الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

نقد كتاب التحقيق في قصة هاروت وماروت

نقد كتاب التحقيق في قصة هاروت وماروت
الكتاب إعداد أحمد بن عبد العزيز القصير وهو يبحث فى موضوع من هم هاروت(ص) وماروت(ص)وهل عملا بالسحر وغير ذلك مما يتعلق بالقصة وفى مقدمته قال :
|وبعد :
فهذا بحث في تحقيق المروي في قصة « هاروت وماروت » المذكورة في سورة البقرة ، وذكر أقوال المفسرين فيها "
قال الله تعالى : { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } ."
أول البحث كان عن ماهية الشخصين وهو :
"اختلف المفسرون في قصة « هاروت وماروت » المذكورين في الآية على أقوال :
الأول : أنهما ملكان نزلا من السماء ، وقد اختلف هؤلاء في قصة نزولهما، والذي أنزل عليهما:
1- أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم ، عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أنعمه عليهم ، فقال الله تعالى لهم : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما كل شيء ، على ألا يشركا بالله شيئا، ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فعرضت لهما امرأة –وكان يحكمان بين الناس– تخاصم زوجها واسمها بالعربية : الزهرة ، وبالفارسية : فندرخت ، فوقعت في أنفسهما ، فطلباها ، فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنما ، ويشربا الخمر ، فشربا الخمر ، وعبدا الصنم، وواقعاها، وقتلا سائبا مر بهما خافا أن يشهر أمرهما ، وعلماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج به إلى السماء ، فتكلمت وعرجت ، ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكبا ، قال كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه ، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه ، فتعجبت الملائكة من ذلك ، ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء ، فكانا يعلمان السحر .
رويت هذه القصة عن :عبد الله بن مسعود ، وكعب الأحبار ،وعلي بن أبي طالب قال ابن كثير في تفسيره (1/143) : « رجال إسناده ثقات وهو غريب جدا ».
وقال الحافظ ابن حجر في ( العجاب 1/322 ) :« هذا سند صحيح ، وحكمه أن يكون مرفوعا ؛ لأنه لا مجال للرأي فيه ، وما كان علي - رضي الله عنه - يأخذ عن أهل الكتاب »
وروي عن علي مرفوعا بلفظ :« لعن الله الزهرة ، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت » .
رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة [ كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة ، للألباني ( 2 / 315 ) ]، وابن مردويه في تفسيره [ كما في تفسير ابن كثير 1/143 ] .
وذكره السيوطي في الدر (1/186) ونسبه لإسحاق بن راهويه ، وابن المنذر .
قال عنه ابن كثير في تفسيره (1/143) : « لا يصح وهو منكر جدا » . وحكم عليه بالوضع الألباني ، في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/315) .وابن عباس ، وعبيد الله بن عتبة ، ومجاهد ، وعطاء ، وقتادة ، والسدي ، والربيع بن أنس ، والكلبي "
وقبل أن نسير مع الحكاية المروية وهى حكاية كاذبة نذكر أسباب كذبها وهى :
- الملائكة لا تنزل الأرض لعدم اطمئنانها فيها كما قال تعالى :
" قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
- الملائكة مكانها السموات وليس الأرض كما قال تعالى:
" وكم من ملك فى السموات "
-أن الملائكة سبق وأن عرفت جزاء من يعصى الله عندما عصى إبليس ومن ثم لن تكرر أبدا ما حدث منه مهما حدث ومن يرى من المحال أن يعصى ولذا قال تعالى :
" ويفعلون ما يؤمرون"
ومن ثم لا أصل للحكاية ومن ثم نقرأ التالى :
"وقد رويت هذه القصة عن عبد الله بن عمر من عدة طرق بعضها موقوفا عليه، وبعضها مرفوعا إلى النبي (ص)، وبعضها عن ابن عمر ،عن كعب الأحبار ، وقد رويت بألفاظ متقاربة مع اتحاد أصل القصة ، وفيما يلي تفصيل هذه الطرق وذكر أقوال النقاد فيها :
الأول : طريق مجاهد ، عن ابن عمر ، موقوفا ، وقد روي عنه من ثلاثة طرق :
1- طريق العوام بن حوشب ، عن مجاهد ، به .
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/583) .
2- طريق ا المنهال بن عمرو ، ويونس بن خباب ، كلاهما عن مجاهد ، به .
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) تحقيق د/ أحمد الزهراني .
قال ابن كثير في تفسيره (1/144) :« وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر » ثم ذكر أنه روي مرفوعا وقال : « وهذا – يعني طريق مجاهد – أثبت وأصح إسنادا ».
الثاني : طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، موقوفا .
الثالث : طريق سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن كعب ، به .
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/53) ، وابن أبي شيبة في المصنف( 8 / 108 ) ، وابن جرير في تفسيره (1/502) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) تحقيق د/ أحمد الزهراني ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 1 / 181 ) جميعهم من طريق موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن كعب به .قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/143) – بعد أن ذكر الحديث من رواية موسى بن جبير ، ومعاوية بن صالح ، كلاهما عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا – قال : « فهذا – يعني طريق سالم – أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين ، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع ، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل والله أعلم ».
الرابع : طريق نافع عن ابن عمر أنه سمع النبي (ص)يقول : « إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة أي رب { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا ربنا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا والله لا نشرك بالله أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها قالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتما حين سكرتما فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا ».
أخرجه الإمام أحمد - واللفظ له - في مسنده (2/179) حديث (6172) . وعبد بن حميد في المنتخب (251) . وابن أبى حاتم في العلل ( 2 / 69) . وابن حبان في صحيحه (14/63) . والبيهقي في السنن الكبرى (10/40). وفي شعب الإيمان ( 1 / 180 ) جميعهم من طريق زهير بن محمد ، عن موسى بن جبير ، عن نافع ، به ونقل ابن أبي حاتم في العلل ( 2 / 69-70) عن أبيه أنه قال : « هذا حديث منكر » وقال ابن كثير في تفسيره (1/143) – بعد سياقه للحديث - : « هذا حديث غريب من هذه الوجه ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير ، هذا وهو الأنصاري السلمي مولاهم المدني الحذاء، روى عن ابن عباس ، وأبي أمامة سهل بن حنيف ، ونافع ، وعبد الله بن كعب بن مالك ، وروى عنه ابنه عبد السلام وبكر بن مضر ، وزهير بن محمد ، وسعيد بن سلمة وعبد الله بن لهيعة ، وعمرو بن الحارث ، ويحيى بن أيوب ، وروى له أبو داود ، وابن ماجه ، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/139) ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا ، فهو مستور الحال ، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ،عن النبي (ص)
وللحديث طرق أخرى عن نافع ولكنها ضعيفة لا تصلح للمتابعة .
الطريق الأول : أخرجه ابن مردويه في تفسيره [ كما في تفسير ابن كثير 1/143] قال: حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا هشام بن علي بن هشام، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا سعيد ابن سلمة، حدثنا موسى بن سرجس، عن نافع، عن ابن عمر، سمع النبي (ص)يقول : ... فذكره بطوله وفي سنده موسى بن سرجس ذكره ابن حجر في التقريب (2/288) وقال : « مدني مستور »وقد خولف هشام بن علي في روايته هذه عن عبد الله بن رجاء .
فأخرج البيهقي في شعب الإيمان ( 1 / 180 ) من طريق محمد بن يونس بن موسى ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا سعيد بن سلمة ، عن موسى بن جبير ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله (ص)... فذكره بطوله وفي سنده محمد بن يونس بن موسى الكديمي ، متهم بوضع الحديث . قال ابن حبان :« كان يضع الحديث ، ولعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث » . وقال ابن عدي : « اتهم بوضع الحديث وبسرقته ، وادعى رؤية قوم لم يرهم ، ورواية عن قوم لا يعرفون وترك عامة مشايخنا الرواية عنه ، ومن حدث عنه نسبه إلى جده موسى بأن لا يعرف ». وقال الدارقطني : « كان الكديمي يتهم بوضع الحديث ، وما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله » . وقال الذهبي : « هالك ، قال ابن حبان وغيره : كان يضع الحديث على الثقات » .
انظر : الكامل لابن عدي (6/292) ، وميزان الاعتدال ( 6 / 378-380 ) ، والتهذيب (9/475) ، والمجروحين لابن حبان (2/312) .قال البيهقي بعد سياقه للحديث في الموضع السابق : « ورويناه من وجه آخر عن مجاهد ، عن ابن عمر موقوفا عليه ، وهو أصح فإن ابن عمر إنما أخذه عن كعب » .
الطريق الثاني : يرويه الحسين - وهو سنيد بن داود صاحب التفسير - عن فرج بن فضالة ، عن معاوية بن صالح ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا .
أخرجه : الخطيب البغدادي في تاريخه (8/42) . وابن جرير في تفسيره (1/504) .
قال ابن الجوزي في الموضوعات (1 / 186): « هذا حديث لا يصح، والفرج بن فضالة قد ضعفه يحيى، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ، ويلزق المتون الواهية بالأحاديث الصحيحة ، لا يحل الاحتجاج به ، وأما سنيد فقد ضعفه أبو داود ، وقال النسائي ليس بثقة » ا.هـ .
وقال ابن كثير في تفسيره (1/143) – بعد سياقه للطريقين : « وهذان أيضا غريبان جدا ، وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار لا عن النبي (ص)» ا.هـ .
وقد اختلف العلماء في حديث ابن عمر :فرجح جماعة وقفه على ابن عمر ، منهم : ابن أبي حاتم في العلل ( 2 / 69) ، والبيهقي في شعب الإيمان (1 / 181) ، وابن الجوزي في الموضوعات ( 1 / 186) ، وابن كثير في تفسيره (1/143) ، والألباني في الضعيفة (1/204-207) .وصححه مرفوعا : ابن حبان في صحيحه (14/63) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 5 / 68) ، وابن حجر في العجاب (1/317،327،343) ، وفتح الباري (10/235) . قال ابن حجر :« له طرق كثيرة جمعتها في جزء يكاد الواقف عليه يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة طرقه الواردة فيها ، وقوة مخارج أكثرها ، والله أعلم » .أ.هـ ، من القول المسدد ، ص ( 48 ) .
والصواب وقفه على ابن عمر ، وهو مما تلقاه عن كعب الأحبار .
وانظر : سنن سعيد بن منصور ( 2 / 584 – 594 ) بتحقيق الدكتور : سعد آل حميد ، وقد أفدت من تحقيقه في تخريج هذا الحديث وقد أنكر جماعة من المفسرين هذه القصة وعدها من الإسرائيليات المتلقفة عن مسلمة أهل الكتاب ، منهم :
الماوردي ، وابن حزم ، والقاضي عياض ، وابن العربي ، وابن عطية ، وابن الجوزي ، والرازي ، والقرطبي ، والخازن ، وأبو حيان ، وابن كثير ، والبيضاوي ، والألوسي ، والقاسمي ، وسيد قطب ، والألباني
قال الحافظ ابن كثير :« وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد ، والسدي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وأبي العالية ، والزهري ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة ، من غير بسط ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن ، على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال »"
وبناء على هذا الكلام لا تصح الحكاية من جهة الأسانيد ثم قال:
2- وقيل : إنهما نزلا بتعليم السحر للناس . روي ذلك عن : عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، والحسن البصري ، وقتادة ، وابن زيد ، ورجحه الطبري ، والزجاج ، والجصاص ، والبغوي ، والزمخشري ، والرازي ، والنسفي ، والخازن ، والبيضاوي ، والشوكاني ، والسعدي ، وابن عثيمين .
3- وقيل : إنهما نزلا بتعليم التفرقة بين المرء وزوجه ، لا السحر : روي ذلك عن : ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والكلبي :
القول الثاني : أن المراد بهاروت وماروت، جبريل وميكائيل -عليهما السلام- ، وأن الله تعالى لم ينزل عليهما السحر ، خلافا لما زعمته اليهود ، وأن « ما » في قوله تعالى : { وما أنزل على الملكين } للنفي .
روي ذلك عن ابن عباس ، وأبي العالية ، وعطية العوفي، وخالد بن أبي عمران ، والربيع بن أنس .
القول الثالث : أن المراد بهما : داود وسليمان عليهما السلام ، وأن « ما » أيضا نافية ،
والمعنى : أن الله تعالى لم ينزل السحر على داود ، وسليمان .
روي ذلك عن : عبد الرحمن بن أبزى ، وكان يقرأ الآية : { وما أنزل على الملكين } بكسر اللام .
القول الرابع : أن المراد بهما علجان ، كانا ببابل ملكين روي ذلك عن : الضحاك ، والحسن البصري ، وأبي الأسود الدؤلي .
القول الخامس : أن المراد بهما رجلان ساحران كانا ببابل .
روي ذلك عن ابن عباس "
وبعد كل هذه الأقوال التى لا تصح رجح الرجل أحدهما فقال :
"الترجيح :
الذي يظهر – والله أعلم – أن هاروت وماروت كانا ملكين من ملائكة السماء أنزلهما الله – عز وجل – إلى الأرض فتنة للناس وامتحانا ، وأنهما كانا يعلمان الناس السحر بأمر الله – عز وجل - لهما .
ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن جنود طالوت بعدم الشرب من النهر في قوله تعالى : { فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين ءامنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } وكما امتحن عباده بخلق إبليس وهو أصل الشر ، ونهى عباده عن متابعته وحذر منه .
برهان ذلك :
1- قوله تعالى في الآية : { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه }
فالضمير في قوله : { يعلمان } وقوله : { منهما } عائد على الملكين ؛ لأنهما أقرب مذكور ، ولأنه ورد بصيغة التثنية فهو مبدل منهما .
وفي قولهما : { إنما نحن فتنة فلا تكفر } دليل واضح على أنهما كانا يعلمان السحر ، وإلا فما فائدة تحذيرهما من ذلك ؟! وهذا الذي قلنا هو الظاهر المتبادر من السياق ، وهو أولى ما حملت عليه الآية .
2- أن المروي –عن الصحابة والتابعين– في قصة هاروت وماروت، حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، ولا يصح فيها حديث مرفوع ، والأصل أنه لا يصح حمل الآية على تفسيرات وتفصيلات لأمور مغيبة لا دليل عليها من القرآن والسنة .
3- أن ما نسب إلى الملكين – بأنهما شربا الخمر ، وقتلا، نفسا وزنيا– غير جائز في حقهما لما تقرر من عصمة الملائكة - عليهم السلام - من ذلك .
فإن قيل : إن تعليم الملكين للسحر كفر ، لقوله تعالى : { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } وهذا فيه قدح بعصمتهم لأنه لا يجوز عليهم تعليم السحر؟
فجوابه :
أنه ليس في تعليم الملكين للسحر كفر، ولا يأثمان بذلك؛ لأنه كان بإذن الله لهما ، وهما مطيعان فيه ، وإنما الإثم على من تعلمه من الناس ، وقد أخبر سبحانه بأن الملكان كانا ينهيان عن تعلمه أشد النهي ، حيث قال : { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } وقد بينا من قبل ، أن لله سبحانه أن يبتلي عباده بما شاء ، ومن ذلك ابتلائهم بملكين يعلمانهم السحر"
وقطعا ما قاله القصير خاطىء فلا يمكن ان يكونا ملكين من الملائكة وإنما ملكين من البشر أنزل عليهما الوحى بالسحر كما قال تعالى :
"وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت "
ولا يوجد ساحر ينهى الناس عن الكفر كما قال تعالى :
"وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر"
فهاروت(ص) وماروت(ص) رسولان من البشر أرسلهما الله 

الاثنين، 29 نوفمبر 2021

نقد كتاب الإصابة بالعين

نقد كتاب الإصابة بالعين (أسبابها - مظاهرها - الوقاية - العلاج)
المؤلف خالد بن عبد الرحمن الشايع وهو يدور حول خرافة العين التى تضر من تنظر له والمؤلف مؤمن بهذه الخرافة وهو يثبتها ويحاول علاجها كأنها شىء موجود بالفعل وفى هذا قال فى مقدمته :
"أما بعد:
فإن النفوس إذا عظم شحها وقلت قناعتها وضعف إيمانها واستولى عليها الحسد تطلعت إلى ما في أيدي الناس، واستكثرت خير الله ونعمه على غيرها، وهذا قد تظهر بعض آثاره بما يصيب به الناس بعضهم بعضا بالعين وفي ضوء ذلك كان من المناسب أن نلقي الضوء على هذه القضية (الإصابة بالعين) خاصة أن عددا من الناس فيها على طرفي نقيض، فمنهم من ينكرها بالمرة، ومنهم من يبالغ فيها حتى يظن أن عطاسه بسبب العين! فدونك هذه الرسالة المختصرة التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها الجميع."
وقد استهل الشايع كتابه بما ظن أنه أدلة لإثبات الخرافة فقال:
"الإصابة بالعين في ضوء نصوص الوحيين:
لقد جاء في سياق قصة يوسف - عليه السلام - أن يعقوب - عليه السلام - قال لبنيه لما أرادوا دخول مصر في عودتهم إليها: {يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
نقل الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية عن غير واحد من أئمة السلف، أن يعقوب - عليه السلام - لما جهز بنيه مع أخيهم بنيامين، أوصاهم ألا يدخلوا كلهم من باب واحد، وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة، وإنما أراد يعقوب - عليه السلام - من بنيه ذلك؛ لأنه خشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم لأنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء.
وقال الله جل شأنه في سورة القلم مخاطبا عبده ورسوله محمدا (ص){وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين}
ومعنى هذه الآية - كما ذكر بعض المفسرين - أن المشركين لشدة بغضهم وحسدهم لنبينا محمد (ص) كادوا أن ينفذوه بأبصارهم، أي: يحسدونه ويصيبونه بالعين لما عزموا على ذلك، لولا أن الله حماه ووقاه منهم.
ويقول الله سبحانه: {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد} فالآية الأخيرة فيها الأمر بالاستعاذة من الحاسد، وهو الذي يبغض نعمة الله على المحسود، ويتمنى زوالها، وهذا عام يشمل إصابة المحسود بالعين، أو بأي بلية أخرى.
فدلت هذه الآيات على أن العين حق، وهكذا دلت السنة على ذلك أيضا.
وقد شاهد الناس - ولا زالوا يشاهدون - كثيرا من آثار الإصابة بالعين، وقد يعرفون ذلك وقد لا يعرفونه، والتجارب عند الخاصة والعامة أكثر من أن تذكر، فلله كم من قتيل بسببها، وكم من معافي عاد مريضا على فراشه لا يعلم لمرضه سبب، وكم من نعمة تحولت وتبدلت بسبب العين"
والآية التى استدل بها ليس فيها أى شىء عن العين فالرجل خاف على أولاده سواء كان من الحسد أو خاف عليهم من أذى العدو فلا يوجد ذكر للعين أو حتى للحسد الذى العين تقوم بعمله
ثم ذكر الشايع الروايات التى تثبت وجود العين فقال :
ومما ورد عن النبي (ص) في هذا الباب ما رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة قال: «العين حق».
قال الحافظ ابن حجر: "أي الإصابة بها شيء ثابت موجود".
وقال الحافظ القرطبي عن ثبوت أثر العين: "هذا قول علماء الأمة، وقد أنكرته طوائف من المبتدعة، وهم محجوجون بالأحاديث النصوص الصريحة، الكثيرة الصحيحة، وبما يشاهد من ذلك في الوجود، فكم من رجل أدخلته العين القبر، وكم من جمل ظهير أحلته القدر، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى، كما قال: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل، يتمسك في إنكار ذلك باستبعاد ليس له أصل". اهـ.
وقال الإمام العلامة ابن القيم : "إن طائفة ممن قل نصيبهم من السمع - أي الوحي - والعقل، أبطلت أمر العين - يريد بذلك بعض المتطببين والطبائعيين - حيث قالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين». اهـ.
وقال الحافز الخطابي موجها حقيقة الإصابة بالعين: "إنها تضر عندما ينظر العائن لدى مقابلته شخصا آخر، ويكون ذلك بعادة أجراها الله تعالى". وعقب الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: "إنه كلام سديد""
والخطأ فى الأحاديث أن العين لها تأثير سلبى على المنظور له وهو ما يخالف أن العين لو كان لها تأثير على الأخرين لأصبح الحاسدون هم ملوك العالم لقدرتهم على شل قوة الأخرين ولكننا لا نرى ذلك كما أن العين لو كان لها تأثير لاختار الكفار من لهم عيون لها التأثير للقضاء على النبى (ص)والمسلمين ولم يحاربوهم ولكن هذا لم يحدث لعدم وجود أثر للعين كما أن الحسد أمر نفسى وليس من العين مصداق لقوله "حسدا من عند أنفسهم ".
ثم حدثنا عن أسباب الإصابة بالعين فقال:
"أسباب الإصابة بالعين:
اعلم - وقاك الله - أن الإصابة بالعين تنشأ عن أحد سببين:
* الأول: شدة العداوة.
* الثاني: الإعجاب بالشيء واستحسانه.
ومن أدلة صحة أمر العين وشدة ضررها:
ما رواه مسلم في «صحيحه» عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص)«العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» وفي هذا تنبيه وتأكيد على سرعة نفوذ العين، وتأثيرها في إصابة الذوات.
وروى البزار وغيره عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص)«أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين» [حسنه الحافظ ابن حجر وصححه الألباني]."
والأحاديث لا تصح فكل شىء بقدر فكيف لا تكون العين من قضاء الله هذا من ضمن الخبل الذى يناقض قوله تعالى :
"وكل شىء عنده بقدر"؟
ثم حدثنا عن خبل أن الواقع يصدق الروايات وهو كلام لا يمت لكلام الله بصلة وللواقع بصلة فقال :
"وقد يستغرب أو يندهش بعض الناس من ذلك، مع أن الواقع يصدقه، فكم من إنسان بسط الله عليه نعمة المال، فتعلقت نفس أحد من الناس به، فأصابت ماله آفة أو خسارة، أذهبت جميعه، ومن الناس - وخاصة النساء - من كانت على جانب من الحسن والجمال، فتعلقت بها نفس أصابتها بعاهة أو مرض أو نحو ذلك، ولذا كثيرا ما يسمع أن هؤلاء المرضى طرحوا، ولا يعرف الأطباء لهم داء ولا دواء، وتحاليلهم الطبية تفيد سلامتهم، وقل مثل ذلك عن المراكب من سيارات وغيرها."
ثم حكى لنا حكاية من كتب التراث فقال :
* لطيفة: قصة شريح مع رجل عيون:
قال الحافظ ابن حجر : أخرج الطبري من طريق محمد بن سيرين قال: "كان رجل من باهلة عيونا - أي كثير الإصابة بالعين - فرأي بغلة لشريح فأعجب بها، فخشي شريح عليها فقال: إنها إذا ربضت لا تقوم حتى تقام، فقال الرجل: أف ... أف! فسلمت منه! .. وإنما أراد شريح بقوله: «حتى تقام» أي حتى يقيمها الله تعالى"
ثم حدثنا عن علاج العين المزعومة فقال :
"هدي النبي (ص) في اتقاء العين وعلاجها:
* من ذلك: ردها قبل وقوعها:
ويكون ذلك بأمور منها:
* المحافظة على الأدعية، والأوراد والأذكار الموظفة في الصباح والمساء، فقد جاء النص فيها على أن من قالها يحفظه الله ويقيه، وهي كثيرة، ومن أمثلتها: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، والمعوذتان، ومثل قول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ونحو ذلك.
والناظر في أحوال الناس يجد الإخلال الكبير بذلك، وعدم الالتفات إليه، حتى مع الصبيان والأطفال الصغار يشرع أن يعوذوا ويحرزوا بالأحراز والأدعية الشرعية، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن النبي (ص) كان يعوذ الحسن والحسين بقوله: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة»، ويقول: «إن أباكما - إبراهيم - كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق».
* ومن اتقاء العين: أن لا تظهر المحاسن عند من يخشى منه ذلك، قال الحافظ البغوي في "شرح السنة": "روي أن عثمان بن عفان رأى صبيا مليحا فقال: دسموا نونته، كي لا تصيبه العين" ومعنى دسموا: أي سودوا نونته، وهي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير"
هذا الكلام يناقض سبق العين للقدر فإذا كانت العين تغلب حكم الله والعياذ بالله فكيف سيمنع الدعاء شىء لايقدر عليه الله ؟
قطعا هذا تخريف فلا يوجد شىء لا يقدر عليه بقدره كما قال :
" والله على كل شىء قدير"
إن أحاديث العين هى اتهام صريح لله بالعجز تعالى عن ذلك علوا كبيرا وألأغرب أن يصدقها الفقهاء والناس ثم قال :
" ومن اتقاء العين قبل وقوعها: أن يدعو المرء بالبركة إذا رأى ما يعجبه، وذلك بأن يقول: "بارك الله لك فيه" أو: "اللهم بارك عليه" ونحو ذلك. فإن من حكمة الباري وقدره أن الضرر يندفع حينئذ بإذنه تعالى، يدل على ذلك: قول النبي (ص)«علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» [رواه الإمام مالك وابن ماجه].
وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي :" قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده؛ فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله"."
الحديث ر يصح فلا يوجد قتل بالنظر بالعين وإلا تولى حكم البلاد كلها المعيونين ولا حاجة لأحد بسلاح أو إعداد قوة مع تلك القدرة الخارقة التى منعها الله بمنعه المعجزات ل كانت حقا كما قال تعالى:
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" ثم قال :
"قال ابن كثير: "وهذا مأخوذ من الآية الكريمة: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} وقد روي فيه حديث مرفوع أخرجه أبو يعلي الموصلي في مسنده".
قلت: فتأمل فيما نقله ابن كثير عن بعض السلف، وأن المرء إذا أعجبه شيء من حال نفسه أو ماله أو ولده أن يقول ذلك، فكيف الظن إذا أعجبه حال غيره، أو مال وولد غيره، لا ريب أنه أولى وأجدر أن يذكر الله تعالى وأن يدعو بالبركة: ما شاء الله .. بارك الله.
والواجب على من ظن من نفسه أنه يصيب بالعين، أن يتقي الله ويتجنب ما يفضي به إلى ذلك، بأن يكثر من ذكر الله، ويبارك للناس، وألا يحسدهم على ما آتاهم الله، فإن إذا حسدهم فكأنما يعترض على ربه، وذلك خسران مبين، علاوة على ما يكون في قلبه من الوحشة والكآبة والحزن."
هذا الكلام دليل على الجنون الذى وصل إليه الناس حيث يحسد الرجل نفسه والجنون الاستشهاد بدليل من القرآن ليس فيه أى ذكر للعين أو للحسد
ثم بين علاج أخر للعين المزعومة فقال :
"* ومما تعالج به العين - بعد وقوعها - الرقية الشرعية: التي دل عليها الشرع المطهر، مما جاء في الكتاب والسنة، مثل: الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذتين. وهكذا ما صح عن النبي (ص)، ومن ذلك رقية جبريل للنبي (ص)، وهي قوله: «باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك»، ونحو ذلك مما هو مبين في موضعه.
قال العلامة ابن القيم : "ومن جرب هذه الدعوات والعوذ، عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة غليها، وهي تمنع وصول أثر العائن، وتدفعه بعد وصوله، بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح، والسلاح بضاربه».
ومن علاج العين: ما جاء بالنص عليه فيما صح عند مالك وابن ماجه وغيرهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف - يعني أباه - وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم، ولا جلد مخبأة - يريد بذلك نضارة جلده وصفاء بشرته كالفتاة العروس التي لم ترها العيون، ولم تبرز للشمس فتغيرها - قال: فما لبث أن لبط به - أي صرع وسقط على ألأرض - فأتي به النبي (ص)، فقيل له: أدرك سهلا صريعا، قال: «تتهمون به؟». قالوا: عامر بن ربيعة، قال (ص)«علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة»، ثم دعا بماء، فأمر عامرا أن يتوضأ، فغسل وجهه ويديه على المرفقين، وركبتيه، وداخلة إزاره، وأمر أن يصب عليه. قال الزهري: «وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه، وفي بعض الروايات: أنه قام ليس به بأس».
وفي الحديث بيان لعلاج العين، وذلك بأن يؤخذ من العائن الماء الذي غسل به مواضع الوضوء منه وبعض ملابسه الملامسة لجلده، وخاصة مما يلي الورك، ثم يصب على المعيون من خلفه ولذا جاء عند مسلم قوله (ص)«وإذا استغسلتم فاغسلوا» والمعنى إذا طلب من الشخص ماء وضوئه وغسله بعض ثيابه فليفعل ولا يغضب لذلك.
قال الحافظ أبو بكر بن العربي : "إن توقف في هذه الكيفية من علاج العين متشرع قلنا له: قل الله ورسوله أعلم، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة، أو توقف فيه متفلسف فالرد عليه أظهر؛ لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك".
وقال العلامة ابن القيم :" هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها، ولا من سخر منها، ولا من شك فيها، أو فعلها مجربا غير معتقد".
وفي حديث سهل المتقدم عدد من الفوائد، منها: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح، وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه."
وكل ما سبق تخريف صريح ومن ينسبه للنبى(ص) فقد كذب كلام الله فأصل ما يحدث هو عملية ربط خاطئة من قبل بعضهم فهم يربطون بين ضرر حدث لأحدهم وبين وجود شخص ثم يتكرر الضرر بعد مدة فيقولون أن عينه هى السبب هوهو كلام خاطىء فلو أن كل واحد منا ربط بين الأضرار وبين وجود شخص ما فسيكون كل الناس أصحاب عيون حاسدة
خذ أى أسرة فقد حدثت الأضرار كالأمراض فى وجود الأب والأم وحدثت الأمراض للأب وألأم فى وجود ألولاد ومن ثم فكلنا أصحاب عيون ضارة طبقا لكلام من يصدقون هذا الكلام
ثم نبهنا الشايع لخبل أخر منه وممن يصدق بالعين فقال :
تنبيهات:
* الأول: الإصابة بالعين قد تكون من الإنس، وقد تكون من الجن، ومما يدل على ذلك ما رواه الشيخان، البخاري ومسلم، عن أم سلمة زوج النبي (ص)، أنه عليه الصلاة والسلام رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، أي أنه لاحظ في وجهها تغيرا، فقال (ص)«استرقوا لها، فإن بها نظرة». قال الحافظ البغوي : "أراد بالنظرة العين، يقول: بها عين أصابتها من نظر الجن، وقيل: عيون الجن أنفذ من أسنة الرماح". اهـ.
ولا شك أن الإنسان إذا تجرد من ملابسه لتغييرها، أو عند قضائه الحاجة ونحو ذلك، فإن ذلك أدعى لإصابته بالعين، ولذا حث النبي (ص) على الاحتراز من نظر الجن، بذكر اسم الله تعالى، يبين ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي (ص) أنه قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء - وفي رواية: إذا وضع أحدهم ثوبه - أن يقول: بسم الله»."
* الثاني: ينبغي الاحتراز لمن كان مهيأ للإصابة بالعين، بسبب صحته أو حسنه ونحو ذلك، وألا يعرض للإصابة بالعين، وأعني بذلك مثل ما يقع من بعض النساء من إبداء محاسنهن أو محاسن بناتهن بشكل فاضح، وخاصة في المناسبات والأفراح ونحوها، والواقع شاهد بذلك وبكثير من عواقبه المؤلمة. وفي هذا يقول الشاعر:
ما كان أحوج ذا الكمال
إلى عيب يوقيه من العين
* وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: رخص رسول الله (ص) لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: «ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة، تصيبهم الحاجة؟» [يعني أن أجسامهم نحيلة ضعيفة، وهم أولاد جعفر بن أبي طالب]، فقالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، فقال: «ارقيهم»، قالت: فعرضت عليه - أي الرقية - فقال: «ارقيهم».
* الثالث: أن بعض الناس إذا طلبوا العلاج بالرقى، لم يتحروا ذلك عند من عرف بصحة عقيدته، وسلامة مقصوده ومنهجه، وكونه من أهل العلم، ولذلك يوجد من الناس من يتوجه إلى السحرة والمشعوذين وذوي المقاصد السيئة، الذين يفسدون أكثر مما يصلحون، حتى إن من أولئك من يأمر بأشياء محرمة أو بدعية أو شركية - نسأل الله السلامة، فالواجب على من طلب العلاج بالرقى أن يحذر ويتبين في أمره.
* ومما ينبغي أن يعلم أن الرقية لا تكون شرعية جائزة إلا إذا توافرت فيها شروط:
الأول: أن تكون بالقرآن، أو مما جاءت به السنة المطهرة.
الثاني: أن تكون بلسان عربي، معروفا معناها.
الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله الذي جعلها سببا، مع الحذر من تعليق التمائم أو الحروز المحرمة.
الرابع: وجوب التوكل على الله تعالى، وتفويض الأمور إليه، مع فعل الأسباب، والحذر من التوهمات والوساوس التي لا أساس لها، ولنتأمل قول الله تعالى على لسان نبيه يعقوب - عليه السلام -: {وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
الخامس: ليعلم أن ما تقدمت الإشارة إليه من أمر العين واتقائها وعلاجها، إنما ينتفع به من صدق بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله (ص)، وأما من تشكك في ذلك وتردد فيه فقل أن ينتفع بعلاج"
والخطأ أن الدعاء ومنه الرقى التى هى كلام تشفى الأمراض وما شاكلها وهو تخريف لأن لو كان الدعاء ومنه الرقى تشفى فالسؤال الآن لماذا خلق الله الأدوية ووصف بعضها فى القرآن مثل عسل النحل بقوله "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس "ولو كان النبى (ص) يعلم بأثر الدعاء أو الرقية لشفى نفسه والصحابة من الأمراض ولشفى الناس باعتبار أن هذا معجزة أم أنه كان يأمر الناس بها وينسى نفسه ؟

الأحد، 28 نوفمبر 2021

نقد كتاب فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب

 نقد كتاب فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب
هذا الكتاب أخذ شهرة غير مبررة فى اتهام الشيعة بأن حسين نورى الطبرسى يقول بتحريف القرآن والغريب أن الشيعة يقرون بأنه يقول بتحريف القرآن
وقبل الدخول فى نقد الكتاب أقول:
أن مخطوطة الكتاب فيه عيوب كثيرة وهى منقولة من وقفية غازى للفكر القرآنى وهى :
الأول ترقيم الصفحات خاطىء حيث تتكرر نفس الأرقام فى صفحات متعددة
الثانى الخطاط الذى كتب المخطوطة له أخطاء كتابية عديدة فهناك كلمات لا تقرأ والحروف متداخلة بين الكلمات وهناك كلمات لا يمكن أن يستعملها فقيه فهى تدل على ما يسمى الركاكة اللغوية وعدم معرفة استخدام الحروف كلم ولا
الثالث تكرار الخطاط لصفحات بأكملها عدة مرات
الرابع هناك بعض المواضع التى لا يعرف فيها قول المؤلف من أقوال من ينقل عنهم
وكان لدى من فترة كتاب غير المخطوط أنزلته من على الشبكة العنكبوتية مرة ولكنى فقدته فيما يبدو أثناء فساد الأقراص الصلبة لبعض الحواسيب التى كنت أستعملها
والكتاب من مقدمته التى كتبها الرجل يبدو أنه اتهام لبعض أهل السنة بأنهم من حرفوا القرآن والسبب هو :
أنهم صدقوا روايات جمع القرآن والتى يبين اختلافها وقوع عدم كتابة لبعض الآيات وتغيير بعض الآيات الأخرى
واتضح فيما بعد طبقا لكلامه أن بعض الشيعة أيضا متهمون ومؤمنون بتحريف القرآن
فى المقدمة يعترف الرجل بإيمانه بالقرآن وكونه شفاء لما فى الصدور فيقول :
" الحمد لله الذى أنزل على عبده كتابا جعله شفاء لما فى الصدور ومهيمنا على التوراة والإنجيل والزبور"ص1
وقال أنه متمسك بكتاب الله بقوله:
"وبعد فيقول العبد المذنب المسيىء حسين بن محمد تقى النورى الطبرسى جعله الله تعالى من الواقفين ببابه المتمسكين بكتابه "ص1
وأقر أن الكتاب هدفه نبذ روايات جمع القرآن لأنه تدل على تحريفه فقال "المقدمة الأولى فى نبذ ما جاء فى جمع القرآن وجامعه وسبب جمعه وزمانه وكونه فى معرض تطرق النقص والاختلاف بالنظر إلى كيفية كيفية الجمع مع قطع النظر عمل يدل على تحققه أو عدمه من الخارج "ص1
وهو بالقطع اتهام لروايات أهل السنة ومعها بعض قليل من روايات الشيعة بأن جملتها تدل على وقوع تحريف فى القرآن بدليل أنه ذكر روايات كثيرة عند الشيعة تتفق على أن على جمع القرآن عند وفاة النبى (ص) وهذه الروايات تتفق مع روايات عند أهل السنة تتحدث عن ذلك وتعطى نفس المعنى
والكتاب يستعرض أدلة نفاة التحريف وأدلة مثبتى التحريف وفى هذا قال الطبرسى:
" وأما توفر دواعى الصحابة على ضبط جميع ما نزل وحراسته ونقله كما ذكره فى كلام الأخر فيأتى الجواب عنه مفصلا فى ضمن أدلة النافين والكلام هنا فى عدم استبعاد دخول النقص فيه "ص23
وقال :
" اختصاص بعض أدلة النافين فإنه للخلط بين الحالين لا لوقوع النزاع فى البين "ص35
وقد نفى الطبرسى وقوع التغيير فى القرآن فقال:
" وأعلنه قد ظهر مما مر أنه كان للقرآن حالات:
أ-حال التفرق والشتات قبل زمان جمع الشيخين
ب- حال الاجتماع بعده إلى زمان جمع عثمان
ج-حاله بعد جمعه ومحل النزاع فى تطرق التغيير من عدمه إنما هو فى أحد الحالين الأولين وأما فى الأخير فلا خلاف لأحد فيه بل الكل متفقون على أنه الآن باق على ما كان عليه فى عهده "ص35
ونقل انقسام علماء الشيعة فى أمر التحريف لفريقين :
الأول مؤمن بوقوع التحريف والنقصان فى القرآن
الثانى رافض ومكذب لحكاية التحريف واستعرض الرجل فى المقدمة الثالثة من يؤمن بتحريف القرآن من الشيعة والغريب أنه نسب ذلك إلى معظم كبار الشيعة وحدد الكتب التى قالوا فيها ذلك وهو قوله :
"المقدمة الثالثة فى ذكر أقوال علمائنا رضوان الله عليهم أجمعين فى تغيير القرآن وعدمه فاعلم أن لهم فى ذلك أقوالا مشهورها اثنان الأول وقوع التغيير والنقصان فيه وهو مذهب الشيخ الجليل على بن إبراهيم القمى شيخ الكلينى فى تفسيره صرح بذلك فى أوله وملأ كتابه من أخباره مع التزامه فى أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكلينى رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة فى هذا المعنى فى كتاب الحجة"ص25
ولكنه بعد أن ذكر العشرات من كبار الشيعة وكتبهم التى قالوا فيها بالتحريف قال فى النهاية أنه لا يوجد كتاب واحد له وجود من تلك الكتب التى أقروا فيها بتحريف القرآن وأقر أن المراد هو تحريف المعانى أى التفسير باختلاف الرأى والفهم والخبر والهوى من المفسرين وفى هذا قال:
"فإن قلت هذه الكتب مفقودة ليس لها عين ولا أثر فكيف يحكم بأن وضع تلك الكتب لإثبات التغيير وتبيين مواضعه ومن المحتمل أن يكون غرضهم فيها ذكر الآيات التى حرف المخالفون معناها على حد ما ذكر بعضهم من كون المراد بالتحريف فى الأخبار التى ذكر فيها لفظه وهو تحريف المعنى وحمل الآية على ما أريد منها وكذا المراد بالتبديل قلت أولا أنه خلاف ظاهر لفظ التحريف والتبديل وثابت أنه غير قابل للضبط لكثرته واختلافه باختلاف الآراء والأفهام والأخبار الموضوعة والأهواء المتشتتة فلا يكاد يدخل تحت حد الضبط" ص30
فهل ضياع كل الكتب دليل على أن الكل أساسا مؤمن بعدم تحريف القرآن عندهم ؟
من المؤكد أنهم لم يقولوا شيئا ولكن كما لاحظت فى كتب المنكرين لوجود الله وغيرهم أن أحدهم يدعى أن فلانا قال كلاما فى كتابه كذا وفى كتاب أخر تجد منكر يبنى على قول الثانى وفى كتاب ثالث يبنى الثالث على ما قاله السابقان وكلهم يبنون كما يقال قصورا فى الهواء
وقد بين الطبرسى المذهب الأليق والأصح عند الشيعة هو نفى تحريف القرآن فقال :
"فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا كما نصره المرسى وهو الظاهر من الروايات"ص33
وقد دلل الطبرسى على أن ما بين الدفتين صحيح لا يمكن لمسلم القول بتحريفه فقال :
"غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آى القرآن ونقل شىء منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد التى لا توجب علما فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو وجود بين الدفتين فإن ذلك معلوم وصحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الأخبار فى الفروع إليه وعرضها عليه فما وافقه عمل عليه وما يخالفه يجتنب ولا يلتفت إليه وقد وردت عن النبى(ص) رواية لا يدفعها أحد أنه قال إنى مخلف فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتى أهل بيتى وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض وهذا يدل على أنه موجود فى كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمر الأمة بالتمسك بما لا تقدر على التمسك به كما أن أهل البيت ومن يجب اتباعه قوله حاصل فى كل وقت وإذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته فينبغى أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه "ص33
ونجد أن الرجل يقر بأن أدلة المثبتين للتحريف أدلتهم وليس أدلته هو فيقول" فى ذكر الأدلة التى استدلوا بها" فى الفقرة التالية:
"الباب الأول فى ذكر الأدلة التى استدلوا بها ويمكن الاستدلال بها على وقوع التغيير والنقصان فى القرآن المنزل على النبى(ص) وعدم مطابقة الموجود بين أيدى المسلمين له فى مراتب التفصيل التى تقدمت إليها الإشارة كلا أو بعضا أو على نحو الإجمال وهى وجوه الدليل الأول أن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم(ص) فهذه الأمة أيضا لابد أن يغيروا القرآن بعد نبينا (ص) لأن كل ما وقع فى بنى إسرائيل لابد وأن يقع فى هذه الأمة على ما أخبر به الصادق المصدوق " ص35
الغريب أنه بعد الجملة السابق ذكرها فى الفقرة السابقة وردت عبارة بعدها مباشرة تدل على إيمانه بالتحريف وهى:
" ويمكن الاستدلال بها على وقوع التغيير والنقصان فى القرآن"
والغريب فى الفقرة السابقة هو استدلاله مع المثبتين للتحريف بحديث عمل الناس أفعال بنى إسرائيل ومنها التحريف رغم أنه قال أن كل الأحاديث أحاديث آحاد لا يمكن أن تثبت نسبتها للنبى (ص)وهو قوله فى ص33:
"رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آى القرآن ونقل شىء منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد التى لا توجب علما فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها"
وكرر نفس الدليل فى الفقرة التالية:
"الأمر الرابع فى ذكر أخبار خاصة فيها دلالة أو إشارة إلى كون القرآن كالتوراة والإنجيل فى وقوع التغيير والتحريف فيه وركوب المنافقين الذين استولوا على الأمة فيه طريقة بنى إسرائيل فيهما وهى فى نفسها حجة مستقلة لإثبات المطلوب ومعينة لدخول هذا الفرد فى القاعدة السابقة والعموم الذى استفيد من الأخبار المتقدمة وإن ثبت تخصيصه بمخصصات كثيرة فى موارد أخرى مع أنه لم يبلغ حدا يوجب الوهن واستهجان إرادة ما يظهر منه حتى يجب حمله على معنى أخر غير ما يفهم منه فى بادىء النظر بل لو بلغ التخصيص إلى حد المقامين فلا يضر التمسك به فى المقام "ص90
وذكر فقرة أخرى أقر فيها بالتحريف فقال :
"قلت هذه شبهة وهى من بيت العنكبوت بل هى أوهن البيوت فإن منعوهم من ذكر أوصيا الأنبياء(ص)فى كتاب نبيهم وطريق الارشاد والتسليك واحد والأزمان متقاربة وقلوب الناس متشابهة ومقاصد الأنبيا متحدة وثانيا بذكر على والأئمة من ولده فى تلك الكتب الشريفة وهو اضد لأهل اللجاج واتقن للاحتجاج وقد كان كثير من الأصحاب من أهل الكتاب وهل يبقى لهم بعد اطلاعهم على ما فيها من ذلك شك وارتياب ومن كان منهم من المشركين وعبدة الأوثان كانوا بعد الإسلام مأمورين بالايمان بها قال تعالى والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال مشيرا إلى التوراة والقرآن قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منها اتبعه إن كنتم صادقين وكانوا مختلفين مع الطائفة الأولى فى آناء الليل وأطراف النهار وكانت نسخ التوراة وغيرها فى المدينة وأطرافها فى غاية الانتشار كما لا يخفى على من راجع التفاسير وطالع السير خصوصا ما ورد فى احتجاجات خير البشر فتئول تلك الشبهة إلى الطعن فيما فى الصحف الأولى وهو أشد محذورا مما مر منها وثالثا بتصريح النبى بخلافتهم على ما نراه معاشر الأمامية من ثبوت النص الجلى فى الأخبار المتواترة فى مرات عديدة كما قرر فى محله خصوصا الشافى وتلخيصه " ص
والغريب أنه قال أن نزول القرآن على وجوه متعددة هو دليل ناقص بقوله فى الفقرة التالية:
"وحيث أن القرآن نزل فى جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف كان جميع ما ذكروه غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه غير مبنية إلى رسول الله ... وظاهر أن المصحف الموجود الدائر غير خالص من بعضه أو اكثره فهو غير مطابق لما أنزل عليه إعجازا وهو المقصود وهذا الدليل وإن كان غير واف لاثبات نقصان السورة والآية والكلمات لعدم شمول تلك الاختلافات لها إلا أنه يمكن تعميمه بعد القول بالفصل بأن يقال إذا لم يكن اعتناءهم فى حفظ القرآن وصيانته عن تطرق الاختلافات بمقام لم يحفظوا فيه سورة الفاتحة كما هى وقد كانوا يتلونها فى كل يوم مرات عديدة فى أزيد من عشرين سنة وكانوا يصونها عنه حتى قرأ بعضهم مالك وبعضهم ملك وبعضهم ملك وبعضهم ملك"ص103والمفروض المقرر عليهم واحد فعدم حفظهم غيرها مما لم تكن لهم ضرورة إلى تلاوتها فى كل سنة مرة مثلا بحيث يلزم منه ما ذكرنا من التحريف والنقصان أولى بل هو فى غاية الوضوح فالمهم اثباته نزوله على نسق واحد وابطال نزوله على وجوه عديدة فى التلاوة... الأول قوله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " فإن الاختلاف فيه كما يصدق على اختلاف المعنى وتناقضه مرة واثباته أخرى وعلى اختلاف النظم ...وعلى اختلاف الأحكام كوجوب شىء فيه ... كذلك يصدق على اختلاف تصاريف كلمة واحدة وهيئتها فى موضوع واحد...ص103
وكرر نفس الكلام فقال :
"الثانى الأخبار الكثيرة الدالة على نزول القرآن على وجه واحد وقراءته قراءة واحدة ,أنه لا اختلاف فيما نزل على النبى(ص) أصلا وتكذيب ما جاء أنه نزل على سبعة أحرف مطلقا "ص104
وحدثنا عن اختلاف القراءات كدليل من أدلة التحريف فقال :
"الرابع الأخبار الكثيرة الدالة على تخطئة بعض القراءات الشايعة وتكذيب قاريها "ص
ونفى تحريف القرآن لأن أخطاء القراءات سببها القراء وأهل اللغة فقال:
"الكثيرة التى تظهر منها كون تلك الاختلافات غير منسوبة إلى النبى(ص) بل بعضها منسوب إلى آراء القراء واجتهاد أهل العربية "ص
وتحدث عن نفس الدليل فقال :
"الدليل الثانى عشر وتقدم أيضا تخطئة أبى وعبد الله بن مسعود وابن عباس بعض القراءات وتخطئة غيرهم قراءاتهم ... الخامس القرائن الكثيرة التى تظهر منها كون تلك الاختلافات غير منسوبة إلى النبى(ص) بل بعضها منسوب إلى آراء القراء واجتهاد أهل العربية" ص
قطعا هذا التناقض فى الرأى إما نابع من تحريف النساخ وإما نابع من كفر الطبرسى والله أعلم ولكن حسب ما قرأته من الكتاب نظرا لرداءة المخطوط حيث يبدو أن الناسخ كان يحاول أن يوفر فى الورق فهو يكتب الكلمة بعضها فوق وبعضها تحت كلمة أخرى كما أنه وضع علامات حروفية كعلامات ترقيم أو فوارق بين الجمل فالكتاب يبدو أن معظمه هو :
كتاب لنصر المذهب الشيعى على المذهب السنى فى المسألة للتالى :
1-وضع جمع على للقرآن فى مقابل جمع أبو بكر وعثمان وجعله أفضل لسبقه فى اليوم التالى لوفاة النبى(ص) بينما انتظر الأخرون حوالى سنة
2-انتصاره لرواية نزول القرآن على وجه واحد بدلا من رواية سبعة أحرف
3- تخطئة القراءات وهى مبنية على رواية السبعة أحرف السنية
والنصوص التى نقلتها ولم أكتب رقم صفحاتها سببه هو أن ترقيم الصفحات متكرر فى الكثير منها مع أن بعض أرقام بعض الصفحات التى نقلتها من المتكرر

السبت، 27 نوفمبر 2021

نقد كتيب من آداب المروءة وخوارمها

نقد كتيب من آداب المروءة وخوارمها
مؤلف الكتاب صالح بن علي أبو عراد الخبير التربوى وهو يدور حول ما يسمى خلق المروءة وقد ذكر صالح اختلاف تعاريفها فقال فى مقدمته:
"وبعد :
فقد جاء دين الإسلام الحنيف داعيا لكل فضيلة ، و ناهيا عن كل رذيلة ، لأنه دين التربية الإسلامية الصافية ، والفضائل الإنسانية النبيلة ، والآداب الكريمة ، والأخلاق الحسنة التي تسمو بصاحبها ، وترتقي به في مدارج الشرف والرفعة والمثالية البشرية .
"ومن هذه الآداب الإسلامية الكريمة ، والأخلاق الإنسانية الفاضلة ما يسمى ( المروءة ) التي كثرت تعاريفها ، وتعددت معانيها حتى اختلف في تحديد تعريف موحد لها . فقد عرفت بأنها : " استعمال كل خلق حسن ، واجتناب كل خلق قبيح "وجاء في تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سئل عن المروءة فأجاب : " أن لا تعمل في السر شيئا تستحي منه في العلانية " كما ورد في تعريف آخر أن المروءة تعني :" اجتناب الرجل ما يشينه ، واجتناؤه [ أي اكتسابه ] ما يزينه ".
…وقيل إن المقصود بالمروءة : " أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها "
…كما ورد عن أبي حاتم البستي قوله : " والمروءة عندي خصلتان : اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال ، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال "
وهكذا يتبين لنا أن التعريفات المذكورة تتفق في الدلالة والمفهوم العام والقصد ، ولا تختلف إلا على مستوى التعبير .
وعلى كل حال فإن كثرة تعاريف المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريف محدد لها دليل واضح على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها ؛ لاسيما وأنها خلق كريم ، وسلوك قويم ، وفضيلة من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه القولي والفعلي ، نظرا لما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب ؛ حتى قيل في شأنها " المروءة اسم جامع للمحاسن كلها " "
وبعد أن انتهى صالح من القول أن التعاريف كثيرة ومختلفة قال أن كثرة التعاريف دليل على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها وهو خطأ ظاهر فليس كثرة التعاريف أو ألفاظ التى ىتطلق على الشىء دليل على سموه وعظم شأنه فإبليس مثلا والخمر لهم أسماء كثيرة حتى ألف الفيروز آبادى مثلا كتابا فى أسماء الخمر سماه الجليس ألأنيس فى أسماء الخندريس
وعرف صالح أبو عراد المروءة بالتعريف التالى:
"ومن هنا يمكن القول : إن المروءة تعني جماع مكارم الأخلاق وكمال الأدب وحسن السلوك ، وتمام الخلق الإنساني الرفيع . وصدق من قال :
إني لتطربني الخلال كريمة
طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزني ذكرى المروءة والندى
بين الشمائل هزة المشتاق"
وهذا التعريف هو نفسه تعريف التقوى تعريف الخلق الحسين تعريف طاعة الله تعريف اتباع الوحى ومن ثم فالمروءة ليس خصلة وإنما تعريف شامل لكل النواحى ولذا قال فى الفقرة السابقة جماع مكارم الأخلاق وهو ما ناقض نفسه فيه بالقول أنه خصلة من الخصال بقوله:
"وليس هذا فحسب فهي خصلة إنسانية رفيعة القدر لما يترتب على التحلي بها من جلال وجمال وكمال في الخلق "
وبعد ذلك جعلها كمال الرجولية فقال :
وهي إلى جانب ذلك كله من خصال الرجولة المحمودة ؛ فقد جاء في لسان العرب أن " المروءة : كمال الرجولية وهذا يعني أن من كانت مروءته كاملة من الرجال فقد كملت رجولته و علا مقامه . قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتقى وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
كما أن من كانت مروءتها كاملة من النساء فقد كملت أنوثتها ، وفي ذلك ما فيه من العون على صلاح الأمر بين الزوجين ، لما ورد أن مسلمة بن عبد الملك قال : " ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة ". وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
إذا لم يكن في منزل المرء حرة
مدبرة ضاعت مروءة داره"
لغويا إذا كانت المروءة مأخوذة من مادة مرء فهى ما يطلقون عليه الإنسانية وهى كلمة معناها عند الناس عائم ولكنها فى الوحى كلمة تعنى الكفر فالإنسان وهو الكافر ملعون كما قال تعالى:
" قتل الإنسان ما أكفره"

والإنسانية أو المروءة فى العرف العام عند الناس هى القيام بأعمال غير واجبة أو أعمال لا يفعلها سوى أصحاب العزيمة كمن يقوم بالدخول بين متشاجرين يضربون رجلا فينقذه منهم غير مهتم بما يجرى له أو يجد حريقا فى مكان ولا أحد يتقدم لإنقاذ من فى الداخل أو اطفاء الحريق أو يجد من يغرق فيتقدم إلى المياه على الفور دون تردد لينقذه
المروءة أو المروة عند الناس إذا هى القيام بأعمال صالحة يتجنب عملها أغلبية الناس حفاظا على حيواتهم أو على صحتهم
وتحدث عن آدابها فقال :
"آداب المروءة :
…للمروءة آداب كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى ؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعا لما يحصله الإنسان من آدابها ومراتبها . وقد وردت جملة من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة ، ومنها :
أن يكون ذا أناة وتؤدة ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة أو رعونة ، كأن يكثر الالتفات في الطريق ، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال ، وهكذا .
أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح ، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء .
أن يتحلى بالصراحة والترفع عن المجاملة والنفاق ، فلا يبدي لشخص الصداقة وهو يحمل له العداوة ، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفا عن السبيل .
ألا يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعد من سقطاته والمآخذ عليه ، وهو ما يشير إليه قول الشاعر :
فسري كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعمل خفيف ؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز قوله : " ليس من المروءة استخدام الضيف " .
أن يحسن الإصغاء لمن يحدثه من الناس ، لأن في ذلك دلالة على اهتمامه به ، وارتياحه لمجالسته ، وأنسه بحديثه . وإلى هذا المعنى يشير أبو تمام بقوله :
من لي بإنسان إذا أغضبته
ورضيت كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه
وبسمعه ، ولعله أدرى به
أن يكون حافظا لما يؤتمن عليه من أسرار وأمور لا ينبغي أن تظهر لأحد غير صاحبها . وفي هذا المعنى يقول المتنبي :
كفتك المروءة ما تتقي
وأمنك الود ما تحذر
والمعنى أن صاحب المروءة لا يفشي سرا وهو مؤتمن عليه " كما أن من الآداب التي يمكن أن تضاف إلى ما سبق ذكره من آداب المروءة : أن يترفع الإنسان بطوعه واختياره عن كل ما لا يليق به من الأقوال الباطلة والأفعال الشائنة والسلوكيات المنحرفة ، وأن يربأ بنفسه عن إتيانها أو الاتصاف بها ، قال الشاعر :
وحذار من سفه يشينك وصفه
إن السفاه بذي المروءة زاري
ويتبع لذلك أن لا تخالف أقواله وأفعاله ما جرت عليه العادة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحسنة ، المتوافقة مع تعاليم الشرع وتوجيهات الدين . وأن يحترم الآخرين بأن يتعامل معهم بما يحب أن يتعاملوا معه ، وألا يفضل نفسه بشيء عنهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإذا جلست وكان مثلك قائما
فمن المروءة أن تقوم وإن أبى
وإذا اتكأت وكان مثلك جالسا
فمن المروءة أن تزيل المتكا
وإذا ركبت وكان مثلك ماشيا
فمن المروءة أن مشيت كما مشى
وانطلاقا من كون المروءة ترتبط بالأعراف الإنسانية الصحيحة والعادات المقبولة في المجتمع ؛ فإنه ينبغي مراعاة أن ما يكون مخالفا للمروءة في بلد أو مجتمع ما ، قد لا يكون مخالفا لها في بلد أو مجتمع آخر ، وخير مثال على ذلك عادة كشف الرأس وعدم تغطيته للرجال التي تعد مقبولة في بعض البلاد ، وغير مقبولة في بلاد أخرى وفي هذا الشأن يقول الشاطبي : ".. مثل كشف الرأس ، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ؛ فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية وغير قبيح في البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ؛ فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة وعند أهل المغرب غير قادح "
ولهذا فإن كل سلوك يفعله الإنسان لا بد أن يخضع لميزان الشرع والعقل ؛ وألا يصادم النصوص الشرعية ، أو يكون مخالفا لما يستحسنه العقلاء ؛ فإن الشرع لم يأت بما يخالف العقل أبدا ، ولذلك " سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة ؟ فقال : العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل ". وهذا يعني أن على الإنسان العاقل أن يحافظ على مروءته لما في ذلك من الجمال والكمال والجلال ، وإلى ذلك يشير الشيخ محمد الخضر حسين ( شيخ الجامع الأزهر ) بقوله : " إذا نظرنا إلى تفاصيل الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها وجدناها تبعث على إجلال صاحبها وامتلاء الأعين بمهابته . ومن الحكم السائرة : ( ذو المروءة يكرم وإن كان معدما ، كالأسد يهاب وإن كان رابضا ، ومن لا مروءة له ، يهان وإن كان موسرا ، كالكلب يهان وإن طوق وحلي بالذهب ) ""
إذا المروءة هنا أقامها صالح مقام الإسلام فمنها تستقى الآداب وهو كلام لا يصلح أن يقال فكل شىء مأخوذ من كتاب الله وهذا اللفظ ليس فى القرآن
ثم حدثنا عن ما يزيل المروءة فقال :
خوارم المروءة :
"يقصد بالخوارم جمع خرم ، وقد جاء في المعجم : " انخرم الكتاب : نقص وذهب بعضه " ( 15 : 193 ) . وبذلك يكون المعنى المقصود من كلمة الخوارم تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه .
ولأن كثيرا من الناس قد اختل عندهم ميزان المروءة منذ أزمنة سابقة ، إلا أن الأمر زاد في هذا الزمان ، ولم يعد أكثرهم محافظا على كثير من آدابها الفاضلة وأخلاقها الكريمة ، وصفاتها الحميدة ؛ فإن هناك عددا من خوارم المروءة وقوادحها التي انتشرت بين الناس وأصبحت غير مستنكرة عندهم لكثرة من يمارسونها -ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم -حتى لقد صدق فينا قول الشاعر :
مررت على المروءة وهي تبكي
فقلت : علام تنتحب الفتاة ؟
فقالت : كيف لا أبكي وأهلي
جميعا دون خلق الله ماتوا
وفيما يلي ذكر لبعض خوارم المروءة التي تنتشر في مجتمعنا المعاصر سواء أكانت قولية أم فعلية ، ومنها :…
( 1 ) كثرة المزاح والمداعبة القولية والفعلية ولاسيما مع من لا يعرفهم الإنسان ؛ لما في ذلك من إسقاط هيبته ، والإقلال من مكانته ، و لأن كثرة المزاح مدعاة لحصول الخصام ، وإثارة الأحقاد في النفوس . قال الشاعر :
فإياك إياك المزاح فإنه يجري عليك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ويورث بعد العز صاحبه ذلا
وهنا يجدر التنبه إلى أن هذا لا يعني أن يكون الإنسان عبوسا منقبضا ؛ فإن هذا مما يذم و يكره ، ولكن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جادا في قوله وعمله وكل شأنه ، مع شيء من البشاشة وطلاقة الوجه لما روي عن أبي ذر أنه قال : قال لي النبي (ص): " لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " . ( مسلم ، الحديث رقم 6690 ، ص 1145 ) .
كما ورد عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عماله :" امنعوا الناس المزاح ؛ فإنه يذهب بالمروءة ، ويوغر الصدور " ( 9 : 241 ) . وما ذلك إلا لما ينتج عن كثرة المزاح - في الغالب - من الاستخفاف وقلة الهيبة وذهاب الحشمة ."
وبعض الروايات المستشهد بها هنا لا تصح فمنع المزاح حرام لأن الضحك منه المباح ومنه المحرم ثم قال :
( 2 ) أن يأكل الإنسان طعاما أو يشرب شرابا وهو يمشي في الأسواق والطرقات ، فهذا فعل وطبع يتنافى مع كمال المروءة ، ولا يتفق ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات . ولذلك فقد ورد أثر عن ابن سيرين أنه قال : " ثلاثة ليست من المروءة : الأكل في الأسواق ، والإدهان عند العطار ، والنظر في مرآة الحجام " ( 12 : 233 ) . ويتبع لذلك عادة قضم ما يسمى ( الفصفص أو الحب وغيره من أنواع المكسرات المعروفة ) أمام الناس ، ولا سيما في أماكن التجمعات والشوارع والأسواق والميادين العامة والمجالس لما في ذلك من مخالفة للمروءة ، وعدم احترام للآخرين في هذه الأماكن ."
هذا الكلام مخالف للإسلام فالرسل(ص) كانوا يأكلون فى الأسواق فهل كانوا عديمى المروءة ؟
قطعا لا وفى هذا قال سبحانه:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
ثم قال :
( 3 ) عدم احترام الصغار للكبار سواء أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات ، وعدم توقير كبار السن و إنزالهم منازلهم ، حتى أصبحنا في وقتنا الحاضر نرى الصغار يسابقون الكبار في كل شئ ، وقد يعارضونهم في الكلام ؛ أو يسخرون منهم والعياذ بالله ، وهذا أمر محرم ؛ لأن الله تعالى وهو رب العالمين يكرم ويجل ذي الشيبة المسلم .فقد روي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4843 ، ص 261 ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن على الآباء تربية أبنائهم على آداب المروءة وتعويدهم إياها منذ نعومة أظفارهم حتى لا تسبق إليهم الأخلاق والطباع السيئة فتحول بينهم وبين مكارم الأخلاق وجميل الطباع قال الشاعر :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا
فمطلبها كهلا عليه عسير
( 4 ) أن يعتاد الإنسان التبول واقفا لغير حاجة لاسيما في دورات المياه العامة ونحوها ؛ لأن الأولى أن يتبول الإنسان جالسا لما في ذلك من المنافع الصحية ، والاحتياط لعدم انتشار النجاسة أو التلوث بها أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك من مرض ونحوه فلا بأس في ذلك إن شاء الله ."
قطعا ليس هذا من احكام الإسلام فالمسلم يتبول بالطريقة التى تريحه طالما لا يراه أحد ثم قال :
( 5 ) الإكثار من تناول الطعام والإقبال عليه بنهم شديد لاسيما عندما يكون الإنسان مدعوا إلى وليمة أو نحو ذلك ؛ لما في ذلك من منافاة للأدب ، ولما فيه من مخالفة لهدي الإسلام عند تناول الطعام " وقد ذكر ابن عبد البر عن علي بن أبي طالب أنه كان إذا دعي إلى طعام أكل شيئا قبل أن يأتيه ، ويقول : قبيح بالرجل أن يظهر نهمته في طعام غيره " ( 6 : 141 ) "
هذا الكلام من ضمن التقعر فالجائع يأكل كما يحب طالما كان ملتزم بأحكام الطعام وكذلك الكلام التالى عن التكرع من ضمن التقعر :
( 6 ) التجشؤ بصوت مرتفع أو ما يعرف بعادة " التكعر " ، ويقصد بذلك إخراج صوت مرتفع ومزعج من الفم في حضرة الناس ، وعادة ما يكون التجشؤ نتيجة للشبع وكثرة الأكل . وهنا تجدر الإشارة إلى أن من أسوأ العادات وأكثرها أذى في الصلاة أن يتجشأ آكل الثوم ، أو البصل ، أو الكراث في صف المصلين فيزعجهم ويقطع خشوعهم وتخرج من فمه رائحة كريهة يؤذي بها عباد الله من الملائكة والمصلين ؛ فعن ابن عمر قال : تجشأ رجل عند النبي (ص)فقال : " كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2478 ، ص 649 ) "
والروايات لا تصح فالتكرع ليس على هوى الإنسان وإنما هو ردة فعل من الجسم ليس على كثرة الطعام وإنما على مرض ما فى الغالب أو على امتلاء المعدة بالهاء الذى يعنى الجوع وليس الشبع وهو كثرة الأكل ثم قال :
( 7 ) أن يأتي الإنسان ببعض الأقوال أو الأفعال الهزلية التي تضحك منه الناس كأن يقلد شخصا في كلامه ، أو حركاته ، أو نحو ذلك لغرض السخرية منه وإضحاك الآخرين عليه .ويعظم أمر هذا السلوك الخاطئ عندما يكون المقلد مبتلى بذلك الشيء أو تلك الصفة . فعن بهز بن حكيم قال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت النبي (ص)يقول : " ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2315 ، ص 557 ) ."
سبق أن ذكر صالح هذا فى المزاح وهو تكرار لما قاله ثم قال :
( 8 ) ارتداء بعض الناس وبخاصة من هم في سن الشباب للملابس الغريبة الوافدة ، لما قد يكون فيها من التشبه بأهلها ، أو لأنها لا تليق بالإنسان المسلم العاقل المتزن لا سيما في المساجد ، والأسواق ، و المجالس ، والأماكن العامة ومن هذه الملابس القبعات ، و الأقمصة الملونة ، والملابس الشفافة ، والملابس غير الساترة ، والبنطلونات والسراويل القصيرة ، وغيرها من الملابس المضحكة المزرية التي وفدت إلينا من مجتمعات غير محافظة على القيم والأخلاق الإسلامية ، والتي قد تكثر عليها الرموز والشعارات والعبارات المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف ، أو المخلة بالآداب ، والمنافية للأذواق السليمة "
الملابس طالما التزم فيها الإنسان مواصفات الزى من عدم التجسيم وعدم الشفافية وراحة الجسم فله أن يلبس ما شاء بغض النظر عن الألوان ثم قال :
( 9 ) إضاعة الوقت بالجلوس لوقت طويل في المقاهي والاستراحات وما في حكمها لغير حاجة ملحة وكلنا نعلم أن المقاهي وما شابهها تعد – في الغالب - من الأماكن التي يجتمع فيها أراذل الناس ورفاق السوء . وقد ورد عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه قال : " آفة المروءة إخوان السوء " ( 12 : 234 ) .
يضاف إلى ذلك ما في ارتياد هذه الأماكن من هدر للوقت وإضاعته فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والانحراف ؛ وهنا يجدر بنا أن نتذكر ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( أي حسرة وندامة ) ، وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة ، وما أوى أحد إلى فراشه ولم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة " ( ابن حبان ، ج 3 ، الحديث رقم 853 ، ص 133 ) ."
هذا الكلام المفروض أن يقال للسلطات التى تبيح افتتاح تلك الأماكن وهى أماكن تشغل الناس عن أسرهم والذنوب فيها كثيرة من ذكر الآخرين فى غيابهم وشرب الأدخنة والمخدرات وغير ذلك من المؤذيات ثم قال :
( 10 ) كشف العورات أمام الناس ، وهذا أمر محرم ومخالف للمروءة سواء أكان ذلك الكشف صادرا عن الرجال أم النساء ، ولا سيما في الاحتفالات والأعراس ، وعند ممارسة الألعاب الرياضية في الملاعب والمسابح والصالات المغلقة . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز كشف الفخذ ، ولا الصدر ، ولا الظهر ، ولا الأكتاف ونحوها لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله الذي أمر بالستر والعفاف والاحتشام . فعن زرعة بن عبد الرحمن عن جده جرهد أن النبي (ص)مر به وقد كشف فخذه فقال : " غطها فإنها عورة " ( الترمذي ، ج 5 ، الحديث رقم 2795 ، ص 110 ) ."
وهذا الكلام سبق ذكره فى حكاية الملابس وهو تكرار لا داعى له ثم قال :
( 11 ) قص شعر الرأس بأشكال غريبة وغير مألوفة ، وكلنا يعلم أنه قد انتشرت في هذا الزمان بعض قصات الشعر المضحكة المبكية وخاصة بين الشباب والشابات ، والتي يعلم الله أنها تشوه الشكل ، وتدل – دلالة واضحة - على فساد الذوق ، وحب التقليد ؛ كما تؤكد أن من يفعلها عامدا متعمدا ضعيف العقل ممسوخ الهوية ، لأنه مقلد للآخرين ممن لا دين لهم ولا مروءة ولا حياء ."
هذه المسئولية حاليا مسئولية السلطات التى تسمح بذلك أولا ولا تعاقب أحدا بحجة الحرية الشخصية ثم تحدث مكرر ما قاله عن المزاح واختراع الحكايات المضحة فقال :
( 12 ) كثرة الضحك والقهقهة بصوت عال ولا سيما في الأماكن العامة ؛ فقد جاء عند بعض أهل العلم قوله : " ويكره مضغ العلك لأنه دناءة " ويتبع ذلك عادة مضغ العلك ( اللبان ) أمام الناس ، وفي الأسواق ، وأماكن التجمعات ؛ وهو أمر لا يليق بالرجال على وجه الخصوص ؛ فقد ورد عن بعض السلف قولهم : " يكره العلك للرجل للتشبه بالنساء ، ما لم يكن للتداوي ، أو كان خاليا ببيته ونحوه لا في حضرة الناس ""
ثم تحدث عن الكلام الذي يسمى قلة الأدب فقال :
( 13 ) أن يتحدث الإنسان إلى جلسائه ببعض الأحاديث المخلة بالآداب ، وأن يخبرهم ( صادقا أو كاذبا ) ببعض القصص والمغامرات والأحداث الفاضحة بحجة الإمتاع و المؤانسة . وهذا أمر مخالف لما أمر الله به عباده من الستر وعدم نشر الفاحشة بين المسلمين .كما يتبع هذه المخالفة أن يتحدث الإنسان عن ما يقع بينه وبين امرأته من أمور خاصة ، أو وصف تفاصيل ذلك لما روي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها " ( مسلم ، الحديث رقم 3542 ، ص 609 ) . وما ذلك إلا لما في هذا الأمر من خيانة للأمانة ومخالفة للمروءة وآداب المسلم التي تمنعه من مجرد التعرض لهذا الأمر تصريحا أو تلميحا " وأما مجرد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجة فذكره مكروه لأنه خلاف المروءة " ( 13 : 241 ) ."
وقطعا بعض ما يسمى كلام قلة ألأدب هو كلام مباح عندما يراد منه التعليم لطاعة الله بعدم نسيان النصيب من الدنيا ثم قال :
( 14 ) الرقص والتصفيق والتمايل مع الأنغام المحرمة ، وهز بعض أعضاء الجسم أو تحريكها وغير ذلك من الحركات الساقطة التي يؤديها البعض في الاحتفالات والأعراس ونحو ذلك مما لا يليق بالإنسان المسلم ذكرا كان أو أنثى . حتى إن بعض أهل العلم وصف الرقص والتصفيق والتمايل إذا صدر عن الرجال بأنه : " خفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث لا يفعلهما إلا أرعن " "
كما سبق القول السبب فى شيوع ذلك هو تخلى السلطات الحالية عن دورها فى الإشراف على كل شىء ثم قال :
( 15 ) امتهان الشحاذة و مد اليد للناس من غير حاجة ضرورية تدعو إلى ذلك . وما عد التسول مما يخالف المروءة إلا لما في ذلك الفعل من احتمال الكذب ، والخداع ، والتحايل ؛ الأمر الذي يسقط مروءة الإنسان ويذهب ماء وجهه في الدنيا ولحمه في الآخرة ؛ فقد روي عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي (ص)قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله ، وليس في وجهه مزعة لحم " ( مسلم ، الحديث رقم 2396 ، ص 418 ) . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وما شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال
من الكذب الذي لا خير فيه وأبعد بالبهاء من الرجال
كما قال بعض أهل العلم : " إن من كان أكثر عمره سائلا ، أو يكثر ذلك منه ؛ فينبغي أن ترد شهادته لأن ذلك دناءة وسقوط مروءة "
و هنا تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من الشحاذين و المتسولين الذين اتخذوا سؤال الناس مهنة لهم ، وممن يتنقلون بين المساجد والجوامع وهم يحملون الأوراق والصكوك والتقارير الطبية ليستشهدوا بها على فقرهم وحاجتهم الزائفة ، وقد يحمل بعضهم أطفالا صغارا أو معاقين ليستدروا بهم عطف الناس وشفقتهم ، أكثرهم من الكاذبين والمحتالين الذين يحتاجون إلى تأديب وردع من الجهات المعنية ، فالواجب على الناس عدم الانخداع بهم أو التعاطف معهم ؛ لاسيما أنهم يحدثون كثيرا من التشويش والفوضى في بيوت الله تعالى ، ويتسببون في قطع خشوع الناس ومنعهم من الانشغال بالتسبيح والذكر بعد الصلاة ."
وفى نهاية كلامه تحدث خالطا بين الشرع والمروءة لأن الكلام يعتبر واحد فقال :
"وبعد ؛ فهذه بعض آداب المروءة وخوارمها التي تكثر في مجتمعنا ، والتي اتضح لنا -مما سبق -أن من آدابها ما يوافق الشرع ولا يتعارض مع الأعراف والعادات و التقاليد الحسنة ، وأن من خوارمها ما يخالف ذلك كله ؛ ولذلك فهو إما حرام بين لا يجوز ولا يباح ؛ وإما أنه ليس بحرام إلا أنه غير مقبول وغير مستحب . وهذا يعني أن هذه الصور المخالفة للمروءة تحتاج منا إلى أن نعيد النظر فيها متى وجدت عندنا ، وفي كل الأفعال والأقوال والتصرفات التي لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل .كما أن علينا أن نجتهد جميعا في تصحيح أخطائنا ، وأن نجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القول والعمل ، والالتزام بتعاليم الدين ، وتوجيهات سنة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وآداب تربيتنا الإسلامية السامية . وما أجمل قول الشاعر :
تأدب غير متكل على حسب ولا نسب
فإن مروءة الرجل الشـــــــــــــــــــــريف بصالح الأدب"

الجمعة، 26 نوفمبر 2021

قراءة فى كتاب إشارات مضيئة

قراءة فى كتاب إشارات مضيئة
مؤلفة الكتاب فندية العنزى وهو يدور حول مخالفات أى ذنوب ترتكب فى المشافى والعلاج وفى مقدمة الكتاب قالت:
"أما بعد:
الإنسان عجيبة هذا الكون الكبرى؛ إذ هو مناط التكليف وموضع الابتلاء والامتحان - مع ضعفه -، فالإنسان عجز يرتكز على ضعف، وجهل يرتكز على ضعف، وهلع يرتكز على ضعف، وعجلة ترتكز على ضعف وتلك نعوت قرآنية تقرر حقيقة ذلك المخلوق الضعيف. إنها للحظات ماتعة تلك التي يقضيها الإنسان يتأمل أسرار خلقه وحكمة إيجاده بعين العابد السائح، فهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان, لكنه امتحان سهل متى تعلق العبد فيه بربه وتوكل عليه، والابتلاء بالأمراض من جملة ما يعرض للمرء في دار العبور, ومن خلال هذه الأسطر أوجه رسالة مختصرة لبيان بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة سواء كانت طبيبة أو ممرضة أو مريضة وكلي أمل في أن تنقشها قارئتها في شغاف قلبها."
وتحدثت عن كون المرض تذكرة للغافل وموعظة للسليم فقالت:
"أختي المريض .. لقد جعل الله - عز وجل- من الأمراض تذكرة للغافل وموعظة للصحيح, فإنه لا يعرف قيمة الصحة إلا من عانى من المرض وآلامه، فلا يشاك المسلم بشوكة فيصبر عليها، إلا ويؤجر من الكريم, والمرض مع التقوى خير من الصحة والعافية مع الفسوق والعصيان، وإذا كان المرض حبسا للنفس عن الطغيان وارتكاب المعاصي فأي خير يزيد عليه؟! وبالمرض تعود القلوب إلى ربها صاغرة راجية، فيستقبلها ربها برحمته ولطفه."
والمرض وهو ضرر هو فتنة أى اختبار للمريض والمريضة ومن حولهم كما قال تعالى :
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
ثم حدثتنا عن بعض المخالفات التى تحدث أثناء العلاج والوجود فى المشافى فقالت:
"وإليك -أختي المريضة- بعض المخالفات التي قد تقع فيها كثير من النساء حين الذهاب للمستشفيات والعلاج لدى الأطباء فمن أبرز تلك المخالفات.
أولا: تساهل البعض من النساء في وجود المحرم معهن عند الدخول على الأطباء، ولم تدر تلك المرأة أن الخلوة بالرجل الأجنبي, وإن كان طبيبا لا تجوز، فإن تعذر وجود المحرم فلابد من وجود عدد من النساء ترتفع بهن الخلوة كالممرضة أو إحدى قريبات المرأة المريضة، ولعلي أذكر شيئا من الفتاوى في هذه المسألة؛ فقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن حكم دخول المرأة على الطبيب بحجة أنها بحاجة إلى العلاج؟ فأجاب فضيلته قائلا: (تتساهل بعض النساء وأولياؤهن بدخول المرأة على الطبيب بحجة أنها بحاجة إلى العلاج، وهذا منكر عظيم وخطر كبير لا يجوز إقراره والسكوت عليه). اهـ.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: وعلى كل حال فالخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة شرعا، ولو للطبيب الذي يعالجها لحديث: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، فلابد من حضور أحد معها سواء زوجها أو أحد محارمها الرجال، فإن لم يتهيأ فلو من أقاربها النساء, فإن لم يوجد أحد ممن ذكر وكان المرض خطيرا لا يمكن تأخيره
فلا أقل من حضور الممرضة ونحوها تفاديا من الخلوة المنهي عنها. انتهى كلامه "
قطعا لا يوجد فى كلام الله ما يسمى بحرمة الخلوة كلها فالخلوة مباحة طالما كانت لتنفيذ حكم من أحكام الله كطلب الزواج أو العلاج ونجد أن النبى(ص) خلا بالمجادلة كما قال تعالى " قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها" واختلى موسى(ص) بإحدى ابنتى الشيخ الكبير فى الطريق إلى بيتها واختلى يوسف(ص) بزوجة العزيز وطلب الله ممن يريد الزواج من أرملة فى العدة أن يختلى بها ويعرض عليها الزواج بالقول المعروف كما قال تعالى:
" ولا تواعدوهن سرا إلا أن تقولا قولا معروفا"
ومن ثم لا يوجد ما يسمى الخلوة المحرمة إلا الخلوة التى يرتكب فيها ذنب
وتحدثت عن تداوى النساء عند أطباء رجال مع توافر طبيبات فقالت :
"ومن المؤسف أيضا ما نسمعه ونشاهده من تداوي بعض النساء لدى الأطباء مع توفر الطبيبات من النساء, فعلى المسلمة أن تتقي الله في ذلك، فمتى وجدت طبيبة تقوم مقام الطبيب ولم تكن المريض بحاجة للكشف عند الطبيب لم يجز لها التساهل في الدخول على الأطباء مع وجود الطبيبات.
ومما يجب التنبيه إليه - إذا احتاجت المرأة للكشف عند الأطباء - أن لا تكشف للطبيب المعالج سوى موضع الحاجة, فيجوز للطبيب حينئذ أن ينظر إلى ما تدعو الحاجة إلى النظر إليه من جسمها، لأجل العلاج، وقد قال الفقهاء: (إن الضرورة تقدر بقدرها)؛ فلا يحل للطبيب أن يرى منها أو يمس ما لا تدعو الحاجة إلى رؤيته أو مسه، ويجب عليها ستر ما لا حاجة إلى كشفه عند العلاج.
ومن العجيب المؤسف أن تأتي المريضة وهي تشكو وجعا وألما في موضع ما من جسدها، ولكنها تكشف للطبيب موضع وأماكن لا حاجة لكشفها، كأن يكون الألم في يدها أو رجلها فتكشف وجهها أو أي موضع لا داعي ولا مصلحة طبية في كشفه, وفي هذا التصرف نوع تساهل في الحجاب وتكشف للأجانب؛ فعلى المسلمة أن تجتهد في الحرص على الستر والاحتشام فالمرء بحاجة لعفو ربه ومعافاته, ومما يحسن ذكره هنا ذلك الأنموذج الفريد والحادثة التي ينبغي أن تكون موضع تأمل كل مؤمنة وعاقلة، وسأسوق لك -أختي الكريمة- الأثر الذي جسدت فيه امرأة مؤمنة أروع معاني العفة والحياء حتى في حال الضراء والمعاناة والابتلاء؛ فعن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة, قلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي (ص)فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله عز وجل أن يعافيك» قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها
ولك -أختي- أن تتأملي مع نفسك شأن هذه المرأة وما ضربته من أسمى وأجل مقامات الصبر على البلاء مع التمسك بالحجاب والحشمة, فرضي الله عنها وأرضاها ووفق الله نساء المسلمين للاقتداء بالصحابيات والتمسك بهديهن."
وهذا الكلام صحيح فيجب على المرأة الا تلجأ لطبيب فى وجود طبيبة إلا فى حالة ضرورة كعدم تخصص الطبيبة فى مرض المرأة أو كونها لم يؤتى علاجها ثماره المرجوة
وطالبت المؤلفة المريضات باتباع أحكام الله فى التداوى ودعاء الله فقالت:
"وأخيرا -أختي المريضة- قد لا أكون أتيت على جميع المخالفات في هذا الجانب، إلا أن الحلال بين والحرام بين، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فاحرصي -رعاك الله- على امتثال أوامر الله وأن لا يراك خالقك في مواضع مساخطه ومحارمه. ووصيتي إليك الأخذ بمنهاج الشارع في التداوي ومقاومة الأمراض، فعلى المسلم أن يأخذ بالوقاية - إن استطاع بإذن الله - أو يتداوي بالأدوية المباحة وفي إطار ضوابط الشرع وأحكامه, وأقول لكل من ابتليت بالأمراض وغيرها: إياك إياك أن تستطيلي زمان البلاء وتضجري من كثرة الدعاء، فإنك مبتلاة بالبلاء متعبدة بالصبر والدعاء ولا تيأسي من روح الله وإن طال البلاء."
ووجهت العنزى كلامها للطبيبة والممرضة فقالت:

"وبعد هذه العجالة, فلعلي أوجه رسالة أخرى إلى الأخت الطبيبة والممرضة، رسالة نابعة من قلب محبة ناصحة لأخواتها فأقول لأختي الطبيبة والممرضة:
اعلمي .. رعاك الله أن الرسالة التي تؤدينها رسالة إنسانية سامية, كيف لا وهي البلسم لآهات المرضى وأنينهم، فهي رسالة تعبدية متى احتسب المرء فيها الثواب، وامتثل أمر الشارع في تحري الصواب .. ومهنة الطب والتمريض مهنة تزيل بإذن الله أوجاع المرضى وتخفف آلامهم, ومن حكمة الله عز وجل أن يجعل رزق أناس في آلام غيرهم، وقد تكفل الله بالرزق للجميع.
وعلى كل العاملين في هذا المجال أن يتقوا الله في هذه ألأمانة، وأن يستشعروا مكانة الرسالة وعظم المسؤولية"
ثم تحدثت عن مخالفات تقع فيها الطبيبات والممرضات وكررت فى أولها حكاية الخلوة وقد سبق مناقشتها فقالت:
"وكي لا أطيل, أوجز بعض المخالفات التي تقع فيها بعض منسوبات المستشفى في نقاط مختصرة:
منها حصول الاختلاط والخلوة المحرمة؛ فإن الاختلاط بين النساء والرجال لا يجوز وفيه خطورة لا سيما إن كانت النساء متبرجات غير متسترات، فيجب الابتعاد عن هذا لسلامة الدين والعرض. وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم خلوة بعض العاملين في المستشفى بالمرأة سواء كانت طبيبة أو ممرضة أو غير ذلك, فأجاب رحمه الله بأن ذلك لا يجوز وليس للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية عنه، وليس للطبيب ولا لغيره أن خلو بالطبيبة أو الممرضة أو المريضة، فلا
يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة لا في غرفة الكشف ولا في غيرها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» ولما يفضي إليه من الفتنة إلا من رحم الله، ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال وحدهم وعلى النساء للنساء وحدهن. انتهى كلامه "
وحكاية كون الشيطان ثالث المختلين تناقض رواية تقول أن الشيطان ثالثهما ورابعها وهى رواية جريان الشيطان فى الإنسان مجرى الدم ومن ثم يكون طبقا لها يوجد اثنان من الشياطين والشيطان هو نفسه الإنسان عندما ينوى شرا أو يعمله وأكملت حديثها عن الخلوة فقالت:
"ومن صور الاختلاط أيضا خلوة الطبيب بالطبيبة، والممرض بالممرضة في المناوبات من ليل أو نهار، فقد أفتى سماحته في ذلك بقوله: (لا يجوز للمسئولين عن المستشفيات أن يجعلوا طبيبا أو ممرضا مداوما مع طبيبة أو ممرضة يبيتان وحدهما في الليل للحراسة والمراقبة، بل هذا غلط ومنكر عظيم، وهذا معناه الدعوة للفاحشة؛ فإن الرجل إذا خلا بالمرأة في محل واحد من ليل أو نهار فإنه لا يؤمن عليهما الشيطان أن يزين لهما فعل الفاحشة ووسائلها، ولهذا صح عن رسول الله (ص)أنه قال: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». انتهى كلامه "
وذكرت صورة أخرى من صور الاختلاط المحرم وهى الندوات الطبية وهى محرمة حتى لا سنظر الرجال للنساء والعكس مخالفين قوله تعالى:
"وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن"وقوله:
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" وفى هذا قالت:
"ومن صور الاختلاط أيضا .. حضور بعض الندوات التي تلقيها امرأة متبرجة أمام الرجال، فقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم حضور تلك الندوات بأن حضور الندوات الطبية مهم جدا لكل من الأطباء والطبيبات، لكن يجب ألا يكون في الندوات اختلاط بين الرجال والنساء، ودرءا للفتنة ودفعا للفساد، ويمكن الجمع بين تحقيق المصلحة الطبية وتفادي مفسدة الاختلاط بإقامة ندوات للأطباء خاصة وأخرى للطبيبات، وما قد يكون من نقص في ذلك يستدرك بنشر ما دار في ندوات هؤلاء وأولئك وكتابة ورسائل ومقالات ونشرها بوسائل الإعلام ونحوها، وبهذا تحصل المصلحة ويسلم الجميع من مضار الاختلاط، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم."
وذكرت العنزى بعض المخالفات من نساء المشافى وهى التبرج ووضع المساحيق والتعرى فقالت:
"وبعد هذه الجملة من الفتاوى، سأذكر ما يخص العاملات في المستشفى من أحكام الزينة واللباس والحجاب.
فبعض منسوبات المستشفى يضعن مساحيق التجميل, وقد يكون ذلك جهلا منهن بهذا - أثناء العمل؛ حيث أجاب العلامة ابن باز بأنه إذا كان يراهن الرجال فلا يجوز لهن ذلك، أما بين النساء فلا بأس، ويجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال بالنقاب ونحوه لقوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} وقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن}
والزينة تشمل الوجه والرأس واليد والقدم والصدر فكل هذا من الزينة.
ومن الزينة المنهي عنها التطيب عند الخروج حيث قال رحمه الله في هذا: (المرأة يجوز لها التطيب إذا كان خروجها إلى مجمع نسائي، ولا تمر في الطريق على الرجال، أما خروجها متطيبة في الأماكن التي فيها الرجال, فلا يجوز لقوله (ص) «أيما امرأة أصابت بخورا, فلا تشهدن معنا العشاء» ولأحاديث أخرى وردت في ذلك، ولأن خروجها بالطيب في طريق الرجال ومجامع الرجال كالمساجد من أسباب الفتنة بها، كما يجب عليها التستر والحذر من التبرج لقوله جلا وعلا {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} ومن التبرج إظهار المفاتن والمحاسن.
أما ما يتعلق بلباس العاملة في المستشفى؛ فالذي ينبغي على كل مسلمة الاحتشام في الملبس والتستر اللائق بها والابتعاد عن كل ما يدعو إلى الافتتان بها أو إيذائها من قبل أصحاب القلوب المريضة والأهواء الجامحة، ولما سئل سماحته عن بعض منسوبات المستشفى من طبيبات أو ممرضات أو عاملات نظافة يلبسن لباسا ضيقا ويكشفن عن نحورهن وسواعدهم وسوقهن, ما حكم الشرع في ذلك؟ قال: الواجب على الطبيبات وغيرهن من ممرضات وعاملات أن يتقين الله تعالى، وأن يلبسن لباسا محتشما لا يبين معه حجم أعضائهن أو عوراتهن، بل يكون لباسا متوسطا لا واسعا ولا ضيقا ساترا لهن سترا شرعيا مانعا من أسباب الفتنة لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن} ولقوله (ص) «المرأة عورة» وقوله: «صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا», وهذا وعيد عظيم؛ النساء الكاسيات العاريات هن اللاتي يلبسن كسوة لا تسترهن إما بقصرها وإما لرقتها، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة؛ مثل أن يكشفن رؤوسهن أو صدورهن أو سيقانهن أو غير ذلك من أبدانهن، وكل هذا نوع من العري, فالواجب على الطبيبات والممرضات وغيرهن تقوى الله في ذلك وأن يكن محتشمات متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة والله الهادي إلى سواء السبيل. اهـ.
ومن اللباس المحرم ذلك اللباس المخصص لغرفة العمليات الذي يظهر العنق والرقبة وقليلا من الشعر الخلفي والأذنين وجانبا من أعلى الخدين، حيث أفتت اللجنة الدائمة بأن هذا اللباس لا يكفي ولا يجوز الاقتصار عليه إذا كان يخالط العاملات بعض الرجال غير المحارم، وبالله التوفيق.
ومن المخالفات المنتشرة في المستشفيات ما يتعلق بصوت المرأة؛ فصوت المرأة المجرد الذي ليس معه خضوع ليس بعورة، فكون المرأة تتحدث مع الرجل بقدر الحاجة وفي الأمور التي لا فتنة فيها وبحدود الحاجة, فلا بأس، أما إن كان مصحوبا بضحك أو مباسطة في الكلام أو بصوت فاتن, فهذا محرم لا يجوز، لقوله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا}
يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان في هذه الآية: (القول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك بأن كان على طريق الضحك والمباسطة أو بصوت فاتن أو غير ذلك أو أن تكشف وجهها أمامه أو ذراعيها أو كفها، فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة، فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله وأن لا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم، وإذا كلمت الرجال فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة فيه).
وبهذا تعلمين -أختي المسلمة- أن الصوت المجرد الذي ليس معه خضوع ليس بعورة، لأن النساء كن يكلمن النبي (ص)عن أمور دينهن وهكذا كن يكلمن الصحابة في حاجتهن ولم ينكر ذلك عليهن."
والتبرج محرم وهو التعرى تعريا مخالفا لما أمر الله به كما قال تعالى :
" ولا تبرجن تبرج الجاهلية ألأولى"
ووضع مساحيق وألوان التجميل محرم لكونه تغيير لخلقة الله استجابة لقول الشيطان:
" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"
وتناست العنزى دور الدول فى هذه الذنوب فالمفروض أن تعين فى مشافى الرجال رجال أو فى أقسام الرجال رجال وفى أقسام مشافى النساء نساء
ثم حدثتنا عن ذنب أخرى فقالت:
"وهنا أود التنبيه إلى ما يقع من ارتفاع أصوات بعض الممرضات والطبيبات ومصافحتهن للرجال؛ فبعض منسوبات المستشفى تكون أصواتهن مرتفعة عندنا يتحدثن مع بعضهن أو مع زملائهن من الرجال, والبعض منهن تصافح الرجال من أطباء وغيرهم، وفي هذا يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: (الواجب على الأطباء والطبيبات أن يراعوا أحوال المرضى والمريضات وألا ترتفع أصواتهم عندهم، ويكون الكلام بالمعروف وأن لا تخضع مع الرجل في كلامها لما فيه من المحذور المفضي إلى الفتنة والفساد) , أما المصافحة فلا يجوز أن يصافح الرجل المرأة إلا إذا كانت من محارمه، أما إذا كانت الطبيبة أو الممرضة ليست من محارمه, فلا؛ لأن النبي (ص)قال: «إني لا أصافح النساء» , وقالت عائشة «والله ما مست يد رسول الله (ص)يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام»؛ فالمرأة لا تصافح الرجل وهو غير محرم لها, فلا تصافح الطبيب ولا المدير ولا المريض ولا غيره ممن ليسوا محرما لها، بل تكلمه الكلام الطيب وتسلم عليه من غير مصافحة ولا تكشف, فالواجب على المرأة التستر والبعد عن أسباب الفتنة، ومن أسباب الفتنة المصافحة).
ومما يذكر من الأدلة في منع مصافحة الأجنبية والنهي عنها ما ورد عن معقل بن يسار أن رسول الله (ص)قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» وقد ذكر الشيخ عبد الله الفوزان في كتابه (زينة المرأة) تعليقا على هذا الحديث يقول فيه: هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للرجل أن يمس امرأة أجنبية، وهي شريكته في الإثم إذا كانت مطاوعة، ومس البدن أبلغ في اللذة وأقوى في إثارة الغريزة وإيقاظ الشهوة من النظر بالعين، وتحريم مس المرأة أحد التدابير الوقائية التي وضعها الإسلام للحيلولة دون وقوع الفاحشة التي تفسد الفرد والمجتمع، وتقضي على العفة والطهارة وتؤدي إلى الهلاك والدمار).
وأما ما يتعلق بكشف الوجه من قبل العاملات في المستشفى, فإنه يحرم على المرأة كشف وجهها لغير محارمها، وليس هناك ضرورة لكشف الوجه في العمل بل الواجب التستر الكامل وتحري الحشمة ومن يتق الله يجعل له مخرجا."
والمصافحة ليست محرمة لأنها سبب من أسباب الوضوء كما قال تعالى:
"أو لا مستم النساء"
فلو كانت محرمة ما جعلها سبب لنقض الوضوء وكل روايات تحريمها لم يقلها النبى(ص) كما تخالف رواية أن امرأة عبادة بن الصامت كانت تفلى رأسه وهو نائم على حجرها
وأما رفع الصوت فمحرم فى المشافى لعدم إزعاج المرضى والمريضات
وطالبت العنزة فى النهاية النساء بمراعاة طاعة الله فى أحكامه المختلفة فقالت:
"والمخالفات في هذا الجانب كثيرة إلا أن كل مسلمة تغار على دينها وتعرف أحكام الشريعة ومقاصدها تتنبه لهذه المخالفات, وتتجنب الوقوع فيها كي تصون عقيدتها وحياءها وحجابها، فعنوان حياء المرأة وعفتها هو تمسكها بحجابها، فالإنسان ضعيف أمام الفتنة والشهوة ولكنه يمكنه أن يستعلي على ضعفه, وأن يكون قويا أمام الإغراء والإغواء والفتنة، ولا يكون هذا إلا بوسيلة واحدة هي أن يعوذ بالله ويلجأ إليه ويعتصم ويلتزم بشرعه ودينه، فحظ الإنسان من السعادة الحقيقة الدائمة في الآخرة هو بمقدار تمسكه في هذه الدنيا بما جاء عن ربه وسنة نبيه (ص)"