الأحد، 31 يوليو 2022

نقد كتاب حكم الوقف على رؤوس الآي

نقد كتاب حكم الوقف على رؤوس الآي وتخريج الحديث الوارد في ذلك
الكتاب جمعه عبدالله بن علي الميموني المطيري وهو يدور حول موضوع الوقف فى قراءة القرآن وهو كلام ليس له أساس من الصحة مع تأليف مئات أو آلاف الكتب فيه وفى مقدمته بين أن الوقف من باب تدبر القرآن فقال:
"أما بعد
فلا ريب أن علم الوقف والابتداء من العلوم التي تسفر بها وجوه المعاني القرآنية إذ المقصود منه بيان مواضع الوقف بحيث يراعي القارئ المعاني فيقف ويبتدأ على حسب ما يقتضيه المعنى واللفظ ولا يكون ذلك إلا بتدبر واهتمام بالمعاني ؛ فالنظر في الوقوف معين على التدبر
وإذا قرأ القارئ وابتدأ بما لا يحسن الابتداء به أو وقف عند كلام لا يفهم إلا بأن يوصل بما بعده فقد خالف أمر الله تعالى بتدبر القرآن قال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ..فهذا العلم من علوم الكتاب المبارك ومع ما قدمتُ من جلالته و اعتناء قراء السلف به فقد كاد أن يصبح اليوم مهجورا"
وبالقطع الوقف هو أمر صوتى لا علاقة له بالفهم وتدبر القرآن يعنى طاعته وليس مجرد قراءته أو سماعه ومن ثم لا علاقة لعملية النطق الكلامى بالفهم
وفى التمهيد نقل لنا المطيرى من بطون الكتب معنى الوقف والسكت والقطع فقال :
"معنى الوقف والسكت والقطع
الوقف والسكت والقطع عبارات يختلف مقصود القراء بها والصحيح عند المتأخرين التفريق بينها فالقطع ترك القراءة رأسا فإذا قلنا قطع القراءة فمعنى ذلك انتقاله إلى حالة أخرى غير القراءة كترك القراءة بالكلية أو الركوع أو الكلام بغير القرآن وهذا يستعاذ بعده للقراءة
والوقف ( قطع الصوت زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة )
وهو المقصود بهذا البحث وهو المراد في فن الوقف والابتداء فلا يقصدون بقولهم الوقف هنا تام أو كاف أو حسن أو قبيح القطعَ للقراءة بالكلية ولا يقصدون بذلك السكت الذي هو عبارة عن وقف بلا تنفس وزمن السكت دون زمن الوقف عادة فهو (قطع الصوت زمنا يسيرا ومقداره حركتان من غير تنفس بنية العود إلى القراءة في الحال )
وفي الشاطبية
وسَكْتُهُمُ المختارُ دون تنفُّس ** وبَعضُهُم في الأربعِ الزُّهْرِ بَسْمَلا
قال الإمام أبو شامة المقدسي ( الإشارة بقولهم " دون تنفس " إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة ) ..."
وهذا الكلام كله خارج الشرع فلا تجد أمرا أو نهيا من الله فى الموضوع وإنما كل ما ورد فى القراءة هو :
" فاقرءوا ما تيسر منه "

أو " ورتل القرآن ترتيلا"
فلم يقل الله قفوا على كذا او ابتدئوا من كذا وإنما كل واحد جر فى قراءته حسب راحته فقد يقف عند أى كلمه لانقطاع نفسه أو لغير انقطاع نفسه
وحاول المطيرى كأهل صنعة قراءة القرآن أن يثبت أن للصنعة أساس فى القرآن مع أن قراءة القرآن مجرد عبادة أى حكم من أحكام الدين فقال:
"تخريج حديث أم سلمة الذي استدل به على سنية الوقف على رؤوس الآي
روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وأبو عبيد في فضائل القرآن و الفريابي في فضائل القرآن وابن أبي شيبة (والطحاوي والبيهقي في الكبرى وفي شعب الإيمان وفي معرفة السنن والآثار عن أم سلمة [ أنها سُألت عن قراءة النبي (ص)وصلاته ؟ فقالت ما لكم وصلاته ؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا ]
واللفظ للترمذي قال الترمذي ( حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة -وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي (ص)( كان يقطع قراءته ) وحديث الليث أصح )
وقال في موضع آخر ( غريب وليس إسناده بمتصل لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة وحديث الليث أصح ) اهـ
فهذا الحديث عمدة العلماء الذين قالوا إن الوقف على رؤوس الآي سنة فقد استدلوا بلفظ ( كان يقطع قراءته آية آية ) "
الغريب أنه لا يوجد فى الرواية التى ذكرها عبارة كان يقطع قراءته آية آية والموجود" تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا" ومن ثم فلا دليل على العلم المزعوم فالقراءة تعنى أنه كان ينطق كل حروف الكلمة فلا يخفى شيئا ولا يدعم ولا يعمل غنه ولا شىء مما اخترعه القوم وأضافوه للمصحف وهو برىء منه
العجيب أن المطيرى يقول أن روايات الحديث ضعيفة لا يعمل بها وهو ما نقله من بطون الكتب فقال:
" كما هو في بعض الروايات لكن الاستدلال بهذه الرواية من الحديث اكتنفه أمور منها الاضطراب في ألفاظها اضطرابا لا يبقى معه حجة في هذا اللفظ دون غيره مع كون مخرج الرواية واحدا ؟ فإن الحديث يدور على التابعي الجليل عبد الله ابن أبي مليكة تعالى وقد اختلف الثقات في ألفاظه اختلافا كبيرا يوهّن الاستدلال بهذه الرواية
ومنها الاختلاف على ابن أبي مليكة في سنده ولذا ضعف الإمام الترمذي والإمام الطحاوي هذه الرواية كما سأبينه وأوضحه بجلاء إن شاء الله تعالى
وهنا سؤال مهم هل الوقف على رؤوس الآي سنة بإطلاق حتى وإن اشتد تعلق الآية بما بعدها ؟ وهل صحيح أن المحققين من علماء الوقف والابتداء يقولون بذلك ؟
*سند الحديث والحكم عليه
هذا الحديث يدور على التابعي الجليل عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بحسب ما أشار إليه الترمذي تعالى وبحسب ما اطلعت عليه من طرقه وقد اختلف عليه فيه فرواه الليث بن سعد - وهو من الأئمة الأثبات -
عنه عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة ورواه ابن جريج عنه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي فلم يذكر يعلى بن مَمْلك ووصله بذكر أم سلمة واختلف عليه في إسناده وألفاظه وقد أعل الترمذي رواية ابن جريج برواية الليث بن سعد وقال ( إنها أصح ) كما تقدم ويضاف إلى العلة التي ذكرها الإمام الترمذي علل منها أن ابن جريج مدلس ولم يصرح بالسماع وقد وصفه جماعة بالتدليس وممن وصفه بالتدليس الإمام أحمد تعالى وقال ( إذا قال ابن جريج " قال " فاحذره وإذا قال "سمعت " أو " سألت " جاء بشيء ليس في النفس منه شئ )
ومنها أنه اختلف عليه في إسناد الحديث فرواه في أكثر الروايات كما ذكر الترمذي عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة بإسقاط الواسطة بين ابن أبي مليكة وأم سلمة فلم يذكر يعلى بن مَمْلك ورواه مرة أخرى فزاد فيه ذكر يعلى بن مَمْلك ولفظ هذه الرواية عن ابن أبي مليكة أن يعلى بن مَمْلك أخبره ( أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله (ص)فقالت كان يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح )
ولا يقال إنها رواية أخرى لأن بين الروايتين توافق واضح في الإسناد وفي المتن وليست فيما يظهر اختصارا لبعض الحديث فقط فإن فيها سؤال يعلى -وهو مقل من الرواية جدا - لأم سلمة رضي الله عنها
وأما يعلى بن مَمْلك فهو حجازي يروي عن أم الدرداء وأم سلمة ويروي عنه ابن أبي مليكة وقال فيه النسائي ( ليس بذلك المشهور ) اهـ وذكره ابن حبان في الثقات ولم أجد فيه توثيقا عند غيره وفي ميزان الاعتدال ( ما حدث عنه سوى ابن أبي مليكة ) وفي التقريب (مقبول )
فلم يثبت فيه أكثر من رواية ابن أبي مليكة عنه ففيه جهالة وأحسن مراتبه أن يكون مقبولا إذا توبع ولهذا وصفه بذلك الحافظ ابن حجر في التقريب ورواه ابن جريج مرة عن أبيه عن ابن أبي مليكة ومرة عن ابن أبي مُلَيكة من غير واسطة فهذا الاختلاف على ابن جريج في إسناد الحديث وأما والد ابن جريج وشيخه في هذه الطريق فهو عبد العزيز بن جريج القرشي المكي فيه ضعف فقد قال البخاري فيه ( لا يتابع في حديثه ) وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ( لين الحديث )
وقد اختلفت ألفاظ الحديث وقد مضى بعضها ففي رواية عن ابن جريج أن النبي ( كان يقطع قراءته آية آية ) وفي رواية ( كان يصلي في بيتها فيقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم } { الحمد لله رب العلمين * الرحمن الرحيم * ملك يوم الدين …الخ ) وفي لفظ ( كان يقطع قراءته الحمد لله رب العلمين " ثم يقف " الرحمن الرحيم " ثم يقف ) وفي لفظ ( فقطعها وعدها آية آية وعدها عد الأعراب وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد ( عليهم ) وهذا اللفظ الأخير من رواية عمر بن هارون عن ابن جريج وهي طريق ضعيفة لضعف عمر بن هارون ولذا ضعفها الإمام البيهقي وابن الجوزي والذهبي والزيلعي وابن التركماني وفي بعض روايات الحديث عن ابن جريج ( فوصفت قراءة بطيئة ) وأما في رواية الليث بن سعد ( فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا ) وقد تقدمت فهذه علل أخرى تضاف إلى مخالفته لرواية الليث بن سعد فرواية الليث بن سعد أرجح كما قال الترمذي للاختلاف على ابن جريج ولأن الليث إمام ثقة ولم يختلف عليه وقد زاد رجلا في الإسناد وهو يعلى بن مَمْلك وذلك دال على أن ابن أبي مليكة لم يسمع الحديث من أم سلمة وتجويز صاحب تحفة الأحوذي لكون ابن أبي مليكة سمعه أولا من يعلى ثم سمعه من أم سلمة بلا واسطة ضعيف في هذا الموطن لا يلتفت إليه أرباب العلل والاختلاف على ابن جريج في لفظه كبير فهذا اضطراب تضعف به رواية ابن جريج و المقصود أن في بعض طرق الحديث ما يدل على أن ابن جريج قد دلسه ولم يسمعه من شيخه ابن أبي مليكة كما أن فيها مخالفة في كثير من الألفاظ
*طريق أخرى للحديث
روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة في المصنف والداني بسند صحيح من طريق نافع بن عمر الجمحي وهو ثقة عن ابن أبي مليكة عن بعض أزواج النبي (ص) ( أنها سئلت عن قراءة النبي (ص)فقالت إنكم لا تستطيعونها قال قيل لها أخبرينا بها قال فقرأت قراءة ترسلت فيها قال نافع وحكى لنا ابن أبي مليكة الحمد لله ثم قطع الرحمن الرحيم ثم قطع مالك يوم الدين ) اهـ ووقفه هنا على ( الحمد لله ) هكذا هو في بعض الروايات عن نافع ؟ وليس الموقوف عليه رأس آية فإذا صح -وهو صحيح – فهو يعارض الرواية التي استدل بها على أن الوقف على رؤوس الآي سنة وهذه الرواية تدل على أن تلك الرواية - المختلف في ألفاظها - قد رويت بالمعنى
وفي لفظ قالت ( الحمد لله رب العالمين تعني ( الترسيل ) ) والترسُّل والترسيل في القراءة معناه التحقيق بلا عجلة يقال ترسَّل في قراءته إذا اتَّأد فيها وتمهل
و في رواية عن نافع قال ( أظنها حفصة) وفي رواية عن ابن أبي مليكة ( لا أعلمها إلا حفصة ) والجهالة بالصحابي لا تضر لكن رواية الليث بزيادة يعلى بن مَمْلك تدل على أن ابن أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة والليث لم يشك أن الحديث عن أم سلمة فهذا يدل على أنه حفظ وقد يكون الاختلاف من ابن أبي مليكة
وقد وجدت لرواية الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك متابعا لكنه ضعيف لا ينهض فقد روى الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار ( ت 569 هـ ) من طريق عمر بن قيس الملقب بسَنْدَل المكي عن ابن أبي مُليكة عن يعلى بن مَمْلك قال كتبتُ إلى أم المؤمنين عائشة فقلت كيف كان رسول الله (ص) يقرأ ؟ قالت ( كذا " بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين " يبينه اسما اسما وحرفا حرفا حتى يفرغ ) لكن سنده ضعيف بل متروك تركه النسائي وغيره وقال ابن عدي ( عامة ما يرويه لا يتابع عليه ) وقال أيضا ( ضعيف بالإجماع ) ( وأما رواية أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث للحديث عن الليث عن ابن لهيعة عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة عند الطبراني (32 / 292 ) فزيادته لابن لهيعة بين الليث وبين ابن أبي مليكة لا تعلل رواية الأئمة الحفاظ عن الليث عن ابن أبي ملكة بلا واسطة وممن رواه عبد الله بن المبارك وصرح فيه بتحديث ابن أبي مليكة للإمام الليث بن سعد وقتيبة عند الترمذي والنسائي و يزيد بن خالد بن موهب عند أبي داود كلهم أثبات ثقات وقد خالفوا عبد الله بن صالح كاتب الليث فهي من أوهامه فإن فيه ضعفا
*تنبيه
قد وهم الحافظ ابن حجر تعالى هنا على الترمذي فحكى عنه خلاف ما في السنن حين أراد الردَّ على الطحاوي وذلك أنه قال ( وأَعل الطحاوي الخبر بالانقطاع فقال لم يسمعه ابن أبي مليكة من أم سلمة واستدل على ذلك برواية الليث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة أنه سألها عن قراءة رسول الله فنعتت له قراءة مفسرة حرفا حرفا وهذا الذي أعله به ليس بعلة فقد رواه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة عن أم سلمة بلا واسطة وصححه ورجحه على الإسناد الذي فيه يعلى بن مَمْلك ) بحروفه
فهذا الذي حكاه عن الإمام الترمذي خلاف ما في سننه وإنما رجح الترمذي رواية الليث التي فيها يعلى بن مَمْلك في موضعين من سننه كما تقدم وهو الذي نقله عنه غير واحد من العلماء وكذلك هو في تحفة الأشراف للمزي نقلا عن الترمذي وأما الطحاوي فقد أشار إلى تعليل الحديث برواية الليث بن سعد لأنه زاد فيه رجلا بين ابن أبي مليكة وبين أم سلمة كما صنع الترمذي فاتفق مع الترمذي ولم يختلف معه
خلاصة القول - الذي يظهر لي - في هذا الحديث أنه حسن وأحسن طرقه طريق الليث وليست صحيحة لأن يعلى بن مَمْلك مستور ولم يحدث عنه إلا ابن أبي مليكة وقد تفرد بالحديث وطريق ابن جريج ضعيفة لاضطراب ابن جريج فيها ولتدليسه ومخالفته للإمام اللّيث بن سعد والإشكال في جميع الروايات الاختلاف في ألفاظ الحديث وهذا ما جعل الإمام الطحاوي يضعف الرواية بذلك فإنه قال ( قد اختلف الذين رووه في لفظه )
فإن قيل قد صحح الإمام الدارقطني طريق ابن جريج وقال (كلهم ثقات ) وصححها أيضا الإمام الذهبي في مختصر الجهر بالبسملة ؛ وصححها النووي فالجواب من صححها لم يذكر عند التصحيح الطريق الأخرى للرواية فصححها بظاهر سندها ولكن من أعلها كالترمذي ذكر الطريقين وبين وجه الترجيح بينهما ولذا ليس في كلام كل من الدارقطني والذهبي والنووي إشارة إلى طريق الليث ومخالفته لابن جريج ولولا ذلك ما نزل الحديث عن رتبة الصحيح فتبين بهذا أن هذه الطريق المشتملة على اللفظ الذي استدل به معلولة بطريق الليث كما ذكر الترمذي كما تقدم فالحديث حسن من طريق الليث وضعيف من طريق ابن جريج و طريق نافع الجمحي أحسن من طريق ابن جريج لكن خالفه الليث وهو إمام فزاد في الإسناد رجلا ولم يشك أنه عن أم سلمة وقال ابن الجزري ( هو حديث حسن وسنده صحيح ) فلم يقل هو حديث صحيح مع احتفاله بمسألة الوقف على رؤوس الآي "
والملاحظ على ما ذكره المطيرى وجود تناقضات عدة فى الروايات:
التناقض الأول أم المؤمنين التى روى عنها فمرة حفصة كما فى قولهم:
" لا أعلمها إلا حفصة"
ومرة أم سلمة فى رواية:
" أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله"
ومرة عائشة فى قولهم "كتبتُ إلى أم المؤمنين عائشة "
وهذا معناه أن الراوى لا يعرف عمن روى
التناقض الثانى
أنه هناك رواية لم تذكر أى شىء عن طريقة القراءة وهى :
"أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله (ص)فقالت كان يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح"
والرواية نفسها هى التى ذكرت تفسير القراءة وهى:
"ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا"
فهنا زادت شيئا
التناقض الثالث التقطيع فمرة تعلق بالحروف فى رواية فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا" ومرة معارضة آية آية فى رواية" كان يقطع قراءته آية آية "ومرة مخالفة أخرى حرف حرف واسم اسم وهى "ثم قطع مالك يوم الدين يبينه اسما اسما وحرفا حرفا "
التناقض الرابع
أن عد الحمد لله دون رب العالمين آية فى رواية "الحمد لله ثم قطع الرحمن الرحيم ثم قطع مالك يوم الدين"
ومرة عدها الحمد لله رب العالمين كما فى رواية:
"كان يقطع قراءته الحمد لله رب العلمين " ثم يقف " الرحمن الرحيم " ثم يقف فقطعها "
العجيب بعد كل هذا الكلام عن ضعف الروايات والخلل فى رجالها من جوانب متعدد أن يقول المطيرى فى الفقرة السابقة:
"خلاصة القول - الذي يظهر لي - في هذا الحديث أنه حسن"
ومع هذا قال أن الطريق الصحيحة فى الروايات ليست صحيحة فقال خلف العبارو السابقة:
" وأحسن طرقه طريق الليث وليست صحيحة لأن يعلى بن مَمْلك مستور ولم يحدث عنه إلا ابن أبي مليكة وقد تفرد بالحديث وطريق ابن جريج ضعيفة لاضطراب ابن جريج فيها ولتدليسه ومخالفته للإمام اللّيث بن سعد والإشكال في جميع الروايات الاختلاف في ألفاظ الحديث وهذا ما جعل الإمام الطحاوي يضعف الرواية بذلك فإنه قال ( قد اختلف الذين رووه في لفظه ) "
المطيرى أى يقنعنا أن جمع مريض ومريض ومريض هو أصحاء وليس مرضى
إذا ثبت أنه لا أساس لعلم الوقف والابتداء فالحديث الذى يعتمدون عليه مريض بمرض ميئوس منه
وتحدث الرجل عن معنى الحديث ولا أدرى عن أى حديث يتحدث وهناك أكثر من خمس روايات متناقضة فقال :
"معنى الحديث
جعل علماء الوقف وغيرهم هذا الحديث أصلا في باب الوقف على رؤوس الآي وفيه ما قد ذكرت من العلل والاختلاف في ألفاظه ولكن الحديث بمجموع ألفاظه وطرقه إنما يدل على التأني والترسل والتمهل في قراءة النبي (ص)وذلك مستفاد أيضا من وصف أنس لقراءة النبي (ص)حين سئل عن قراءة النبي (ص) فقال ( كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم ) وقد أمر الله تعالى نبيه أن يرتل القرآن فقال ( ورتل القرآن ترتيلا ) قيل في معناها بينه تبيينا وترسل فيه ترسلا وذلك أدعى لفهم القارئ ولفهم المستمعين وهو المقصد الأعظم من إنزال القرآن فما أنزل الله كتابه على عباده إلا ليتدبروه ويتفهموا مراد الله تعالى ولذا كان النبي (ص)يقرأه كما وصف أنس وكما أخبرت أم سلمة ( قراءة مفسرة حرفا حرفا ) وفي الرواية الأخرة ذكر الراوي الترسّل فكان (ص)يقرأه كما أمره ربه تعالى ( وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) قال مجاهد وغيره على تؤدة
وهذا ما جعل أكثر السلف يفضلون القراءة المتأنية المترسلة فثبت أن مجاهدا تعالى سئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة قيامهما واحد وركوعهما وسجودهما واحد وجلوسهما واحد أيهما أفضل ؟ قال الذي قرأ البقرة ثم قرأ ( وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) رواه ابن المبارك في الزهد و أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي شيبة وغيرهم وثبت أن أبا جمرة الضبعي قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث قال ( لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول ) رواه أبو عبيد وغيره و في الأخبار الثابتة أن عمر رضي الله عنه قرأ في صلاة الفجر بسورة يوسف والحج قراءة بطيئة رواه مالك وغيره وكان بعض الصالحين من السلف معروفا ببطء القراءة ومن هؤلاء الفضيل بن عياض تعالى فقد كان يقرأ ( قراءة حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا ) فهذه الآثار وغيرها تبين معنى الحديث وتدل على استحباب الترتيل
قال الإمام محمد بن الحسين الاجري ( والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلي من كثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه فظاهر القرآن يدل على ذلك والسنة وأقوال أئمة المسلمين ) اهـ
والكلام في الترتيل والحدر وبيان ما قاله العلماء في هذه المسألة ليس هذا موضعه وإنما المقصود بيان على أن الأحاديث والآثار دلت على فضل الترتيل وأنه أفضل من الإسراع في القراءة وهو مذهب معظم السلف والخلف
فألفاظ الأحاديث يبين بعضها بعضا وبخاصة مع تجوز الرواة في رواية الأحاديث بالمعنى فمتى ما جُمعت طرق الأحاديث تبين بالنظر فيها علل الأحاديث واتضحت معانيها
ولذا حظ أئمة الحفاظ على جمع طرق الأحاديث كما هو معلوم وألفاظ الحديث المتقدم تدل على التمهل والتأني في القراءة وتبيين الحروف وذلك يستنبط منه مراعاة الوقف على رؤوس الآي فإن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن وأكثر ما يوجد التام عندهن قال ابن النحاس ( من التبيين تفصيل الحروف والوقف على ما تم معناه منها ) فليس في الحديث نص على تعمد النبي (ص)الوقف على رؤوس الآي في كل حين كما يدعيه بعض القراء المتأخرين فضلا عن الاستدلال به على أن النبي (ص)كان يقف على رؤوس الآي حتى وإن اشتد تعلقها بما بعدها وهو ما نستثنيه بلا شك
فمعنى الروايات دل على التمهل والترسل في القراءة وإن أمكن أن يستنبط من ذلك مراعاة الوقوف عند تمام المعاني فلا بأس كما فعله بعض العلماء كابن النحاس والسخاوي وأما القول بأن النبي (ص)كان يواظب على ذلك فلا يساعده النقل و لا يؤيده المعنى وهذه الروايات قد ذكرتها وليس فيها إلا ما ذكرت
وقد قيل في الجواب عن الحديث بأنه جاء لتعليم الفواصل ولبيان لجواز لا للتعبد فلا يكون الوقف عليها سنة إذ لا يسن إلا ما فعله (ص)تعبدا وقد أطال الشيخ الضباع في ترجيح القول بسنية الوقف مطلقا ومرجع كلامه وكلام غيره من المتأخرين دائر حول تعميم بعض ألفاظ الحديث الوارد ظنا منهم أن الوقف على رؤوس الآي ثابت أنه سنة لا يختلف في ثبوتها وأن ألفاظ الحديث لم يضطرب فيها الرواة
لكن الراجح ما ذكرته وكثير من القراء المتأخرين مقلدين في تخريج الحديث فضلا عن الحكم عليه والنظر في كلام الأئمة النقاد فيه حتى أن بعضهم عزا تخريج حديث أم سلمة المتقدم إلى الصحيحين
*والأوصاف الثابتة لقراءة النبي (ص) ثلاثة المد والتحقيق بغير ترجيع
والترديد والترجيع وهو قليل
والقراءة حرفا حرفا وآية آية بترسل وترتيل وتقطيع وأحسن من رأيته تكلم بالأسانيد على الأوصاف الواردة في قراءة النبي (ص)هو الإمام الحافظ المقرئ أبو العلاء الهمذاني الحنبلي وقد قال ( هذه الأوصاف الثلاثة التي ذكرناها صحيحة ثابتة عن النبي (ص)وقد ورد عنه من وجه فيه نظر وصف رابع )
والوصف الرابع الذي ذكره هو ( الزمزمة ) "
وكل هذا الكلام لا قيمة له وحتى الأحاديث الأخرى التى ذكرها ليس فيها لفظ واحد يشير إلى الوقف على اية أو على على غير ذلك فكلها تتحدث عن الترتيل وهو القراءة دون بيان طبيعتها ومع هذا الكلام أثبت المطيرى أى الحديث الذى قال عنه أنه حسن ليس دليلا لاضطراب رواته وهو قوله فى الفقرة السابقة :
"ظنا منهم أن الوقف على رؤوس الآي ثابت أنه سنة لا يختلف في ثبوتها وأن ألفاظ الحديث لم يضطرب فيها الرواة"
وتحدث فى المبحث عن حكم الوقف على رءوس الآيات فقال :
"المبحث الثاني
حكم الوقف على رؤوس الآي عند علماء الوقف وغيرهم
جعل الإمام البيهقي والداني وأبو العلاء الهمذاني وابن القيم وابن الجزري ذلك سنة عن النبي (ص)وقال الإمام البيهقي ( ومتابعة السنة أولى مما ذهب إليه بعض أهل العلم بالقرآن من تتبُّع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها ) وكان أبو عمرو بن العلاء من الأئمة وأحد القراء السبعة يسكت عند رأس كل آية ويقول ( إنه أحب إلي إذا كان رأس آية أن يسكت عندها )
وقال السخاوي ( معنى قوله مفسرة حرفا حرفا ما سبق في الحديث الأول من الوقف على رأس الآية ) اهـ وقال ابن النحاس ( ومعنى هذا الوقف على رؤوس الآي )
وعن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي ( كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها )
وفي رواية ( إذا قرأ أحدكم الآية فلا يقطعها حتى يتمها )
وقد قوى ذلك عند العلماء أن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن وأكثر ما يوجد التام فيهن حتى كان جماعة من العلماء يستحبون القطع عليهن وإن تعلق كلام بعضهن ببعض وهذا عندهم ما لم يشتد التعلق فيتغير بالوقف المعنى ؛ وبناء على هذا حكى ابن النحاس عن بعض النحاة تفضيل الوقف على ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) وإن تعلقت بما بعدها لأنها رأس آية لكن هذا الوقف على ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) لم يشتد فيه تعلق الآية بما بعدها ولم يتغير المعنى أو يقبح بالوقف فهو إما وقف تام عند بعض علماء الوقف على تقدير جعل ما بعدها وهو ( الذين ) في موضع رفع على الابتداء أو خبرا لمبتدأ محذوف تقديره ( هم الذين ) أو في موضع نصب بمحذوف تقديره أعني فلا تعلق له من جهة الإعراب بـ ( المتقين ) وإما أنه وقف حسن إذا كان نعتا ( للمتقين ) وهو أولى
ويقاس على هذا غيره مما يطول جدا الكلام عليه من رؤوس الآي التي يحسن الوقف عليها
ثم إنه ليس في الحديث - فيما ظهر – دلالة على مداومة النبي على ذلك بل هناك ما يدل على خلاف ذلك وهو أن النبي (ص)لو كان من شأنه المداومة على ذلك ولو غالبا فإنه لابد أن ينقل إلينا ذلك من غير طريق ابن أبي مليكة فلما لم نجد ذلك عن النبي (ص)مسندا من غير طريق ابن أبي مليكة علمنا أنه لم يكن من شأنه (ص)مراعاة ذلك على الدوام قال الإمام الجعبري ( وهم فيه من سماه وقف السنة لأن فعله (ص)إن كان تعبدا فهو مشروع لنا وإن كان لغيره فلا )
كأنه يعني إن كان وقفه (ص)عليها لأن المعنى يتم عندهن في الغالب أو لمعنى آخر كبيان رأس الآية فلا دليل على كون الوقف على رؤوس الآيات سنة
و المقصود أن أكثر القراء صاروا إلى مراعاة المعنى وإن لم يكن رأس آية كما نقله عنهم الزركشي تعالى فإنه قال ( واعلم أن أكثر القراء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس
آية )
وإليه يشير قول السخاوي ( وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملا بالحديث)
وفي كلام الداني تعالى إشارة إلى ذلك لأنه حكى الوقف على رؤوس الآي عن جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين وكل هذا يدل على أن أكثرهم لم يره وهو الذي يدل عليه تصرف علماء الوقف في كتب الوقف والابتداء فإنهم يجعلون رؤوس الآي وغيرها في حكم واحد من جهة تعلق ما بعدها بما قبله وعدم تعلقه ولذا كتبوا ( لا ) فوق الفواصل كما كتبوه فوق غيرها
ومع أن أكثر القراء إنما يراعون المعاني فهم يقفون لمراعاتهم المعاني على رؤوس الآي غالبا ؟ لأنهن في الغالب مقاطع ينتهي إليهن المعنى كما تقدم
ولابد من تقييد القول بأن الوقف على رؤوس الآي سنة بما لا يفسد المعنى ولا يحيله عن وجهه لأنا نعلم أن ذلك مستثنى ضرورة من هذا الإطلاق فإن من الفواصل ما لا يصح الوقوف عليه لفساد المعنى بذلك وذلك خلاف ما أمر الله به من تدبر القرآن قال السخاوي ( إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين )َ لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله ( والضحى ) كالوقف على ما جاء في الحديث ) قلت لأن ( وَالضُّحَى ) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ وأمثال ( والضحى ) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى (وَالطُّورِ) و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)
ولذا فقد جعل علماء الوقف والابتداء الوقف على المواضع التي يشتد تعلقها بما بعدها قبيحا مع كونها رؤوس آي كقوله تعالى ( فويل للمصلين )
و كقوله تعالى ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ) فلو وقف القارئ هنا لكان الكلام لا معنى له لأن الجواب لم يتم فإن اللام بعدها في قوله تعالى ( لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) متعلقة بما قبلها
فقد ذكر كثير من علماء الوقف هذه الآيات ونبهوا على رأس الآية ومنعوا من الوقف عليها مع كونها رؤوس آي وممن ذكر ذلك الإمام الداني والعماني و ابن الجزري والأشموني وزكريا الأنصاري وغيرهم قال في المقصد لتلخيص ما في المرشد ( ويسن للقارئ أن يتعلم الوقوف وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان منها شديد التعلق بما بعده كقوله تعالى ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) وقوله ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
فمتى اشتد تعلق الآية بما بعدها لم يصح تعمد الوقف عليها حتى وإن كانت رأس آية
وعلى هذا العمل عند محققي علماء الوقف كما تقدم وأما استدلال من قال بسنية الوقف مطلقا بأقوال العلماء القائلين بأن ذلك سنة فقد تبين مما ذكرته عن كثير ممن اعتمدوا عليه في ذلك كالداني وابن الجزري أن هذا الإطلاق مقيد وهذا التعميم مخصوص و قد ظهر أن عملهم على تخصيص هذا العموم لأنهم عدوا الوقف على مثل ذلك من الآيات قبيحا
تنبيه قطع القراءة بكلام أو عمل أو بترك القراءة لا أعلم أحدا من القراء يجيزه على ما يشتد تعلقه من رؤوس الآي بما بعده و إنما الذي فيه اختلاف من بعض القراء هو الوقف بنية استئناف القراءة وقد بينت الفرق بين هذه العبارات أول هذه الرسالة
تنبيه السكت على رؤوس الآي بقصد البيان مذهب لبعض القراء وبينه وبين الوقف فرق كما قدمت و قد حمل بعضهم الحديث الوارد في الوقف على ذلك كما سبق
فليقف القارئ - إن شاء - على رؤوس الآي إن لم يشتد تعلقها بما بعدها فهذا هو القول الوسط الذي يرجحه النقل والعقل فإن اشتد تعلقها بما بعدها فيصل القارئ ويقف عند رأس آية أخرى لا يشتد تعلقها بما بعدها مراعيا تدبر القرآن والوقوف مع ما تقتضيه المعاني فأما إن كان رأس الآية من المختلف فيه عند علماء عد الآي خلافا ثابتا مشهورا فيقف القارئ على أقرب الوقفين لتمام المعنى وليس معنى ذلك أن القول الآخر في رأس الآية ليس بثابت لكنَّ هذا نادر وعامة التالين لا يدرون بالمختلف فيه من رؤوس الآي
والقارئ المتقن يراعي حسن الوقوف واكتمال المعاني كما يراعي جودة الحروف وإتقان صفاتها وقد شبهوا القارئ بالمسافر و المقاطع التي يقف عندها بالمنازل التي ينزلها المسافر وهي مختلفة بالتام والكافي والحسن وغيرها كاختلاف المنازل في الخصب والسعة "
وكل هذا الكلام عن الوقف على رءوس الآيات هو من ضمن الخبل الذى عرفه بعضهم حيث نقل عن بعضهم اعتراضه على الوقف على رءوس الآيات لأنه يخل بالمعنى تماما وذكر أمثله فقال :
" قال السخاوي ( إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين )َ لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله ( والضحى ) كالوقف على ما جاء في الحديث ) قلت لأن ( وَالضُّحَى ) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ وأمثال ( والضحى ) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى (وَالطُّورِ) و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)"
وأما الذى لم يذكره فهو أن الآيات الكبرى الطويلة كآية المداينة لا يمكن قراءتها وهو حوالى صفحة مرة واحدة وإنما يجب تقطيعها على عدة مرات رحمة بالقارىء

الأربعاء، 27 يوليو 2022

نقد كتاب مفهوم البدو الأعراب من السنة والكتاب

نقد كتاب مفهوم البدو الأعراب من السنة والكتاب
المؤلف هو عبد الله بن سالم القويعي وهو يدور حول معنى كلمة الأعراب فى القرآن والروايات وقد استهل بحثه بنقل بعض ما جاء فى كتب المعاجم فقال :
"التمهيد وقفات مع كلمة الأعراب
الأعراب مفردها أعرابي
قال ابن سيده، وابن منظور الأعرابي البدوي وهم الأعراب والأعاريب جمع الأعراب، وقيل ليس الأعراب جمعا لعرب, ورجل أعرابي إذا كان بدويا صاحب نعجة وانتواء، وارتياد للكلاء وتتبع لمساقط الغيث
وسواء كان من العرب أو من موليهم فمن نزل البادية أو جاور الباديين وظعن بظعنهم , وانتواء بانتوائهم فهم أعراب
وقال الرازي الأعراب منهم سكان البادية خاصة
وقد نقل ابن العربي تعريف ابن قتيبة للأعراب، فقال الأعراب لزيم البادية
وعرفه ابن عثيمين بأن الأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تماما, والأعراب هو الاسم الذي كان يطلق على أهل البادية من العرب
وقال أبو السعادات الجزري"جعل المُهاجِرَ ضِدَّ الأعرابيّ والأعراب ساكنُو البادية من العَرَب الذين لا يُقِيمُون في الأمصارِ ولا يَدْخُلُونَها إلا لحاجةٍ والعَرَب ُاسمٌ لهذا الجِيل المَعْرُوف من الناس ولا واحدَ له من لَفْظِه وسَواءٌ أقام بالبَادِية أو المُدُن والنَّسب إليهم أعرابيٌّ وعربيّ"
قلت الأعراب من تحصن وتترس وأقام على فضل ماء ومنجع سهل كان أو جبل اجتمع على عصبية دنيوية كانت أو قبلية
أما البدوي فهو صاحب الوبر وبيت الشعر يتتبع الماء ومنابت الشجر, غالباً خليط من القبائل لا تحكمهم عادات وتقاليد اللهم ما كان عاما من أحكام الحفاظ على المال والنفس والعرض، قال تعالى{وجاء بكم من البدو}، أي من البادية قال الزمخشري"أصحاب مواش يتنقلون في المياه والمناجع"
وهنا يتضح الفرق بين الأعرابي والبدوي فكل أعرابي بدوي وليس كل بدوي أعرابي كما هو ظاهر الآثار
وفي حديث جبريل عن الإسلام " وأن ترى العراة الحفاة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان "
قال أبو سليمان الخطابي" يريد العرب الذين هم أرباب الإبل ورعاتها "
وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)
ومصطلح العرب والأعراب قديم جدا ولا عبرة بما ورد في التوراة والتلمود في أن كلمة عرب تعني الأعراب والبدو فأصبحت كلمة عرب مرادفة لكلمة إسماعيلي نسبة لنبينا أبو العرب إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فهو أول من نطق بالعربية الحجازية التي نزل بها القرآن الكريم فهذه عداوة الإقصاء والتهكم والسخرية من بني يهود فحضارة العرب قديمة بقدم الأنبياء والرسل ولغتهم لغة أبيهم آدم في الجنة فبين كلمة عرب وأعراب بون شاسع وفرق واضح لكن هي العنصرية الشعوبية المنتنة التي ابتلى بها أكثر الشعوب حتى قالت يهود نحن أبناء الله وأحباؤه"
وبالقطع الأعراب ذكرت فى القرآن فقال :
"وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق"
فالأعراب حسب الآية هم من حول البلدة فهم لا يسكنون القرى وحسب الآية التالية:
"وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله"
إذا الأعراب هم من حول القرية أى المدينة يعيشون فى جماعات صغيرة
وأما البدو فهم أنفسهم الأعراب كما قال تعالى :
"يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبائكم"
فالبدوى هو المقيم مع الأعراب وهم البدو وهم من خارج البلدة يعيشون متفرقين
وقد قام القويعى بتفسير قوله الأعراب أشد كفرا ونفاقا فقال :
"الفصل الأول أوصاف الأعراب في قوله تعالى{الأعراب أشد كفرا ونفاقا}
المبحث الأول تفسير تحليلي لقول الله تعالى{الأعراب أشد كفرا ونفاقا}
قال الله تعالى{الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم}
قال الطبري"الأعراب أشد جحودا لتوحيد الله، وأشد نفاقا من أهل الحضر في القرى والأمصار وإنما وصفهم - جل ثناؤه - بذلك لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير فهم لذلك أقسى قلوباً، وأقل علماً بحقوق الله
وقوله{وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}، يقول وأخلق أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، وذلك فيما قال قتادة
وقوله{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، يقول{وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بمن يعلم حدود ما أنزل على رسوله والمنافق من خلقه والكافر منهم، لا يخفى عليه منهم أحد، {حَكِيمٌ} في تدبيره إياهم، وفي حلمه عن عقابهم، مع علمه بسرائرهم، وخداعهم أولياءه"
وفسرها النسفي بقوله" {الأعْرَاب} أهل البدو، {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} من أهل الحضر، لجفائهم, وقسوتهم, وبعدهم عن العلم والعلماء، {وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا} وأحق بألا يعملوا {حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} يعنى حدود الدين, وما أنزل الله من الشرائع والأحكام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم(إن الجفاء والقسوة في الفدادين)، يعنى الأكرة, لأنهم يفدون, أي يصيحون في حروثهم والفديد الصياح، {وَاللَّهُ} سميع {عليم} بأحوالهم، {حَكِيمٌ} في إمهالهم" وقال ابن كثير"أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد، {وَأَجْدَرُ}، أي أحرى، {أَلا يَعْلَمُوا} حدود ما أنزل الله على رسوله، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أيعليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم، {حَكِيمٌ} فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان، والكفر والنفاق، لا يسأل عما يفعل، لعلمه وحكمته "
قال الليث بن سعيد ليس على أهل العمود أصحاب المظال والخصوص زكاة الفطر وهذا مما انفرد به من بين الفقهاء إذ الإجماع منعقد على أن الأعراب وأهل البادية في زكاة الفطر كأهل الحضر سواء بيد أنه روى مثل قوله عن عطاء والزهري وربيعة وهذا التقسيم يدل دلالة واضحة على الفرق بين الأعراب والبدو والحضر وأن لك منهم بعض الأحكام التي يختص بها
قال أبو عمر هؤلاء في الصيام كسائر المسلمين فكذلك يجب أن يكونوا في زكاة الفطر كسائر المسلمين"
وتحدث عن سبب ذم الله لهم فقال :
"المبحث الثاني العلة التي استحقوا بها الذم
على ضوء هذه الآية فإن السبب الذي ذم به الأعراب، يقول تعالى{الأعْرَاب}، وهم سكان البادية والبراري {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا}، من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
1ـ أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام، فهم أحرى {وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} من أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي، بخلاف الحاضرة، فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله (ص)، فيحدث لهم -بسبب هذا العلم- تصورا من لطافة الطبع والانقياد وكل ذلك سببه مجالستهم لأهل الإيمان، فلذلك كانوا أحرى خيراً من أهل البادية، وإن كان في البادية والحاضرة كفار ومنافقون، ففي البادية أشد، فمن سكن البادية جفا كما قاله
النبي (ص) وعن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة (أن رجلا أهدى إلى رسول الله (ص) لقحة فأثابه منها بست بكرات فتسخطها الرجل فقال رسول الله (ص)من يعذرني من فلان أهدى إلي لقحة فكأني أنظر إليها في وجه بعض أهله فأثبته منه بست بكرات فتسخطها لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا أن تكون من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي)
2ـ لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال الله تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}
3ـ وأما قلة علمهم فذالك لقلة مجالستهم لأهل الإيمان؛ وبعدهم عن مشاهدة التنزيل، فعن الأعمش، عن إبراهيم قال(جلس أعرابي إلى زيد بن صَوْحان وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَنْد، فقال والله إنّ حديثك ليعجبني، وإن يدك لَتُرِيبُني! فقال زيد وما يُريبك من يدي؟ إنها الشمال! فقال الأعرابي والله ما أدري، اليمينَ يقطعون أم الشمالَ؟ فقال زيد بن صوحان صدق الله(الأعرابُ أشدُّ كفرًا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزلَ الله على رسوله) وفي الحديث الذي روته عائشة قدم ناس من الأعراب على رسول الله (ص) فقالوا أتقبلون صبيانكم؟ قالوا نعم قالوا ولكنا والله ما نقبل فقال رسول الله (ص)" وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة؟ "
وقال الرازي"إن الله حكم على الأعراب بحكمين:
الحكم الأول الأول أن أهل البدو يشبهون الوحوش والثاني استيلاء الهواء الحار اليابس عليهم، وذلك يوجب مزيد التيه والتكبر والنخوة والفخر والطيش عليهم، والثالث أنهم ما كانوا تحت سياسة سائس، ولا تأديب مؤدب، ولا ضبط ضابط فنشؤا كما شاؤوا، ومن كان كذلك خرج على أشد الجهات فساداً والرابع أن من أصبح وأمسى مشاهداً لوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبياناته الشافية، وتأديباته الكاملة، كيف يكون مساويا لمن لم يؤثر هذا الخير، ولم يسمع خبره والخامس قابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية لتعرف الفرق بين أهل الحضر والبادية
الحكم الثاني قوله{وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}، وقوله{أجدر} أي أولى وأحق، وفي الآية حذف، والتقدير وأجدر بأن لا يعلموا وقيل في تفسير حدود ما أنزل الله مقادير التكاليف والأحكام وقيل مراتب أدلة العدل والتوحيد والنبوة والمعاد {والله عليم} بما في قلوب خلقه {حكيم}، فيما فرض من فرائضه " "
وهذا التفسير خاطىء فالسبب هوز كفرهم ونفاقهم وأما أجدر ألا يعلموا فليست سببا وإنما هو أمر للنبى(ص) والمسلمين بعدم اجهاد أنفسهم فى تعليمهم بقية أحكام الإسلام
وتحدث عن صفات الأعراب فقال:
"الفصل الثاني صفات الأعراب في قوله تعالى:
{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}
المبحث الأول تفسير تحليلي لآية{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}
قال النسفي" {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق}، في الجهاد والصدقات {قربات} أسباباً للقربة، {عند الله}، وهو مفعول ثان ليتخذ {وصلوات الرسول}، أي دعاءه لأنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم كقوله اللهم صل على آل أبى أوفى، {ألا إنها} أي النفقة، أو صلوات الرسول، {قربة لهم} قربة نافع وهذا شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفي التنبيه، والتحقيق المؤذين بثبات الأمر وتمكنه، وكذلك سيدخلهم الله في رحمته أي جنته وما فى السين من تحقيق الوعد وما دل هذا الكلام على رضا الله عن المتصدقين وأن لصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها إن الله غفور يستر عيب المخل رحيم يقبل جهد المقل
اعلم أنه تعالى لما بين أنه حصل في الأعراب من يتخذ إنفاقه في سبيل الله مغرماً، بين أيضا أن فيهم قوما مؤمنين صالحين مجاهدين يتخذ إنفاقه في سبيل الله مغنما"
وقال ابن كثير "وقوله{وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ}، هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم، {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} أي ألا إن ذلك حاصل لهم، {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} "
قال ابن عباس{صلوات الرسول}، هي استغفاره لهم وقال قتادة أدعيته بالخير والبركة سماها صلوات جريا على الحقيقة اللغوية، أو لأن الدعاء فيها
وحين جاء ابن أبي أوفى بصدقته قال(آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهوراً)، والضمير في أنها قيل عائد على الصلوات وقيل عائد على النفقات وتحرير هذا القول أنه عائد على ما على معناها، والمعنى قربة لهم عند الله وهذه شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق رجائه على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه، وهو ألا وحرف التوكيد وهو أن
قال الزمخشري وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدل هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين، وأن الصدقة منه تعالى بمكان إذا خلصت النية من صاحبها "
قلت هذا دليل على ترغيب الأعراب بالنفقة وخاصة وقت الشدة، فالأعرابي بطبعه البيئي يتحمل الجوائح أكثر من الحضري ومهما وصل الإنسان الحضري لخط الجوع فالأعرابي أحسن حالا وأيسر مؤنةً فكان الامتثال لله ورسوله قربة "
وتحدث الباحث عن كون ذم الأعراب متعلق بصفتهم أم بجنسهم فقال :
"المبحث الثاني هل الذم متعلق بالصفة أم بجنس الأعراب؟
وقوفاً عند الآية السابقة فإن الله تعالى قدم الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ولكن لا يستدل بهذه الآية على كل أعرابي، حيث إنه تعالى قال{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم}
ومما يلحظ بعد تفسير هذه الآية أن عطف الله تعالى هذه على ما قبلها هو بيان أن الذم تعلق بصفات الأعراب لا بجنسهم
قال الرازي"اعلم أنه تعالى لما بين أنه حصل في الأعراب من يتخذ إنفاقه في سبيل الله مغرماً، بين أيضاً أن فيهم قوما مؤمنين صالحين مجاهدين يتخذ إنفاقه في سبيل الله مغنما"
قال ابن سعدي"وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة، منهم الممدوح ومنهم المذموم، فلم يذمهم اللّه على مجرد تعربهم وباديتهم، إنما ذمهم على ترك أوامر اللّه"
قلت كلام العلامة ابن سعدي ليس على إطلاقه فتعربهم وباديتهم في الغالب سبب لتركهم أوامر الله وبعدهم عنها ولذا كانوا أغلظ طباعاً وأشد جفاء، لحديث من سكن البادية جفا، فعن وهب بن منبه عن ابن عباس، عن النبي (ص) قال(من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن) فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً"
وهذه الرواية باطلة لأنها اتهام لكل البدو بالكفر وهو ما يكذب كونه بعضهم كما ذكر الله مؤمنون
وقد ذكر بعض مميزات الأعراب فقال :
"المبحث الثالث ذكر بعض الصفات التي تميز بها الأعراب عن غيرهم:
تميز الأعراب ببعض الصفات التي وهبها الله لهم ووصفهم بها رسوله , ولاشك أنها من الفخر عندهم بمكان فهو وصف من الله ورسوله (ص)
وهذا يعني عدم التعالي ولا افتخار على غيرهم فذكر محاسن القوم هو من باب الاحتراز فقط، أما استغلال ذلك والانغماس في عادات الجاهلية فهذا الأمر لا يتحدث عنه إلا من نقص عقله ودينه، والاحتراز كما ذكره العلامة ابن عثيمين ، وهو أن يتكلم الإنسان كلاماً يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين، ومثال ذلك في القرآن قوله تبارك وتعالى{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}
لما كان قوله{أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} يوهم أن الآخرين ليس لهم حظ من هذا، قال{وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}
ومن ذلك قوله تعالى{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}
لما كان هذا يوهم أن داود عنده نقص، قال تعالى{وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْما}
ومن ذلك قوله تعالى{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}
فذكرنا لمحاسن الأعراب لا نعبر عنه بحال من الأحوال بهضم شرف الآخرين، إذ الأعراب أثنى عليهم الله ورسوله (ص) وهم في هذا الثناء متفاوتون عن بعض بسابقتهم للإسلام ففي الصحيح عن شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي (ص) أَنَّهُ قَالَ«أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةُ خَيْرٌ مِن بني تَمِيمٍ وبني عَامِرٍ وَالْحَلِيفَيْنِ أَسَد وَغَطَفَانَ»
وعلى هذا فالأعراب ليست قبيلة واحدة بل قبائل متناثرة تختلف مواقعها من المدينة بعداً وقربا وتختلف نسباً وعرقاً
وذكر الواحدي في قوله تعالى" {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} نزلت في أعاريب من أسد، وغطفان, وأعاريب من أعراب حاضري المدينة"
وفي قوله تعالى{وممن حولكم من الأعراب منافقون}، قال الكلبي"نزلت في جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار"
ـ قوله تعالى{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}، قال السيوطي"أخرج ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في بني مقرن الذين نزلت فيهم{ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} , وأخرج عبد الرحمن بن معقل المزني قال كنا عشرة ولد مقرن فنزلت فينا هذه الآية"
وقال أبو حيان" {الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} نزلت في الأعراب من أسد وتميم وغطفان , ومن أعراب حاضري المدينة، أيأشد كفرا من أهل الحضر"
وقوله تعالى{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم}، "نزل في بني مقرن من مزينة "، قاله مجاهد
وقال عبد الرحمن بن مغفل بن مقرن"كنا عشرة ولد مقرن فنزلت{ومن الأعراب من لا يؤمن}
الآية , يريد الستة والسبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبنيهم"
وقال الضحاك في عبد الله ذي النجادين , ورهطه
وقال الكلبي في أسلم وغفار وجهينة
قال ابن الملقن "هذه القبائل كانوا في الجاهلية خاملين لم يكونوا كبني تميم وعامر وأسد وغطفان , ألا ترى قول الأقرع بن حابس لرسول الله (ص) إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة فلما سبقت هذه القبائل أولئك بالإسلام وحسن بلاؤهم فيه شَرُفوا بذلك وفضلهم الله على غيرهم من سادات العرب ممن تأخر إسلامه كما شرف بلالا وعمارا وشبههما على صناديد قريش وكأن التفضيل كان جوابا لمن احتقر هذه القبائل مطلقا"
أما فضل هذه القبائل وصفاتها الحميدة وما جاء ذكرها على لسان المصطفى (ص) إلا دليلا على فضلها على الإسلام والمسلمين وما نذكره من الفضائل لبعض القبائل التي بين العلماء أنها نزلت فيهم كلمة الأعراب حتى لحقوا بركب العلم والإيمان
وفيما يلي عرض لجملة من هذه الصفات:
الصفة الأولى فضل بعض قبائل الأعراب ومنها غفار وأسلم
فعن عبد الله بن الصامت قال قال أبو ذر قال رسول الله (ص)(غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله)
وسبب ثناء النبي (ص)على غفار وأسلم طاعتهما لله ورسوله (ص) كما أن الذم لمن عصى الله ورسوله كقبيلة عصية
ففي الصحيح عن عبد الله بن دينار انه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله (ص)(غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله)
بل قرن رسول الله (ص) بعض قبائل الأعراب بالمهاجرين والأنصار مع فضل الأسبقية في الإسلام، فعن أبي مالك الأشجعي عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب قال قال رسول الله (ص) الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع، ومن كان من بني عبد الله موالي دون الناس والله ورسوله مولاهم
ومن الفضائل لبعض القبائل ومنها طيء متمثلة بقائدها الصحابي الجليل عدي بن حاتم حيث قال أتينا عمر بن الخطاب في وفد فجعل يدعو رجلا يسميهم فقلت(أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال بلى، أسلمت إذ كفروا , وأقبلت إذ أدبروا , ووفيت إذ غدروا , وعرفت إذ أنكروا، فقال عديلا أبالي إذاً)
وعن عدي بن حاتم قال أتيت عمر بن الخطاب فقال لي(إن أول صدقة بيضت وجه رسول الله (ص) ووجوه أصحابه صدقة طيء جئت بها إلى رسول الله (ص))
ومن فضائل بعض القبائل الأعرابية ما ذكره أهل العلم من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة قال"لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله (ص)يقولهم أشد أمتي على الدجال، قال وجاءت صدقاتهم، فقال النبي (ص)هذه صدقات قومنا، قال وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال رسول الله (ص)أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل"
وهذا مما يدل على الفضل بلا فخر، وفضائل هذه القبائل الأعرابية ليست بدعا من القول بل هو من عند الله وهو أحكم الحاكمين فعند أبي شيبة عن خفاف قال" صلى بنا رسول الله (ص) فلما رفع رأسه من
الركعة الأخيرة قال أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها ثم أقبل فقال إني لست أنا أقول هذا ولكن الله قاله"
الصفة الثانية أنهم أصل المدن والحضر
كان الأعراب مقتصرين على الضروري في حياتهم عاجزين عن تحصيل الحاجي والتحسيني من معاشهم، فكانوا هم أصل للمدن والحضر لأن الضروري أصل والكمالي فرع"
قال ابن خلدون"فالبدو أصل المدن والحضر، وسابق عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري، ولا ينتهي إلى الكمال والترف إلا إذا كان الضروري حاصلاً فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة"
كون الأعراب ألأصل يكذب كون أهل مكة هم أصل الخلق لكونها أم القرى كما قال تعالى:
"إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا"
وقال:
" لتنذر أم القرى"
وقال :
"الصفة الثالثة أنهم أقرب إلى الخير بفطرتهم
والتي عبر عنها ابن خلدون قائلاً"في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر وسبب ذالك أن نفوسهم مستقره على الفطرة الأولى لذلك فهي متهيئة لقبول ما يرد عليها فكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ثم إن أن أهل الحضر قد أقبلوا على الدنيا وعكفوا علي شهواتهم وذهبت عنهم مذاهب الحشمة أما أهل البدو وإن كانوا مقبلين على الدنيا إلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف أو شيء من أسباب الشهوات والملذات"
وهذا الكلام يكذبه كلام الله فى كونه بعضهم أشد كفرا ونفاقا ثم قال :
"الصفة الرابعة أنهم أبعد عن مواطن الفتن:
فقد روى البخاري في صحيحه أن سلمة بن الأكوع دخل على الحجاج، فقاليا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت، قال(لا ولكن رسول الله (ص) أذن لي في البدو وعن يزيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة)
وقد جاء في آثار كثيرة الترغيب في سكنى الجبال والفرار من المدن وذلك لكثرة الفتن؛ وقد يتعارض هذا مع ما جاء من آثار في الترغيب بسكني المدن، ويجمع بينها في كون ذلك يختلف باختلاف الشخص ومقصده فمن خاف على نفسه من فتن المدن، وأحب أن يعتزلها وكانت شواغل المدن صارفة له عن حظه الأكبر كان الاعتزال خيرا له ومن أراد القيام بدينه؛ وتتبعه للعلم ونشره فسكنى المدن أفضل له
ومما ورد في فضل الاعتزال عند الفتن، فعن أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله (ص)(يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)
وعن فضل المخالطة والسكن ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله (ص)(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) "
هذا كلام يكذب قوله تعالى فى كون المنافقين بعضهم من العراب وهم كما قال تعالى يحدثون فتنا كبرى كل سنة كما قال تعالى :
"أو لا يرون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون"
ثم قال :
"الصفة الخامسة أنهم أكثر شجاعة من أهل المدن والقرى
قال ابن خلدون والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة وانغمسوا في النعيم والترف، ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم والحاكم الذي يسوسهم والحامية التي تولت حراستهم، واستناموا إلى الأسوار التي تحوطهم، والحرز الذي يحول دونهم فلا تهيجهم هيعة و لا ينفر لهم صيد
وأهل البدو لتفردهم عن التجمع وتوحشهم في الضواحي و بعدهم عن الحامية وانتباذهم عن الأسوار و الأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم و لا يثقون فيها بغيرهم فهم دائماً يحملون السلاح، ويتلفتون عن كل جانب في الطرق ويتجافون عن الهجوع إلا غراراً في المجالس، وعلى الرحال وفوق الأقتاب ويتوجسون للنبات، والهيعات ويتفردون في القفر والبيداء فدلين بيأسهم واثقين بأنفسهم قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجية يرجعون إليه متى دعاهم داع أو استنفرهم صارخ
قلتما أكثر هذه الصفات الحميدة التي توارثتها تلك القبائل أبا عن جد تحت مظلة الإسلام وتهذيبه حتى صار بعض القبائل مضرب المثل بطاعة الله ورسوله وطاعة ولي أمر المسلمين حين انقادوا لمنهج سلف الأمة الصالح
قال عمر بن عبد العزيز"ما رأيت قوماً أشبه بالسلف من الأعراب لولا جفاء فيهم"
وقال غَيْلان إذا أردت أن تسمع الدعاء؛ فاسمع دعاء الأعراب
وقال الجاحظ ليس في الأرض كلام هو أَمتع ولا أَنفع ولا أنقى ولا ألذَ في الأسماع؛ ولا أشد اتصالاً بالعقول السليمة؛ ولا أفتق للسان؛ ولا أجود تقويماً للبيان؛ من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء
وقال ابن المقفع أي حكمة تكون أبلغ أو أحسن؛ أو أغرب أو أعجب من غلام بدوي لم يَر رِيفاً؛ ولم يشبع من طعام؛ يستوحش من الكلام؛ ويفزع من البشر؛ ويأوي إلى القَفر واليرابيع والظباء؛ وقد خالط الغيلان؛ وأنس بالجان
قلت هذه الصفات اليوم لا تكاد تذكر إلا ما شاء الله والخير في الأمة لا ينقطع"
وحكاية شجاعتهم دون غيرهم يكذبها أن أوائل المسلميت كانوا مهاجرى مكة وغيرهم والأنصار أهل المدينة وهم من خاضوا الحروب الأولى
ثم قال :
"الصفة السادسة معرفة أنساب العرب:
يعيش بعض الناس اليوم على هامش الحياة فحين قطعت أرحام وتباعدت قلوب، وضعف العلم لا يستطيع ممن أترف، واغتر بالحضارة معرفة نسبه وإلى أي قبيلة ينتسب فضلا عن هويته الإسلامية، وتاريخه العريق، وقصة يزيد ابن شيبان التميمي أحد سادات العرب مع الأعرابي القصاعي، وكيف لقنه درسا في معرفة أنساب العرب، وذلك أن يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة بن عُدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، قد خرج للحج فلما انتهى من الحج، استعجل الرحيل قبل جماعته والتحق بجماعة من الحجاج العائدين وكانوا من مهرة ومهرة من قضاعة فسألهم يزيد عن نسبهم فقالوا من قضاعة فكأنه لما سمع ذلك استصغر شأنهم وصد عنهم طبعا هم استغربوا من فعله قالوا لهمالك سألتنا عن نسبنا فلما انتسبنا لك صددت عنا فقال لهملما عرفت إنكم من مهرة بن حيدان قلت أنكم قوم لا تعرفون نسبي ولا اعرف نسبكم فلهذا أعرضت عنكم وكان معهم شيخ كبير فقال ليزيد بن شيبانلعمري إن كنت من جذم العرب لأعرفنك أي إذا كنت من أصل العرب
فقال يزيد في نفسه من هذا الذي يسألني؟؟ فقلتُ له نعم فأنا والله من جذم العرب فقال العرب على أربع فرق ربيعة ومضر وقضاعة واليمن فمن أيهم أنت؟ فقلتُأنا من مُضر قال أفمن الفرسان أم من الأرحاء؟ قلتُ عرفت أنه يقصد بالفرسان قيس وبالأرحاء خنذف
فقلت له بل من الأرحاء فقال الشيخ إذا من خنذف....
فقال يزيد وأبيك أي معرفة
قلت وقوله وأبيك حلف بغير الله فعن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) " لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون "
ومعرفة هؤلاء القوم بالأنساب والأحساب كانت من دوافع العصبية حتى جاء الإسلام فهذبها
وأذهب عنهم حمية الجاهلية الحمقاء والتعال البغيض على غيرهم , ودلهم على أن تعلم الأنساب والأحساب قربة وصلة قال عمر الخطاب وهو على المنبر "تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم"
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص)" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في أثره "
وهذا الكلام عن الأنساب ومعرفة البدو بهم دون غيرهم كذب فالأنساب محفوظة عند معظم المسلمين إلا ما ندر كما أن أنساب المسلمين لابد أن تحفظ فى كل محكمة فى كل قرية أو مدينة أو أى تجمع سكنى لمعرفة المحرمين من الزواج من المحللين

الثلاثاء، 26 يوليو 2022

نقد كتاب اللامذهبية قنطرة اللادينية

نقد كتاب اللامذهبية قنطرة اللادينية
المؤلف محمد زاهد الكوثري وهو يدور حول وجوب تمذهب الإنسان بمذهب فى الإسلام والرجل يصف من لا مذهب بكونه أردأ وأسوأ الجميع فقال :
"لا تجد بين رجال السياسة - على اختلاف مبادئهم - من يقيم وزناً لرجل يدعي السياسة وليس له مبدأ يسير عليه ويكافح عنه باقتناع وإخلاص، وكذلك الرجل الذي يحاول أن يخادع الجمهور قائلاً لكل فريق: أنا معك.
ومن أردإ خلال المرء أن يكون إمعة، لا مع هذا الفريق ولا مع ذلك الفريق، وإن تظاهر لكل فريق أنه معه. وقدماً قال الشاعر العربي:
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن = وإذا لقيت معديَّاً فعدناني
ومن يتذبذب بين المذاهب منتهجاً اللامذهبية في الدين الإسلامي فهو أسوأ وأردأ من الجميع."
ومقولة المذهبية ليس عليها أى دليل من كتاب الله بل إن الكتاب يرفض المذهبية تماما لكونه اختلاف والرب واحد والدين واحد وهو يطالب بتوحد المسلمين على كتاب الله فيقول :
" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"
وقال :
" ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون"
وقال :
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
وحدد ما ينهى الخلاف وهو النزاع وهو التحاكم لكتاب الله فقال :
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
ومن ثم فالله يهدى المسلمين لما ينهى اختلافهم بقوله:
" فهدى الذى اختلفوا فيه من الحق بإذنه"

وحاول الكوثرى بدون أى دليل من الوحى أن يجعل التمذهب واجبا فى الدين فحاول اقناعنا أن من لا ينتمى لمذهب فلسفى معين فهو سفيه لا ينتسب إلى الفلاسفة فقال :
"وللعلوم طوائف خاصة تختلف مناهجهم حتى في العلم الواحد عن اقتناع خاص؛ فمن ادعى الفلسفة من غير انتماء إلى أحد مسالكها المعروفة، فإنه يعد سفيها منتسبا إلى السفه، لا إلى الفلسفة، والقائمون بتدوين العلوم لهم مبادئ خاصة ومذاهب معينة حتى في العلوم العربية لا يمكن إغفالها، ولا تسفيه أحلام المتمسكين بأهدابها لمن يريد أن يكرع من ينابيعها الصافية."
وهو تخريف تام لأن الفلسفة الحديثة أخرجت لنا مذاهب ليست موجودة عند القدماء كالشيوعية والماركسية والرأسمالية ثم ما علاقة الفلسفة بالإسلام حتى يكون كلامهم فيها دليل على صحة كلامه فى التمذهب فى الإسلام؟
وحدثنا الكوثرى عن اختلاف الفقهاء فقال :
وليس ثمة علم من العلوم عني به العلماء عناية تامة على توالي القرون من أبعد عهد في الإسلام إلى أدنى عهوده القريبة منا مثل الفقه الإسلامي، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفقه أصحابه في الدين، ويدربهم على وجوه الاستنباط، حتى كان نحو ستة من الصحابة يفتون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم
وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى استمر الصحابة على التفقه على هؤلاء، ولهم أصحاب معروفون بين الصحابة والتابعين في الفتيا، فالمدينة كانت مهبط الوحي، ومقر جمهرة الصحابة إلى آخر عهد ثالث الخلفاء الراشدين، وعني كثير من التابعين من أهل المدينة بجمع شتات المنقول عن الصحابة من الفقه والحديث، حتى كان للفقهاء السبعة من أهل المدينة منزلة عظيمة في الفقه، كان سعيد بن المسيب يسأله ابن عمر - رضي الله عنهما - عن أقضية أبيه، تقديرا من ذلك الصحابي الجليل لسعة علم هذا التابعي الكبير بأقضية الصحابة.
ثم انتقلت علوم هؤلاء إلى شيوخ مالك من أهل المدينة، فقام مالك بجمعها وإذاعتها على الجماهير، فنسب المذهب إليه تأصيلا وتفريعا، وانصاع له علماء كبار تقديرا لقوة حججه ونور منهجه على توالي القرون، ولو قام أحد هؤلاء العلماء المنتمين إليه بالدعوة إلى مذهب يستجده لوجد من يتابعه من أهل العلم لسعة علمه وقوة نظره، لكنهم فضلوا المحافظة على الانتساب إلى مذهب عالم المدينة، حرصا على جمع الكلمة، وعلما منهم بأن بعض المسائل الضعيفة المروية عن صاحب المذهب تترك في المذهب إلى ما هو أقوى حجة وأمتن نظرا برأي أصحاب الشأن من فقهاء المذهب، حتى أصبح المذهب باستدراك المستدركين لمواطن الضعف بالغَ القوة، بحيث إذا قارعه أحد المتأخرين أو ناطحه فَقَدَ رأسه.
وهكذا باقي المذاهب للأئمة المتبوعين، فها هي الكوفة بعد أن ابتناها الفاروق وأسكن حولها الفُصَّح من قبائل العرب، بعث إليها ابن مسعود ليفقه أهل الكوفة في دين الله قائلا لهم: إني آثرتكم على نفسي بعبدالله.
وعبدالله هذا منزلته في العلم بين الصحابة عظيمة جدا، وهو الذي يقول فيه عمر: كنيف ملئ علما. وفيه ورد حديث: (إني رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد) وحديث: (من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد فقراءة ابن مسعود هي التي يرويها عاصم عن زر بن حبيش عنه، كما أن قراءة علي بن أبي طالب هي التي يرويها عاصم عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السلمي عنه.
فعُني ابن مسعود بتفقيه أهل الكوفة من عهد عمر إلى أواخر عهد عثمان – رضي الله عنهم – عناية لا مزيد عليها، حتى امتلأت الكوفة بالفقهاء.
ولما انتقل علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – إلى الكوفة، سُرَّ من كثرة فقهائها جدا فقال: رحم الله ابن أم عبد، قد ملأ هذه القرية علما.
ووالى بابُ مدينة العلم (يعني علي رضي الله عنه) تفقيههم، إلى أن أصبحت الكوفة لا مثيل لها في أمصار المسلمين في كثرة فقهائها ومحدثيها، والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيها بعد أن اتخذها على بن أبي طالب – كرم الله وجهه – عاصمة الخلافة، وبعد أن انتقل إليها أقوياء الصحابة وفقهاؤهم، وقد ذكر العجلي أنه توطن الكوفة وحدها من الصحابة ألف وخمسمائة صحابي، سوى من أقام بها ونشر العلم بين ربوعها، ثم انتقل إلى بلد آخر فضلا عن باقي بلاد العراق، فكبار أصحاب علي وابن مسعود – رضي الله عنهما – بها لو دونت تراجمهم في كتاب خاص لأتى كتابا ضخما، وليس هذا موضع سرد لأسمائهم، وقد جمع شتات علوم هؤلاء إبراهيم بن يزيد النخعي، وآراؤه مدونة في آثار أبي يوسف، وآثار محمد بن الحسن، ومصنف ابن أبي شيبة وغيرها، ويعد النقاد مراسيله صحاحا، ويفضله على جميع علماء الأمصار الشعبي الذي يقول عنه ابن عمر – رضي الله عنهما – حينما رآه يحدث بالمغازي: لهو أحفظ لها مني وإن كنت قد شهدتها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
ويقول أنس بن سيرين: دخلت الكوفة فوجدت بها أربعة آلاف يطلبون الحديث وأربعمائة قد فقهوا كما في الفاصل للرامَهُرْمُزِيّ.
وقد جمع أبو حنيفة علوم هؤلاء ودوَّنها بعد أخذ وردّ سديدين في المسائل بينه وبين أفذاذ أصحابه في مجمع فقهي كيانه من أربعين فقيها من نبلاء تلاميذه المتبحرين في الفقه والحديث وعلوم القرآن والعربية، كما نص على ذلك الطحطاوي وغيره.
وعن هذا الإمام الأعظم يقول محمد بن إسحاق النديم، الذي ليس هو من أهل مذهبه: والعلم برا وبحرا، شرقا وغربا، بعدا وقربا تدوينه رضي الله عنه.
ويقول الشافعي رضي الله عنه: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
ثم أتى الشافعي - رضي الله عنه – فجمع عيونا من المعينين، وزاد ما تلقاه من شيوخه من أهل مكة كمسلم بن خالد، الذي تلقى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقد امتلأ الخافقان بأصحاب الشافعي وأصحاب أصحابه، وملؤوا العالم علما، وأهل مصر من أعرف الناس بعلومه وعلوم أصحابه حيث سكنها في أواخر عمره، ونشر بها مذهبه الجديد، ودفن بها – رضي الله عنه -.
ولا يتسع هذا المقال لبيان ما لسائر الأئمة من الفقهاء من الفضل على الفقه الإسلامي، وهم على اتفاق في نحو ثلثي مسائل الفقه، والثلث الباقي هو معترك آرائهم، وحججهم في ذلك ومداركهم مدونة في كتب أهل الفقه."
الغريب فى كل هذا الكلام لأن الرجل لا يعتمد فيه على نص من الوحى يقول للمسلمين اختلفوا وتفرقوا فيما بينكم فى الأحكام
بل إن نصوص الروايات نفسها تنهى عن الافتراق كما فى رواية :
" تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها"
أى الشريعة واضحة ليس فيها ذرة اختلاف
وأيضا رواية :
" إياكم والاختلاف "
وأيضا :
" فلا تختلفوا بعدى"
إذ كل ما قاله عن الفقه المزعوم لا أساس له فى دين الله فمذهب المسلم كما قال تعالى :
" قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"
فأى حكم للمسلم يجب أن يقبله هو ما فيه نص من الله وهو البرهان كما قال تعالى :
" منا كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من امرهم"
فأصحاب اللامذهبية يدعون إلى ما دعا الله إليه وهو إقامة الحجة وهو الإسلام ولكن الكوثرى يجعلهم كفارا تابعين للكفار ألأجانب فيقول:
"فمذاهب تكون بهذا التأسيس وهذا التدعيم إذا لقيت في آخر الزمن متزعما في الشرع يدعو إلى نبذ التمذهب باجتهاد جديد يقيمه مقامها، محاولا تدعيم إمامته باللامذهبية بدون أصل يبني عليه غير شهوة الظهور، تبقى تلك المذاهب وتابعوها في حيرة بماذا يحق أن يلقب من عنده مثل هذه الهواجس والوساوس، أهو مجنون مكشوف الأمر، غلط من لم يقده إلى مستشفى المجاذيب، أم مذبذب بين الفريقين يختلف أهل العقول في عدِّه من عقلاء المجانين، أو مجانين العقلاء؟!.
بدأنا منذ مدة نسمع مثل هذه النعرة من أناس في حاجة شديدة على ما أرى إلى الكشف عن عقولهم بمعرفة الطبيب الشرعي.
قبل الالتفات إلى مزاعمهم في الاجتهاد الشرعي القاضي – في زعمهم – على اجتهادات المجتهدين، فعلى تقدير ثبوت أن عندهم بعض عقل، فلا بد أن يكونوا من صنائع أعداء هذا الدين الحنيف، ممن لهم غاية ملعونة إلى تشتيت اتجاه الأمة الإسلامية في شؤون دينهم ودنياهم، تشتيتا يؤدي بهم إلى التناحر والتنابذ والتشاحن والتنابز يوما بعد يوم، بعد إخاء مديد استمر بينهم منذ بزغت شمس الإسلام إلى اليوم."
والرسول(ص) لو افترضنا أنه قام من قبره لقال أن كل المذاهب فى النار لأنه لم يكن فى عهده مذاهب وإنما كان دين واحد والمذاهب بدعة ابتدعها الكفار وليس المسلمين لتذكية نار الحروب بين المسلمين وإذكار نار الجهل الدينى بينهم حتى لا تقوم قائمة للمسلمين وهو الحادث حاليا فلا دولة للمسلمين وإنما مذاهب كلها قامت على نصرة الملوك والسلاطين والرؤساء وليس نصرة دين الله
والكوثرى يبتدع لنا أن كل المذاهب حق فيقول :
"فالمسلم الرزين لا ينخدع بمثل هذه الدعوة، فإذا سمع نعرة الدعوة إلى الانفضاض من حول أئمة الدين الذين حرسوا أصول الدين الإسلامي وفروعه من عهد التابعين إلى اليوم، كما توارثوه من النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم أجمعين – أو طرق سمعه نعيق النَّيْل من مذاهب أهل الحق، فلا بد له من تحقيق مصدر هذه النعرة واكتشاف وكر هذه الفتنة، وهذه النعرة لا يصح أن تكون من مسلم صميم درس العلوم الإسلامية حق الدراسة، بل إنما تكون من متمسلم مندس بين علماء المسلمين أخذ بعض رؤوس مسائل من علوم الإسلام بقدر ما يظن أنها تؤهله لخدمة صنائعه ومرشحيه، فإذا دقق ذلك المسلم الرزين النظرَ في مصدر تلك النعرة بنوره الذي يسعى بين يديه، يجده شخصا لا يشارك المسلمين في آلامهم وآمالهم إلا في الظاهر، بل يزامل ويصادق إناسا لا يتخذهم المسلمون بطانة، ويلفيه يجاهر بالعداء لكل قديم وعتيق إلا العتيق المجلوب من مغرب شمس الفضيلة، ويراه يعتقد أن رطانته تؤهله – عند أسياده – لعمل كل ما يعمل، فعندما يطلع ذلك المسلم على جلية الأمر يعرف كيف يخلص نيئة الإسلام من شرور هذا النعيق المنكر بإيقاف أهل الشأن على حقائق الأمور، والحق يعلو ولا يعلى عليه."
وكيف يكون الحق هو اختلاف القوم فى أكثر من90% من الدين فلا توجد مسألة إلا واختلفوا فيه ما بين مبيح ومحرم وكاره ومانع وغير هذا من الألفاظ التى اخترعوها ولا دليل عليها فى كتاب الله
وكرر الرجل كلامه ويبدو أن حكاية المذاهب ليس لها سوى هدف واحد وهو اقامة زعامات تستفيد ماليا من الناس والسلطة القائمة التى تستعين بهم على إثبات أن الحلال حرام والعكس وفى كلامه المكرر قال :
"فمن يدعو الجمهور إلى نبذ التمذهب بمذاهب الأئمة المتبوعين الذين أشرنا فيما سبق إلى بعض سيرهم – لا يخلو من أن يكون من الذين يرون تصويب المجتهدين في استنباطاتهم كلها، بحيث يباح لكل شخص غير مجتهد أن يأخذ بأي رأي من آراء مجتهد من المجتهدين، بدون حاجة إلى الاقتصار على آراء مجتهد واحد يتخيره في الاتباع، وهذا ينسب إلى المعتزلة، وأما الصوفية فإنهم يصوبون المجتهدين، بمعنى الأخذ بالعزائم خاصة من بين أقوالهم من غير اقتصار على مجتهد واحد.
وإليه يشير أبو العلاء صاعد بن أحمد بن أبي بكر الرازي – من رجال نور الدين الشهيد – في كتابه (الجمع بين التقوى والفتوى من مهمات الدين والدنيا) حيث ذكر في أبواب الفقه منه ما هو مقتضى الفتوى، وما هو موجب التقوى من بين أقوال الأئمة الأربعة خاصة، وليس في هذا معنى التشهي أصلا، بل هو محض التقوى والورع.
والرأي الذي ينسب إلى المعتزلة يبيح لغير المجتهد الأخذ بما يروقه من الآراء للمجتهدين، لكن أقل ما يجب على غير المجتهد في باب الاجتهاد أن يتخير لدينه مجتهدا يراه الأعلم والأورع، فينصاع لفتياه في كل صغير وكبير، بدون تتبع الرخص – في التحقيق – وأما تتبعه الرخص من أقوال كل إمام، والأخذ بما يوافق الهوى من آراء الأئمة، فليسا إلا تشهيا محضا، وليس عليهما مسحة من الدين أصلا، كائنا من كان مبيح ذلك.
ولذلك يقول الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني الإمام، عن تصويب المجتهدين مطلقا: أوله سفسطة وآخره زندقة. لأن أقوالهم تدور بين النفي والإثبات، فأنى يكون الصواب في النفي والإثبات معا؟.
نعم، إن من تابع هذا المجتهد جميع آرائه فقد خرج من العهدة، أصاب مجتهده أم أخطأ، وكذا المجتهدون الآخرون، لأن الحاكم إذا اجتهد وأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، والأحاديث في هذا الباب في غاية من الكثرة.
وعلى اعتبار من قلد المجتهد خارجا من العهدة وإن أخطأ مجتهدُه، جَرَت الأمةُ منذ بزغت شمس الإسلام، ولا تزال بازغة إلى قيام الساعة - بخلاف شمس السماء فإن لها فجرا وضحى وغروبا – ولولا أن المجتهد يخرج من العهدة على تقدير خطئه لما كان له أجر، وليس كلامنا فيه، وكلام الأستاذ أبي أسحق الإسفراييني عن المصوبة حق، يدل عليه ألف دليل ودليل، ولكن ليس هذا بموضع توسع في بيان ذلك.
وأما إن كان الداعي إلى نبذ التمذهب يعتقد في الأئمة المتبوعين أنهم من أسباب وعوامل الفرقة والخلاف بين المسلمين، وأن المجتهدين في الإسلام إلى اليوم كلهم على خطإ، وأنه يستدرك عليهم في آخر الزمن الصواب الذي خفي على الأمة منذ بزوغ شمس الإسلام إلى اليوم، فهذا من التهور والمجازفة البالغين حد النهاية.
ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة هذه النعرة بين حين وآخر تهوين أمر أخبار الآحاد الصحيحة من السنة، وكذا الإجماع والقياس، بل دلالات الكتاب المعتبرة عند أهل الاستنباط.
فبتهوين أخبار الآحاد يتخلصون من كتب السنة من صحاح وسنن وجوامع ومصنفات ومسانيد وتفاسير بالرواية وغيرها، وإذن فلا معجزة كونية تستفاد منها ولا أحكام شرعية تستمد منها، فهل يسلك مثل هذه السبيل من سبل الشيطان غير صنائع أعداء الإسلام؟.
على أن أخبار الآحاد الصحيحة قد يحصل بتعدد طرقها تواتر معنوي، بل قد يحصل العلم بخبر الآحاد عند احتفافه بالقرائن، بل يوجد بين أهل العلم من يرى أن أحاديث الصحيحين – غير المنتقدة – من تلك الأحاديث المحتفة بالقرائن.
وبنفي الإجماع يتخلصون من مذاهب جمهرة أهل الحق، وينحازون إلى الخوارج المرقة، والروافض المردة.
وبِرَدِّ القياس الشرعي يسدون على أنفسهم باب الاجتهاد ومسالك العلة – على طرقها المعروفة المألوفة – منحازين إلى نفاة القياس من الخوارج والروافض وجامدي أهل الظاهر.
وبتلاعبهم بدلالات الكتاب المعتبرة عند أهل الاستنباط يتخذون القيود الجارية مجرى الغالب الملغاة باتفاق بين القائلين بالمفاهيم وغير القائلين بها من صدر الإسلام إلى اليوم وسيلة لتغيير كثير من الأحكام القطعية، ويجعلون للعرف شأنا غير ما له عند جميع فقهاء هذه الأمة، خانعين لما ألقاه بعض مستشرقي اليهود بمصر في عمل أهل المدينة ونحوه، وكذلك صنيعهم في المصلحة المرسلة التي شرحنا دخائلها بعض شرح في مقالنا (شرع الله في نظر المسلمين).
وكل ذلك يجري تحت بصر الأزهر وسمعه، ورجاله سكوت، والسكوت على تلك المخازي مما لا يرتضيه الأزهر السني الذي أسس بنيانه على التقوى منذ عهد الملك الظاهر بيبرس وأمرائه الأبرار، حيث صيروه معقل العلم لأهل السنة، بعد أن أحيوا معالمه، ولم تزل ملوك الإسلام ترعاه على هذا الأساس إلى اليوم، ولا يزال بابه مغلقا على غير أتباع الأئمة الأربعة، وكم أدروا عليه من الخيرات لهذه الغاية النبيلة، وللملك فؤاد الأول – رحمه الله – يد بيضاء في إنهاض الأزهر على ذلك الأس القويم، والحكومة الرشيدة المتمسكة بأهداب الدين الإسلامي لم تزل تسدي إليه كل جميل مراعاة لتلك الغاية السديدة.
فإذا تم لدعاة النعرة الحديثة في قصر الاجتهاد على شخص واحد من أبناء العهد الحديث – بمؤهلات غير معروفة – وتمكنوا من إبادة المذاهب المدونة في الإسلام لهؤلاء الأئمة الأعلام، ومن حمل الجماهير على الانصياع لآراء ذلك الشخص يتم لهم ما يريدون.
لكن الذي يتغنى بحرية الرأي على الإطلاق بكل وسيلة كيف يستقيم له منح الطامحين من أبناء الزمن مثله إلى الاجتهاد من الاجتهاد، أم كيف يجيز إملاء ما يريد أن يمليه من الآراء على الجماهير مرغمين فاقدي الحرية، أم كيف يبيح داعي الحرية المطلقة حرما الجماهير المساكين المقلدين حرية تخير مجتهد يتابعونه باعتبار تعويلهم عليه في دينه وعلمه في عهد النور!!؟. ولم يسبق لهذا الحجر مثيل في عهد الظلمات!!! وهذا مما لا أستطيع الجواب عنه.
وقصارى القول أنك إذا قمت بدرس أحوال القائمين بتلك النعرة الخبيثة وجدتهم لا يألفون المألوف، ولا يعرفون المعروف، أعمت شهوة الظهور بصائرهم، حتى تراهم يصادقون المتألبين على الشرق المسكين، فنعرتهم هذه ما هي إلا نعيق الإلحاد المنبعث عن أهل الفساد، فيجب على أهل الشأن أن يسعوا في تعرف مصدر الخطر، وإطفاء الشرر، وليست هذه الدعوة المنكرة سوى قنطرة اللادينية السائدة في بلاد أخرى منيت بالإلحاد وكتبت لها التعاسة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والعاقل من اتعظ بغيره"
وكل كلام الكوثرى هو اتهامات لكل من يريد توحيد المسلمين بأنه كافر يريد القضاء على الدين وهو لم يذكر الحقيقة وهى :
أن الفقه خارج الدين لاعتماده فى 99% منه على الروايات والتى تتناقض وتجعل للحكام مخرج من ظلم يرتكبونه فمن يريد أن تكون للمسلمين دولة لا يعتمد على رجل أو رجال وإنما يعتمد على رد كل أمر لنصوص كتاب الله
من يدعو إلى اللامذهبية يدعو إلى التحاكم للوحى الإلهى وليس لروايات علم الكوثرى وغيره أنه لا يمكن لإثبات نسبة شىء منه للنبى(ص) يقينا فهى كلها روايات ظنية إن صدقت كتاب الله يمكن قبولها وإن ناقضته أو ناقضت نفسها فهى خارجة على الإسلام

الاثنين، 25 يوليو 2022

قراءة فى بحث رجــل فى القرآن الكريم

قراءة فى بحث رجــل فى القرآن الكريم
الكتاب يبدو أن مؤلفه من مصر لأن اللغة الدراجة فيه لغة أهل مصر وهو ينتقد مقولة تقول أن كلمة رجل ما وردت فى كتاب الله إلا فى موقف مدح للرجل أو للرجال وقد حاول الرجال ان يصل إلى سبب شيوع هذا المقولة فقال:
" وبعد ..
فهذا مبحث مجمل عن كلمة " رجل " فى القرآن الكريم والذى دعانا إلى هذا المبحث اللغوى أنه شاع بين بعض المسلمين أن كلمة "رجل" ما وردت فى القرآن الكريم إلا مقترنة بموقف محمود .
( ولعلهم أخذوا هذا المعنى من بعض آيات من كتاب الله سبحانه ورد فيها مواقف محمودة للرجال ومن أمثلة ذلك الآيات التالية :
1- { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } سورة المائدة آية 23.
2- { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } سورة التوبة آية 108.
3- { رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } سورة النور آية 37 .
4- { وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } سورة القصص آية 20 .
5- { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } سورة الأحزاب آية 23 .
6- { وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } سورة يس آية 20 .
وكلها آيات تشير إلى مواقف محمودة للرجال . ولو كانت هذه الآيات التى سبق ذكرها هى التى وردت فقط فى كتاب الله سبحانه لسلمنا لهم بذلك ."
هذه الآيات ما قاله المؤلف فى سبب شيوع أن الكلمة أتت فى مواقف محمودة لبعض الرجال
وأما أدلته على بطلان تلك المقولة فهو ورود الكلمة فى آيات كثيرة فى مواقف ذم فقال :
"( ولكن هناك آيات تدل على بعض المواقف المذمومة واليك الآيات التى ورد ذكرها فى ذلك :-
1- { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } سورة الأعراف 81 .
2- { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } سورة الكهف آية 32 ."
الآية الثانية فيهما رجلين رجل له موقف محمود وهو الذى قال للمذموم " أكفرت بالذى خلق من تراب ثم سواك رجلا لكن هو الله ربى"
وقال :
3- {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } سورة النمل آية 55 .
4- {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } سورة العنكبوت آية 29 .
5- { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } سورة الجن آية 6 ."
وزعم الرجل أن البعض قال مقولة مخالفة وهى أن كلمة رجل أو رجال لم تأت إلا فى مواقف سواء محمودة أو مرذولة فقال :
( وهناك من قال أن الرجل ما ذكر فى القرآن الا مقترن بموقف محمود أو مذموم وهذا الكلام غير مسلم لمن قاله وهناك طائفة من الآيات أتت على هذا الرأى بالكلية :-
1- { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } سورة الأعراف 81 .
- فأى موقف لرجل ...) ( يعلوه رجل آخر .. ؟
وتكفينا الآية السابقة إثباتا لذلك ، ولكن نسوق أمثلة لآيات أخرى تدلل على عدم وجود مواقف مقترنة بالرجولة:-
2- { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } سورة النحل آية 76 .
- فأى موقف لهذا الرجل الذى وصفه القرآن بأنه لا يقدر على شئ ؟
3- { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء .. } سورة النور آية 31 .
- فأى موقف لهذا الرجل التابع لا المتبوع الذى حتى لا حاجة له فى النساء ؟
4- { .. وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ .. } سورة النساء آية 12 .
- فأى موقف لهذا الرجل المبهم الذى لم يذكره القرآن إلا أنه ترك لورثته ثروة مالية ؟
5- { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } سورة الأعراف آية 46
- فأى موقف لهؤلاء الرجال الذين تركوا على الأعراف لا هم الى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ؟"
والخطأ فى الاستدلال هنا هو أن رجال الأعراف ليسوا مسلمين ولا كفار ولكنهم مسلمون موقفهم كما قال الله أنهم اقسموا على دخول بعض الناس النار وفى هذا قال تعالى :
" أهؤلاء الذين أقسمتم الله لا ينالهم برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"
ثم قال :
6- { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } سورة القصص آية 15 .
- فأى موقف لهذين الرجلين فى قتالهما ؟"
بالقطع قتال الرجلين يدل إما على أنها سيئا الخلق أو أو أنهم أحدهما رجل سوء فالقتال فهناك موقف أساسا ويبدو أن كل منهما متعصب لشيعته
وقال :
7- { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } سورة النساء آية 7 .
- فأى موقف لهؤلاء وليس لهم من فضل إلا أن الله ساق لهم رزقا عن طريق الميراث ؟"
الآية ليست فى مجال المواقف وإنما فى مجال الحكم الإلهى ومن ثم فهى ليست فى وصف مواقف
ثم استدل بما فى كتب اللغة على فساد المقولات السابقة فقال :
"ملحوظة 1:
ثم من الذى وضع هذه القاعدة ؟!
? لقد رجعنا إلى كتب للغة من قديم وحديث فلم نجد من أشار إلى هذا المعنى :-
* ففى القديم : جاء فى لسان العرب لابن منظور :-
رجل : الرجل : معروف الذكر من نوع الإنسان خلاف المرأة ، وقيل إنما يكون رجلا فوق الغلام ، وذلك إذا احتلم وشب ، وقيل هو رجل ساعة تلده أمه إلى ما بعد ذلك ,
ثم تابع المعجم معانى الكلمة ولم يذكر شيئا كهذا .
* وفى الحديث : جاء فى معجم ألفاظ القرآن الكريم ( إعداد مجمع اللغة العربية ج1 ) :-
الرجل : الذكر من نوع الإنسان وقد يطلق على الذكر من الجنى أيضا وجمعه رجال .
ثم تابع المعجم معانى الكلمة ولم يذكر شيئا كهذا .
? وإذا رجعنا إلى كتب التفاسير فلا أعرف من جعل منها قاعدة كهذه ."
وحاول الرجل الاستدلال بما يدور فى حياتنا اليومية على معنى كلمة رجل أو راجل من خلال ما يسمى بالعامية المصرية فقال :
" هذا ولو أخذنا هذا الموضوع من معناه الشائع بين الناس اليوم لوجدناهم يقولون أمثلة لذلك :-
- فيقولون على الرجل الشجاع أو رجل المواقف الطيبة " ده واد راجل " أو يشير بيده قائلا : " ده راجل "
- ويقولونها مقابلة للمرأة فيقول : " حد سأل علىّ وأنا غايب فيردون عليه : راجل " وقد يلتبس الأمر عليهم فيقولون اللى قابلنا من شوية راجل ولا مرأة ؟ فيردون عليه: راجل .
- وقد تطلق على الرجل الضعيف الهمل الذى لا وزن له فيقولون : "ضل راجل ولا ضل حيطة " ، أو " أهو راجل والسلام "
- وقد تطلق على الرجل السيئ فيقولون : " دا راجل ابن كلب " ، أو "دا راجل ضلالى " .
و الصواب والله أعلم"
وانتهى الرجل إلى أن الكمة تدور حسب السياق فى القرآن ومن ثم وردت فى مواقف سيئة وأخرى حسنة وأحيانا وردت أحكام تحرم أو تحلل وفى هذا قال :
"أن كلمة رجل كلمة عامة تعنى فى القرآن ما عناه أهل اللغة . وتفهم تبعا للسياق القرآنى
* فإن اقترنت بالصلاح والإيمان حمدوا على ذلك ونحن مأمورون بأن نقتدى بهم كقول الله سبحانه :
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } سورة الأحزاب آية 23 .
3- { رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } سورة النور آية 37 .
* وإن اقترنت بالكفر والجحود والخسة ذموا على ذلك ونحن منهيون عن الإقتداء بهم :
1- { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } سورة الأعراف 81 .
2- { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } سورة الكهف آية 32 .
3- {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } سورة النمل آية 55 ."
وذكر المؤلف كلمة أخرى وهى ذكر فقال أن البعض زعم أنهم لم ترد فى إطار مواقف حسنة أو سيئة وإنما وردت فى أحكام وما شابهها واستدل ببعض الآيات على رأيه فقال :
"ملحوظة 2
قيل أن كلمة "ذكر" جاءت بدون مواقف فى القرآن وهذا أيضا غير مسلم لهم والا أين نذهب بهذه الآيات :-
1- {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } سورة آل عمران آية 195 .
2- {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } سورة النساء آية 124 .
3- { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } سورة النحل آية 97 .
4- { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } سورة غافر آية 40 .
فهى مواقف لأناس آمنوا بالله سبحانه وعملوا الصالحات ، بل منهم من هاجر فى سبيل دينه ، ومنهم من أخرج عنوة من دياره ، ومنهم من أُوذى من أجل دعوته ، ومنهم من ارتفعت نفسه حتى قاتل فى سبيل الله ، بل منهم من استشهد فى سبيل الله . ألا تكون كل هذه مواقف مشرقة سلط القرآن الكريم الضوء عليه وجعلها مثالا يُحتذى لكل من يريد أن يرتفع بنفسه !"
وحاول المؤلف أن يعلل مقولة بعضهم بذكر جاءت كلمة رجل فى بعض الآيات ولم تأت كلمة ذكر فقال :
"ملحوظة 3 :
وقد يقول قائل لماذا جاءت كلمة رجل فى بعض الآيات ولم تأت كلمة ذكر ؟
والجواب - والله أعلم - :-
أن الله { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }2، وكل كلمة فى القرآن لو بدلت مكانها كلمة أخرى حتى لو كانت من مرادفاتها اللغوية لاختل المعنى وصدق الله الذى وصف كتابه فى سورة فصلت بقوله : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }3 . ويمكن لسائل أن يسأل ضد هذا السؤال فى الآيات السابقة عن الذكر والأنثى فيقول : لماذا جاءت كلمة ذكر ولم تأت كلمة رجل ؟ والجواب ما سبق والله أعلم .
هذا .. وما أجمل أن يتدارس المسلمون كتاب ربهم ويتعايشون معه فى روح من الألفة يعلوها البحث العلمى الدقيق وتحدوها روح الأخوة والتناصح وقد كان الصحابة يتعاملون مع كتاب الله بهذه الصورة فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقف ليرغب الناس فى عدم غلاء مهور النساء فذكرته امرأة بقول الله سبحانه
{ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً 20} سورة النساء آية 20 .
فقال بروح علمية عالية : ( أصابت المرأة وأخطأ عمر ) . وفى رواية : (كل الناس أفقه منك يا عمر ) .
بل كان الصحابة والتابعون يضربون أكباد الإبل شهورا للبحث عن معنى آية أو حديث .
والآن وقد تقدمت العلوم الحديثة ووسائل التكنولوجيا مثل الكمبيوتر حتى أن الباحث في القرآن أو فى السنة النبوية ليكتب لفظا ليبحث عنه فإذا به يقف على جميع الآيات أو الأحاديث التى وردت فيها هذه اللفظة فيستطيع أن ينظر إلى الموضوع من جوانبه المختلفة حتى لا يأخذ ببعض القرآن ويترك بعضه وكذا فى السنة النبوية .
هذا وقد بحثت هذه الكلمة ووصلت إلى الخلاصة السابقة ولو تبين لى من البحث غير ذلك لما كتمته . وقد كانت فرصة طيبة عشت فيها مع كتاب الله أولا ومعاجم اللغة ثانيا ، ولا شك أننى لجأت إلى كتب التفاسير للرجوع إلى معانى الآيات وأسباب نزولها."
ومما سبق انتهى المؤلف إلى نتيجة ملخصها:
أن محاولة إيجاد سبب لذكر كلمة أو عدم ذكر أخرى عبث ومن ثم فالبشر لا يجب أن يسألوا تلك الأسئلة لأن الوحيد الذى يملك الإجابة هو الله