كان عند أحد منهم حاجة تمنعه من الاكتتاب في الجيش عذره ، ولو كان هذا العذر يسيرا ، فقد روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي (ص)فقال : يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة ، قال : ارجع فحج مع امرأته وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال : سمعت النبي (ص)يخطب يقول : (( لا يخلون الرجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : انطلق فحج مع امرأتك )) ...."
وانتهى الحجيلى إلى النتيجة التالية:
والدارس لتاريخ الديوان النبوي الشريف يرى أنه لم يكن ديوان رسائل فحسب - كما هو الحال في ديوان الرسائل في العصور التالية له - بل كان يضم مجموعة من الكتاب المختصين المختارين بعناية تامة وفق مواصفات عالية ، وقد اشتهروا بصفات قيادية وأخلاقية وكتابية عظيمة ، أهلت كل واحد منهم لأن يختاره النبي القائد (ص)لهذا المنصب الجليل ، وهذا ما أدركه بعض المؤرخين الكبار حيث يقول الباقلاني عن صفات هؤلاء الكتاب : (( وقد كان له (ص)جماعة أماثل عقلاء أفاضل ، كلهم كتبة له ، ومعروفون بالانتصاب لذلك من المهاجرين والأنصار ))
قال القلقشندي : (( فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين أيضا قد وضعت في زمنه إلا أنها ليست في الشهرة والتواتر كالكتابة في زمنه (ص))
ومع مرور الزمن أصبح ديوان الرسائل مجموعة من الدواوين ، وتنوعت الاختصاصات فيها أنواعا عديدة بحسب حاجة الدول في تلك العصور ، ...
وحدثنا الرجل عن شروط وآداب كتاب الديوان فقال:
"شروط وآداب كتاب الديوان الشريف :
هذه الشروط استقاها العلماء من سيرة كتاب الديوان النبوي الشريف ، ومن بعض التوجيهات النبوية التي صدرت لبعض الكتاب في عصره
وأجمع من كتب حول هذا الموضوع هو القلقشندي في كتابه الموسوعي : (صبح الأعشى في ديوان الإنشاء) ، وهذا مختصر لما ذكره :
أولا : الشروط العامة
1- الإسلام
وهذا من أهم الشروط التي يجب توافرها في كاتب الإنشاء ؛ لأن الكاتب يحتاج إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والكتابة ولاية ولا ولاية لكافر على مسلم ؛ لذا لم يتخذ النبي (ص)كاتبا كافرا قط ولا الخلفاء الراشدون من بعده
2- الذكورة
إن الكتابة ولاية من أجل الولايات الشرعية ؛ لذا لا يجوز لامرأة أن تتولى هذه الولاية لأن النبي (ص)نهى عن تولية المرأة ولاية عامة عندما قال : (( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))
3- الحرية
لا يجوز للعبد أن يتولى الكتابة ، إلا إذا وثق به سيده وهو الإمام فلا بأس بذلك عند بعض الفقهاء ؛ لأن عثمان استكتب مولاه حمران ، أما جمهور الفقهاء فمنع ذلك سواء أكان للسلطان أو القاضي أو غيرهم
4- العقل
العقل هبة من الله - عز وجل - ، ولا يستطيع ناقص العقل أن يضطلع بأي عمل من الأعمال لنقصان إدراكه ، فالعقل أساس الفضائل وأصل المناقب ، ومن لا عقل له لا انتفاع به كما قاله القلقشندي
5- معرفة أحكام الولايات
يجب على الكاتب أن يكون عليما بأحوال الأحكام السلطانية ، وأن يعرف ترتيب الولايات الدينية من عند الإمام ، وتقليد الوزراء ، وإمارة البلدان ، وإمارة الجهاد ، وولاية القضاء والمظالم ، ومخاطبة الملوك والوزراء والعمال وغيرهم ؛ لأن هذا من صميم عمله وأهم الواجبات المنوطة به
6- الفقه في الأحكام الشرعية
يجب على الكاتب أن يكون مؤهلا لهذه الوظيفة ، ولديه الدراية التامة بأحكام الفقه الإسلامي ؛ لأن عمله يتطلب معرفة هذه الأحكام
7- الإلمام باللغة العربية والبلاغة
الكاتب يجب أن يكتب على قواعد اللغة العربية ، وأن يكون بعيدا عن اللحن والخطأ في الإعراب ، .."
وكل ما سبق ليس شرطا فى الكاتب فالشرط الوحيد هو كونه مسلم يجيد القراءة والكتابة وأما ما ذكروه فهو فى دول ليست مسلمة وإنما كانت دولة ظالمة تجعل الإنشاء ضرب من ضروب خداع الشعوب
ثم حدثنا عما سماه الآداب العامة وهى ليست آدابا لأن كلمة مسلم تضم كل شىء من ألأخلاق الحميدة فقال :
الآداب العامة
يستحب لكاتب الإنشاء أن يتحلى بالآداب الإسلامية ، ومن أهمها :
1 - تقوى الله - عز وجل - في السر والعلانية
2 - صلاح النية فيما يتولاه من أمور السلطان والولاية
مجانبة الريب والبعد عنها
3 - لزوم العفاف
4 - القدرة على معاشرة الملوك ووجهاء الدولة وتنفيذ ما يطلب منه
5 - النظر في عواقب الأمور وحفظ النفس عن الأخطاء
6 - الإخلاص في كل ما يوجه إليه من أعمال
7 - تقديم النصيحة والمشورة للولاة والحكام
8 - كتمان السر وعدم إفشائه
9 - الشكر لأنه من فضائل الأخلاق "