السبت، 31 أكتوبر 2020

قراءة فى كتاب قطيعة الرحم

قراءة فى كتاب قطيعة الرحم
الكتاب من تأليف محمد بن إبراهيم الحمد وهو يدور حول قطيعة الرحم كما قال الحمد فى مقدمته:
"قطيعة الرحم من الأمور التي تفشت في مجتمعات المسلمين، خصوصا في هذه الأعصار المتأخرة التي طغت فيها المادة، وقل فيه التواصي والتزاور، فكثير من الناس-والله المستعان-مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه "
وبين الناس فى القطيعة أنواع فمنهم قاطعها دون أى وصل وهناك من يواصل بقدر الآخرين وهناك من يواصل من قاطعوه فقال:
"ولقطيعة الرحم مظاهر عديدة; فمن الناس من لا يعرف قرابته بصلة; لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة، أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، أو بهما جميعا
ومن الناس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقيرهم، بل تجده يقدم غيرهم عليهم في الصلات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا-في الحقيقة-ليس بواصل، وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله، وهذا حاصل للقريب وغيره; فإن المكافأة لا تختص بالقريب وحده والواصل-حقيقة-هو الذي يصل قرابته "، سواء وصلوه أم قطعوه; ولهذا قال النبي":ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها""

وكان من المفترض أن يعرف الحمد قطيعة الرحم فقطيعة الرحم لا تعنى فى القرآن المعنى المعروف الشائع عند الناس وهو زيارة الأقارب والوقوف بجانبهم وإنما عصيان الوحى الإلهى الذى هو وسيلة الوصول إلى رحمة الله ومعنى العصيان الفساد فى الأرض أى نقض الميثاق وفى هذا قال تعالى :
"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون"وقال:
"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم"
وكان يجب على الرجل أن يبين أحكام بر الأقارب ومعاداتهم فى القرآن وهى :
أن من يجب مواصلتهم من الأقارب هم المسلمين والمعاهدين الذى لم يعتدوا على المسلمين بأى شكل من الأشكال كما قال تعالى:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين "
وأما الأقارب المعتدين الكفار فيجب قطيعتهم نهائيا حتى يسلموا او يتوبوا من الاعتداء ويسالموا المسلمين كما قال تعالى:
"إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
وقال فى عداوتهم ومقاطعتهم:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان"
واعتبر من يحب أقاربه الكفار كافر أى فاسق من قال:
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين"
ويجب أن نفرق بين نوعين من القطيعة :
الأول القطيعة بسبب الظروف المادية فمثلا هناك بعض الناس لا يملكون مالا للذهاب إلى أقاربهم فى البلاد البعيدة فهذه القطيعة لا تعتبر قطيعة لأن الظروف المالية القاهرة تمنع الإنسان من القيام بالواجب
الثانى القطيعة من النفس دون وجود سبب قاهر وهذه هى القطيعة المحرمة
وتحدث الرجل عن مظاهر أخرى فقال:
"ومن مظاهر قطيعة الرحم أن تجد بعض الناس ممن آتاه الله علما ودعوة-يحرص على دعوة الأبعدين، ويغفل أو يتغافل عن دعوة الأقربين، وهذا لا ينبغي; فالأقربون أولى بالمعروف، قال الله-عز وجل-لنبيه(ص):"وأنذر عشيرتك الأقربين " ومن مظاهر القطيعة أن تجد بعض الأسر الكبيرة قد نبغ فيها طالب علم، أو مصلح، أو داعية، فتراه يلقى القبول والتقدير من سائر الناس، ولا يلقى من أسرته إلا كل كنود وجحود; مما يوهن عظمه; ويوهي قواه، ويقلل أثره ومن مظاهر القطيعة، تحزيب الأقارب، وتفريق شملهم، وتأليب بعضهم على بعض هذا "
وما ذكره من أمر الدعوة خارج القطيعة لأن الدعوة واجبة للكل وبيس للأقارب وحدهم أو للأباعد وحدهم وكذلك حكاية كراهية الداعية القريب لأنم الكراهية جائزة الوقوع بين المسلمين كما قال تعالى "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا "
وقد عدد الرجل أسباب القطيعة إلى عشرين سببا ولا يوجد سوى سبب واحد وهو مشيئة النفس الكفر كما قال تعالى " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ويدخل ضمن الكفر الكثير مما قاله وهو :
"وسيأتي مزيد بيان لمظاهر القطيعة عند الحديث عن أسبابها إذا نظرت إلى قطيعة الرحم، وجدت أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة; منها:
1-الجهل: فالجهل بعواقب القطيعة العاجلة والآجلة يحمل عليها، ويقود إليها، كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يقصر عنها، ولا يبعث إليها
2-ضعف التقوى: فإذا ضعفت التقوى، ورق الدين لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولم يطمع بأجر الصلة، ولم يخش عاقبة القطيعة
3-الكبر: فبعض الناس إذا نال منصبا رفيعا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرا كبيرا-تكبر على أقاربه، وأنف من زيارتهم والتودد إليهم; بحيث يرى أنه صاحب الحق، وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه
4-الانقطاع الطويل: فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكلية، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد
5-العتاب الشديد: فبعض الناس إذا زاره أحد من أقاربه بعد طول انقطاع-أمطر عليه وابلا من اللوم، والعتاب، والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه
ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، والهيبة من المجيء إليه; خوفا من لومه، وتقريعه، وشدة عتابه
6-التكلف الزائد: فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة، وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه; خوفا من إيقاعه في الحرج
7-قلة الاهتمام بالزائرين: فمن الناس من إذا زاره أقاربه لم يبد لهم الاهتمام، ولم يصغ لحديثهم، بل تجده معرضا مشيحا بوجهه عنهم إذا تحدثوا، لا يفرح بمقدمهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود; مما يقلل رغبتهم في زيارته
8-الشح والبخل: فمن الناس من إذا رزقه الله مالا أو جاها-تجده يتهرب من أقاربه، لا كبرا عليهم، وإنما خوفا من أن يفتح الباب عليه من أقاربه، فيبدؤون بالاستدانة منه، ويكثرون الطلبات عليه، أو غير ذلك!

وبدلا من أن يفتح الباب لهم، ويستضيفهم، ويوسع عليهم ويقوم على خدمتهم بما يستطيع، أو يعتذر لهم عما لا يستطيع-إذا به يعرض عنهم، ويصرمهم، ويهجرهم، حتى لا يرهقوه بكثرة مطالبهم-كما يزعم-!
وما فائدة المال أو الجاه إذا حرم منه الأقارب? ...

9-تأخير قسمة الميراث: فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم; إما تكاسلا منهم، أو لأن بعضهم عنده شيء من العناد، أو نحو ذلك
وكلما تأخر قسم الميراث، وتقادم العهد عليه-شاعت العداوة والبغضاء بين الأقارب; فهذا يريد حقه من الميراث ليتوسع به، وهذا آخر يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وذاك يسيء الظن بهذا، وهكذا تشتبك الأمور، وتتأزم الأوضاع، وتكثر المشكلات فتحل الفرقة، وتسود القطيعة
10-الشراكة بين الأقارب: فكثيرا ما يشترك بعض الأخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما-دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، وإحسان الظن
فإذا ما زاد الإنتاج، واتسعت دائرة العمل-دب الخلاف، وساد البغي، وحدث سوء الظن، خصوصا إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبدا برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثر جدية من الآخر
ومن هنا تسوء العلاقة، وتحل الفرقة، وربما وصلت الحال بهم إلى الخصومات في المحاكم، فيصبحون بذلك سبة لغيرهم، قال الله-تعالى-:"وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم"

11-الاشتغال بالدنيا: واللهث وراء حطامها، فلا يجد هذا اللاهث وقتا يصل به قرابته، ويتودد إليهم
12-الطلاق بين الأقارب: فقد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين، إما بسبب الأولاد، أو بسبب بعض الأمور المتعلقة بالطلاق، أو غير ذلك
13-بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة: فمن الناس من تنأى به الديار، ويشط به المزار، فيبتعد عن أهله وأقاربه، فإذا ما أراد المجيء إليهم بعدت عليه الشقة، فتثبط عن المجيء والزيارة
14-التقارب في المساكن بين الأقارب: فربما أورث ذلك نفرة وقطيعة بين الأقارب، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال:مروا ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا"
قال الغزالي معلقا على مقولة عمر:وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم" وقال أكثم بن صيفي:تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة" ثم إن القرب في المسافة قد يسبب بعض المشكلات، التي تحدث بسبب ما يكون بين الأولاد من تنافس، أو مشادة، أو غير ذلك، وقد ينتقل ذلك إلى الوالدين، فيحاول كل من الوالدين أن يبرئ ساحة أولاده، فتنشأ العدواة، وتحل القطيعة
15-قلة تحمل الأقارب والصبر عليهم: فبعض الناس لا يتحمل أدنى شيء من أقاربه، فبمجرد أي هفوة، أو زلة، أو عتاب من أحد من أقاربه يبادر إلى القطيعة والهجر
16-نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات: فقد يكون عند أحد أفراد الأسرة وليمة أو مناسبة ما، فيقوم بدعوة أقاربه إما مشافهة، أو عبر رقاع الدعوة، أو عبر الهاتف، وربما نسي واحدا من أقاربه، وربما كان هذا المنسي ضعيف النفس، أو ممن يغلب سوء الظن، فيفسر هذا النسيان بأنه تجاهل له، واحتقار لشخصه، فيقوده ذلك الظن إلى الصرم والهجر

17-الحسد: فهناك من يرزقه الله علما، أو جاها، أو مالا، أو محبة في قلوب الآخرين، فتجده يخدم أقاربه، ويفتح لهم صدره، ومن هنا قد يحسده بعض أقاربه، ويناصبه العداء، ويثير البلبلة حوله، ويشكك في إخلاصه
18-كثرة المزاح: فإن لكثرة المزاح آثارا سيئة; فلربما خرجت كلمة جارحة من شخص لا يراعي مشاعر الآخرين فأصابت مقتلا من شخص شديد التأثر، فأورثت لديه بغضا لهذا القائل
ويحصل هذا كثيرا بين الأقارب; لكثرة اجتماعاتهم
..قال ابن عبد البر:وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح; لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء"
19-الوشاية والإصغاء إليها: فمن الناس من دأبه وديدنه وهجيراه-عياذا بالله-إفساد ذات البين، فتجده يسعى بين الأحبة لتفريق صفهم، وتكدير صفوهم، فكم تحاصت بسبب الوشاية من رحم، وكم ت-قطع-ت من أواصر، وكم تفرق من شمل وأعظم جرما من الوشاية: أن يصغي الإنسان إليها، ويصيخ السمع لها وما أجمل قول الأعشى:
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقا وإن كان الحبيب المقربا

20-سوء الخلق من بعض الزوجات: فبعض الناس يبتلى بزوجة سيئة الخلق، ضيقة العطن، لا تحتمل أحدا من الناس، ولا تريد أن يشاركها في زوجها أحد من أقاربه أو غيرهم، فلا تزال به تنفره من أقاربه، وتثنيه عن زيارتهم وصلتهم، وتقعد في سبيله إذا أراد استضافتهم، فإذا استضافهم أو زاروه لم تظهر الفرح والبشر بهم، فهذا مما يسبب القطيعة بين الأقارب وبعض الأزواج يسلم قياده لزوجته فإذا رضيت عن أقاربه وصلهم، وإن لم ترض قطعهم، بل ربما أطاعها في عقوق والديه مع شدة حاجتهم إليه
هذه بعض الأسباب الحاملة على الهجر وقطيعة الرحم مر بنا القطيعة، وأضرارها، وذكر شيء من الأسباب التي تحمل عليها
فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر العاقل أن يحذر قطيعة الرحم، وأن يتجنب الأسباب الداعية إليها، وما أحرى به أن يصل الرحم، وأن يبلها ببلالها، وأن يعرف عظيم شأن الرحم، ويتحرى أسباب وصلها، ويرعى الآداب التي ينبغي مراعتها مع الأقارب"

ثم عرف الحمد صلة الرحم فقال:
"فما صلة الرحم? وبأي شيء تكون? وما فضائلها? وما السبل والأسباب المعينة عليها? وما الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الأقارب?
قال ابن منظور:وصلت الشيء وصلا وصلة, والوصل ضد الهجران"
وقال:ويقال: وصل فلان رحمه يصلها صلة وبينهما وصلة: أي اتصال وذريعة" وقال:التواصل ضد التصارم" وقال: عن صلة الرحم:قال ابن الأثير: وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار, والعطف عليهم, والرفق بهم, والرعاية لأحوالهم, وكذلك إن بعدوا وأساءوا, وقطع الرحم ضد ذلك كله"

عرف الرجل الصلة بالإحسان ثم عدد بعضا من مظاهرها فقال:
"صلة الرحم تكون بأمور عديدة; فتكون بزيارتهم, وتفقد أحوالهم, والسؤال عنهم, والإهداء إليهم, وإنزالهم منازلهم, والتصدق على فقيرهم, والتلطف مع غنيهم, وتوقير كبيرهم, ورحمة صغيرهم وضعفتهم, وتعاهدهم بكثرة السؤال والزيارة-كما مر-إما أن يأتي الإنسان إليهم بنفسه, أو يصلهم عبر الرسالة, أو المكالمة الهاتفية
وتكون باستضافتهم, وحسن استقبالهم, وإعزازهم, وإعلاء شأنهم, وصلة القاطع منهم وتكون-أيضا-بمشاركتهم في أفراحهم, ومواساتهم في أتراحهم, وتكون بالدعاء لهم, وسلامة الصدر نحوهم, وإصلاح ذات البين إذا فسدت بينهم, والحرص على تأصير العلاقة وتثبيت دعائمها معهم وتكون بعيادة مرضاهم, وإجابة دعوتهم وأعظم ما تكون به الصلة, أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهذه الصلة تستمر إذا كان الرحم صالحة مستقيمة أو مستورة أما إذا كانت الرحم كافرة أو فاسقة فتكون صلتهم بالعظة والتذكير, وبذل الجهد في ذلك فإن أعيته الحيلة في هدايتهم-كأن يرى منهم إعراضا أو عنادا أو استكبارا, أو أن يخاف على نفسه أن يتردى معهم, ويهوي في حضيضهم-فلينأ عنهم, وليهجرهم الهجر الجميل, الذي لا أذى فيه بوجه من الوجوه, وليكثر من الدعاء لهم بظهر الغيب, لعل الله أن يهديهم ببركة دعائه ثم إن صادف منهم غرة, أو سنحت له لدعوتهم أو تذكيرهم فرصة-فليقدم وليعد الكرة بعد الكرة
ومما يحسن ذكره في دعوة الأقارب, ونصحهم أن ينبه على مسألة مهمة في هذا الباب, ألا وهي إحسان التعامل مع الأقارب, والحرص على دعوتهم باللين, والحكمة, والموعظة الحسنة, وألا يدخل معهم في جدال إلا في أضيق الحدود وبالتي هي أحسن; لأنه يلحظ على كثير من الدعاة قلة تأثيرهم في أسرهم وقبائلهم

وذلك يرجع إلى عدة أسباب, ومنها أن الدعاة أنفسهم لا يولون هذا الجانب اهتمامهم, ولو بحثوا في السبل المثلى التي تعين على ذلك لأفلحوا في دعوة أقاربهم ولأثروا فيهم أيما تأثير
ولعل من أهم تلك السبل أن يتواضعوا لأقاربهم, وأن يولوهم شيئا من الاهتمام, والصلة, والاعتبار, ونحو ذلك مما يحببهم بالأقارب, ويحبب الأقارب بهم كما أن على الأسرة أو القبيلة أن ترفع من شأن دعاتها, وعلمائها, وأن تجلهم, وتصيخ السمع لهم, وأن تحذر كل الحذر من تحقيرهم, والحط من شأنهم فإذا سارت الأسر على هذا النحو كان حريا بهم أن يرتقوا في مدارج الكمال, ومراتب الفضيلة"

ثم تكلم الرجل عن فضائل صلة الرحم فقال:
"أما فضائل صلة الرحم فحدث ولا حرج; ففضائلها كثيرة, وعوائدها جمة, وهذه الفضائل تنتظم خيري الدنيا والآخرة, ونصوص الكتاب والسنة في ذلك متظاهرة, وكذلك أقوال العلماء والحكماء, فمن تلك الفضائل ما يلي:
1-صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ":من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"
2-صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك -قال: قال رسول الله ":من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه"
ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر, وبسط الرزق الواردين في الحديث ما يلي:
1-أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله في عمر الإنسان الواصل, ويهبه قوة في الجسم, ورجاحة في العقل, ومضاء في العزيمة, فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال
2-أن الزيادة على حقيقتها; فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره, ويوسع له في رزقه ولا غرو في ذلك; فكما أن الصحة وطيب الهواء, وطيب الغذاء, واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر-فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا; فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة تدخل في إدراك الحواس, ومدارك العقول و أمور ربانية إلهية قدرها من هو على كل شيء قدير, ومن جميع الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته"
وقد يشكل هذا الأمر على بعض الناس فيقول: إذا كانت الأرزاق مكتوبة, والآجال مضروبة لا تزيد ولا تنقص, كما في قوله-تعالى-:" ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " فكيف نوفق بين ذلك وبين الحديث السابق?والجواب: أن القدر قدران:أحدهما: مثبت, أو مبرم, أو مطلق, وهو ما في أم الكتاب-اللوح المحفوظ-الإمام المبين-فهذا لا يتبدل ولا يتغير والثاني: القدر المعلق, أو المقيد, وهو ما في صحف الملائكة, فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات
قال شيخ الإسلام-ابن تيمية:والأجل أجلان: مطلق يعلمه الله, وأجل مقيد, وبهذا يتبين معنى قوله ":من سره أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه"فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا, وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا, والملك لا يعلم أيزداد أم لا, لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر, فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر"
وقال في موطن آخر عندما سئل عن الرزق: هل يزيد أو ينقص فأجاب:الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزقه, فهذا لا يتغير, والثاني: ما كتبه, وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب"

ثم إن:الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه; فإن كان قد تقدم بأن يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب, وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب, وما قدره له بغير اكتساب-كموت مورثه-يأتيه بغير اكتساب"
فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم, بل فيه تقييد المسببات بأسبابها, كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب, وقدر الولد بالوطء, وقدر حصول الزرع بالبذر, فهل يقول عاقل بأن ربط المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق, أو ينافيه بوجه من الوجوه?"

الرواية مخالفة لكتاب الله فى أقوال عدة منها :
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وقوله عن الأجل مسمى أى محدد :
"ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا"
كما يخالف ان سبب بسط الرزق صلة الرحم وبسط الرزق عائد إلى ما قدره الله ولو كان بطاعة الله ومنها صلة الرحم لمنع الله بسط الرزق عن الكفار ولكنه يبسط الرزق لهم كما قال تعالى ""فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"
ثم قال :
3--صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل: قال رسول الله ":إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: نعم, أما ترضين أن أصل من وصلك, وأقطع من قطعك? قالت: بلى, قال: فذلك لك"
4-صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة: فعن أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال: يا رسول الله, أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار, فقال النبي ":تعبد الله ولا تشرك به شيئا, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصل الرحم"
5-صلة الرحم طاعة لله عز وجل: فهي وصل لما أمر الله به أن يوصل
قال-تعالى-مثنيا على الواصلين:" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب "
6-وهي من محاسن الدين: فالإسلام دين الصلة, ودين البر والرحمة, فهو يأمر بالصلة, وينهى عن القطيعة, مما يجعل جماعة المسلمين مترابطة, متآلفة, متراحمة, بخلاف الأنظمة الأرضية التي لا ترعى ذلك الحق, ولا توليه اهتمامها
7-وهي مما اتفقت عليه الشرائع: فالشرائع السماوية كلها أمرت بالصلة, وحذرت من ضدها, وهذا يدل على فضلها, وعظم شأنها

8-صلة الرحم مدعاة للذكر الجميل: فهي مكسبة للحمد, مجلبة للثناء الحسن, حتى إن أهل الجاهلية ليتمدحون بها, ويثنون على أصحابها
9-أنها تدل على الرسوخ في الفضيلة: فهي دليل كرم النفس, وسعة الأفق, وطيب المنبت, وحسن الوفاء, وصدق المعشر ولهذا قيل:من لم يصلح لأهله لم يصلح لك, ومن لم يذب عنهم لم يذب عنك"
10-شيوع المحبة بين الأقارب: فبسببها تشيع المحبة, وتسود الألفة, ويصبح الأقارب لحمة واحدة, وبهذا يصفو عيشهم,وتكثر مسراتهم
11-رفعة الواصل: فإن الإنسان إذا وصل أرحامه, وحرص على إعزازهم-أكرمه أرحامه, وأعزوه, وأجلوه, وسودوه, وكانوا عونا له
ولم أر عزا لامرئ كعشيرة ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل
12-عزة المتواصلين: فالأرحام المتواصلون, المتوادون المتآلفون-يعلو قدرهم, ويرتفع ذكرهم, فيكون لهم شأن, ويحسب لهم ألف حساب, فلا يتجرأ أحد أن يسومهم خطة ضيم, أو أن يمسهم بلفحة من نار ظلم; فيظلون بأعز جوار, وأمنع ذمار بخلاف ما إذا تقاطعوا, وتدابروا; فإنهم يذلون ويسترذلون, فيلقون هوانا بعد عز, وضعة بعد رفعة, ونزولا بعد شمم"

وما ذكره الرجل من فوائد لصلة الرحم يكمن كله فى الحصول على رضا الله وهو دخول الجنة وأما التحاب والود فليس لازما أن يحدث وكذلك كثرة الرزق لأن الكراهية تحدث وتظل موجودة بين الأقارب رغم إحسان طرف للأخر كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم"
وذكر الحمد ما سماه آداب السلوك مع الأقارب فقال:
"هناك آداب يجدر بنا سلوكها مع الأقارب, وهناك أمور تعين على صلة الرحم; فمن ذلك ما يلي:
1-التفكر في الآثار المترتبة على الصلة: فإن معرفة ثمرات الأشياء, واستحضار حسن عواقبها-من أكبر الدواعي إلى فعلها, وتمثلها, والسعي إليها
2-النظر في عواقب القطيعة: وذلك بتأمل ما تجلبه القطيعة من هم, وغم, وحسرة, وندامة,ونحو ذلك, فهذا مما يعين على اجتنابها والبعد عنها
3-الاستعانة بالله: وذلك بسؤال التوفيق, والإعانة على صلة الأقارب

4-مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان: فهذا مما يبقي على الود ويحفظ ما بين الأقارب من العهد, ويهون على الإنسان ما يلقاه من شراسة أقاربه وإساءتهم
ولهذا أتى رجل إلى النبي"فقال: يا رسول الله, إني لي قرابة أصلهم ويقطعونني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي
قال:لئن كنت كما قلت, فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك"
قال الإمام النووي تعالى-في شرح هذا الحديث:وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم, بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم, ولا شيء على هذا المحسن, بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته, وإدخالهم الأذى عليه
وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم, وتحقرهم في أنفسهم; لكثرة إحسانك, وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم, كمن يسف المل وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك, كالمل يحرق أحشاءهم, والله أعلمفهذا الحديث عزاء لكثير من الناس ممن ابتلوا بأقارب شرسين, يقابلون الإحسان بالإساءة, وفيه تشجيع للمحسنين على أن يستمروا على طريقتهم المثلى; فإن الله معهم, وهو مؤيدهم, وناصرهم, ومثيبهم
ومن أجمل ما قيل في ذلك...

5-قبول أعذارهم إذا أخطأوا, واعتذروا: ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف-(ص)وإخوته, فلقد فعلوا به ما فعلوا, وعندما اعتذروا-قبل عذرهم, وصفح عنهم الصفح الجميل; فلم يقرعهم, ولم يوبخهم, بل دعا لهم, وسأل الله لهم المغفرة لهم
6-الصفح عنهم ونسيان معايبهم, حتى ولو لم يعتذروا: فهذا مما يدل على كرم النفس, وعلو الهمة; فالعاقل اللبيب, يعفو عن أقاربه وينسى عيوبهم, ولا يذكرهم بها...
7-التواضع ولين الجانب: فهذا مما يحبب القرابة بالشخص, ويدنيهم منه, وصدق من قال:
من كان يحلم أن يسود عشيرة
فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن مساوي من أسا
منهم ويحلم عند جهل الصاحب
8-التغاضي والتغافل: فالتغاضي والتغافل من أخلاق الأكابر والعظماء, وهو مما يعين على استبقاء المودة, واستجلابها, وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة
ثم إنه دليل على سمو النفس, وشفافيتها, وهو مما يرفع المنزلة, ويعلي المكانة والتغاضي والتغافل حسن مع جميع الناس, وهو مع الأقارب أولى, وأحرى وأجمل
قال ابن حبان :من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه, وترك التوقع لما يأتون من المحبوب-كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه, وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء"...

9-بذل المستطاع لهم: من الخدمة بالنفس, أو الجاه, أو المال
10-ترك المنة عليهم, والبعد عن مطالبتهم بالمثل: وقد مر بنا أن الواصل ليس بالمكافئ, فمما يعين على بقاء المودة أن يحرص الإنسان على أن يعطي أقاربه ولا يطالبهم بالمثل, وألا يمن عليهم بعطائه, أو زياراته, أو غير ذلك
11-توطين النفس على الرضا بالقليل من الأقارب: فالعاقل الكريم لا يستوفي حقه كاملا, بل يرضى بالقليل وبالعفو الذي يأتي من أقاربه, حتى يستميل بذلك قلوبهم, ويبقي على مودته لهم كما قيل:
إذا أنت لم تستبق ود صحابة
على دخن أكثرت بث المعايب
12-مراعاة أحوالهم, وفهم نفسايتهم, وإنزالهم منازلهم: فمن الأقارب من يرضى بالقليل, فتكفيه الزيارة السنوية, وتكفيه المكالمة الهاتفية, ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه والصلة بالقول فحسب, ومنهم من يعفو عن حقه كاملا, ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة, وبالملاحظة الدائمة; فمعاملتهم بمقتضى أحوالهم يعين على الصلة, واستبقاء المودة
13-ترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم: وهذا مما يغري بالصلة; فإذا علم الأقارب عن ذلك الشخص أنه قليل التكلف, وأنه يتسم بالسماحة-حرصوا على زيارته وصلته
14-تجنب الشدة في العتاب: حتى يألف الأقارب المجيء, ويفرحوا به; فالكريم هو الذي يعطي الناس حقوقهم, ويتغاضى عن حقه إذا قصر فيه أحد
ثم إن كان هناك من خطأ يستوجب العتاب فليكن عتابا لطيفا رقيقا
15-تحمل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل: وهذا أدب الفضلاء, ودأب النبلاء; ممن تمت مروءتهم, وكملت أخلاقهم, وتناهى سؤددهم, ممن وسعوا الناس بحلمهم, وحسن تربيتهم, وسعة أفقهم
فإذا ما عاتبهم أحد من الأقارب, وأغلظ عليهم لتقصيرهم في حقه-حملوا ذلك على أحسن المحامل; فيرون أن هذا المعاتب محب لهم, مشفق عليهم, حريص على مجيئهم, ويشعرونه بذلك, بل يعتذرون له من تقصيرهم; حتى تخف حدته, وتهدأ ثورتهفبعض الناس يقدر ويحب ويشفق, ولكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك إلا بكثرة اللوم والعتاب
والكرام يحسنون التعامل مع هؤلاء, ويحملون كلامهم على أحسن المحامل, ولسان حالهم يقول: لو أخطأت في حسن أسلوبك لما أخطأت في حسن نيتك
16-الاعتدال في المزاح مع الأقارب: مع مراعاة أحوالهم, وتجنب المزاح مع من لا يتحمله
17-تجنب الخصام وكثرة الملاحاة والجدال العقيم مع الأقارب: فإن كثرة الخصام والملاحاة والجدال تورث البغضاء, والانتصار للنفس, والتشفي من الطرف الآخر, بل يحسن بالمرء مداراة أقاربه, والبعد عن كل ما من شأنه أن يكدر صفو الوداد معهم
18-المبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب: فالهدية تجلب المودة, وتكذب سوء الظن, وتستل سخائم القلوب....

19-أن يستحضر الإنسان أن أقاربه لحمة منه: فلا بد له منهم, ولا فكاك له عنهم, فعزهم عز له, وذلهم ذل له, والعرب تقول:أنفك منك وإن ذن وعيصك منك وإن كان أشبا
20-أن يعلم أن معاداة الأقارب شر وبلاء: فالرابح فيها خاسر, والمنتصر مهزوم...

21-الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم: ومن الطرق المجدية في ذلك أن يسجل الإنسان أسماء أقاربه, وأرقام هواتفهم في ورقة, ثم يحفظها عنده, وإذا أراد دعوتهم فتح الورقة حتى يستحضرهم جميعا, ويتصل بهم إما بالذهاب إليهم, أو عبر الهاتف أو غير ذلك
ثم إن نسي واحدا منهم فليذهب إليه, وليعتذر منه, وليسع في رضاه ما استطاع إلى ذلك سبيلا
22-الحرص على إصلاح ذات البين: فمما ينبغي على الأقارب-وعلى الأخص من وهبهم الله محبة في النفوس-أن يبادروا إلى إصلاح ذات البين إذا فسدت, وألا يتوانوا في ذلك; لأنها إذا لم تصلح ويبادر في رأب صدعها فإن شرها سيستطير, وبلاءها سيكتوي بناره الجميع
23-تعجيل قسمة الميراث: حتى يأخذ كل واحد نصيبه, ولئلا تكثر الخصومات والمطالبات, ولأجل أن تكون العلاقة بين الأقارب خالصة صافية من المكدرات
24-الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة: فإذا اشترك الأقارب في شراكة ما فليحرصوا كل الحرص على الوئام التام, والاتفاق في كل الأمور, وأن تسود بينهم روح الإيثار والمودة, والشورى والرحمة, والصدق والأمانة, وأن يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحبه لنفسه, وأن يعرف كل طرف ماله وما عليه
كما يحسن بهم أن يناقشوا المشكلات بمنتهى الوضوح والصراحة, وأن يحرصوا على التفاني, والإخلاص في العمل, وأن يتغاضى كل منهم عن صاحبه, ويجمل بهم-أيضا أن يكتبوا ما يتفقون عليه
فإذا ساروا على تلك الطريقة حلت فيهم الرحمة, وسادت بينهم المودة, ونزلت عليهم بركات الشركة
25-الاجتماعات الدورية: سواء كانت شهرية أو سنوية أو غير ذلك, فهذه الاجتماعات فيها خير كثير; ففيها التعارف, والتواصل, والتواصي, وغير ذلك خصوصا إذا كان يديرها أولو العلم, والحصافة

26-صندوق القرابة: الذي تجمع فيه تبرعات الأقارب واشتراكاتهم, ويشرف عليه بعض الأفراد, فإذا ما احتاج أحد من الأسرة مالا لزواج, أو نازلة, أوغير ذلك بادروا إلى دراسة حاله, وساعدوه ورفدوه; فهذا مما يولد المحبة, وينمي المودة
27-دليل الأقارب: فيحسن بالأقارب أن يقوم بعضهم بوضع دليل خاص, يحتوي على أرقام هواتف القرابة ثم يطبع ويوزع على جميع الأقارب, فهذا الصنيع يعين على الصلة, ويذكر المرء بأقاربه إذا أراد السلام عليهم, أو دعوتهم للمناسبات والولائم
28-الحذر من إحراج الأقارب: وذلك بالبعد عن كل سبب يوصل إلى ذلك, فيبتعد الإنسان عن الإثقال عليهم, وينأى عن تحميلهم ما لا يطيقون, ومما يدخل في هذا أن يراعي القرابة أحوال الوجهاء, وذوي اليسار في الأسرة فلا يكلفوهم ما يوقعهم في الحرج, ولا يلوموهم إذا قصروا في بعض الأمور مما لا طاقة لهم بها; فبعض الأسر تكلف وجهاءها وأكابرها ما لا يطيقون, ولا تعذرهم عند أي تقصير
29-الشورى بين الأقارب: فيحسن بالأقارب أن يكون لهم مجلس شورى, أو أن يكون لهم رؤوس يرجعون إليهم في الملمات وما ينوب الأسرة من النوازل; حتى يخرجوا برأي موحد, أو مناسب يرضي الله, ويوافق الحكمة والصواب
ويحسن بأولئك الرؤوس أن يكونوا من ذوي الرأي, والسداد, والحلم, والبصيرة, وبعد النظر
30-وأخيرا: يراعى في ذلك كله أن تكون الصلة قربة الله: خالصة لوجهه وحده لا شريك له, وأن تكون تعاونا على البر والتقوى, لا يقصد بها حمية الجاهلية ولا عبيتها"

وما ذكره الرجل هنا ليس آدابا للسلوك مع الأقارب وإنما الكثير منها أحكام فى التعامل مع كل الناس مسلمين ومعاهدين كما لا يوجد شىء اسمه صندوق القرابة وإنما هناك بيت مال المسلمين هو الذى يغنى الكل وحديثه هنا عن مجتمعات الفساد التى نعيش فيها وليس عن المجتمع المسلم الذى يتبع مبدأ الرحمة كما قال تعالى " رحماء بينهم"

الجمعة، 30 أكتوبر 2020

نظرات فى كتاب الإخلاص

نظرات فى كتاب الإخلاص
الكتاب من تأليف عبد المحسن بن حمد العباد البدر وقد استهل البدر الكتاب بتعريف الإخلاص فى اللغة والاصطلاح فقال:
"هو في اللغة: تخليص الشيء وتجريده من غيره, فالشيء يسمى خالصا إذا صفا عن شوبه وخلص عنه, ويسمى الفعل المصفى المخلص من الشوائب إخلاصا, وفي الأول قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ}, فاللبن الخالص ما سلم وصفا من الدم والفرث ومن كل ما يشوبه ويكدر صفاءه, ومن الثاني قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, لا شَرِيكَ لَهُ}.
وفي الاصطلاح: تصفية ما يراد به ثواب الله وتجريده من كل شائبة تكدر صفاءه وخلوصه له سبحانه."

والتعريف الاصطلاحى بألفاظ أكثر وضوحا أن تكون الطاعة لله وحده فهو نفسه توحيد الله هو نفسه الإيمان والعمل الصالح وهو نفسه الاعتصام بالله وقد سماه الله إخلاص الدين لله فقال :
"إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين"
وتعرض لمنزلة الإخلاص فقال:
"منزلته: الإخلاص هو أساس النجاح والظفر بالمطلوب في الدنيا والآخرة, فهو للعمل بمنزلة الأساس للبنيان, وبمنزلة الروح للجسد, فكما أنه لا يستقر البناء ولا يتمكّن من الانتفاع منه إلا بتقوية أساسه وتعاهده من أن يعتريه خلل فكذلك العمل بدون الإخلاص, وكما أن حياة البدن بالروح فحياة العمل وتحصيل ثمراته بمصاحبته وملازمته للإخلاص, وقد أوضح ذلك الله في كتابه العزيز فقال: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}, ولما كانت أعمال الكفار التي عملوها عارية من توحيد الله وإخلاص العمل له سبحانه جعل وجودها كعدمها فقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} والإخلاص أحد الركنين العظيمين اللذين انبنى عليهما دين الإسلام, وهما إخلاص العمل لله وحده وتجريد المتابعة للرسول الله (ص) ولهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}, قال: "أخلصه وأصوبه", قيل: "يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل, وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل, حتى يكون خالصا صوابا, فالخالص: ما كان لله, صواب: ما كان على السنة". وقال شارح الطحاوية: "توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما؛ توحيد المرسل سبحانه وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم, فيوحده (ص) بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان, كما يوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل".
أدخلنا الرجل هنا فى متاهة الخالص والصائب فالخالص لا يمكن إلا أن يكون صوابا لكون الإخلاص الطاعة لله وحده لأن الله وصف الدين بالخالص فقال " ألا لله الدين الخالص"
كما أدخلنا فى متاهة كونهما أمرين فدين الله لله وحده وليس الرسول(ص) شريكا له فالقرآن وتفسيره الذى يسمونه السنة من عند الله لم يقل الرسول(ص) فيهما من عنده كلمة واحدة كما قال تعالى " ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين"
ثم تعرض الرجل لمحل الإخلاص فقال :
"محله: ومحل الإخلاص القلب, فهو حصنه الذي يقطن فيه, فمتى كان صالحا عامرا بسكناه وحده تبع ذلك صلاح الجوارح, ومتى كان خرابا سكن فيه الرياء وملاحظة الناس وكسب ودهم وتحصيل ثنائهم والطمع فيما عندهم, ويتبع ذلك سعي الجوارح لتحصيل هذه الأغراض الدنية, وليس أدل على ذلك وأوضح بيانا من قوله (ص): "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, إلا وهي القلب", وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وبيَّن تبعية الجوارح لما يقوم بالقلب بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرىء ما نوى, فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله, ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".والإخلاص مطلوب في الصلاة والزكاة والصيام والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفي كل ما شرعه الله من قول أو فعل, فيقوم الإنسان بتأدية ما شرع له, والباعث له عليه امتثال أمر الله خوفاً من عقابه, وطمعاً فيما لديه من الأجر والثواب.
والإخلاص مطلوب أيضا فيما يلتزمه الإنسان من الأعمال فهو مطلوب من العامل, ومن المستشار والمؤتمن والموظف, ومن المعلم والمتعلم, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يترتب على طلب العلم والإخلاص فيه من النتائج الحميدة, وما يترتب على فقده من العواقب الوخيمة بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه, وروى عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها, فقال: "ما عملت فيها؟" قال: "قاتلت فيك حتى استشهدت", قال: "كذبت؛ ولكنك قاتلت ليقال: جريء, فقد قيل", ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار, ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها فقال: "ما علمت؟" قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك" قال: "كذبت؛ ولكنك تعلمت ليقال: عالم وقرأت ليقال: قارىء, فقد قيل, ثم أمر به فسحب وجهه حتى ألقي على النار" الحديث.
ويروى أن معاوية رضي الله عنه لما بغله هذا الحديث بكى حتى أغمي عليه, فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله؛ قال الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}, ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "لا تعلّموا العلم لثلاث؛ لتماروا به السفهاء, ولتجادلوا به الفقهاء, أو لتصرفوا وجهة الناس إليكم, وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فإنه يبقى ويذهب ما سواه".

ناقض البدر نفسه فى الفقرة السابقة فقد قال أن المحل فى أول الفقرة القلب ثم جعل بقية الأعضاء التى تعمل مشاركة فيه من خلال الأعمال كقوله " والإخلاص مطلوب في الصلاة والزكاة والصيام والجهاد" وقال أيضا" والإخلاص مطلوب أيضا فيما يلتزمه الإنسان من الأعمال"
ومن فالإخلاص محله الإنسان كاملا نفسا وجسدا
ثم تحدث البدر على الحض على الإخلاص وبين فضله فقال:
"الحث عليه وبيان فضله:
ولما كان الإخلاص بهذه المنزلة التي تقدم وصفها جاء الشرع المطهر في الحث عليه والترغيب فيه وبيان فضله في آيات كثيرة وأحاديث عديدة, نذكر بعضها على سبيل التمثيل فمن ذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ}, وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}, وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّه} الآية.. وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, لا شَرِيكَ لَه} (الأنعام: الآية 162- 163), وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا} (الكهف: من الآية110), وقوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} (الزمر:14).
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لأصحابه في غزوة تبوك: "إن بالمدينة رجالا ما سرتم سيرا, ولا قطعتم واديا إلاّ كانوا معكم حسبهم المرض" وفي رواية: "إلاّ شركوكم في الأجر" متفق عليه واللفظ مسلم, ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك" متفق عليه ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم" رواه مسلم, ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" جوابا لمن سأله عن رجل يقاتل شجاعة ويقاتل الحمية ويقاتل رياء أيّ ذلك في سبيل الله, وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يكتسبه الإنسان في الدنيا بسبب الإخلاص إلى جانب ما أعده الله له في الآخرة من مثوبة بما ذكره صلى الله عليه وسلم من قصة الثلاثة الذين آووا إلى غار للمبيت فيه فانحدرت صخرة وسدّت عليهم باب الغار ففرج الله عنهم ذلك بسبب إخلاصهم الأعمال الصالحة له سبحانه وتعالى."

والنصوص التى استشهد بها تحض عليه ولكنها لا تذكر فضائله وهو ليس له إلا فضيلة واحدة وهى دخول الجنة وتكلم عن المناقض للإخلاص وهو الشرك فقال :
"ما يضاد الإخلاص وبم تحصل السلامة منه:
وكما أن الإخلاص تصفية الشيء مما يشوبه فإذا لم تحصل تصفيته انتفى الإخلاص.
إذا قام الإنسان بعمل محمود والباعث له عليه ابتغاء وجه الله سمّي عمله إخلاصاً فإذا فقد ذلك الباعث على العمل أو وجد ولكنه مشوب بباعثٍ آخر كالرياء انتفت التسمية, فإخلاص العمل لله وحده ينافيه, ويقابله أن يحلّ في القلب قصد المخلوقين التماساً لحمدهم وثنائهم وطمعاً فيما عندهم, ولما كان ذلك ينافي الإخلاص جاءت الشريعة الإسلامية بذم الرياء ومقت المرائين فقد قال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ, الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ, الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ, وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}. وأخبر أن الرياء من صفات المنافقين فقال: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى}, وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".ومن ابتلاه الله بهذا الداء العضال فعليه أن يسعى في تحصيل"

وتعرض لما سماه الأدوية النافعة القاضية على الشرك فقال:
"الأدوية النافعة التي تستأصله وتقضي عليه, ومن أبرزها شيئان:
أحدهما: أن يزهد فيما ينتظر من الناس من الثناء والعطاء.
والثاني: أن يحمل نفسه على إخفاء الأعمال.
وقد أوضح الأول منهما ابن القيم في الفوائد ص 148 فقال:" لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلاّ كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت, فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين الناس, وأقبل على المدح والثناء فازهد فيها زهد عشاق الدنيا والآخرة, فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص. فإن قلت: وما الذي يسهل عليّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهل عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلاّ وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره, ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه, وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهل عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين, ويضر ذمه ويشين إلاّ الله وحده, كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ مدحي زين وذمّي شين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الله عز وجل", فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ولا يشينك ذمه, وارغب في مدح مَنْ كل الزين في مدحه وكل شين في ذمه, ولن تقدر على ذلك إلاّ بالصبر واليقين, فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب, قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}, وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} " انتهى كلام ابن القيم رحمه الله وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى إخفاء العبادة ابتعاداً عن الرياء بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاّ ظله, "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".
فالحاصل أن العمل مذموم إذا كان الباعث عليه التماس حمد الناس وثنائهم, والطمع فيما عندهم, أما إذا عمل الإنسان العمل خالصا لله ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بسبب ذلك العمل فارتاح لذلك واستبشر به لم يضره, ولم ينقص من أجره, بدليل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يعمل العمل محبة لله فيحمد الناس عليه قال:" تلك عاجل بشرى المؤمن" رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه"

الشافى من الشرك هو مشيئة الإنسان الإيمان وليس غير هذا فإن آمن عمل صالحا والعمل الصالح يكون طاعة لله وحده لا يراد منه غيره سواء سموا ناس أو آلهة مزعومة أو غير هذا

 

الخميس، 29 أكتوبر 2020

نظرية الصليبى ونقد السواح فى أرض العهد القديم وتعارضهم مع القرآن

نظرية الصليبى ونقد السواح فى أرض العهد القديم وتعارضهم مع القرآن
فى كتاب الحدث التوراتى والشرق الأدنى القديم لفراس السواح يناقش نظرية كمال الصليبى عن أرض أحداث العهد القديم هادما إياها
نظرية كمال الصليبى تقوم على أن أرض أحداث العهد القديم لا يمكن أن تكون فلسطين وبقية الشام وإنما غرب جزيرة العرب وهى عسير والحجاز او ما يسمى ببلاد السراة
وهو يؤسس النظرية على أساس التقارب الصوتى بين القرى والمدن والأماكن الموجودة فى العهد القديم وبين أسماء القرى والمدن والأماكن فى غرب الجزيرة وفى هذا قال الصليبى فى كتابة التوراة جاءت من بلاد العرب ص13:
وأساس الكتاب هو المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة فى التوراة بالحرف العبرى وأسماء أماكن تاريخية أو حالية فى جنوب الحجاز وفى بلاد عسير مأخوذة إما عن قدامى الجغرافيين العرب ومنهم الحسن الهمدانى صاحب صقة جزيرة العرب وياقوت الحموى صاحب معجم البلدان أو عن المعجم الجغرافى للملكة العربية السعودية ....أضف إلى ذلك معالم الحجاز ومعجم قبائل الحجاز اللذين صنفهما المقدم عاتق بن غيث البلادى"
ومن أمثلة ما ذكره الصليبى حسب قول السواح:
"جرار جرر القرارة ص101 كنعان كنعن القتاع ص102 غزة غز آل عزه ص100 صيدون صيدن آل زيدان ص99 ثور صر زور الوداعة ص34 جبيل جبل القابل ص35 قادس قدش عين قديس ص93 سودم سدم دامس ص99 عمورة عمره الغمر ص99 مجدو مجد مقدى ص119 يافو يف وفيه ص120"ص12 واسم العهد القديم هو المذكور أولا بينما المكتوب صفحته هو الاسم فى غرب الجزيرة
وفى سبيل ذلك كما يقول السواح بدل وقلب الأسماء واعتبر الاسم واحد حتى ولو كان غير مطابق فى الحروف كلها
والناظر فى كتاب السواح يجد التالى :
-إصرار السواح على تسمية العهد القديم التوراة مع أنه يعترف أنها نص ملحمى أى ملحمة شعبية رواها البشر وأنها مرويات كاذبة والمفترض أنها يسميها كما سماها أهلها العهد القديم وفى المقدمة قال :
" لقد غدا من ناقلة القول اليوم التحدث عن صحة المرويات التاريخية أو المجادلة فى إمكانية اعتمادها مرجعا على هذه الدرجة من المصداقية أم تلك ذلك أن المعلومات التاريخية والأركيولوجية التى توفرت لدى الباحثين خلال النصف الثانى من القرن20 قد أظهرت بجلاء الطابع غير التاريخى لهذه المرويات وعدم اتساقها مع تاريخ فلسطين وبقية مناطق الشرق الأدنى القديم خلال معظم الفترة التى تغطيها الأسفار التوراتية"ص5
-أن الرجل كما يقول اعتمد فى نقده على الآثار ونصوص العهد القديم نفسه فى إثبات أوهام الصليبى مع عدم اعترافه بها كما قال فى ص6:
" ويتوجب على أن ألفت نظر القارىء الكريم منذ البداية إلى أن التوكيد على منطقة فلسطين كمسرح للحدث التوراتى لا يتضمن الإقرار بتاريخية هذا الحدث"
- أنه لا يوجد اتفاق بين التواريخ المعروفة للمنطقة فى الكتب والوثائق وبين أحداث وأماكن العهد القديم إلا نادرا وفى هذا قال السواح :
" والحقيقة الساطعة هى أن الأراضى الشمالية للشرق الأدنى قد مسحت وحفرت من قبل أجيال من علماء الآثار من أقصاها إلى أقصاها وان بقايا العديد من الحضارات المنسية قد نبشت من تحت الأرض ودرست وأرخت فى حين انه لم يعثر فى أى مكان كان على لأثر واحد يمكنه أن يصنف جديا على أنه يتعلق مباشرة إلى أى حدث بالتاريخ التوراتى وأكثر من ذلك فإن التوراة العبرية تذكر الآلاف من أسماء الأماكن وليس بين هذه اكثر من قلة قليلة تماثلت لغويا مع أسماء أمكنة فى فلسطين وحتى فى هذه الحالة فإن الإحداثيات المعطاة فى النصوص التوراتية لا تنطبق على المواقع الفلسطينية"ص16
-أن من درسوا الآثار الخاصة بالمنطقة كلهم ليسوا من أهلها وإنما كلهم من الغرب وهو شىء غريب أن تمتلك دول المنطقة الآثار والوثائق ومع هذا من يقوم بدراستها واستنتاج التاريخ منها هم أهل الغرب وفى هذا قال :
" والحقيقة الساطعة هى أن الأراضى الشمالية للشرق الأدنى قد مسحت وحفرت من قبل أجيال من علماء الآثار من أقصاها إلى أقصاها وان بقايا العديد من الحضارات المنسية قد نبشت من تحت الأرض ودرست وأرخت"
فمثلا لفائف قمران لم يكن فى لجنة دراستها لا عربى ولا مسلم رغم أنها كانت ملك للحكومة الأردنية فى كثير منها وحتى السجلات التى تنسب لمصر وسوريا والعراق والشام كلها اكتشفها ناس من الغرب وحتى من فسروا الكتابات القديمة كلها فى بلادنا لا يوجد بينهم شخص من بلاد المنطقة وكأن هناك مؤامرة كبرى جرى عملها فى بلاد الأرض وهى أن الكفار الذى هدموا الدولة الإسلامية الأخيرة قاموا بعمل الأديان والحضارات الموجودة حاليا ووضعوا فى أماكن معينة السجلات التى تشير لعملهم وكل فترة تقوم الجهة الخفية المسئولة بإرسال البعثات لاستكشافها وأما ما يكتشفه أهل البلاد فيكون بمحض الصدفة لعدم علمهم
منهج نقد السواح لكتاب الصليبى هو منهج غريب ومنطق عجيب فالسواح لا يعترف بأن العهد القديم وحى من الله وإنما كتب كتبها البشر وأنها ليست سوى حكايا شعبية وفى هذا قال السواح عن الصليبى:
"لقد أدرك الصليبى ان الدفاع عن تاريخية التوراة وفق المعطيات العلمية الراهنة هو مسألة خاسرة"ص5
ومع هذا يقيم الصليبى نظريته على الكتاب المشكوك فيه وهو العهد القديم حيث قال فى كتابه التوراة جاءت من بلاد العرب :
"وقد قام هؤلاء بتحقيق دقيق للنصوص التوراتية بالأحرف الساكنة لكنهم ادخلوا الحركات والضوابط بصورة اعتباطية فى أحيان كثيرة مما غير إعراب الجمل وحور المعانى... ضبط المسوريين للتوراة لم يكن صحيحا فى مواقع كثيرة وقد قامت عدة محاولات لاعادة النظر فى هذا الضبط خصوصا من قبل العلماء الذين ص15حاولوا وما زالوا يحاولون تصحيح ترجمة الأسفار التوراتية لكن هذه المحاولات لم تف بالمطلوب حتى الآن لأن التحريف الذى أدخله الضبط المسورى على النص التوراتى هو أضخم بكثير مما يتصوره علماء التوراة "ص16
والسواح مثله يقيم نقده على نقض ما قاله الصليبى بالنصوص التى يقول عنها أن ملحمة روائية شعبية
وبناء على ما سبق فكتاب السواح قام على أسس باطلة وما كان ينبغى أن يؤلف لأنه لا يعترف أساسا بالنصوص فى العهد القديم التى استشهد بها على نقض كلام الصليبى ومن ثم لا يتبقى له من ذلك النقد سوى استشهاده بالسجلات التاريخية لدول الجوار
الغريب فى الأمر أن أحدا منهم لم يفكر فى مقارنة ما جاء فى القرآن من أماكن بتلك الموجودة فى العهد القديم وساعتها كان سيجد أن المسرح التاريخى لأحداث بنى إسرائيل سيكون العراق وإيران فالأنهار وملتقى البحرين وبابل وسبأ لا تتواجد بتلك الطريقة إلا فى تلك المنطقة
ومن الغريب أن هناك باحث يمنى اعتمد على نظرية الصليبى فى التقارب اللغوى فى كون المسرح التاريخى لأحداث العهد القديم كان اليمن وجاء بأسماء قرى ومدن وأماكن مثلما جاء الصليبى
كمل قلت فى بحث الكعبة الحلبية ليست الكعبة الحقيقية إن الكفار الذين هدموا دولة المسلمين الأخيرة نقلوا أسماء البلاد لبلاد أخرى لإضلال الناس عن مكان الكعبة الحقيقية فمصر الحالية لا يمكن أن تكون مصر القرآنية لكون القرآنية بها أنهار متعددة كما قال "وهذه الأنهار تجرى من تحتى"وهذا الوصف ينطبق على العراق ومجمع البحرين ينطبق على التقاء دجلة والفرات ويوجد نقطة التقاء أخرى بينهما لينطبق قوله " فلما بلغا مجمع بينهما"
الغريب فى أمر الباحثين فى العهد القديم أنهم تناسوا كون إبراهيم(ص) كان من العراق من أور الكلدان ومن ثم لو هاجر فسيهاجر لمنطقة قريبة ولن يهاجر إلى الشام لوجود صحراء كبرى بينهما ومن ثم فذريته كانت تتواجد فى البادية العراقية ومن الغريب أن القوم تناسوا أن اليهود الذين تعلموا السحر كانوا فى بابل وهى فى العراق الحالى وفى هذا قال تعالى " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت"
وحتى سبأ لابد إنها كانت فى المنطقة لأن وجود الجنتين عن اليمين وعن الشمال يستلزم وجود نهر فى وسطهما ليروى الجنتين كما أن سليمان (ص)كان قريبا منها والبعد بين اليمن والشام هائل لا يمكن أن يقطعه هدهد من خلال الصحراء ومن ثم لا يمكن أن تكون منطقة الأحداث لا فى الشام ولا فى الجزيرة العربية ولا فى اليمن وإنما الأقرب هى العراق وما جاورها من إيران
وحتى قرية لوط (ص) كانت قريبة منهم وهو الوحيد الذى آمن بإبراهيم(ص) كما قال تعالى " فآمن له لوط" ومن ثم فهو لن يبتعد كثيرا عن رسوله الذى آمن به
ومن ثم فالسجلات التاريخية التى تحدث عنها السواح فى بلاد المنطقة هى سجلات كلها كاذبة تم وضعها من قبل الكفار لأنها لا تتطابق لا مع القرآن ولا مع العهد القديم وقد قال الصليبى كلمة مع انها خطأ وهى أن ترجمة اللغات القديمة كانت خاطئة ولذا ينبغى مراجعة تلك الكتابات لمعرفة الصحيح إلا أنها تلقى الضوء على تزييف الغربيين للتاريخ
السجلات التاريخية لا يوجد بها موسى(ص) ولا بنو إسرائيل ولا العبور والسجلات التاريخية خالية من إبراهيم (ص) وذريته والسجلات التاريخية بها مئات الفراعنة بينما لا يوجد فى القرآن سوى فرعون واحد والسجلات التاريخية فى مصر الحالية لا وجود ليوسف(ص) والمجاعة وملك مصر فيها ولا وجود لأى نبى معروف فى السجلات
إذا نحن أمام أكذوبة كبرى وهى أن الآثار الحالية خاصة الوثائق والكتابات مزيفة تماما وعلماء التاريخ الذين يعتمدون الآثار كمصدر للتاريخ عليهم إما أن يصدقوا آثارهم وإما أن يكذبوا القرآن ولماذا نذهب بعيدا والتاريخ يزيف أمامنا فالحكام يقومون بتغيير لوحات المشاريع الرخامية فتخلع القديمة وتوضع مكانها الجديدة وكتب التعليم تغير فيها المعلومات التاريخية من آن لأخر كلما تغير الحاكم

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

نقد كتاب ترجمة القرآن الكريم2

نقد كتاب ترجمة القرآن الكريم
هذه جملة الأدلة التي احتج بها المؤيدون لجواز ووجوب الترجمة وهي الأولى بالاعتبار في نظري لمنحاها الايجابي المتسق مع مقاصد الدين وأهداف الشرع الإسلامي غير أن ذلك لا يعفينا من مناقشة الاعتراضات والحجج الوجيهة التي أثارها أصحاب الرأي الأول
1- قالوا: إن الترجمة بدعة وأمر لم يقدم عليه الأوائل وهذه حجة قد اندفعت بحصول ترجمة القرآن إلى الرومية والفارسية والحبشية على أقل تقدير فى حياة الرسول (ص) وبإقراره وكما لا يخفى على دارس أصول السنة فإن إقراره (ص) كفعله وقوله من حيث الحجية ولما حصلت وقبلت الترجمة من الرسول (ص) من حيث المبدأ فلا يضيرها وإن كانت وقتئذ على مستوى بسيط واقتضت الحاجة إلى أن ترفعها الآن إلى مستوى أكبر وعلى نطاق أوسع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن البدعة المزعومة ليست في عمل كل شيء لم يفعله الرسول (ص) وإلا لكان مجرد جمع القرآن في مصحف وتفسيره في صحائف وجمع السنة وغير ذلك مما قصد به خدمة الشرع الإسلامي بدعة ولا أحسب أن عاقلا يقول بذلك خاصة وأن الرسول (ص) قد أرشد إلى أن: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" فالترجمة إذن من قبيل السنة المأجور فاعلها لا من قبيل البدعة ولا السنة السيئة المذمومفاعلها وعلى أي فإن العمل ينتقل من حكم العادة إلى درجات العبادة بنية ودوافع صاحبه فالترجمة التي قصد بها وجه الله وخدمة الإسلام والمسلمين هي التي من قبيل السنة الحسنة فالترجمة كغيرها من الأفعال تحمد وتذم وفقا لجهد وصدق أو سوء نية صاحبها "

الكلام هنا ألقاه الكاتب دون دليل فلا توجد رواية واحدة على الترجمة المزعومة للقرآن إلى الرومية والفارسية والحبشية ثم قال:
"2- قيل: إن الترجمة تؤدي إلى إحجام المسلمين غير العرب عن دراسة اللغة العربية التي هي لغة القرآن والاهتمام بها، وهذه بدورها حجة لا تستند إلى دليل، فمجرد الترجمة لا يؤدي إلى هذه النتيجة لأن الترجمة كما يقول محمد أكبر: مجرد محاولة لمساعدة الدارس لفهم وإدراك النص القرآني وليست بأي حال بديلا له ومعلوم أيضا أن اللغة العربية تنتشر تبعاً للإسلام وليس العكس فإذا كان ذلك كذلك وإذا كان الغرض من الترجمة هو - نقل معاني القرآن من ناحية وتبليغ دعوة الإسلام لغير العرب من ناحية أخرى فينتظر من هذا الجهد كما هو ملحوظ- إدخاله الناس في دين الله أفراداً وأفواجاً وهم من بعد دخولهم الإسلام سيدفعون بأكثر من دافع وحافز لتعليم العربية لأن الترجمة ليست قرآناً والقرآن هو أساس الإسلام وكل مسلم يحس في نفسه الحاجة الماسة لتعلم العربية حتى يأخذ الإسلام من مصادره الأصلية والمؤثرة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "
هذه الدليل الكلام فيه ليس واضحا فالمسلمون لابد أن تكون لهم لغة تواصل مع لغتهم الأصلية حتى يقدروا مثلا على السفر عبر بلاد المسلمين للحج أو للجهاد فالمجاهدون إن لم يكونوا يتواصلون بلغة واحدة سيكون الجهاد ضائع والهزيمة ستأتى بعدم الفهم وحتى يقدروا على الزواج المختلط اللغات ثم قال:
"3- ثم قالوا: إن الترجمة قاصرة عن تحمل المعاني الكثيرة التي أودعها الله القرآن في نظم معجز بحيث لا يستطيع امرؤ أن يحيط بهذا المعاني ولا أن ينقلها بعد المحافظة على إعجازها اللفظي والمعنوي هذه دعوى صحيحة على فرض أن الترجمة تعتبر قرآنا الشيء الذي قررنا فساده من قبل وقصور الترجمة عن نقل الإعجاز اللفظي والمعنوي كقصور التفسير تماما عن نقله بل إن قصور الأخير أشد ومع ذلك لم يقل أحد ببطلان التفاسير بل هي ضرورة عند الجميع ولقد نوهت من قبل إلى أن معظما آراء المعارضين للترجمة مبنية على فهم خاطئ ألا وهو اعتبار الترجمة قرآناً ولم يستطع كثير من المفكرين المسلمين أن يتجاوزوا هذا الشعور يقول الأستاذ محمد أكبر في مقدمته لترجمة الإمام المودودي للإنجليزية: "ويجب أن ألفت النظر إلى مسألة هامة ذلك أن الاتجاه العام لدى كثير من الناس هو اعتبار الترجمة إلى اللغة الإنجليزية قرآنا وهذا لعمرو الله من الخطأ البين الخطير إذ ليست هناك ترجمة مهما بلغت من الجودة يمكن أن تسمو وتبلغ درجة القرآن العظيم"
إنه ولإزالة هذا اللبس والفهم الخاطئ سمى الإمام المودودي ترجمته للقرآن بالأردية تفهيم القرآن وعند ترجمة ذلك إلى الإنجليزية سميت: (The Meaning of the Quran) أي معاني لقرآن ولنفس السبب سمى الشيخ أبو بكر غومي ترجمته للقرآن إلى لغة الهوسا: معاني للقرآن بلغة هوسا "

عاد الرجل هنا للقول أن الترجمة ليست للقرآن وإنما لمعانى القرآن وهو إقرار لعجز البشر عن الترجمة الصحيحة مئة فى المئة لأى لغة وبين الرجل أن السبب الرئيسى فى العجز هو كون إعجاز القرآن فى نظمه لفظا ومعنى فقال"
"وفي الحقيقة فإن القول بأن إعجاز القرآن إنما هو في لفظه فقط تقليل من شأن القرآن وانتقاص من قدره ذلك أن المعنى والموضوع عاملان مهمان بالنسبة لجمال أي عمل ورغم أن إعجاز القرآن اللفظي مع غيره كان التحدي المباشر للعرب إلا أن معانيه وأحكامه وقصصه وأهدافه وتعاليمه ونبوءاته كل هذه مع غيرها تكون الإعجاز القرآني وإليك هذه المقتطفات التي تبين أن الإعجاز ليس قاصرا على النظم وحده
يقول الإمام السيوطي: "اعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهي:إما حسية وإما عقلية، وأكثر معجزات بني إسرائيل حسية، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية، ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزات العقلية الباقية ليراها ذووا البصائر كما قال (ص)"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا" أخرجه البخاري
قيل: إن معناه إن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عمر من الأعمار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون دليلا على صحة دعواه وقيل: المعنى أن المعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا" وقال الجاحظ: "بعث الله محمداً أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيباً وأحكم ما كانت لغة وأشد ما كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته ودعاهم بالحجة وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن ويدعوهم صباحاً ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذباً بسورة واحدة أو بآيات يسيرة وكلما ازداد تحدياً لهم بها لعجزهم عنها تكشف عن نقصهم ما كان مستورا وظهر منه ما كان خفياً فحين لم يجدوا حيلة قالوا: أنت تعرف من أخبار الأمم مالا نعرف فلذلك يمكنك مالا يمكننا قال: "فهاتوها مفتريات" فلم يرم ذلك خطيب ولا طمع فيه شاعر فدل ذلك على عجز القوم مع كثرة كلامهم واستحالة لغتهم وسهولة ذلك عليهم، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كان أنقص لقوله وأفسد لأمره وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أصحابه من بذل النفوس والخروج من الأوطان وإنفاق الأموال، وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات ولهم القصيدة العجيب والرجز الفاخر والخطب الطوال البليغة والقصار الموجزة ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم فمحال أكرمك الله أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر والخطأ المكشوف البين مع التقريع بالنقص والتوقيف على العجز وهم أشد الخلق أنفة وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد عملهم وقد احتاجوا إليه والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض فكيف بالظاهر الجليل المنفعة وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثاً وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه وقال ابن عطية: "الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علماً وأحاط بالكلام كله فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظه تصلح إن تلى الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر بعضهم يعمهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن أحداً من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن فما الغاية القصوى من الفصاحة والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا نرى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولاً ثم ينظر فيها وهلم جرا وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحر، وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبدع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد (ص)"
ويقول الخطابي: إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفا وأشد تلاوة وتشاكلاً من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام فإما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير
فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ودعائه إلى طاعته وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعا كل شيء منها موضع الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق منه مودعاً أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعائد منهم منبئا عن الكوائن المستقبلية في الأعصار الآتية من الزمان جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه وأدل عن وجوب ما أمر به ونهى عنه ومعلوم أن الإتيان بهذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر يعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله ومناقضته في شكله
ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ذوي الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقال: {نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم}
ومن ذلك ما روي عن ابن عباس قال: "جاء المغيرة بن شعبة إلى النبي (ص) فقرأ له القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوك لئلا تأتي محمداً لتعرض لما قاله قال: علمت قريش أني من أكثرها مالا قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك كاره له قال: فماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي نقول شيئاً من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإن لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: فدعني حتى أفكر فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر بأثره عن غيره"

المقتطفات أعلاه تؤكد أن هناك أكثر من وجه واحد للإعجاز القرآني، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يكون الإعجاز اللفظي مشتركاً في تصوير أي معنى أو جانباً عن معانيه السامية والمقصودة أصلاً بالتصديق والاتباع غير أن الإعجاز اللفظي ليس مقصودا لذاته وإنما أريد به نقل المعنى في أحسن صورة وأبلغها وأنجعها، حتى كان المعنى هو الغاية واللفظ هو الأداة والوسيلة، وكثير من الناس يعتقد أن القرآن أعجز العرب بفصاحته فحسب، ولكنه في الحقيقة أعجزهم بفصاحته وبمعانيه معا، فهم لم ينكروا أن الألفاظ والتعابير هي ألفاظهم وتعابيرهم وإن عجزوا عن نظم مثل نظمها ولكنهم قالوا إن هذه المعاني ليست مما عرفوا، وقالوا هي ليست من صنع البشر فنسبوها للكهنة وللجن، وعلى أي فمراد الله حتى من عجزهم عن بناء اللفظ إنما لينتبهوا ويعوا الحقيقة: إن هذا المعنى القرآني ليس من صنع البشر حتى يؤمنوا به ويعملوا بمقتضاه فيكتب لهم النجاح في الدنيا والنجاة والفلاح في الآخرة
والإعجاز القرآني جملة ومنه اللفظي إنما يتجلى للمسلمين على درجات متفاوتة وإن الذين يقفون على جل أسرار الإعجاز اللفظي فقط قلة حتى بين العرب فإذا غاب الإعجاز اللفظي على نسبة كبيرة من المسلمين العرب فهو على غيرهم من المسلمين أكثر غيابا، فلماذا والحال كذلك تضع العراقيل في وجه تبليغ الدعوة للناس كافة على أمر هو على أهميته وسيلة وليس غاية في حد ذاته، ليس ذلك فحسب بل إن هذه الوسيلة لا تدرك على أكمل وجه وأبلغه بمجرد تعلم اللغة العربية وإنما ببلوغ درجات عظيمة في علومها وفنونها، ومع ذلك فإن مفاتيح إدراك وجوه الإعجاز والمعاني القرآنية لا تكمن في اللغة فحسب وإن كانت اللغة أهم أدواتها، ولكن بشاشة الإيمان وصدقه وإخلاص القلب وصفاءه هي المصابيح التي تنير طريق المؤمن وتكشف خبايا هذا الكنز الميسر للمؤمنين إن شاء الله {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
وبشاشة الإيمان كما لا يخفى لا تدرك بكثير علم في الشرع ولا باللغة ولكن بنور الله الذي يعطاه من أصدق الله ونصره، فما سبق الناس أبو بكر بكثرة الصيام ولا قيام ولكن سبقهم بشيء في قلبه، وبالعبادة يرقى العبد إلى أعلى عليين فيدفعه ذلك إلى التعطش للمعرفة والتقرب إلى الله من خلال الحديث إليه مباشرة والأخذ من مأدبته: ألا إن مأدبة الله القرآن: فيجد المسلم - والحال كذلك - نفسه مدفوعاً إلى تعلم العربية وفنونها وهو الأفضل لأن الحاجة لتعلمها تأتي من خلال الحاجة لاستعمالها وذلك هو المحك الرئيسي للعلم وهذا"

إذا عاد الرجل ليقول بان ترجمة القرآن الصحيحة على يد البشر إلى لغة أخرى محالة وقد ناقشت فى كتب سابقة حكاية أن إعجاز القرآن هى مسالة من عمل البشر فالله لم يقل أن القرآن معجزة نظمية أو غير هذا وإنما هو اعتقاد الفقهاء
وبعد أن ناقش الرجل المسألة ووجدناه مرة يحرم ومرة يبيح عاد للإباحة الكاملة لترجمة القرآن وليس لمعانيه فقال:
"ما فعله ويفعله المسلمون الخلص كل يوم وبلغ به الأعاجم مكانة في اللغة بزوا فيها العرب وما كانوا ليبلغوها لولا هذا الحافز الديني
كان هذا القدر كافياً في الدلالة على أنه ليس ثمة ما يحرم ترجمة معاني القرآن لأي لغة أخرى بغرض تبليغ الدعوة الإسلامية إلى القاصي والداني، وما دامت الترجمة لم تحرم بالنص الشرعي ولم يجمع على تحريمها بناء على ذلك فقد أصبحت من الأمور الجائزة شرعا عملا بقاعدة: (إن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد الحظر)
ولكن الترجمة في نظري تتمتع بما هو أكثر من الجواز الشرعي فبينما انعدمت واندفعت النصوص والأدلة المانعة لها تضافرت الأدلة القوية المجوزة والموجبة لها، ابتداء من عمل وإقرار الرسول (ص) للترجمة وانتهاء بالشروح والتفسيرات والتخريجات المبنية على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وسبل الاجتهاد الأخرى
وفوق هذا وذاك هناك توجيه ثالث ينبغي أن لا يفوت على المسلمين: ذلك أن الرسول (ص) قد ابتعثه الله خاتما للنبيين وأرسله إلى الناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون أرسله بشيرا ونذيرا ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة فقال تعالى:
1- {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}
2- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}
3- {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
وأمر الرسول (ص) بأداء هذه الرسالة وتبليغ الأمانة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقال (ص) في نهاية وصيته لأصحابه في حجة الوداع: "ألا هل بلغت" قالوا: بلى قال: "اللهم فاشهد ثلاثا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى ممن سمع" كما ينبغي أن يؤدى الواجب وأمر المسلمين أن يحملوا الراية من بعده إلى يوم الدين إذ لا نبي بعده
وكما يقول الإمام الشاطبي: "وذلك أن العالم وارث النبي (ص) فالبيان في حقه لابد منه من حيث هو عالم والدليل على ذلك أمران: أحدهما: ما ثبت من كون العلماء ورثة الأنبياء وهو معنى صحيح ثابت ويلزم من كونه وارثاً قيامه قيام مورثه في البيان وإذا كان البيان فرضاً على المورث لزم أن يكون فرضا على الوارث أيضاً، ولا فرق في البيان بين ما هو مشكل أومجمل من الأدلة وبين أصول الأدلة في الإتيان بها فأصل التبليغ بيان لحكم الشريعة وبيان المبلغ مثله بعد التبليغ
والثاني: ما جاء من الأدلة على ذلك بالنسبة إلى العلماء فقد قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} والآيات كثيرة وفي الحديث: "ألا يبلغ الشاهد منكم الغائب" وقال: "لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" وقال: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل" والأحاديث في هذا كثيرة ولا خلاف في وجوب البيان على العلماء والبيان يشمل البيان الابتدائي والبيان للنصوص الواردة والتكاليف المتوجهة فثبت أن العالم يلزمه البيان من حيث هو عالم"
ومعلوم لدى الكافة أن الرسالة الإسلامية لم تصل بل ولم تبلغ صحيحة لكثير من أمم العالم اليوم فما على المسلمين إلا أن يشمروا ساعد الجد وأن يسعوا في تبليغها حية وصحيحة بكل سبيل إلى الناس أجمعين وما الترجمة إلا واحد من هذه الوسائل التي يمكن أن يؤدي بها هذا الواجب الذي حملوه عن الرسول (ص) ومن الله من قبل حيث قال: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} 2
وصحيح ما أعرب عنه الكثيرون من أن الترجمة لا يمكن أن تنقل المعاني القرآنية بكل دلالاتها وإيقاعاتها، بكل سحرها وروعتها المؤثرة في النفوس الملينة للقلوب، إلا أنه ومن خلال التجارب والترقي في فنون الترجمة القرآنية سيصل المسلمون - ما أخلصوا النية - إلى مستوى من الترجمة معقول ومقبول، ولقد نشأت الآن بعض الدراسات ورصدت بعض الملاحظات التي من شأنها أن تهدي إلى إزالة كثير من القصور الذي صاحب التراجم الأولى وعلى كل فما يدرك كله لا يترك كله ويقرر ذلك في بساطة الأستاذ محمد أسد في مقدمة ترجمته للقرآن فيقول: دون سائر الكتب فإن معاني القرآن وتعبيراته اللغوية يكونان كلا لا ينفصل فيه أحدهما عن الآخر، ذلك أن مكان الكلمة من الجملة وموسيقى العبارات والتركيب العضوي للجمل القرآنية والهيئة المثلى التي تتدفق فيها العبارات القرآنية الرمزية إلى دلالات واقعية حية بإيقاعات ونبرات محكمة مؤثرة، كل هذا يجعل من القرآن عملاً فريداً يعجز البشر عن ترجمته وفقاً لهذه الخصائص إلى أي لغة أخرى إلا أنه من الممكن أن تترجم رسالته (معانيه) بلغة معبرة ومفهومة لقوم كالغربيين لا يعرفون العربية البتة وكمعظم المسلمين غير العرب الذين لا تسعفهم حصيلتهم من العربية إلى أن يجدوا سبيلهم إلى القرآن دون مساعدة
إن واجب المسلمين تجاه العالم اليوم لأكبر من أن يؤدى بمجرد ترجمة القرآن وإنما يحتاج لمجهود أكبر من ذلك، فهو عالم حائر يتخبط ذهبت به المادة مذاهب ليس فيه المزيد من القوى لتحملها كما لم يعد في المادة نفسها مزيدا من البريق والجاذبية لتلهيه وتجذبه فضل أيما ضلال فما على المسلمين إلا أن يقدموا له الإسلام حيا يسعى بأعمالهم قبل أقوالهم
ولكي يتسنى للمسلمين أن يضطلعوا بهذا الدور الكبير والخطير لابد من أن يحرروا له فكرهم من معتقلات عصر الجمود الطويل ومن شعاراته التي تقول: ليس في الإمكان أحسن مما كان هذا وأن التحرر الفكري للاجتهاد العصري لن يتم بمجرد الوعي بأهميته وإنما لابد له من فهم واسع وعميق للشريعة واستخدام صحيح للطبيعة على ضوئه، إذا لن يتأتى إسهام فكري وعلمي جديد ذو شأن في هذا العصر إلا كان ناتجه رائدا على ناتج المعدلات الفكرية والعلمية الحاضرة والمتصوِرة وحيث أن المعدلات الراهنة تتنافس في حيز ضيق في القمة، فدربها قد أصبح مسدودا لكل طامح ولا يلوح في الأفق فكر - سوى الإسلام - يمكن أن يأتي بمعدلات جديدة وذلك لما فيه من إمكانية التزاوج بين علوم الشريعة والطبيعة بما يحقق التكامل الفطري الذي يفتقده الإنسان المعاصر، لأن الحضارة المادية سلبته جل مقوماته الروحية، وأي تصحيح لها من داخَله سيقلب كفة الميزان على غير هدى كما نشاهده في حركات الرفض الغربية والتصوف الإسلامية والرهبنة النصرانية، وما يرشح الإسلام للقيام بهذا الدور هو قدرته على الاحتفاظ بكَفتي الميزان في اعتدال، ومن هنا يأتي الإسهام بمعدلاته الجديدة الكاسحة إن شاء الله - فقد يتطلب الأمر من المسلمين فهما للإسلام أكثر إحاطة وعمقاً لكل من علم الوحي المنزل – الشريعة - وعلم الكون المفتوح- الطبيعة- ومن ضمن ما ينبثق عن علم الوحي الاستخدام الصحيح لعلم الطبيعة حتى يتم التزواج بين العلمين في اتساق وانسجام ليعطي كفاية إنتاجية عالية، لأن تفجير طاقات الإنسان بواسطة هذا التزاوج الواعي يفوق كل أسباب الدفع والحوافز الحالية، بل إنها جميعا كسر صغير من أسباب الدفع الديني في الحياة تحت ظل العقيدة الإسلامية "

االلل
والرجل هنا يستشهد بكلام محمد أسد ولكن الاستشهاد لا يوافق ما ذهب إليه لأنه محمد أسد يقول بترجمة معانى القرآن وليس القرآن نفسه فى قوله:

"كل هذا يجعل من القرآن عملاً فريداً يعجز البشر عن ترجمته وفقاً لهذه الخصائص إلى أي لغة أخرى إلا أنه من الممكن أن تترجم رسالته (معانيه) بلغة معبرة ومفهومة لقوم كالغربيين لا يعرفون العربية البتة"

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

نقد كتاب ترجمة القرآن الكريم

نقد كتاب ترجمة القرآن الكريم
المؤلف أحمد علي عبد الله من أهل نيجيريا وهو من أهل العصر وسبب تأليفه الكتاب كما جاء فى المقدمة:
"في حين أن موضوع ترجمة القرآن لا يأخذ حيزاً واسعًا ولا ضيقًا من الدارسين في البلاد العربية إلا أنه يستحوذ على قدر غير قليل من اهتمام الدارسين في البلاد الإسلامية غير العربية ومن المسلمين غير العرب وهذا بدوره يؤكد قواعد الشريعة الإسلامية الأصولية القائلة بأن الواقع المعاش في كل مكان وآن هو الذي يولد المشاكل والهموم الفقهية ومن ثم يسعى الفقهاء لتكييفها وحلها لمصادر الشرع الخالدة والمرنة مصداقا لقوله (ص)"تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" "ولقد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي" "
والكاتب يقول أن هذا الموضوع طرح منذ القدم ويجب معالجته دون دفن الرءوس فى الرمال فقال:
"وموضوع ترجمة القرآن الذي نحن بصدده الآن ليس من الموضوعات ولا المسائل الفقهية الجديدة بل هو قديم قدم الفقه الإسلامي وحي كحياة الشريعة الإسلامية التي من أصولها مجابهة الواقع لا مداراته وتحاشيه تتعامل الشريعة بوضوح وجرأة مع كل مسألة تنشأ في ظل سلطانها فتضع لها الحل وتعطيها الحكم الشرعي الملائم والمتسق مع مبادئها العامة وأحكامها الجزئية على عكس ما آل إليه الأمر اليوم من دفن الرؤوس في الرمال أمام الواقع الذي تفلت بسبب ذلك من حكم الشرع مما صور الشريعة بصورة العاجز عن معالجة هذا الواقع وما العجز في حقيقة الأمر إلا أن المسلمين خاصة أولي الأمر من الحكام والعلماء
قلنا تتعامل الشريعة مع كل واقع جديد مهما عظم بإيجابية وجرأة لأن من طبيعتها الشمول ومن خصائصها المرونة التي تتسع بها لاستيعاب كل جديد ومن عقيدتها أن تحكم حتى تقوم الساعة
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلام} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} "

ويطالب الرجل بالاجتهاد فى المسألة فيقول:
"وليس هنالك رهبة أو وجل في أعمال الشريعة لأن المجتهد فيها مأجور ما خلصت نيته وأفرغ جهده "أجتهد رأيي ولا آلو " فلئن أصاب في اجتهاده أجر مرتين: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وإن أخطأ في اجتهاده نال أجر الاجتهاد ولا يغرم شيئاً في الخطأ فعلام المهابة إذاً وإلام الاستكانة يا علماء المسلمين "
وقد بين الكاتب ما سيناقشه فى الكتاب فقال:
"والموضوع كما قدمنا قديم وأرى أن معالجته بشيء من الوضوح والواقعية تقتضي تقسيمه إلى قسمين:
القسم الأول: يعالج ما إذا كانت الترجمة قرآناً أم لا
القسم الثاني: يناقش الآراء الفقهية حول جواز الترجمة أو عدم جوازها باعتبارها تفسيراً لمعاني القرآن وأفضل أن أبدأ بالمسألة الأولى لأسباب منها:
1- من حيث الظرف التاريخي فإن المسألة الأولى طرحت نفسها أولا
2- ثم إنها أثرت سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الفكر الإسلامي في مجابهته للمسألة الثانية "

استهل الرجل كتابه بتعريف القرآن فقال:
"تعريف القرآن:
إن أجمع وأوضح ما قيل في القرآن هو قول الإمام الآمدي: "إن الكتاب: هو القرآن المنزل" وقلنا هو أجمع وأوضح لأن معظم التعريفات الأخرى تؤدي إلى متاهات لا حاجة للناس فيها في أمر جده معلوم لدى الكافة ومع ذلك، ومن أجل الدخول في الموضوع سنورد تعريف الإمام اليزدوي: "أما الكتاب فالقرآن المنزل على رسول الله المكتوب في المصاحف المنقول عن النبي (ص) نقلاً متواتراً بلا شبهة وهو النظم والمعنى جميعا في قول عامة العلماء، وهو الصحيح من قول أبي حنيفة عندنا إلا أنه لم يجعل النظم ركنا لازماً في حق جواز الصلاة خاصة وجعل المعنى ركنا لازماً والنظم ركناً يحتمل السقوط رخصة""
وقد أصاب الرجل باقتصاره على تعريف الآمدى وهو تعريف كتاب الله بكتابه وأما تعريف اليزدوى فسيجرنا إلى خلافات كالنظم والمعنى وعلى مذهب من وكذلك الأمر فى المصاحف لوجود مصاحف مختلفة
وناقش المؤلف تعريف اليزدوى فقال:
"القرآن نظمًا ومعنى:

وتعريف اليزدوي أعلاه يشير بوضوح إلى أن القرآن يتألف عند عامة العلماء من النظم العربي والمعنى معا تأليفاً لا تنفك فيه المعاني القرآنية عن ألفاظها العربية وأن النظم(العربي) المعجز جزء من ماهية القرآن والكل بدون الجزء مستحيل كما يقول النيسابورى ويدل النص من ناحية أخرى على ما نسب لأئمة الحنفية من خلاف حول المعنى السابق وما نسب للأحناف يصوره ما أورده النيسابوري قال:قال الشافعي: "ترجمة القرآن لا تكفي في صحة الصلاة لا في حق من يحسن القراءة ولا في حق من لا يحسنها"، وقال أبو حنيفة: "إنها كافية في حق القادر والعاجز" وقال أبو يوسف ومحمد: "كافية في حق العاجز لا القادر"2
وبناء على ما نقله النيسابوري يتضح أن أبا حنيفة: يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة وأن ذلك الجواز إنما هو للقادر على قراءته باللغة العربية وللعاجز معاً وإن الصاحبين خالفاه في هذا الإطلاق فرخصا للعاجز دون القادر وإن قراءة الترجمة في الصلاة تفيد أن المقروء قرآنٌ لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} والأجدر بنا أن نرجع إلى كتب الحنفية أنفسهم حتى نتعرف عن قرب على رأي الإمام وأصحابه في هذا الصدد ولكن قبل أن نشرع في ذلك ينبغي أن ننبه إلى أن أبا حنيفة ليسَ بعربي بل تربى وتأثر بالثقافة والحضارة الفارسية قبل الإسلام وعاش في منطقة العراق الحالية حيث كان يسكنها الفرس مع غيرهم من العرب والأجناس الأخرى لا غرو أن يجابه الإمام الأعظم وأي إمام في مكانته بمثل هذه المسألة الفقهية التي تعكس الواقع الذي كان يعيشه ذلك أن الناس يدخلون كل يوم في دين الإسلام وأنهم يعانون ويجابهون صعوبة في تعلم العربية لوقتها فهل من حاجة في أن يعرب لهم المعنى القرآني بلغتهم ليؤدوا الصلاة حتى حفظوا من السور القرآنية ما يغني عن ذلك أم أنه ليس هناك حاجة ابتداء لهذا التجوز؟؟ ولقد واجه هذا الواقع من قبل - ولكن بصورة أخف - سيدنا عبد الله بن مسعود قالوا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يعلم رجلاً أن شجرة الزقوم طعام الأثيم والرجل لا يحسنه، فقال: "قل طعام الفاجر، ثم قال عبد الله ليس الخطأ في القرآن أن نقرأ مكان العليم الحكيم إنما الخطأ بأن تضع مكان آية الرحمة آية العذاب" قلنا الظن بابن مسعود غير ذلك
تلكم كانت صورة من البيئة والظروف التي وجد فيها أبو حنيفة نفسه مضطرا لمجابهة مثل هذا الواقع الذي قلما يجابه إماماً كمالك بالمدينة أو الأوزاعي بالشام أو الشافعي بمصر"

وهاك موجزا لما جاء في كتب الحنفية في هذا الموضوع:
1- من حيث أن القرآن مؤلف من النظم العربي والمعنى معاً فمذهب أبي حنيفة ذلك كمذهب الجمهور حتى أن أبا حنيفة يعد كافرا كل من أنكر أن القرآن غير النظم العربي والمعنى معا
2- مع ذلك لم يجعل أبو حنيفة نظم القرآن ركناً لازماً بالنسبة للصلاة خاصة وذلك في تقديره لأن قراءة القرآن في الصلاة مبنية على شيء من التوسعة ومقصودها مناجاة الله وفوق ذلك فقد جعلت القراءة فيها على التيسير:
أ- لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (المزمل: 20)
ب- ولسقوط القراءة عن المأموم بتحمل الإمام وبسقوطها بخوف فوات الركعة في حين أن هذا لا يجوز في سائر أركانها
3- لكل ذلك جوز الإمام الاكتفاء في الصلاة بأداء الركن الأصلي من قراءة القرآن وهو المعنى الذي تتحقق به المناجاة ودليل ذلك أن القرآن نزل ابتداء بلغة قريش فلما شق على غير القرشيين من العرب رخص في قراءته باللغات السبع فقال رسول الله (ص)"أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف" فلما جاز للعربي أن يدع لغة قريش إلى لغته مع قلة الكلفة جاز من باب أولى لغير العربي أن يدع العربية لعجزه عنها والاكتفاء بالمعنى القرآني الذي هو المقصود
4- فالعدول إذن عن النظم العربي إلى الترجمة إنما هو رخصة كالمسح على الخفين والقصر في حال السفر
5- قصر الأحناف الرخصة على الصلاة خاصة ولا يصح عندهم تجاوزها إلى غيرها حتى أن أبا حنيفة حرم مداومة قراءة الترجمة في الصلاة نفسها
6- وفوق ذلك قيدت صحة الصلاة بالترجمة على اللغة الفارسية، لأنها كما يزعمون قريبة من فصاحة العربية
7- ورغم كل القيود السابقة فقد صح عن أبي حنيفة عدوله عن جواز القراءة في الصلاة بترجمة القرآن وبذلك يصبح الخلاف حول صحة الصلاة بالترجمة مجرد تاريخ يحكى على ما عليه الفتوى في المذهب الحنفي ويبسط الإمام عبد العزيز البخاري ثم يبرر ويوجه ما روي عن أبي حنيفة في هذا الخصوص ثم يقرر عدوله عن ذلك الرأي من خلال تعليقه على تعريف اليزدوي السابق للقرآن كالآتي:"ومنهم (أي من العلماء) من اعتقد أنه (أي القرآن) اسم للمعنى دون النظم وزعم الصلاة بغير عذر مع أن قراءة القرآن فيها فرض مقطوع به فرد الشيخ (يعني اليزدوي) ذلك وأشار إلى فساده بقوله وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة عندنا أي المختار عندي أن مذهبه مثل مذهب العامة في أنه اسم للنظم والمعنى جميعا، وأجاب عما استدل به الزاعم بقوله: لكن أبا حنيفة لم يجعل النظم ركناً لازماً له قال مبنى النظم على التوسعة لأنه غير مقصود خصوصاً في حالة الصلاة إذ هي حالة المناجاة وكذا بنى فرضية الصلاة على التيسير قال تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} ولهذا يسقط عن المقتدي بتحمل الإمام عندنا وبخوف فوات الركعة عند مخالفنا بخلاف سائر الأركان، فيجوز أن يكتفي فيه بالركن الأصلي وهو المعنى، يوضحه أنه نزل أولاً بلغة قريش لأنها أفصح اللغات فلما تعسر تلاوته بتلك اللغة على سائر العرب نزل التخفيف بسؤال الرسول (ص) وأذن بتلاوته بسائر لغات العرب وسقط وجوب رعاية تلك اللغة أصلاً واتسع الأمر حتى جاز لكل فريق منهم أن يقرءوا بلغتهم ولغة غيرهم وإليه أشار النبي (ص) بقوله: "أنزل القرآن بسبعة أحرف كلها كاف شاف" فلما جاز للعربي ترك لغته إلى لغة غيره من العرب حتى جاز للقرشي أن يقرأ بلغة تميم مثلاً مع كمال قدرته على لغة نفسه جاز لغير العربي أيضاً ترك لغة العرب مع قصور قدرته عنها والاكتفاء بالمعنى الذي هو المقصود فصار الحاصل أن سقوط لزوم النظم عنده رخصة كمسح الخف والسلم وسقوط شطر صلاة المسافر حتى لم يبق اللزوم أصلاً فتستوي فيه حال العجز والقدرة وفي قوله خاصة -تنصيص على أن فيما سواه من الأحكام من وجوب الاعتقاد حتى يكفر من أنكر كون النظم منزلاً وحرمة كتاب المصحف بالفارسية وحرمة المداومة على الاعتياد على القراءة بالفارسية وقيل الخلاف في الفارسية لأنها قربت من العربية فى الفصاحة فأما القراءة بغيرها فلا يجوز بالاتفاق وقد صح رجوعه إلى قول العامة رواه ابن أبي مريم عنه ذكره المصنف في شرح المبسوط وهو اختيار القاضي الإمام أبي زيد وعامة المحققين وعليه الفتوى"والصواب طبعاً ما ذهب إليه الكافة ورجع إليه أبو حنيفة من أن القرآن هو المعنى والنظم معاً والحاجة التي أدت بأبي حنيفة إلى أن يقول بعدم ركنية النظم في الصلاة خاصة قد اندفعت عند الجمهور بصورة تهمل فيها ركنية النظم وهو مذهب أولى بالاعتبار وادعى لبطلان ما ذهب إليه الأحناف ابتداء ولنا كما يقول النيسابوري: "أنه أي (ص) والخلفاء من بعده وجميع الصحابة ما قرءوا إلا هذا القرآن العربي فوجب علينا اتباعهم فكيف يجوز عاقل قيام الترجمة بأي لغة كانت وهي كلام البشر مقام كلام خالق القوى والقدر"

مما سبق يتبين أن تعريف كتاب الله بألفاظ البشر يجرنا إلى خلافات كثيرة فالرجل المختلف فيه هنا وهو أبو حنيفة اختلفوا فيما قاله
ومما سبق يتبين أن فى مسألة تغيير الألفاظ روايات تجوز الترجمة بمعنى التفسير وهو استبدال لفظ مكان لفظ كما روى عن عبد الله بن مسعود عن استبدال الأثيم بالفاجر وغيرهم وبناء عليها يجوز الترجمة من لغة إلى لغة كما فى فتوى أبو حنيفة والكلام هنا أنه لا يجوز استبدال لفظ مكان أخر حتى ولو كان له نفس المعنى كما لا يجوز أن يترجمه فرد من لغة إلى أخرى وهو ما طلبه الكفار من النبى(ص) بتبديل بعض ألفاظ القرآن فكان الرد الإلهى ان يقول :
"وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله"قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم"
فمهما بلغ علم الإنسان وحرصه على الترجمة الصحيحة فإن الخطأ سيقع فى الترجمة ومن ثم الوحيد القادر على الترجمة الصحيحة هو الخالق وحده وهى ترجمة حسب عقيدتى موجودة فى الكعبة الحقيقية فالقرآن مفسر فيها بكل اللغات القديمة والحديثة والتى ستحدث حتى لا يضل الناس بسبب ترجمات البشر الآخرين لهم
وناقش الرجل توسعة العلماء على الناس فقال:
"لقد وسع العلماء - وفقاً لقواعد الشريعة العامة - على الذين لم يتعلموا بعد ما يقيمون به الصلاة من القرآن
1- بالصلاة مع إمام يحسن أو يعرف ذلك
2- وإن لم تتيسر الصلاة في جماعة فيمكن له أن يؤديها بأي نوع من الذكر يعرفه
3- على أن يجد في حينه في تعليم القرآن وغيره من الأحكام التي يحتاجها في الصلاة
يقول الإمام ابن جوزي: "ومن لم يحسنها أي (أم القرآن) إن كان أبكم لم يجب عليه شيء، وإن كان يتعلمها وجب عليه تعلمها والصلاة وراء من يحسنها فإن لم يجد فقيل يذكر الله وقيل يسكت ولا يجوز ترجمتها خلافا لأبي حنيفة" وقال الحسن بن محمد: "إن لم يحفظ شيئاً من الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها من القرآن ثم ما ذكر من الأذكار ثم عليه بوقفة بقدرها فإن تعلم قرأ ما لم يفرغ منه"
وعن أبي هريرة قال:- كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله (ص)"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل" الآية يقول ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث قال ابن بطال: "استدل بهذا الحديث من قال تجوز قراءة القرآن بالفارسية وأيد ذلك بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء عليهم السلام كنوح (ص) وغيره ممن ليس عربياً بلسان القرآن وهو عربي مبين ويقول تعالى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ} والإنذار إنما يكون بما يفهمونه من لسانهم فقراءة أهل كل لغة بلسانهم حتى يقع لهم الإنذار به" وقال ابن حجر في أجزاء الصلاة من قرأ فيها بالفارسي: "والذي يظهر التفصيل، فإن كان القارئ قادراً على التلاوة باللسان العربي فلا يجوز له العدول عنه ولا تجزئ صلاته وإن كان عاجزاً وإن كان خارج الصلاة فلا يمتنع عليه القراءة بلسانه لأنه معذور، وبه حاجة إلى حفظها يجب فعلا وتركا، وإن كان داخل الصلاة فقد جعل الشارع له بدلا وهو الذكر وكل كلمة من الذكر لا يعجز عن النطق بها من ليس بعربي فيقولها ويكررها فتجزئ عن الذي يجب عليه قراءته في الصلاة حتى يتعلم، وعلى هذا فمن دخل في الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه"والقياس الذي عقده الأحناف لصحة القراءة بالترجمة في الصلاة على صحة القراءة بالأحرف السبعة هو قياس مع الفارق الكبير كما لا يخفى ذلك لأن العدول عن لغة قريش إلى أي لغة أخرى عربية لا يخرج القرآن عن عربيته ومع ذلك فهذه رخصة بموجب النص استثناء وما شرع رخصة واستثناء لا يصح القياس عليه كما هو مقرر في الأصول هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا أرى وجهاً لإلزام المرء بالصلاة من قبل أن يتعلم من القرآن والأحكام القدر الضروري لأداء الصلاة والصورة الوحيدة التي يمكن إلزامه بها إنما في الجماعة ما تيسر، ولا وجه لإلزامه بالصلاة لأنها كغيرها من الأحكام بنيت على أركان وشروط فما لم تكتمل الأركان وتحقق الشروط لا تتوفر لها أسباب الأداء بالأصالة ويقول تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} ويقول (ص)"لا صلاة لمن لا يقرأ فاتحة الكتاب " فما لم يستطع الإنسان أن يحفظ بفاتحة الكتاب أو أي جزء منها لا تلزمه الصلاة ما لم يفرط وإن فرط أثم على تفريطه
وبما أن الصلاة أصلا هي الصلة بين العبد وربه فللمرء مندوحة في أن يأتي بأسباب هذه الصلة الكثيرة والمتعددة الأوجه كالدعاء والذكر والتفكير دون الصلاة التي شرعت بكيفية وهيئة معلومتين فلا تؤدى إلا وفقا لتلك الهيئة أو وفقا للرخص المعلومة والتيسير الذي ذكره الله بالنسبة للقراءة في الصلاة هو متسق مع مبادئ الشريعة العامة في رفع الحرج عن العباد ولكن لا يمكن أن يستقل ذلك لإلغاء نظمه ركنية النظم العربي للقرآن وعلى المرء أن يحرص كل الحرص ويجند كل طاقاته لتعلم الفاتحة وغيرها من السور والأحكام حتى ينتظم في أداء هذا الركن الركين من الدين الإسلامي ألا وهي الصلاة "

وما سبق من توسعة هو خبل فأى إنسان لا يجيد العربية سيجيد فى يوم قراءة أى سورة صغيرة من خلال تقليد الإمام أو من يعلمه الإسلام أو من خلال القراءة خلف مذياع أو تلفاز أو مسجل ودعوى عدم حفظ شكر او سطرين أو خمسة من القرآن لغير القارىء بالعربية هى دعوى غير صادقة بدليل أن الناس يتعلمون اللغات المختلفة فلو كان تعلم تلك السطور محال فتعلم أى لغة محال
وعاد المؤلف لحيرة فقهاء المذهب الحنيفى فى رواية جواز الصلاة بالفارسية فقال:
"ويؤيد رأي الجمهور أن علماء الحنفية أنفسهم حاروا في توجيه المسألة المنسوبة لإمامهم قال عبد العزيز البخاري: "فإن قيل لما جاز الاكتفاء بالمعنى عنده في الصلاة من غير عذر لابد من أن يكون ذلك قرآناً إذ لا جواز للصلاة بدون قرآن وبالإجماع وحينئذ لا يكون الحد المذكور متناولاً له لعدم إمكان كتابة المعنى المجرد في المصحف ونقله بالتواتر وما تعلق المعنى به في العبارة الفارسية مثلاً ليس بمكتوب في المصحف ولا منقول بالتواتر أيضاً فلا يكون الحد جامعاً أولا يكون المعنى بدون النظم قرآنا فينبغي أن لا تجوز الصلاة قلنا إنما جاز الاكتفاء بالمعنى عنده إما لقيام المعنى المجرد في الصلاة مقام النظم والمعنى أو لقيام العبارة الفارسية الدالة على معنى القرآن مقام النظم المنقول كما قال أبو يوسف ومحمد في حالة العذر فيكون النظم المنقول المكتوب موجوداً تقديرا وحكما فيدخل تحته الحد ويكون الحد جامعاً ويفسر قوله المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلاً متواتراً بالكتابة والنقل حقيقة أو تقديراً أو نقول هو يسلم أن المعنى بدون النظم ليس بقرآن ولكن لا يسلم أن جواز الصلاة متعلق بقراءة القرآن المحدود بل هو متعلق بمعناه ويحمل قوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} على أن المراد وجوب رعاية المعنى دون النظم لدليل لاح له فلا يرد الإشكال"
فبرجوع أبي حنيفة عما كان يقول به من اعتبار الترجمة قرآنا في الصلاة على الرأي المفتى به في المذهب الحنفي اجتمعت كلمة المسلمين في الجملة على أن القرآن إنما هو النظم العربي والمعنى معا سواء كان ذلك بالنسبة للصلاة أو غيرها من الأحكام الشرعية وقلنا في الجملة لأن فريقا من الأحناف ما يزال يعتقد أن الرأي ما ذهب إليه الإمام أولاً لأن رجوعه عن هذا الرأي لم يصح في تقديرهم وهذا رأي مرجوح في المذهب الحنفي "

وتحدث الكاتب عن الترجمة مبينا الأسباب التى قالها المحرمون لها فقال:
"ترجمة معاني القرآن:
إذا ثبت بالدليل القاطع أن الترجمة لا تعتبر قرآناً لأن أحداً لم يقل بذلك ولأن الرأي المقيد الذي كان يقول به أبو حنيفة قد صح رجوعه عنه بنفسه، مما يدل على فساده من ناحية أخرى فما حكم ترجمة القرآن على وعي تام بأن الترجمة ليست قرآنا
أحكامهم على القرآن من خلالها
وما دام الأمر قد استقر بين المسلمين على أن الترجمة لا تعتبر قرآناً وإنما يقصد بها نقل معاني القرآن بحيث يتسنى للإنسانية الإطلاع عليها والاهتداء بتعاليمها فما علينا إلا أن نعالج المسألة من ناحية موضوعية فنورد ما لها وما عليها في ضوء القواعد الأصولية العامة والمبادئ الشرعية الحاكمة والترجمة المقصودة هنا هي نقل لمعاني وأحكام القرآن إلى لغة أخرى أشبه ما يكون الأمر بالتفسير كل ما هناك أن التفسير يهتم بإبراز الأحكام بأنواعها بينما تسعى الترجمة لإبراز الأحكام والمعاني تبعا لنقل روح وأهداف وإيقاع العبارة القرآنية ما أمكن
بالرغم من هذا فقد انبرى كما قدمنا فريق من المسلمين وقالوا بعدم جواز ترجمة القرآن وساقوا الحجج الآتية لتأييد ما ذهبوا إليه
1- إن ترجمة القرآن تعتبر بدعة خطيرة، أما إنها بدعة فلأن الأولين لم يقدموا على مثل هذا العمل وهم أقدر ما يكون عليه وهي في المقام الثاني خطيرة لما يترتب عليها من مفاسد كهجران اللغة العربية من قبل المسلمين غير العرب بعد اكتفائهم بالترجمة في تعلم القرآن ودراسته وتلاوته
2- إن إحجام الصحابة ومن بعدهم من المسلمين عن ترجمة القرآن أدى إلى انتشار اللغة العربية فتحقق من أجل ذلك ما لا يحصى من الفوائد بالنسبة للإسلام والمسلمين
3- أما عن واجب تبليغ الدعوة للناس كافة فيقول أصحاب هذا الرأي: "الواجب هو تبليغ مجمل الدعوة فلا ينبغي كل ما جاء بالقرآن بل يجب على تلك الأمم أن تشرع في تعلم العربية فور إسلامها حتى تستكمل دينها"
4- ثم قالوا: "إن عدم جواز الترجمة مبني أيضاً على قصور الترجمة عن تحمل المعاني الكثيرة التي أودعها الله القرآن بنظم عربي معجز فلا يستطيع كائن ما أن يحيط بهذه المعاني أولاً وأن ينقلها في المقام الثاني بحيث يحافظ على إعجازها اللفظي والمعنوي " أو كما يقول الأستاذ إبراهيم أنيس: "وفي الحق أنه لا يكاد المرء ينتهي من تصفح هذه الكتب وأمثالها حتى يحس في قرارة نفسه أن الوقوف على دلالات الألفاظ القرآنية أمر عسير المنال دونه صعوبات جمة، فلا يكاد يسلم المترجم لها من الزلل أو القصور في إبراز تلك الدلالات، وتصويرها بالقدر الذي يقارب ما هي عليه في منبتها القرآني من جمال وروعة وإعجاز لأهل اللسن والفصاحة في كل زمان ومكان"

ثم بين الرجل وجهة نظر المبيحين للترجمة فقال:
"ومن ناحية أخرى ذهب الأكثرون إلى القول بجواز بل بضرورة ترجمة القرآن لنقل روح وأهداف القرآن - ما أمكن - لمن لا يحسنون أو لا يعرفون اللغة العربية وحيث أن الأحناف قالوا بصحة تلاوة ترجمة القرآن في الصلاة فهم ومن باب أولى يجوزون ترجمته باعتبارها تفسيرا ونقلا لمعاني وأحكام القرآن كذلك أورد الإمام البخاري في صحيحه ما يدل على صحة ترجمة القرآن قياساً على صحة ترجمة غيره من كتب الله، وقد بنى على ذلك الفهم الإمام ابن حجر - في شرحه لصحيح البخاري - جواز ترجمة القرآن تحت باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها لقوله تعالى: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أورد البخاري الآتي وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان بن حرب: أن هرقل دعا ترجمانه ثم دعا بكتاب النبي (ص) فقرأه فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" وعن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله (ص)"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل " الآية وعن ابن عمر "أتى النبي (ص) برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فقال لليهود: ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما قال: فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاءوا وقالوا لرجل ممن يرضون أعور: أقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه قال: ارفع يدك فإذا فيه آية الرجم تلوح فقال: يا محمد إن عليهما الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما، فرأيته يجافى عليهما الحجارة"
في تعليقاته على هذه الأحاديث يقول ابن حجر: والحاصل أن الذي بالعبرية يجوز التعبير عنه بالعربية وبالعكس، وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا؟ الأول قول الأكثر قوله: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وجه الدلالة أن التوراة بالعبرية وقد أمر تعالى أن
تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فقضية ذلك الإذن بالتعبير عنها بالعربية ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث ابن عباس ووجه الدلالة فيه أن النبي (ص) كتب إلى هرقل باللسان العربي ولسان هرقل رومي ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه والمترجم المذكور هو الترجمان، والثاني حديث أبي هريرة ولقد أوردناه وما علق به ابن حجر من قبل
لقد أشار الإمام البخاري في هذا الباب إشارة كما أفصح ابن حجر في شرحه إفصاحاً على جواز الترجمة أخذاً من فعل الرسول (ص) وارتضائه ترجمة التوراة إلى العربية في حضرته وبإرساله الكتب التي تحمل الآيات القرآنية بلسان عربي إلى ملوك الأرض حينئذ إلى هرقل وكسرى والنجاشي وهم لا يفقهون اللسان العربي وهو يعلم أنها ستترجم لهم إلى لغاتهم المختلفة وذلك إقرار منه (ص) على جواز ترجمة القرآن إلى هذه اللغات وخبر إرساله بهذه الكتب إلى أولئك الملوك معلوم ومشهور
وقد نسب أيضا ابن الخطيب إلى ابن حجر قوله بجواز الترجمة في غير هذا المكان، إذ يقول: "وقد قرر الإمام ابن حجر وهو من كبار أئمة المحدثين وجوب الترجمة حيث يقول: إن الوحي متلو أو غير متلو إنما نزل بلغة العرب ولا يرد على هذا كونه (ص) قد بعث إلى الناس كافة عربا وعجماً وغيرهم، لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم"4
ويقول جار الله محمود الزمخشري تعليقاً على قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي ليفهموا عنه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا لا نفهم ما خوطبنا به كما قال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } فإن قلت لم يبعث رسول الله (ص) إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة، فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة، وإن لم تكن لغيرهم حجة، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضاً
قلت: لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو واحد منها ولا حاجة لنزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك، وتكفي التطويل فبقي أن ينزل بلسان واحد، فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول (ص) لأنهم أقرب إليه فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر قامت التراجم ببيانه وتفهيمه، كما نرى الحال ونشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها ما كلم أمته التي هو منها، يتلوه عليهم معجزا لكان ذلك أمرا قريبا من الإلجاء وهذا نص واضح وقاطع ليس في جواز الترجمة وحسب بل هو قائل بوجوبها اعتماداً على أن الرسول (ص) مبعوث للناس كافة برسالة القرآن التي ينبغي أن تصل للكل مفهومة حتى تقوم بها الحجة ولا سبيل لذلك إلا بالترجمة وسيأتي بيان ذلك
وختاما يقول الأستاذ محمد صالح سمك: "واستدل الإمام الشاطبي في الموافقات على جواز ترجمة القرآن بالقياس على ما هو حاصل من إجماع الأمة على تفسيره للعامة، ومن ليس له من الفهم ما يقوى به على إدراك كل معانيه الدقيقة وما الترجمة إلا تفسير وإيضاح لغير العرب حتى يفقه القرآن وأحكامه ويتدبر معانيه ومقاصده"

وتلك الأدلة المعتمدة على روايات واهية فترجمة العهد القديم وهو الكتاب المذكور فى الرواية وليس التوراة جائزة عند القوم فالروايات لم تقل التوراة لأن التوراة كانت قد حرف الكثير منها وأخفى الكثير منها كما قص القرآن علينا
ثم ما هو الدليل على أن التوراة أو الإنجيل أو غيرهم من كتب الوحى نزلوا بالعبرية التى لا وجود لها لأن بنى إسرائيل كانوا عربا أى يتكلمون العربية ومن المعروف فى التاريخ أن سكان المنطقة كانوا يتكلمون بالآرامية ومن ثم فلو نزل كتاب فسيكون بها ؟
وحكاية رسائل النبى(ص) للملوك لو صحت فلن تكون ترجمة للقرآن وإنما رسالة عادية وكان على الرسول الذاهب بها أن يشرح للقوم الإسلام لأنه لا يمكن أن يقبل أيا كان دين مكون فى الرسالة من صفحة أو عدة صفحات لأنه لن يقهم الدين إلا من خلال شارح مرسل يغرفهم كل التفاصيل وهو ما طالب الله رسوله 0ص) أن يعلمه لطائفة الفقهاء فى قوله " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
إذا النبى(ص) كان يعلم من كل شعب أى قوم عدد من الدعاة الإسلام حتى يرجعوا لشعوبهم لإبلاغهم الإسلام وبالقطع الرسائل لو أرسلت فلن تكون كما فى الروايات وإنما طبقا للآية فالمرسل لهرقل لابد ان يكون روميا كصهيب والمرسل للفرس لابد ان يكون فارسيا كسلمان
وكما قلت من الجائز أن يكون الرسول(ص) أعطاه الله القرآن بكل لغة فعلمه لكل واحد من قوم وفى العهد الجديد نجد أن كل رسول أرسله المسيح(ص) تكلم بلغة من ذهب إليهم دون تعلم حتى يبلغ الرسالة